Tayseer Aruri: "I Will Continue the Struggle from Exile"
Keywords: 
منفى
المنفيون
الابعاد
النزاع العربي الاسرائيلي
تيسير عاروري
original article: 
Full text: 

في السابع والعشرين من آب/ أغسطس 1989، أخرجت السلطات الإسرائيلية أستاذ الفيزياء الفلسطيني تيسير عاروري من السجن إلى المنفى. "مجلة الدراسات الفلسطينية" (بالفرنسية) قابلت عاروري في باريس وحاورته. وننشر فيما يلي مقتطفات من المقابلة التي نشرت كاملة في: Revue d’Études Palestiniennes, No. 33.

  • كيف تقوّم سياسة الإبعاد. وفي أية مرتبة تضعها بين أساليب القمع التي تمارسها سلطات الاحتلال؟

ت. عاروري: لكل شكل من أشكال القمع طعمه الخاص. وفي رأيي، فإن الإبعاد هو الأكثر مرارة، لأن كل الأشكال الأخرى للقمع قابلة للإصلاح، مثلاً: إغلاق المدارس يعتبر كارثة بالنسبة إلى الطلاب، لكننا نجحنا في إيجاد البديل من خلال التعليم الشعبي. واستطعنا، بعد مقاومة، النجاح في إعادة فتح المدارس؛ تدمير المنازل مأساة، لأن كل واحد منا يدفع دم قلبه كما نقول نحن الفلسطينيين من أجل بناء بيته. لكن نستطيع دائماً إعادة بناء بيت. والعائلات التي تهدمت منازلها لا تعيش المسألة كأنها مأساة. فأهالي مدينتها أو قريتها يتسابقون إلى استضافتها في انتظار إعادة بناء منازلها. لكن للإبعاد طعماً آخر. لذا، فأنا أضعه في المرتبة الأولى بين أساليب القمع ضد السكان المدنيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال العسكري. وأظن أن الإسرائيليين يدركون فظاعة هذا الأسلوب. لقد عبّر عن ذلك رئيس الهيئة القضائية في محكمة العدل العليا حين قال إن الإبعاد ضروري للقضاء الإسرائيلي ما دام لا يوجد لدينا حكم بالإعدام. فالبديل الوحيد من حكم الإعدام هو الإبعاد. ولا توجد أية فترة حكم بالسجن قادرة على أن تكون بديلاً من الإبعاد.

بعض المتهمين المبعدين كان قد صدرت لوائح اتهام ضدهم. ولقد تقدموا للمحاكمة. كان من الممكن أن يحكم عليهم بأربعة أعوام أو خمسة، وحتى عشرة أو خمسة عشر عاماً. أحد الذين كانوا معنا، حاول عن طريق محاميه الحصول على حكم بالسجن، وكان سعيداً بأنه سيحكم عليه بالسجن لمدة خمسة أعوام بدلاً من الإبعاد. مع الأسف، فإنه لم ينجح في مسعاه. ولهذا السبب يجب تغيير هذا الإجراء الذي يوازي الحكم بالإعدام من جانب الإسرائيليين، وذلك عن طريق تأكيد حقنا في العيش والنضال.

  • إن هذا الأسلوب الإسرائيلي في الإبعاد والطرد ضد الشعب الفلسطيني يكشف استحالة التوصل إلى تفاهم. فالإبعاد إنكار لأبسط حق للإنسان في الوجود على أرضه في البلد الذي ولد وعاش فيه. وأعتقد أن هذه السياسة ليست وليدة وضع معين هو الاحتلال العسكري، وإنما هي بمثابة حرب يقام فيها وجود شعب على دمار الشعب الآخر. ماذا تعتقد، وهل ترى أن هناك خطراً في أن تؤدي هذه السياسة إلى عملية طرد الشعب الفلسطيني خارج وطنه؟

ت. عاروري: إن أسلوب الطرد والإبعاد هو تحضير لسياسة الترحيل (الترانسفير). وفي رأي السلطات الإسرائيلية (الترانسير). وفي رأي السلطات الإسرائيلية، فإن من شأن تسارع عملية الإبعاد وزيادة عدد المبعدين أن يحضّرا الرأي العام لتقبل فكرة الترحيل على الصعيد الوطني. قد يمس الترحيل بآلاف وبعشرات الآلاف، وحتى بمئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين. لكن هذه السياسة، في الواقع، هي خارج إطار التاريخ، وهي تفكير متخلف لا يأخذ في الاعتبار تطور المسائل.

في حال حدوث الترحيل، فإن الرأي العام العالمي سيدينهم. فهل سيردعهم ذلك؟ يجب ألا ننسى أنه للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل هناك كتلة في الكنيست، يقوم برنامجها السياسي الوحيد على فكرة الترحيل. وأقصد حزب "موليدت" الذي له نائبان في الكنيست. لكني أعتقد أن من الصعب تنفيذ الترحيل إلا في إطار حرب شاملة في النطقة؛ حرب تسمح يعملية تهجير كثيفة للسكان. هذا ما جربوا القيام به سنة 1967، لكنهم فشلوا. فالناس تعلموا درس سنة 1948، وذاقوا طعم النفي، وهم يفضلون الموت على أرضهم عن حملهم على الهجرة بالقوة.

أما بالنسبة إلى الشق الأول من السؤال، فأقول أن الرأي العام الغالب في إسرائيل لم يقبل بعد بفكرة التعايش مع الشعب الفلسطيني. وهذا طبيعي عندما نحلل العلائق بين الفلسطينيين من المواطنين الإسرائيليين في إسرائيل وبين اليهود الإسرائيليين داخل الدولة ذاتها. أعتقد أن أحد أهداف السلطات الإسرائيلية من سياسة الطرد والإبعاد هو التخلص من العناصر الفلسطينية التي تناضل من أجل التعايش بين الشعبين، وتدافع عن مبادرة السلام الفلسطينية القائمة على مبدأ "دولتين لشعبين" على أرض فلسطين. وفي تقديري أن أكثر ما تخشاه المؤسسة الحاكمة، بركنيها الليكود والمعراخ، هو الواقعية السياسية الفلسطينية. فمن السهل بالنسبة إليهم محاربة الفلسطينيين عندما يكونون متطرفين، لكن من الأصعب مقاتلتهم عندما يتبنون سياسة قابلة للتحقيق؛ سياسة يفهمها العالم بأسره، ويؤيدها. وفي  الواقع، فإن هذه السياسة هي التي تمارسها الانتفاضة، هذه الحركة الديمقراطية الواسعة البعيدة عن التعصب. والأشخاص الذين يدافعون عن ديمقراطية الانتفاضة هم الذين تبعدهم السلطات العسكرية، على أمل دفع بقية الفلسطينيين إلى اليأس وبالتالي إلى التطرف.

  • هل تعتقد أنه في حال عدم ظهور أي حل سياسي في المستقبل القريب، سيكون هناك خطر حقيقي في حدوث عملية ترحيل جماعية للمدنيين الفلسطينيين؟

ت. عاروري: أعتقد أن هذا هو أحد الخيارات الممكنة لقوى اليمين الإسرائيلي المتطرف. وبما أن من غير المستحيل وصول هذه القوى بالذات إلى السلطة في إسرائيل، فأني لا أرى ما الذي يمنعهم حينئذ من محاولة تطبيق مثل هذه السياسة.

  • لقد كتبت مقالاً تشرح فيه لماذا تظن أن على إسرائيل الاستجابة لمبادرة السلام الفلسطينية، وكيفية تحقيق السلام. هذا المقال نشرته صحيفة "جيروزالم بوست" يوم إبعادك. فهل تضع هذا في السياق الذي كنت تتحدث عنه، والمتعلق بالرفض الإسرائيلي للسلام الذي يقترحه الفلسطينيون؟

ت. عاروري: في الواقع، كنت دائماً أعتقد أن من المهم بالنسبة إلينا التوجه إلى الرأي العام الإسرائيلي والعالمي، لشرح مبادرة السلام الفلسطينية. علينا ألا نكتفي بالكلام في النقاط المختلفة لمبادرة السلام،  وإنما علينا تبيان النتائج الاجتماعية والاقتصادية. وبتعبير آخر، أعتقد أن من الضروري القول إن هذه المبادرة تنطوي على تغيير. هل هذه المبادرة تحمل مقومات السلام الدائم، أم أنها مجرد تسوية سياسية موقتة؟ أعتقد أن هذه المبادرة تستطيع أن تؤدي إلى سلام ثابت ودائم. هذا ما دفعني إلى كتابة  المقال المشار إليه. واخترت كتابته ونشره في الصحافة الإسرائيلية في تاريخ خاص، هو مناسبة مرور عام واحد على اعتقالي.

  • هل في استطاعتك أن تلخص لنا خطوط هذا المقال العريضة؟

ت. عاروري: بدأت بتقديم العناصر التي تؤلف مبادرة السلام الفلسطينية والتي أعتبرها ضرورية، ومن دونها لا يمكن التوصل إلى أي سلام. وأضفت إليها فكرة بسيطة. فمشروع السلام الذي نقترحه يستند إلى مبادىء تم التوصل إليها عبر تطور المجتمع خلال 21 عاماً من الاحتلال. وهو يحاول استخلاص مصالح الفريقين، ويطمح إلى إرساء سلام حقيقي. وفي الواقع، فقد أخذت هذه الفكرة من التجربة الأوروبية؛ فلقد كانت أوروبا طوال التاريخ قارة الحروب. لكن اليوم من غير المعقول أن تنشب الحرب بين بريطانيا وإسبانيا بسبب مضيق جبل طارق مثلاً؛ فالمصالح المشتركة لإسبانيا وبريطانيا أهم كثيراً من جبل طارق. لقد نجحت أوروبا في بناء شبكة من العلائق والمصالح الاقتصادية المشتركة، هي أكبر وأقوى من الخلافات. هذا هو السبب الرئيسي لتجنب الحروب. هناك التجربة المصرية – الإسرائيلية التي لم تؤدِ إلى السلام الشامل. وأحد أسباب ذلك، أن هذا السلام لم يقم على توازن في المصالح المشتركة. وهذا كان متوقعاً. فلا مجال لقيام توازن ما دامت المشكلة الفلسطينية قائمة والصراع العربي – الإسرائيلي لم يُحل في مجمله.

لهذا، عندما نتوجه نحو المسألة الفلسطينية، وعندما ننطلق من الحقيقة الموضوعية، نجد مصالح مشتركة...

أستطيع أن أعطي مثلاً للدلالة على كلامي، لنأخذ مسألة السياحة، التي تشكل مصدراً أساسياً للدخل القومي للدولتين في المستقبل. هذا القطاع لا يمكن أن يتطور إذا لم يحل السلام، وإذا لم يكن هناك تنسيق بشأن هذه النقطة بين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. إن هذا من شأنه أن يفتح مجالات فعلية أمام تطور القطاع السياحي الذي بلغ الدخل منه 1,5 مليار شيكل في إسرائيل سنة 1987، والذي هبط إلى 1,150 سنة 1988 بتأثير من الانتفاضة. ونستطيع إعطاء أمثلة أخرى كثيرة.

لكن هناك نقطة مهمة يجب توضيحها هنا، أنا لا أطالب باستمرار الوضع الحالي. فالنظام الاقتصادي القائم حالياً مرفوض كلياً من الشعب الفلسطيني، لأنه حصيلة سياسية الاحتلال ويخدم مصالحه الخاصة. فمن الضروري تغيير كل نظام التبادل لتحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية لكلا الشعبين. فإذا استطعنا تحقيق هذا التوازن في المصالح، وهذا أمر ممكن، فسيشكل ذلك القاعدة المادية الموضوعية والصلبة للسلام العادل والشامل. وعندها لن يكون هناك خطر لنشوب حرب إقليمية، لأن الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية ستتصرفان مثلما تتصرف إسبانيا وبريطانيا اليوم؛ فمصالحهما المشتركة تتخطى تنازعهما الممكن.

  • كونك أستاذاً في الجامعة وفيزيائياً، كيف بررت الصحافة الإسرائيلية إبعادك؟

ت. عاروري: كان التبرير الذي استخدم لطرد 15 معتقلاً هو ضرورة ضرب قيادة اللجان الشعبية للانتفاضة. فقبل أسابيع، صدر أمر يحظّر نشاط اللجان الشعبية ويعتبرها "غير قانونية". وكل من ينتمي إلى هذه اللجان يحكم عليه بالسجن عشرة أعوام. ومعظم المعتقلين الـ 25، كان في رأس التهم الموجهة إليهم "الانتماء إلى قيادة اللجان الشعبية."

لجأنا إلى لجنة الاعتراضات العسكرية، فأخرجوا لنا ملفاً سرياً شخصياً؛ في إسرائيل لكل متهم ملف عام وآخر سري لا يمكن للمتهم ولا لمحاميه الاطلاع عليه. أما ملفي العام، فكان أمراً سخيفاً للغاية، فهو لا يحتوي على أية تهمة تتعلق بانتمائي إلى قيادة اللجان الشعبية أو إلى حزب سياسي. وإنما احتوى على أمور مثل مشاركتي في تظاهرة نظمها حزبيون إسرائيليون بمناسبة يوم فلسطين في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، في باب الواد. لقد اعترفت بمشاركتي في هذه التظاهرة، وذكرت أمام القاضي الشعارات التي رفعتها والتي تدعو إلى تعايش الشعبية في دولتين. قلت له: "هل أنت ضد هذه الشعارات؟" هذا، بالإضافة إلى أن السلطات الإسرائيلية سمحت بهذه التظاهرة التي نظمها حزبيون إسرائيليون. لقد كان فيها نحو 600 مناضل فلسطيني، وضعف هذا العدد من الإسرائيليين. التهمة الأخرى في الملف العام كانت إلقائي كلمة تأبين في مأتم غسان حرب، "الإرهابي الكبير". هذا "الإرهابي الكبير" كانت أستاذاً في الجامعة يعلّم الاقتصاد وصديقي منذ الطفولة. كان في أميركا وهناك أصيب بالسرطان، وعاد وتوفي في البلد. ولقد أبّنته كصديق. ومن التهم التي وجهت إليّ، اتهامي بالانتماء إلى لجنة العمل  التطوعي في قرية برهان، قريتي، وهي قرية صغيرة ألّف الشباب فيها لجنة للعمل الاجتماعي في القرية. قلت إنه لشرف لي أن أكون عضواً في هذه اللجنة، لكن كان ينبغي لي أن أكون أصغب بثلاثين عاماً من عمري كي أصبح في عمر أغلبية أعضائها.

اشتمل ملفي العام على 17 تهمة، مقسمة هي أيضاً إلى تهم أخرى، وكلها من  النوع الذي ذكرته. وقد اضطر القاضي إلى الاعتراف بأن التهم المذكورة في الملف العام لا أهمية لها، لكنه أردف أن الملف الشخصي خطر. وبما أنني لا أستطيع ولا يستطيع محامي الاطلاع على هذا الملف، فقد كنا كمن يحارب الأشباح. عندها قلت: "إذا اشتمل المف العام على كل هذه الأكاذيب، فما عدد الأكاذيب التي احتوى الملف السري عليها؟ وكيف تريد مني الرد على هذه الاتهامات الكاذبة إذا كان لا يحق لي معرفة ما تؤكده. وكيف ستحكم عليّ، يا سيدي القاضي، إذا كنت لا أستطيع الدفاع عن نفسي؟" وبكلام آخر، فالإسرائيليون هم أساتذة في فن إضفاء الطابع القانون والحقوقي على تصرفاتهم غير القانونية.

  • كيف عشت تجربة الإبعاد؟

ت. عاروري: من الصعب أن أعبر عن شعوري الشخصي. فالتجربة أقصى من أن يستوعبها الإنسان في فترة قصيرة من الزمن. أحياناً، عندما أكون في غرفة فندقي أتناقش مع أحد الأشخاص، أقف فجأة لأتوجه إلى مكتبتي لإحضار مرجع أو وثيقة. عندها فقط أنتبه إلى أنني في غرفة في أحد فنادق باريس لا في منزلي في البيرة.

أشعر بضياع، لأن علي أن أبدأ كل شيء في كل مجالات الحياة. ولم أعد في العشرين من العمر لأبدأ من الصفر. فأنا في الثالثة والأربعين، وكل حياتي مرتبطة بمجتمعي وبواقعي الفلسطيني. لا أستطيع تدريس الفيزياء في فرنسا، مستحيل. كل خبرتي المهنية مرتبطة بالطلبة الفلسطينيين. فأنا أعرف مستواهم العلمي، وإعدادهم الثانوي، وقدرتهم على الاستيعاب. يقول البعض أني كنت أستاذاً ناجحاً للفيزياء في فلسطين، لكني قد أصبح أستاذاً فاشلاً في فرنسا. لدي شبكة علائق واسعة في الوسط الثقافي والجامعي، لكن هذا مرتبط بانتمائي إلى مجتمعي. لدي الكثير من الأبحاث في الفيزياء، مجال اختصاصي. لكن لدي أبحاث أيضاً في مجال العلوم الإنسانية وخصوصاً عن الوضع الاجتماعي – الاقتصادي في الضفة الغربية وغزة. الآن أنا محروم من هذا كله. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مسألة أخرى تتعلق بزوجتي وأولادي، فما ذنبهم؟ عملاً، قرار الطرد لا يمسني وحدي، لكنه يلحق بهم أيضاً. ما الذي يمكن أن تفعله زوجتي هنا، أية مهنة ستزاولها؟ اختصاصها تعليم الأطفال المعاقين، ولقد عملت دائماً في هذا الحقل في الضفة الغربية.

أما أولادي، فهناك دراستهم؟ إذا جاؤوا إلى فرنسان سيخسرون عاماً دراسياً، وسيواجهون مشكلة التكيف على صعيد اللغة. وسوف يخسرون معارفهم وأصدقاءهم. طبعاً هم ما زالوا صغاراً، وفي إمكانهم أن يتأقلموا. لكني متأكد من أن ذلك سيترك آثاره النفسية فيهم طوال الحياة. حالياً، كلما فكرت في اي موضوع، أواجه مشكلة؛ فأنا غير قادر على التركيز.

  • الآن أنت في فرنسا، كيف ترى مستقبلك؟

ت. عاروري: صحيح أني أمر بمرحلة صعبة، لكني أعرف أن لدي القوة للتأقلم مع وضعي الجديد من أجل متابعة النضال. لقد قلت لهم: "سوف تدفعون ثمن إبعادي غالياً." لذا أنوي العمل بصورة خاصة على مسألة إبعاد الفلسطينيين ودعم الانتفاضة. الآن دوري دور داعم للانتفاضة، وأستطيع متابعة نضالي السياسي انطلاقاً من وضعي الجديد. هناك آخرون أبعدوا وظلوا يناضلون. سأتعلم الكثير منهم، وسأحاول إضافة مساهمتي الضئيلة إل النضال، وذلك بالاستفادة مما تعلمته من الانتفاضة.

  • يرغب الأميركيون في أن يتألف الوفد الذي سيفاوضت بشأن آلية إجراء الانتخابات في الأراضي المحتلة من أشخاص من الداخل فقط، في حين تطالب م. ت. ف. بأن يكون هناك أشخاص من الخارج، مثلاً أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني؟ هل تعتقد أن هذه مسألة مهمة اليوم؟

ت. عاروري: في تصوري أن المسألة مرتبطة بما يسمى خطة شمير – رابين التي كان هدفها إضعاف مبادرة السلام الفلسطينية. لقد كانت هناك محاولة للإيحاء بأن للإسرائيليين أيضاً مبادرة للسلام. لكن ما هي هذه الخطة؟ إن الهدف الحقيقي للإسرائيليين هو كسب الوقت لتحقيق أهداف أخرى، وبصورة خاصة القضاء على الانتفاضة. خطة شمير – رابين لا تضيف شيئاً إلى مشروع الحكم الذاتي في كامب ديفيد. هكذا أدخلونا في دوامة الانتخابات. نحن بالتأكيد مع إجراء انتخابات، شرط أن تكون حرّة. لكن لا يمكن أن تكون الانتخابات حرة في ظل الاحتلال. في النقاش بشأن الانتخابات، دار الحديث عن وفد لمناقشة كيفية إجراء الانتخابات كل هذا الجدل  بشأن موفدين من الداخل ومن الخارج، هدفه تقسيم الشعب الفلسطيني. وخلق شرخ بين الداخل والخارج. وكان القضية الفلسطينية هي قضية مجمل الشعب الفلسطيني الذي تعيش أغلبيته الساحقة خارج المناطق.

من ناحية أخرى، صرّح رابين أمام التلفزة بوضوح أن إسرائيل، بعكس ما يظن البعض، لا ترفض الحوار مع م. ت. ف. لأنها منظمة "إرهابية" بل لأنها تطالب بحق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية. لقد كان هذا دائماً رأيي الشخصي: فالعقبة أمام التفاوض مع م. ت. ف. لا تعود إلى طبيعة هذه المنظمة في نظر الإسرائيليين، لكن إلى السياسة التي تدافع عنها. لهذا السبب لن نقبل أبداً بأن يتألف الوفد إلى المفاوضات من فلسطينيي المناطق المحتلة فقط. لأن هذا يعني في الحقيقة الموافقة ضمنياً على التخلي عن الحق في تقرير المصير، وحقنا في أن تكون لنا دولة ذات سيادة. إن إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها تستطيع أن تخلق قيادة بديلة من م. ت. ف. لكنها لم تنجح، ولن تنجح، ولن تنجح الوسيلة الوحيدة لبلوغ السلام بات الكل يعرفها الآن، وهي عقد مؤتمر دولي يحضره الأطراف كافة، بمن فيهم م. ت. ف.

  • هل يفسر هذا مضمون البيان الأخير للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الذي صدر أمس، والذي يمنع أي اتصال بمسؤولين في الحكومة الإسرائيلية؟

ت. عاروري: هذا هو التفسير الوحيد. وأود التذكير بأن الشيء ذاته ورد في البيان السابق، والبيان الذي سبقه؛ أي أن البيانات الثلاثة الأخيرة ورد فيها التأكيد إياه، إدراكاً لهذه المسألة. نحن في الداخل مع إجراء اتصالات، لكن مع اتصالات بقوى إسرائيلية تعترف بحقنا في تقرير المصير وفي دولة ذات سيادة. أما بالنسبة إلى الاتصالات بالحكومة، فهدفها كسر وحدة الشعب الفلسطيني وخلق قيادة بديلة من م. ت. ف.

  • هل تعتقد أن القوى التي تعترف بحقوق الفلسطينيين قد ازدادت قوة خلال السنوات الأخيرة؟

ت. عاروري: نعم، أظن أنها ازدادت قوة. لكن يجب أن ندرك أن هذه عملية طويلة. فلانتفاضة احتاجت إلى أعوام، ولم تحدث بين ليلة وضحاها. أعتقد أن قوة الانتفاضة ستعطي قوى السلام في إسرائيل زخماً. يجب سحب البساط من تحت أقدام اليمين الإسرائيلي، وذلك بشرح مبادرتنا للسلام لقوى السلام الإسرائيلية.

  • هل أنت متفائل إزاء المستقبل؟

ت. عاروري: على الرغم من وضعي الشخصي فأنا فعلاً متفائل، لأن الانتفاضة بعد 22 شهراً من النضال المستمر، ما زالت تملك القوة نفسها والزخم ذاته. وأنا متفائل أيضاً لأنه قد مضى حتى الآن خمسة أشهر على خطة شمير – رابين، والعالم كله يستنتج أن شيئاً لم يحدث.

إن الإسرائيليين يعلمون أنه، في النهاية، يجب إحقاق الحق. لست طوباوياً، ولست سابحاً في بحر الغيوم. أعرف أن العملية تحتاج إلى المزيد من الوقت، لكني أدرك أننا اليوم قريبون أكثر من أي وقت مضى من استقلالنا الوطني.

 العريضة التالية، التي وقّعها أكثر من 1200 عالم من كبار علماء الطبيعيات في العالم، أُرسلت إلى الرئيس الإسرائيلي حاييم هيرتسوغ، ووزير الدفاع يتسحاق رابين. ومن الموقعين 70 عضواً في الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة، و 18 عالماً من الحائزين على جائزة نوبل. وكان عاروري قد اعتقل في آب/أغسطس 1988، وسجن من دون أن توجه إليه أية تهمة رسمياً حتى تاريخ نفيه إلى فرنسا في 27 آب/أغسطس 1989.

 

 
 

أطلقوا تيسير عاروري

تيسير عاروري، أستاذ الطبيعيات في جامعة بير زيت في الضفة الغربية، رجل معروف ومحترم، ويشهد الكثيرون له بأنه من رجال السلام.

وقد كان عاروري، في حزيران/يونيو 1988، أحد موقعي "معاهدة سلام" رمزية وقَّعتها في القدس جماعة من أبرز الفنانين والمثقفين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتقر هذه المعاهدة بـ"حق دولة إسرائيل في العيش بأمن وسلام ضمن حدودها القائمة قبل الخامس من حزيران/يونيو 1967"، كما تقر بحق الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير.      

وبعد شهرين، أي في آب/أغسطس 1988، اعتقلت السلطات الإسرائيلية عاروري، وهو لا يزال منذئذ معتقلاً. وهو الآن مهدد بالطرد من الأراضي المحتلة.

إنه لمن أشد دواعي القلق أن تعدَّ إسرائيل في عداد المرشحين للنفي رجلاً كعاروري لم تزل آراؤه الرعيقة الصريحة في الاعتدال معروفة للقاصي والداني. ولربما كان وضعه الحالي أدعى إلى القلق من سجنه في السبعينات أربعة أعوام بلا تهمة ولا محاكمة. ذلك لأن آراء تيسير عاروري باتت أقرب إلى الواقع اليوم، فهي تحظى بالتأييد المتزايد في صفوف كل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

ونحن علماء الطبيعيات الموقعين أدناه، نشعر بأن علينا المجاهرة بما نريد. إننا نهتم بحرية علماء الطبيعيات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مثلما نهتم بحريتهم في سواها من البلاد، وندعو حكومة إسرائيل قائلين: كفّوا عن هذه السياسة. أطلقوا تيسير عاروري. أصغوا إلى هذا النداء.

(الموقعون)

 

Author biography: 

تيسير عاروري: أستاذ الفيزياء الفلسطيني.