هل من معارضين إسرائيليين يهوداً للضم؟
Date:
2 juin 2020

اعتقد سياسيون ومفكرون أكاديميون وجنرالات أمن في إسرائيل، أن مقتل رئيس الحكومة يتسحاق رابين سنة 1995، شكل محطة فارقة لحسم حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من طرف واحد، وللتغلب على أية معارضة سياسية للحل أحادي الجانب. ومنذ ذلك الوقت حدث ما يشبه الانقلاب على قوى وتيارات اليسار الصهيوني والليبرالي التي اعترفت بوجود شريك فلسطيني لإيجاد حل سياسي يحفظ بقاء الهيمنة والتوسع الكولونيالي، ويلتقي في المضمون مع برنامج اليمين الذي تزعمه شارون وفيما بعد نتنياهو. في هذا السياق، بادر رئيس الحكومة السابق إيهود براك إلى الضغط المشترك مع إدارة كلينتون، على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للمشاركة في مفاوضات كامب ديفيد 2000 من أجل فرض حل إسرائيلي بغطاء فلسطيني.

ونتيجة الرفض الفلسطيني لذلك الحل الخادع، خرجت مقولة إسرائيلية مفادها: "لا يوجد شريك فلسطيني". مقولة  تغلغلت في وعي الرأي العام الإسرائيلي. وقد بُنِيَ على غياب الشريك حل إسرائيلي مفروض من طرف واحد، كانت حلقته الأولى الانسحاب من قطاع غزة والانتقال إلى الاحتلال عن بعد الذي حوَّل القطاع إلى سجن ضخم محاصر براً وبحراً وجواً. ومنذ ذلك التاريخ حُسمت سيطرة اليمين العنصري الإسرائيلي بقيادة شارون، المترافقة مع  اختلال موازين القوى الداخلية لمصلحة معسكر اليمين الاستيطاني القومي والديني. وكان من نتائج ذلك، تشرذم القوى السياسية والحركات الشعبية الإسرائيلية اليهودية المؤيدة لـ "حل دولتين لشعبين" حين تحولت إلى حركات نخبوية بلا قاعدة جماهيرية، إلى درجة أن أبراهام بورغ أحد زعماء حزب العمل لم يجد حزباً إسرائيلياً ينتخبه سوى القائمة العربية المشتركة في الانتخابات الأخيرة.[1]

الغريب في الأمر، أن المعارضة الأساسية للتوسع وضم أراضي من الضفة الغربية، جاءت من داخل مؤسسات الدولة العميقة مثل جنرالات في الجيش "حذروا من انعكاسات الضم على استقرار المنطقة، ولا سيما أنه لن يحظى بالدعم الأوروبي المطلوب، ولن يحصل على موافقة دولية، وفي غياب غطاء دولي سيلاحَق ضباط كبار في الجيش في أوروبا وربما في دول أُخرى بتهمة ارتكاب جرائم حرب.[2]

أمّا الجهاز القضائي في إسرائيل فقد رفض التعامل مع موضوع الضم، عندما صرح المستشار القضائي للحكومة "أفيحاي مندلبليت"، بأن الموضوع لم يطرح بعد، وبالتالي لا داعي للنقاش. لكن جهات شبه رسمية تنتمي إلى مؤسسات الدولة العميقة، كانت أكثر صراحة في معارضتها الضم بصيغة نتنياهو وحلفه. فقد"عبرت حركة "ضباط من أجل أمن إسرائيل" التي تضم في صفوفها أكثر من 300 من كبار ضباط الجيش والأجهزة الأمنية المتعددة مثل نائب رئيس الأركان السابق متان فيلنائي، بالإضافة إلى رئيسي جهاز المخابرات السابقين عامي أيلون ويوفال ديسكين، عن رفضها الضم، وخصوصاً غور الأردن، لأن انعكاساته ستكون خطرة على أمن إسرائيل، وقد يترتب عليه انهيار السلطة الفلسطينية، وهو ما سيدفع إسرائيل إلى العودة إلى مناطق A وB  وعودة الحكم العسكري، وسيؤدي إلى زحف بطيء نحو الدولة الواحدة الذي ستفقد فيه إسرائيل طابعها كدولة يهودية ديمقراطية بحسب تقديرها. واعتبرت حركة الضباط، عبر دراسة أعدها طاقمها البحثي أن سيناريو الضم في حال تحقق ستكون له انعكاسات اقتصادية سيئة، تفقد إسرائيل ما يقارب من 15 مليار دولار من ميزانيتها السنوية.

وانضم العميد أودي ديكل، مسؤول ملف المفاوضات مع االسلطة والمنظمة في عهد حكومة إيهود أولمرت، وهو من كبار باحثي مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب إلى معارضي الضم، محذراً حكومة نتنياهو من مثل هذه الخطوة، نظراً إلى خطورتها على أمن دولة إسرائيل وعلى علاقاتها بالفلسطينيين وعلى العلاقات بالدول العربية الموقعة على اتفاقيات سلام معها، وخصوصاً المملكة الأردنية التي ستكون أكثر المتضررين، وهو ما قد يدفع ربما إلى انهيار نظام الحكم الملكي فيها لمصلحة أطراف معادية لإسرائيل، تدفع في اتجاه إلغاء اتفاقية السلام معها، وإعادة تشكيل الجبهة الشرقية التي ستضم هذه المرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.[3]

الجنرال السابق عاموس غلعاد رئيس الملف السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية، الذي شغل هذا المنصب مدة عقدين، ورئيس مؤتمر هيرتسليا السنوي الحالي، "أشار في ورقة عمل شارك فيها طاقم من المركز إلى أن للضم مخاطر على أمن دولة إسرائيل، حيث ستنهار السلطة الفلسطينية بالتدريج، وهو ما يعني عودة إسرائيل إلى المناطق التي لا ترغب بالوجود فيها مطلقاً، كما سينهار اتفاق السلام مع الأردن الذي يوفر لإسرائيل عمقاً استراتيجياً لا غنى عنه بالمطلق، الأمر الذي من شأنه أن يعرّض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر المضر بدولة إسرائيل. وأشار غلعاد إلى أن الضم سيمس بمكانة إسرائيل الدولية كدولة ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط، وستمارس عليها الضغوط، حتى من جانب الولايات المتحدة، لمنح الفلسطينيين حقوقاً مساوية للإسرائيليين اليهود وهو ما يعني انفراطها كدولة يهودية وديموقراطية."[4]

من ناحيته، قال البروفسور "درور بييتلسون" إن الضم سيغير خريطة إسرائيل الديموغرافية وسيؤدي إلى أغلبية عربية في كل فلسطين التاريخية باستثناء منطقة الساحل الممتدة من عسقلان حتى الناقورة.[5]  بينما أشار العقيد "شاؤول أريئيلي" من كبار المختصين بالشأن الفلسطيني إلى أن الخريطة المقترحة للضم ستؤدي إلى قيام نظام حكم عنصري رسمي في إسرائيل.[6]

في سياق مختلف انضمت حركات السلام الإسرائيلية النخبوية إلى معارضة الضم، بغض النظر عن حجمه، مستعينة  بالآراء المذكورة في مراكز الأبحاث الصهيونية وبعض مواقع اليمين الوسط للتدليل على خطورة الضم على دولة إسرائيل. ومن بين هذه الحركات "نساء يصنعن السلام" و"طريقنا" "ومنظمة بيتسيلم" و"يكسرون الصمت" "ومنظمة عدالة" المنظمة الحقوقية الفلسطينية الإسرائيلية و"حركة السلام الآن" التي عقدت مؤتمراً طارئاً نشرت فيه وثيقة تشير إلى مخاطر الضم تضمنت: إقامة نظام تمييز عنصري وإلغاء حل دولتين لشعبين وانتشار العنف والمس بعلاقات إسرائيل الإقليمية والدولية.[7]

وفيما يتعلق بالعرب الفلسطينيين سكان الأرض المحتلة سنة 1948، الذين يشكلون 20% من سكان دولة الاحتلال تقريباً، فقد عبّر أحد قادتهم في القائمة المشتركة عضو الكنيست أيمن عودة، عن معارضته الشديدة لأي ضم لمناطق من الضفة الغربية لدولة الاحتلال، وقال إن الجماهير العربية ستخرج للتظاهر ليس فقط ضد الضم، بل وضد صفقة القرن التي تحدثت عن نقل السكان الفلسطينيين إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.

إشارة مهمة أُخرى تتعلق بالرأي العام الإسرائيلي اليهودي، إذ أظهرت نتائح استطلاعين للرأي العام على فترتين متقاربتين أجراهما المركز الإسرائيلي للديمقراطية أن 48% من الإسرائيليين اليهود يؤيدون الضم شريطة موافقة الولايات المتحدة على ذلك القرار، في حين عارض الضم 28%، بينما أشار 25% ممن شملهم الاستطلاع إلى عدم معرفتهم بالموقف الواجب اتخاذه. وفيما يتعلق بالتعامل مع المواطنين الفلسطينيين الذين سيظلون في المناطق المشمولة بالضم، عبّر 36% ممن شملهم الاستطلاع عن تأييدهم لنقل المواطنين الفلسطينيين إلى مناطق السلطة الفلسطينية، في حين أبدى 10.5% تأييدهم منحهم مكانة ساكن أسوة بالمقدسيين. أمّا الاستطلاع الثاني الذي جرى بناء على طلب "ضباط من أجل أمن إسرائيل" فقد تبين منه أن 26% من الإسرائيليين اليهود يعارضون الضم، في حين فضل 18% بقاء الوضع الراهن على حاله، وعبّر 72% عن رفضهم لضم غور الأردن خوفاً على السلام مع الأردن.

وذكرت آخر الاستطلاعات أن 42% من الإسرائيليين يؤيدون فرض "السيادة الإسرائيلية" على غور الأردن، في مقابل معارضة 27% فقط، وامتناع 31% من اتخاذ موقف. وأيّد 43% من المستطلعين فرض "السيادة الإسرائيلية" على مستوطنات الضفة الغربية، وعارضها 32% وامتنع 25% من اتخاذ موقف.[8]

ملخص القول أن المعارضة الإسرائيلية للضم لا تقتصر على مراكز الأبحاث والأوساط الأمنية، بل امتدت لتشمل العديد من الكتّاب وأصحاب الرأي وأعضاء كنيست، لكن هذه المعارضة لم تتبلور كموقف مبدئي منسجم رافض للضم، وإنما كموقف رافض تكتيكي وبراغماتي، ولم تتحول حتى الآن إلى لوبي ضاغط، مثل "لوبي السيادة" في الكنيست الذي يضم عشرات أعضاء الكنيست، في مقدمتهم أعضاء من حزب الليكود. كما أن معظم المعارضة المذكورة باستثناء معارضة العرب الفلسطينيين ونخب إسرائيلية محدودة، تؤيد فصلاً أحادي الجانب مع الفلسطينيين كما هي الحال في قطاع غزة.

 

[1] بريك سليم، "انتصار الكراهية والتحريض والعنصرية"، الموقع الإلكتروني لصحيفة "هآرتس"،  www.haaretz.co.il ،3\3\2020.

[2] كييزر ليئال، "الجيش الإسرائيلي يحذر: ضم المناطق سيؤدي إلى انفجار الأوضاع في المنطقة،" أخبار الساعة الخامسة، راديو مكان باللغة العبرية الممول من الحكومة الإسرائيلية، 13\2\2020.

[3] "تحديث التقييمات الاستراتيجية في إسرائيل لسنة 2020 وتوصيات لحكومة جديدة"، محاضرة للعميد أودي ديكل عبر الفيديو كونفرنس بعنوان "انعكاسات سلبية للضم"، مركز أبحاث الأمن القومي، جامعة تل أبيب، 11\6\2020.

[4] بعد نشر التقرير أجرى راديو الجيش الإسرائيلي (غاليه تساهل) لقاء مع الجنرال احتياط عاموس غلعاد تحدث فيه عن مخاطر ضم غور الأردن على الأمن القومي الإسرائيلي، مساء 11\5\2020.

[5] درور بييتلسون، "ضم الضفة الغربية يغير الخريطة الديموغرافية في إسرائيل"، الموقع الإلكتروني للمجلة الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس"www.themarker.com ، 30\4\2020.

[6] أريئيلي شاؤول، "عندما يتوقف الضم الزاحف"، الموقع الإلكتروني لصحيفة "هآرتس"،   www.haaretz.co.il ،27\4\2020.

[7] "ينقذون الديمقراطية، يعارضون الضم"، مؤتمر طارئ عقد عبر تقنية فيديو كونفرانس برئاسة شاكيد موراغ، مدير عام حركة السلام الآن. شارك في المؤتمر العديد من المختصين والسياسيين من بينهم العقيد احتياط الدكتور شاؤول أريئيلي المختص بالشؤون الفلسطينية، وعضو الكنيست عن حزب "عتيد"، وياعل تبير مدير عام المنظمة اليهودية-الأميركية في الولايات المتحدة، 24\4\2020.

[8] معهد "مأغار موحوت" لاستطلاعات الرأي، نشر الاستطلاع في جريدة "يسرائيل هيوم" يوم 22\5\2020. ترجمة وكالة سند للأنباء الفلسطينية، نُشر بتاريخ 23\5\2020.