The Problems of Legal Power: A Legal Analysis of the Gaza Jericho Agreement
Keywords: 
إسرائيل
اتفاق غزة ـ أريحا 1994
إعلان المبادىء بشأن ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت 1993
السلطة الوطنية الفلسطينية
تسجيل الأراضي
المياه
Full text: 

إن "الاتفاقية الانتقالية" المذكورة في المادة 7 من إعلان المبادئ الإسرائيلي – الفلسطيني الذي تم توقيعه في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، لم يتم التفاوض بشأنها بعد. غير أن الطبيعة التفصيلية لاتفاق غزة – أريحا الموقّع في 4 أيار/ مايو، والذي يقع في نحو 200 صفحة، بما فيها الملاحق، تدعو إلى الاعتقاد أن تلك الاتفاقية كان من المراد لها أن تكون الأساس، حتى لا نقول الخطة الرئيسية، للاتفاق الأوسع.[1]   فالملحق 4 (البروتوكول بشأن العلاقات الاقتصادية) يؤكد إلى حد ما أن المواد المتفق عليها في اتفاق 4 أيار/ مايو تمتد إلى ما هو أشمل من هدفها الأساسي، أي إنها "ستشكل تنفيذاً كاملاً للمادة الثالثة عشرة (بشأن الانسحاب) من إعلان المبادىء فيما يتعلق بقطاع غزة ومنطقة أريحا فقط." [التوكيد من المؤلف].[2]   وجاء في هذا الملحق أن "المناطق" التي ينطبق عليها البروتوكول هي تلك الواقعة "تحت ولاية السلطة الفلسطينية"، وتنص على أنه "يمكن للولاية الفلسطينية أن تغطي في اتفاقيات لاحقة، مناطق أو مجالات أو وظائف وفقاً للاتفاقية الانتقالية."[3]

ولهذا السبب، فإن اتفاق 4 أيار/ مايو جدير بتحليل قانوني أدق مما قد يكون الأمر عليه في اتفاق ذي نطاق أضيق. والعامل الأساسي في تحليل كهذا هو المقارنة بين الوضع القانوني السائد سابقاً والوضع المتفق عليه في 4 أيار/ مايو. ولننجز تحليلاً كهذا، فإننا سنبحث بالتفصيل في ثلاثة أمور رئيسية هي: السلطة القانونية، والأرض، والمياه.

لكن قبل الشروع في هذه القضايا المخصصة، يجب التشديد على فقرة قانونية أعمّ وذات مضامين بعيدة المدى بالنسبة إلى الهيكلية القانونية لـِ"مناطق الحكم الذاتي" برمتها. فقد جاء في المادة 7، البند 9 من اتفاق غزة – أريحا: "يستمر سريان القوانين والأوامر العسكرية المعمول بها في قطع غزة أو منطقة أريحا قبل توقيع هذا الاتفاق، ما لم يتم تعديلها أو إبطالها وفقاً لهذه الاتفاقية." وهكذا تم حل قضية كانت قد بقيت عالقة في إعلان المبادىء والمادة 9، البند 2 منه، حيث يرد ما يلي: "سيراجع الطرفان بشكل مشترك القوانين والأوامر العسكرية السارية المفعول في المجالات المتبقية." إن خطورة التنازل الذي قدمه الجانب الفلسطيني من خلال المادة 9، البند 7 من اتفاق 4 أيار/ مايو، والتي تبقي على قانون المحتل بموافقة فلسطينية، هذه الخطورة لربما لم تعها قيادة منظمة التحرير بعد. فهي قيادة، كما سنرى لاحقاً، لا تعير اهتماماً يذكر للتفصيلات القانونية، وهو أمر مذهل حقاً. إن المضاعفات الناتجة من المادة 7 تزداد تعقيداً لأن الأوامر العسكرية التي صادق الفلسطينيون عليها من خلال هذه المادة لم تُنشر كلها ولم تُكشف للجانب الفلسطيني. لقد تم إعلان 105 أوامر عسكرية جديدة في الضفة الغربية منذ بدء مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان آخر أمر عسكري أُعلن هو الأمر رقم 1407 بتاريخ 13 آذار/مارس 1994. ولا يُعرف عدد الأوامر العسكرية الإضافية التي صدرت ولم تُعلن في الفترة بين 13 آذار/ مارس و4 أيار/ مايو. ولا يسع المرء سوى الرجاء ألاّ يكون في جعبة الإسرائيليين مفاجأة يميطون اللثام عنها في الوقت الملائم [بالنسبة إليهم]. 

السلطة القضائية

قبيل اتفاق 4 أيار/ مايو، لم تكن السلطة القضائية للمحاكم المدنية في الضفة الغربية برمتها (ما عدا القدس الشرقية المضمومة، بما فيها المستوطنات الإسرائيلية) موضع نقاش. وعلى الرغم من الجهود الإدارية المبذولة في الاتجاه المعاكس، فإن محاكم الضفة المحلية، واتي أعضاؤها من الفلسطينيين، قد استمعت على مر الأعوام إلى الكثير من الدعاوى التي كان إسرائيليون فيها، من المستوطنين وغيرهم، طرفاً. وهذا ينطبق بصورة خاصة على الدعاوى المدنية، إذ كان للمحاكم الفلسطينية ولاية قضائية، باستثناء تلك التي كان الحكم العسكري طرفاً فيها، أو كان له فيها مصلحة مباشرة (كمصادرة الأراضي، مثلاً، أو التقديرات الضريبية).[4]

وفيما يختص بالدعاوى الجنائية، ومنذ صدور البلاغ رقم 3 (الذي تم استبداله بالأمر العسكري رقم 378) منذ بداية الاحتلال، فإن المحاكم العسكرية كانت تتقاسم السلطة القضائية مع المحاكم الفلسطينية المحلية في الضفة. ثم صدر في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987 الأمر الدوري رقم 3/1244 ليعلم المحاكم في الضفة بأنه لم يعد من صلاحيتها الاستماع إلى شكاوى مقدمة ضد كل من يحمل بطاقة هوية إسرائيلية. وقد قُدِّم اعتراض على هذا الأمر،[5]  غير أنه مع تعطيل الرتابة الاعتيادية للمحاكم الفلسطينية المحلية بعد اندلاع الانتفاضة، جنحت المحاكم الإسرائيلية نحو تولّي السلطة القضائية حيثما كان هناك أدنى علاقة بين الدعوى وإسرائيل. ومع ذلك فإن السلطة القضائية الرسمية بقيت بلا تغيير. وقبل 4 أيار/مايو، فإن الأحكام الصادرة عن محاكم الضفة كانت تطبق في إسرائيل بلا شروط وبلا عوائق. واستناداً إلى المادة 6 من الأمر العسكري رقم 348 لسنة 1969 "فإن كل من يرغب في تطبيق حكم في إسرائيل صادر عن محكمة في المناطق [يعرّفها هذا الأمر بأنها تعني الضفة الغربية] عليه أن يتقدّم بنسخة مصدّق عليها من ذلك الحكم..."

وقد سعى إعلان المبادىء لتغيير هذه الحالة. إذ جاء في المحاضر المتفق عليها المادة 4 من إعلان المبادىء ما يلي:

"سوف تغطي ولاية المجلس أرض الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع الدائم"، أي القدس، والمستوطنات، والمراكز العسكرية، والإسرائيليين. وهذا الفصل القانوني بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين أُكِّد وأصبح صريحاً في اتفاق 4 أيار/ مايو. واستناداً إلى المادة 1، البند 2 من الملحق 3 (البروتوكول الخاص بالأمور القانونية)، فإن "إسرائيل لها وحدها الولاية الجنائية على الجرائم التالية:

  • الجرائم التي ترتكب في المستوطنات وفي منطقة المنشآت العسكرية.
  • الجرائم التي يرتكبها إسرائيليون في الإقليم."

أما فيما يختص بالأمور المدنية، ومع أن المادة 3، البند 2 من الملحق ذاته تنص على أن "يخضع الإسرائيليون الذين يزاولن نشاطاً تجارياً في 'الإقليم' للقانون المدني الساري في 'الإقليم' والمرتبط بهذا النشاط. ومع ذلك، فأي تنفيذ لأحكام وأوامر قضائية وإدارية تصدر ضد الإسرائيليين وممتلكاتهم يجب أن تتولاه إسرائيل." أما البند التالي (3)، فجاء فيه: "ليس للمحاكم والسلطات القضائية الفلسطينية ولاية على القضايا المدنية التي يكون أحد الإسرائيليين طرفاً فيها..."

من البيّن إذاً أن اتفاق غزة – أريحا قد استثنى بصورة كاملة المستوطنات الإسرائيلية، كما أنه استثنى الفلسطينيين في القدس الشرقية من السلطة القضائية للمحاكم الفلسطينية. وقد تم هذا الأمر في اتفاق كان الفلسطينيون أنفسهم طرفاً فيه.

وفي الوقت ذاته، ومن خلال تأكيد "قوانين" كانت سارية قبل توقيع الاتفاق من دون تعريف القوانين المعنية، فإن الاتفاق قد ترك المجال مفتوحاً ليزعم الجانب الإسرائيلي أن هذا يشكل اعترافاً من الجانب الفلسطيني بصلاحية تطبيق القانون الإسرائيلي في المستوطنات. صحيح أنه قبل اتفاق 4 أيار/مايو كانت قوانين إسرائيلية عدة تنطبق على المستوطنات، غير أن الأمر كان يتم دائماً عبر أقنية غير مباشرة.[6] 

السلطة القضائية على الأرض

لدى القراءة الأولية للمادة 2، البند ب – 22 من الملحق 2 لاتفاق 4 أيار/ مايو [البروتوكول الخاص بالأمور المدنية]، يبدو أنها تنقل المسؤولية عن الأرض إلى الإدارة الفلسطينية. وجاء في الفقرة ما يلي: "يتم نقل كل السلطات والمسؤوليات المتعلقة بتسجيل الأراضي إلى السلطة الفلسطينية، فيما عدا المستوطنات ومنطقة المنشآت العسكرية."[7]   والواقع أن دوائر الأراضي المحلية التي موظفوها من الفلسطينيين كانت منذ بداية الاحتلال تدير الأراضي التي لم تُصادَر أو لم تُضم إلى المستوطنات أو إلى المراكز العسكرية. وكانت تلك الأخيرة تُسجَّل في سجل خاص لم يُسمح للجمهور الفلسطيني بالاطلاع عليه قط.[8]   وهكذا، فإن الملحق 2 من اتفاق غزة – أريحا يحافظ على الوضع القائم ليس إلا؛ فهو لا يمنح الفلسطينيين أية سلطة أكثر مما كانون يتمتعون بها من قبل، ولا يتحدّى استيلاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية (الذي هو غير قانوني استناداً إلى القانون الدولي)، والذي كان على امتداد الأعوام السبعة والعشرين السابقة من الاحتلال يتم من خلال اللجوء إلى حيل قانونية مختلفة.[9]

غير أن مليكة الأرض ليست سوى موضوع واحد. فالفلسطينيون لا يملكون حق الاستخدام الكامل حتى للأرض (مهما تكن نسبتها) التي يتم الآن "نقلها" إلى "السلطة القضائية" لدائرة التسجيل الفلسطينية. وعلى امتداد العقود السابقة، قامت هيئة التخطيط المركزية، التي يتزعمها المستوطنون الإسرائيليون بشن حملة شعواء بهدف تحديد حجم مراكز السكن الفلسطينية وحدودها، ومنْعها من الامتداد  إلى خارج المناطق المرصودة لها وإن كانت الأرض التي كان لها أن تمتد إليها مملوكة من الفلسطينيين. وفي هذه الأثناء، مُنحت المستوطنات اليهودية المجال الأقصى للتوسع. ولا تملك الإدارة الفلسطينية حق تغيير هذا التخطيط المدني المجحف. وجاء في المادة 2، البند ب – 32 ب من الملحق 2 [البروتوكول الخاص بالأمور المدنية]: "تظل سارية مشروعات التخطيط والقوانين الداخلية واللوائح السارية في قطاع غزة ومنطقة أريحا قبل توقيع هذه الاتفاقية، ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها وفق أحكام هذه الاتفاقية."

وكأنما كانت هذه النقطة بحاجة إلى التوكيد، جاء في البند الفرعي ب – 32 د من المادة ذاتها ما يلي: "كجزء من إجراءاتها، ستنشر السلطة الفلسطينية مشروعات التخطيط في شكل قانون..."، وبما أن إسرائيل تملك حق النقض الفعلي لسن القوانين،[10]  فإن قدرة الإدارة الفلسطينية على تغيير مشاريع التخطيط الحالية ضئيلة للغاية.

السلطة القضائية على المياه

كما هي الحال بالنسبة إلى السلطة القضائية على الأرض، فإن الترتيبات المتعلقة بالمياه في اتفاق 4 أيار/ مايو تبدو لأول وهلة مرْضية. فقد جاء في المادة 2 – ب – 31 أ من الملحق 2 ما يلي: "ستقوم السلطة الفلسطينية بتشغيل وإدارة وتنمية كافة شبكات وموارد المياه والصرف الصحي [...] (بما في ذلك أعمال الحفر) بطريقة تحول دون حدوث أي ضرر لموارد المياه. "غير أن البند الفرعي التالي، ب – 31 ب، يقدم الاستثناء لما يبدو أنه عرض سخي: "... كاستثناء من الفقرة الفرعية أ، ستستمر شركة مياه (ميكوروت) في تشغيل وإدارة شبكات المياه القائمة التي تزود المستوطنات ومنطقة المنشآت العسكرية بالمياه، وشبكات وموارد المياه داخلها." وثمة توكيد إضافي لسيطرة شركة المياه الإسرائيلية على المياه التي كانت، ولا تزال، تضخها من المناطق المحتلة، وهذا التوكيد يأتي في البند الفرعي ب – 31 و، وفيه: "يتم تناول كافة العلاقات بين السلطة الفلسطينية وميكوروت في اتفاقية تجارية."

وهكذا، يؤكد اتفاق 4 أيار/ مايو الوضع القائم مرة أُخرى، إذ إن ميكوروت تملك المسؤولية عن مصادر المياه منذ سنة 1979. وقبل ذلك التاريخ، واستناداً إلى الأمر العسكري رقم 92، فإن الحكم العسكري كان يمارس الصلاحيات كافة كما يعرّفها القانون الأردني المتعلق بالمياه، كما أنه ربط الضفة الغربية بشبكة المياه الإسرائيلية. وخلال الجولة الخامسة من المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية في واشنطن، وهي الجولة التي تلت مؤتمر مدريد، طلب الفريق الفلسطيني المفاوض الاطلاع على نسخة من الاتفاقية المعقودة بين الإدارة المدنية الإسرائيلية وشركة ميكوروت. ورُفض هذا الطلب رسمياً في الجولة السادسة. ولم يعرف ما إذا كان الوفد الفلسطيني في القاهرة قد سُمح له بالاطلاع عليها.

واستناداً إلى مواد اتفاق غزة – أريحا، فإن "كافة عمليات الضخ من موارد المياه في المستوطنات ومنطقة المنشآت العسكرية [تتم] وفق الكميات الحالية لمياه الشرب ومياه الري... [و] السلطة الفلسطينية لن تؤثر على هذه الكميات بصورة سلبية." (المادة 2، البند ب – 31 ج من الملحق رقم 2). واستناداً إلى تقرير أصدره البنك الدولي سنة 1993، لا يستخدم فلسطينيو الضفة الغربية أكثر من نحو 15% - 20% من الكمية السنوية المتاحة للمياه النابعة من المنطقة، بينما يستخدم المستوطنون الإسرائيليون وإسرائيل نفسها ما بقي.[11]   وتعهدت إسرائيل في الفقرة ذاتها أن "توفّر للإدارة الفلسطينية جميع المعلومات المتعلقة بعدد الآبار في المستوطنات، وكمية المياه ونوعيتها في كل بئر، وعلى أساس شهري." ويبقى السؤال عما إذا كانت المعلومات الخاصة بالكميات التي تضخها إسرائيل كانت متوفرة للفلسطينيين قبل موافقتهم على المصادقة على تلك الكميات.[12]

إذاً، وفيما يختص بالمجالات الرئيسية الثلاثة، فإن التدابير القانونية والإدارية التي فرضت على الفلسطينيين من جانب سلطات الاحتلال قد تم الحفاظ عليها أو أنها توسعت. وكأن الأمر هذا لا يكفي، فجاءت المادة 2، البند ب – 6 من الملحق 2 لتثبّت استخدام الفلسطينيين الذين كانوا يطبقون هذه الإجراءات على الوجه التالي: "تؤكد السلطة الفلسطينية أنها ستحتفظ بموظفي الإدارة المدنية الفلسطينية الحاليين في قطاع غزة ومنطقة أريحا وتحافظ على حقوقهم." وهذا التعهد غير مشروط، وهو ما يعني أن الإدراة الفلسطينية مضطرة إلى الحفاظ على الموظفين المدنيين الذين عيّنتهم إسرائيل، بغض النظر عن طريقة قيامهم بأعمالهم. 

الخطاب السياسي الفلسطيني والقانون

إن الجانب الذي يثير القدر الأكبر من الدهشة بما يختص بالوضع الذي وصفناه أعلاه هو أن الفلسطينيين أنفسهم هم الذين صادقوا على هذه الإجراءات. ويبدو أن التجاهل الذي أبدوه حيال النواحي القانونية المتعلقة بقضيّتهم، والتي برهنت مصادقتهم عنها، لا تنبع من انعدام في الوعي أو غياب المشورة.[13]   وانعدام الاهتمام هذا بالنواحي القانونية لنزاعنا مع إسرائيل يثير المزيد من الدهشة لأن غريمنا هو من أكثر دول العالم تمسكاً بالتفصيلات القانونية، وله تراث طويل من تسخير القوانين وسيلة نشيطة للسيطرة والاستغلال.

وثمة مثال بارز لسياسة القيادة الفلسطينية اللامبالية حيال القانون. ففي 20 أيار/ مايو أصدر الرئيس عرفات أول قرار له كرئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية، وذلك قبل مضي أسبوعين من توقيع اتفاق 4 أيار/ مايو. وجاء في القرار: "(1) يستمر العمل بالقوانين والأنظمة والأوامر التي كانت سارية المفعول قبل تاريخ 5 – 6 -1967 في الأراضي الفلسطينية 'الضفة الغربية وقطاع غزة' حتى يتم توحيدها." وجاء في المادة 4 من هذا القرار: "يسري هذا الاتفاق اعتباراً من تاريخه ويبلغ من يلزم لتنفيذه وينشر في الجريدة الرسمية."[14]   ولم يصدر أي تفسير بشأن التناقض بين القرار والمادة 7، البند 9 من اتفاق غزة – أريحا، التي تنص بوضوح على التصديق على القوانين والأوامر العسكرية السارية، كما لم تصدر أية إشارة إلى كيفية نشر هذا القرار في جريدة رسمية لا وجود لها.

وليس لنا سوى التكهن بأسباب هذه اللامبالاة حيال الأمور القانونية. إن التفسير المفضّل لدى اليمين الإسرائيلي هو أن القيادة الفلسطينية لا تنوي القيام بما التزمت به في اتفاق 4 أيار/ مايو في أية حال، فإذا كان في الإمكان تخطي اتفاق تم التوصل إليه في ظل أوضاع سيئة، بعد تحسن الأوضاع السياسية، فما الفائدة من إضاعة الوقت في المفاوضات؟ وقد أكد الرئيس عرفات هذه الحجة في تصريح له في 10 أيار/ مايو في جوهانسبرغ حين عمد إلى مقارنة اتفاق منظمة التحرير مع إسرائيل بالصلح الذي عقده النبي محمد مع قريش مكة سنة 627 [صلح الحديبية سنة 6هـ]، والذي نُقض بعد عامين.[15]

والواقع أن إحدى وسائل حل التناقض بين ما وقّعته المنظمة في 4 أيار/ مايو وما أعلنته بعد ذلك بأسابيع قليلة هو أن يقرأ المرء إعلان 20 أيار/ مايو بكونه تصريحاً سياسياً. فالمرسوم، الذي أدهش الإسرائيليين، رفع فعلاً معنويات الفلسطينيين المتداعية. ومع أن عدداً قليلاً جداً من الناس كان قد قرأ الاتفاق، وهو غير موجود باللغة العربية، ومن الصعب جداً الحصول عليه باللغة الإنكليزية، فإن القلق حيال محتوياته وشروطه غير الملائمة كان كبيراً.

وثمة تفسير ممكن آخر لإهماله الأوجه القانونية في اتفاق غزة – أريحا، وهو أن القيادة لربما كانت تشعر بأنها محصّنة بعدد من المواد والشروط الصريحة. فالمادة 23، مثلاً تقول: "لا شيء في هذه الاتفاقية يستبق أو يجحف بنتائج المفاوضات حول الاتفاق الانتقالي أو حول الوضع النهائي التي يمكن التوصل إليها طبقاً لإعلان المبادىء. ولا يعد اي من الطرفين بحكم دخوله هذه الاتفاقية متخلياً عن حقوقه القائمة أو مطالبه أو مواقفه." ويؤكد البند 7 من المادة ذاتها أن الضفة الغربية وقطاع غزة "... لا يتغير وضعهما الاعتباري في فترة سريان هذه الاتفاقية. ولا يعتبر أي شيء في هذه الاتفاقية مغيَّراً لهذا الوضع." من هنا، ففي إمكان القيادة الفلسطينية أن تشير إلى الإنجازات الفعلية التي تمت من خلال المفاوضات، كما في إمكانها أن تزعم أن الحقائق الجديدة على الأرض، أي الاعتراف بالمنظمة وإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية، وانتشار جيش التحرير الفلسطيني، وغير ذلك، هي الأمور المهمة فعلاً، وأن كل ما عدا ذلك حبر على ورق فحسب.

ومهما تكن الأسباب الكامنة وراء موقف المنظمة هذا، فإنه موقف محفوف بالخطر. إن فشل المنظمة حتى الآن بالانتفاع من تجربة العامين الأولين من المفاوضات مع إسرائيل لهو دليل، ليس فقط على فشلها في إدراك مغزى المضمون القانوني في صوغ المواقف التفاوضية بل أيضاً على غياب الإدارة السياسية المطلوبة لمثل هذه المهمة. إن على القيادة أن تفهم أنه على الرغم من أهمية التغييرات السياسية التي أحدثتها المنظمة، والتي لا ريب فيها، فإن للقانون دوراً حيوياً. فالقانون أولاً وسيلة لإنجاز نجاح أكبر في المفاوضات المستقبلية، وهو ثانياً وسيلة لإنجاز تغيير اجتماعي سلمي وحقيقي وإنجاز تنمية اقتصادية وسياسية.

ويبقى الكثير من الاتفاقات التي يجب التفاوض بشأنها، وأهمها على الإطلاق مفاوضات الوضع النهائي. إن الأداء الفلسطيني في التفاوض بشأن هذه الاتفاقات في إمكانه أن يتحسن إذا التفت المتفاوضون، أو الذين يديرونهم، التفاتاً دقيقاً نحو الأوجه القانونية، وذلك لفهم ما يقوم الجانب الإسرائيلي به وللرد عليه، وكذلك لتقديم مواقف وحجج تفاوضية أكثر تماسكاً وقوة.

إن السلطة الوطنية الفلسطينية ستتولى عما قريب السيطرة على أوجه مهمة من الحياة الفلسطينية في قطاع غزة ومنطقة اريحا، وقد يتبع ذلك بعد قليل سائر الضفة الغربية. وهذا الأمر، مع ما يواكبه من تدفق منتظر لاستثمارات رأسمالية كبيرة في المنطقة، وعودة منتظرة لأعداد لا بأس فيها من الفلسطينيين من خارج المناطق المحتلة، من شأنه أن يحدث تغييراً كبيراً للغاية. إن السلطة الفلسطينية لن تمارس فعلاً إلا من خلال القوانين المنشورة والمعروفة لدى الجمهور. كما أن الفترة الانتقالية لن تتم بسلام إلا بتطور القوانين المساندة لها. وإلا فستعم الشكاوى والاستغلال والفوضى.

وفي الوقت ذاته، وإذا قُدّر لهذه الأعوام الانتقالية أن تقودنا إلى ما نصبو إليه، فالتغيير يجب أن يتم عبر القانون. وإذا قُيض للفلسطينيين أن ينجحوا في الوصول إلى تقرير المصير، فإن إهمال القيادة حالياً للأمور القانونية يجب ألا يبقى. وما دامت إسرائيل وحدها هي التي تركّز على القانون، فإن إسرائيل هي التي ستحدد مسار التغييرات المقبلة. كما أن الاستقرار، الذي طالما انتظرناه، والنمو الاجتماعي والاقتصادي سيبقيان بعيدي المنال.

 

المصادر:

[1]   تنص المادة 7 من إعلان المبادىء على أن الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني سيتفاوضان بشأن اتفاق للفترة الانتقالية ("الاتفاق الانتقالي")، والذي سينص "من بين أشياء أُخرى، على هيكلية المجلس [سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية الموقتة والمجلس المنتخب – المادة 1] وعدد أعضائه، ونقل الصلاحيات والمسؤوليات من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية إلى المجلس. وسيحدد الاتفاق الانتقالي أيضاً سلطة المجلس التنفيذية وسلطته التشريعية... والأجهزة القضائية الفلسطينية المستقلة." وينص اتفاق 4 أيار/ مايو على هذه الأمور كافة فيما  يختص بمنطقة أريحا وقطاع غزة.

وللاطلاع على نص إعلان المبادىء، راجع مجلة: Journal of Palestine Studies, 23, No. 1 (Autumn 1993), pp. 115-124. والعدد نفسه يحتوي على اتفاق غزة – أريحا ما عدا الملاحق، كوثيقة خاصة رقم ج. ويضم أيضاً، كوثيقة خاصة رقم ب، البروتوكول الخاص بالعلاقات الاقتصادية الذي يشكل الملحق رقم 4 من اتفاق غزة – أريحا، والذي تم توقيعه سابقاً.

[2]   اتفاق غزة – أريحا، الماد 2، البند 3. وجاء في المادة 13، البند 1 من إعلان المبادىء: "بعد دخول إعلان المبادىء هذا حيز التنفيذ، وفي وقت لا يتجاوز عشية انتخابات المجلس، سيتم إعادة تموضع القوات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية الذي تم تنفيذه وفقاً للمادة 14."

[3]   بروتوكول العلاقات الاقتصادية (الملحق 4 لاتفاق غزة – أريحا) المادة 1، البند 4. والنص الكامل لهذا البند هو الآتي: "يعني مصطلح 'المناطق' تحت ولاية السلطة الفلسطينية، طبقاً لبنود الاتفاقية الإقليمية. ويمكن للولاية الفلسطينية أن تغطي في اتفاقيات لاحقة، مناطق أو مجالات أو وظائف وفقاً للاتفاقية الانتقالية، ولذلك، فإن مصطلح المناطق في هذا البروتوكول سيفسَّر، حيثما ورد، بأنه الوظائف والمجالات أيضاً، حسب ما تكون الحالة، مع التعديلات الضرورية."

[4]   جاء في الأمر الدوري رقم 49/58 بتاريخ 22 كانون الثاني/ يناير 1983، الموجَّه من الضابط المسؤول عن القضاء، بنحاس ليفي، إلى المحاكم الفلسطينية في الضفة الغربية: "في الحالات التي يستحيل تطبيق الأحكام الصادرة عن المحاكم أو الدائرة التنفيذية، بسبب صعوبات إيصال الوثائق الضرورية ضد المستوطنين الإسرائيليين في منطقة يهودا والسامرة، من الممكن في حالة كهذه الاستعانة بأفراد سلك الشرطة لمواكبة موظف المحكمة، شرط أي تم التنسيق مسبقاً معنا ومع الشرطة..."

[5]   في الدعوى الجنائية المستأنفة رقم 704/87 في محكمة الاستئناف في رام الله، رفضت الحكومة زعم الدفاع أن محكمة رام الله البدائية لا تملك صلاحية بت القضية لأن المتهم يحمل بطاقة هوية إسرائيلية من القدس. وتوصلت المحكمة إلى النتيجة ذاتها في الدعوى الجنائية المستأنفة رقم 923/87 أمام محكمة الاستئناف في رام الله، دعوى الاستئناف الجنائي رقم 815/87، أيضاً أمام محكمة الاستئناف في رام الله، كما في دعوى الاستئناف الجنائي رقم 68/87.

[6]   لإيضاح هذه الوسائل، راجع: Raja Shehadeh, Occupier’s Law: Israel and the West Bank, rev. ed. (Washington D. C.: Institute for Palestine Studies, 1988), pp. 64-68.

[7]   استشهدت صحيفة Jerusalem Post, May 6, 1994 بضابط كبير في الجيش قال: "ستحافظ إسرائيل بعد الانسحاب على السيطرة على ما بين 35% - 40% من قطاع غزة."

[8]    تم هذا من خلال الأمر العسكري رقم 569 الصادر في 17 كانون الأول/ ديسمبر 1974 بعنوان "أمر يتعلق بتسجيل المعاملات في أراضٍ خاصة."

[9]    للاطلاع، بصورة عامة، على الطريقة التي استولى الاحتلال الإسرائيلي بها على الأرض (فيما يختص بالملكية وباستخدام الأرض في التخطيط أو التقسيم بحسب المناطق) والمياه في الضفة الغربية، أنظر: Raja Shehadeh, “Negotiating Self-Government Arrangements,” Journal of Palestine Studies, 21, No. 4 (Summer 1992), pp. 22-31. والحاشية رقم 6 في هذه المقالة تقدم التقديرات المختلفة لنسبة الأراضي التي استولت إسرائيل عليها في الضفة الغربية المحتلة.

[10]   جاء في المادة 7، البند 2 من اتفاق 4 أيار/ مايو ما يلي: "يتمشى التشريع الصادر عن السلطة الفلسطينية مع مواد هذه الاتفاقية." وجاء في المادة 7، البند 3: "تقدم التشريعات الصادرة عن السلطة الفلسطينية إلى لجنة تشريعية فرعية تشكلها اللجنة المشتركة للتنسيق والتعاون في الشؤون المدنية (CAC) (من الآن فصاعداً اللجنة التشريعية الفرعية) وذلك قبل 30 يوماً من التاريخ  المقرر لسريان التشريعات. وفي أثناء هذه الفترة يمكن لإسرائيل أن تطلب من أن تقرر اللجنة التشريعية الفرعية ما إذا كان ذلك التشريع المقترح يتجاوز ولاية السلطة الفلسطينية أو لا يتماشي مع مواد هذه الاتفاقية."

[11]   راجع:

World Bank, Developing the Occupied Territories: An Investment in Peace, Vol. 4, Agriculture (Washington D. C.: World Bank, 1993), p. 54.v                          

[12]   خلال زيارة قمت بها لوادي الأردن في 20 أيار/ مايو 1994 لاحظت أن وادي الفارعة الذي يستمد مياهه من عيون رفعة الغنية، كان جافاً تماماً.

[13]   حين عملتُ مستشاراً قانونياً للفريق الفلسطيني المفاوض، قدمت اقتراحاً بأن يصرّ المفاوضون منذ البداية على أن توقف إسرائيل أي نشاط تشريعي لها في المناطق المحتلة، وإلا، فإن أي اتفاق يصل الطرفان إليه قد يُنقض من جانب واحد، من قِبل إسرائيل، الأمر الذي يجعل المفاوضات برمتها مهزلة. غير أن هذا الاقتراح أُهمل.

[14]   نشرت صحيفة "القدس"، 24/5/1994، ص 4، نص قرار عرفات، وقد تُرجم إلى الإنكليزية من قِبل Foreign Broadcast Information Service Daily Report: Near East & South Asia (FBIS), May 25.                                                                                                 

[15]   أنظر: Jerusalem Post, May 24, 1994. وقد نشرت صحيفة "هآرتس" اليومية الإسرائيلية ترجمة عبرية لخطاب عرفات في جوهانسبرغ في عددها الصادر في 23 أيار/ مايو 1994، وتُرجم الخطاب إلى الإنكليزية في FBIS في 24 أيار/ مايو.

Author biography: 

رجا شحاده: محام من الضفة الغربية وأحد مؤسسي "الحق"، وهي منظمة في الضفة مرتبطة باللجنة الدولية للقانونيين في جنيف. كان مستشاراً للفريق الفلسطيني المفاوض في واشنطن، وله مؤلفات عدة منها:

Occupier’s Law: Israel and the West Bank (Washington D. C.: Institute for Palestine Studies, 1985)

وآخر مؤلفاته هو:

The Sealed Room: Selections from the Diary of a Palestinian Living under Israeli Occupation, September 1990-August 1991 (London: Quartet Books, 1992).