عشية المؤتمر الحادي والعشرين: ماذا يجري داخل الحزب الشيوعي الإسرائيلي ؟
Keywords: 
الأحزاب السياسية الإسرائيلية
الشيوعية
Full text: 

يستعد الحزب الشيوعي الإسرائيلي (المسمى، اختصاراً: راكح، أو ماي) هذه اليام لعقد مؤتمره الحادي والعشرين، المزمع التئامه في أيار/مايو المقبل. وفي غمرة الاستعدادات، يشهد الحزب حركة واسعة من الجدال الداخلي والنقش العلني على صفحات الصحف، ومن التغييرات التنظيمية، إن على صعيد هيئات الحزبا لقيادة أو مؤسساته أو الكتلة التي يقودها في الكنيست (الكتلة الديمقراطية للسلام والمساواة، "حداش") أو قوائم مرشحيه لرئاسة بعض البلديات. وفي هذه الأثناء، يوشك أحد أعضاء كتلة "حداش" الأربعة على مغادرتها في اتجاه المعراخ. ويتردد كلام – ينفيه الحزب – في شأن وجود "أزمة داخلية، تعيد شح الأزمة التي أسفرت عن انشقاق سنة 1965.

لا يزال الغموض – حتى كتابة هذه السطور – سيد الموقف. وتتزاحم الأسئلة مُلحّة – عبثاً – عن أجوبة شافية: هل أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي ينفذ "بيريسترويكا" خاصة به، بتأثير من "البيرسترويكا" الأم؟ أم أن هذه الأخيرة لم تكن سوى مجرد مناسبة لإطلاق قضية الخلاف الرئيسية التي لازمت الحزب منذ تأسيسه قبل نحو 70 عاماً، عنينا: قضية طابعة المزدوج، العربي – اليهودي؟ وما هي العلاقة – إن وُجدت – بين ما يجري في الحزب وبين مساري الفلسطنة والاستقطاب بين يهود وعرب، اللذين تعاظما مؤخراً بفعل الانتفاضة / الثورة؟ أم أن المسألة برمتها لا تعدو كونها زوبعة في فنجان، سرعان ما تتبدد في قاعة المؤتمر الوشك؟

لا بد، في سبيل تقديم أجوبة أولية عن الأسئلة المطروحة، من عرض أبرز التكورات التي طرأت على الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، وخصوصاً ما يتعلق بالتغييرات التنظيمية، وبقضايا النقاش / الخلاف البارزة داخل الحزب.

اللجنة المركزية: دورات وقرارات

تعود هذه التطورات ةإلى ما قبل عام تقريباً، وتحديداً إلى 23 نيسان/ أبريل 1989، تاريخ عقد الدورة الرابعة والعشرين للجنة المركزية للحزب. وبرز حينها، بصورة خاصة، الاستقالة التي قدمها عضو المكتب السياسي إميل حبيبي من رئاسة تحرير "الاتحاد"، صحيفة الحزب اليومية. وقد قبلت اللجنة المركزية استقالة حبيبي، وعينت بدلاً منه سالم جبران، سكرتير اللجنة المركزية ونائب رئيس تحرير الصحيفة.

لكن تطورات أهم رافقت عقد الدورة التالية، الخامسة والعشرين، للجنة المركزية يوم 23 و 24 حزيران/ يونيو، وتمثلت في صعيدين: تنظيمي وسياسي – أيديولوجي. فقد اتخذت اللجنة عدداً من القرارات التنظيمية طاولت هيئات الحزب القيادية، كما يلي:

  • نقل أسعد يوسف وزاهي كركبي من مرشحين للمكتب السياسي إلى عضوين فيه.
  • ضم سالم جبران إلى المكتب السياسي كمرشح، وإعفاؤه من عضوية سكرتاريا اللجنة المركزية.
  • ضم نمر مرقس وغازي شبيطة إلى سكرتاريا اللجنة المركزية.
  • ضم صالح إبداح وصلاح دباجة وكريم زبيدات ورشدي خلايلة إلى هيئة تحرير "الاتحاد".
  • تعيين نظير محلّي نائباً لرئيس تحرير "الاتحاد".
  • إعفاء عوزي بوشطاين من مهمته كناطق بلسان الحزب، وإسناد هذه المهمة إلى تمار غوجانسكي، عضو المكتب السياسي.

كما قررت اللجنة المركزية، من جهة أخرى، نشر المحاضرة التي ألقاها السكرتير العام للحزب، مئير فيلنر، في الدورة، بعنوان "التطورات في الدول الاشتراكية والحزب الشيوعي الإسرائيلي"،(1)  وذلك في إطار التحضير لمؤتمر الحزب المقبل. ونظراً إلى أهمية هذه المحاضرة / الوثيقة، نورد فيما يلي مقاطع واسعة منها.

يبدأ فيلنر بالقول:

إن هدف هذه المحاضرة طرح وتوضيح المشكلات ذات العلاقة بعالمنا المتجدد والمتغير، وكذلك الموضوعات الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية المختلفة، التي ستكون بمثابة خط مرشد لإحياء الذكرى السبعين للحزب الشيوعي في هذا البلد وللمؤتمر الحادي والعشرين  للحزب. وتتكون المحاضرة من جزأين: يتمحور الأول أساساً حول الموضوعات الأيديولوجية، والثاني حول قضايا تنظيمية تخص الحزب.

وبعد أن يتحدث فيلنر عن البيريسترويكا والتطورات الجارية في الدول الاشتراكية، يقول:

إن الدرس الأساسي الذي تعلمناه من التطورات الجديدة في الدول الاشتراكية، في الحركة الشيوعية، هو: المزيد من الاستقلال لحزبنا؛ عدم محاكاة نماذج قديمة، ولا أن نحول الآن أشياء محددة خاصة بالاتحاد السوفياتي أو بأي بلد اشتراكي آخر إلى نماذج جديدة.

ومع ذلك كله، أقول: ثمة أفكار عامة في البيريسترويكا وفي انعكاساتها، ينبغي لكل حزب شيوعي أن يتفحصها، وأن يدرس كيف يمكن تطبيقها في بلده وعلى أي نحو. مثلاً: ضرورة التجديد بما يتلاءم مع الفترة الجديدة والإشكالية الجديدة؛ تطوير الديمقراطية الداخلية – الحزبية وتعميقها؛ مشكلة الانفتاح في ظل الأوضاع التي تحيط بعمله، وما إلى ذلك. وثمة، في هذه المجالات، ما يمكن مناقشته وما يمكن تجديده.

وفيما يتعلق بالموقف من البيريسترويكا، يقول فيلنر:

لقد أيد حزبنا الشيوعي الإسرائيلي، وهو يؤيد تأييداً كاملاً، البيريسترويكا، والدمقرطة، والانفتاح، والتفكير الجديد....

في حزبنا، تجادلنا، وسنواصل الجدال مع عدد من الرفاق، الذين يتخذون موقفاً سلبياً من البيريسترويكا ذاتها. إنهم لا يميّزون بين البريسترويكا، كما تعبّر عنها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي والأمين العام ميخائيل غورباتشوف، وبين ظاهرات جانبية رافقتها وتمثلت في آراء مكتوبة أو منطوق بها، مغزى بعضها تشويه التاريخ، بل نقض مبادىء الاشتراكية ذاتها....

وفي شأن العلاقات بين اليهود والعرب داخل الحزب، يقول فيلنر:

إن الإخاء اليهودي – العربي قائم في حزبنا، وهو مصدر قوة عظيمة لنا....

لكن ذلك لا يعني أن ليس لدينا مشكلات في هذا المجال المهم. ولا يعني ذلك أننا لا نسمع بيننا الآن آراء قومية متطرفة وأصواتاً مخدشة للآذان. يمكن أن نسمع – في الهوامش فقط، حقاً، وأؤكد: في الهوامش فقط – أحاديث تأخذ صيغة التطرف القومي: يهود، عرب. ونسمع أيضاً تحفظات إزاءتركيب اللجنة المركزية القومي. وهذا الأمر يذكرنا بالآراء المنحرفة التي أشاعها، في حينه [سنة 1965]، [شموئيل] ميكونيس و [موشيه] سنيه: "العرب يسيطرون على الحزب". الآن ثمة من يقول: "اليهود يسيطرون على الحزب".

وتُسمع أيضاً أصوات نشاز أحياناً لدى عدد من الرفاق اليهود، يتهموم من دون مبرر رفاقاً عرباً بالافتقار إلى النهج الأممي.

وفي الجزء المتعلق بـ "القضايا التنظيمية للحزب"، يبدأ فيلنر بالقول:

إن الوضع في حزبنا ليس وضعاً عادياً، ويجب عدم تجاهل ذلك. ثمة تذمر من جانب بعض الرفاق، وذلك في المقاوم الأول لأننا لم نقدم معلومات سريعة في شأن ما يجري في مؤسسات الحزب المركزية. وفي هذه الأثناء "علم" الرفاق بالأمور من الصحافة المعادية أو الشائعات....

إننا نشهد ظاهرات مقلقة، حيث يقوم بعض الرفاق بخرق تقاليد الحزب الأساسية، وتحاول جهات معادية خارج الحزب استعمال هؤلاء الرفاق لتقويض الحزب من الداخل....

لا يمكن استمرار وصع، ينشر فيه أعضاء حزبيون في الصحافة الغريبة [عن الحزب] مقالات ضد الحزب وقيادته ومؤسساته....

لا مكان في الحزب لأعضاء يعملون من خارج الحزب ضد الحزب وسياسته ومؤسساته....

وبالمناسبة، فإن الأعضاء الذين ينتقدون الحزب ليسوا أصحاب آراء متشابهة، بل هم أصحاب مقاربات مختلفة، وحتى متناقضة.

ويضيف فلنر:

ثمة أيضاً من يسعون في نضالهم ضد مبدأ المركزية الديمقراطية للاستناد إلى البيريسترويكا والغلاسنوست في الاتحاد السوفياتي، بل إنهم يحاولون  أن ينسبوا إلى الرفيق م. غورباتشوف مثل هذا الموقف....

ويتابع فيلنر حديثه ليدحض آراء هؤلاء. وفي الحديث عن أوضاع عمل الحزب، يقول:

إن أوضاع عملنا في إسرائيل تختلف وسط السكان اليهود عنها وسط الكان العرب....

تعالوا نتفحص، بصورة موضوعية، وضعنا في القطاع اليهودي. إننا لا نزال حتى اليوم خارج الإجماع. وليس مصادفة أنه لا يوجد كتلة في الكنيست (وأقصد الكتل الصهيونية والدينية) أيدت انضمامنا إلى لجنة الخارجية والأمن وإلى لجنة المال في الكنيست، وذلك في حين أننا نعبر عن المصالح الحقيقية لإسرائيل ولأمنها أكثر من أي حزب آخر....

[أما في القطاع العربي] فإننا نقف هنا أمام تحدّ جديد، أمام عامل الحركة الإسلامية، الذي يستغل المشاعر الدينية والضائقة الاجتماعية لأهداف سياسية، مع استعمال وسائل مالية كبيرة جداً.

وسط الجمهور اليهودي لم تحدث تغييرات خاصة إزاء حداش في الانتخابات.

*    *    *

بعد هذه الدورة، توالت دورات اللجنة المركزية، بمعدل دورة واحدة في الشهر تقريباً، وكان آخرها – حتى كتابة هذه السطور – الدورة الثانية والثلاثين الكاملة التي عقدت يومي 26 و27 كانون الثاني/ يناير 1990.

اجتماعات "حداش"

في حين كانت اللجنة المركزية للحزب تعقد الدورة تلو الدورة، كانت "حداش" (الجبهة التي تضم الحزب و"افهود السود" ومجموعة من الشخصيات العربية المستقلة) تعقد اجتماعات لمجلسها القطري، المكوّن من 505 أعضاء، كي تبحث هي الأخرة في تجديد شباب قيادتها، وخصوصاً كتلتها فيا لكنيست، وكذلك في التحضير لانتخابات الهستدروت الوشيكة.

كان من أبرز هذه الاجتماعات، ذلك الي عقده مجلس "حداش" يوم 10 أيار/ مايو فيحيفا. فبناءعلى أحد التقارير الصحافية،(2)  يمكن التوصل إلى استنتاج أن القضية الأساسية المطروحة في الاجتماع إنما كانت العلاقة بين العرب واليهود ضمن إطار الجبهة؛ ذلك بأن التقرير المذكور يتضمن ما يلي:

1-  غلبة العنصر العربي – الفلسطيني في تركيبة المجلس؛ فقد كان ثمة في الاجتماع خمسة مندوبين فقط ينتمون إلى حركة "الفهود" بزعامة شارلي بيطون، و"عدد قليل من المندوبين اليهود – كلهم، فيما عدا إثنين، متقدمون في السن." أما باقي المندوبين فهم من العرب الفلسطينيين.

2- إن القضية الأساس بالنسبة إلى العرب في الاجتماع لم تكن "البيريسترويكا" ذاتها، ولا معركة انتخابات الهستدروت. ذلك بأن أحداً من المندوبين العرب لم يتطرق قط إلى تلك المعركة. كما أن مندوباً عربياً واحداً فقد أشار مرة واحدة إلى البيريتسرويكا في خطابه. وفي المقابل، ركز المندوبون العرب على قضية تركيبة كتلة "حداش" في الكنيست. فطالبوا جميعاً، "كرجل واحد"، باستقالة شارلي بيطون من الكتلة بحجة "أنه يجلس في الكنيست بفضل الأصوات العربية." وعارضوا جميعاً استقالة توفيق طوبي. وكان بينهم من طالب باستقالة بيطون وفيلنر معاً.

3-  قيام المندوبين اليهود في المجلس بالتعبير عن قلقهم إزاء العلاقات العربية – اليهودية داخل الجبهة. وقد تساءلت إحدى المندوبات اليهوديات: "أين الإخاء العربي – اليهودي؟" وأشار بيطون نفسه إلى وجود "أصوات تعصب قومي". كما قال فيلنر، من ناحيته، إن "ليس ثمة قومية عربية، بل أممية عربية." لكن هذا القول الملتبس، والتصفيق الذي لا يقل التباساً، لم يكونا كافيين لتبديد القلق.

لهذا كله، يبدأ التقرير الصحافي المذكور بالقول – الاستنتاج: إذا حكمنا بناء على الأجواء التي سادت جلسة مجلس حركة حداش.... نجد أن مشاعر التعصب القومي لم تكن غريبة، حتى عن الشيوعيين العرب في إسرائيل."

وفي الاجتماع اللاحق الذي عقده المجلس القطري لـ "حداش" يوم التاسع من آب/ أغسطس، بدت الأمور أكثر مدعاة إلى التفاؤل، وبدا الصدع العربي – اليهودي قابلاً للجَسْر. فقد لاحت بوادر حل لمشكلة تمثيل الجبهة في الكنيست، عندما فاجأ شارلي بيطون المجتمعين بإعلانه استعداده للاستقالة لمصلحة هاشم محاميد، المرشح الخامس في قائمة "حداش". وبهذه المناسبة، لفت بعض المراقبين النظر إلى الإخلال الذي لحق، أول مرة في تاريخ الحزب الشيوعي، بالتوازن التقليدي بين الأعضاء اليهود والعرب في كتلة الكنيست.(3) 

هكذا بدت الأمور حينها. لكن، إلى حين فقط.

 من الجدل الداخلي إلى الخلاف العلني

منذ أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، بدأت أمور الحزب الشيوعي الإسرائيلي تأخذ منحى تصعيدياً واضحاً، تمثل فيما يلي:

1-  إعادة إصدار مجلة "العربي" الأسبوعية في عكا، واستقطابها عدداً من  أقلام قياديي الحزب، بينه إميل حبيبي وسميح القاسم. ففي حين اعتبر الحزب المجلة معادية له، بدأت تدور تكهنات حول إمكان توحه المجموعة المعارضة إلى تأليف حزب بديل.(4)

2-  استقالة حبيبي، لا من رئاسة تحرير "الاتحاد" فحسب، بل أيضاً من مؤسسات الحزب كافة: المكتب السياسي واللجنة المركزية ومسؤولية الإعلام والثقافة. وقال في رسالة استقالته التي قبلتها اللجنة المركزية في 3 تشرين الأول/ أكتوبر ونشرتها "العربي"، إن الخط السياسي لقيادة راكح بائس ويائس.(5)

3-  قرار اللجنة المركزية، في 24 كانون الأول/ ديسمبر، بإخراج سميح غنادري من صفوفها. وذلك بعد أن رفض ممارسة النقد الذاتي بسبب مقال كان نشره قبل أسبوعين في "العربي"، ينتقد فيه قيادة الحزب لفشل "القائمة المشتركة" في انتخابات الهستدروت.(6) 

4-  رفض شارلي بيطون الانسحاب من كتلة "حداش" في الكنيست لمصلحة هاشم محاميد، وتوجهه إلى الانفصال عن الكتلة، وإقامة كتلة مستقلة جديدة، تردد أنها قد تنضم إلى المعراخ.(7)  وكذلك قرار مجلس "حداش"، يوم 4 كانون الأول/ديسمبر، بقبول استقالة مئير فيلنر وتوفيق زياد من كتلة الكنيست، ليحل محلهم كل من: هاشم محاميد، ومحمد نفاع، وتمار غوجانسكي.

5- "الثورة" التي أحدثتها "حداش"، مع مطلع السنة الجديدة، في تركيبة قوائم مرشحيها لرئاسة المجالس المحلية في عدد من البلدات العربية الكبرى. ففي الطيبة، اختير د. يونس جبلي ليحل محل رئيس المجلس الحالي عبد اللطيف حبيب. وفي تمرة، اختير د. هشام أبو رومي مكان عباس حجازي. وتعود هذه التغييرات، بحسب ما يقوله رؤساء المجالس العزولون، إلى خلافات حادة في الرأي بين رؤساء المجالس وقيادة "حداش"، وتدخل هذه القيادة في شؤون المجالس.(8)

في هذه الأثناء، كانت "العربي" تتابع صدورها واستقطابها الأقلام الحزبية الانتقادية. وبدأت "الاتحاد" تفتح صفحاتها لمناقشات علنية يساهم فيها قياديون وكوادر في الحزب.

وعقد الحزب الشيوعي الإسرائيلي اجتماعه القطري السنوي، يومي 6 و13 كانون الثاني/ يناير 1990، وقد تحدث فيه 68 عضواً، نشرت "الاتحاد" ملخصات لكلماتهم. وهكذا، توفرت مادة تمكّن – إلى حد ما – من تكوين صورة للجدل الدائر في الحزب.

عرض مئير فيلنر خط الحزب الرسمي تكراراً، أن في محاضرته السالفة الذكر التي أقرتها الدورة الخامسة والعشرون للجنة المركزي، أو في المقابلات الصحافية التي أُجريت معه مؤخراً. ولأننا سبق أو أوردنا مقاطع طويلة من تلك المحاضرة، سنكتفي فيما يلي بما يفسر الوضع في الحزب والجبهة، كما يراه السكرتير العام.

في إحدى المقابلات،(9)  يستهل مئير فيلنر حديثه بالقول:

ما يضايقني هو وضعية عدد من شباننا أعضاء الحزب الجدد وقليلي التجربة، أو حتى بعض رفاق حزب ذوي فترة من الأقدمية، كيف يرون ما يجري في الدول الاشتراكية، فتهتز عندهم القناعات. وتختلط عليهم الأمور. بالطبع، ما يجري أحدث عند كل واحد منا ردود فعل ونظرة جديدة. ولكن هناك من يخرج بشعور من الإحباط.

ويقول فيلنر، في تفسيره لأسباب التغييرات التي جرت في كتلة "حداش" في الكنيست:

هناك عدة عوامل. أولاً: الرغبة في الاستقالة والإصرار عليها من الرفاق الثلاثة الشيوعيين في الكنيست، توفيق طوبي وتوفيق زياد وأنا. ثانياً: الرغبة والحاجة الموضوعية لإدخال دم جديد شبابي إلى عملنا البرلماني. وثالثاً، وربما الأهم من كل الأسباب، ضرورة تفرغنا للعمل الأيديولوجي والتنظيمي في الحزب، بين الأعضاء والمؤيدين. ففي ظل الأوضاع التي تعيشها الحركة الشيوعية العالمية وحزبنا ينبغي تركيز الاهتمام حول هذا الموضوع. كما أن رفيقنا توفيق زياد معني ويريد أن يكرس جهده في عمله كرئيس لبلدية الناصرة وكشخصية جماهيرية مركزية في بلادنا وخارجها، إضافة إلى دوره الحزبي المسؤول.

الاجتماع القطري السنوي للحزب: "غلاسنوست"

في هذا الاجتماع أيضاً تناول فيلنر، في محاضرته،(10)   الوضع الداخلي، فقال:

.... ونحن نُظْهِر اليوم كذلك يقظة كبيرة ونصد كل مظاهر التطرف القومي، سواء كانت يهودية أم عربية. ولأسفنا هناك مظاهر كهذه في هوامش حزبنا. ويجب أن نصد بحزم وشدة كل محاولة للمسّ بوحدة حزبنا الشيوعي الإسرائيلي اليهودية – العربية.

في إطار أساس نظرتنا وسياستنا، فإن كل عضو في الحزب يمكنه ومن واجبه أن يعبر عن رأيه بإخلاص وبدون تعال وبدون دمغ. وأن تعددية الآراء ووحدة التنفيذ هما التعبير الملخص للديمقراطية الحزبية الداخلية. ولهذا فإننا نؤيد الحرية التامة في التعبير عن الرأي، ولكننا نشجب التكتل، الذي يؤدي – كما أثبتت التجربة – إلى الانفراط والانقسام.

إننا نؤيد الانتقاد مهما كان شديداً، ولكن النقاش يعني كذلك الإصغاء إلى الرأي الآخر والمحافظة على المقاييس الديمقراطية. إن تسويد ماضي الحزب والدعوة المعادية للديمقراطية الداعية إلى طرد القيادة وجمع التواقيع على عرائض سرية، لا تسهم بشيء لصالح الديمقراطية الداخلية، ولكنها تعكر الجو في داخل الحزب، وتخرب إمكانية إجراء نقاش علني، موضوعي ورفاقي. والمؤتمر الـ 21 فقط هو الذي يلخص النقاش، ويضع الخطوط السياسية المستقبلية، ويجدد تركيبة القيادة.

ويضيف فيلنر:

اللجنة المركزية للحزب، وبمبادرتها، بدأت بحثاً حزبياً في موضوع التغييرات في الدستور، وذلك بهدف الدمقرطة وانفتاح أكبر. واللجنة المركزية، وبمبادرتها، اتخذت قراراً بشأن تغيير تركيب الكتلة في الكنيست، وتعمل على تحقيق. واللجنة المركزية، وبمبادرتها، قررت إصدار نشرة داخلية يجري على صفحاتها نقاش حر في المواضيع الفكرية والسياسية والتنظيمية، بالإضافة إلى النقاش في صحف الحزب. ولهذا فباستطاعتنا القول إن الحزب لا يتكلم فقط عن الحاجة للدمقرطة، بل إنه يطبق الأفكار في هذا الاتجاه.

في الاجتماع القطري نفسه، تحدث 68 عضواً، كما أسلفنا. وقد نشرت "الاتحاد"(11)   ملخصاً للكلمات التي أُلقيت في الجلسة الأولى منه، نثبت فيما يلي نماذج عن أبرز ما جاء فيه. وعلى الرغم من غموض بعض معاني هذه الكلمات، كما سنلاحظ، فإنها تظل تعكس قضايا النقاش / الخلاف داخل الحزب.

فتحي شبيطة (عضو لجنة منطقة المثلث):

"لا يوجد لتقييم حزبنا لما يجري في الأقطار الاشتراكية أساس واقعي، ذلك لأن الحديث لا يدور عن اشتراكية أكثر، بل الابتعاد عن  الاشتراكية... قيادة الحزب مسؤولة عن إضعاف مكانتنا في النضالات الشعبية ضد الاحتلال والدفاع عن حقوق المواطن.

يوري بينيس (عضو لجنة منطقة القدس):

"الأزمة الخطيرة التي تجتاح الحركة الشيوعية لم تقفز عن حزبنا. وقيادة حزبنا عاجزة عن معالجتها. وتستحق هذه القيادة تقديراً كبيراً لمحافظتها على الحزب في إطار نضال يهودي – عربي... لا مكان لإجراءات تتعلق بالطاعة مثل إخراج سميح غنادري من اللجنة المركزية. العريضة التي بادرنا إليها هي عمل غير عادي يهدف لإنقاذ الحزب من الانحلال وتحويله إلى قوة قائدة ومجندة...".

فخري حسن (عضو لجنة منطقة الناصرة): "... لا بديل للوحدة اليهودية – العربية في الحزب، ولكنه مع ذلك يجب الإصغاء بشكل أكثر لما يدور في الشارع بشأن تركيبة المؤسسات...".

أبراهام رورليخ (عضو لجنة منطقة حيفا): "كلمة يوري بينيس وقضية العريضة، تشيران إلى أن الأخطاء ترتكب من الطرفين: عريضة قبل أربعة أشهر من المؤتمر، تضع الوحدة في خطر. ولكن قرار شجب العريضة أيضاً، أمر غير ديمقراطي... لقد أخطأ الحزب أكثر من مرة في أمور مرتبطة بالمسألة اليهودية، لأنه انزلق إلى مثالية الوضع في الاتحاد السوفياتي...".

تمار غوجانسكي (رئيسة تحرير "زوهاديرخ"): "بين العبر العامة التي علينا استخلاصها من التغيرات في الأقطار الاشتراكية، هي الحاجة للتغلب على أمرين: على استبدال الموجود بالمرغوب، أي استبدال تحليل الواقع بالتذمر منه، والتوجه القائل بأن القيادة أكير حكمة من الجماعية الواسعة لأعضاء الحزب..."

مروان مشرقي (عضو لجنة منطقة الناصرة): "لا بديل عن النقاش الصريح، ولكنه في خضم النقاش برزت أيضاً انلاقات خطيرة في اتجاه التكتل والخرق الواضح لقرارات أطر وهيئات...".

جمال تايه (سكرتير منظمة الطلاب في القدس): "ليست المشكلة في القيادة، بل في التغييرات في السياسة، في الدستور وفي أساليب العمل... أنني لا أستحسن محاولة إحداث تغيير في الحزب بوسائل مثل أسبوعية "العربي" أو العرائض. يجب مناقشة الآراء مثل اقتراح الكانتون[؟]، بتوجيه طيب."

سميح غنادري (عضو لجنة منطقة الناصرة): "يرفض تبريرات إخراجه من اللجنة المركزية... عمله في منطقة الناصرة كان عملاً مخلصاً ولم يهمله، ووجه بالمصاعب بشأن نشر مقاله في "الاتحاد" ولهذا أقدم على نشره في "العربي"...".

باسل غطاس (عضو لجنة منطقة عكا): "مقبول أن علينا أن نتغير، والنقاش هو بين توجهين متطرفين: واحد يرى في التغيير تحدياً للماضي وللقيادة، ولهذا فهي تخشاه، والآخر يفسر التفغيير كانعطاف حاد وفوري. والأغلبية الساحقة من أعضاء الحزب تقف في الوسط...".

خراردو لايبنر (عضو هيئة تحرير "زوهاديرخ"): "تجتاح الحزب أزمة خطيرة تنعكس في انخفاض تأثيره بالرغم من أن الظروف الموضوعية أكثر راحة... من المطلوب نقاش مفتوح واقعي، أبعد من الدستور والعادات. والمطالبات بهذا والعرائض هي أمور مفهومة إزاء الوضع...".

أسعد يوسف كنانة (سكرتير منطقة الناصرة): "... هناك رفاق يتحدثون عن البيريسترويكا، ولكنهم يقصدون أموراً شخصية. وقد هاجم سميح غنادري في اجتماع لنشيطي تلخيصات اللجنة المركزية. وقد جاء قرار إخراجه من اللجنة المركزية ليس بسبب مقاله في "العربي" إنما لأنه أعلن أنه قرر بوعي وبمعرفة خرق الطاعة الحزبية، وبعد أن رفض اقتراحات مختلفة لحل وسط."

أنطوان شلحت (نائب رئيس تحرير "الاتحاد"): "... هيئة التحرير كلها، بمن في ذلك أنا شخصياً، تتحمل المسؤولية عن القرارات التي اتخذت في الماضي بشأن عدم نشر مقالات مختلفة. لكن أحياناً كان ذلك بقرار من القيادة. أما الآن فالوضع يختلف وهذا لمصلحة الجريدة ولمصلحة الحزب. اقترح إلغاء القرار، الذي ينص على أن من يكتب بـ"العربي" لا ينشر له  في صحف الحزب."

محمود محاميد (سكرتير منطقة أم الفحم): "لا يرى أن طرفاً قد انتصر في النقاش الذي كان بين اللجنة المركزية وسميح غنادري، والمشكلة هي أن الكثيرين من الذين يتحدثون عن الحاجة إلى التجدد، يرفضون اقتراح التغيير عندما يتعلق الأمر بشخصهم..."

سهيل دياب (سكرتير فرع الناصرة): "... الطريق إلى تغيير هذا الأمر ليس بالعرائض، وبالطبع ليس في إصدار نشرة مثل "العربي"، التي كل همها تجنيد رأي عام ضد قيادة الحزب."

سميح القاسم (عضو اللجنة المركزية): "... "العربي" ليست ضد الحزب، ولو أننا كنا نفتح صحفنا كما يجب ما كنا وصلنا درجة إقدام رفاقنا على الكتابة في "العربي".... هناك في الواقع تمثيل معين لليهود والعرب،* 

عوزي بورشطاين (عضو المكتب السياسي): "... في السنوات الـ 50 من عضويتي في الحركة الشيوعية والحزب، كنت شاهداً على خمسة انقسامات. وعلى أساس هذه التجربة المتكدسة، علينا توسيع الديمقراطية، ولكن مع مقاومة تشكيل كتل، أو صحيفة معادية، أو عريضة."

أحمد عراقي (عضو لجنة منطقة المثلث): "لقد أخطأنا في تقييم التطورات في الوسط اليهودي وفي الوسط العربي، ونتيجة لذلك فإننا نواجه صعوبة في مواجهة الحركة الإسلامية...".

أليعيزر فايلر (عضو لجنة منطقة السهل): "... كانت سياسة الحزب صحيحة في اساسها، ولكننا تأخرنا أحياناً في ملاءمة السياسة مع التغييرات في الواقع. صحيح أننا ضللنا، ولكننا دافعنا عن أمور كنا نعرفها، مثل مصير الكتّاب اليهود في عهد ستالين...".

توفيق زياد (عضو المكتب السياسي): "... طريق الحزب في البلاد هو طريق رائع وإلى جانب ذلك يجب التجدد في القيادة وفي الدستور. وأن تطويراً آخر للديمقراطية سوف يعزل أصحاب الانحراف... كل عضو في الحزب يمكنه أن يكتب في أية صحيفة، ولكن القضية هي في مضمون كتابته. ولكن مسألة "العربي" مسألة أخرى، لأنها صدرت بشكل خاص كأداة ضد الحزب."

بنيامين غونين (عضو المكتب السياسي): "لقد أخطأ الحزب حين انتهج المماطلة، وعندما بقيت الأمور لفترة طويلة جداً في اللجنة المركزية، بدون أن يعرف النشطاء شيئاً... مشكلة الحزب ليست تنظيمية وحسب، وطالما لم نحل المشاكل الداخلية سنستصعب القيام بالعمل في أوساط الجمهور...".

وعادت صحافة الحزب(12)  فنشرت ملخصاً للكلمات التي أُلقيت في الجلسة الثانية من الاجتماع القطري للحزب. ونثبت فيما يلي نماذج من هذه الملخصات:

زاهي كركبي (عضو المكتب السياسي): على الحزب "أن يصد الهجوم على قادة الحزب، هذا الهجوم الذي تسهم فيه قوى من خارج الحزب، ولكن أيضاً أعضاء من الحزب، يعتمدون الثرثرة واغتيال الشخصية. وهؤلاء الذين يشنون الهجوم يقللون من أهمية قرارات الحزب وتوجيهه. وخاصة تجاه مصير السكان العرب في البلاد."

محمد علي طه (عضو لجنة منطقة الناصرة): "يعاني حزبنا من أزمة صعبة، جراء أساليب عمل قديمة وأخطاء القيادة... لقد كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي وسيبقة حزباً يهودياً عربياً، وعلينا أن نقدر عالياً الرفاق اليهود. ولكن القرار بأن يكون يهودي في رأس القائمة للكنيست أو للهستدروت ليس مثالاً للأممية...".

شهير كبها (عضو لجنة منطقة أم الفحم): "... إن تركيب اللجنة المركزية الحالية ليس كما يجب أن يكون. وتركيبتها ينبغي أن تتلاءم مع الأكثرية في الشارع. أرفض أسلوب الإطاحة بالرؤوس، على أساس عقاب على الرأي...".

نديم موسى (عضو لجنة المراقبة في منطقة عكا): "... لقد ارتكب الحزب أخطاء ، ولكن سياسته أثبتت نفسها. ولهذا فإن شعار تغيير القيادة هو شعار خاطىء...".

عصام مخول (سكرتير منطقة حيفا): "... لا جدال على أن لا بديل لحزبنا، ولا يفتش أحدنا عن إطار آخر، ولكن المحافظة على الحزب لا تعني التخندق خلف الدستور... لقد أخطأت اللجنة المركزية في إخراج سميح غنادري منها...".

سالم جبران (رئيس تحرير"الاتحاد"): "... النقاش يدور حول كيفية إجراء التجديد بحيث لا يحدث تصادم، بل ليكون مرحلة من مراحل الاستمرارية. وأنه احتقار للذات القول بأن ليس لهذه القيادة ما تفعله بعد. إن جذر المشكلة في الحزب هو بابتعاده عن العمال وبإهماله للتوجه الطبقي...".

عبد الحميد أبو عيطة (عضو اللجنة المركزية): "... إن الدعوة لتغيير القيادة، التي انتُخبت في المؤتمر، ليست دعوة ديمقراطية. المطلوب الآن هو إجراء نقاش حر وموضوعي. والمؤتمر الـ 21 يلخص النقاش، وما يقرره يلزم الجميع...".

حسني سلطاني (عضو سكرتاريا الشبيبة): "إننا، نحن الذين نعاني الاضطهاد القومي، نعرف أنه في الحزب فقط نحظى بحرية التعبير، ومن المحظور نسيان ذلك... التغيير نجريه ليس عن طريق العرائض، بل عن طريق المؤتمر...".

سلمان ناطور (عضو هيئة تحرير "الاتحاد"): "ليس هناك خلاف بالنسبة للخط السياسي الفكري، الذي يوحدنا  جميعاً، بل الخلاف هو في القضايا التنظيمية والشخصية... لقد أعلنت القيادة بأن الصحف مفتوحة، ولكنها أضافت بعد ذلك، أن مقالات معينة لا يجب نشرها. وحتى في [هذا؟] الاجتماع نفسه هاجموا كل من تكلم بشكل لا يعجب القيادة."

كمال غطاس (عضو لجنة المراقبة المركزية): "إن مقياس تقييم عملنا هو في قدرتنا على الرد على كل مظاهر التطرف القومي ومحاولة المسّ بالوحدة اليهودية – العربية... لا يشترك سميح القاسم في اجتماعات اللجنة المركزية، ولم يكلف نفسه عناء عرض الوثيقة التي كتبها على اللجنة المركزية...".

تسيبورا شاروني (عضو اللجنة المركزية): "... عندنا هناك من يتلفع بالبيريسترويكا ولكنه في الواقع يعمل بشكل لاديمقراطي بواسطة العرائض.... إذا لم نحافظ على الوحدة العربية – اليهودية وندافع عن القيادة، التي كرست كل حياتها، تدمر الحزب."

رشدي خلايلة (عضو هيئة تحرير "الاتحاد"): "أعارض القرار الذي يمنع الذين يكتبون بـ"العربي"، من الكتابة في "الاتحاد". انتقاد القائد لا يعني ضد الحزب.... التعددية تدعم الحزب. أخشى أن تجري محاولة تصفية حسابات باسم وحدة الحزب."

 الخلاصة: وحدة الحزب في خطر

في ضوء العرض السابق لمجريات الأمور داخل الحزب الشيوعي الإسرائيلي خلال عام تقريباً، يمكن التوصل إلى عدد من الاستنتاجات:

  • جاءت "البيريسترويكا" السوفياتية لحظة ملائمة، أو ما يشبه الذريعة، لإثارة النقاش في شأن القضايا القديمة والمستجدة، التنظيمية والسياسية والأيديولوجية، لدى الحزب الشيوعي الإسرائيلي. وفي حين يتفق الجميع في الحزب على ضرورة التغيير والتجديد والدمقرطة، ثمة خلافات في شأن أسلوب تحقيق ذلك، وفي شأن عمق التحولات المطلوبة. وثمة بالتالي خلافات تنظيمية تتمحور حول "تركيبة" الهيئات القيادية، أي، بصورة أوضح: نسبة تمثيل العرب واليهود في هذه الهيئات.
  • لعل القضية الرئيسية المطروحة للنقاش، تصريحاً أو تلميحاً، من جانب الأعضاء العرب هي العلاقات العربية – اليهودية داخل الحزب. وفي المقابل، يشدد الأعضاء اليهود – إجمالاً _ على الأبعاد الاجتماعية من عمل الحزب، ويتناول بعضهم قضايا "يهودية" محضة. وإذا صح قولنا هذا، فإنه ينبغي تتبع أثر كل من مسار الفلسطنة والانتفاضة / الثورة في إبراز هذه القضايا.         
  • هناك حديث، حتى داخل الحزب، عن وجود "طرفين"، وإن على نحو غير محدد. ومع ذلك يمكن التمييز بين طرف رسمي وآخر معارض. ويبدو، انطلاقاً من الكلمات الملقاة في الاجتماع القطري السنوي للحزب، أن الطرف الأول يتحصّن في الهيئات الحزبية العليا، وخصوصاً المكتب السياسي، في حين يتمتع الطرف الثاني بنفوذ ملموس على صعيد الكواد الوسيطة، وخصوصاً لجان المناطق.
  • ثمة تلاؤم بين ما ورد في (2) و (3) أعلاه، نظراً إلى التركيبة القومية الخاصة بالحزب. ففي حين تكاد الهيئات العليا تكون موزعة بالتساوي بين اليهود والعرب، تزداد نسبة الأعضاء العرب باطراد كلما انتقلنا من هرم الحزب في اتجاه قاعدته، المكونة في أكثريتها العظمى من العرب.
  • تأتي الأزمة الراهنة في الحزب في سياق الأزمات الخمس الكبري التي شهدها منذ تأسيسه؛ ففي العشرينات والثلاثينات، واجه الحزب الشيوعي الأزمات، على قاعدة التوجه إلى "تعريب" الحزب كما أقره "الكومنترن". وفي الأربعينات، أسفرت الأزمة عن انشقاق معظم الشيوعيين الفلسطينيين، وقيامهم بتأسيس "عصبة التحرر الوطني". وفي سنة 1965، انشق الحزب إلى مجموعة "يهودية" احتفظت باسم "الحزب الشيوعي الإسرائيلي" (ماكي)، واندثرت مع الزمن، وأخرى يهودية – عربية عملت تحت اسم "القائمة الشيوعية الجديدة" (راكح)، واستعادت مؤخراً اسم "ماكي".
  • سيكون للمؤتمر الحادي والعشرين القول في النقاش / الخلاف الدائر. وفي ظل وصول بعض الخلافات إلى نقطة اللاعودة، ستكون مهمة الحفاظ على وحدة الحزب في غاية التعقيد والصعوبة، إلا إذا أمكن التوصل إلى حل وسط ينهي الأزمة، موقتاً على الأقل.

20/2/1990

 

(1)   "عراخيم"، العدد 4 (113)، آب/أغسطس 1989، ص 3 – 30.

(2)   يوسف ميخالسكي، "دافار"، 15/5/1989.

(3)   "دافار"، 9/8/1989.

(4)   "هآرتس"، 4/10/1989؛ "عال همشمار"، 5/10/1989.

(5)   "هآرتس"، 8/10/1989.

(6)   المصدر نفسه، 25/12/1989.

(7)   "دافار"، 26/11/1989؛ المصدر نفسه، 5/12/1989.

(8)   المصدر نفسه، 16/1/1990.

(9)   "الاتحاد" (حيفا)، 12/1/1990.

(10)   المصدر نفسه، 10/1/1990.

(11)   المصدر نفسه، 11/1/1990.

*   كان القاسم أوضح هذه المسألة في رسالته الانتقادية التي نشرتها "العربي"، وأعادت نشرها "اليوم السابع" (باريس، 5/2/1990)، إذ قال أن تكريس حجم التمثيل القومي في هيئات الحزب وكأنه "قرار إلهي بالمناصفة في كل شيء وبالأولوية اليهودية في كل شيء... يقلب الأممية إلى ضدها ويحولها إلى ما يشبه الطائفية السياسية في لبنان!".

(12)   "الاتحاد" (حيفا)، 17/1/1990؛ "زو هاديرخ"، 17/1/1990.