وثائق إسرائيلية خطاب وزير الخارجية الإسرائيلي في الاجتماع الحادي عشر لمجلس التعاون بين إسرائيل والسوق الأوروبية المشتركة، بروكسل، 1/2/1993
Full text: 

السيد الرئيس، الزملاء الأفاضل،

أود في البداية أن أعبِّر عن امتناني على حُسن ضيافتكم لي وللوفد المرافق، وعلى إتاحتكم الفرصة لتبادل الآراء في القضايا المهمة المدرجة في جدول أعمالنا. إنه جدول أعمال التغيير، وجدول أعمال يبعث على الأمل.

إن السلام في أوروبا والسلام في الشرق الأوسط أساسيان لنا جميعاً. إن إسرائيل تتطلع إلى أوروبا، التي يتداخل تاريخها وتاريخنا أحدهما مع الآخر، والتي تشكل جزءاً من ذكرياتنا القومية والشخصية. ويشكل مستقبل أوروبا، من ناحية أُخرى جزءاً من آمالنا. ونحن نتابع بدقة الجهود الهائلة والرائعة المبذولة لتوحيد أوروبا. لقد ساهمتم في إنهاء جاذبية الأيديولوجية الشيوعية، وتحررتم بذلك من عدو، إلا إنكم اكتشفتم مشكلة. إن مواجهة عدو أسهل من مواجهة مشكلة. مع ذلك، نفضل جميعاً التحدي الإنساني على تهديد الآلة العسكرية.

إن الشرق الأوسط يواجه مجالين متشابهين من المشكلات والتحديات.

يتعلق المجال الأول بحل نزاع سابق. وفي هذا السياق، نطمح إلى تحقيق مصالحة تاريخية مع الشعب الفلسطيني. ونشعر بأن حلاً معقولاً يمثل أمامنا الآن، مكوناً من مرحلة موقتة ومرحلة دائمة. إن الحل الموقت يفتقر إلى خريطة واضحة، إلا إنه يمتلك جدولاً زمنياً واضحاً. ونشعر بأننا، في المناخ الحالي، لا نستطيع أن نجد حلاً مكتملاً؛ إذ لا تتيح المرارة، والشك، والإرهاب، للجدول الزمني أن يخدم كجسر زمني للعبور من مناخ إلى مناخ آخر.

إن الحل الدائم سيكون على الأرجح اتحاداً كونفدرالياً، إما ذا بُعد اقتصادي وإما ذا بعد سياسي. وسيضم الاتحاد الكونفدرالي الأردن، والفلسطينيين، وربما إسرائيل أيضاً.

إن ما يفتقر الحل إليه هو طرف موثوق به. نحن مقتنعون بأن الفلسطينيين سيؤيدون في معظمهم السلام، إلا إن أقلية مسلحة يمكن أن تعرض إرادة الأغلبية المتفاوضة للخطر. وكما يقول مثل إفريقي، قد يعرِّض حجر واحد سلة مملوءة بيضا للخطر. إننا نقترح على جيراننا الفلسطينيين أن يتوجهوا لانتخاب قيادتهم في انتخابات سياسية حرة. لن نتدخل، لن نفرض رقابة، لن نحظر، وبغض النظر عمن سيُنتخب فإننا سنتفاوض معه. إذا وافق الفلسطينيون على إجراء انتخابات في الضفة الغربية وغزة، وكان هناك إمكان لإجرائها في غضون بضعة أشهر، فإنهم سيتمتعون ـ أول مرة في تاريخهم ـ بالحكم الذاتي، بينما ستضمن إسرائيل أمنها؛ مصلحتان منسجمتان إحداهما مع الأُخرى. وسيكون هذا بداية رحلة جديدة في العلاقات بين شعبينا.

إن إسرائيل ستقابل الاعتدال بالاعتدال، والمصالحة بالمصالحة؛ ومع ذلك، سنرد على الإرهاب والتعصب بالمقاومة وبإجراءات حازمة. لقد عرّضت حماس حياة فلسطينيين وإسرائيليين للخطر، حاولتْ قتل عملية السلام والمفاوضات والمفاوضين، والجهة الوحيدة التي كانت تستطيع منعهم من إطلاق النار هي إسرائيل.

وقد قمنا بهذا العمل غير المشكور، لا لنعقّد مفاوضات السلام، بل لنفتح الطريق أمامها. ونحن نعلم بأنه حتى أولئك الذين ينتقدون أعمال إسرائيل يودون أن يروا متابعة لمفاوضات في أقرب وقت ممكن. ونحن نبحث عن حل يسهل متابعة المفاوضات، ويجعل البحث في الأمر في مجلس الأمن غير ضروري، فلا تخرج حماس رابحة في هذه الحال. إن انتصار حماس سيعني هزيمة للسلام.

لقد جعل العالم المتغير أيضاً السلام بين إسرائيل وسوريا هدفاً واقعياً. إن إسرائيل تعرب عن استعدادها لتطبيق قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338، فيما يتعلق بمرتفعات الجولان، شرط توفر ترتيبات أمنية للطرفين. ولا يجوز أن يقبل أي منا ـ سوريا أو إسرائيل ـ بأقل من علاقة سلام حقيقية، تشتمل على علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية، لما فيه فائدة البلدين.

ويجب أن تشهد هذه السنة ـ 1993 ـ علاقات جوار سلمية جديدة تشمل الأردن، والحكم الذاتي الفلسطيني، وسوريا، ولبنان، ومصر، وإسرائيل.               

ليس حل نزاعات الماضي سوى حجر الزاوية في تمهيد الطريق أمام مستقبل جديد في الشرق الأوسط. إن هدفنا هو تغيير المنطقة بمواجهة تحديات لا تعترف بالحدود القومية ـ النقص في المياه، الأراضي الفاصلة، الصعوبات الاقتصادية، انتشار الأسلحة، تلوث البيئة، الأيديولوجيات المتطرفة والأصولية. وستؤدي مكافحة المشكلات المشتركة إلى مستقبل يعمه الرخاء المشترك. وستبرز مصلحة إقليمية شاملة، وربما تتيح الأوضاع إنشاء سوق مشتركة في منطقتنا.

هذا هو ما يجب أن يكون هدف المحادثات المتعددة الأطراف. وهو الهدف الذي تلتزمه المجموعة الأوروبية، والذي ساهمت في سبيله في الأشهر الأخيرة على نحو مهم، بمعرفتها وخبرتها ومواردها. ونحن نحثكم على الاستمرار في القيام بدور قيادي في هذه المغامرة الجليلة. وعندما تصبح ثمار التعاون والسلام الملموس واضحة، فإنها ستحول ثمن السلام من تضحية خطرة إلى مساهمة قيمة.

السيد الرئيس، الزملاء الأفاضل،

إن هذه الأفكار تشارك المجموعة الأوروبية وبلادنا فيها. فنحن لا نشترك في تراثنا التاريخي فحسب، بل نشترك أيضاً في قيم متشابهة تقوم على أساسها أنظمة الحكم والاقتصاد عندنا. وهذا الرباط القائم بيننا يجب تعزيزه وترجمته إلى حوار سياسي أفضل، وتعاون ملموس في المحادثات المتعددة الأطراف، وتحسين لروابطنا الاقتصادية والعلمية والثقافية.

قد لا نتفق دائماً؛ لكننا سنزيد في فهمنا لبعضنا البعض من خلال أهدافنا الأساسية المشتركة ـ عالم توحده قيم مشتركة، واقتصاد يعززه التعاون المؤسساتي، وقوميات تحافظ على هويتها من دون قعقعة السلاح.

وفي هذا السياق، أود أن أقترح أن نجعل تبادلنا السياسي وحوارنا رسميين على جميع المستويات، على أساس دوري.

وفي هذا السياق، نوصي أيضاً ـ بشدة ـ بأن ترسخ المجموعة الأوروبية التطورات الاقتصادية وتغنيها في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ فهما بحاجة ماسة إلى دعم اقتصادي ينبغي لنا جميعاً أن نوفره بصورة عاجلة.

في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وبعد الشروع في محادثات تمهيدية لعقد اتفاقية جديدة، خطت المجموعة الأوروبية وإسرائيل خطوة جريئة أولى على طريق رحلة دينامية ومثيرة.

إن إسرائيل لا ترغب في أن تضيف إلى عبء التوسع الذي تواجهونه طلبَ عضوية كاملة في المجموعة. مع ذلك، فنحن نطمح إلى إقامة علاقة أفضل ومستوى أعمق من التعاون الواسع. ويجب أن تؤكد الاتفاقية الجديدة الرأي الذي عبَّر عنه رئيس اللجنة، السيد جاك ديلور، بوصفه إسرائيل بأنها "حالة خاصة". ونحن واثقون بأن الاتفاقية التي تجري بلورتها حالياً ستوفر تعاوناً كاملاً، وتشجع على تحقيق المصالح المتبادلة.

[.......]

يجب أن تشتمل الاتفاقية الجديدة على جملة من الموضوعات للتعاون في مجالاتها، تتراوح من البيئة والطاقة والبحث العلمي والتطوير إلى الفضاء والثقافة ومكافحة وباء المخدرات. ونحن واثقون بأن مجلس التعاون سيؤيد المحادثات التمهيدية التي ستصبح، في نهاية المطاف، مفاوضات رسمية تفضي إلى اتفاقية جديدة قائمة على أساس مبادئ حرية تدفق الأفكار والناس، حرية الحركة والبضائع والخدمات ورأس المال. نحن نطور الآن الإطار الذي ستنتقل علاقتنا من خلاله إلى القرن الجديد، وأنا أخاطبكم وفي ذهني هذه المسؤولية.       

إني أرجو أن تساهم الاتفاقية الجديدة أيضاً في إحداث التوازن التجاري بين أعضاء المجموعة وإسرائيل، على الرغم من أنني أعتقد أن الوضع الحالي لم ينشأ عن سوء نية. أعتقد أن في الإمكان تحقيق توازن متبادل مربح للطرفين في الاتفاقية الجديدة، وذلك بتحديد خطوط موجهة فعالة وعملية فيما يتعلق بالأحكام المطبقة على المصدر، والتوحيد القياسي (Standardization)، والمشتريات العامة.

ونأمل بأن تعكس الاتفاقية إعادة نظر في مقاربة موضوع الزراعة. لقد تجاوزت التطورات المتسارعة وتقدُّم إنجازات إسرائيل الزراعية بنود الاتفاقية الحالية بين المجموعة الأوروبية وإسرائيل.

في حالة إسرائيل، ليست الزراعة مجرد فرع من فروع الاقتصاد، بل هي نموذج للحياة الاجتماعية. إن الكيبوتسات والموشافيم التي حققت النجاح للزراعة الإسرائيلية، قد حققت أيضاً الوعد بحياة عادلة. نحن لا نريد حالة يصل فيها نموذج للحياة إلى نقطة يهدد فيها نجاحُه الاقتصادي دورَه الإنساني في غياب مخارج لائقة. وسنقدِّر لكم إذا قمتم، في أثناء البحث في مسألة حصة إسرائيل الصغيرة نسبياً فيما يتعلق بالمنتوجات الزراعية الطازجة والمصنعة، بتناول المسألة بكاملها.

على الرغم من النطاق الواسع للاهتمامات والقضايا التي يجب تفحصها، والتفاوض والتوصل إلى اتفاق أولي بشأنها، فإننا نعتقد أن في الإمكان إنجاز هذه المهمة في نهاية السنة. إنه هدف طموح، لكنه حيوي وقابل للتحقيق.

إن المقاطعة العربية ضد إسرائيل، المستمرة على الرغم من الإشارات العربية إلى أنه سيجري تخفيفها حالما تجمد إسرائيل بناء المستوطنات، تظل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الإسرائيلي الذي ينبغي له تحمل عبء نفقات الدفاع، ونفقات السلام، ونفقات استيعاب المهاجرين. ونحن نشكر الدول التي تبنّت فعلاً قوانين ضد المقاطعة، وسنكون شاكرين إذا توافقت القوانين والأنظمة في الدول الأعضاء في المجموعة.

السيد الرئيس، الزملاء الأفاضل،

لقد كشف سقوط الشيوعية عن فقر ومعاناة عدد كبير من أعضائها السابقين. إننا مستعدون لأن نشرك جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق المقامة حديثاً في خبرتنا ومهارتنا، ونقترح أن تشملنا المجموعة الأوروبية في جهودها لمجابهة هذه التحديات. وينطبق هذا على أي نداء آخر بشأن البؤس في إفريقيا، أو في العالم [...].

على عتبة زمن جديد، عصفت الروح الجديدة الشجاعة السائدة في القارة الأوروبية بالخلافات الراكدة البالية. إن إسرائيل تعلن التزامها تجاه هذا العالم الجديد، وتعاونها من أجل المنفعة المتبادلة مع المجموعة الأوروبية في الحفاظ على الموارد الاقتصادية وتسخيرها وتكييفها من أجل تحسين حياتنا وعالمنا.

 

المصدر: السوق الأوروبية المشتركة، مجلس وزراء السوق ـ إسرائيل، اللجنة المشتركة.

* وزير الخارجية الإسرائيلي: شمعون بيرس.