عجّور، أشجان. "استعادة الإنسانية في تجربة الإضراب عن الطعام في فلسطين: الذات الثورية وإنهاء استعمار الجسد" (بالإنجليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

استعادة الإنسانية في تجربة الإضراب عن الطعام في فلسطينالذات الثورية وإنهاء استعمار الجسد

Reclaiming Humanity in Palestinian Hunger Strikes: Revolutionary Subjectivity and Decolonizing the Body

Ashjan Ajour

Cham, Switzerland: Palgrave Macmillan, 2021. 342 pages.

 

يحمل عنوان الكتاب علاقة مفاهيمية بين ثلاثة موضوعات أساسية: الإنسانية؛ الإضراب عن الطعام؛ إنهاء الاستعمار؛ وكلها يصبّ في قيمة عليا أساسية هي استعادة فاعلية الذات الثورية في السياق الاستعماري، وهي فاعلية مواجهة ومقاومة، وكذلك رافضة للشرط الاستعماري في فلسطين.

ينقسم الكتاب إلى 14 فصلاً تتناول هذه العلاقة المفاهيمية عبر موضوعات تسليح الجسد، وأساليب المقاومة التي طورها الأسرى لمواجهة وتحدي عمليات السلب التي تنتهجها منظومة السجن الاستعماري الصهيوني، وعلاقتها بإعادة تشكيل الذات الثورية وما ينجم عنها من معانٍ تعزز صمود الأسرى. ولا تظهر هذه العلاقات في سياق مثالي، وإنما في سياق يعبّر عن حجم الصراعات التي يعيشها المقاوم الأسير من ألم ومعاناة ومواجهة للموت، ومحاولة لتقرير مصيره عبر السيادة على جسده.

ويأتي الكتاب في سياق تأريخي للإضرابات عن الطعام منذ سنة 1967، وضمن السياق التاريخي للاستعمار الاستيطاني عامة، ولتاريخ الحركة الأسيرة خاصة، ويتعمق أكثر في الرواية الخاصة بالأسرى الذين خاضوا هذه التجربة.

يعتمد الكتاب، في هذا السياق، على رحلة ميدانية طويلة أجرت الباحثة خلالها 85 مقابلة شملت أسرى محررين خاضوا تجربة الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية عبر عدة مراحل زمنية، كما شملت عائلاتهم ومحاميهم وممثلين عن الحركة الوطنية الأسيرة الفلسطينية، وكذلك ممثلين عن الأحزاب السياسية الفلسطينية، خلال الفترة 2015 - 2018.

وتنبع أهمية الكتاب، فضلاً عن كونه يسدّ فجوة في الأدبيات المتعلقة بالحركة الأسيرة، وتحديداً تلك المتعلقة بمناقشة الإضراب عن الطعام، من أنه يقدم مقاربة جديدة لفلسفة الإضراب عن الطعام عبر تسليح الجسد، وربطها بما سمّته الباحثة "لغة القلب"، وهي اللغة التي يتحدث بها الأسرى للتعبير المباشر عن معاناتهم متجاوزين صرامة اللغة الأكاديمية التي لا تعبّر عن التجربة الحيّة ولا تنصفها. هكذا، تكون الباحثة قدمت مساهمة منهجية مهمة فيما يتعلق بدراسة المعاناة الإنسانية، إذ طرحت مقاربة ساهمت في توسيع الإطار المنهجي لتناول القضايا المتعلقة بدراسة الألم والمعاناة وتجربة الاقتراب من الموت، وذلك من خلال التركيز على روحانية المقاومة أو "لغة القلب" في إطار منهجية إنهاء الاستعمار (الإثنوغرافيا النسوية). فضمن هذه المنهجية لا تعود الصرامة المنهجية القائمة على الفصل بين الباحث ومحاوره قاعدة تحكم أطر العمل البحثي، بل تصبح الحدود ما بين الطرفين (الباحث والمحاوَر) غير واضحة، وذلك لانخراط الباحث شعورياً من خلال التعاطف والألفة مع محاوره في تطوير عمله البحثي.

ولا تعبّر "لغة القلب" عن العلاقة الحميمة بين الباحث ومحاوره فحسب، بل تصبح هي اللغة الأصلية للأسير التي يعبّر من خلالها عن تجربته خلال الإضراب عن الطعام. ففي بعض المقابلات التي أجرتها الباحثة، أفاد الأسرى بأنهم مروا بوضعية تحولات عميقة، وأنهم شهدوا ظهور "قوة غير مادية" في الوقت الذي كانت حالتهم الصحية تسوء، وقوة أجسادهم المادية تتدهور. وتذكر إفادات الأسرى أن علاقة مقاومة أو توتر نمت في داخلهم، بين: ثنائيات الحياة والموت، الاستسلام أو الانتصار، لتعيد حالة التوتر هذه إنتاج جوانب مهمة من ذواتهم أو ذاتياتهم. وركزت روايات الأسرى المضربين عن الطعام بصورة خاصة على وجود ما سمّته الباحثة "نقطة تحول"، وهي المرحلة التي يتجاوز عندها الأسرى الألم الجسدي، فينتقلون إلى حالة معنوية أعلى تصير فيها قراراتهم المتعلقة بالإضراب مرتبطة بها، ويصبح قرار الاستمرار في الإضراب عن الطعام، وعلى الرغم من تدهور الحالة الصحية، خاضعاً لنوع من الإيجابية، أو لحالة من التعالي مرتبطة بضرورة الانتصار، بحيث يصبح النضال بحد ذاته هو عملياً الاستمرار في الإضراب بما يعنيه من عدم الاستسلام، أي فك الإضراب.

من خلال "لغة القلب" والدخول في "نقطة التحول"، يمنح الأسرى أجسادهم معنى جديداً كـ "جسر عودة" أو "جسر استعادة"، وهو معنى مرتبط بثقافة المقاومة فلسطينياً. فالأسرى يعيشون تجربة الإضراب عن الطعام ويختبرونها وفقاً لفهمهم للمقاومة كما السياسة. وانطلاقاً من هذه المفاهيم، يؤمن الأسرى المضربون عن الطعام بأن الجسد تحول إلى أداة لإنتاج قوة غير مادية تدعمهم في هدفهم المتمثل في استعادة إنسانيتهم، أو العودة إلى إنسانيتهم، ليتغير مفهوم ومفهمة القوة، بحيث تصبح القوة الإنسانية مستمدة من هذا الجانب الإبداعي الذي لم يكن لينشأ من دون فعلهم المقاوم عبر الإضراب عن الطعام، والمستمد من رسوخ فهمهم لمعنى المقاومة والحقّ في تقرير مصيرهم.

بهذا المعنى، يصبح العمل المقاوم / الإضراب عن الطعام شرطاً يمكّن الأسرى من ابتداع لغة أصلية فريدة، لأن فعل الإضراب عن الطعام، مثلما تطرحه الباحثة، هو فعل تحويلي يؤدي إلى خلق لغة أصلية خاصة بالأسرى. أمّا المعنى الآخر لكون خطاب الأسرى المضربين عن الطعام خطاباً أصلياً، فيتناقض مع الخطاب ذي المنشأ الليبرالي المهيمن والمتعلق بحقوق الإنسان، والذي يرى الأسرى / يحولهم إلى مجرد ضحايا. فمن خلال الإضراب عن الطعام، يتحول الأسرى إلى فاعلين يُنشئون فعلاً سياسياً، ويخلقون لغتهم السياسية الخاصة بهم، وخطابهم المعبّر عنهم.

توضح الباحثة أن هذا الارتباط بين الأفعال والأقوال يتمتع بمقدرة النقل، أي نقل معنى التجربة، في الوقت الذي يشكل الذات، وهو بالتالي خطاب مختلف عن خطاب المقاومة الأوسع للفلسطينيين ضد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. غير أن السؤال الذي تثيره الباحثة هنا، يتعلق باحتمال الفشل؛ مدى فشل السردية في نقل ومواجهة المعاناة الإنسانية لتجربة المقاومة هذه. وتقترح الباحثة ضرورة تحويل العمل الإبداعي المتمثل في إضراب الأسرى عن الطعام إلى سرد مكتوب، أي ضرورة التوثيق، والكتابة التاريخية.

في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن ثمة تفصيلات مهمة ومقاربات متميزة للتعامل مع سرديات الأسرى الذين حاورتهم الباحثة، وهذه تستلزم تعمّقاً فيها ومناقشة تفصيلية، لأن سرديات الأسرى عن تجربتهم في الإضراب عن الطعام والتنقل ما بين الحياة والموت، تدل على أنها تجربة عصية على الاحتواء في أسطر محددة، أو مقالة، أو بحث.

السيرة الشخصية: 

رولا سرحان: باحثة وكاتبة فلسطينية.