حديث صحافي خاص لوزير الخارجية الإيطالي، جياني دي ميكيليس، عن استراتيجية دول المجموعة الأوروبية لمواجهة أزمة الخليج، باريس، 21/11/1990
النص الكامل: 

فإذا ظل الشرق الأوسط منطقة غير آمنة وإذا عانت الدول العربية من موجة من التطرف فإن ذلك يؤثر سلباً على الأمن في أوروبا ولذا فإنه علينا أن نستغل الفرصة التي يخلقها مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا ليس داخل حدود أوروبا وحدها وإنما أيضاً بالنسبة للدول المجاورة لها فالفرصة سانحة الآن لتمتد فلسفة هلسنكي التي خرج عنها البيان الأول لمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا إلى خارج القارة الأوروبية ونسعى الآن إلى تصدير هذه الفلسفة خارج حدود أوروبا الجغرافية ومن الطبيعي أن نبدأ بالمناطق المجاورة لنا خاصة الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط.

وهذه هي القاعدة السياسية والفلسفية لاقتراحنا بانعقاد مؤتمر للأمن والتعاون يجمع بين الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط.

أقصد الدول العربية المعنية بما فيها ممثل عن فلسطين وجميع دول المنطقة من إيران إلى الغرب وكذلك الاتحاد السوفياتي بصفته دولة مطلة على البحر الأسود ويمكن بالتالي اعتبارها من الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط كما يجب أن تشارك فيه الولايات المتحدة كعنصر هام لأي تدابير أمنية تخص هذه المنطقة في المستقبل.

وسوف ينعقد هذا المؤتمر على غرار مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا الذي عقد في هلسنكي وسيكون على هذه الدول أن تجلس مع بعضها البعض للاتفاق على مجموعة من القواعد والمبادىء من أجل التعايش والتعاون والحوار تماماً كما فعلنا نحن في أوروبا منذ عشرين عاماً وهذه الفلسفة هي التي أوصلتنا في أوروبا إلى ما وصلنا إليه الآن.

هذه الاستراتيجية تقوم على عنصرين. الأول: هو التعاون من أجل الحفاظ على التضامن الدولي ودعمه وسوف تستمر المجموعة الأوروبية في أن تلعب دوراً للإبقاء على الائتلاف العالمي الذي تشكل خلال الشهرين الماضيين حول قرارات مجلس الأمن والذي يضم الدول الأوروبية ودول أميركا الشمالية ودول أوروبا الشرقية بما في ذلك الاتحاد السوفياتي ومن دول العالم الثالث ومنها دول حركة عدم الانحياز بما فيها الصين وكذلك غالبية الدول العربية فالعنصر الأول إذن هو التماسك والتضامن الدولي لأن هذا عنصر من أهم عناصر القوة من جانبنا كما أنه يعني امتلاك إمكانية عزل العراق على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

وللإبقاء على هذا التماسك الدولي فإنه من المهم أن تظل إدارة الأزمة في إطار الأمم المتحدة.

أما العنصر الثاني لاستراتيجية أوروبا فهو أن نعطي للمجموعة الأوروبية إسهاماً خاصاً ومحدداً فيما بعد مرحلة الأزمة فأنا مقتنع أننا لا نلعب دوراً هاماً فيما يتعلق بوضع حد للأزمة فالأطراف التي تلعب دوراً حاسماً في إنهاء أزمة الخليج هي صدام حسين من جانب والولايات المتحدة وربما المملكة العربية السعودية من الجانب الآخر فالقرار قرارهم بالدرجة الأولى وخاصة صدام حسين الذي يعلم تماماً ما الذي عليه أن يفعله لتفادي الحرب ونحن نريد تفادي الحرب.

هذا عن تسوية الأزمة لكنه في الجانب الآخر فإن الدول الأوروبية وخاصة دول المجموعة (أي السوق المشتركة) بوسعها أن تلعب دوراً هاماً بل وحاسماً لتنظيم الوضع فيما بعد الأزمة. وأعني بهذا أن نخلق الظروف لنوع من أنواع الحوار البناء بين الجميع حول المشكلات القائمة وطريقة معالجتها وإيجاد الحلول لها.

بطبيعة الحال فإن لأوروبا دوراً حاسماً في الإبقاء على هذا التماسك الدولي فلا الاتحاد السوفياتي ولا الصين على سبيل المثال سيتخذان نفس الموقف في اتجاه الحفاظ على التضامن الدولي لو كانت أوروبا لا تقود مثل هذا الموقف ولذا فإنني أرى أن لأوروبا ولدول المجموعة الأوروبية بصفة خاصة موقفاً حاسماً في تفادي أي انقسام داخل المجتمع الدولي وتفادي خطر ظهور فجوة بين الولايات المتحدة وبريطانيا من ناحية والدول الغربية من ناحية أخرى.

هناك خطر ظهور تشدد في المواقف لدى الرأي العام العربي وفي الدول العربية، ولدى ما يطلق عليه بالجماهير العربية. هناك احتمال وجود مواقف متعددة داخل العالم العربي ترى أن طريقة التعامل الوحيدة مع العالم الغربي هي المواجهة وهو موقف سلبي إزاء طريقة التعامل مع العالم الغربي وأوروبا. وهناك بالتالي خطر حقيقي أن تؤدي هذه الأزمة إلى الإضرار بالعلاقات العربية ـ الأوروبية.

وعلى هذا الأساس فإننا نعتقد أن الوسيلة المثلى لإعادة التوازن ومواجهة مثل هذا الوضع هي مبادرات وتحركات سياسية ملموسة لنثبت إرادتنا ورغبتنا في السير في اتجاه إيجابي وتعاون سلمي مع الدول العربية.

 

المصدر:

"الأهرام الدولي" (لندن)، 22/11/1990. أجرى الحديث شريف الشوباشي.