وثائق عربية كلمة الرئيس ياسر عرفات في جلسة افتتاح الدورة العشرين للمجلس الوطني الفلسطيني، الجزائر، 23/9/1991
Full text: 

[.......]

إننا أيتها الأخوات والأخوة، نراقب عن كثب حركة الأحداث على الصعيد الدولي وندقق في عمق وآثار التحولات الكبرى التي تحدث على نحو متسارع شاملة العالم بأسره، وندرك حقيقة سياسية لا خلاف حولها وهي أن العالم إنْ لم يكن يبني بالفعل نظاماً دولياً جديداً فإنه يتجه حثيثاً نحو تكريس واقع دولي جديد على أسس جديدة أخلاقية وسياسية ومادية واقتصادية لجوهر وآفاق العلاقات الدولية في الحقبة الزمنية القادمة. وهنا، على المجتمع الدولي أن يتنبه بجدية إلى القضية الفلسطينية في هذا الخضم من التطورات والمتغيرات، وأن يعمل كل ما في استطاعته لتفادي الوقوع مرة ثانية في خطيئة ظلم الفلسطينيين ومصادرة حقوقهم. لقد فقد الشعب الفلسطيني وطنه جراء مظالم النظام الدولي القديم وحُرم من أبسط حقوقه الوطنية والسياسية، وحتى الإنسانية، بل وطُرد من أرضه في حقبة ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي سياق ما تلاها من حروب ساخنة أو باردة، ولا يصح، ولا يمكن، ضمن أي منطق أو تفسير أن يحرم من هذه الحقوق في ظل مرحلة نشوء النظام الدولي الجديد. إن هنالك مسؤولية أخلاقية وإنسانية وسياسية، تقع على عاتق المجتمع الدولي والضمير الإنساني في رفع هذا الظلم وإحقاق الحق. وأنه لا يمكن أن يبنى سلام على اضطهاد الشعوب، والسلام في الشرق الأوسط لا يمكن أن يستتب إلا بتحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

إنني لا أقول ذلك لمجرد الإشارة إلى فداحة الخطأ الأخلاقي في الأمر، وإنما من أجل أمور عميقة أخرى تتعلق بوعينا لوضع الشرق الأوسط في هيكلية وروح النظام الجديد.

إن الشرق الأوسط بالذات، منطقة تتوازى فيها فرص السلام بذات القدر مع فرص الحرب. والشرق الأوسط، وقضيته المركزية قضية فلسطين، يظل في كل الأحوال بؤرة مفصلية أساسية تمتلك إمكانات هائلة في التأثير على الواقع الدولي بأسره. إنه يمنح النظام الدولي استقراراً راسخاً أو يسلبه هذا الاستقرار. لذا فإنني من على هذا المنبر أتوجه إلى الرئيس جورج بوش، وإلى الرئيس ميخائيل غورباتشوف، وإلى قادة الدول الصناعية الكبرى، وإلى الدول الأوروبية، والدول الصديقة في الأمم المتحدة، وإلى قادة الفكر الديمقراطي في العالم أجمع، إلى جميع الشعوب والقادة والقوى المحبة للحرية والسلام، والساعية من أجلها، إني أتوجه إلى هؤلاء جميعاً، بنداء نابع من القلب والعقل.... انتبهوا إلى الشرق الأوسط، اعملوا كل ما في استطاعتكم من أجل تسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وجوهره قضية فلسطين، على أساس العدل والشرعية الدولية قبل أن يتخذ الوضع في المنطقة طابعاً مزمناً مستعصياً على الحل. إن الزمن يمضي بسرعة كبيرة، والجهود المبذولة لعقد مؤتمر السلام تدخل طوراً بالغ الدقة والجدية. وإذا كان العالم كله يتحدث بصدق عن فرصة ثمينة تلوح في الأفق، فإننا نحن الفلسطينيين كنا أول من اتخذ الخطوة الأولى على الطريق الصعب والطويل، وسوف نكون أكثر الأطراف جدية في التعامل مع هذه الفرصة بعقل مفتوح وإرادة قوية. إن خيار السلام هو خيارنا المبدئي الراسخ، أقدمنا عليه بوعي عميق عبر مبادرة السلام الفلسطينية التي عززناها بخطوات واقعية ودستورية رحب بها العالم كله. إننا نريد السلام الدائم والعادل لأن كفاحنا الوطني انطلق أساساً من أجل هذا السلام. وإننا نعي بحكم التجربة وبحكم اعتمادنا للواقعية السياسية بمنطلقاتها وآفاقها العصرية، أن السلام ولكي يكون حقيقة راسخة الدعائم لا بد أولاً من أن يستند بوضوح إلى الحق الطبيعي للشعوب في تقرير مصيرها، وإلى الشرعية الدولية، إلى قراراتها ومبادئها. إن الشرعية الدولية منحت شعبنا مباركة ثمينة لحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وإن الشرعية الدولية أكدت بشكل لا غموض فيه على أن الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بما فيها القدس الشريف، أمر لا تراجع عنه ولا تساهل في تطبيقه، والشرعية الدولية اعترفت لشعبنا المشرد بحقه في العودة إلى أرضه وممتلكاته، والشرعية الدولية أدانت الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة واعتبرته عملاً غير شرعي لا بد وأن يتوقف. إن مراجعة لقرارات الأمم المتحدة، وحتى لمواقف جميع دول العالم على انفراد تشير إلى أن هذه الأسس هي جوهر السلام في الشرق الأوسط، وهي جوهر الحل العادل للقضية الفلسطينية، هي المصداقية المطلوبة لعملية السلام ولمؤتمر السلام الموشك على الانعقاد. إننا نجدد استعدادنا للعمل مع جميع الأطراف الدولية من أجل إنجاح مؤتمر السلام لتحقيق ما تصبو إليه شعوب المنطقة من سلام عادل وأمن واستقرار، وخاصة شعبنا الفلسطيني الطامح إلى تحقيق حريته واستقلاله وعودته. ونجدد استعدادنا للتعاون من أجل تذليل العقبات المتبقية على طريق انعقاده، آملين أن تبذل الأطراف الأخرى جهودها كي تساعد من جانبها على حل هذه العقبات، ولكن ليعلم الجميع أننا نرفض الابتزاز الإسرائيلي والشروط الإسرائيلية. إننا نفعل ذلك من موقعنا المسؤول، كممثلين لشعبنا الفلسطيني، من موقع منظمة التحرير التي صاغتها الإرادة الوطنية لشعبنا من خلال التراكم النضالي المتنامي والتي يقر العالم بمرجعيتها في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وعملية السلام.

إننا أيتها الأخوات والأخوة، سوف ندرس في هذه الدورة مختلف الجوانب المتعلقة بهذه المسألة الحيوية، مسترشدين بالمصالح الوطنية العليا لشعبنا وأمتنا وبالثوابت الوطنية الراسخة المعبر عنها في قرارات مجالسنا الوطنية وبوجه خاص قرار الاستقلال والمبادرة السلمية الفلسطينية. وإني لعلى يقين من أن مجلسنا لا بد وأن يتخذ أصوب القرارات وأسلم التوجهات.

يا جماهير أمتنا العربية المناضلة،

لقد تعرضت أمتنا العربية لأحداث عاصفة خلال العام الماضي كانت ذروتها حرب الخليج. ولقد أفرزت هذه الحرب نتائج مأساوية دفعت ثمنها ـ في المقام الأول ـ أمتنا العربية. وقد أدت هذه الحرب إلى تدمير بلدين عربيين، هما العراق والكويت، ولا زال العراق وشعبه الشقيق يعاني المجاعة والحصار نتيجة لها. وتكبد شعبنا كذلك أفدح الخسائر من جرائها. وإنه ليحز في النفس أن تؤدي هذه الحرب العاتية إلى تعميق الشروخ في الجسد العربي الواحد، وإشاعة البغضاء في النفوس، في وقت تحتاج فيه أمتنا إلى رص صفوفها وتوحيد كلمتها كي تكون جديرة باحتلال مكانتها اللائقة في العالم المعاصر.

إنني باسمكم أدعو قادة أمتنا العربية جميعاً إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الأخوية. أدعوهم باسم القدس، إلى عودة جماعية إلى روح التضامن العربي الأصيل الذي كان على الدوام مبعث الأمل في نفوس الجماهير العربية المتطلعة إلى الحرية والتقدم ونصرة قضاياها العادلة. وإنني لأدعو إخواني المغاربيين قادة وشعوباً ليتحملوا مسؤولياتهم التاريخية والقومية ليشكلوا الرافعة في هذا الوقت بالذات للمساهمة مع جميع المخلصين في أمتنا العربية لتوحيد الصفوف وجمع الكلمة، حتى تستطيع أمتنا أن تجابه التحديات التي تواجهنا جميعاً بأن نكون أو لا نكون، وحتى لا يكون النظام العالمي على حسابنا وحساب أمننا القومي ومستقبل أجيالنا القادمة.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة،

 إنني أتطلع مثلما يتطلع شعبنا البطل في الوطن المحتل وفي كل مكان، إلى أن يكون مجلسنا هذا.. خلية بحث وعمل، محطة تجديد وتطوير، منطلق قرارات صائبة وحيوية لا تتوقف عند حدود الجهود السياسية وحدها وإنما تشمل كل مجالات حياتنا الوطنية. هذه مسؤولياتكم بالمقام الأول، وهذا ما يصبو إليه شعبنا في كل مكان.

[.......]

 

المصدر: أوراق دولة فلسطين ـ منظمة التحرير الفلسطينية ـ تونس.