Palestinian Responses and Transformations in the Time of Coronavirus
Full text: 

يتشارك الشعب الفلسطيني مع شعوب العالم في أزمة شائكة جرّاء جائحة كورونا؛ أزمة عميقة تطال كل شيء، وتهدد حياة البشر وعملهم وخبزهم وتعليمهم ونظامهم الصحي وصولاً إلى استقرارهم؛ أزمة ناجمة عن احتلال متوحش جديد يجتاح أجساد البشر مخترقاً جميع الحدود والحواجز والتكنولوجيا والقوميات والأديان، ومشككاً في سيطرة الإنسان على الطبيعة، وكاشفاً دول الهيمنة الاقتصادية والسياسية العالمية وقوانين سوقها التي فرّطت في البشر وخذلتهم بانحيازها إلى الشركات الاحتكارية وأصحاب الثروات والبنوك. والأهم أن فيروس كورونا أدخل العالم في حالة من عدم اليقين بإيجاد الحلول، وفي ثنائية الأمل واليأس: الأمل بحدوث تغيير في نظام التوحش الذي عبّرت عنه الظاهرة الترامبية على صعيد كوني، واليأس الذي يعني استمرار هذه الظاهرة. والأهم هو حالة انكشاف كل شيء: الأنظمة والحكومات؛ أصحاب رأس المال؛ الديمقراطية والعدالة؛ الثقافة والفنون؛ الإعلام ومنظومة القيم الإنسانية والأخلاقية. كل شيء يخضع للاختبار وتُسلط عليه الأضواء، فالمساحيق لم تعد قادرة على إخفاء القبح، ولا التجاهل قادر على إخفاء الحقيقة النبيلة.

ما عاشه الشعب الفلسطيني بشكل منفرد تقريباً، من حجز وحصار، ومنع تجول، وإقامة جبرية، ومنع التجمع والتظاهر، وهيمنة عسكر وأمن، وإغلاق الحدود، ومنع السفر، وتشتت العائلات، وتعطيل المدارس والجامعات، فضلاً عن التمييز العنصري والموت، وهي كلها ممارسات متناقضة مع الحريات العامة والخاصة ومع الديمقراطية وحقوق الإنسان، باتت شعوب العالم الآن تتشاركه مع الشعب الفلسطيني الذي عاشها، وما زال يعيش أسوأ منها منذ 72 عاماً. لقد تحمّل الشعب الفلسطيني وقاوم القيود التي تسلب وتصادر حرياته ولم يستسلم لغطرسة المعتدين، بينما ضاقت شعوب العالم ذرعاً بقيود بضعة أشهر حتى إن مجتمع المستعمرين الإسرائيليين لم يستطع أن يتحمل أياماً أو بضعة أسابيع. هذه المفارقة تطرح عدة أسئلة منها: لماذا السكوت هذا الوقت كله على احتلال وطن والسيطرة على شعب بنظام أبارتهايد استعماري؟ ولماذا لا يتضامن العالم لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، كتضامنه الآن لإنهاء احتلال كورونا لأجساد البشر؟

 I

التوظيف الإسرائيلي لكورونا

المهمة المركزية لدول العالم الآن هي التغلب على مرض كورونا، ولهذا دعا الأمين العام للأمم المتحدة القوى المتحاربة إلى وقف الحرب والتعاون ضد الخطر الداهم الذي يهدد سائر الدول، وقد استجاب العديد من الدول للنداء، وكان الاستثناء هو دولة الاحتلال الإسرائيلي وإدارة ترامب، وذلك عندما اعتبر نتنياهو أن فرصة فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة الأغوار وجميع المستعمرات الإسرائيلية بما في ذلك البؤر الاستيطانية المنتشرة على أراضي الضفة الغربية المحتلة، هي الآن فرصة ربما لا تتكرر، والمقصود هو استغلال انشغال العالم بجائحة كورونا واستثمار وجود ترامب على رأس الإدارة الأميركية. وانسجاماً مع ذلك واصل فريق العمل الإسرائيلي - الأميركي المكلف رسم خرائط الضم الإسرائيلية عمله، ولم تُثنه إجراءات الطوارىء عن إنجاز مهمته. ووفر الائتلاف البرلماني الجديد بقيادة غانتس – نتنياهو الغطاء الداخلي للضم، إذ جاء في نص الاتفاق: "وفقاً لبند 29 من الاتفاق، سيكون نتنياهو (قادراً على تقديم الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة بشأن تطبيق السيادة في الضفة الغربية… لموافقة الحكومة و / أو الكنيست اعتباراً من بداية تموز / يوليو 2020)."[1] بدوره أكد وزير الخارجية الأميركية بومبيو الدعم الأميركي للضم بالقول: "إن الإدارة الأميركية ستعرض أمام الحكومة الإسرائيلية موقفها حول الموضوع في إطار محدود"، مضيفاً أن "الضم هو قرار يجب على إسرائيل اتخاذه."[2] أمّا السفير الأميركي ديفيد فريدمان فيتسابق مع غلاة المتطرفين والعنصريين الإسرائيليين على ضم الأراضي الفلسطينية، فعلى سبيل المثال يقول: "إن إسرائيل لن تتنازل عن الخليل مثلما لن تتنازل أميركا عن تمثال الحرية"، وإن "الدولة الفلسطينية ستقوم إذا تحول الفلسطينيون إلى كنديين."[3] وقد لاحظت لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه، التحضيرات الإسرائيلية للضم عبر بيان لها جاء فيه: "إنه في ظل تحول انتباه العالم إلى مكافحة جائحة (كوفيد-19)، يواجه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال أزمة إضافية؛ وهي تهديد الضم." وأضاف البيان: "واصلت إسرائيل، سلطة الاحتلال، أثناء حالة الطوارىء الصحية غير المسبوقة، ترسيخ الاحتلال غير القانوني، وأعلنت بصورة واضحة عن نيتها ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع استمرار حصار قطاع غزة."[4] وجاء الترسيخ على أرض الواقع عبر:

١ - تعجيل الاستيطان في المناطق المزمع ضمها على الوجه التالي: أعلن بنيامين نتنياهو في شباط / فبراير الماضي، أنه أصدر تعليمات ببناء 3500 وحدة سكنية استيطانية في المنطقة E1، الواقعة شرقي القدس، ولهذه الدفعة من البناء الاستيطاني وظيفة نوعية هي فصل جنوب الضفة عن وسطها وشمالها. وكان البناء في هذه المنطقة محظوراً من طرف إدارات أميركية سابقة لأنه يجعل الدولة الفلسطينية غير متواصلة ولا قابلة للحياة، غير أن الوقت الآن حان لفرض التصور الإسرائيلي الرافض لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. فقد أقرّ وزير الدفاع نفتالي بينت بناء 7000 وحدة استيطانية لتوسيع المجمع الاستيطاني "كفار عتسيون" جنوبي الخليل، وصادق المستشار القضائي للحكومة أفيخاي مندلبليت على قرار يقضي بالاستيلاء على أراضي الحرم الإبراهيمي في الخليل تمهيداً لضمه، وبادر مستوطنون إلى إعادة بناء بؤرة استيطانية في شرقي سلفيت، وبؤر استيطانية أُخرى في الأغوار الشمالية. وترافق مع عمليات البناء هدم وتجريف أراضٍ، وهدم مبانٍ في بلدة الدويك غربي أريحا، وتخريب المشاريع الفلسطينية في مناطق الأغوار المدعومة من الاتحاد الأوروبي، وتدمير أو مصادرة المعدات والأشتال والكرافانات والخيام من طرف المستوطنين الذين لم يكتفوا باقتلاع الأشجار وسرقة الأغنام والمحاصيل، بل اعتدوا أيضاً على مسيرة كفر قدوم الأسبوعية التي تطالب بفتح الشارع الرئيسي للقرية، وعلى المزارعين الفلسطينيين قرب المغير وترمسعيا وقريوت وقصرة.[5] وفي السياق نفسه، أحرق المستوطنون سيارتين لفلسطينيين قرب البحر الميت واعتدوا على ركابهما. وكشف تقرير جمعية "يوجد حلم" الإسرائيلية "ارتفاع عدد هجمات المتطرفين اليهود على الفلسطينيين، ورصد التقرير 50 حالة عنف مارسها المستوطنون في الضفة الغربية، مشيراً إلى إغلاق سلطات الاحتلال 91% من ملفات اعتداءات المستوطنين."[6] ولم تتوقف انتهاكات المستوطنين وجماعات الهيكل للمسجد الأقصى، في سياق خطة التقاسم الوظيفي والمكاني التي تحاول سلطات الاحتلال فرضها.

٢ - استمرار أعمال القمع ضد المواطنين الفلسطينيين، وخصوصاً المقدسيين، كأنه لا يوجد متغير إنساني عالمي كبير اسمه خطر كورونا الذي فرض تبريد الصراعات أو وقفها، مثلما حدث في العراق واليمن وأفريقيا وأفغانستان. ففي الوقت الذي فَصَلت سلطات الاحتلال القدس الغربية عن القدس العربية، فإنها أبقت على المقدسيين من دون إجراءات الوقاية والفحص والتعقيم، ولا أي مستوى من الاهتمام، كما أخذت تقمع وتعتقل الشبان الفلسطينيين الذين بادروا إلى تعقيم الشوارع والأزقة والحارات والبلدات في المدينة ومحيطها، وجمعوا مواد التعقيم والغذاء وقاموا بتوزيعها على المتضررين من الحجر الصحي، وشكلوا اللجان المختصة لمواكبة المبادرات الخلاقة. لقد تصدت سلطات الاحتلال لأعمال التطوع، بما في ذلك إجراء الفحوص للمشتبه فيهم من طرف أطباء وممرضين متطوعين في الأحياء المقدسية. ويُذكر أن الاعتقالات منذ كانون الثاني / يناير الماضي ناهزت 600 مقدسي بينهم محافظ القدس عدنان غيث الذي اعتُقل وأُفرج عنه 4 مرات، ووزير شؤون القدس فادي الهدمي، والأمين العام للمؤتمر الشعبي بلال غيث. إن الصراع في القدس في زمن كورونا اتخذ منحى مَن يسيطر على المدينة: السلطة الفلسطينية أم سلطات الاحتلال؟ وكان لافتاً أن سلطات الاحتلال التي هي دولة محتلة وفق القانون الدولي، تخلّت عن مسؤوليتها عن المقدسيين داخل المدينة وخارجها، وخصوصاً في الأحياء والتجمعات المكتظة مثل كفر عقب ومخيم شعفاط وعناتا وأبو ديس والعيزرية والعيسوية والرام، مجسدة بذلك مفهومها العنصري بفرض سيطرة على المكان مع إدارة الظهر للسكان وأمنهم الصحي والغذائي. هذا الفراغ الذي تركته دولة الاحتلال حاولت السلطة الفلسطينية ملأه بموافقة الاحتلال الذي سرعان ما تراجع بعد إعلان حركة "فتح" وقوى منظمة التحرير أن السيادة على تلك المناطق فلسطينية. ورداً على ما يشبه سيطرة فلسطينية على تلك المناطق، قامت سلطات الاحتلال باستعراض قوتها بعد سحب الأمن الفلسطيني، فأزالت شعارات "دولة فلسطين" في كفر عقب. لقد كشف الصراع في زمن كورونا بين الاحتلال والشعب الفلسطيني، قدرة المجتمع المدني على التعامل مع الأزمة وتحمّل مسؤولية الإنقاذ والتعاون والتعاضد بين مكوناته، في مقابل العجز والاستهتار والتمييز الإسرائيلي على أساس قومي وديني، ليتأكد مرة تلو الأُخرى، وخصوصاً في الأزمات الكبيرة، أن الاحتلال والسيطرة هما العقبة الحاسمة أمام تطور المجتمع الفلسطيني.

٣ - حرصت دولة الاحتلال على إبقاء العمال الفلسطينيين في عملهم بسبب حاجتها الماسة إليهم في قطاعَي البناء والزراعة، وخصوصاً في ظل غياب أي بديل منهم، لكن من دون أي اكتراث بسلامتهم. فقد اشترطت سلطات الاحتلال أن يبيت العمال داخل أماكن عملهم أو قريباً منها لمدة شهرين، غير أنها وضعت عشرات الآلاف منهم في ظروف غير إنسانية من ناحية السكن والمعاملة ومخاطر الإصابة، إذ تركتهم من دون فحوص، أو تأمين صحي، وفي حالة الإصابة بالفيروس يتعامل المشغلون معهم بعنصرية، حتى إن بعضهم ألقى عمالاً مشتبهاً في إصابتهم خلف الحواجز العسكرية كأنهم لا ينتمون إلى بني البشر.

وبعد إغلاق الجسور مع الأردن ومصر وتوقف السياحة الخارجية كلياً، اقتصر مصدر انتقال الوباء إلى مناطق السلطة الفلسطينية على دولة الاحتلال وعبر العمال المشتغلين في داخلها. وتشكل نسبة المصابين بعدوى إسرائيلية ما يقارب 70% من عدد المصابين الفلسطينيين، ولا سيما أن المتدينين اليهود لا يعترفون بإجراءات تفادي الوباء ولا يلتزمون بها، بمَن في ذلك وزير الصحة الإسرائيلي المتدين الذي أصيب وزوجته بفيروس كورونا.

٤ - عملت المؤسسة الإسرائيلية على الإفادة من كورونا بتشكيل ائتلاف حكومي جديد بزعامة نتنياهو – غانتس، وهي تستغل بقايا ولاية ترامب وانشغال العالم بمكافحة الوباء لضم الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن استمرارها في تهميش الاستقلال النسبي للقضاء في مجال الديمقراطية والشأن الداخلي الإسرائيلي، على ألّا يمس ذلك بالموقف من الاستيطان والنهب والانتهاكات الفاحشة للقانون الدولي. وفي هذا السياق جرى ترويض ومسخ المعارضة الإسرائيلية التي شارك في تهميشها زعيم أزرق أبيض الجنرال غانتس الذي سعى للتخلص من "وصمة" التحالف مع القائمة المشتركة على خلفية عنصرية سافرة، والمضي في شكل حكم أوليغارشي جديد مدعوم من الجنرالات ورجال المال، يكرس مصالح مادية لطبقة المستوطنين المترامية في الأرض الفلسطينية، والصهيونية القومية الدينية، ويعمّق الاحتلال الكولونيالي والسيطرة على الشعب الفلسطيني في إطار نظام أبارتهايد متوحش. والمفارقة التي أحدثها انتشار وباء كوفيد 19 هي أن أنظمة الطوارىء والحواجز والإغلاق وحظر التجول والتجسس وبنوك المعلومات التي استخدمتها مؤسسات الاحتلال الأمنية ضد الشعب الفلسطيني، يجري استخدامها الآن للسيطرة على مجتمع المستوطنين، الأمر الذي يؤكد المقولات السوسيولوجية السياسية بشأن انتقال أمراض الاحتلال والاضطهاد والاستبداد والقمع إلى مجتمع المستعمرين.

 II

استجابة الحكومة والقيادة الفلسطينية

أعلنت القيادة والحكومة الفلسطينيتين حالة الطوارىء في وقت مبكر بداية آذار / مارس الماضي بمرسوم رئاسي تبعه إنشاء لجنة طوارىء وطنية انبثق عنها لجان صحية واقتصادية واجتماعية وأمنية، وخلية أزمة في كل محافظة تتبع لها لجان شعبية محلية في كل مدينة وقرية ومخيم. وقد قوبلت حالة الطوارىء هذه بمواقف متباينة بين مؤيدة ومتشككة ومعارضة، فالبعض اعتبر قرار الطوارىء متسرعاً ولا يوجد ما يبرره. غير أن تلك المواقف شرعت تتغير لمصلحة الطوارىء مع اكتشاف عدد من الإصابات في مدينة بيت لحم، والإحساس بوجود خطر يهدد حياة المواطنين. وفي مواجهة هذا التفشي، استُنفر المزاج العام في محافظة بيت لحم وقدمت المدينة نموذجاً إيجابياً في التعامل مع المصابين وفي الانضباط، وكان أداء الحكومة إيجابياً بما في ذلك تعامل أجهزة الأمن الوطني في بناء مقومات الوقاية من الوباء، وسط استعادة المجتمع المدني لحيويته في المبادرة والتطوع والتعاضد.

بدأ مستوى من الثقة الشعبية بالحكومة يتعزز لجهة أدائها وحضورها اليومي وتعاملها مع ملفات الصحة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية والأمنية والعمل والزراعة، وقد قدم بعض وزرائها كوزيرة الصحة ورئيسها محمد اشتية نموذجاً في المتابعة والتواصل مع الناس، على الرغم من بعض الملاحظات. ومع أن إجراءات الحكومة المبكرة خاصة، والتعامل الفلسطيني عامة، مع خطر الوباء، نالا إشادة منظمة الصحة العالمية، إلّا إن هذه التجربة اعتراها اختلالات من نوع عدم شمول قطاع غزة في لجنة الطوارىء، إذ كان يجب التشاور مع "حماس" وسائر القوى والمؤسسات المجتمعية من أجل إشراك الجميع في لجنة الطوارىء واللجان المنبثقة عنها قبل إصدار المرسوم. صحيح أن "حماس" تنزع إلى عمل موازٍ وسلطة موازية على خلفية أيديولوجية، وتتفرد في مفاوضاتها غير المباشرة مع الإسرائيليين بشأن اتفاق التهدئة الطويلة الأمد مع دولة الاحتلال، وفي ملف تبادل الأسرى، وتحتكر السيطرة على قطاع غزة كسلطة نافذة عملياً، لكن كان من الواجب إشراكها في القرارات والتنفيذ في هذا الوضع الاستثنائي. إن ما حدث كان مجرد تعاون ثانوي، وخصوصاً في مجال الصحة ومتابعة إصابات كورونا، وفي التعليم الإلكتروني، وفي قضايا دعم الأُسر والمتضررين من الحجر والحصار. كما أن قرار الطوارىء لم يخضع للتشاور في إطار اللجنة التنفيذية للمنظمة، الأمر الذي أغضب بعض التنظيمات، بل إن العمل المشترك اقتصر على الحكومة والتنظيمات المشاركة فيها من خلال وزرائها، وليس في إطار لجنة الطوارىء التي تعرضت لانتقاد من طرف حزب الشعب والجبهتين الشعبية والديمقراطية، والتي شاركت في وقت متأخر في لجنة الطوارىء الوطنية ولجان المحافظات بعد أن كانت قد انتقدت استئثار حركة "فتح" وسيطرتها على المشهد الميداني، والتي بدت كحزب حاكم على الأرض. وفي سياق الانتقادات على استئثار "فتح"، تحدثت "حماس" عن عرقلة عمل بعض اللجان التي شكلتها أو شاركت فيها في بعض المواقع الجماهيرية في الضفة الغربية من طرف أجهزة أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية، وفي حالات أُخرى من طرف "فتح".

وقد وظفت السلطة أجهزة الأمن في إجراءات الوقاية من دون أن يتسبب ذلك بإزعاج للمواطنين، الأمر الذي أوجد مناخاً إيجابياً تجلّى في ترحيب الناس بعناصر وضباط الأمن على الحواجز عند المداخل والمخارج في البلدات ومناطق الحجر في المدن، وجرى تقديم الطعام والعصائر للعناصر الأمنية الموجودة في كثير من الحواجز، كما استقبل المواطنون عناصر الأمن بحفاوة في بعض البلدات كالعيزرية التي دخلوها لأول مرة. وعلى الرغم من بعض الصدامات مع شبان عارضوا الانضباط في كفر عقب، فإن السلطة كانت قادرة على ضبط المواطنين برضاهم هذه المرة.

وفي المحصلة، نجحت الحكومة في لملمة الوضع الداخلي: تبريد الخلاف بين القوى السياسية، بما في ذلك مع حركة "حماس" التي تشهد العلاقة معها حدة في معظم الأوقات، ورفع مستوى التعاون بين تلك القوى السياسية، والذي لم يخلُ من توترات؛ التعاون الملحوظ في العلاقة مع القطاع الخاص والفاعليات المالية كالبنوك؛ التحسن في العلاقات الخارجية، بما في ذلك العلاقات الرسمية مع دول عربية ومع منظمة الصحة العالمية وأمينها العام.

وعكست استطلاعات الرأي الفلسطينية العلاقة الجديدة بين السلطة والمواطنين، فأظهرت نتائج استطلاع أجراه معهد العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) عن تقييم إيجابي غير مسبوق للحكومة، والذي زاد 55 نقطة مقارنة بالأعوام السابقة، إذ وصل تقييم الأداء الإيجابي إلى 82%، وقيّم 15% الأداء بأنه متوسط، في حين قيّم 3% الأداء على أنه ضعيف.[7] وهذه النتيجة تتوسط نتيجتين أجراهما كل من مركز القدس، والمركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي، فالأول أظهر أن 92% يقيّمون الحكومة إيجابياً، بينما بيّن الثاني أن 80% من الفلسطينيين قيّموا أداءها بأنه إيجابي، وذلك بعد شهر من إعلان حالة الطوارىء، وهي نتيجة تشير إلى أن كل موقف إيجابي للحكومة والقيادة في المسألة الوطنية وفي دعم المواطنين يقابل بتقارب وبعلاقات حسنة وبنوع من الثقة من أكثرية الرأي العام الفلسطيني، والعكس صحيح أيضاً. وسيتم توضيح هذا الأمر في المواقف التالية:

١ – وضعت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان [الفلسطينية]، النقاط على الحروف عندما أيدت إجراءات الوقاية التي اتّبعتها السلطة بصورة عامة، لكنها تحفظت على آلية تشكيل لجنة الطوارى، وأكدت في بيان صدر عنها في 26 نيسان / أبريل الماضي ضرورة توافق تشكيلها وعملها مع مبدأ سيادة القانون، ومع احترامها لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية. ويشير البيان إلى أن الهيئة رصدت وجود مشكلات حقيقية تعتري تشكيل اللجان المحلية وعملها، ويرقى بعضها إلى انتهاكات لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية ولمبدأ سيادة القانون، كما انتقد البيان التركيبة الحزبية الغالبة، مضيفاً أنه على الرغم من فقدان لجان الطوارىء للأساس القانوني، فإن هذا لا يعفي الدولة من تحمّل مسؤولياتها عن أعمال اللجان وتصرفاتها، ولا يعفي اللجان من العمل ضمن مبدأ سيادة القانون. ودعا بيان الهيئة أيضاً إلى تصويب الوضع القانوني للجان الطوارىء وإعادة تشكيلها وفقاً للتشريعات التي تنظم أعمال التطوع، وطالب بمراعاة تمثيل ملائم للمؤسسات الأهلية والتطوعية والأطر المجتمعية، فضلاً عن مسألة الكفاءة ومراعاة النوع الاجتماعي في التمثيل.[8]

٢ - في الوقت الذي يشدد رئيس الحكومة محمد اشتية على التقشف ودخول الحكومة في أزمة مالية خانقة وعجز مالي بمبلغ مليارين دولار تقريباً، وهو مرشح للزيادة بفعل تعطل الاقتصاد والجباية وتراجع الدعم، نشرت الجريدة الرسمية – "الوقائع" - قراراً بقانون معدل لقانون التقاعد، وقراراً معدلاً لقانون مكافآت ورواتب الوزراء والمحافظين وأعضاء المجلس التشريعي (المحلول) ومَن هم في مرتبة وزراء، يعفيان المذكورين من أقساطهم التقاعدية، ويعيدان إليهم ما دفعوه، الأمر الذي يُفقد صندوق التقاعد ملايين الشواقل، كما أنهما يرفعان رواتب هذه الفئة العليا من الموظفين، فضلاً عن تمديد سن التقاعد خمسة أعوام إضافية بعد عمر الستين.[9] يتبدى أمامنا في هذين القرارين مشهد لا يقل عن المشاهد التي أحدثها فيروس كوفيد 19، إذ نرى تقشفاً وجوعاً لدى الناس من جهة، وامتيازات وترفيه للفئة العليا من الموظفين الحكوميين في الجهة الأُخرى. يحدث هذا في فلسطين في الوقت الذي يتبرع الوزراء والرؤساء برواتبهم لمدة تتراوح بين شهر وسبعة أشهر في دول أُخرى كالجزائر وتركيا ونيوزيلندا وموريتانيا، ويتبرع آخرون بنسبة 15- 20% من رواتبهم كمصر والأردن.

لقد غيّر هذان القراران النظرة الإيجابية إلى السلطة بعد شهرين، إلى نظرة سلبية بتقييم سيىء، وكان الرد شبيهاً بثورة احتجاج في وسائل التواصل الاجتماعي ضد القرارات الاستفزازية. ووجهت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان – ديوان المظالم – نداء إلى الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة محمد اشتية طالبتهما فيه بوقف القرارين فوراً وإخضاعهما للدراسة. ونتيجة التفاعل الشعبي والاحتجاج القانوني للهيئة المستقلة وهيئات أُخرى، أُلغي القراران بقرار من الرئيس، لكن آثارهما ما زالت تتفاعل معنوياً، "فالمشاعر لا تُرتق كالقمصان"، مثلما قال الروائي غسان كنفاني.

٣ - لم تنتهِ حكاية السلطة بعد، فقد كشفت الجريدة الرسمية عن قرار آخر أشد خطراً، هو القانون رقم 5 الصادر في 19 آذار / مارس الماضي، والذي يستحدث "ديواناً" باسم "ديوان الرئيس" ليكون سلطة جديدة غير التي يعرّفها القانون (التشريعية والقضائية والتنفيذية)؛ سلطة تلغي مجلس الوزراء وصلاحياته ومهماته، وتجعل القضاء عاجزاً عن النظر في أي صراع معها كونها تحت مسمى الرئيس وعمله السيادي، كما أن المجلس التشريعي - لو قُيض له أن يقوم من موته - سيحمل صفر صلاحية، مثلما يقول وزير العدل السابق فريح أبو مدين.[10] ويضيف هذا الأخير قائلاً إن نصوص القرار تعني أن ديوان الرئيس له حق تملّك الأموال المنقولة وغير المنقولة (عقارات وأبنية وسواها)، وبالتالي سيكون هناك صندوق استثمار يتبع الرئيس، فهل سيكون هناك خلط بين الذمم المالية في الكيانَين؟ فالديوان يرأسه شخص بمرتبة وزير يمثل الرئيس، وميزانية الديوان يضعها موظفوه ويصادق عليها الرئيس وتُدرج كبند مستقل في ميزانية السلطة، وهذا الديوان محصن بالبند العاشر بالسرية المطلقة في جميع أعماله، ويتولى أمور الرئيس دولياً ومحلياً. ويختم أبو مدين تعليقه بأن هذه المهمات تلغي بوضوح الحكومة القائمة.[11]

واللافت أن قرار إنشاء "ديوان الرئيس" لم يصطدم بمعارضة مثلما كانت عليه حال القرارين الخاصين بامتيازات الفئة العليا من الموظفين، إذ يبدو أن هذا القرار غير مفهوم إلّا في أوساط بعض القانونيين، فحتى التنظيمات السياسية المعارضة لم ترفع الصوت عالياً ضده. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: مَن الذي يبادر إلى تقديم هذه المشاريع التي تتحول إلى قرارات؟ وهل يشي هذا بتبلور مراكز قوى تحاول انتزاع حضور ربما يحوّلها إلى أطراف نافذة؟ لقد جاء تدخّل هذه الأطراف بعد أن أحرزت حكومة اشتية تقدماً وحضوراً فاعلاً يحظيان بتأييد شعبي، ويعتقد البعض أن قرارَي الامتيازات جاءا في هذا التوقيت لحرق الرصيد الشعبي الذي راكمه اشتية وساهم في ترجيح كفّته في مواجهة مراكز قوى أُخرى. وفضلاً عن ذلك، فإن قرار ديوان الرئيس من الممكن إدراجه ضمن صراع على السلطة.

إن اختيار هذا الوقت الذي تشتد فيه مخاطر كورونا والضم والأزمة المالية الخانقة، يعني أن المصالح الفئوية الضيقة لمراكز القوى أقوى من المصلحة الوطنية العليا، ولا سيما أن أصحاب المصالح الضيقة يقاومون كل علاقة إيجابية مع الشعب، لأنهم منفصلون عن نبضه ومزاجه وحاجاته، ويرفضون كل شراكة شعبية في مواجهة التحديات، ولأن توطد الشراكة الشعبية ستقطع الطريق على طموحاتهم السلطوية، وستُبرز حجمهم الهش.

ويمكن وضع مسألة ديوان الرئيس في سياق المحاولات الدائمة لتثبيت الأقدام في منظومة سلطة الفساد، والتي اضطر الواقفون خلفها إلى التراجع عن قرارات سابقة تصبّ في مشروعهم. فقد سبق أن تقدم هؤلاء بمبادرات تنتمي إلى عهود عفا عنها الزمن (كتاب وأوباريت يمجدان الرئيس)، لكن جرى التراجع عنها بفعل الاحتجاجات والنقد. ولا شك في أن استمرار الاحتجاج والنقد والمعارضة والمشاركة الشعبية هي الضمانة لقطع الطريق على تحولات ليست بعيدة عن مراكز إقليمية، وعلى الحل التصفوي للقضية الفلسطينية، وهي الضمانة لتغليب العامل الوطني والديمقراطي على الفئوية ومراكز القوى والبيروقراطية.

 III

التبرع والدعم والتعاضد الاجتماعي

في زمن الأزمات والحروب تقدم الشعوب أفضل وأسوأ ما عندها، وغالباً ما يطغى الإيجاب على السلب. وقد انطبقت هذه المقولة على الشعب الفلسطيني وهو يتعرض لجائحة كورونا الآن، مثلما انطبقت عليه في أثناء صعود الثورة، وخلال الانتفاضة الوطنية الكبرى والانتفاضة الثانية. فبحسب منظّر الثورة الجزائرية فرانز فانون، فإن الفعل التحرري يعيد بناء الناس ويصقلهم بقيم الحرية والعطاء والتضامن والعدالة، ويحرر شخصياتهم من أمراض الخنوع والعبودية. وليس أدل على ذلك ما حدث في فترات النهوض التحرري الفلسطيني، والتي شهدت تحولات ثقافية عززت التضامن والوحدة والتعاضد الاجتماعي والتطوع. ولم يشذ زمن كورونا والأزمة الاقتصادية عن الزمن الجميل المشار إليه، فمع بداية انتشار الفيروس في مدينة بيت لحم وتطبيق الحجر عليها، قدمت المدينة نموذجاً في الانضباط والتعاون والوحدة بين أبنائها على اختلاف انتماءاتهم. وسرعان ما بدأت المدن والقرى والمخيمات تؤازر بيت لحم وتقدم الدعم لها وتكرر الدعم والإسناد لجميع المواقع التي أصيبت بالجائحة في القرى والمخيمات وأحياء المدن، كما أن الحكومة تلقت دعماً محدوداً من بعض الدول العربية هو أقل من 50 مليون دولار. ونظراً إلى شح الأموال وعدم القدرة على تلبية الحاجات الفلسطينية، بادرت حكومة محمد اشتية إلى الاستعانة بالقطاع الخاص، فشكلت بالتفاهم مع رموزه لجنة ضمت 30 من كبار رجال الأعمال تحت مسمى "وقفة عز"، ووضعت هدفاً لها هو جمع 28 مليون دولار حتى نهاية شهر رمضان، وقد جمعت حتى كتابة هذا التقرير 17 مليون دولار.

واتخذ الدعم أشكالاً أُخرى من التبرع كاستخدام فنادق بعضها درجة أولى للحجر الصحي، مع تأمينها وجبات طعام وأجهزة كومبيوتر وفحص، وهو ما حدث في معظم المدن الفلسطينية، بما في ذلك مدينة القدس التي تحول فندق سان جورج فيها إلى حجر المقدسيين المشتبه في إصابتهم، كما جرى التبرع باستخدام بنايات وشقق ومراكز مؤسسات كمؤسسة ظافر المصري في مدينة نابلس التي وفرت الحاجات كلها، بما في ذلك أجهزة الفحص. وبادرت الكنائس إلى إعفاء مستأجري العقارات كلهم في البلدة القديمة في مدينة القدس من إيجارات سنة 2020، وهو قرار يشمل جميع إيجارات البيوت والمحلات التجارية في البلدة القديمة، من أجل تمكين المواطنين من التغلب على الآثار المادية الصعبة، ومواجهة الإجراءات الاحتلالية القاسية في حقّهم.[12] وكانت الكنائس قد قدمت دعماً يتضمن إعفاءات وتقديم أغذية وأدوات وقاية إلى مدينتَي بيت لحم وبيت جالا اللتين بدأ فيهما الوباء، كما أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أنها ستقوم بتأجيل الأقساط المستحقة على كامل الأراضي المستأجرة منها، وإعفاء الذين توقفت أعمالهم من دفع الإيجار، أو تخفيضه خلال هذه الأزمة. وأصدر الأردن أيضاً قراراً بإعفاء جميع المستأجرين للعقارات الوقفية الإسلامية في العديد من المدن والقرى الفلسطينية، من دفع إيجار عقاراتهم عن سنة 2020.

إن دعم المتضررين مالياً يُعتبر هو الأكثر أهمية، لأنه يهدف إلى تقليل الخسارة التي لحقت بالعمال جرّاء توقّف المؤسسات والورش الصغيرة موقتاً، أو بسبب تسريحهم من العمل. وفي هذا السياق أعلن وزير العمل نصري أبو جيش أن دعم المرحلة الأولى سيشمل 35,000 عامل يتقاضى الفرد منهم 150 دولاراً، وأن الأولوية ستكون للعمال الذين فقدوا أعمالهم في السوق المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم عمال المياومة، وستعمل الوزارة على حشد وتجنيد الأموال اللازمة من مختلف المصادر.[13] وعلى الرغم من إيجابية هذا العمل، فإن العدد المستهدف بالمساعدة شكل نسبة قليلة من العمال الذين فقدوا عملهم أو تعطلوا عن العمل، ولا سيما أن عدداً من مؤسسات القطاع الخاص سرّح العمال، ونسبة كبيرة لم تلتزم بالاتفاق الذي أبرمها معها كل من وزارة العمل واتحاد العمال، وهو دفع ما يقارب 300 دولار عن آذار / مارس، والمبلغ ذاته عن نيسان / أبريل الماضي. ويُذكر أن نسبة العمال المتضررين تتجاوز 43% بحسب أحد النقابيين، فضلاً عن العمال الذين أوقفوا عملهم داخل دولة الاحتلال ومستعمراتها، بينما استفاد من الدعم 12% فقط من المتضررين.

وعلى صعيد الدعم الاجتماعي بلغ عدد الأُسر التي تتلقى الدعم المالي من الحكومة 125 ألف أُسرة بعد إضافة 20,000 أُسرة جديدة معظمها من قطاع غزة،[14] مع أن عدد الأُسر التي تُعتبر تحت خط الفقر وتحتاج إلى مساعدة وصلت إلى 153,000 أُسرة، بحسب وزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني.

غير أن الطرود الغذائية ومواد التعقيم والوقاية وصلت إلى حد فاق التوقعات، إذ إن التبرع لبعض المناطق فاض على عدد الذين كانوا بحاجة إليه، الأمر الذي دفع اللجان المختصة إلى نقله إلى مناطق أُخرى. ونشير إلى أن التبرع بالطرود بادرت إليه أطراف حكومية ومجتمعية ومن القطاع الخاص ومؤسسات وجمعيات خيرية ومجالس بلدية وقروية وأصحاب سوبر ماركت وأفراد. وهنا يجدر التنويه بنماذج من هؤلاء المتبرعين:

- اتفاقية السلال الغذائية الطازجة من صغار المنتجين إلى بيوت المتضررين من الحجر والحصار الإسرائيلي في قطاع غزة، والتي بادرت اليها مؤسسة التعاون ومركز العمل التنموي "معاً". وهذه الاتفاقية تساهم في دعم إنتاج 300 مزارع و620 أُسرة ليس لديهم مصدر دخل.

- جمعية مربّي النحل التعاونية في جنين توزع من إنتاجها 800 عبوة عسل، و800 حصة من حبوب اللقاح، على مراكز الحجر الصحي في بيت لحم وأريحا ورام الله والقدس وبعض المراكز الصحية تقديراً لجهودهم.

- حملة المليون شتلة، وهو مشروع أطلقته مؤسسات الائتلاف الزراعي ووزارة الزراعة في جنوب الضفة، وتشمل 100,000 شتلة خضار في شمال الضفة، ضمن مشروع زراعة الحدائق المنزلية الذي يهدف إلى الاعتماد على الذات في تأمين الغذاء استعداداً لشروط أصعب من الشروط الراهنة. وقد تبرع أصحاب المشاتل بالشتول، علاوة على دعم مؤسسات الائتلاف الزراعي.

- مبادرة مجموعة من القرى شرقي رام الله لجمع الأموال من المواطنين والمغتربين في أميركا والخليج، وقد نجحت قرى عين يبرود وسلواد والمزرعة الشرقية ودير جرير وكفر مالك والطيبة ورمون في تأمين حاجاتها، بما في ذلك الدفع إلى العمال الذين توقفوا عن العمل، بل حققت فائضاً.

- مبادرة مؤسسة التعاون وبمنحة من الصندوق العربي للإنماء، إلى دعم جهوزية القطاع الصحي: جمعية الهلال الأحمر ومراكز الرعاية والإسعاف وشبكة مستشفيات القدس، وشملت المبادرة 47 مركزاً صحياً في مختلف أنحاء الضفة والقطاع.

- مبادرة شبابية في مخيم البريج لإعادة إحياء السوق القديمة، وفتح المحال المغلقة، وتشجيع عشرات الشبان العاطلين عن العمل على استثمارها.

 التطوع جزء من الثقافة الشعبية

منذ بدء انتشار الوباء والإحساس المجتمعي بالخطر، شهدت القرى وأحياء المدن مبادرات انخرط فيها آلاف الشابات والشبان، وعكست الاستعداد التلقائي للتطوع ودعم حاجات المواطنين الطارئة، كالتعقيم والالتزام بالحجر والقيام بالحملات الزراعية والإغاثية كحملة المليون رغيف والسلال الغذائية على سبيل المثال. وقد التقطت حركة "فتح" هذا الاستعداد ودفعت بحركة الشبيبة إلى أن تتصدر عمليات التطوع والحضور في مختلف الأماكن، كما بادرت التنظيمات في إطار منظمة التحرير إلى العمل والمشاركة في أعمال التطوع، وساهمت مئات من الحركات الكشفية في مدن نابلس ورام الله وأريحا وبيت لحم في أعمال التطوع أيضاً. وشكل المتطوعون عاملاً مهما في مساعدة المواطنين في مناطق السيطرة الإسرائيلية، وخصوصاً في مدينة القدس وضواحيها، لكنهم باتوا عرضة للقمع والاعتقال، وشهدت العيسوية وأبو ديس وشعفاط صدامات يومية مع قوات الاحتلال.

أضحى المتطوعون خط دفاع جدياً ضد فيروس كورونا وضد فيروس الاحتلال، وبرهنوا من خلال حضورهم الفاعل ومبادراتهم على أن المجتمع المدني يملك ديناميات تجديد طاقاته والخروج من المشكلات. غير أن هذه الديناميات تصطدم بالمأسسة التي جنحت نحو البزنس أو التنفيع الفردي والعائلي والحزبي والتفرد والاستئثار على حساب الفئات الاجتماعية التي تعمل باسمها، لكن لا تشركها في العمل إلا في حالات الطوارئ.

وانكشف في هذه الأزمة التناقض بين حيوية الجسم الشبابي واستعداداته غير المحدودة، وبين العمل المؤسساتي الحزبي والشبابي والنسائي، الأمر الذي سمح بتدخلات خارجية وداخلية تنظيمية وحزبية تؤدي إلى إطفاء جذوة الحماسة والاندفاع لدى الشبان، وتكرس الانفصال بين التمثيل المؤسساتي والجسم الشعبي النابض بالحياة. وقدمت النقابات العمالية واتحادات النقابات نموذجاً واضحاً لذلك، إذ إنها تركت العمّال يرزحون تحت ضغط مشغليهم خلال معركة الضمان الاجتماعي، ولم تتدخل لمصلحة العمّال خلال أزمة كورونا، والذين فرضت سلطات العمل الإسرائيلي شروطاً قاسية عليهم، علاوة على اضطرارهم إلى العمل في ظل شروط قاسية فرضها عليهم بعض مؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني.

وفي غياب النقد والفكر الديمقراطي والتدخل الأكاديمي والثقافي والفني، يتعزز قطع الطريق على الانتقال من العفوية والاستخدام إلى التطوع التعاوني المنظم والديمقراطي.

 أعطهم صنارة وليس سمكاً

على الرغم من أهمية توزيع سلال الغذاء وتبرعات أصحاب رؤوس الأموال في لحظة الضائقة المعيشية للإغاثة، فإن الحل المستدام يكون عبر استيعاب العاطلين عن العمل في مشاريع قائمة أو مستحدثة، والحل الأهم يكون بتعميم نظام التعاونيات الذي يشكل أهم أدوات الخروج من الأزمة في الحالة الفلسطينية، واستبدال أيقونة "غني يساعد فقير" بتقاسم الأعباء ضمن نظام ضرائبي عادل يضع حداً لظاهرة التهرب الضريبي، وللسياسة الاقتصادية النيوليبرالية التي تنتج أغنياء يزدادون غنى، وفقراء يزدادون فقراً، وتنتج الفساد المالي والإداري والسياسي والثقافي. وهذا الأمر يطرح ضرورة الدخول في عملية الانتقال من المال السياسي ودعم المانحين المرتهن بأجندات ليس أقلها البقاء في إطار اتفاق أوسلو، والبقاء نهباً لأنواع التدخلات الخارجية كلها، وكذلك مغادرة سياسة الريع الاقتصادية والتبعية المهينة لكرامة عموم الشعب، إلى تطوير الموارد من داخل المجتمع والتجمعات الفلسطينية، وبناء مقومات هذه العملية على الأرض من جميع القوى الحريصة على استقلال قرار الشعب الفلسطيني السياسي. فالحكمة تقول إن حصول الشخص غير العامل على صنارة أو شبكة لاصطياد السمك أفضل من تقديم السمك له.

 

المصادر:

[1] جيكوب ماكيد، "اتفاق الوحدة يمكّن إسرائيل البدء بدفع ضم الضفة الغربية قدماً بدءاً من تموز / يوليو"، "ذا تايمز أوف إسرائيل" (12 نيسان / أبريل 2020)، في الرابط الإلكتروني التالي:

http://ar.timesofisrael.com/%D8%A7A8/

[2] "وزير الخارجية الأميركي: قرار الضم يتعلق بإسرائيل"، موقع i24 (٢١ نيسان / أبريل)، في الرابط الإلكتروني التالي: https://www.i24news.tv/ar/%D8%A3%

[3] بيان لوزارة الخارجية الفلسطينية وزعته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية ("وفا")، في 8 / 5 / 2020.

[4] "لجنة أممية: إسرائيل تواصل ترسيخ الاحتلال غير القانوني والضم"، موقع "إعلاميون من أجل الوطن"، في الرابط الإلكتروني التالي:

https://www.watan.ps/ar/?Action=Details&ID=65126

[5] تقرير الاستيطان الأسبوعي الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأراضي الفلسطينية ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير، في 25 / 4 / 2020.

[6] تقرير جمعية "يوجد حلم"، المنشور في وكالة "معاً" الإخبارية، في 6 / 4 / 2020.

[7] "استطلاع أوراد: 82% يعتقدون أن أداء الحكومة في أزمة كورونا إيجابي"، موقع 24fm ، في 31 / 3 / 2020، في الرابط الإلكتروني التالي: https://www.24fm.ps/ar/news/1585666637

[8] بيان صادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان والمواطن، نُشر في صحيفة "الأيام" (الفلسطينية)، في 26 / 4 / 2020.

[9] نُشرت هذه المعطيات في موقع "الاقتصادي" الإلكتروني في 28 نيسان / أبريل.

[10] كلام فريح أبو مدين ورد في الصفحة الخاصة به في موقع فايس بوك، في 1 أيار / مايو 2020.

[11] المصدر نفسه.

[12] "القدس: الكنائس تعفي المستأجرين من إيجارات 2020"، موقع "شبكة أجيال الإذاعية"، 28 / 3 / 2020، في الرابط الإلكتروني التالي: rn.ps/archives/237505%20شبكة%20أجيال%20/

[13] مؤتمر صحافي لوزير العمل في 20 / 4 / 2020.

[14] مؤتمر صحافي لرئيس الحكومة محمد اشتية في 27 / 4 / 2020.

Author biography: 

مهند عبد الحميد: صحافي وكاتب فلسطيني مقيم في رام الله.