Eisenberg, My Enemy's Enemy: Lebanon in the Early Zionist Imagination, 1890-1948
Full text: 

عدو عدوي: لبنان في مخيّلة الصهيونيين الأوّلين، 1890 - 1948*

My Enemy’s Enemy: Lebanon in the Early Zionist Imagination, 1890-1948

Laura Zittrain Eisenberg, Detroit: Wayne State University Press, 1994.219 pages.$29.95.

 

كان الاعتقاد أن لبنان سيكون الدولة العربية الثانية التي توقع معاهدة سلام مع إسرائيل هو السائد عند كثير من صانعي السياسة الإسرائيلية على امتداد عقود من الزمن. وهذا الكتاب يبرهن عن مدى خطأ الصهيونيين الأوّلين حين ظنوا أن الصلة اللبنانية المارونية سوف تسهل اتفاق السلام، ولِمَ كان من الجائز في العقل أن يكون الفلسطينيون، ضحايا الصهيونية، أسبق إلى طاولة المفاوضات. والمؤلفة لورا تسترين أيزنبرغ أستاذة في قسم الشؤون العامة والدولية في معهد الدراسات العليا في جامعة بيتسبرغ. ونظراً إلى تعذّر الوصول إلى المحفوظات اللبنانية (بسبب النزاع)، على ما تقول أيزنبرغ في التمهيد لكتابها، فقد ركزت على السياسة الصهيونية حيال لبنان. وقد بَنَت دراستها على أبحاث موسَّعة في المحفوظات، ولا سيما المواد المتاحة في إسرائيل.

القضية الأساسية في كتاب أيزنبرغ هي أن فكرة "تحالف الأقليات" بين الموارنة والصهيونيين هي الملومة. فهذه الفكرة التي تبنَّتها الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية تعتبر أن ثمة مصلحة لكلتا الجماعتين، وهما أقليتان في العالم العربي والإسلامي الأوسع، في ضم قواهما للحفاظ على وجودهما وبقائهما في الشرق الأوسط.

تحلل أيزنبرغ في الفصلين الأولين اللقاءات الصهيونية - المارونية المبكرة. كان الموارنة، في نظر الصهيونيين، حلفاء طبيعيين لأنهم كانوا يتسمون بموقف سلبي ومجابه حيال العرب المسلمين. فقد كان بعض الموارنة يعد نفسه بمثابة قلعة غربية في الشرق الأوسط. وكان هؤلاء الموارنة يعتقدون اعتقاداً راسخاً - ومغلوطاً فيه بحسب الوقائع التاريخية - أنهم أحفاد الفينيقيين، وأن لا علاقة لهم بالعرب. وقد حملت هذه التصورات المغلوط فيها بعض الموارنة على الدعوة إلى إنشاء لبنان مسيحي صغير داخل في تحالف مع "الوطن القومي" اليهودي الناشئ. أمّا الصهيونيون فكانوا، من جهتهم، يعتقدون أن الموارنة ليسوا عرباً، ونظراً إلى خوفهم من الذوبان في الأكثرية العربية المسلمة، فإنهم سوف يتعاطفون مع إنشاء دولة يهودية في فلسطين. يضاف إلى ذلك أن أي تعبير عن الانفتاح والتضامن في الشرق الأوسط كان علامة على الترحيب بالنسبة إلى الصهيونيين الأولين، وذلك نظراً إلى مناخ العداء الذي واجه مهمتهم في الشرق من قِبل البريطانيين والفرنسيين والفلسطينيين.

كان أهم اللاعبين من الجانب الماروني في هذه الرواية الخرقاء البطريرك أنطون عريضة، ومطران بيروت المونسنيور إغناطيوس مبارك، والرئيس اللبناني إميل إده، وحشداً من الوجوه المارونية الصغيرة التي استعملت العلاقة الصهيونية لغايات شخصية وسياسية. وقد نظرت هذه الشخصيات كلها إلى "لبنان باعتباره مسيحياً، منفصلاً عن العالم العربي ومتفوقاً عليه" (ص 62). وقد ذهب المطران مبارك، المعروف بتعاطفه الصريح مع الصهيونية، إلى أبعد من ذلك، فأعلن في سنة 1947 في رسالة إلى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP) "أن لبنان يطلب الحرية لليهود في فلسطين مثلما يرغب في حريته واستقلاله" (ص 143).

وكانت الصلة بين بعض الموارنة والييشوف (مجتمع المستوطنين اليهود المقيمين في فلسطين قبل إنشاء إسرائيل) تنطوي على عدد من العلاقات المتنوعة، منها التبادل التجاري والسياحة والمقالات المدسوسة المؤيدة للصهيونية في وسائل الإعلام اللبنانية، وسوى ذلك من الأفكار والمقترحات التي تندرج في سياق توطيد الأواصر بين لبنان وأوائل المستوطنين الصهيونيين. إلا إن هذه الصلة واجهت صعوبات جمة. وجاء أهم العقبات التي اعترضت توثيق الصلة الصهيونية - المارونية من النزاعات المارونية - المارونية، والضغوط الفرنسية لمنع قيام أية مستعمرات يهودية في لبنان، أو إجراء تعديلات في حدوده. وقد زادت الحرب العالمية الثانية في حدة التنافس الفرنسي - البريطاني في لبنان. وأخيراً أبرزت الحوادث في فلسطين، كالثورة العربية (1936 - 1939) التي قادها مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، ضعف التعاطف مع الصلة الصهيونية في الأوساط المسيحية والإسلامية في لبنان. إذ أضحى المفتي محور المعارضة العربية للدولة اليهودية وزاد في حدة التوتر بين المستعمرين الفرنسيين والبريطانيين.

وقد بلغت مساعي الصهيونيين لتوطيد الروابط مع "موارنتهم" ذروتها في اتفاق مكتوب في 30 أيار/مايو 1946. لكن في ذلك الوقت كان الرئيس إميل إده قد أصبح خارج السلطة، وكان الرئيس اللبناني الجديد، بشارة الخوري، قد تبنى لهجة أكثر تسامحاً حيال المسلمين في لبنان مما فعله سلفه. ولم يكن من الممكن تنفيذ اتفاق أيار/مايو 1946، لأن توقيعه كان من قِبل الكنيسة المارونية والوكالة اليهودية. ولم تكن آراء البطريرك عريضة المؤيدة لإقامة دولة يهودية مقبولة عند أبناء ملته، ولا في الفاتيكان، ولا عند أكثرية اللبنانيين. وفي سنة 1949 أبرز حميد فرنجية، وزير خارجية لبنان ومنافس آل إده، موقف المسيحيين، حين قال: "زمن الحروب المقدسة ولى، وعلى الرغم مما يتمتع المطران [مبارك] والبطريرك [عريضة] به من مكانة دينية، فنحن نصغي إلى سلطة دينية أعلى هي سلطة قداسة البابا، الذي ينصح بالتعقل ومسالمة المسلمين" (ص 153).

ومن دواعي السخرية في هذا التاريخ المهم والمفيد لعلاقات إسرائيل بجيرانها أن القيادة الإسرائيلية لم تستوعب عِبَر الماضي يوم أقدمت، سنة 1982، على مغامرة أُخرى في لبنان، دموية ومشوشة هذه المرة. ففي سياق اجتياح شارون للبنان نجد القرارات المتهورة والافتراضات نفسها المغلوط فيها (أي لبنان وإسرائيل شريكان في مصير واحد؛ للموارنة والصهيونيين أعداء مشتركون؛ تقسيم لبنان هو الخيار الأمثل، إلخ.). ومن المؤسف أن هذا الكتاب لم يكن موجوداً سنة 1981. ففي الثمانينات حلَّ محل الشخصيات المارونية من أمثال عريضة ومبارك وإده أمراء حرب ومقامرون ومغامرون من أمثال بشير الجميِّل وكميل شمعون وسمير جعجع وكثيرين غيرهم، لكن التشابه بين ما جرى في العشرينات والثلاثينات وبين ما جرى في الثمانينات مذهل. ووقتها، كما حدث في الماضي الأبعد، لم يستطع الموارنة منح إسرائيل ما ترغب فيه. في سنة 1982 تخلى [بشير] الجميِّل، بعد انتخابه رئيساً للبنان، عن جميع وعوده بإنشاء دولة مسيحية في لبنان، ودعا بدلاً من ذلك إلى التعايش المسيحي - الإسلامي. ووقتها، مثلما كان الأمر في الماضي الأبعد، أثبتت نظرية تحالف الأقليات أنها مُهلِكة وغير صحيحة. وما عملية السلام التي بدأت في مدريد إلا نفي لمقولة أولئك الصهيونيين وغير الصهيونيين الذين يعتقدون أن تحالف الضحايا (اليهود والموارنة والأكراد، إلخ.) يمكن أن يكون حلاًّ قابلاً للبقاء في ضوء مشكلات الشرق الأوسط المتأصلة.

إن كتاب أيزنبرغ مساهمة مهمة في المعرفة العلمية المتعلقة بأيام الشرق الأوسط الحديث الأُولى؛ والمشكلة الوحيدة في هذا الكتاب هي أنه لا يستند إلى المصادر اللبنانية. لكن يمكن أن يقال، دفاعاً عن المؤلفة، إن دراساتها بداية مهمة واستبصار جيد. والمأمول أن يكتب عالِم آخر تاريخاً شاملاً للعلاقات الصهيونية - اللبنانية في القرن العشرين، مع ما في ذلك من تجارب وأخطاء وآمال وأمنيات خادعة. وهنا يكمن التحدي.

 

*    نقلاً عن: Journal of Palestine Studies, Vol. XXV, No. 1 (Autumn 1995).

Author biography: 

جورج إميل عيراني: أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت.