Avni and Shimoni, Zionism and its Opponents Among the Jewish People
Reviewed Book
Full text: 

             الكتاب الذي بين أيدينا عبارة عن مجموعة محاضرات أُلقيت في مؤتمر عقدته الجامعة العبرية سنة 1987 بدعوة من معهد "اليهودية في زماننا"، بالتعاون مع المؤتمر الصهيوني العالمي. موضوع الكتاب الخلاف بين الصهيونية من جهة وبين العناصر المعارضة لها وغير الصهيونية في أوساط الشعب اليهودي من جهة أخرى، خلال المائة سنة الأخيرة.

              اشتمل الكتاب على عشرة فصول، ساهم في تحريرها عدد من الخبراء والمختصين الذين حاولوا إبراز نقاط الخلاف بين التيارات اليهودية المعارضة للصهيونية، وقدموا إجابة الصهيونية عن الأسئلة والاعتراضات التي كانت تواجهها من جانب هذه التيارات. وفي هذا السياق،  فإن العرض التاريخي الذي تضمنه الكتاب هو محاولة لتقويم ما فعلته الصهيونية للشعب اليهودي وما أنجزته خلال قرن من الزمن.

من أهم الموضوعات التي يعالجها الكتاب موضوع "مركزية أرض – إسرائيل" في الفكر الصهيوني، ومواقف التيارات المناهضة لهذه الفكرة.

ففي رأي دافيد فيتال، أن "الصلة بأرض – إسرائيل أقدم كثيراً من الفكرة الصهيونية ومن الحركة الصهيونية كظاهرة حديثة. فقد عارض المتدينون المتزمتون اليهود (الحريديم) الصهيونية، لكنهم لم يعارضوا فكرة أرض – إسرائيل، بينما نحا المجدّدون وأنصار اليسار منحى القبول بنهضة سياسية -  يهودية، لكنهم رفضوا مبدأ أرض إسرائيل. أما الإصلاحيون، فقد فصلوا بين أرض – إسرائيل والنهضة اليهودية القومية. وأما يهود الدول المتحررة فكانوا مستعدين لأن يروا في أرض – إسرائيل مركزاً يهودياً دينياً ـو رمزياً." ويخلص فيتال إلى أنه برز، في نهاية الأمر، موقفان من المسألة: الأول يدعو إلى اعتبار أرض – إسرائيل بلداً مقدساً وموطناً للإيمان القومي؛ والثاني يرى ضرورة بلورة مفهوم واقعي لأرض - إسرائيل، وهو حصيلة واقع جغرافي – سياسي تحكمه السلطنة العثمانية، ويعيش فيه عدد ضئيل من السكان، ويسوده التخلف.

يعرض المؤلف التغيرات الأساسية التي طرأت على نظرة الشعب اليهودي إلى فكرة أرض – إسرائيل ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم. ويقول إن الوضع الذي نشأ بعد حرب 1967 أوجد أنماطاً جديدة من الخلاف بشأن مفهوم أرض – إسرائيل، وهو ما أدى إلى المزج بين الحقائق الروحانية والسياسية. ومع ذلك، فإن إعطاء أرض – إسرائيل موقعاً نهائياً، وتحويل هذا الموقع إلى المجال السياسي لم يؤديا، في رأي الكاتب، إلى إيجاد إجماع واسع في شأن هذا المفهوم، بل تسببا بانقسام المعسكر الصهيوني نفسه. ويضيف قائلاً إن إعطاء قيمة مطلقة لمفهوم أرض – إسرائيل، بصورة مستقلة عن الكيان التاريخي لدولة إسرائيل، هو تهرب من الزمن ومن الصلة بالتغيرات والقيم البشرية، في الوقت الذي تدّعي الصهيونية أنها قامت لتوجد لدى الشعب اليهودي الوعي بالمستقبل وبأوضاعه، ولتمنحه القدرة على الحسم.

لم يفقد هذا العرض للنقاش، المتعلق بالخلافات في وجهات النظر إزاء مبدأ أرض – إسرائيل، شيئاً من أهميته في الوقت الراهن، نظراً إلى كونه ما زال يشكل موضوع الخلاف الأساسي، لا بين اليهود والعرب خاصة، وذلك بعد أن اتخذ هذا المفهوم بعداً جديداً هو البعد الأمني – الاستراتيجي، وسبب مشكلة أساسية هي مشكلة "الأراضي العربية المحتلة".

في الفصل الأخير من الكتاب، يُطرح السؤال التالي: هل انتصرت الصهيونية فعلاً؟ ويجيب ناتان روتنشترايخ: "أن لدولة إسرائيل اليوم موقعاً في العالم اليهودي بوصفها بؤرة التضامن اليهودي. لكن هذا الموقع لا يعني غلبة الصهيونية أو انتصارها." هل هذا يعني أن الصهيونية كفكرة دخلت هي أيضاً مرحلة الانحسار والأفول، مثلها مثل العديد من الأيديولوجيات التي تعاني أزمة انهيار وزوال؟ وفي مثل هذه الحال، أي إسرائيل ستبقى في ظل غياب الصهيونية؟

يجمع هذا الكتاب ما بين العرض التاريخي والعرض النظري للخلافات بين التيارات المناهضة للصهيونية وغير الصهيونية من جهة، وبين الصهيونية نفسها من جهة أخرى، وذلك في أوروبا والولايات المتحدة وبعض دول المنطقة، مثل العراق. وهو، في النهاية، من أوسع المحاولات البحثية التي درست الاتجاهات اليهودية المعارضة للفكر الصهيوني خلال قرن بأكمله.