تأثيرات الانتفاضة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي
كلمات مفتاحية: 
الانتفاضة 1987
الاراضي الفلسطينية المحتلة
الاقتصاد الاسرائيلي
الاحتلال الاسرائيلي
ثمن الاحتلال
الضفة الغربية
نبذة مختصرة: 

يحاول هذا المقال رصد تأثيرات الانتفاضة على الاقتصاد الإسرائيلي لإبراز بعض ما ألحقته هذه الانتفاضة من أضرار وخسائر به. فيبدأ بعرض الفوائد الاقتصادية التي جنتها إسرائيل نتيجة احتلالها المناطق العربية سنة 1967 لأنّ ثمن الانتفاضة المباشر يتمثّل، برأي الكاتب، فيما تخسره إسرائيل من هذه الفوائد وتحول الاحتلال من احتلال "رخيص" إلى احتلال "مكلف". وينتقل بعدها إلى تفصيل التأثيرات المباشرة للانتفاضة على مستوى القطاعات الاقتصادية في إسرائيل، فيتناول تأثيرات تغيّب العمّال العرب على قطاع البناء، الزراعة، الصناعة وعلى المكاسب النقدية التي توفّرها إسرائيل نتيجة تشغيل العرب. يتحدّث أيضاُ عن تضرّر قطاع السياحة من اندلاع الانتفاضة، وعن انخفاض واردات الضفة الغربية من إسرائيل بسبب مقاطعة السلع والبضائع الإسرائيلية وعن خسائر إسرائيل من الضرائب. يحاول الكاتب بعدها أن يحدّد تكلفة قمع الانتفاضة ومن ثمّ تكلفتها الإجمالية مستعرضاً الأرقام الرسمية لهذه التكلفة ودورها في الانكماش الذي عانت منه إسرائيل عام 1989. إن استنتاجات الكاتب أخيراً تركّز على الآثار البعيدة المدى التي تحدثها الانتفاضة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي فهو يرى أنّ هذه الانتفاضة بفاعليتها واستمراريتها تترك بصماتها المباشرة وغير المباشرة على مختلف نواحي المجتمع الإسرائيلي.

النص الكامل: 

 إن رصد تأثيرات الانتفاضة في الاقتصاد الإسرائيلي عملية لا تخلو من التعقيد، وقد تجعل المرء يقع بين فكي التهويل والتهوين. ناهيك بأنه لا توجد مقاييس محددة لقياس الأضرار التي تلحق بالاقتصاد الإسرائيلي من جراء الانتفاضة، ومن غير السهل التمييز بين تأثيرات الانتفاضة المباشرة وتأثيرات العوامل الأخرى التي تضافرت معها. لذلك تبقى التحليلات وعمليات الرصد في إطار التقدير العام، واستشفاف مدى تأثير تردي الوضع الاقتصادي في عملية صنع القرار السياسي المتعلق بمستقبل المناطق المحتلة.

ومن أجل إبراز بعض ما ألحقته الانتفاضة من أضرار وخسائر بالاقتصاد الإسرائيلي، كان ثمة ضرورة لعرض بعض الفوائد الاقتصادية التي جنتها إسرائيل نتيجة احتلالها المناطق العربية سنة 1967. ويتمثل ثمن الانتفاضة المباشر فيما تخسره إسرائيل من هذه الفوائد. أما الوجه الآخر من هذا الثمن، فهو تحول الاحتلال من احتلال "رخيص" إلى احتلال "مكلف". كما أن الإنفاق المباشر على قمع الانتفاضة، ثم كلفتها الإجمالية في نظر الإسرائيليين أنفسهم، يشكلان مؤشرين للأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي. وإذا كان مقياس الضرر في المرحلة الأولى هو ما تعرض له بعض الفروع الاقتصادية من تراجع، مثل البناء والزراعة والسياحة، وبعض الصناعات الأخرى منثل النسيج والمواد الغذائية والمشروبات، فإن هذا المقياس قد تغير في مستهل سنة 1989. إذ تحول من كساد جزئي إلى حالة عامة من الانكماش الاقتصاد المعروف بعبارة "ميتون" في القاموس العبري الذي أعاد إلى الأذهان تلك الحالة الشبيهة بـ "الميتون الكبير" قبل واحد وعشرين عاماً، أي عشية حرب 1967. وبدا ظاهرياً الآن أن إسرائيل عادت إلى الوراء عقدين من الزمن. علماً بأنه لا يزال هناط فارق شاسع حتى الآن بين وضعها الاقتصادي عشية تلك الحرب وبين وضعها الحالي. ففي ذلك الوقت، كانت المشكلة الأساسية التي عانتها إسرائيل هي ضيق الرقعة ومصادر المياه والافتقار إلى وسائل الإنتاج واستكمال البنية التحتية. وجاء الاحتلال ووفر لها الكثير من هذه الوسائل.

ولذا، ومن أجل المقارنة، كان لا بد من لمحة سريعة عن استراتيجية "الدمج" بين الاقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني، وإجراءات السيطرة على أرصدة المناطق المحتلة. ثم الانتقال إلى قنوات تأثير الانتفاضة في الاقتصاد الإسرائيلي، من دون التطرق إلى تأثيرها في الاقتصاد الفلسطيني؛ وهذا يتطلب مكاناً وسياقاً آخرين. وتتوقف التغطية غالباً عند النصف الأول من سنة 1989.

لقد جاءت الانتفاضة لتحرم إسرائيل بعض ما جنته من فوائد، شاهرة أهم سلاحين ضد الاحتلال: الإضرابات الجزئية للعمال العرب، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية. وقد أصاب هذان السلاحان في البداية بعض الفروع لينعكس الأمر في النصف الثاني من سنة 1988 بداية تراجع في النشاط الاقتصادي وتطور في سنة 1989 إلى حالة الجمود. ويبدو أن هذه الحالة مرشحة للاستمرار، وباتت مرتبطة بوضع إسرائيل السياسي والأمني، أو بإيجاد حل سلمي للمشكلة الفلسطينية.

الاحتلال الرخيص

حرصت إسرائيل، خلال عشرين عاماً من الاحتلال، على جني أقصى مقدار ممكن من الفوائد الاقتصادية، من دون أن تشكل المناطق المحتلة أي عبء على خزينتها، ما دامت لم تتحمل أية مسؤوليات تنموية تجاه تلك المناطق. بل على العكس، كانت جميع الإجراءات التي اتخذتها كفيلة بتخفيف المكاسب الاقتصادية لمصلحة بنية الاقتصاد الإسرائيلي وحده في إطار استراتيجية "دمج" اقتصادي. فقد أصدرت إسرائيل، خلال عشرين عاماً، نحو ألف ومائتي أمر لتغيير "أنظمة القانون والقضاء والإدارة للمناطق المحتلة." وفي ظل هذه الأوامر، استولت إسرائيل على 2,150,000 دونم من أراضي الضفة الغربية تشكل نسبة 39% من مجموع الأراضي فيها.(1)   وبلغ مجموع الأراضي التي صادرتها سلطات الاحتلال في قطاع غزة نحو 186,500 دونم.(2)   وتستهلك إسرائيل 820 مليون متر مكعب من مياه الضفة الغربية، ويستهلك العرب 100 مليون متر مكعب.(3)    كما أن إسرائيل كانت تستخدم قبل الانتفاضة، بحسب بعض التقديرات، 150 ألف عامل من المناطق المحتلة كلها، على أن وزارة العمل الإسرائيلية تتحدث عن 100 ألف عامل فقط.(4)  

وعلى صعيد "التبادل" التجاري، فإن المناطق المحتلة استوردت من إسرائيل سلعاً ومنتوجات وخدمات بقيمة 800 مليون دولار في سنة 1986، وبلغت واردات إسرائيل من المناطق المحتلة في تلك السنة 267 مليون دولار، مسجلة بذلك عجزاً مقداره 533 مليون دولار لمصلحة إسرائيل.(5)  

لم تشعر إسرائيل بثمن الاحتلال، لا لجهة الضغط الاقتصادي ولا لجهة الضغط السياسي والمقاومة ضد الاحتلال. وقد ربط شلومو غازيت (الخبير بشؤون المناطق المحتلة وأحد الذين ساهموا في رسم السياسات تجاهها) بين "الهدوء والسكينة في المناطق" و"إحراز الشرعية" للاحتلال، وبين "الثمن الرخيص" لتحقيق هذه العلاقة، شارحاً جوهرها: "علينا إدارة المناطق بثمن رخيص على قدر الإمكان، رخيص مالياً، ورخيص اقتصادياً، بالنسبة إلى إسرائيل، ورخيص بالجهد الإداري، ورخيص على صعيد الضرر الذي يلحق بعلاقات إسرائيل العامة، ورخيص بالخسائر الإسرائيلية والخسائر من قبل سكان المناطق."(6)

لم يكن من الصعب على إسرائيل تحقيق هذا "الثمن الرخيص" في ظل المعطيات السياسية والاقتصادية التي بقيت قائمة طوال 20 عاماً حتى تفجر الانتفاضة. فاستغلال المناطق المحتلة، من دون تحمل أية أعباء تنموية تجاهها كما ذكرنا أعفى إسرائيل من أية التزامات تثقل على ميزانيتها. بل على العكس، كانت إيراداتها من المناطق المحتلة أكبر مساهمة في توسع الاقتصاد الإسرائيلي. وتجسدت هذه الحقيقة عبر مؤشر مهم جداً، هو أن 30% - 35% من طاقة العمل العربية مستخدمة في إسرائيل، أي أن مصدر 19% من ناتج الضفة الغربية و33 % من ناتج قطاع غزة هو العمل في إسرائيل. كما أن الاتجار بالسلع والخدمات "يعبر عن بعد آخر للظاهرة نفسها، نحو 60% من صادرات المناطق يذهب إلى إسرائيل، و 35% إلى الأردن والدول العربية الأخرى. كما أن 80% - 90% من واردات المناطق هي من إسرائيل. وبلغ فائض الصادرات خلال فترة 1970 – 1986 نحو 150 مليون دولار في المعدل السنوي من الصفقات التجارية لإسرائيل مع الضفة الغربية وحدها."(7)   أي بمبلغ إجمالي قدره 2400 مليون دولار جنتها إسرائيل خلال 16 عاماً من بند واحد فقط.

وإذا تطرقنا إلى مجال آخر للفوائد التي تجنيها إسرائيل – فارق الأجور بين العمال العرب واليهود – نجد أن قيمة هذا الفارق بلغت، منذ سنة 1968 حتى سنة 1985، نحو 3049,8 مليون دولار. وبلغت الاقتطاعات من الأجور خلال 1968 – 1986 ما مجموعه 311,733 مليون دولار. وبلغت حصة عمان المناطق السنوية من مجموع دخل صندوق التأمين الوطني 936,181 مليون دولار. بالإضافة إلى الفوائد السنوية على المجموعتين السابقتين والتي تبلغ 552,893 مليون دولار. وهكذا، نج أن المبالغ الإجمالية المستحقة للعمال العرب حتى تاريخ 30/9/1986 تصل إلى 1489,004 مليون دولار. (مليار و489 مليوناً).(8)  

وهناك عائدات مالية تتدفق على المناطق المحتلة بالعملة الصعبة وتفيد إسرائيل منها، مثل إيرادات من "الأونروا"، نحو 40 مليون دولار في السنة. وكانت الحكومة الأردنية (قبل فك الارتباط بالضفة) تدفع رواتب ومعاشات تقاعد للموظفين السابقين. وهناك تبرعات من الدول العربية، وأموال تدفعها منظمة التحرير الفلسطينية، إذ أن "جزءاً" على الأقل من تدفق هذه الإيرادات الشاملة "يستخدم لمقتضى المدفوعات مع إسرائيل." وتتراوح هذه المبالغ ما بين 60 مليون دولار و 80 مليوناً في السنة.(9) 

وتدل المعطيات الإجمالية لميزان المدفوعات مع الضفة، وميزانيات الحكم العسكري، وإيرادات الضمان الاجتماعي، وحجوم الدعم للحاجات الأساسية، على أن المناطق المحتلو لم تشكل حتى نهاية سنة 1987 على الأقل، عبئاً ذا دلالة على الاقتصاد الإسرائيلي.

ناهيك بأن إنفاق الحكم العسكري لم يوفر مستوى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية؛ فهذا الإنفاق لم يتجاوز في سنة 1984 نسبة 12,8% من الناتج القومي الإجمالي للمناطق المحتلة، أو 128 دولاراً للفرد الواحد، "مما يمثل واحداً من أدنى مستويات الإنفاق الحكومي بين اقتصادات البلدان النامية."(10) 

لقد بلغت آخر ميزانية للإدارة المدنية الإسرائيلية في المناطق المحتلة، عشية نشوب الانتفاضة (1987 – 1988)، نحو 30 مليون دولار. وبحسب شهادة المسؤولين عن هذه الإدارة، فإن نسبة 82% من تلك الميزانية كانت تمول من الرسوم والضرائب المختلة التي كان يدفعها سكان المناطق، أي "لإيراد الذاتي"، ونسبة 18% كانت تمول من "ميزانية الدولة".(11)  

ويتبين من بحث مقارن أجراه ميرون بنفنستي أن معدل الإنفاق العام للفرد في إسرائيل، في سنة 1985، كان 1350 دولاراً. أما في المناطق المحتلة، فقد بلغ 185 دولاراً للفرد، أو 13,7% من المعدل الإسرائيلي. وفي تقديره أن المناطق لم تشكل قط عبئاً مالياً على الخزينة الإسرائيلية. "بل على العكس، فقد ساهم السكان الفلسطينيون بمبالغ كبيرة في الميزانية الإسرائيلية."(12)

التأثيرات المباشرة للانتفاضة

في مستوى القطاعات الاقتصادية

دهمت الانتفاضة الفلسطينية (9/12/1987) الاقتصاد الإسرائيلي وهو ينعم بحالة من الاستقرار النسبي الذي تمثل في تثبيت قيمة الصرف والأسعار ولجم التضخم، ولا سيما بعد تطبيق الخطة الاقتصادية صيف سنة 1985. وكان من أبرز نتائج تلك الخطة (التي دعمتها مساعدات أميركية إضافية بمليار ونصف المليار دولار وانتعاش سوق السلاح العالمية) انخفاض نسبة التضخم من 400% في المعدل السنوي إلى 16,5% تقريباً، واستئناف النمو الاقتصادي بنسبة 5% في المعدل السنوي، وبطالة لا تزيد على 4%.

وعلى الرغم من أن الاقتصاد الإسرائيلي واجه بعض بوادر التراجع قبل نشوب الانتفاضة ببضعة أشهر (بسبب خطة تقشف اتبعها موشيه نسيم آنذاك بواسطة اقتطاع الإنفاقات العامة لضمان المحافظة على الاستقرار وتجنب ارتفاع التضخم)، فإن الاقتصاد كان قادراً على الأداء ومواصلة الانتعاش النسبي لولا تفجر الانتفاضة. ناهيك بأن الفوائد الاقتصادية والمالية التي كانت تجنيها إسرائيل من الأراضي المحتلة بلغت عشية الانتفاضة ذروتها، سواء بالنسبة إلى ازدهار الصناعات التي تعتمد على كثافة الطاقة البشرية، أو إلى زيادة التصدير إلى المناطق المحتلة، وحتى إلى الدول العربية عن طريق الجسور باتباع أساليب تمويهية، وإلى دول العالم.

وكان من الطبيعي أن تضرب الانتفاضة الاقتصاد الإسرائيلي في مفاصله التي تعتمد على موارد المناطق المحتلة. ولم يكن هذا الاقتصاد مهيأ لامتصاص أضرار الانتفاضة وتأثيراتها في بعض القطاعات التي تضررت مباشرة. في حين أن بعض القطاعات الأخرة تعرض، بصورة غير مباشرة، لأضرار أقل.

لذلك، تنحصر الأضرار المباشرة التي كان لها تأثير كبير، خلال الأشهر الأولى من الانتفاضة، في بعض القطاعات التي تعتمد على الأراضي المحتلة اعتماداً كبيراً، سواء بصورة طاقة عمل رخيصة أو سوق استهلاكية واسعة. ومع تضافر المؤثرات الخارجية وأضرار الانتفاضة المباشرة كان المجمل السنوي للوضع الاقتصادي ينذر بتراجع العام. فهذا يتمثل في حالة ركود جزئي خلال سنة 1988، لتتحول في سنة 1989 إلى حالة عامة من الانكماش أصابت معظم النشاطات الاقتصادية والتجارية.

 القطاعات المتضررة مباشرة

ثمة خمسة مجالات رئيسية أو خمسة قطاعات كانت أكثر تضرراً من غيرها بصورة مباشرة من جراء الانتفاضة، ولا سيما خلال شهورها الأولى، وهي:

  1. تغيّب العمال العرب عن العمل في إسرائيل وأثره في بعض الفروع الاقتصادية.
  2. أثر الانتفاضة في السياحة الوافدة.
  3. انخفاض واردات المناطق المحتلة من إسرائيل.
  4. تراجع الإيرادات المباشرة من ضرائب ورسوم كان يذهب ريعها إلى الخزينة الإسرائيلية.
  5. ازدياد النفقات العسكرية الناجمة عن قمع الانتفاضة.

 1- تأثيرات تغيب العمال العرب

على الرغم من أن إضرابات العمال العرب هي جزئية - أسبوع في الشهر في المعدل – فإن الأضرار التي تلحقها ببعض فروع الاقتصاد الإسرائيلي لا يستهان بها؛ فكان لهذه الإضرابات والانقطاعات أثر بالغ في تعطيل عجلة إنتاج بعض الفروع الصناعية، وتراجع الصادرات والاستهلاك في المناطق المحتلة للمنتوجات الإسرائيلية.

وقد بلغت نسبة تغيب العمال العرب عن العمل في إسرائيل ما بين 30% و 40% (35 ألف عامل – 40 ألفاً). لكن نسبة التغيب هذه قد تكون مضللة وغير دقيقة، لأن نسب توزع العمال تتفاوت من فرع إلى آخر.

لذلك، يمكن أن يقاس الضرر الناجم عن الانقطاع الجزئي للعمال بطريقة أكثر دقة، تتمثل في انخفاض عدد ساعات العمل التي عملوا فيها خلال سنة 1988 بمقدار الربع قياساً بساعات العمل خلال سنة 1987. وبحسب دراسات أجراها المكتب المركزي للإحصاء في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن العمال العرب عملوا داخل "الخط الأخضر" نحو 9,5 ملايين ساعة عمل في المعدل الأسبوعي. وعمل العمل العرب في مناطق إقامتهم في الأراضي المحتلة 5,8 ملايين ساعة عمل أسبوعياً. وكان نصيب ساعات العمل لعمال المناطق من مجموع ساعات العمل للمستخدمين في إسرائيل سنة 1988 هو 6,6% في مقابل 8,8% سنة 1987.(13)  

وكان الانخفاض في عدد ساعات العمل في قطاعي الزراعة والبناء 18%، وفي الصناعة 35%. وانخفض عدد الساعات التي عملها المستخدمون من الضفة الغربية بنسبة 21% قياساً بسنة 1987، والقادمون من قطاع غزة بنسبة 28%.(14)  

وأعلن ناطق باسم المكتب المركزي للإحصاء أن عدد العمال من المناطق كان، في الواقع، مساوياً لعددهم في سنة 1987. لكن بسبب الأحداث سنة 1988 تغيبوا عن عملهم وقتاً أطول، وعملوا أياماً أقل، وساعات أقل. وبالتالي، تعرض المعطيات عن وسائل الإنتاج المتعلقة بالعمل بواسطة ساعات العمل الأسبوعية لا بواسطة عدد المستخدمين أو الأجراء.(15) 

وانطلاقاً من نسب توزع العمال العرب على الفروع الاقتصادية، نجد أن القطاع الذي يستخدم النسبة الأكبر من العمال العرب هو الأكثر تضرراً. وهنا نتوقف عند ثلاثة قطاعات: البناء، والزراعة، والصناعة.

أ- قطاع البناء: نظراً إلى أن قطاع البناء والإنشاءات في إسرائيل يستخدم النسبة الأكبر من العمال العرب من المناطق المحتلة (نحو 50 ألف عامل يشكلون 63% من مجموع العاملين في هذا القطاع)، فمن الطبيعي أن يلحق به الضرر الأكبر؛ فانقطاع العمال العرب عن العمل بنسبة تتراوح بين 30% و 40%، أدى إلى تراجع مبيعات البناء وتكبد الشركات خسائر بسبب عدم قدرتها على إنهاء المشاريع الإنشائية في مختلف أرجاء إسرائيل في المواعيد المحددة، وإلغاء الكثير من عقود شراء المنازل في المستعمرات، وانخفاض بيع الشقق بنسبة 80%.(16)   كما تقلصت الاستثمارات في العقارات غير المنقولة بنسبة 2% - 3% خلال الربع الأخير من سنة 1988، قياساً بالربغ الأخير من سنة 1987.(17)  

وقدر رئيس مركز المقاولين الإسرائيليين الخسائر العامة منذ بداية الربع الأخير من سنة 1988 بـ 16 مليون دولار شهرياً، أي 240 مليون دولار خسائر متراكمة خلال فترة 15 شهراً من الانتفاضة.(18)  في حين قدرت مصادر إسرائيلية أخرى حجم الخسائر في قطاع البناء، خلال النصف الأول من سنة 1988، بنحو 40 – 50 مليون دولار، وبلغت الخسائر خلال النصف الأول من تلك السنة 300 مليون دولار، وعلى امتداد عام كامل 600 – 700 مليون دولار.(19)    ويقدر أحد الخبراء الفلسطينيين أن مجموع الخسائر التي لحقت بقطاع البناء، ابتداء من آب/أغسطس 1988 حتى أوائل حزيران/يونيو 1989، بلغ 500 – 600 مليون دولار.(20)   

وعندما أغلقت السلطات الإسرائيلية قطاع غزة لفترة متواصلة خلال ربيع سنة 1989، توقف العمل، في جميع أماكن البناء. إذ يعمل فيها 33% من العمال (نحو 40 ألف شخص) من غزة.(21)   ومع استمرار الانتفاضة تواصل التراجع في أعمال البناء. فخلال الربع الثاني من سنة 1989 (نيسان/أبريل – حزيران/يونيو)، حدث انخفاض بنسبة 19% في مجمل مشاريع البناء الجديدة في إسرائيل (830 ألف متر مربع). وقياساً بالربع الأخير من سنة 1988، فإن الانخفاض الناجم عن العجز في إنجاز 2100 وحدة سكنية "من شأنه أن يسبب، في المدى القريب، ارتفاع أسعار الشقق"، بحسب  ما صدر عن المكتب المركزي للإحصاء. وبالنسبة إلى مباني السكان الخاصة، حدث انخفاض بنسبة 12% (720 ألف متر مربع).(22)

وتجدر الإشارة إلى أن المستعمرات الإسرائيلية الموقعة لعقود بناء مرافق عامة ضخمة، تكبدت خسائر فادحة بسبب انقطاع العمل العرب عن العمل. فعلى سبيل المثال، انخفض حجم الأعمال التأسيسية لمشاريع البناء التي تلتزمها حركة الكيبوتس القطري، في سنة 1988، بنسبة 90% "بسبب الأزمة الاقتصادية التي تجتاح الكيبوتسات."(23)  

وكانت نسبة تغيب العمال من المناطق المحتلة عن العمل داخل المستعمرات قد بلغت 90%. وقد تسب ذلك بتوقف العديد من المشاريع الصناعية والإنشائية التي أُنشئت بهدف استثمار اليد العاملة العربية الرخيصة، وهذا علاوة على تضرر نظام الخدمات وتعطيل الحركة العمراني داخل المستعمرات؛ الأمر الذي قد يجعلها تفقد دورها الاقتصادي. "ومن شأن المقاطعة العمالية والمقاومة الفلاحية أن تؤدي إلى انحسار بدرجة الاستيطان وهجرة المستوطنين إلى خارج المناطق المحتلة."(24) 

ب قطاع الزراعة: تعتمد الزراعة الإسرائيلية على اليد العاملة العربية إلى حد بعيد. وقد بلغت نسبة العمال الزراعيين العرب من الضفة الغربية وقطاع غزة 17,6% من قوة العمل الزراعية في إسرائيل سنة 1986.

وتبرز الأضرار في القطاع الزراعي في مجالين: الأول، العمل الزراعي المباشر مثل قطف الثمار والفواكه؛ والثاني، التعبة والتوضيب من أجل التصدير. فالمجال الأول يعتمد كلياً تقريباً على اليد العاملة العربية. إذ تشكل نسبة العمال العرب في فروع التعبئة 60% من مجموع العاملين فيها. وقد قدرت الخسائر الإسرائيلية في الحمضيات والتعبئة بنحو 165 مليون دولار خلال نصف عام فقط. وإذا ما أضيف إلى مقاطعة العمال، مقاطعة السلع الزراعية، فيمكن أن تصل الخسائر في قطاع الزراعة إلى نحو 400 مليون دولار – 500 مليون دولار في السنة.(25)  علماً بأن مصادر إسرائيلية قدرت مجمل أضرار الزراعة حتى منتصف سنة 1988 بنحو 300 مليون شيكل (150 مليوندولار تقريباً).(26) 

ومنذ بداية الانتفاضة، سجل انخفاض حاد في تسويق المنتوجات الزراعية إلى الضفة الغربية وغزة. هذا ما أدلى به أبراهام كاتس – عوز، وزير الزراعة الإسرائيلي، مكرراً اقتراحه بشأن "فصل قطاع غزة عن إسرائيل وفك المستعمرات في غوش قطيف" (التي تعتمد بصورة أساسية على العمال العرب في أعمالها الزراعية). وقال الوزير إن "الانتفاضة تسبب ضرراً جسيماً للقطاع الزراعي في البلد." وكشف النقاب عن حدوث انخفاض جذري في مبيعات الألبان الإسرائيلية في المناطق، كذلك الطيور واللحوم والفواكه والخضراوات. واعترف كاتس – عوز بأن "أيام الإضراب المتواصل أدت إلى خفض كبير في نشاط أسواق الخضراوات في المناطق، وبالتالي إلى تراجع تسويق المنتوجات الإسرائيلية."

وبعد بضعة أيام من تصريحه هذا، اعلن الوزير في المركز الزراعي في تل أبيب أن سنة 1988 كانت من "أسوأ السنوات بالنسبة إلى الزراعة"، وحتى في سنة 1989 حدث "تدهور": فالنمو لم يتحقق، واستمر تراجع رؤوس الأموال، وكان هناك انخفاض في ربحية الصادرات. وأشار حاييم مولخو، منسق الشعبة الاقتصادية في المركز الزراعي، بالمناسبة نفسها، إلى أن الدخل الحقيقي للمزارعين انخفض 17% قياساً بسنة 1987، وانخفضت ربحية الصادرات 9% والأسعار 9% أيضاً. ويشير المجمل نصف السنوي لسنة 1989، قياساً بسنة 1988، إلى انخفاض في الصادرات بنسبة 9% كمياً، وانخفاض بنسبة 9% في الأسعار بسبب التغييرات في سلة العملات.(27)

ج – الصناعة: يبدو أول وهلة أن الصناعة الإسرائيلية، بصورة عامة، لم تتضرر كثيراً من الانتفاضة، لأن عمال المناطق المحتلة الذين يعملون في الصناعة الإسرائيلية عادة لم يشكلوا سوى 6% من مجموع العاملين، أي نحو 20 ألف عامل، يتجمع معظمهم في صناعات المواد الغذائية والمشروبات والمرطبات والنسيج والملابس والجلود. أما نسبة العمل العرب الذين يعملون في بعض هذه الصناعات، فتصل إلى 10% وحتى 20%. وقد نجم عن تغيب العمال العرب من المناطق المحتلة عن أماكن عملهم في إسرائيل، انخفاض عدد ساعات العمل التي يؤدونها. ويشكل هذا الانخفاض 20% من مجموع طاقتهم الإنتاجية. وهذا هو السبب الأساسي للتقلص بنسبة 4,3% في ساعات العمل في الصناعة. أما في الصناعات كثيفة الطاقة البشرية، والتي تعتمد أساساً على عمال المناطق، فإن انخفاض ساعات العمل كان أكبر كثيراً: في النسيج 13%، والألبسة 5,5%، والجلود 9%، وأدوات النقل 17%. وقد أدى هذا الانخفاض، خلال الأشهر الأولى من سنة 1988، إلى انخفاض الناتج المحلي بنسبة 3%.(28)

تعتبر الصناعات الخفيفة الأكثر اعتماداً على العمال العرب، وبالتالي الأكثر تضرراً نتيجة تغيبهم عن أماكن عملهم. وتسير الأضرار التي تلحق بالصناعة في اتجاهين: تعطيل مسيرة الإنتاج، وانخفاض استهلاك المناطق المحتلة للمنتوجات الإسرائيلية. وكانت النتيجة الأبرز لذلك، هي أن الكثير من المصانع الإسرائيلية اضطرت إلى زيادة استثماراتها الإجمالية من أجل استخدام تقنيات جديدة للتقليل من الاعتماد المكثف على اليد العاملة، ورفع مستوى الإنتاج للتصدير.

وكان على رأس الفروع المتضررة في مجال الصناعات الخفيفة فرع صناعة النسيج والألبسة. فقبل تفجر الانتفاضة كان عدد العمال العرب في فرع النسيج داخل إسرائيل 10,000 عامل.(29)   وبالإضافة إلى فإن ما يقارب 80% من مصانع النسيج في إسرائيل يعتمد، إلى حد بعيد، على اليد العاملة داخل قطاع غزة، علاوة على أن مليوناً ونصف المليون مستهلك فلسطيني كانوا يشترون ملابس من إنتاج إسرائيلي.(30)    وقد خسر فرع النسيج وحده ما بين 60 مليون دولار و 70 مليوناً خلال الأشهر الأربعة الأولى من الانتفاضة.(31)   وليس من الصعب تصور الضرر المتراكم بعد مرور عامين على الانتفاضة.

إن مصادر وزارة الصناعة والتجارة الإسرائيلية تتجنب ذكر الانتفاضة كسبب مباشر للأضرار التي تلحق بفرع النسيج، بل تنسبها إلى أسباب أخرى نجمت عن الانتفاضة أيضاً، مثل "الكساد السائد في الاقتصاد وانخفاض الصادرات"، علوة على "انخفاض الطلب في السوق المحلية" بحسب ما أشارت حانا فايس نائبة مدير فرع النسيج والصناعات الخفيفة في وزارة الصناعة. وقالت إنه سجل، خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 1989، انخفاض حاد في الإنتاج والصادرات وعدد المستخدمين والاستثمارات في فرع النسيج. فقد انخفضت الصادرات خلال تلك الفترة 11%، وبلغت قيمتها نحو 180 مليون دولار فقط ونتيجة ذلك، "أغلق بعض المصانع أبوابه، وقلصت مصانع كثيرة أخرى إنتاجها وجمدت الاستثمارات تماماً," وتابعت فايس قائلة إن الإنتاج انخفض 20% خلال الربع الأول من السنة، وانخفض عدد المستخدمين 11%، من 33,700 عامل إلى 30,000 عامل تقريباً. ولولا ارتفاع الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 4%(32)  لكان الوضع أسوأ من ذلك.

د المكاسب النقدية: تشكل المكاسب النقدية التي تجنيها سلطات الاحتلال من تشغيل العمال العرب مصدراً مهماً للخزينة الإسرائيلية، ولا سيما لتغطية نفقات الحكم العسكري في المناطق المحتلة. وقدرت هذه المكاسب بـ 465 مليون دولار خلال سنة 1986. ووصل إجمالي المبالغ التي وفرتها إسرائيل نتيجة تشغيل هؤلاء العمال منذ سنة 1968 إلى ما يزيد على 4,4 مليارات دولار،(33)   علاوة على الحسومات من أجور العمال العرب على حساب التقديمات الاجتماعية من دون أن يفيدوا منها. وهذا ما لا تستطيع أن تفعله مع العمال الأجانب. وقد بلغت قيمة هذه الحسومات خلال السنوات العشرين الماضية، ملياراً من الدولارات، أي 30% من أجور العمال.

ومتى علمنا أن نسبة التغيب عن العمل تراوحت بين 40% و 50%، فإنه يمكن أن ندرك أن إسرائيل خسرت مكاسب نقدية خلال سنتين تفوق نصف المليار من الدولارات.

2 السياحة

يعتبر قطاع السياحة الأكثر تضرراً نتيجة الانتفاضة لأسباب عديدة، أهمها يعود إلى الأصداء السلبية التي تحدثها الانتفاضة في أذهاب الرأي العام العالمي. وخير من شهد على ذلك جدعون بات، وزير السياحة، بقوله: "لا شك في أن صورة دولة إسرائيل في وسائل الإعلام الدولية، والانتفاضة، ساهمتا في انخفاض حجم حركة السياحة [الوافدة] إلى إسرائيل."(34)   والغريب في الأمر أن الوزير الإسرائيلي ارتأى أن يفصل بين صورة إسرائيل في الساحة الدولية وبين الانتفاضة، متجنباً التصريح بأن الثانية هي التي تسببت بخلق هذه الصورة لإسرائيل. لكنه يستدرك بعد ذلك، فيقول إن "الأزمة في السياحة ليست ذات تأثيرات اقتصادية قاسية. غير أن السياح، وعلى رأسهم يهود العالم، يديرون ظهورهم إلى إسرائيل."(35) 

ويعود السبب الثاني في الأضرار التي لحقت بالسياحة إلى انقطاع العمال العرب الذين يعملون في الخدمات السياحية عن أماكن عملهم في إسرائيل، إذ أن عددهم لا يقل عن 20 ألف شخص.

والسبب الثالث أن المنتوجات السياحية التي تنتهجها المصانع الإسرائيلية قد تضررت، وهي أيضاً، بسبب تغيب العمال العرب عن أماكن عملهم في إسرائيل. ويعتبر هذا الإنتاج جزءاً من "الصناعة السياحية".

والسبب الرابع هو لجوء أصحاب الفنادق إلى زيادة أسعارهم للتعويض من انخفاض عدد النزلاء، وهذا عاد بدوره ضرراً على مجمل الوضع السياحي بسبب التكلفة العالية للإقامة في إسرائيل. ناهيك بأن السياحة عبر جسور الأردن قد تضررت هي الأخرى بسبب الانتفاضة وما أفرزته من أوضاع سياسية واقتصادية جديدة أثرت في حركة العبور. فقد سجل خلال شباط/ فبراير 1989، انخفاض بنسبة 29% في انتقال السياح عبر جسور الأردن، قياساً بالشهر ذاته من سنة 1988، بحسب ما أعلنت الناطقة باسم وزارة السياحة.(36)

إذاً، "فإن فرع السياحة هو الفرع الأكثر تضرراً" نتيجة الانتفاضة كما يشهد الدكتور أفرايم أحيرام، الباحث في معهد ديفيز في الجامعة العبرية. وهو يرى أن الضرر أصبح ملموساً خلال الربع الثاني من سنة 1988، عندما حدث انخفاض بنسبة 25% في عدد السياح الوافدين إلى إسرائيل. بيد أن عدد ليالي مبيت السياح انخفض 32%. وبقي دخل الحد الأدنى من السياحة عند المستوى نفسه الذي كان عنده سنة 1987، أي نحو 1,3 مليار دولار. "ولولا الانتفاضة لكان في الإمكان، كما يبدو، أن نتوقع زيادة في السياحة الوافدة وفي إيراداتها بنسبة 5% في السنة."(37) 

تبين من المعطيات التي طرحت في المؤتمر الإقليمي لأصحاب الفنادق، الذي عقد مطلع سنة 1989 في القدس، أن السياحة الوافدة إلى إسرائيل انخفضت بنسبة مؤثرة. فقد تطرق جميع المتحدثين إلى "تأثيرات الانتفاضة في الانخفاض في حركة السياحة." وتشير المعطيات التي طرحت عن الفترة بين نيسان/أبريل وكانون الأول/ديسمبر، إلى انخفاض بنسبة 22% في دخول المسافرين عن طريق الجو. وبلغت نسبة انخفاض السياحة من الولايات المتحدة، خلال تلك الأشهر، 24,5%، ومن أوروبا 23,3%.(38) 

وقدر تقرير اقتصادي صادر عن مصرف العمال الضرر الذي أصاب السياحة، خلال الأشهر الخمسة الأولى من الانتفاضة، بما يعادل 140 مليون دولار.(39)  

وثمة تقدير آخر مفاده أن مجموع خسارة فرع السياحة لسنة 1988 وصل إلى 511 مليون دولار، أي 31% من دخل السياحة لسنة 1987 (الذي بلغ ملياراً وستمائة وخمسة وثلاثين مليون دولار). ونتيجة استمرار الانتفاضة، يمكن تقدير الخسائر بمبلغ 639 مليون دولار في نهاية آذار/مارس 1989.(40)   وبحسب تقدير ثالث، فإن خسائر السياحة الوافدة إلى إسرائيل نتيجة الانتفاضة، خلال سنة 1988، وإضافة إلى تأثيرها المدمر في احتياطي العملة الصعبة، تصل إلى مليار واحد من الدولارات، في حين أن الدخل من السياحة بلغ نحو 1,6 مليار دولار سنة 1987.(41)  

أما بالنسبة إلى سنة 1989، فيبدو أن الضرر الذي يلحق بالسياحة مستمر مع استمرار عدم الاستقرار السياسي في المنطقة. إذ أن موشيه عمير، المدير العام لاتحاد الفنادق في إسرائيل، لا يخفي قلقه إزاء "عدم اليقين" تجاه الفرع السياحي و "مستقبل حركة السياحة الوافدة إلى إسرائيل. وثمة تخوف من أنه من دون عمل طارىء فوري، فمن شأن فرع السياحة أن يتضرر ويتسبب بخلخلة هذه الصناعة."(42) 

وقد بذلت وزارة السياحة الإسرائيلية جهوداً إعلامية كبيرة لتحسين صورة إسرائيل، وتشجيع السياح الراغبين في زيارتها. وقد أعلن وزير السياحة الإسرائيلي تقديم حوافز لوكلاء السفر، وذلك بإعلانه في برلين أن الحكومة الإسرائيلية ستمنح كل وكيل سفر 20 دولاراً هبة عن كل سائح يحضره إلى إسرائيل، علاوة على 10 دولارات من شركة الطيران الإسرائيلية.(43) 

غير أن هذه الحوافز قد تكون عديمة الجدوى ما دامت وسائل الإعلام العالمية تغطي الأحداث في الشرق الأوسط، ولا سيما وقائع الانتفاضة. وهذا بدوره يجعل بعض الحكومات، وخصوصاً حين وقوع أحداث أمنية بارزة، تنصح لرعاياها بعدم التوجه إلى إسرائيل لغرض السياحة. فعلى سبيل المثال، أدرجت وزارة الخارجية الهولندية اسم إسرائيل في قائمة الدول "غير الآمنة لتمضية الإجازة فيها." والمعروف أن عدد السياح الهولنديين إلى إسرائيل يصل إلى أكثر من 300 ألف سائح في السنة.(44)  

3- انخفاض واردات الضفة الغربية من إسرائيل

إن دعوة القيادة الموحدة للانتفاضة إلى مقاطعة السلع والبضائع الإسرائيلية، هي السلاح الاقتصادي الثاني من حيث الأهمية لحرمان الاحتلال من بعض الفوائد الاقتصادية. وعلى الرغم من أن مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية ربما لا تكون تامة لعدم وجود بدائل محلية من هذه المنتوجات، فإن هذه المقاطعة الجزئية التي بلغت نسبتها 25% خلال الأشهر الأولى من الانتفاضة، أدت إلى تدني المبيعات الصناعية الإسرائيلية للأراضي المحتلة، وبالتالي إلى انخفاض الإنتاج الصناعي. وانطلاقاً من صادرات إسرائيل في سنة 1987 إلى الأراضي المحتلة، وبالبالغة قيمتها 1017 مليون دولار، فإن الخسارة خلال الأشهر الأولى فقط بلغت 250 مليون دولار.(45) 

وكان الانخفاض في تصدير بعض المنتوجات كبيراً، مثل السجائر التي انخفض تصديرها إلى المناطق المحتلة بنسبة 40%، لتبلغ الخسارة السنوية 160 مليون دولار. وبعد مرور نحو ستة أشهر على الانتفاضة، انخفض حجم التجارة مع المناطق المحتلة بما قيمته 50 مليون دولار في الشهر، أي بنسبة 63%.(64)   ومنذ بدء الانتفاضة حتى شهر أيار/ مايو، هبطت القوة الشرائية لسكان الأراضي المحتلة 35%. وبموجب إحصاءات الإدارة المدنية في الضفة الغربية، فإن صادرات إسرائيل إلى المناطق المحتلة انخفضت بمبلغ 613 مليون دولار حتى شهر أيلول/سبتمبر 1988.(47)   وفي نهاية تلك السنة، أعلن ناطق باسم المكتب المركزي للإحصاء أن مبيعات السوق الإسرائيلية إلى الضفة الغربية وحدها انخفضت بمبلغ 300 مليون دولار، يشكل 1% من الناتج الصناعي.(48)  

4- خسائر إسرائيل من الضرائب

يصطدم تقدير خسائر الإيرادات الضريبية نتيجة الانتفاضة بصعوبة الحصول على معلومات دقيقة عن حجم الضرائب، المباشرة وغير المباشرة، التي فرضتها إسرائيل.

وبناء على المصادر الرسمية، مثل وزارة التخطيط الاقتصادي، فإنه حدث خلال الأشهر الأولى من الانتفاضة انخفاض في إجمالي المدخولات الضريبية يقدر بـ 100 مليون شيكل (نحو 50 مليون دولار).(49)   وتشير أرقام وزارة المال التي صدرت بتاريخ 2/3/1988، إلى أن جميع الضرائب سجلت انخفاضاً بنسبة 20%. وجاء، في بيان آخر صدر عن الوزارة بتاريخ 29/3/1988، أن ضريبة الدخل انخفضت 33% عما كانت عليه في الشهر ذاته من سنة 1987. وأشار البيان إلى أن ضريبة الدخل التي  تجبى في الضفة الغربية تبلغ سنوياً 30 مليون دولار.(50)

أما عضو الكنيست دادي تسوكر (راتس) فقد قدر حجم خسارة خزينة الدولة، بعد شهرين ونصف الشهر من الانتفاضة، بسبب توقف الإيرادات المجباة عن أجور عمل العمال العرب في إسرائيل، بـ 20 مليون شيكل (13,3 مليون دولار)، ومن الضرائب المباشرة الأخرى بـ 40 مليون شيكل (26,7 مليون دولار)، ومن ضريبة القيمة المضافة بـ 9 ملايين شيكل (6 ملايين وبلغ مجمل الخسارة، خلال الفترة المذكورة، نحو 53 مليون دولار.(51) 

وبحسب أحد التقديرات، فإن خسائر إسرائيل، نتيجة الامتناع من دفع الضرائب، بأشكالها كافة، بلغت 105 ملايين دولار خلال ثمانية أشهر، أي بمعدل نحو 13 مليون دولار شهرياً.(52) 

وبناء على التقديرات التي توصل عاطف علاونة إليها، فإن إيرادات إسرائيل من ضريبة الدخل في المناطق المحلتة بلغت نحو 83 مليون دولار سنة 1986. وبسبب تغيب نحو 30% من عمال المناطق الناتج المحلي، تكون الخسارة من ضريبة الدخل قد بلغت 27,9 مليون دولار. وبلغت خسارة إسرائيل من ضريبة القيمة المضافة، خلال الأشهر الأولى من الانتفاضة مقدار 76,5 مليون دولار، ومن الرسوم الجمركية 45,5 مليون دولار (على الواردات من دول العالم)، علاوة على 21 مليون دولار (على الواردات من الأردن). وبلغت الخسائر من انحسار حركة المرور على جسور نهر الأردن (رسوم التصاريح وغيرها) 25,2 مليون دولار.(53)

ويشير تقدير آخر للخسائر في الضرائب إلى مبلغ 250 مليون دولار خلال الخمسة عشر شهراً الأولى من الانتفاضة.(54) 

5 تكلفة قمع الانتفاضة

تشكل تكلفة قمع الانتفاضة من قبل الجيش الإسرائيلي جانباً مهماً من الأعباء التي تلقيها على الاقتصاد الإسرائيلي. ويبدو أن هذه الأعباء لا يستهان بها، مما جعل أحد كبار الضباط يطالب بتكليف لجنة تحقيق لتنظر في "الثمن الذي يدفعه الجيش الإسرائيلي بسبب الانتفاضة."(55)   كما أن وزير الدفاع وقيادة الجيش يزعمان أن الضائقة المالية الحالية والمبالغ التي وجهت إلى تمويل النشاط ضد الانتفاضة تؤثر في جميع مجالات عمل الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك تطور وشراء وسائل قتالية حديثة، وهذا قد يجعل الخروج من الانكماش الاقتصادي صعباً.(56)

منذ نشوب الانتفاضة ترتب على الجيش الإسرائيلي أعباء جديدة، والقيام بمهمات إضافية؛ علماً بأن بيئة إسرائيل الاستراتيجية، منذ اجتياح لبنان سنة 1982 حتى يوم نشوب الانتفاضة، لم تفرض عليها أية أعباء عسكرية جديدة، سوى تلك التي يفرضها الجيش الإسرائيلي على نفسه للمحافظة على مستوى جاهزيته. وعلى الرغم من أن الانتفاضة لا تكلف الجيش الإسرائيلي فقدان أسلحة متطورة وباهظة الثمن، كما كان يحدث في حروبه "الخاطفة" والقصيرة الأمد، فإن استمرار الانتفاضة زهاء عامين جعل تكلفة نشاطه في المناطق المحتلة عالية، ولا تقل تأثيراتها في الاقتصاد عن الحروب النظامية. وهذه التكلفة ناجمة، في الأساس، عن إقامة منشآت ومرافق دائمة لانتشار الجيش الإسرائيلي في المناطق المحتلة، وخطوط مواصلات وأعباء لوجستية أخرى، ناهيك باستهلاك كميات كبيرة من الذخيرة والرصاص المتنوع، المطاطي والبلاستيكي والحي، والغاز المسيل للدموع، والهراوات، وزيادة عدد الدوريات وساعات عملها، وتأمين الأمن لأكثر من 72 ألف مستوطن يهودي يعيشون في المناطق المحتلة. وهذا، علاوة على إنشاء معتقلات تتسع لعشرات الآلاف من المعتقلين العرب.

ولا تنحصر الأعباء في الجيش الإسرائيلي أيضاً خلال "20 شهراً من عمر الانتفاضة" إلى تحمل مهمات إضافية كثيرة تتعلق بالحماية والحؤول دون وقوع اعتداءات تنتقص من قدرة رجال الشرطة على القيام بالمهمات الكلاسية.(57)   وقد اضطر جهاز الشرطة خلال الأشهر الأولى من الانتفاضة إلى تجنيد 600 رجل إضافي، بلغت تكلفة تجنيدهم 11 مليون دولار.(58)   وبلغت نفقات وزارة الشرطة نحو 130 مليون دولار في خمسة أشهر.(59) 

إن قسماً آخر من التكاليف الأساسية التي يتطلبها قمع الانتفاضة، ناجم عن زيادة أيام خدمة الاحتياط من 44 يوماً في السنة إلى 60 يوماً. ويترتب على هذه الزيادة ضياع ساعات عمل وإنتاج. وتزداد هذه التكلفة كلما تواصلت الانتفاضة التي هي "ظاهرة ذات أيام مديدة، والجيش الإسرائيلي يضطر إلى توظيف عدد كبير من وحدات الاحتياط لمعالجتها."(60)   وبحسب تقديرات غربية، فإن التكاليف الإضافية الناجمة عن استدعاء الاحتياط بلغت، حتى مطلع تموز/ يوليو 1989، نحو 54 مليون دولار.(61)   وقد كشف عضو الكنيست يوسي ساريد أن الجيش الإسرائيلي أنفق على الانتفاضة خلال سنة 1988 نحو 3,5 ملايين يوم عمل.(62) 

وكشف ماتان فلنائي، رئيس شعبة الطاقة البشرية في الجيش سابقاً (وقائد المنطقة الجنوبية حالياً)، أن جنود الاحتياط سيستدعون خلال سنة العمل الحالية للجيش إلى الخدمة 44 يوماً والضباط 51 يوماً؛ "وهذا تقريباً عودة إلى عدد أيام الاحتياط التي كانت قائمة قبل بدء الانتفاضة في المناطق... كان من الواضح لنا أن 60 يوماً تشكل ضغطاً هائلاً.(63) 

وإذا ما تطرقنا إلى الإنفاق العسكري المباشر بالأرقام، نجد صعوبة في إيجاد تفاصيل دقيقة بسبب سرية هذه المعلومات. لكن نلاحظ أن الأرقام الإجمالية التي تصدر عن المصادر الإسرائيلية المختلفة تكون متناقضة أحياناً. فعلى سبيل المثال، أن مصادر الجيش قدرت الإنفاق على الانتفاضة بـ 216 مليون دولار خلال سنة 1988،(64)   في حين أن جاد يعقوبي قدر تكلفة التعبئة العسكرية وحدها لمواجهة الانتفاضة حتى شهر آذار/مارس 1988، بأنها وصلت إلى 400 مليون شيكل (نحو 200 مليون دولار) خلال خمسة أشهر فقط من بدء الانتفاضة.(65)  

غير أن مصادر السفارة الأميركية في تل أبيب قدرت النفقات المباشرة لوزارتي الدفاع والشرطة بـ 120 مليون دولار في الشهر، والنفقات غير المباشرة بـ 38 مليون دولار.(66)  أي ما مجموعه 158 مليون دولار في الشهر، حتى شهر آب/ أغسطس. وتكون المؤسسة العسكرية قد أنفقت، خلال عشرة أشهر من عمر الانتفاضة، مبلغ 1580 مليون دولار، وفي السنة كلها مبلغ 1896 مليون دولار.

ومما يدل على ازدياد الإنفاق على قمع الانتفاضة، المبالغ التي تطلبها المؤسسة العسكرية من وزارة المال لتغطية هذا الإنفاق. ففي مطلع السنة، أحيل على لجنة المال التابعة للكنيست ميزانية إضافية للحكومة بمبلغ 1,322 مليار شيكل، قيل إنه خُصص منها 100 مليون شيكل (50 مليون دولار تقريباً) لتغطية "نفقات الانتفاضة".(67)

وخلال أيار/مايو، أُبلغ شمعون بيرس وزير المال أن الجيش الإسرائيلي يطلب ميزانية إضافية بقيمة 450 مليون شيكل (نحو 225 مليون دولار).(68) 

وبعد مرور شهرين، أفادت الصحف الإسرائيلية بأن المؤسسة العسكرية طلبت ميزانية إضافية بقيمة 419 مليون شيكل كـ"تعويض من نفقات الانتفاضة".(69)   وأقرت الحكومة منح وزارة الدفاع مبلغ 200 مليون شيكل فقط، منه 50 مليون شيكل من ميزانية العام المقبل.(70)  

التكلفة الإجمالية للانتفاضة

 إن محاولة تقدير التكلفة الإجمالية للانتفاضة – حجم الخسارة الناجمة عن هذه التكلفة كما تنعكس تراجعاً في الناتج القومي الإجمالي*  - من جراء استمرارها، تصطدم ببعض الصعوبات والتعقيدات، وأهمها:

1- إن استمرارية الانتفاضة تجعل عوامل تقدير تكلفتها للاقتصاد الإسرائيلي غير مستقرة؛ إذ أن الخسارة تراكمية، ولها مضاعفات تنعكس مع الزمن على سائر القطاعات والنشاطات الاقتصادية، وحتى الاجتماعية. وكون الانتفاضة "الحدث الوحيد في دولة إسرائيل حالياً، وكل ما تبقى مشتقات منها"،(71)   فإنها تحدث خلالاً في سائر الأنظمة. كما أن لها متطلبات كثيرة كونها "حرباً في كل شيء، وهي حرب أسوأ وأصعب من جميع الحروب التي شاهدناها حتى الآن، لسببين على الأقل – كونها حرباً طويلة ومستمرة وهي تدور يومياً بالقرب من منازلنا. وهذه الحرب لن تنتهي من دون تغيير جذري في الوضع."(72) 

إن للضرر الذي تسببه الانتفاضة لمختلف القطاعات الاقتصادية طابعاً سرطانياً يبدأ بنهش قطاع واحد ليصيب القطاعات الأخرى. ولهذا، فإن تقدير هذا الضرر يبقى دائماً غير متكامل في نقطة زمنية معينة؛ فهو مثل كرة الثلج التي تزداد حجماً كلما استمرت في التدحرج. ففي تقدير جاد يعقوبي، وزير التخطيط الاقتصادي السابق (وزير المواصلات حالياً)، فإن "التكلفة بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني ناجمة عن الإنفاق الحكومي الإضافي في إطار ميزانيتها الخاصة بالدفاع والشرطة والاستخبارات (نحو 600 مليون شيكل هذه السنة). وهي تسبب انخفاضاً في الناتج بسبب زيادة الاحتياط وانحسار عدد العاملين من المناطق المحتلة في إسرائيل – وهذا يضر أساساً بالناتج الزراعي والبناء والصناعات الكثيفة العمل. وهي (التكلفة) ناجمة عن انخفاض حجم الصادرات إلى المناطق وما وراءها، وبالتالي فإنها تضر إلى حد معين بالصادرات إلى السوق الأوروبية المشتركة والولايات المتحدة، وهي تشمل أيضاً الانخفاض في السياحة."(73)

2- إن تقدير التكلفة الإجمالية للانتفاضة يبقى ناقصاً إذا لم نأخذ في الاعتبار الجهد الذي كانت إسرائيل ستخصصه – لولا الانتفاضة – لتطوير بناها التحتية، والأموال التي كانت ستنفقها على فروع إنتاجية ونشاطات علمية وخدمات اجتماعية، وربما استعدادات عسكرية... إلخ. فالضرر الذي تسببه الانتفاضة للاقتصاد الإسرائيلي لا يتوقف على القطاعات التي أصيبت مباشرة من جراء الانتفاضة، بل تتجاوزه إلى قطاعات أخرة ربما ليس لها علاقة مباشرة بالانتفاضة، لكن نموها وتطورها تعطلا بسبب الانتفاضة. وهذا الضرر أو التعطيل، طبعاً، غير قابل للقياس اقتصادياً وحسابياً. وهنا نعود إلى يعقوبي الذي جاهر، أكثر من غيره، بأضرار الانتفاضة للاقتصاد، فذكر في هذا السياق: "في البداية قلة فقط أدركت تأثير الانتفاضة، مثلاً، في الاقتصاد والمجتمع. والآن باتوا يدركون أن تكلفتها للاقتصاد الوطني – نحو 1,2 مليار شيكل (600 مليون دولار) في سنة 1988 – كانت فادحة؛ إذ أنها سحقت معظم النمو الذي كان متوقعاً. ولو أنها [الانتفاضة] لم تحدث لكان يمكن إنقاذ التعليم (ما قبل الجامعي) والتعليم العالي والصحة والاستيطان من ضائقاتها، من خلال نسبة تضخم منخفضة جداً ووتيرة زيادة أكثر اطراداً للصادرات."(74)  وعبّر المعلق يوفال إليتسور عن ذلك بالتساؤل: "هل يمكننا فعلاً أن نتوقع تطوراً اقتصادياً طبيعياً في دولة يضطر جيشها إلى أن يوقف من دون انقطاع انتفاضة مليون ونصف المليون نسمة لا يريدون هذه السلطة؟"(75)

3- في وضعية من الانكماش، كتلك التي يمر الاقتصاد الإسرائيلي بها حالياً من جراء الانتفاضة، يزداد عدم اليقين والقلق على المستقبل. وهذا بحد ذاته يؤثر في الاستثمارات، ويحدث خللاً وإرباكاً في قوى السوق. ففي حالة إسرائيل التي اعتاد الناس على حل مشكلاتهم الاقتصادية بواسطة مساعدات أميركية ضخمة مباشرة، أو تسهيلات أميركية أمام تسويق مبيعات الأسلحة في أماكن مختلفة من العالم، فإن الإرباك في التوقعات ينعكس ضرراً على قطاعات حيوية. ففي البداية، لم يشعر الناس في إسرائيل بأضرار الانتفاضة، ولم "يتغير مستوى المعيشة ولا مستوى التوقعات، حتى أن التأثير في ميزانية الدولة كان ضئيلاً. وفي حالات شبيهة في الماضي وقّعنا فواتير من دون أن ندفعها – ربما على أمل أن يتكفل ΄العم΄ في أميركا و/أو الجيل المقبل في إسرائيل تحمل هذا العبء أيضاً."(76)

لكن عندما تفاقم الكساد الاقتصادي أصبح هناك تغيير في مسلك الناس وتصرفاتهم. فقد جعلهم القلق يلجأون إلى بعض التقشف، وهذا بدوره يؤثر في الطلب والإنتاج... إلخ. وكلما ازداد مستوى عدم اليقين تأثر الاستثمار. وبالتالي الإنتاج. كما أن عدم اليقين هذا ناجم عن امتناع عدد كبير من عمال المناطق من الحضور إلى العمل (قبل فترة أغلقت سلطات الاحتلال قطاع غزة بضعة أيام). واستطراداً، فإن تقدير النتائج الاقتصادية للانتفاضة يصبح عملية صعبة. وبالتالي، فإن "التكلفة الاقتصادية للانتفاضة ليست تقديراً إجمالياً حسابياً، بل هي تغيير حاد في توقعات الجمهور من اقتصاد متنام، كما حدث سنة 1987، إلى اقتصاد غير مستقر يخاف من المستقبل وغير مستعد للمجازفة. ولذا، فإن العلاجات الماكرو – اقتصادية لا تساعد هذه المرة، وإنما هناك علاج واحد لا غير: مفاوضات سلمية."(77)

التكلفة بالأرقام "الرسمية"

درجت أوساط إسرائيلية على قياس التكلفة الإجمالية للانتفاضة بواسطة نسبة التراجع في الزيادة في الناتج القومي. فهذا تراجع من 5% في سنة 1987 إلى 1% في سنة 1988 (بعد مرور أكثر من عام على الانتفاضة)، بحسب عزرا هدار المسؤول عن الحسابات القومية في المكتب المركزي للإحصاء. لكنه لا يستبعد أيضاً تأثير إلغاء مشروع طائرة "لافي". إذ أشار إلى عدم حدوث أية زيادة في ناتج قطاع الأعمال. وبالنسبة إلى الفروع كان هناك انخفاض عام في فرع الصناعة بنسبة 3%، وفي فرع البناء بنسبة 3% أيضاً، وكان الانخفاض في الناتج الزراعي بنسبة 8%.(78)

ويقدر جاد يعقوبي أن الانتفاضة كلفت الاقتصاد الإسرائيلي في سنة 1988 نحو 1,2 مليار شيكل (600 مليون دولار). وقال إن "الانتفاضة امتصت نسبة النمو المقدرة للاقتصاد 2,3%... ودولة إسرائيل غير قادرة بالتالي على جذب استثمارات مالية وتطوير نظام اقتصادي دولي وحر ومفتوح."(79) 

وإذا استندنا إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المختلفة، فإن "الحد الأدنى" لتكلفة الانتفاضة للاقتصاد الإسرائيلي حتى النصف الأول من سنة 1988، هي كمال يلي (الأرقام بالمليون دولار أميركي): القطاع الصناعي 125؛ الزراعة 165؛ التشييد والبناء 300؛ السياحة 170؛ الضرائب 105؛ الجيش والشرطة 330؛ المقاطعة الأوروبية 22. أي أن المجموع هو 1217 مليون دولار، ويشكل 8,7% من الناتج المحلي الإجمالي.(80) 

وفي أواخر النصف الأول من سنة 1989 خرج شمعون بيرس، وزير المال، عن صمته فقال إن تكلفة الانتفاضة للاقتصاد تقدر حالياً بـ 5 ملايين شيكل يومياً (نحو 2’5 مليون دولار). وأشار إلى أن التكلفة السنوية تتراوح بين 1,5 مليار شيكل و2 مليار شيكل (750 مليون دولار – 1000 مليون دولار).(81)

أما رجل الأعمال الإسرائيلي والصناعي البارز، إيلي هوروفيتس، فقد نفى تقدير الخبير الاقتصادي يعقوب شاينين بأن "ثمن الجمود" هو ملياران من الدولارات، بل أن هذا المبلغ في تقدير هوروفيتس يتراوح بين 3 مليارات و 4 مليارات دولار.(82)

  إن استمرار مفاعيل الانتفاضة في الاقتصاد الإسرائيلي يزيد في مضاعفات تأثيرها الذي يتمثل  في الكساد والركود اللذين يشهدهما الاقتصاد الإسرائيلي الآن. وهذا الكساد العام (بطالة تزيد على 10%، وانحسار في النشاطات الاقتصادية، وتوقف في النمو، وانخفاض في قيمة العملة... إلخ) يجعل تكلفة الانتفاضة أضعاف تكلفتها سنة 1988. فعندما يتوقف اقتصاد أية دولة عن النمو، وعندما تتعطل أنظمة عديدة، تصبح التكلفة كبيرة جداً.

إن هذه الأرقام قد لا تعني الكثير بالنسبة إلى مجمل تأثير الانتفاضة في الاقتصاد خلال سنة 1989. مثلاً: لا يكفي أن يقال إن تكلفة الانتفاضة تصل إلى نسبة 2% من الناتج القومي الإجمالي، لأن هذه النسبة لا تصيب الفروع الاقتصادية المختلفة بالتساوي. بل هناك فروع ربما تفيد من هذا الوضع على حساب الفروع الأخرى، ولا سيما الفروع التي كانت تعاني من جراء المنافسة من جانب المناطق. وفي فروع أخرى يكون الضرر أكثر من 2%. وهذه مسألة تتعلق بالمعدل. إذ أن نسبة 2%، في المعدل، ربما لا تلحق أي ضرر بأحد الفروع، وتلحق ضرراً بنسبة 10% في الناتج القومي في فرع آخر. وهناك فروع لحقتها أضرار جسيمة، كالبناء والسياحة والنسيج.

فكيف انعكس كل ذلك على وضع الاقتصاد خلال سنة 1988، بعد مرور أكثر من عام على نشوب الانتفاضة.

 بوادر الانكماش الاقتصادي

انعكست الأضرار التي لحقت ببعض القطاعات الاقتصادية الآنفة الذكر على مجمل الأوضاع الاقتصادية في سنة 1988. وتميّزت التطورات الاقتصادية، خلال النصف الثاني من تلك السنة، ببروز بوادر كساد اقتصادي ليلقي بظله على مجمل تطورات سنة 1989.

ففي ندوة عقدها نخبة من أساتذة الاقتصاد،(83)   اتفق المشتركون فيها على أن سنة 1988 كانت سنة "سيئة" اقتصادياً، لأن "الجمود في النمو الاقتصادي في قطاع الأعمال والبطالة المتصاعدة شكلاً، في تلك السنة، السمتين الرئيسيتين للوضع الاقتصادي. وتوقف المشتركون في الندوة عند تأثير الانتفاضة في مجمل الوضع الاقتصادي سنة 1988. فأشاروا إلى الضرر الذي ألحقته الانتفاضة بالنشاط الاقتصادي، وما سببته من زيادة في الإنفاق الحكومي وازدياد في عجز الميزانية الحكومية. وتوقف المشتركون في الندوة عند آثار الانتفاضة في وضع الاقتصاد الإسرائيلي، فأشاروا إلى أنها ألحقت به ضرراً على ثلاثة صعد: الأول، انخفاض الصادرات بمبلغ 280 مليون دولار، شكل 3% من الناتج الصناعي؛ الثاني، إن الزيادة في عدد العاطلين عن العمل ناجمة عن الانخفاض في الطلب الذي تقلص بمقدار معين؛ الثالث، انخفاض ساعات العمل لعمال المناطق المحتلة بنسبة 25%.

اتسعت دائرة البطالة لتبلغ نسبة 6,4% بالتقدير السنوي. ووصل عدد العاطلين عن العمل، خلال النصف الثاني من سنة 1989، إلى نحو 108 آلاف رجل وامرأة. وبلغت نسبة البطالة 8,2% من مجمل طاقة العمل، أوائل سنة 1989. وقد تضاعفت نسبة البطالة بصورة خاصة في مدن الإعمار وفي جنوب البلد، قياساً بسنة 1987، بحسب ما جاء في الندوة.

أشرنا إلى أن تطور الوضع الاقتصادي خلال سنة 1988، ولا سيما خلال النصف الثاني منها، كان ينبىء بتأزم هذا الوضع خلال سنة 1989. والسمة الغالبة للوضع الاقتصادي خلال هذه السنة هي الانكماش، أو ما يسمى بالعبرية "الميتون" الذي يحمل ذكريات بغيضة تعود إلى الفترة السابقة لحرب 1967، والذي يثير القلق لدى الإسرائيليين الذين عايشوا تلك الأوضاع. غير أن هذا القلق لم يتجاوز "أوساطاً رفيعة المستوى في وزارة المال وفي الوزارات الاقتصادية التي أعربت عن قلقها إزاء ازدياد اتجاه الانكماش في الاقتصاد." وعلى حد قولها، "أُضيء نور أحمر في مكاتب متخذي القرارات الاقتصادية في إثر سلسلة من المعطيات غير المشجعة بصدد الارتفاع في العجز التجاري خلال الأشهر الأخيرة: جمود الصادرات، وازدياد البطالة وعدد الحاصلين على تأمينات بطالة، وانخفاض في مداخيل الدولة من الضرائب، وانخفاض في (مستوى) النشاط في المعامل في الفروع المختلفة."(84)   

وذهب أحدهم إلى وصف الجو العام بأنه "ذعر اقتصادي" وأن بيرس، وزير المال، "فوجىء" بهذا الوضع.(85)     ويعتبر عميرام سيفان، المدير العام لمصرف العمال، أن الانكماش الاقتصادي يتمثل، سنة 1989، في زيادة الناتج المحلي بنسبة 1,5% فقط، والناتج الصناعي بنسبة 1%، والاستهلاك الخاص بنسبة 2%.(86)    ويرى عضو الكنيست أبراهام شوحيط، رئيس لجنة المال التابعة للكنيست، أن "الاقتصاد يمر بميتون، وهناك بطالة واسعة، وهناك تباطؤ ذو دلالة في ازدياد الديون وانخفاض في الاستثمارات."(87)   غير أن عضو الكنيست دان تيخون (الليكود) يعتبر "الميتون" "أكثر صعوبة مما كان عليه سنة 1988؛ إذ أن الأزمة الاقتصادية تتفاقم بسبب الأزمة السياسية. والحكومة لا تقترح حلولاً للأزمة..."(88)   وتحدثن روث لوفنتال، رئيسة هيئة التخطيط، عن تراجع في الطلب الناجم عن تباطؤ في الأجور، مشيرة إلى "اتجاه زيادة في البطالة تثير القلق." ويتوقع الوزير  المسؤول عنها، يتسحاق موداعي، تضخماً خلال سنة 1989 بنسبة 30%. بينما يعتبر سلفه، جاد يعقوبي (وزير المواصلات)، أن الاقتصاد يمر اليوم بحالة "ميتون وبطالة" هي الأصعب منذ 1966 – 1967.(89)  

كيف يرى حازي غوتمان، رئيس شعبة الاقتصاد في اتحاد الصناعيين سمات الانكماش الاقتصادي؟

على حد تعبيره، فإنه في منتصف سنة 1987 "ظهرت بوادر الأزمة: الطلب المحلي تباطأ، والصادرات انخفضت، وناتج الأعمال توقف عن النمو، والناتج الصناعي انخفض، ونسبة المدخرات الخاصة توقفت عند مستوى منخفض جداً؛ الاستهلاك الخاص كبح؛ قدرة الصناعة على المنافسة وصلت إلى درك لم يسبق له مثيل... والصناعة تمر، إذاً، بأزمة عميقة وأكثر عمقاً من الأزمة التي يمر الاقتصاد كلها بها."(90)    ويجزم عاموس روفيتي، المستشار الاقتصادي لوزير المال، قائلاً: "سنضطر إلى العيش مع بطالة بحجوم لم تكن مألوفة في الماضي."(91)   

ومن أبرز سمات الانكماش الاقتصادي، سنة 1989، اتساع البطالة لتصل إلى نسبة 10% من مجموع اليد العالمة. وبلغت هذه النسبة في بعض الأماكن، ولا سيما في جنوب البلد، نسبة 20%. ناهيك بانخفاض الناتج الصناعي خلال الربع الأول من سنة 1989 بنسبة 3% قياساً بالفترة نفسها من السنة السابقة، وهناك 5194 شركة تجارية تواجه صعوبات. وسجل أيضاً انخفاض في مستوى المعيشة بنسبة 3% - 4% خلال الربع الأول من سنة 1989 قياساً بالفترة نفسها من السنة السابقة. ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 12%.(92)

دور الانتفاضة في حالة الانكماش سنة 1989

إن حالة الانكماش التي وصل الاقتصاد الإسرائيلي إليها خلال سنة 1989، إنما هي امتداد للحالة التي سادت سنة 1988. فقد أخذت الانتفاضة خلال الأشهر الأولى من تفجّرها، تؤثر في بعض القطاعات الاقتصادية كما أشرنا، مثل البناء والساحة والزراعة والخدمات، وبعض الفروع الصناعية مثل صناعة النسيج والمواد الغذائية. وقد تضررت هذه الفروع إلى حد كبير. وخلال النصف الثاني من سنة 1988، بدأت هذه الأضرار تترجم إلى انخفاض في الإنتاجين الصناعي والزراعي وفي الاستثمارات، وزيادة في البطالة.

ومع استمرار الانتفاضة وازدياد تكلفتها المباشرة (نفقات قمعها) واضطراب النظام الاقتصادي، كان لا بد من أن تتفاقم حالة الكساد خلال سنة 1989 لتتحول إلى حالة من الانكماش واتساع في البطالة بوتيرة متسارعة.

وعلى الرغم من أن المصادر الرسمية والمسؤولين الإسرائيليين يتجنبون أن يعزوا السبب الرئيسي إلى الانتفاضة، فإن بعضهم – مثل قادة حزب العمل – لا يستطيع تجاهلها على الإطلاق كما يفعل الليكود. مثلاً: أريئيل شارون، بوصفه وزيراً للصناعة والتجارة، مستعد لأن يعيد أسباب التراجع في الإنتاج الصناعي إلى كل شيء ما عدا الانتفاضة؛ وكذلك يتسحاق شمير، رئيس الحكومة؛ لكن موشيه نسيم، من الليكود ووزير المال السابق، ينفي أن يكون "التباطؤ الاقتصادي" ناجماً عن خفض قيمة العملة بل "الانتفاضة" بالدرجة الأولى، ثم عن "رياح الخماسين" (الجفاف) و "ضربات الطبيعة".(93)  

أما شمعون بيرس، وزير المال وزعيم حزب العمل، فيتحدث عن تأثير الانتفاضة بتواضع ويشير إلى أن تكلفتها اليومية هي 5 ملايين شيكل (2,5 مليون دولار).(94)   

ويقول وزير المواصلات (ووزير التخطيط الاقتصادي سابقاً)، جاد يعقوبي: "أنا قلق جداً إزاء التكلفة الهائلة للانتفاضة. فإذا استمرت كل السنة فإنها ستلتهم كل النمو المخطط للاقتصاد الوطني، نحو 3% - 4%. وستصل التكلفة المتوقعة للانتفاضة هذه السنة إلى مليار ونصف المليار شيكل (750 مليون دولار تقريباً)، منها نصف مليار شيكل عبء مباشر على ميزانية الدول."(95)  

أما حازي غوتمان، رئيس شعبة الاقتصاد في اتحاد الصناعيين، فيحذر من "التباطؤ في النشاط المحلي... إذ وصلت قدرة الصناعة على المنافسة إلى درك لم يسبق له مثيل. وهذان الأمران معاً، إلى جانب تأثرات  الانتفاضة وإلغاء مشروع طائرة لافي، أدت كلها إلى تباطؤ وحتى إلى انخفاض النشاط في الاقتصاد عامة والصناعة خاصة... لقد خسرنا ملياراً من الدولارات من مداخيل الصادرات."(96) 

ثم يأتي دور المحللين والخبراء الاقتصاديين بمختلف انتماءاتهم السياسية، فهؤلاء لا يجدون مفراً من إبراز تأثيرات الانتفاضة في الوضع الحالي. تقول إحدى الافتتاحيات، مثلاً، إن "بيرس لا يستطيع إلغاء أضرار الانتفاضة التي تصل تكلفتها المباشرة وغير المباشرة إلى مليار دولار..."(97)    وتقول افتتاحية أخرى: "وهناك الانتفاضة التي أغلقت السوق العربية أمام شركات مختلفة."(98)   

ويعتبر أحدهم أن "أحد أسباب الكساد في الاقتصاد – ولم يعد هناك خلاف في شأن ذلك – هو الانتفاضة في المناطق التي تلتهم أضرارها ثلثي النمو السنوي... إن وزن الانتفاضة في الكساد الاقتصادي أكبر مما هو في الأماكن التي أشغلتها سوق العمل الإسرائيلية."(99) 

ويعزو المحلل الاقتصادي، بلوتسكر، أسباب التأزم الاقتصادي إلى "السياسة؛ والسياسة معناها استمرار الانتفاضة التي تضر بالإنتاج والصادرات والمناخ الاقتصادي العام. والسياسة معناها سياسة تباطؤ في النشاط الاقتصادي الموجه إلى التضخم، ومعناها قرارات حكومية متناقضة... والسياسة معناها أيضاً الخوف من مكانة ونفوذ جماعات الضغط وأصحاب المصالح."(100)  

وفي رأي آخر: الحقيقة أن ما يجب عمله بالدرجة الأولى هو عقد سلام مع الفلسطينيين ومع الدول العربية الأخرى؛ والسلام هو السياسة الاقتصادية الحكيمة."(101) 

استنتاجات

إن الآثار التي تحدثها الانتفاضة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي إنما هي ذات نتائج بعيدة المدى، على الرغم من أن الدوائر الرسمية تحاول التقليل من شأنها. ولا شك في أن الانتفاضة، بفاعليتها واستمراريتها، تترك بصماتها المباشرة وغير المباشرة على مختلف نواحي المجتمع الإسرائيلي.

إن التأثير الأهم الذي تحدثه الانتفاضة، على هذا الصعيد، يتمثل في قدرتها على خلخلة نظام كامل أقامته إسرائيل على امتداد 20 عاماً من التخطيط وتغيير الكثير من البنى الاقتصادية وتطويعها لتتلاءم مع نظرية استغلال موارد المناطق المحتلة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستتمكن إسرائيل من ترميم هذا النظام والعودة إلى العلاقة السابقة؟ ولعل هذا السؤال يتعلق بسؤال يفرض نفسه هو أيضاً: إلى أي مدى  تؤثر النتائج الاقتصادية للانتفاضة في عملية صنع القرار السياسي المتعلق بمستقبل المناطق المحتلة؟ أو هل بلغ وضع الاقتصاد الإسرائيلي ذلك الحد من التردي الذي يرغم الحكومة الإسرائيلية على التراجع عن مواقفها السياسية إزاء المناطق المحتلة؟

وفي ضوء المعطيات الجغرافية – السياسية المتعلقة بقضية المناطق المحتلة وتعقيداتها، ليس من السهل الرهان على النتائج الاقتصادية في إحداث تغير في سياسة الحكومة تجاه المناطق المحتلة. لكن متى أصبحت هذه النتائج تشكل عاملاً ضاغطاً على صانعي القرار في إسرائيل، ولا سيما متى وصلت الآثار التي تحدثها الانتفاضة إلى درجة تجعل من الاستمرار في الاحتلال عملية مكلفة للاقتصاد الإسرائيلي، فإن النتائج الاقتصادية للانتفاضة قد تحتل مكاناً مؤثراً في عملية صنع القرار. غير أن النتائج الاقتصادية وحدها غير كافية لتغيير قرار إسرائيل، لكن آثارها تصبح أكثر فعالية لجهة عدم قدرة إسرائيل على إعادة ترميم النظام العام الذي أقامته على جانبي الخط الفاصل بينها وبين المناطق المحتلة. كما أن هذه الآثار حطمت بعض المفاهيم التي أرست إسرائيل عليها علائقها بالمناطق المحتلة.

إن أحد أبعاد الانتفاضة ونتائجها المهمة يتعلق بوجوه تشغيل أكثر من 110 آلاف عامل من المناطق المحتلة، وما تركه ذلك من آثار في الاقتصاد الإسرائيلي لم يكن كله إيجابياً، بل كان جزء منه سلبياً جداً في مفهوم المشروع الصهيوني. لذلك جاءت الانتفاضة لتكشف هذه السلبيات، وتضغط في اتجاه المطالبة بالتخلص من الاعتماد على العمل العربي.

إن لإضراب العمال العرب وتغيبهم عن أماكن عملهم في إسرائيل، إذاً، تأثيرات غير محصورة في الصعيدين المالي والإنتاجي فحسب، بل أيضاً في الصعيد القيمي: إخفاق المفهوم الذي حاولت إسرائيل ترسيخه باستخدام العمال العرب. واتضح أن هذا المفهوم ونظرية العمل الرخيص، اللذين اعتمدتهما سياسة الاحتلال لجني الربح السهل، قد أخفقا بعد نشوب الانتفاضة. فهؤلاء العمال أصبحوا يشكلون سلاحاً اقتصادياً، وهم رواد في مقاومة الاحتلال. وبحسب عضو الكنيست دافيد تسوكر، فإن "الغياب الطوعي العمل هو جزء من العصيان المدني، وجزء من عدم رضوخ سكان المناطق... واتضح أن هؤلاء العمال قادرون على التغيب عن العمل أكثر مما اعتقدنا." وهكذا تحولت المسألة من "مسألة سياسية إلى مسألة اقتصادية."(102)   وقد تساءل البعض عن "كيف يمكن أن نصدق أن توفير العمل سينسي الدوافع الوطنية لشعب...؟ أو أن توفير العمل خلق التقسيم إلى شعب من الأسياد وشعب من العمال السود."(103)  

وثمة وجه آخر لإضراب العمال يتعلق بما كانت تشيعه السلطات الإسرائيلية لإضفاء طابع إيجابي على الاحتلال، وهو إمكان التعايش بين العرب السكان الأصليين في المناطق المحتلة وبين المستوطنين اليهود الذين جاؤوا مغتصبين للأرض والمياه ومشيعين الاستفزاز والتعالي. ومن هنا، يرى كسليف أن "الانتفاضة حطمت وهمين لدى الإسرائيلي العادي": الأول بشأن "حسن الجوار القائم بين المستوطنين والشعب المحلي"... والثاني، بشأن "نسيج التطبيع في العلائق بين الشعبين، بفضل العمل العربي في الاقتصاد الإسرائيلي."(104)   وهناك جانب "أمني" لانقطاع العمال العرب عن العمل في إسرائيل، يتعلق بالدور النضالي الذي يقوم هؤلاء به للمحافظة على دوران دولاب الانتفاضة وتوسعها، وبالتالي زيادة الضغوط على الآلة العسكرية الإسرائيلية. فليس "الصناعي والزراعي والمقاول" هم وحدهم المتضررون من ذلك، بل "المتضررون هم أيضاً العناصر الأمنية" لأن "ساكن المناطق الذي فقد مصدر عيشه في إسرائيل يدفع إلى وضع من اليأس العربي لن يسهل التصدي للانتفاضة."(105)    وعندما لجأت سلطات الاحتلال إلى فرض حظر التجول وإغلاق المناطق المحتلة لفترات طويلة، الأمر الذي أدى إلى انقطاع كامل للعمال العرب عن الذهاب إلى أماكن عملهم، كان هناك من رأى أن "إبعاد مئات الآلاف من العمال العرب وحرمانهم من كل عمل، لا يعرقلان كثيراً أداء الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل يوسعان أيضاً معسكر المشتركين في الانتفاضة، ويزيدان في احتقان الضائقة التي تغذيها، وبالتالي في عدد القوات اللازمة للتصدي لها."(106) 

لقد كشف انقطاع العمل العرب عن العمل في إسرائيل عن تراجع في قيمة العمل "الريادي" الذي برز في بداية المشروع الصهيوني. فعندما توفرت اليد العاملة العربية لجأ العمال اليهود إلى السعي وراء الربح السهل، والتخلي عن مبدأ تقدير العمل في الأرض.  و"في حين كان العمال العرب يجمعون المحاصيل في الحقول، انقض المزارعون اليهود على البورصة التي انهارت في النهاية."(107)   ووصل امتناع العمال اليهود من مزاولة الأعمال التي كان يزاولها العرب، إلى درجة أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية استعانت بالعمال العرب لبناء مرافق لها طابع عسكري ومن المفروض ألا يعلم العرب بها، وذلك لأن الجنود المسرحين امتنعوا من العمل فيها. وهذا ما دفع المعلق العسكري، زئيف شيف، إلى دق ناقوس التحذير بقوله: "إذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال فلن يكون ذلك اليوم بعيداً الذي سنطلب فيه من الشبان الفلسطينيين أن يحلوا مكان الجنود." ويقول شيف إنه ولّى ذلك الزمن الذي كان فيه رجال الناحل يعتبرون شق طريق "عملية طلائعية" وليس "عملاً شاقاً".(108)   

وتبقى النتيجة الأهم لتفجير قضية العمال العرب وما سببته من أضرار للاقتصاد الإسرائيلي، أنها طرحت للنقاش العام مسألة انفصال إسرائيل عن المناطق المحتلة. فبعد 21 عاماً من الاحتلال، اكتشفت السلطات الإسرائيلية مدة خطورة الاعتماد على العمل العربي الرخيص، إذ أن الانتفاضة، وسياسة منع التجول التي جاءت في أعقابها، تهددان التوازن الحساس الذي تم التوصل إليه في مجال تشغيل العمال من المناطق.(109) 

ومن خلال وعي النتائج المدمرة على الاقتصاد الإسرائيلي بأن "ما كان بمثابة مصلحة متبادلة تحول إلى مصدر للأضرار الاقتصادية"،(110)   أخذت تعلو أصوات تطالب بالعودة إلى "إعادة تنظيم الاقتصاد اليهودي على أساس العمل العبري."(111)   و"يدور الآن جدل متجدد في شأن مشكلة العمل العربي في إسرائيل، ويُسمع المزيد من الأصوات في مصلحة الانفصال. وهذه المرة ليست من جانب اليسار وحده. وهناك شك فيما إذا كان هذا الانفصال ممكناً ما دام الاحتلال مستمراً. لكن الحقيقة أن الخط الأخضر يعود إلى الوعي الإسرائيلي وهذا أيضاً ذو شأن."(112)  

 

المصادر:

(1) Meron Benvenisti and Shlomo Khayat WBDP, The West Bank and Gaza Atlas (Jerusalem: The Jerusalem Post, 1988), pp. 60-62.

(2) Ibid., p. 122.

(3) Ibid.

(4) يوناتان شيرمن، "هآرتس"، 22/1/1988.

(5) وردت هذه المعلومات في التقرير السنوي لـ"مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية"، "الأونكتاد"، حول التطورات الاقتصادية في المناطق الفلسطينية المحتلة، "فلسطين الثورة" (نيقوسيا)، (734)، 29/1/1989، ص 36.

(6) "نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، العدد (1)، كانون الثاني (يناير) 1988، ص 6.

(7) حاييم بركائي، "عشرون عاماً: الاقتصاد الإسرائيلي منذ حرب الأيام الستة"، "رفاعون لكلكلاه" (138)، تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، ص 269.

(8) عباس لطفي، "آثار الانتفاضة على الاقتصاد الإسرائيلي"، "الحرية" (دمشق)، (296)، 4 شباط (فبراير) 1989، ص 42.

(9) بركائي، مصدر سبق ذكره.

(10) بحسب الأرقام المأخوذة من دراسة أعدها مجلس الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، "صامد الاقتصادي" (73)، تموز (يوليو) – أيلول (سبتمبر) 1988، ص 28.

(11) أنظر: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، العدد (6)، حزيران (يونيو) 1988، ص 459 – نقلاً عن: دان سغير، "المناطق عبء أم رصيد؟"، "هآرتس"، 28/4/1989.

(12) المصدر نفسه.

(13) "عال همشمار"، 26/6/1989.

(14) المصدر نفسه.

(15) المصدر نفسه.

(16) "يديعوت أحرونوت"، 13/7/1988.

(17) للمزيد من التفاصيل أنظر: عبد العزيز الأعرج، "الانتفاضة تعمق أزمة الاقتصاد الإسرائيلي"، "شؤون فلسطينية" (195)، حزيران (يونيو) 1989، ص 41.

(18) زهير صباغ، "الانتفاضة الفلسطينية والاقتصاد الإسرائيلي"، "شؤون أكاديمية" (القدس)، (5)، صيف 1989، ص 109.

(19) وردت هذه التقديرات في: مهند عبد الحميد، "عمال فلسطين: دور ريادي في الانتفاضة الباسلة"، "الحرية" (دمشق)، 30/4/1989، ص 15 – نقلاً عن دراسة غير منشورة لتيسير خالد.

(20) عاطف كمال علاونة، "آثار الانتفاضة على الاقتصاد الفلسطيني والاقتصاد الإسرائيلي"، "الاستقلال" (نيقوسيا)، (العدد الأصفر)، 11 (مايو) 1989.

(21) وردت هذه التفاصيل على لسان يوسي أربيل، المدير العام للمؤسسة الموحدة للبناء"، "عال همشمار"، 26/5/1989.

(22) "يديعوت أحرونوت"، 23/8/1989. ولمزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع، أنظر: "هآرتس"، 23/8/1989.

(23) "يديعوت أحرونوت"، 13/8/1989.

(24) مهند عبد الحميد، مصدر سبق ذكره.

(25) تيسير خالد، مصدر سبق ذكره. وورد التقدير الإسرائيلي في: "هآرتس"، 6/6/1989.

(26) "دافار"، 26/6/1989.

(27) "عال همشمار"، 30/6/1989.

(28) أورد هذه التعليمات أفرايم أحيرام، الباحث في معهد ديفيز في الجامعة العبرية، "هآرتس"، 20/6/1989.

(29) "يديعوت أحرونوت"، 5/5/1988.

(30) صباغ، مصدر سبق ذكره، ص 103.

(31)  أنظر: Pamela Ann Smith, “The Continuing Intifada, The West Bank and Gaza: The Economic War,” Arab Affairs (Summer-Autumn 1988), p. 15.

(32) "يديعوت أحرونوت"، 3/8/1989.

(33) علاونة، مصدر سبق ذكره.

(34) نقل كلامه زوهر بلومنكرتس، "هآرتس"، 5/2/1989.

(35) المصدر نفسه.

(36) "هآرتس"، 9/3/1989.

(37) المصدر نفسه، 30/6/1989.

(38) بولمنكرتس، مصدر سبق ذكره.

(39) "الاتحاد" (حيفا)، 8/12/1988.

(40) صباغ، مصدر سبق ذكره، ص 111.

(41) أنظر:

Judith Gabriel, “The Economic Side of the Intifada,” Journal of Palestine Studies, Vol. XVIII, No. 1 (Autumn 1988), p. 210.

(42) بلومنكرتس، مصدر سبق ذكره.

(43) "عال همشمار"، 24/5/1989.

(44) "يديعوت أحرونوت"، 21/7/1989.

(45) علاونة، "الاستقلال"، 14/6/1989.

(64) Gabriel, op.cit., p. 200.

(47) صباغ، مصدر سبق ذكره،ص 105 – نقلاً عن "يديعوت أحرونوت"، 7/9/1989.

(48) "دافار"، 30/12/1988.

(49) "عال همشمار"، 30/12/1988.

(50)   أنظر:

Jerusalem Post International Edition, April 23, 1989.

(51) "هآرتس"، 25/2/1988.

(52) الأعرج، مصدر سبق ذكره، ص 43.

(53) علاونة، مصدر سبق ذكره.

(54) صباغ، مصدر سبق ذكره، ص 113.

(55) "عال همشمار"، 9/7/1989.

(56) رؤوفين فدهتسور، "هآرتس"، 3/7/1989.

(57) زهافا موزس، "عال همشمار"، 10/7/1989.

(58) عمر سعادة، "أثر الانتفاضة على الاقتصاد الإسرائيلي"، "صامد الاقتصادي" (74)، تشرين الأول (أكتوبر) – تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، ص 47.

(59) صباغ، مصدر سبق ذكره.

(60) رون بن يشاي، "يديعوت أحرونوت"، 3/2/1989.

(61) سعادة، مصدر سبق ذكره.

(62) "هآرتس"، 15/12/1988.

(63) "يديعوت أحرونوت"ن 29/6/1989.

(64) رؤوفين فدهتسور، "هآرتس"، 30/4/1989.

(65) الأعرج، مصدر سبق ذكره، ص 44 -  نقلاً عن: "القبس" (الكويت)، 27/4/1989.

(66) أنظر:

Middle East Report, Sept-Oct. 1988, p. 15.

(67) "هآرتس"، 23/3/1989.

(68) المصدر نفسه، 25/2/1989.

(69) المصدر نفسه، 23/7/1989.

(70) "يديعوت أحرونوت"، 24/7/1989.

* ربما تم قياس هذه التكلفة بنسبة التراجع في الناتج القومي، بعد حسم التأثيرات الأخرى. وذلك لأن تأثيرات الانتفاضة تطاول معظم الفروع الاقتصادية تقريباً، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. والناتج القومي يعكس ذلك لأنه يمثل القيمة الصافية لمجموع السع المنتجة والخدمات.

(71) غابي بشاي، "عال همشمار"، 7/6/1989.

(72) المصدر نفسه.

(73) من حديث أجرته معه أورا زرنيتسكي، "دافار"، 7/6/1989.

(74) من مقال نشر في "عال همشمار"، 24/3/1989.

(75) "معاريف"، 3/1/1989.

(76) المصدر نفسه.

(77)   نحاميا شطرسلر، "هذه المرة الانكماش سياسي"، "هآرتس"، 16/6/1989.

(78) "دافار"، 30/12/1989.

(79) صرح بذلك في النادي الاقتصادي في حيفا، "هآرتس"، 12/3/1989.

(80) نافذ عليان، "تأثير الانتفاضة في الاقتصاد الإسرائيلي"، "شؤون فلسطينية" (183)، حزيران (يونيو) 1988، ص 23 – 24.

(81) "هآرتس"، 2/6/1989.

(82) ندوة "اقتصاديات إسرائيل والمناطق المحتفظ بها: الحرب والسلام" (المشتركون في الندوة توما وآخرون)، "رفاعون لكلكلاه" (139)، كانون الثاني (يناير) 1989، ص 8.

(83) المصدر نفسه.

(84) تسفي زرحيا، المراسل الاقتصادي لصحيفة "هآرتس"، 13/6/1989.

(85) جدعون عيست، المراسل الاقتصادي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، 16/6/1989.

(86) "يديعوت أحرونوت"، 9/7/1989.

(87) "هآرتس"، 8/6/1989.

(88) المصدر نفسه.

(89) المصدر نفسه، 14/6/1989.

(90) من مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، 20/6/1989.

(91) صرح بهذا الكلام في حديث أجراه معه سيفر بلوتسر، "يديعوت أحرونوت"، 16/6/1989.

(92) جميع المعطيات المتعلقة بالعوامل الاقتصادي للانكماش والجمود مأخوذة من الصحف العبرية الصادرة خلال سنة 1989.

(93) "هآرتس"، 13/6/1989.

(94) المصدر نفسه، 12/7/1989.

(95) "يديعوت أحرونوت"، 6/4/1989.

(96) "عال همشمار"، 20/6/1989.

(97) المصدر نفسه، 14/6/1989.

(98) "هآرتس"، 20/7/1989.

(99) درور شربيط، "دافار"، 8/6/1989.

(100) سيفر بلوتسكر، "يديعوت أحرونوت"، 7/7/1989.

(101) "عال همشمار"، 19/6/1989.

(102) "نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، العدد (4)، نيسان (أبريل) 1988، ص 267 – 268.

(103) ران كسليف، "جاحدون كهؤلاء"، "هآرتس"، 18/7/1989.

(104) المصدر نفسه.

(105) "هآرتس" (افتتاحية)، 22/5/1989.

(106) أهرون أمير، "يديعوت أحرونوت"، 23/5/1989.

(107) راؤول تاتلباوم، "إسرائيل في شرك المناطق المحتلة"، ورد هذا المقال في: عماليا رؤوفين (تحرير)، "ستة أيام وعشرون سنة" (تل أبيب: مركز السلام اليهودي العربي للتثقيف بالسلام، 1988)، ص 45.

(108) زئيف شيف، "الجيش الإسرائيلي بحاجة هو أيضاً إلى عمال عرب"، "هآرتس"، 27/6/1989.

(109) "عال همشمار" (افتتاحية)، 19/5/1989.

(110) شموئيل شنيتسر، "معاريف"، 19/5/1989.

(111) المصدر نفسه.

(112) كسليف، مصدر سبق ذكره.