Morisco Anecdotes in the Inquisition Register
Full text: 

لا شك في أن الدارس لحقبة الموريسكيين، والباحث عن دقائق وتفصيلات ذلك التاريخ الذي أظلّته غمامة سوداء جعلت منه تاريخاً أغبر، سيشعر بثقل وطأة تلك الأحداث إلى حد أن التنفس بحد ذاته يصبح عملية شاقة، وسيغدو كالغريق الذي يبحث عن جرعة هواء تعيد إليه اتزانه الجسدي وصفاء عقله.

"لقد كان سقوط الأندلس واحدة من المآسي العظمى في التاريخ الإنساني، لما رافقها من عمليات الطرد والإبادة ومحاكم التفتيش الشنيعة التي نشرت الرعب والفزع وابتكرت فنوناً من وسائل التعذيب وتحطيم الجسد والنفس الإنسانية، وهي وحدها عار ضخم تحمله 'الحضارة' الغربية إلى جانب سوءاتها العظمى: إبادة السكان الأصليين للعالم الجديد والعبودية في أفريقيا، وإبادة المدنيين في الحروب العالمية، أو موجات الاحتلال."[1]

مآسي الموريسكيين الطاحنة لا تترك لدى القارئ حيزاً للتفكير في أن أولئك التعساء كانوا قادرين بصورة ما على القيام بأي شيء لمواجهة هذا الكم الهائل من العنف، وخصوصاً أن خاتمة مأساتهم المتمثلة في طردهم نهائياً من بلدهم هي بحد ذاتها مأساة أبشع وأقسى. وهذا صحيح، فمقاومتهم كانت غير مجدية: فهم عسكرياً كانوا إلى حد ما عزّلاً من السلاح بسبب القوانين التي كانت تفرض عليهم عدم حمل الأسلحة، حتى لو كان منها ما هو صغير كالسكين / أو الخنجر، كما أن أي مساعدة من العدوة المغربية أو من الديار العثمانية كان دونها مصاعب أقلّها أن الإسبان كانوا منتشرين على السواحل بصورة مكثفة لوأد أي مساعدة في مهدها. ومع أن بعض المساعدات نجح، إلاّ إن هذا كان محاولات محصورة من هنا وهناك؛ وهم اقتصادياً معوزون فقراء لأن الدولة والكنيسة كانت تستنزفهم من خلال الضرائب والغرامات التي تُفرض عليهم بحقّ أو جزافاً؛ وهم إنسانياً منبوذون من "مجتمعهم المنتصر"، ويعيشون حياة ذل وقهر فرضت عليهم اتخاذ اسم غير اسمهم العربي، وطعام وشراب غير طعامهم وشرابهم، وزيّ غير زيّهم، وتقاليد غير تقاليدهم، والأقسى والأكثر وحشية، دين غير دينهم الذي نشأوا عليه ولغة غير لغتهم، فباتوا من دون هوية ولا تاريخ، يعملون جهدهم للحفاظ على ما تبقّى من تراثهم في ذاكرتهم، مع ما يصاحب هذه العملية من خزعبلات وخرافات ستجعل منهم شعباً جاهلاً بعد أن كانوا بناة حضارة ونبراس تقدّم.

في هذا الجو المشحون بالكراهية والتعصب، والذي تخيم عليه فظائع دواوين محاكم التفتيش، وصرخات الموريسكيين الذين نُفّذت بحقهم حفلات الإعدام حرقاً، فإن صفحات الكتب التي تناولت تلك الحقبة وعذاباتها ووحشيتها، أوردت بعض الحيل والطرائف التي لجأ إليها أولئك التعساء لرفع منسوب التفاؤل لديهم، كي لا يصابوا بالجنون جرّاء القوانين التعسفية التي فُرضت عليهم، والتي صاحبها كثير من التعذيب الوحشي ممّا يندى له الجبين. 

الدعابة جزء من طبيعة الأندلسيين

جاء في "نفح الطيب": "ولأهل الأندلس دعابة وحلاوة في محاوراتهم، وأجوبة بديهية مُسكتة، والظرف فيهم والأدب كالغريزة، حتى في صبيانهم ويهودهم، فضلاً عن علمائهم وأكابرهم."[2]

إن القارئ لطبائع أهل الأندلس تلفته الرقة التي تخالط طباعهم، وحبّهم للجمال، واستئناسهم بكل ما هو ذكي ولمّاح، فكأنما الطبيعة التي عاشوا في ظلها، بجمالها وشذاها وحسن تكوينها، إنما هي صانع يجلو ما تحمله البداوة من جلف وخشونة في نفوس أولئك العرب، حتى باتت نوادرهم وسرعة بديهتهم ووصفهم لكل ما يحيط بهم، أكان جميلاً أم قبيحاً، وحتى أدبهم بنثره وشعره، هي ممّا تتناقله الكتب في طياتها، وتلهج به ألسنة الرواة.

وقبل التطرق إلى ما جاء في دواوين محاكم التفتيش من أخبار تدل على ظُرف الموريسكيين وطرائفهم وسرعة بديهتهم، سأنقل لكم بعض ما ذكره المقّري في نفحه عن هذا الأمر، لعلنا ندرك قليلاً ممّا تستبطنه نفوس أحفادهم من الموريسكيين من ميل إلى الترويح عن النفس بنكتة أو خاطرة بديهية تجلو عنهم بعضاً من العسف والظلم المفروض عليهم.

- "حُكي عن الزهري خطيب إشبيلية - وكان أعرج - أنه خرج مع ولده إلى وادي إشبيلية، فصادف جماعة في مركب وكان ذلك بقرب الأضحى، فقال بعضهم له: بِكَم هذا الخروف؟ وأشار إلى ولده، فقال له الزهري: ما هو للبيع، فقال: بِكَم هذا التيس؟ وأشار إلى الشيخ الزهري، فرفع رجله العرجاء وقال: هو مَعِيب لا يُجْزِىءُ[3] في الضحية، فضحك كل مَن حضر، وعجبوا من لطف خُلُقه."[4]

- عشق الوزير الكاتب أبو الفضل ابن حسداي الإسلامي السرقسطي، جارية ذهبت بلبّه، فخلع دينه اليهودي وأسلم من أجلها، "وكان في مجلس المقتدر بن هود [حاكم سرقسطة] ينظر في مجلد، فدخل الوزير الكاتب أبو الفضل ابن الدبّاغ وأراد أن يندِّر به، فقال له، وكان ذلك بعد إسلامه: يا أبا الفضل، ما الذي تنظر فيه من الكتب، لعله التوراة؟ فقال: نعم، وتجليدها من جلد دبَغَه مَن تعلم، فمات خجلاً، وضحك المقتدر."[5]

- وفي زمن ملوك الطوائف، أنشد الأمير أبو الحسن ابن نزار، وهو من وادي آش، شعراً يهجو فيه ملك شرق الأندلس محمد بن مَرْدنيش، فسيّر هذا الأخير مَن جاء بابن نزار مخفوراً إليه، "فلمّا وقعت عين ابن مردنيش عليه قال له: أمكن الله منك يا فاجر، فقال: أنتَ – أعزّك الله – أولى بقول الخير من قول الشر، ومَن أمكنه الله من القدرة على الفعل فما يليق به أن يستقدر بالقول، فاستحيا منه، وأمر به للسجن، فمكث فيه مدة."[6]

- "وكان الأعمى التطيلي شاعراً مشهوراً، وكان الصبيان يقولون له: 'تحتاج كحلاً يا أستاذ'، فكان ذلك سبب انتقاله من مُرسية، وقيل له: يا أبا بكر، كم تقع في الناس؟ فقال: أنا أعمى، وهم لا يبرحون حُفَراً، فما عذري في وقوعي فيهم؟"[7]

- "ومن أجوبة ملوك الأندلس أن نزاراً العبيدي صاحب مصر كتب إلى المرواني صاحب الأندلس كتاباً يسبّه فيه ويهجوه، فكتب إليه المرواني: أمّا بعد، فإنك عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك، والسلام."[8]

- "وقال بعضهم في لباس أهل الأندلس البياض في الحزن، مع أن أهل المشرق يلبسون فيه السواد: 

ألا يا أهلَ أندلسٍ فطنتُمْ          بلُطْفكمُ إلى أمر عجيبِ

لبستم في مآتمكم بياضاً          فجئتم منه في زيّ غريبِ

صدقتم فالبياضُ لباسُ حزنٍ          ولا حُزْنٌ أشدُّ من المشيبِ"[9] 

لنرجع إلى بعض ما ورد في دواوين محاكم التفتيش من أخبار عن الموريسكيين تحمل في طياتها نتفاً من ملاحة ذلك الشعب الذي كانت السخرية تعينه على تحمّل الألم، وسأختار خمس نقاط من كم هائل من التهم التي كانت توجَّه إليهم، وراعيت في اختيارها أن تكون دالة على نوعية أكثر التهم التي تكررت في محكمة التفتيش، والتي كانت تستهدف دينهم وعاداتهم ومنها نظافتهم اليومية. لكن القارئ سيكتشف أنها أخبار مقتضبة وموجزة لا تحمل تفصيلات سيقرأها فيما يلي، والسبب أن تلك المحاكم كانت معنية بذكر ما يثبّت التهمة على التعيس الذي وقع في براثنها، من دون الاهتمام بذكر حيثيات الخبر وما يحيط به من دقائق وحوادث. ولهذا قررتُ الاستعانة بتخيل ما يمكن أن يؤدي إلى إيضاح الصورة، كي لا تملّ قلوبنا، فالقلوب كالأبدان تمل وتحتاج إلى ما يروّح عنها.[10] 

1 - أطرش طرطوشة

كانت بلدة ميرافات (Miravete) القريبة من مدينة طرطوشة (Tortosa) إحدى البلدات الهادئة نسبياً فيما يتعلق بقيام سكانها بواجباتهم الكنسية، فالجميع وخصوصاً النساء كانوا يسارعون إلى الذهاب إلى الكنيسة (الدير) ليعترفوا، ولأداء الصلوات، وتلاوة ما هو مفروض عليهم من العبادات. وكان هذا أمراً مستغرباً، لأن أكثر ما كانت إسبانيا تعاني جرّاءه هو عدم قدرة الكنيسة على جعل الجميع يعتنقون الكاثوليكية عن صدق وإخلاص، فكيف كان سكان تلك البلدة يسارعون إلى ذلك، بل كيف استطاع قسّيسوها إقناع هؤلاء الاشخاص باعتناق الكاثوليكية بهذا الإخلاص والتفاني؟

أرسلت السلطات الكنسية موفداً من جانبها لتحرّي الأمر والنظر فيما يجري، فوصل هذا الموفد الكنسي إلى البلدة، وبعد أن استقبله القسيسون بإجلال، طلب منهم أن يشرحوا له الوضع، فأجابه أحدهم: "الأفضل أن تطّلع أولاً على الأمر عياناً، لتتأكد من أن ما يجري هو معجزة من الرب الذي منّ ببركته على البلدة وجعل الجميع نصارى مخلصين."

سُر المندوب وأبدى موافقته، وبعد أن تناول غداءه جلس في مكان مشرف على باحة الدير، فرأى الناس يتدافعون إلى الدخول، في منظر أدخل السرور على قلبه، وهو المتعصب لدينه. غير أن أمرين اثنين أزعجاه، وجعلا الشك يداخل قلبه: أولاً، كلمتا "لا، لا" اللتان كان يتردد صداهما في أرجاء الدير؛ ثانياً، وجود أشخاص يقفون خارج الباحة، ويهللون فرحاً كلما سمعوا تينك الكلمتين.

عند انتهاء حفلة الاعتراف التي استغرقت وقتاً بسبب كثرة الناس الذين كانوا موجودين، انكفأ القساوسة إلى غرفة داخلية للاجتماع بالمندوب وتقييم الوضع.

جلس المندوب على رأس الطاولة، وأشار إلى رئيس الدير الذي كان يستمع إلى الاعترافات كي يجلس بقربه ليتسنى لهما الكلام، فسحب هذا الأخير كرسياً إلى جانب الموفد، وجلس معتدلاً في دلالة على أنه الرئيس، بينما تحلق القساوسة حولهما انتظاراً لبدء الاجتماع.

بدأ الموفد الاجتماع بالصلاة شكراً للرب الذي استجاب لمحاولات إسبانيا نشر الدين الكاثوليكي، ثم وقف قائلاً: "أريد منكم أن تخبروني بالتفصيل كيف استطعتم إقناع هؤلاء السكان باعتناق ديننا؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتموها للوصول إلى هذه النتيجة الرائعة؟"

بدأ كل من القساوسة يشرح بحماسة فائقة كيف أنه وإخوانه في الدير يقومون بمهماتهم بهمّة يُحسدون عليها، وأنهم يعتبرون إرشادهم الدعوي أولى أولوياتهم، فلا يتوانون ولا يتكاسلون، ولا يتركون وسيلة إلاّ ويتّبعونها من أجل الوصول إلى هذا الهدف السامي، ولا شك في أن الرب سمع صدق دعواتهم بتخليص نفوس أولئك السكان من ذلك الدين "الشرير" الذي كانوا يؤمنون به، فشملهم بعين رحمته، وأسبغ عليهم نعمة المسيحية، فأصبحوا رعايا مسيحيين مخلصين للكنيسة وللدولة.

انتفخت أوداج المندوب فرحاً، والتفت إلى رئيس الدير ليهنّئه على هذه النتيجة الرائعة، فرآه شارداً يسبح في ملكوت غير ملكوتهم، فناداه لكنه لم يردّ، وناداه ثانية فظل صامتاً، فقال أحد الإخوة: "هو هكذا دائماً، ساهياً عمّا حوله، كأنه يرى ما لا نرى."

قلّب المندوب شفتَيه تعجباً، لكنه لم يعلّق بشيء، ووقف قائلاً: "كان اجتماعنا رائعاً، سنلتقي وقت العشاء ونتكلم، أمّا الآن فيجب أن أنفرد برئيس الدير لمناقشة بعض الأمور المالية."

انسحب القساوسة مطأطئي الرأس احتراماً للمندوب، وعندما خرج آخر شخص منهم، التفت المندوب إلى رئيس الدير فرآه واقفاً يهمّ بالخروج مع الإخوة المغادرين، فناداه فلم يرد، فأمسك بذراعه، فاستدار رئيس الدير في مواجهة المندوب وقال له: "عذراً، لديّ أمور يجب أن أقوم بها."

- "ما بك؟ ألم تسمعني عندما قلت أنني سأنفرد بك لمناقشة أوضاع الدير المالية؟"

- "نعم، نعم، كان قداساً رائعاً، الشكر للرب على..."

- "يا رب السماء! ألم تسمعني؟"

- "نعم، لكن يجب ألاّ تشكرني فما أنا إلّا أداة في يد الرب لتنفيذ مشيئته. الشكر هو للرب على نعمه و.."

- "ماذا تقول؟ هل جننت؟ أكلمك عن شيء فتجيب بشيء آخر؟"

"طبعاً نحن خدم للرب، وسنظل ننفذ مشيئته ما وسعنا ذلك."

استشاط المندوب غضباً وشرع يصرخ: "سأرفع تقريري إلى سلطات الكنيسة لعزلك، فما أنت إلاّ رجل أصابه الخرف، ويجب الحجر عليك."

- "الشكر للرب! بدأت أسمعك، فأنا يا سيدي أصمّ، ولا أسمع إذا كان الصوت خفيضاً."

جحظت عينا المندوب عند سماع كلام رئيس الدير، ثم خبط جبهته بيده كأن غشاوة انقشعت عن عينيه، فقد أدرك الآن ما كان يحدث، وفهم أن أولئك الموريسكيين استطاعوا استغلال هذا الوضع لمصلحتهم، وهزئوا من رئيس الدير والكنيسة والقساوسة محولين الأمر إلى سخرية.

جاء في محاضر محاكم التفتيش: 

"ففي طرطوشة (Tortosa) مثلاً، أدى المعرّفون واجبهم بسرعة كبيرة: 'ذلك أنه بفضل اعترافاتهم لا نعثر على أي إثم ارتكبوه، وهذا بسبب أنهم لا يُقرّون بشيء'. وبميرافات (Miravete) القريبة نسبياً من طرطوشة، وبسبب أن رئيس الدير كان أطرش، كان جميعهم يعترفون له، وكان الموريسكيون يجدون متعة في الردّ على كل الأسئلة بـ 'لا، لا'، وكان ذلك مرفوقاً بصياحهم وبالفرحة الكبيرة للأشخاص الذين حضروا هذه المسرحية غير بعيدين عنهم."[11] 

2 – طفل العمادة

كان التعميد الإجباري إحدى الوسائل التي استعملتها الكنيسة الكاثوليكية لفرض الدين المسيحي على الموريسكيين، فقد كان مفروضاً عليهم تعميد كل مولود حديث، ولهذا اشترطوا وجود قابلة مسيحية في أثناء الولادة لضمان عدم إخفاء أصحاب المنزل خبر ولادة طفل جديد في العائلة، فقد جاء في محاكم التفتيش: "إننا بالإضافة إلى ذلك نعلم وبصورة أكيدة، أنه كلما كان ممكناً لهم [كانوا يقومون بـ] إخفاء أطفالهم، ليجنّبوهم التعميد."[12] ولهذا، "لم يُسمح لأي امرأة موريسكية بالعمل كقابلة، لكن في كل قرية كان هناك قابلة مسيحية اختيرت بعناية وجرى تدريبها وإعطاؤها تعليمات بمراقبة جميع النساء الحوامل، على أن تدفع غرامة قدرها 100 ريال لكل حالة فاتتها. فبعد أن تقوم بعملية الولادة، وبعد أن تعطيه لوالدته كي ترضعه، فإن أول واجب يتعين عليها كان إخطار الكاهن ورئيس الشرطة، ثم أن تعود للبقاء إلى جانب الوالدة وعدم المغادرة إلاّ لتأدية بعض الواجبات المنزلية التي لا غنى عنها. وكان التعميد يجري في يوم الولادة نفسه، أو في اليوم التالي، وكانت السجلات تحتفظ ببيانات دقيقة عن المولود كي يتم ضمان عدم التزييف في الهوية."[13]

ولا شك في أن هذا الأمر وضع ضغطاً إضافياً على هؤلاء الأشخاص الذين كثيراً ما وجدوا طرقاً للتخلص من قضية التعميد:

- فمرة يرفضون الذهاب إلى الكنيسة، بل حتى عدم الخروج من البيت لفترة طويلة لتجنّب طقس التعميد، "وهناك بعض الموريسكيين قد حاولوا تغليط دواوين التحقيق، إذ ببساطة فضّلوا البقاء في منازلهم بدل الذهاب إلى الكنيسة: وقد اعتُبر ذلك علامة على اتّباع الدين الإسلامي، وهذا ما حدث بالفعل لشخصين من بلنسية كانا يفكران في العثور، في روكينا (Roquena) من أسقفية كوينكا التي وصلاها للاستقرار بها، على نفس الملابسات المؤيدة لمعارضتهم الضمنية للمذهب الكاثوليكي أفضل من الملابسات المتوفرة عندهم ببلنسية: 'إنه نظراً لأصلهما العربي لم يتحولا إلى القداس، ولم يعترفا ويناوَلا القربان، ولا احترما الأعياد والالتزامات، ولا طبّقا التقاليد المسيحية، ولم يعرفا الصلاة التي لقّنتها إياهما أمناء الكنيسة، ولم يأتيا بعلامة الصليب عندما يدق القسيس النواقيس'."[14]

- وأُخرى يقولون إن ماء التعميد لم يمسّهم: فبسبب الأعداد المحدودة التي تنصّرت وتعمّدت من تلقاء نفسها، "وغالباً ما كانت غير صادقة في هذا التنصر"، فرضت الكنيسة في سنة 1525، التنصير العام الذي كان يقضي بالتعميد الجماعي بحيث يجتمع الموريسكيون في الكنيسة فيقوم الكاهن برشّهم جماعياً بالماء. وقد اتخذت الكنيسة قراراً يقضي بسريان التعميد على مَن خضع له، "إذ إن التعميد يؤثر على الإنسان"، غير أن أولئك المعمّدين تفنّنوا "بكل الوسائل المشروعة للتهرب من الاعتراف بمثل هذا الأثر عليهم، وقد زعم بعضهم أنهم بينما كان يتم تعميدهم جماعياً '... لم يلمسهم الماء الذي كانوا يلقونه عليهم جميعاً دفعة واحدة'."[15]

- وتارة يَعمدون في الخفاء بعد عودتهم من حفل التعميد في الكنيسة، إلى إقامة حفل يغسلون فيه الطفل بالماء الساخن، ويدلّكون رأسه بلباب الخبز، أو يحلقون شعره، كي يمحوا آثار التعميد والزيت المقدس، ثم يختنونه ويُلبسونه ثوباً من أزيائهم العربية، ويطلقون عليه اسماً عربياً غير ذاك الذي أُعطي له عند التعميد، ومن أسمائهم المحببة إليهم: موسى؛ حامد؛ علي؛ هاشم؛ سيد؛ إبراهيم؛ يوسف. والأمر هو ذاته بالنسبة إلى البنات، فبعد غسلهن يبدلون لهنّ الثوب الأبيض الذي تعمّدن فيه بآخر من أزيائهم الإسلامية، ويطلقون عليهن أسماء عربية محببة لديهم، مثلاً: سليمى؛ هاجر؛ فاطمة؛ كُميلة؛ عائشة؛ سارة؛ منى؛ مريم.[16] وبما أن أولئك الموريسكيين قد بعُدت الشقّة بينهم وبين الإسلام الصحيح جرّاء القيود المفروضة عليهم والتي تنص على عدم ممارسة دينهم، بل تركه واعتناق غيره، فإن كثيراً من البدع والخرافات داخلت معتقداتهم، مثلما هي الحال في اقتران الجهل بالخرافة، فبعض الأشخاص كانوا يذبحون دجاجة ويسكبون دمها على الوليد للوقاية من آثار التعميد. إن محاضر محاكم التفتيش عامرة بأخبار من هذا النوع: 

- "عندما كانوا يعمّدون أطفالهم، كانوا يغسلون أجسامهم سراً بماء دافىء لإزالة ماء التعميد (المَيرون) والزيت المقدس، ويقومون بشعائر الختان ويسمّونهم بأسماء عربية. العرائس اللاتي ألبسهن القساوسة الثياب المسيحية لمباركتهن، كنّ يقمن بخلعها بعد عودتهن إلى منازلهن ليرتدين أزياء إسلامية."[17] 

- "ويبدو أن هذا الأمر كان بالفعل عادة عامة، إذ ينظَّم، في مساء يوم التعميد، جلسة ودية بين المسلمين كتعبير للوقاية ضد القربان المقدس. ففي ديثا مثلاً، سنة 1570، لمّا رجع لوب غيريرو (Lope Guerrero) إلى بيته، في الحال من حفلة الكنيسة، دعا كل أصدقائه لحفلة صغيرة، ولم يكن الأمر على الإطلاق الاحتفال بالتعميد، بل بتنظيم حفلة إسلامية تُتلى خلالها آيات من القرآن. وقد أُعطي الرضيع اسماً إسلامياً يُعتبر بالنسبة للعائلة تعويضاً للاسم الذي تلقّاه يوم التعميد، والفستان الأبيض سوف يعوَّض بلباس موريسكي صميم: 'تقام حفلة ما، يتم خلالها إعطاؤه اسماً عربياً، ثم يقع إكساؤه ملابس أنيقة، وتجميله بالعنبر والمرجان في العنق وخواتم من فضة، ثم يقوم أحد الشخصيات الحاضرة بقراءة بعض الصيغ بالعربية، ويعطيه اسماً عربياً'."[18] 

- "كان الموريسكيون يغسلون أبناءهم تجنّباً لآثار التعميد، أو يدلكون رأس الطفل بلبّ الخبز. كانوا يغسلونهم في الغالب بماء ساخن. على سبيل المثال، آنّا دي أورتوبيا (Ana de Hurtovia) جرّدت 'طفلة عُمّدت حديثاً من ثيابها وغسلت جميع بدنها بماء ساخن بغرض إزالة ومحو الزيت المقدس... وسمّوها باسم إسلامي أذاعوه هناك بين الجميع'."[19] 

- "غسلت لويسا دي باتيستا (Luisa de Batista) طفلها بماء ساخن عندما أحضرته من الكنيسة، و'جعلته في أبهى صورة' حينما حلّته بقلائد من العنبر والمرجان حول عنقه، وسمّته باسم إسلامي مستخدمة ألفاظاً عربية."[20] 

- "وفي مرة أُخرى، في كامبو دي كريبتانا، 'ولدت المذكورة لويسا مينغيث (Luisa Minguez) طفلاً، وبعد إحضاره من التعميد بالكنيسة، أزالوا له الزيت المقدس بحلق شعره، ومن أجل ذلك غسلوا الطفل بماء ساخن، وسكبوا عليه دم دجاجة كانوا قد ذبحوها'."[21] 

- "ونظراً إلى أن الآباء الموريسك لا يقدرون على رفض تعميد طفلهم، فإنهم يسارعون، أثناء رجوعهم من الحفل، إلى غسل رأس الطفل غسلاً دقيقاً، وفركه بعد ذلك بلباب الخبز، محاولة منهم لإلغاء تأثيرات التعميد. وفي سنة 1573، ببلمنتاخو (Belmontejo)، غسل خوان سيارا بماء ساخن رأس ابنه ليفسخ كل الآثار المائية والزيوت المقدسة للتعميد. كذلك، وقبيل الطرد النهائي بديثا (Deza)، كانت ماريا جاركينا (Maria Jarquina)، بعد حفلة الكنيسة ورجوعها إلى بيتها: 'وبحضور شخصيات أُخرى من أمّتها، قد نزعت أدباش[22] طفلها وغسلته بالماء الساخن وأعطت له اسماً عربياً هذه المرة'."[23] 

- وطوراً يبتكرون حيلة مدهشة سنقرأها فيما يلي، ولعل ما أضفتُه من تخيل لمجريات القصة يساعد على إدراك المأساة التي رزح تحتها الموريسكيون:

في إحدى القرى التي نُكب أهلها الموريسكيون بالتنصير الإجباري، بات لزاماً على كل فرد بالغ وقاصر، بل حتى المواليد الجدد، أن يتوجهوا إلى الكنيسة للتعميد كي تبدأ رحلة تنصيرهم، ولا شك في أن أولئك الأشخاص شرعوا يقدحون زناد فكرهم لإيجاد حل لهذه المشكلة المستعصية عليهم.

شعرت ماريا (اسمها الأصلي مريم) بآلام الولادة، وحاولت خنق صرخاتها كي لا يتناهى إلى جيرانها المسيحيين أنها في مخاضها فيستدعون القابلة المسيحية، غير أن الوجع ازداد فلم تستطع مقاومة الصراخ، وانفلتت من حنجرتها صرخة شقت الجدران حتى وصلت إلى آخر الشارع.

"يبدو أن ماريا توشك أن تلد"، قالت أنّا.

"نعم ، هكذا يبدو"، قالت بياتريث.

"هيا، لنستدعِ القابلة إسبيرانزا، فهي الأكثر مهارة بين القابلات، وماريا أثبتت أنها مسيحية مخلصة، ولا تستحق منا إلاّ الاهتمام بها، وتأمين أفضل مساعدة لها"، قالت كاتالينا.

تقلبت ماريا على فراشها مع كل دفقة وجع، وهي تتمتم: "حامد، حامد، أين أنت يا حامد؟"

"شششششششش لا تقولي حامد، اسمه أنطونيو. تحمّلي يا حبيبتي، سيعود أنطونيو في آخر النهار، وأنا سأظل معك حتى تلدي"، قالت إيلينا (اسمها الأصلي عائشة) أخت حامد التي كانت تبقى معها كلما اضطر أخوها إلى التغيب عدة أيام لإيصال بضائع إلى القرية المجاورة، وهذا ما كان يحدث منذ فترة، فهو كان يشتغل بغّالاً، ولحسن سيرته بين الناس، فإن الطلب عليه كان كبيراً.

"آآآآآآآآآآآآآخ، أشعر أن الطفل سيخرج قريباً. لماذا كُتب علينا هذا العذاب؟ ألا يكفي ما نتحمله من عسف هؤلاء المسيحيين كي تضاف إلى عذاباتنا عذابات الولادة والعمل الشاق الذي يجبر رجلاً على التغيب عن بيته أياماً، ويجبر المرأة على الخروج من بيتها لبيع ما تستطيع صنعه من حلويات لمساعدة زوجها على القيام بأعباء المنزل والأولاد، فقط لأننا نريد أن نبقى مسلمين؟"

"اخفضي صوتك أرجوكِ، فالحيطان لها آذان، ولا نريد أن ينتهي بنا الأمر حرقاً في الساحة"، قالت عائشة.

"لم أعد أستطيع التحمل، آآآآآخ"، قالت مريم.

سمعت عائشة الباب يدق كأن الطارق مستعجل، فقالت لمريم: "يبدو أن الجيران سمعوا صراخك، وها هم يدقون الباب كأننا نحتاج إلى مَن يكتم أنفاسنا أكثر. سأذهب لأُدخلهم، وإياك والتفوه بأي شيء يودي بنا إلى المحرقة، اُصرخي ما شئت، لكن لا تقولي شيئاً."

"أهلاً بالعزيزات أنّا وبياتريث وكاتالينا، نعم إن مريم تلد، ليسهّل الرب لها الولادة، فآلام الوضع تزداد"، قالت عائشة.

"القابلة إسبيرانزا في الطريق، فقد أرسلت ابني دييغو على عجل ليُحضرها"، قالت أنّا.

"شكراً لكنّ، ما ألطفكنّ، لكن الشكر الأكبر للرب الذي جعلكنّ جيراننا، فالإخلاص مفقود هذه الأيام بوجود أولئك الموريسكيين الذين يملأون الدنيا نفاقاً"، قالت عائشة.

"نعم، نعم، أنتِ على حق"، قالت النسوة الثلاث بصوت واحد.

طُرق الباب، فأسرعت بياتريث لتفتحه وتُدخل القابلة التي دخلت على عجل وهي ترسم إشارة الصليب بيديها.

"إيلينا، سخّني لي قدراً كبيراً من الماء، وأنتن أيتها السيدات اِلحقن بي إلى الغرفة لتساعدنني"، قالت القابلة.

مر الوقت بطيئاً على مريم وهي تقاسي آلام الوضع، وعند المغيب سُمع في أرجاء البيت صراخ وليد تلته كلمات الشكر للرب الذي يسّر الأمر، وكان الوليد ذكراً جميلاً تلقفته النسوة كلاً بدورها وهنّ يرسمن إشارة الصليب على صدورهن أولاً، ثم على جبهة الوليد.

"ماذا ستسميه يا ماريا؟"، سألت أنّا.

"سأنتظر عودة أنطونيو، فهو والده، ويحقّ له تسميته"، قالت ماريا.

حملت إسبيرانزا الوليد كي تُغسله، ولاحظت أنه أسود الشعر فاحمه، وأن له وحمة صغيرة عند أذنه اليمنى. وعندما انتهت من تغسيله أعطته لأمه قائلة: "حسناً، انتهت مهمتي، وسأرفع تقريري إلى الكنيسة أن ماريا أنجبت ذكراً، ثم سأذهب إلى بيتي لقضاء بعض الأمور المستعجلة، وسأعود لأظل بجانبك كي أساعدك، لكن عليكِ أنتِ وزوجك عدم التأخر في تسميته والاتفاق على موعد لتعميده"، قالت القابلة.

"نعم، نعم، أنتِ على حق"، قالت عائشة.

خرجت النسوة من الدار وهنّ يسترجعن ما حدث خلال النهار، وأغلقت عائشة الباب وراءهن، وأسندت ظهرها إلى الباب وهي ترسل تنهيدة طويلة لأن النهار مر على خير، ليس فقط بسبب انتهاء الولادة، بل لأن مريم لم تقل كلمات ممنوعة تحت تأثير الألم كمحمد، والله، أو حتى اسم زوجها حامد.

دخلت عائشة إلى غرفة مريم فرأتها تحضن وليدها وهي تؤذّن له في أذنه اليمنى وتقيم في اليسرى، وتقول له: "سأسميك إبراهيم فهذا اسم مبارك، وسأربيك على حب رسولنا محمد ليكون الإسلام نوراً لك في الدنيا يسدد خطاك، ويبعدك عن الشرور والمعاصي."

"يبدو أنك اخترتِ له اسماً، ما أجمله من اسم، ليكن الله معه في كل خطوة، وليكن حارسه من أولئك النصارى الذين يحصون علينا أنفاسنا. المهم الآن، ماذا سنفعل بتعميد إبراهيم؟ هل فكرتِ في هذا الأمر؟" قالت عائشة.

"طبعاً، واتفقت مع حامد على كل شيء، وجهّزنا النقود التي سنحتاج إليها عندما يحين الوقت، وإلاّ لِمَ تظنين أن حامداً يتغيب كثيراً في هذه الأيام ولا يرفض طلباً في عمله مهما تبعد المسافة؟"

"علامَ اتفقتما؟"

"سترين بعينك كل شيء كي تتعلمي ما يجب أن تفعليه عندما تتزوجين وترزقين بأولاد"، قالت مريم.

سمعت الامرأتان وقع خطوات سريعة في صحن الدار، وما هي إلاّ ثوانٍ حتى كان حامد يقف عند الباب وهو يقول: "مبارك لك ولادتك بخير يا حبيبتي، هل أذّنتِ وأقمت له في أذنه؟"

"طبعاً، لكن يجب أن تسرع أولاً إلى الكنيسة لتخبر الأب أنك رُزقت بذكر كي لا يظن بنا الظنون إذا تأخرنا في إبلاغه، ولا تنسَ أن تتفق معه على تحديد يوم للتعميد، ثم عليك أن تذهب إلى بيت ليونور (اسمها الأصلي سليمى) كي تتفق معها وتخبرها بموعد التعميد، وأعطها النقود كي لا تُخلف في وعدها معنا وتتفق مع غيرنا."

خرج حامد مسرعاً، ووقفت عائشة مدهوشة لا تفقه شيئاً ممّا يجري، فالتفتت مريم إليها وقالت لها: "غداً إن شاء الله ستفهمين كل شيء."

رجع حامد بعد قليل وهو يلهث وقال لزوجه: "وضّبتُ كل شيء، والأمور سارت على ما يرام، الحمد لله حمداً كثيراً، وموعدنا غداً إن شاء الله."

"جيد، الشكر لله، لو أنني قادرة لكنت سجدت له شكراً"، قالت مريم.

رجعت القابلة إسبيرانزا قبيل العشاء بقليل، فوجدت مريم نائمة والطفل مع عائشة، فجلست بقربها وشرعت الامرأتان تتسامران وتسترجعان أحداث اليوم.

نهار اليوم التالي، اجتمع في صحن الدار حامد والقابلة وعائشة ومريم التي كانت تحمل طفلها بين ذراعيها، وإذا بالباب يدق.

"سأذهب لأرى مَن الطارق"، قال حامد، "وأنتِ يا ماريا ابتعدي عن مجرى الهواء لئلا تصابي بالبرد. أرجوكِ يا إسبيرانزا أن تساعديها في تحضير نفسها كي لا نتأخر في الذهاب إلى الكنيسة، أمّا أنتِ يا إيلينا فتولّي أمر الطفل إلى أن تنتهي ماريا من تجهيز نفسها."

"طبعاً، طبعاً"، أجابت إسبيرانزا، وكذلك قالت عائشة.

صعدت الامرأتان إلى الطبقة العليا من البيت، فأخذ حامد الطفل من أخته وتوجه إلى الباب، وسمعته أخته يقول: "هاكِ الطفل يا سليمى، انتبهي له جيداً، وأحكمي الغطاء عليه، سأراك بعد حفل التعذيب (التعميد)، ولا تنسي ما اتفقنا عليه."

عاد حامد وهو يحمل الطفل، فقالت له أخته: "ماذا فعلت؟"

"لا تخافي يا أختاه، ستفهمين كل شيء بعد قليل"، قال حامد.

نزلت القابلة وهي تمسك بيد مريم التي كانت تبدو متعبة، فأسرع حامد إلى إعطاء الطفل إلى أخته التي لاحظت أن الطفل ملفوف بالقماشة من أعلى رأسه، بحيث لا يظهر منه إلاّ عيناه، فهزت كتفيها، وقالت في نفسها: "لن أستعجل الأمر، إن غداً لناظره قريب."

وقبل أن يصلوا إلى الكنيسة، إذ بسليمى تسرع نحوهم وهي تصرخ قائلة: "أرجوك يا إسبيرانزا أن تأتي معي، فأختي الحامل وقعت وهي تنزف."

"لا أستطيع، يجب أن أكون معهم في الكنيسة."

"لن أجعلك تتأخرين، أرجوك، ما هي إلاّ برهة وتلحقين بهم إلى الكنيسة."

وقفت إسبيرانزا حائرة، فقالت لها مريم: "اذهبي لمساعدة أختها، ليكن الرب معك، ولا شك في أنه سيُدخلك الجنة لأنك ستنقذين أماً وطفلها."

"حسناً، اسبقوني، لن أتأخر."

عندما ذهبت القابلة تنفّس حامد ومريم الصعداء، فالخطة تمشي مثلما خططا لها، والله سيكون معهما حتى تنتهي هذه المسألة.

وصل الثلاثة إلى الكنيسة، ولحسن حظهم لم تكن جاراتهم الثلاث اللواتي شهدن الولادة قد وصلن بعد، فهمست مريم في أذن زوجها: "الحمد لله، سنجلس في المقدمة وهنّ سيصلن متأخرات ولن يجدن مكاناً بقربنا، وسيضطررن إلى الجلوس في الخلف، وهكذا لن ينتبهن إلى شيء. نتمنى أن يظل الحظ حليفنا، وألاّ تأتي القابلة، وإلاّ فُضحنا على رؤوس الأشهاد."

تقدم الثلاثة إلى المقاعد الأمامية، وكان من المفترض ألاّ يتأخر القداس الذي سيسبق التعميد، غير أن الكاهن تأخر في المجيء، الأمر الذي استلزم التأخر في التعميد.

انتهى القداس وحان وقت التعميد، فنادى الكاهن الأم والأب للتقدم نحو الحوض الذي يوجد فيه الماء المقدس، فتقدم الأبوان والطفل بين يدَي أمه، فإذا بالقابلة تأتي مسرعة من آخر الكنيسة، وهي تقول: "الشكر للرب، وصلت في الوقت الملائم. أسرعت بقدر استطاعتي، وكدت أقع مرتين، لكن الرب شملني بعنايته."

أُسقط في يد مريم، وشرعت تتمتم في سرّها بما تعرف من أدعية كانت أمها قد علمتها إياها حين كان الإسلام غير ممنوع، غير أنها لم تستطع التوقف عن الارتجاف الذي انعكس بياضاً في وجهها.

تناول القسيس الطفل من يد والدته، وشرع يزيح عنه الوشاح الذي كان ملفوفاً فيه، وهو يتلو الأدعية المصاحبة للتعميد، فإذا بعينَي القابلة تجحظان وتصرخ: "هذا ليس الولد الذي أولدته، هذا أشقر، وذاك شعره أسود ولديه وحمة عند أذنه اليمنى."

جاء في محاضر التفتيش: 

"وهناك موريسكيون آخرون، لتجنّب تعميد أبنائهم، يستعملون في بعض الأحيان الحيلة: فعوضاً عن تقديم مولود العائلة الجديد، يعمّدون أحد أطفالهم الذي تلقّى القربان المقدس من قبل، وسيستمر في تلقّيه كلما حدثت ولادات جديدة بالقرية."[24] 

3 – "العبد" المشاكس

الأندلسيون ومن بعدهم أحفادهم الموريسكيون، شعب يحب السخرية والدعابة، ويعشق الموسيقى والرقص،[25] وذو كبرياء يجعله يرفض الظلم ويسعى بأي وسيلة لإزالة نير هذا الجور عن رقبته ولو كلّفه هذا حياته. وهو شعب يتميز بسرعة بديهته التي كثيراً ما أوقعت أفراده في مشكلات كبيرة مع السلطات الكنسية انتهت بطريقة مأسوية ووحشية. وحبّ الموريسكيين للدعابة لم يجعلهم يلجمون لسانهم عندما يقتضي الموقف نكتة ما، أو تعليقاً ساخراً، بل نراهم مصرّين على القيام بما يؤدي بهم إلى ما لا تُحمد عقباه، والكتب ملأى بأخبار من هذا النوع: 

- "قبل تعميد موريسكيي فالنسيا كان لص قد سرق ملابس من أحد الموريسكيين لكنه أنكر واقعة السرقة. فلمّا ذهب الاثنان إلى المحكمة، وقبل أن يحقق القاضي في الواقعة تشاجرا وعلا صوتاهما، وعلم القاضي أن أحدهما موريسكي فقال: 'اسكت أيها الكلب. لماذا تنبح؟ فأجاب الموريسكي: لأنني رأيت لصاً'."[26] 

- " 'القربان المقدس هو خبز ونبيذ والرب لا يحل به'، 'القربان هو خبز أو شيء رقيق، والرب لا يحل به'، 'القربان ليس أكثر من قليل من الدقيق المعجون والرب لا يحل فيه، إذ كيف يحل في شيء يجهزه خادم الكنيسة؟'، 'وأنه ليس من الممكن أن ابن الرب حل في القربان المقدس'."[27] 

- "وفي غرناطة أيضاً كان أحد صيادي مالقة (Malaga) جيناس دياز (Gines Diez) الذي ضُرب مائة جلدة من طرف ديوان التفتيش سنة 1567 بسبب قوله: إن تسديد ريال للقداس، هو شيء باهظ في حين أن ذلك لا يكلف سابقاً إلاّ نصف ريال. وقد أضاف قائلاً: إن الرهبان يكسبون المال بسهولة 'بمكثهم واقفين، وبتناولهم شيئاً قليلاً من الخبز والخمر'."[28] 

- "في سنة 1570 بديثا (Deza)، كانت موريسكية أُخرى، أنّا دي ألمورافي (Ana de Almoravi) قد صاحت بدهشة عندما رأت أمامها موكب قداس يحمل على رأسه صليباً كبيراً: 'يا إلهي ما أكبر هذا المسيح! كيف يستطيعون حمله؟' وقد مثُلت أمام دواوين التحقيق بتهمة: 'إثارة السخرية من الأشياء المتعلقة بالكنيسة والتماثيل'."[29] 

- "كان البعض منهم يتوارى مثل ميغيل دي بايي (Miguel de Valle) الذي كان يمشي أيام الآحاد مبتعداً عن القرية ويختفي خلال هذه الأيام. كانت الأغلبية تمارس عملها بشكل علني مثل دييغو دي ميندوثا وهو من نفس القرية، حيث كان يمتلك بستاناً يعمل به أيام الآحاد والعطلات. ولقد زُجر لإظهاره الشك في الدين حيث قال 'أنه يندمج في العمل معظم الوقت في ذلك البستان لدرجة أنه لم يعد يتذكر أن الرب موجود'. وعندما ألحّوا عليه بأنه بهذه الطريقة يعرّض مصيره في الآخرة للخطر قال: 'إن الجنة يجب أن تكون مثل ريّ بستانه'."[30] 

- "كانت هناك علامات على الأخوّة والتضامن يتبادلها الموريسكيون باستمرار، وكانت تهدف إلى الترابط فيما بينهم، وكانت غير مفهومة بالنسبة لجيرانهم المسيحيين، مثل رفع الإصبع السبابة لليد اليمنى كعلامة على توحيد الله وبديل عن صيغة الشهادة: لا إله إلاّ الله."[31] 

- "ليس فقط أن الله مسلم ومع المسلمين، لكنه يتكلم العربية وهذه هي لغة الخلاص. كان لويس لوبيث، من سوكوياموس، يلحّ على زوجته حتى تتعلم العربية قائلاً: 'يا حمقاء تعلمي العربية، فإن الله سيتكلم يوم القيامة بالعربية، وسيكون محمد بجواره، وسيقول له: يا رب نجّ هؤلاء لأنهم ما زالوا يحافظون على ديننا، وابعث بالمسيحيين إلى الجحيم'."[32] 

- "إن الكبار والصغار كانوا سواء في الضلال والإلحاد، وعلى علم بالجريمة والتآمر، حتى النساء والأطفال. كان الأطفال الصغار يقولون لأطفال المسيحيين القدامى: 'اسكت. إن أبي يقول إننا عندما نقتل المسيحيين لن نقتلك أنت'."[33] 

هذه بعض الأمثلة المبثوثة في صفحات الكتب، وقد أوردتها ليس انتقاصاً من دين آخر، بل لأنها جزء من ذلك التاريخ الذي يجب أن نسلط الضوء عليه كي لا تنغرس فينا سمة التطرف والتعصب مرة ثانية، فنعيش دورة أُخرى من الهمجية والتوحش.

خوان بوتيستا (اسمه الأصلي يوسف) كان من موريسكيي غرناطة الذين شاركوا في حرب البشرات خلال الفترة 1568 – 1571، وكان مدافعاً شرساً عن بني جلدته من المسلمين، لكن لسوء حظه خسر الموريسكيون الحرب، وجرى قتل أو أسر أو بيع كل مَن اشترك في تلك الحرب، وكان خوان منهم، وقد بيع كعبد إلى عائلة من المسيحيين القدامى كانت تسكن في مدريد.

لم يكن خوان عبداً مطيعاً، فقد ذاق معنى الحرية عندما كان حراً في غرناطة، وأصبحت العبودية تثقل كاهله وتجثم على صدره، فبات يحلم طوال الوقت بالهرب ليعيش حراً مرة أُخرى. ولهذا كان عبداً مشاكساً، لا يطيع الأوامر ولا يلتزم بقوانين أصحاب البيت ولا بالطقوس الكنسية، وقد دفع ثمن جرأته تلك سياطاً كانت بين الفينة والأُخرى تلهب ظهره عقاباً له، وخصوصاً بسبب تصرفاته في الكنيسة التي كان مفروضاً عليه التردد عليها لأداء الصلوات والاعتراف وتناول القربان المقدس وغير ذلك من طقوس. فعلى سبيل المثال، "كان المجمع الكنسي الأسقفي قد سنّ قواعد محددة وجب احترامها، [....] كمنع جمع التبرعات يوم الأحد أثناء 'إقامة القداس الأكبر'، أو عدم إدارة الظهر مطلقاً للقربان عندما يمر بين صفوف المقاعد"،[34] وكان خوان يجد متعة في كسر هذه القواعد، غير آبه بالعقاب الذي سيلي تصرفه الأرعن هذا.

لم يكن يوسف العبد المثالي الذي أمل رب القصر بالحصول عليه، فقد كان ذا شخصية وثّابة وجريئة، بل لنقل متهورة وطائشة لا تحسب للأمور عواقبها، فلم يكن يمتنع ولا يرعوي، وإنما يزداد هيجاناً وغضباً، مع أن رفيقه دييغو (اسمه الأصلي موسى)، وهو عبد مثله لدى العائلة نفسها، كان ينصحه دائماً، ويقول له:

"ما بك يا يوسف؟ ألا يكفيك الجلد الذي أنزلوه بك منذ أسبوعين؟"

"لا يهمني، فأنا ما خُلقت لأكون عبداً، ولن أظل عبداً، أنا حر، ولي اسم ولغة ودين."

"خوان اسمعني، يجب أن تنتبه لما تفعل، فقد تناهى إلى سمعي أن رب المنزل يفكر في التخلص منك وبيعك إلى مَن هو أقسى منه."

"دعه يجرب، والله لأذيقنّ المالك الجديد فنوناً من القهر ستجعله يفكر مرتين قبل معاقبتي، وقد يعتقني."

"هههه كم أنت ساذج. لو كانت فنونك ناجعة لكنت حراً قبل الآن بزمن طويل."

"سنرى. لديّ فكرة أظن أنها ستفلح، لكني لن أخبرك بها الآن، فأنا ما زلت أدرسها جيداً."

"ماذا يدور في عقلك يا مجنون؟ أنسيت ما فعلوه بإيرنانندو (اسمه الأصلي أحمد) عندما اكتشفوا أنه يحاول الهرب؟ أنسيت كيف علقوه على الشجرة ثلاثة أيام وأطلقوا عليه النحل حتى مات المسكين من الألم والعذاب؟"

"أعرف هذا كله، ولا يهمني، فالحرية تستحق التضحية بالنفس، وإذا ما متّ فسأكون قد اشتريت حريتي بروحي."

"خوان!! تعال إلى هنا أيها التعس."

"أسرعْ يا خوان لتلبية أمر السيد ألونسو، ولا تنسَ أنه يملك حياتك بيدك، فهو سيدك، ولا أعتقد أنه سيتحمل وقاحتك معه مرة أُخرى"، قال موسى.

"فليذهب إلى الجحيم، وعمّا قريب سيندم هو وهذه البيئة الحثالة على ما فعلوه بنا"، قال يوسف.

"ليحمِك الله يا يوسف من شر نفسك أولاً، فهي أمّارة بالسوء، وتوسوس لك ما لا يجدر بك فعله"، قال موسى.

دخل يوسف قصر سيده، وظل موسى ساهياً يفكر فيما إذا كان عليه أن يخبر يوسف بالخبر الذي سمعه من ميغيل (اسمه الأصلي عبد الرحمن) العبد الذي يعمل في القصر المجاور، فقد أخبره أنه سمع سيده يتحدث مع صديقه، وأن هذا الصديق قال له إن الملك فيليب الثالث اتخذ قراره بطرد الموريسكيين من إسبانيا، وإن هذا الأمر ستتم المباشرة فيه بغضون أشهر قلائل لا تتعدى الشهرين.

"ما بك يا موسى؟ فيمَ تفكر؟ لماذا تبدو عليك علامات الوجوم كأنك فقدت أحداً من أهلك؟ تعال نجلس تحت شجرة الرمان تلك، وسأنبئك بما يثلج قلبك ويُفرح نفسك"، قال يوسف.

"خير إن شاء الله؟ ما الأمر؟"

"لقد قرُب فرجنا، وبتنا قاب قوسين أو أدنى من نيل حريتنا ومغادرة هذا المكان الذي لم نرَ فيه إلّا الظلم والجور. الملك قرر طردنا، وسنغادر إلى حيث يوجد أهلنا المسلمون، فنعيش وسطهم ونعلن اعتناقنا لديننا الذي مُنعنا هنا حتى من التلفظ باسمه، بل بات علينا التبرؤ من نبيّنا المحبوب محمد."

"نعم لقد سمعت هذا البارحة من عبد الرحمن، وأنا صريع الهواجس منذ الصباح: كيف سنترك بلدنا هذا الذي لم نعرف وطناً سواه؟ ماذا لو لم تعجبنا الحياة هناك؟ ماذا لو نُظر إلينا بعين الريبة والشك على أننا متنصرون، أو في الحد الأدنى على أننا جواسيس للتاج الإسباني؟ آه يا يوسف ما أصعب الرحيل في ظل المجهول، ومع هذا فإن مجرد التفكير في أن هذا النير الموضوع في رقابنا سيُفك ونصبح أحراراً يصيبني بالخدر والتفاؤل."

"ضع هواجسك جانباً، وتعال نرسم خططنا بشأن الوجهة التي سنتجه إليها عندما يحين موعد الرحيل."

جلس العبدان الرفيقان يتكلمان ويخططان ويعدّان ما لديهما من نقود، غير أن موسى كان يلمح بين الفينة والأُخرى ظل ابتسامة غريبة على شفتَي يوسف، فحاول أن يسأل رفيقه عن هذا، إلّا إن هذا الأخير قال له أن ينسى الأمر، وإن الموضوع تافه ولا يستحق الحديث عنه.

مر شهران على هذا الحديث، وبدأت عجلة طرد الموريسكيين بالدوران، وسيحين عمّا قريب وقت رحيل يوسف وموسى اللذين أمضيا تلك الفترة بصورة روتينية مع وقوع بعض الأحداث المؤلمة التي حلّت بيوسف الذي ذاق الجلد مرتين خلال تلك الفترة بسبب تصرفاته وطول لسانه، لكن الغريب في الأمر أن ظل الابتسامة الغريبة تلك لم يكن يفارق شفتيه.

"لقد قررتُ الذهاب أولاً إلى فرنسا، ومن هناك سأنطلق بالزورق لأعيش في ظل الملك التركي العادل الذي طلب من جميع الدول التابعة لحكمه، أن تستقبلنا، نحن الغرباء، وتوفر لنا الأمن والسلام اللذين نفتقدهما هنا"، قال يوسف.

"هل أنت واثق من قرارك هذا؟ لقد سمعت أخباراً شنيعة عن المعاملة السيئة التي يلقاها الموريسكيون في الأماكن التي هاجروا إليها. ما رأيك لو نلتقي مع عبد الرحمن ليلاً لتدارس الوضع واتخاذ القرار بشأن البلد الذي سنهاجر إليه؟" قال موسى.

"جيد، سنلتقي عند التاسعة ليلاً إن شاء الله."

التقى الرفاق الثلاثة في الوقت المحدد، فإذا بعبد الرحمن يقول بفرح ظاهر: "لقد تقرر رحيلنا في غضون أسبوع، وعلينا أن نبدأ ترتيباتنا بعد يومين، إذ لا داعي للعجلة، فالقوانين التي تحظر علينا نقل كل ما نملك من مقتنيات وأموال لا تسري علينا، فحاجاتنا قليلة، ونقودنا أقل منها."

"جيد، جيد، يجب أن أبدأ خطتي"، قال يوسف هامساً.

"أي خطة؟" قال موسى.

"خطة؟؟؟ مَن قال خطة؟؟" قال يوسف

"أنتَ قلتَ ذلك. بِمَ تفكر؟؟"

"يبدو أنكما أصبتما بالصمم، قلتُ يجب أن أنتبه للخطر. هيا لنعد إلى أعمالنا، فنحن لا نريد أن يحدث أي شيء يعرقل رحيلنا."

أزف يوم الرحيل، وإذا بعبد الرحمن وموسى واقفان مع "أمتعتهما الكثيرة"، ينتظران يوسف الذي تأخر على غير عادته، ولا سيما أن هذا هو اليوم الذي كان ينتظره بشوق.

"أين يوسف يا تُرى؟" سأل عبد الرحمن.

"لا أعرف، تركته منذ ساعة يستكمل تجهيز 'حاجاته' كأن لديه ما يستحق الاحتفاظ به"، قال موسى.

بينما الصديقان حائران يتفكران في سبب تأخر يوسف، إذ بجلبة تصل إلى مسامعهما مقبلة من الكنيسة القريبة من القصر، وبأصوات عالية يُشتمّ منها الغضب والحنق.

"لنذهب ونرَ ما يحدث. قلبي يُنبئني بأن شراً وقع، وأنا خائف من أن يكون يوسف وراء هذا"، قال موسى.

سارع الصديقان إلى الكنيسة، فشاهدا يوسف يهرول خارجاً منها، غير أن أحد محققي محكمة التفتيش استطاع الإمساك به قبل أن يهرب ويختفي في الزحام، وشرع يجرّه مصحوباً بالشتائم والضرب، وهو يقول له: "يا كافر، أتهين طقوسنا ثم تطلق ساقيك للريح وأنت تطلق ريحاً، معتقداً أنك ستنجو بفعلتك؟"

نظر يوسف إلى رفيقيه، وكانت تلك الابتسامة الغريبة لا تزال على شفتيه، لكنها أكبر وأكثر اتساعاً.

لقد فاض الكأس بيوسف، ولا شك في أن الغيظ والحنق والغضب أمور 

"جعلت خوان بوتيستا (Juan Bautista) جريئاً وهو العبد المقيم بمدريد، عندما قرر أن يتحول إلى فرنسا، بلد الحرية: 'وقد وصل إلى علمه أن كل العبيد وعلى الخصوص المنحدرين من أصله، هم أحرار هنالك'، وهناك سوف ينتظر رسو 'زورق للأتراك ليتحول بعد ذلك إلى بلادهم'. ونظراً إلى أن قلبه مملوء غيظاً، فإنه قبل أن يجتاز الحدود، أراد أن يقوم بفضيحة، ليعلن للمسيحيين رأيه فيهم. [....] دخل إلى كنيسة أثناء إقامة القداس 'ليواجه بظهره القربان المقدس' [في إهانة منه لطقوسهم]، ثم في الحين أطلق ساقيه للريح، إلاّ إنه في الحال مُسك به واقتيد إلى السجن."[35] 

4 – قبلة على الرأس

لم يكن الصراع بين الموريسكيين والنصارى الإسبان صراعاً دينياً فقط، بل كان صراعاً اجتماعياً وثقافياً أيضاً، كان الهدف منه إلغاء الهوية العربية كلياً من أرواح وقلوب وإيمان الموريسكيين، بل حتى إلغاء التقاليد التي نشأ عليها الموريسكيون، "فكل ما يبدو للمسيحي القديم غير عادي وغير مألوف في الموريسكي يُنظر إليه على أنه 'شعيرة للمسلمين'. [....] لكن لا يُفرَّق بين 'شعيرة للمسلمين' و'عادة للمسلمين' بما أن النزاع ليس دينياً فقط: بالنسبة لمحكمة التفتيش كان الأمران يستوجبان العقاب سواء بسواء."[36]

كان بالتاسار (Baltasar)، (اسمه الأصلي عمر)، يعيش في قرية مولينا (Molina) مع زوجته وابنته، وكان والده يسكن معهما بعد وفاة زوجته والدة بالتاسار. وكان هذا الأخير يعامل أباه باحترام كبير فيقبّل يده عند الصباح وقبل النوم، وكان الوالد يمسح على رأسه بحنان وهو يتمتم بجملة لم يكن بالتاسار يعرف سوى أنها بالعربية وتعني: "بارك الله فيك يا بُني، لا تقبّل يدي بل رأسي، فأنا لست سيدك لتفعل هذا، وإنما أنا أبوك الذي يحبك كثيراً ويرى فيك حبّة عينه الغالية."

كان الوالد يعمل في جني العنب في بستان لمسيحي قديم، وكان محبوباً من رب عمله ومن أقرانه في العمل لشدة تهذيبه ولطفه في التعامل مع الجميع، إلّا من شخص كان ينظر إليه بعين الريبة والشك، وكان دائماً يردد: "كل موريسكي عرضة للشك، ولا أحد من هذه الجماعة يستحق منا الاحترام أو حتى اللطف في المعاملة." غير أن الجميع كانوا يرفضون ما يقوله، ويزيدون من حسن معاملتهم للوالد قائلين: "لقد أثبتت هذه العائلة أنها مسيحية مخلصة، ولم نرَ من أفرادها ما يثير الشك."

وقد لاحظ الجميع كيف أن بالتاسار ورث عن أبيه هذه الصفات الحميدة، إذ كان يصحب والده يومياً إلى العمل، ويسارع إلى مساعدة مَن يحتاج إلى ذلك، كما لاحظوا كيف كان الوالد ينهره إذا ما بدر منه أي شيء يدل على عدم الاحترام، ويقول له: "لن تكون سيداً ذا مكانة محترمة بين الناس إذا لم تتصرف بشكل جيد."

لكن شيئاً كان يعكّر صفو العلاقة الجيدة بين الأب وأقرانه، إذ لاحظوا كيف كان الأب يسحب يده بقسوة عندما كان بالتاسار ينحني ليقبلها، وكيف كان الوالد يتمتم بكلمات لم يكن أحد يعلم معناها إلّا بالتاسار، وهي: "لا تنقل ما أعلمك إياه في البيت إلى العمل وأمام الغرباء، فنحن لا نعلم مَن هو الصديق ومَن هو العدو."

تأصلت هذه الخصال في نفس بالتاسار وحرص على أن يعلّم ابنته ما علّمه إياه والده، وكان دائماً يقول لها: "ابنتي، احرصي على أن تكون سيرتك محمودة بين الناس، فهذا أولاً يؤمّن لك زوجاً يطلب ودك، وثانياً يجعل منك سيدة ذات مهابة بين الناس."

كانت الابنة إينس (Inés)، (اسمها الأصلي فاطمة)، عند حسن ظن أبيها، وكانت تعامله بالاحترام نفسه الذي كان يعامل به أباه، بل كانت زيادة في إظهار احترامها لأبيها تقبّل يده عند كل فرصة تسنح لها، وهذا من شدة حبّها له.

ذات يوم مرض الوالد وتغيّب عن العمل فجاء أقرانه لعيادته وكان بينهم هذا الشخص الذي لم يكن يُكنّ له الود. جلس الجميع متحلقين حول سرير الوالد يحادثونه ويلاطفونه، بينما جلس بالتاسار في مؤخر السرير ليكون قريباً من الباب إذا نادته زوجته لحاجة ما. أمّا ذاك الشخص الحقود فكان يجول بعينيه في أرجاء الغرفة ليرى ما إذا كان سيجد شيئاً يتهمه به.

دخلت زوجة بالتاسار حاملة صينية عليها كؤوس فيها شراب، وإينس في إثرها، وبدأت تدور بين الجميع وهي تقدّم لكل منهم كأساً مصحوبة بكلمات الترحيب.

جلست إينس كعادتها على حضن أبيها، وشرعت تقبّل يده، فقال لها بالقشتالية بصوت عالٍ: "حبيبتي لا تقبّلي يدي، بل رأسي، فأنا لست سيدك، وأنت غاليتي."

تنحنح الوالد المريض عندما سمع ابنه يردد بالقشتالية ما كان يقوله له بالعربية، وطلب منه أن يناوله كوب ماء.

هبّ بالتاسار إلى جانب والده وبيده كأس الماء، وما أن أدنى الكأس من فم أبيه حتى همس الوالد بالعربية: "هل جُننت؟ ألم أقل لك ألّا تردد ما علمتك إياه أمام الغرباء؟"

وفي اللحظة التي كان الوالد يتحدث بالعربية كان هذا الحاقد قد أصبح إلى جانبهما وسمع الكلام بالعربية وإن لم يفقه معناه.

انتفض الشخص الحقود وقال: "أخيراً وقعتَ أنت وعائلتك المنافقة، فأنتم ما زلتم تتّبعون تلك الديانة المحمدية الملعونة، لأنكم لا تزالون تمارسون شعائرها، وتتحدثون بلغتها، وسأذهب تواً إلى محكمة التفتيش لتعاقبكم على فعلتكم الشنيعة"، وخرج راكضاً وهو يقول: "كنت متأكداً أن هؤلاء الموريسكيين كذابون، ولن أتـوانى عن الشكوى حتى يلقوا جزاءهم."

جاء في محاضر محاكم التفتيش: 

"من بين التهم الموجهة إلى موريسكي متهم من مولينا قوله لابنته أن لا تقبّل يديه، بل رأسه، ويقول ممثل الادعاء إنها كانت تفعل ذلك لأنه شعيرة للمسلمين. واحتج المتهم بأنها ليست شعيرة دينية، لكنها 'عادة بين المسلمين أن يقبّل الأبناء يد الآباء، وأيضاً كزيادة في المحبة يقبلونهم على الصدغ أو الرأس'."[37] 

5 – حظر الاستحمام

ولم يقتصر الصراع على إلغاء النصارى الإسبان العادات العربية من حياة الموريسكيين، وإنما تجاوزها إلى ما هو أكثر عمقاً وضرورياً لصحة الإنسان البدنية والعقلية. فقد حرّم الإسبان الحمامات وأمروا بإغلاقها، وكان كل استحمام يقوم به الموريسكي يُعتبر تحضيراً للوضوء وبالتالي الصلاة.

يقول الله في كتابه الكريم: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} (سورة الأنبياء، الآية 30)، فهذا الماء الذي فيه حياة للإنسان بات أداة تستخدمها محاكم التفتيش لاتهام الموريسكيين بالإلحاد واتّباع الدين المحمدي، وبالتالي لمحاكمتهم وسجنهم وحتى حرقهم بالنار في استعراضات يحضرها علية القوم من الملك والحاشية والقساوسة. ومحاضر محاكم التفتيش ملأى بهذه الاتهامات: 

"فانظروا، على سبيل المثال، الحالات التالية: 'غسل قدميه بماء ساخن من الركبتين إلى أسفل وهو قادم من جني العنب'؛ 'حينما أتى من الحصاد غسل كل جسده من أعلى إلى أسفل بماء ساخن مخلوط بإكليل الجبل'؛ رجل آخر وزوجته غسلا كل جسديهما 'وهما عريانان في قِدر من الماء الساخن وُضع فيه إكليل الجبل والزعتر.'[38] ويؤكد شاهد كوينكي على أن الموريسكيين 'يغسلون الفم بعد الأكل'."[39] 

كانت إيزابيل دي ألكاثار (Isabel de Alcazar)، (اسمها الأصلي خالدة) تعيش مع أختها فرانثيسكا (Francisca)، (اسمها الأصلي اعتماد)، بعد وفاة والديهما، إذ لم يكن أبوهما موسراً، ولم يورثهما شيئاً سوى ما يسدّ بعضاً من رمقهما. وكانت الأختان غير متزوجتين وتتناوبان يومياً على صنع بعض الحلوى لبيعها في السوق، ثم شراء بعض الأكل بما يجمعانه من نقود يومياً.

ذات يوم استيقظت اعتماد على أنين أختها خالدة في الغرفة المجاورة، فنهضت مسرعة لترى ما أصابها، وكان المشهد صادماً لها.

"ما بك يا خالدة؟ وما هذه الدماء التي تغطي يديك؟"، قالت اعتماد.

"لقد انتشر الجرب في جسمي كله، وأنا لا أستطيع التوقف عن الحكّ ولا أرتاح إلّا بعد أن أن تنزل الدماء"، أجابت خالدة.

"ألم تنفعك أعشاب ذاك الطبيب العربية؟ هل توقفتِ عن استخدامها؟"، قالت اعتماد.

"وبماذا تنفعني هذه الأعشاب إذا كان شفائي متعلقاً بالاستحمام يومياً، وبالنظافة البدنية مثلما كانت أمي تفعل معنا؟"، ردت خالدة.

"آآآآخ يا أختي، ماذا أقول؟"، قالت اعتماد، "فمنذ أن أغلقوا حماماتنا العامة، ومنذ أن أُجبرنا على ترك أبواب بيوتنا مفتوحة ليراقبونا ويروا ما إذا كنا نتّبع عاداتنا العربية، وأحوالنا تتدهور، بل إن الحياة باتت لا تطاق."

"لن أستطيع التحمل أكثر، سأستحم اليوم في بيتنا، وسآخذ من عيد القديس بطرس الذي يصادف اليوم، حجة لي في أني أريد أن أكون نظيفة للاحتفال بالعيد كما يليق بالقديس. وأنتِ قفي عند الباب للمراقبة خوفاً من أن يباغتنا أحد فيشكونا إلى محاكم الشيطان تلك"، قالت خالدة.

توجهت اعتماد إلى الباب، ووقفت بشكل تستطيع فيه مراقبة الطريق من دون أن يراها أحد، بينما قامت خالدة لتوقد النار تحت قدر فيه بعض الماء استعداداً للاستحمام.

صبّت خالدة الماء الساخن في دلو كبير كان فيه بعض الماء البارد، وعندما تأكدت من أن حمامها بات جاهزاً التفتت إلى اعتماد لتتأكد أن لا أحد موجوداً في الخارج، وعندما أومأت اعتماد بالإيجاب وضعت خالدة بعضاً من أعشاب الطبيب العربي في الدلو، وخلعت ملابسها، وجلست فيه وبدأت تستحم.

لكن فات الأختين أن سطح منزلهما ملاصق لسطح جارتهما المسيحية القديمة والمعروفة بفضولها الشديد، وبشكّها المستمر فيهما كونهما موريسكيتين متنصرتين، وبتدخلها الدائم في حياتهما، وبزياراتها لهما التي لا وقت محدداً لها، أكان ذلك اختلاساً للنظر من خلال السطح، أم زيارة مفاجئة تثير الرعب في قلبيهما.

استرخت خالدة في الدلو وبدأت تفرك الأعشاب على جروحها وهي تتمتم بأدعية كانت أمها قد علّمتهما إياها، وإذا بصرخة تندّ من الأعلى جعلتها تقفز من الخوف متناسية أنها عارية، ونظرت إلى الأعلى ورأت جارتهما واقفة عند حافة السطح جاحظة العينين وتقول:

"لقد كان ظني بكما في مكانه، فما أنتما سوى موريسكيتين كافرتين، لا تؤمنان بديننا بل تستهزئان به والدليل أنكما لا تخرقان أوامر ديننا فقط، بل تقومان بذلك في عيد من أعيادنا، وسأذهب للتو إلى رئيس محكمة التفتيش لأخبره بما شاهدت."

جاء في محاضر محكمة التفتيش: 

"استحمت إيزابيل دي ألكازار (Isabel de Alcazar) صبيحة عيد القديس بطرس، واغتسلت عارية، في دلو مملوء ماء، وقد دافعت، والحق يقال، أنها كانت تهدف أن تجعل ذلك عادة طقوسية، ذلك أن النظافة بالنسبة لها ضرورة حتمية، وليس ذلك احتفالاً عربياً، خاصة وأنها مصابة بمرض 'الجرب'."[40] 

هذه الطرائف، مع ما تحمله من سخرية سوداء، وتعبير عن الألم الدفين الذي يعتمل في نفوس الموريسكيين، مرآة ساطعة لطبيعة ذلك الشعب الذي رزح تحت نير الظلم والعبودية والقهر، وقاوم بأقل الوسائل إمكاناً، وسعى جهده لبثّ منسوب من التفاؤل في نفسه كي لا يصبح عقله صنو الجنون الذي عاناه في مجتمعه. وهي وثيقة تمكّننا من قراءة التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي للموريسكيين في تلك الحقبة.

وللمفارقة المرة، فإن دعابة الأندلسيين في زمن حكمهم ورخائهم وُلدت من رحم الهناء والدعة والاستقرار والجمال، بينما وُلدت دعابة أحفادهم الموريسكيين من رحم السواد والحزن والقلق والتشتت والقباحة متجلية بأبرز صورها في محاكم التفتيش التي صبغت أوروبا آنذاك بالظلامية والجهل وفقدان العقل والمنطق.

 

المصادر:

[1] محمد إلهامي، "العثمانيون في أحلام الأندلسيين"، في موقع "تركيا بوست"، في الرابط الإلكتروني.

[2] ابن المقّري التلمساني، "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب"، تحقيق إحسان عباس (بيروت: دار صادر 1997)، المجلد 3، ص 381.

[3] أي: لا ينفع.

[4] المصدر نفسه، ص 383 – 384.

[5] المصدر نفسه، ص 401 – 402.

[6] المصدر نفسه، ص 492 – 493.

[7] المصدر نفسه، ص 536.

[8] المصدر نفسه، ص 558.

[9] المصدر نفسه، ص 441.

[10] جاء عن علي بن أبي طالب قوله: "روّحوا القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان."

[11] لوي كاردياك، "الموريسكيون الأندلسيون والمسيحيون: المجابهة الجدلية (1492 – 1640) مع ملحق بدراسة عن الموريسكيين بأمريكا"، ترجمة عبد الجليل التميمي (تونس: ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر، والمجلة التاريخية المغربية، 1983)، ص 39.

[12] المصدر نفسه، ص 36، الحاشية 67.

[13] Henry Charles Lea, A History of the Inquisition of Spain (New York; London: The Macmillan Company, 1907), vol. 3, p. 380.

[14] كاردياك، مصدر سبق ذكره، ص 25.

[15] دولورس برامون، "المسلمون واليهود في مملكة فالنسيا"، ترجمة رانيا محمد محمد أحمد، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 2004)، ص 76.

[16] انظر في هذا الشأن: خوليو كارو باروخا، "مسلمو مملكة غرناطة بعد عام 1492"، ترجمة وتقديم جمال عبد الرحمن (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 2003)، ص 122 – 123.

[17] مارمول كارباخال، "وقائع ثورة الموريسكيين"، ترجمة وسام محمد جزر، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن (القاهرة: المجلس القومي للترجمة، 2012)، ص 168.

[18] كاردياك، مصدر سبق ذكره، ص 36

[19] مرثيدس غارثيا – أرينال، "محاكم التفتيش والموريسكيون: محاضر محكمة كوينكا"، ترجمة خالد عباس، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2004)، ص 74.

[20] المصدر نفسه.

[21] المصدر نفسه.

[22] أي: ثياب.

[23] كاردياك، مصدر سبق ذكره، ص 36.

[24] كاردياك، مصدر سبق ذكره، ص 36.

[25] بشأن هذا الأمر، انظر: الأسقف دون باسكوال بورونات إي برّاتشينا، "الموريسكيون الإسبان ووقائع طردهم"، الكتاب الأول من الجزء الأول، ترجمة كنزة الغالي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 2012)، ص 161.

[26] كارو باروخا، مصدر سبق ذكره، ص 150، الهامش رقم 119.

[27] المصدر نفسه.

[28] كاردياك، مصدر سبق ذكره، ص 22.

[29] المصدر نفسه.

[30] غارثيا – أرينال، مصدر سبق ذكره، ص 93.

[31] ميكيل دي إيبالثا، "الموريسكيون في إسبانيا وفي المنفى"، ترجمة جمال عبد الرحمن (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 2005)، ص 135.

[32] المصدر نفسه، ص 118 – 119.

[33] كارو باروخا، مصدر سبق ذكره، ص 124.

[34] كاردياك، مصدر سبق ذكره، ص 96.

[35] كاردياك، مصدر سبق ذكره، ص 22. وانظر أيضاً: إلهامي، مصدر سبق ذكره.

[36] غارثيا – أرينال، "مصدر سبق ذكره، ص 85.

[37] المصدر نفسه.

[38] المصدر نفسه، ص 68.

[39] المصدر نفسه، ص 69.

[40] كاردياك، مصدر سبق ذكره، ص 41.