Arkoun, Rodinson, Lewis, Cahen, Orientalism among Its Advocates and Opponents
Full text: 

الاستشراق بين دعاته ومعارضيه

محمد أركون، مكسيم رودنسون، برنارد لويس، كلود كاهن (ترجمة: هاشم صالح). بيروت: دار الساقي، 1994.

 

يشكل الاستشراق جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الغربية وتشكيلتها المعرفية. والكلام على الاستشراق يقودنا إلى مشكلة العلاقة بين المعرفة والسلطة: فهل هناك معرفة مستقلة عن السلطة، وهل أن الحقيقة لا يمكن أن توجد بصورة بريئة ومنزهة عن علاقات القوة؟ إن الإجابة عن هذين السؤالين تندرج في إطار سوسيولوجيا المعرفة. ودراسة الاستشراف الأوروبي والأميركي واحدة من المكونات الرئيسية لسوسيولوجيا المعرفة.

صحيح أن الاستشراق واكب الاستعمار الأوروبي الحديث، لكن من التعسف إدانة التشكيك كعلم مستقل، والأخطر من الإدانة التشكيك في المعرفة نفسها من خلال التشكيك في إمكان وجود المعرفة مستقلة عن السلطة.

لقد واجه الاستشراق، دوماً، اتهامات متواترة. وأقدم اتهام هو الذي يزعم أن المستشرق كان دائماً إما المستكشف الريادي الذي يسبق الاستعمار ويمهد له الطريق، وإما المستشار التقني للسياسي الأوروبي وللتاجر الأوروبي وللعسكري الأوروبي. والهجوم على الاستشراق شائع جداً في الأوساط العربية، وتطغى على نقاده لغة الاحتجاج والاتهام والتشكيك، وهذا منطقي في السياق التاريخي لنشوء ظاهرة الاستشراق قبل أن تتحول إلى علم، لأن العرب هم المغلوبون على أمرهم لا الغالبون، في حين كان الخطاب الاستشراقي يمتاز بلغة هادئة ومتزنة، وأحياناً متعجرفة، ذلك لأن لغة الاستشراق كانت واثقة من علمها وخبرتها؛ فالغرب هو الغالب، ليس اقتصادياً وسياسياً فحسب بل منهجياً ومعرفياً أيضاً.

كتاب "الاستشراق بين دعاته ومعارضيه" عبارة عن مجموعة من النصوص كتبها، في مناسبات متفرقة، مستشرقون معروفون رداً على دراسة لأنور عبد الملك نشرها سنة 1963 بعنوان: "الاستشراق في أزمة" (أنظر الترجمة العربية في مجلة "الفكر العربي"، العدد 31، بيروت، 1983)، وكذلك رداً على البروفسور إدوارد  سعيد في كتابه "الاستشراق" الذي صدر بالإنكليزية سنة 1978 (أنظر الترجمة العربية بعنوان: "الاستشراق: المعرفة السلطة، الإنشاء"، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1981). ومن الجدرير بالذكر أن أول مَن رد على إدوارد سعيد لم يكن مستشرقاً أوروبياً أو أميركياً بل أستاذاً جامعياً عربياً هو الدكتور صادق جلال العظم (أنظر: "الاستشراق والاستشراق معكوساً"، بيروت: دار الحداثة، 1981).

والكتاب يقدم للمستشرقين الفرصة للدفاع عن أنفسهم، وللرد على مهاجمي الاستشراق ومنتقديه. ويقدم في الآن نفسه، الفرصة للقارىء العربي للاطلاع على مثل هذا السجال المميز وهذه المحاججة الفكرية الثاقبة. ولا بد من التنويه بالجهد الكبير الذي بذله هاشم صالح في جمع مادة الكتاب ثم ترجمتها وضبط هوامشها ووضع حواشيها. وحسْب القارىء العربي، بعد هذا الجهد، أن بين يديه آراء مختلفة ومتعارضة وسجالية، الأمر الذي يتيح له هامشاً أوسع للنظر والمقابلة وتكوين الراي من غير وصاية أو وساطة.