النقل المبكر للصلاحيات في الضفة الغربية: العبء، لا المسؤولية
كلمات مفتاحية: 
اتفاق غزة - أريحا 1994
منظمة التحرير الفلسطينية
السلطة الوطنية الفلسطينية
الضفة الغربية
التنمية الاقتصادية
قطاع غزة
إسرائيل
نبذة مختصرة: 

يعالج المقال الصلاحيات المنقولة إلى السلطة الفلسطينية بموجب الاتفاق بشأن النقل التمهيدي للصلاحيات والمسؤوليات (اتفاق 29 آب/ أغسطس 1994)، وذلك بهدف تقويم تأثيرها في الحكم في الضفة الغربية وفي ممارسة السيطرة على التطور الاقتصادي. ويناقش المقال مدى الصحلاحيات التي نقلت إلى السلطة، وتعزيز الفصل بين الضفة وقطاع غزة.

النص الكامل: 

تقديم

وفر اتفاق "إعلان المبادئ" الموقَّع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في أيلول/سبتمبر 1993 "الإطار المتفق عليه للمرحلة الانتقالية."(1) وكان من المفروض أن يرتكز هذا الإطار إلى إنشاء سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية (المجلس) من خلال انتخابات، لفترة موقتة لا تتجاوز خمسة أعوام. وكان مفروضاً أن تشمل صلاحية المجلس الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء المستوطنات الإسرائيلية. وقد تم منذ توقيع "إعلان المبادئ" الاتفاق على وثيقتين أُخريين رئيسيتين: الاتفاق بشأن منطقة غزة وأريحا (اتفاق 4 أيار/مايو)،(2) والاتفاق بشأن النقل التمهيدي للصلاحيات والمسؤوليات (اتفاق 29 آب/أغسطس). وسيعالج هذا المقال الصلاحيات المنقولة إلى السلطة الفلسطينية بموجب الاتفاق الثاني بهدف تقويم تأثيرها في الحكم في الضفة الغربية وفي ممارسة السيطرة على التطور الاقتصادي. وكما سيتضح، فإن هذه ستستمر في يد إسرائيل. وسيوضح هذا المقال أيضاً أن إسرائيل، خلافاً لما التزمته بموجب "إعلان المبادئ"، تبدو قانعة بما تم الاتفاق عليه مع الفلسطينيين حتى الآن، ولن تحاول أن تُتبعه بأي اتفاقات رئيسية أُخرى؛ إذ إن تصور إسرائيل لمنطقتين: غزة كمقر لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية والضفة الغربية كمنطقة تحت السيطرة الفعالة لإسرائيل، قد جرى تحقيقه بالاتفاقات التي أُنجز التفاوض بشأنها. ولن تسعى إسرائيل لإحداث أي تغييرات رئيسية جديدة.

أولاً: مدى الصلاحيات التي نقلت إلى السلطة الفلسطينية

بموجب اتفاق 29 آب/أغسطس وافقت إسرائيل على نقل "صلاحيات ومسؤوليات من الحكم العسكري الإسرائيلي وإدارته المدنية في الضفة الغربية في المجالات التالية: التعليم والثقافة، الصحة، الرخاء الاجتماعي، السياحة، الضرائب المباشرة وضريبة القيمة المضافة على الإنتاج المحلي..." [المادة 2(1)].(3) ولا يزال الحكم العسكري الإسرائيلي وإدارته المدنية في الضفة الغربية مستمريَن في الوجود مع قيام السلطة الفلسطينية بممارسة بعض صلاحياتهما ومسؤولياتهما. ويتحدد مدى الصلاحيات المنقولة في لائحة القوانين الأردنية والأوامر العسكرية الواردة في ملاحق الاتفاق. وهكذا، فإن السلطة الفلسطينية لن ترث القوانين التي كانت سارية المفعول في المنطقة عندما بدأ الاحتلال فحسب، بل سترث أيضاً الأوامر العسكرية التي صدرت عن الإسرائيليين خلال فترة الاحتلال، والتي يتعدى بعضها صلاحية أي سلطة محتلة، وبالتالي فإنها غير شرعية في نظر القانون الدولي.(4)

إن صلاحية وضع الميزانيات لهذه المجالات لم يجر نقلها إلى السلطة الفلسطينية. ومع أن في المادة 11 (8) إشارة إلى "ميزانية متفق عليها كملحق رقم 1"، فإن هذه الميزانية تغطي فترة ستة شهور فقط. وستبرر إسرائيل احتفاظها بصلاحية وضع الميزانية بالإشارة إلى حقيقة أن المسؤولية عن مجالات أُخرى من الحياة المدنية للفلسطينيين لم تُنقل بموجب اتفاق 29 آب/أغسطس، وستبقى خاضعة لمسؤولية الإدارة الإسرائيلية. وليس هناك أي مادة تشير إلى أن السلطة الإسرائيلية ستتشاور مع السلطة الفلسطينية في إعداد الميزانية للإدارة المدنية في الضفة الغربية. ومع ذلك، يُتوقع من السلطة الفلسطينية أن "توظف في الحال موظفين يبدأون فوراً عملية التعرف إلى قضايا الميزانية الحالية" [المادة 11 (2)]. والموظفون المستخدمون من السلطة الفلسطينية "سيتولون المسؤولية عن جميع الحسابات، والأصول، والسجلات بالنيابة عن السلطة الفلسطينية" [المادة 11 (2)]. ومدى التنازل الإسرائيلي فيما يتعلق بالميزانية هو التعهد "بتزويد السلطة الفلسطينية بمعلومات كاملة بشأن ميزانية كل مجال"(5) [المادة 11 (1)]. وبالنسبة إلى أي نفقات إضافية تتعدى ميزانية الشهور الستة المتفق عليها، فقد تم الاتفاق على أن السلطة الفلسطينية سـ "تتولى المسؤولية كاملة" عنها "وعن أي نقص في جمع الضرائب لا تغطيه الدول المانحة" [المادة 11 (8)]. و"تنقل إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية أيضاً جميع الحقوق والمسؤوليات القانونية والالتزامات المتصلة [بالمجالات المنقولة] التي قد تنشأ بشأن أية أفعال أو أمور مغفلة حدثت قبل النقل. وستتوقف إسرائيل والإدارة المدنية عن تحمل أية مسؤولية مالية بشأن مثل هذه الأفعال أو الأمور المغفلة، وستتحمل السلطة الفلسطينية كامل المسؤولية المالية عن ذلك وعن أدائها لوظائفها" [المادة 9، 1، أ]. ويشمل ذلك المطالبات المقدمة في إسرائيل. وينبغي للسلطة الفلسطينية أن تدفع بالكامل لإسرائيل أي مبالغ تُدفع من جانبها بموجب أحكام صادرة عن المحاكم الإسرائيلية بشأن مثل هذه المطالبات. إن مثل هذه الاشتراطات هو الذي يرغمنا على الاستنتاج أن موقف إسرائيل في هذه المفاوضات تجاه السلطة الفلسطينية يتسم، إذا استخدمنا لفظة مخففة، بالازدراء.

إن ممارسة السلطة الفلسطينية للصلاحيات في كل مجال من المجالات التي نقلت إليها مقيدة بالتزام الطرف الفلسطيني "التنسيق مع الحكم العسكري الإسرائيلي وإدارته المدنية بشأن التخطيط لأية مناسبات عامة واسعة النطاق أو تجمعات جماهيرية داخل المجالات" [المادة 6، 4]. واتُفق أيضاً على أنه "لا شيء في هذا الاتفاق سيؤثر في استمرار سلطة الحكم العسكري وإدارته المدنية في ممارسة صلاحياتهما ومسؤولياتهما بشأن الأمن والنظام العام، وأيضاً بشأن المجالات الأُخرى التي لم تُنقل" [المادة 6،5]. وقد استخدمت السلطات الإسرائيلية صلاحياتها هذه لإصدار أوامر بإغلاق عدة مدارس بعد نقل المسؤولية عن هذه المدارس إلى السلطة الفلسطينية.(6)

ولا يبدو من الاتفاق أن إسرائيل أجرت الحسابات الملائمة ونقلت تعويضات الموظفين والصناديق الأُخرى إلى السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، خُولت السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن إدارة شؤون الموظفين في المجالات المنقولة، "بما في ذلك توظيف واستبدال الموظفين، ودفع رواتبهم وتعويضاتهم، وضمان حقوق الموظفين الأُخرى" [المادة 5، 1]. وتعهدت الإدارة الفلسطينية أيضاً "الاستمرار في استخدام موظفي الإدارة المدنية الفلسطينية المستخدمين حالياً في الدوائر في كل مجال من المجالات، والمحافظة على حقوقهم" [المادة 5، 2].

وخولت السلطة الفلسطينية "إصدار تشريعات فرعية بشأن الصلاحيات والمسؤوليات المنقولة إليها" [المادة 7، 1]. لكن هذه التشريعات خاضعة للموافقة الإسرائيلية. وحددت المادة (5) عملية النظر في ذلك، وأوضحت أن القرار النهائي بشأن أي تغييرات قانونية مقترحة يبقى في يد إسرائيل. وإذا اعترضت إسرائيل على أي تغيير قانوني مقترح من السلطة الفلسطينية، فإنه يتوجب على هذه السلطة تقديم مسودة جديدة. وقد تصر إسرائيل على اعتراضها. ولا يوجد اتفاق على عملية تحكيم. وتحتفظ إسرائيل بالقول الفصل في المسألة.

ويجب أن يكون مقر الدائرة الرئيسية في كل مجال من المجالات التي نقلت موجوداً في منطقة أريحا أو في قطاع غزة. ويمكن للسلطة الفلسطينية أن تدير فقط الدوائر الفرعية الحالية الموجودة في الضفة الغربية [المادة 5، 3]. كما أن الإجراءات التأديبية المتعلقة بأشخاص مستخدمين من جانب السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية يجب أن يُنظر فيها فقط أمام هيئات مختصة تعمل في قطاع غزة أو في منطقة أريحا [المادة 8، 1]. ومنذ أن نُقل جزء من المجالات الخمسة، أغلقت إسرائيل قطاع غزة ومنعت القاطنين في الضفة الغربية من الوصول إليه.(7) ولم تعلن السلطة الفلسطينية التناقض بين التصرف الإسرائيلي وبين هذا الشرط في الاتفاق.

السيطرة على التطور الاقتصادي

إن مقدمة اتفاق 29 آب/أغسطس تستوحي المادة 6 من "إعلان المبادئ"، الذي يدعي موقعو الاتفاق أنها جاءت لتضعه موضع التطبيق. وبموجب هذه المادة، فإن النقل التمهيدي للصلاحيات والمسؤوليات يجب أن ينفذ "بقصد تشجيع التطور الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة." هل أُنجز ذلك؟

في تقرير البنك الدولي المعنون: "تطوير المناطق المحتلة، استثمار في السلام"،(8) يقترح تسعة إجراءات قصيرة المدى وأحد عشر إجراء متوسط المدى من الضروري تنفيذها من أجل تطوير القطاع الخاص في اقتصاد الضفة الغربية. وتشتمل هذه الإجراءات على: إصلاح القوانين المتعلقة بالتجارة؛ تخفيف العوائق أمام دخول وتوسيع المنتوجات؛ تخفيف شروط الحصول على رخص لإنشاء أعمال؛ رفع القيود عن حركة البضائع والأشخاص. ولا تتيح أي صلاحية من الصلاحيات المنقولة للسلطة الفلسطينية تحقيق أي من الإجراءات المقترحة.(9)

وتستمر الإدارة المدنية الإسرائيلية في ممارسة سيطرة حصرية في معظم المجالات الحيوية للتطوير الاقتصادي، بما في ذلك مبادلات العملات الأجنبية؛ تنظيم التجارة؛ تنظيم البنوك؛ سياسات استخدام الأراضي خارج الحدود البلدية؛ البنية التحتية؛ إعطاء رخص عمل للطاقة البشرية غير المقيمة؛ أنظمة تشجيع الاستثمار؛ النظام القضائي؛ تسجيل الشركات والملكية الفكرية. كما بقيت في يد إسرائيل السيطرة الكلية على مصادر المياه، ولم تتغير قيد شعرة الأوامر العسكرية التقييدية، كالأوامر التي تفرض، مثلاً، الحصول على إذن إسرائيلي قبل زراعة الباذنجان والبندورة. ومع أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت تغييراً في سياستها تجاه المناطق الواقعة تحت سيطرتها بهدف تشجيع التطوير الاقتصادي، فإنه ليس هناك ما يشير إلى حدوث تغيير. فكل طلب من أجل استثمار أجنبي في مشاريع اقتصادية في الضفة الغربية، مثلاً، يُدرس على حدة من الموظفين الإسرائيليين أنفسهم على أساس الأنظمة ذاتها الموجودة قبل مفاوضات السلام. وإذا منح الترخيص في النهاية فإنه يكون مقيداً بسنة واحدة فقط.(10)

وتمتد التقييدات إلى مجالات تم نقلها إلى السلطة الفلسطينية. ويبدو ضعيفاً إمكان أن تنجح السلطة الوطنية، على سبيل المثال، في تطوير السياحة، التي تمثل واحداً من المجالات المنقولة، في ظل افتقار السلطة إلى صلاحية منح رُخص لأصحاب الأعمال لبناء فنادق جديدة وقرى أو مراكز سياحية خارج حدود البلديات، وفي ظل عدم تحكمها في موارد كافية من المياه، وعدم سيطرتها على معابر الحدود. ومن الواضح أن إسرائيل مستمرة في التمتع بصلاحية السيطرة على التطور الاقتصادي. وكما كان الأمر في السابق، فإنها ستتصرف بما ينسجم مع نظرتها الخاصة إلى الوضع النهائي للمناطق المحتلة.

وعلى الرغم من الاتفاق على ترتيبات تفصيلية تتيح لإسرائيل، كما أوضحنا أعلاه، الاستمرار في التأثير بصورة مجحفة في حقوق الفلسطينيين فيما يتعلق بالوضع النهائي، فإن الأجزاء الأخيرة في اتفاق 29 آب/أغسطس تكرر اللازمات الثلاث ذاتها التي ظهرت في "إعلان المبادئ" واتفاق 4 أيار/مايو، أي أنه لا شيء في هذا الاتفاق يؤثر بصورة مجحفة في نتيجة المفاوضات بشأن الوضع الدائم، وأن الضفة الغربية وقطاع غزة هما وحدة جغرافية واحدة، وأن قطاع غزة ومنطقة أريحا سيستمران في كونهما جزءاً لا يتجزأ من الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التأكيدات المتكررة، فإن اتفاقي 4 أيار/مايو و29 آب/أغسطس أديا عملياً إلى تعزيز الفصل بين منطقتي قطاع غزة والضفة الغربية الفلسطينيتين. 

ثانياً: تعزيز الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية

بعد فترة وجيزة من توقيع اتفاق 4 أيار/مايو، أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة البلاغ رقم 4 الذي أعلن حل الإدارة المدنية الإسرائيلية في غزة ونقل صلاحياتها إلى السلطة الفلسطينية،(11) في حال استمرت الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية. وفي انتهاك واضح للمبدأ المتفق عليه في "إعلان المبادئ"، بأن "الطرفين ينظران إلى الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبارهما وحدة جغرافية واحدة سيتم المحافظة على تكاملها خلال الفترة الانتقالية"، فإن المنطقتين ستُحكمان خلال الفترة الانتقالية من سلطتين مختلفتين، واحدة إسرائيلية والأُخرى فلسطينية.

ومع أن الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية وافقت في اتفاق 29 آب/أغسطس على نقل الصلاحيات في المجالات الخمسة المذكورة أعلاه إلى السلطة الفلسطينية المنشأة في قطاع غزة. فإن هذا لن يجعل المنطقتين بالضرورة أقرب إحداهما إلى الأُخرى. إن مدى صلاحيات السلطة الفلسطينية المسؤولة عن التعليم، كمثال، في المنطقتين محدود في الضفة الغربية بالقوانين الأردنية السارية المفعول هناك كما جرى تعديلها بموجب الأوامر العسكرية المذكورة في ملحق الاتفاق، بينما تسري في غزة قوانين مختلفة. ويتطلب تغيير أي من مجموعتي القوانين موافقة إسرائيلية. ولتأكيد الفصل فإن أي قانون فرعي قد يُسمح للسلطة الفلسطينية بأن تسنه، "سيُنشر كجزء منفصل عن أي نشر لقانون متعلق بقطاع غزة ومنطقة أريحا صادر عن السلطة الفلسطينية" [المادة 7، 2 من اتفاق 29 آب/أغسطس].

وأقوى مؤشر على السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى تعزيز الفصل بين المنطقتين حتى نهاية الفترة الانتقالية في أيار/مايو 1999، وعلى نية عدم التفاوض بشأن أي اتفاقات أُخرى رئيسية مع الطرف الفلسطيني خلال الفترة الانتقالية، هو مشروع القانون المقدم من الحكومة الإسرائيلية في 25 تموز/يوليو 1994، والمعنون "مشروع قانون بخصوص تطبيق الاتفاق المتعلق بقطاع غزة ومنطقة أريحا (تعديل قانون) 1994."(12)   ففي 65 مادة يقيم مشروع القانون تمييزاً بين "منطقتي غزة وأريحا" و"المنطقة" المعرفة بـ "يهودا والسامرة وقطاع غزة، باستثناء منطقتي غزة وأريحا". وبينما ينطبق بعض البنود على كلا المنطقتين، فإن معظمها لا ينطبق إلاّ على منطقتي غزة وأريحا. وتنطبق على المنطقتين الصلاحية المقترح منحها لضابط الشرطة بموجب تعديل لقانون الدخول إلى إسرائيل، والتي تخوله إبعاد أي زائر يبقى في الأراضي الفلسطينية من دون تصريح أو بعد انتهاء مدة التصريح الذي يحمله [المادة 5 من مشروع القانون المقترح]، بينما تنطبق على منطقتي غزة وأريحا فقط، لا على الضفة الغربية، المادة المقترحة رقم 55 التي تحظر نقل وحيازة المنتوج الزراعي. ويبلغ مجموع القوانين الإسرائيلية التي ستعدل بصورة غير مباشرة بفعل مشروع القانون المقترح خمسة عشر قانوناً. وقد اجتاز مشروع القانون مرحلة القراءة الأولى في الكنيست في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 بأغلبية 48 صوتاً ضد 40 صوتاً، وامتناع عضوين من التصويت.(13)

إن القوانين لا تُشرع كل يوم. ومشروع القانون هذا، الذي صيغ بعناية، مع شروح مرفقة، يوضح تماماً أنه فيما يتعلق بالطرف الإسرائيلي، لا يُتوقع منه أي اتفاقات رئيسية قبل سنة 1999، وأن التقسيم القائم حالياً للمناطق الفلسطينية [مع قطاع غزة وأريحا تحت السلطة الفلسطينية وإدارة الضفة الغربية (باستثناء المجالات الخمسة المنقولة) تحت الإدارة الإسرائيلية]، سيبقى الطريقة المتبعة لتقسيم المناطق طوال الأعوام الخمسة المقبلة. 

خلاصة

عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل القيادة السياسية الوحيدة المعترف بها من جانب الفلسطينيين، شجعت إسرائيل، في حربها ضد المنظمة، الجناح الإسلامي، "حماس"، كقيادة بديلة. وقد يكون ذلك قد ساهم في إحضار المنظمة إلى طاولة المفاوضات. كما أنه بالتأكيد عجّل في موافقة المنظمة على "إعلان أوسلو"، حيث خشيت من أنه إذا لم تتحرك بسرعة فإنها ستجد منافساً لها في هيمنتها السياسية.

وبعد أن وقّعت قيادة المنظمة الاتفاقات مع إسرائيل، أصبحت الآن محصورة في قطاع غزة. وهناك، يمكن لإسرائيل أن تتسامح مع قدر من الفوضى المسيطر عليها، إذ إنها تستطيع في أي لحظة أن تعلن، من طرف واحد، القطاع بأكمله منطقة مغلقة وتمنع الاتصال بينه وبين إسرائيل والضفة الغربية. وكلما ازداد شعور السكان الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية بسوء إدارة المنظمة للشؤون المدنية الفلسطينية، تضررت سمعة القيادة أكثر فأكثر. ومن الممكن جداً أن تكون إسرائيل راغبة في إثبات أن المنظمة انتهت وأصبحت عاجزة، ومن الممكن أن تساهم في زيادة صعوبات ومشكلات المنظمة لتحقيق هذا الغرض. لكن، هل ستدعم إسرائيل وتشجع قيادة سياسية بديلة في الضفة الغربية؟ هذه لا يمكن أن تكون "حماس"، لأن إسرائيل أعلنت حرباً شاملة عليها.

لقد بدأ الصراع بين منظمة التحرير والأردن بشأن الضفة الغربية، وهذا واضح من الجدل الدائر حول الوقف الإسلامي.(14)   وقد تكون هذه هي البداية فقط. إن الأردن يمتلك إغراءات كثيرة لجذب الفلسطينيين في الضفة الغربية ويتمتع بمزايا كثيرة تفوق ما لدى المنظمة هناك.(15)   فالقانون الأردني ساري المفعول في الضفة الغربية، والسكان يحملون الجنسية الأردنية، والبنوك المفتتحة حديثاً في معظمها بنوك أردنية، والأغلبية من المهنيين ورجال الأعمال الرئيسيين في الأردن هي من أصل فلسطيني. ومع وجود معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل،(16) فإن إسرائيل ستسهل العلاقات بين الضفة الغربية والأردن، ومن الممكن أن تشجعها. وقد أصبح هناك الآن اتصال هاتفي مباشر. وستُضاف إلى صلات القرابة صلات أعمال تجارية، وسترتبط المصالح الراسخة لأعداد أكبر من الفلسطينيين في الضفة الغربية بالنظام الأردني. لكن من الممكن أن يكون العامل الأكثر أهمية الفجوة المتسعة باطراد بين المجتمع الأردني المدار بصورة منظمة نسبياً والذي تتوفر فيه إدارة عامة مستقرة وقوانين واضحة، وحيث يستطيع النشاط التجاري أن يتطور في ظل الأمن والنظام العام الضروريين، وبين الفوضى والارتباك في المناطق المدارة من جانب الفلسطينيين، حيث تضيع الفرص من أجل التطوير الصناعي وجذب الاستثمارات. طبعاً، إن المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية لا تحركه كله عقلية تجارية، لكنه مجتمع متعب خرج لتوه من أعوام عديدة من نضال صعب خلال أعوام الانتفاضة، اشتمل على تضحيات شخصية كبيرة وتأجيلات لتطوير مناح حيوية في حياته. إن التوق إلى مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً عام وشامل، قد يكون العامل الأكثر حسماً في الصراع المقبل بشأن السلطة في الضفة الغربية.

 

المصادر:

(1) للاطلاع على نص "إعلان المبادئ"، انظر:

Journal of Palestine Studies, vol. xxiii, no. 1 (Autumn 1993), pp. 115-124.

(2) للاطلاع على نص اتفاق 4 أيار/مايو، من دون ملاحقه، انظر:

Ibid., vol. xxiii, no. 4 (Summer 1994), pp. 118-125.

"مجلة الدراسات الفلسطينية"، 21, شتاء 1995، ص 54 ـ 63.

(3) في لحظة كتابة هذه السطور، 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1994، كان قد تم نقل التعليم فقط إلى السلطة الفلسطينية.

(4) في حالة التعليم، مثلاً، يشمل ذلك الأمر العسكري رقم 854 السيئ الصيت المتعلق بالتعليم العالي، والذي أثار لدى صدوره جدلاً كبيراً ولقي مقاومة شديدة من جانب مؤسسات التعليم العالي التي رفضت التزام بنوده.

(5) بقي الإسرائيليون متشبثين، منذ بدء المفاوضات مع الفلسطينيين، بموقفهم القاضي بتقييد حرية الوصول إلى المعلومات العامة. وقد طالب الفريق المفاوض الفلسطيني في مفاوضات واشنطن الجانب الإسرائيلي، في الجولة المنعقدة في نيسان/أبريل 1992، بحرية كاملة في الوصول إلى المعلومات، بما فيها ميزانية الإدارة المدنية في الضفة الغربية وغزة المحتلتين. ورفض الفريق الإسرائيلي ذلك، وأصر على توفير معلومات تتعلق فقط بالمجالات التي توافق إسرائيل على نقلها إلى الفلسطينيين. وهذا هو مدى ما وافقت إسرائيل على فعله في اتفاق 29 آب/أغسطس.

(6) أُغلقت المدارس العامة التالية في الضفة الغربية بعد تولي السلطة الفلسطينية المسؤولية عن التعليم: مدرسة الجلزون للبنين من 26/9/1994 إلى 27/9/1994؛ مدرسة البيرة للبنين من 1/10/1994 إلى 4//10/1994؛ مدرسة رام الله الثانوية للبنين من 2/10/1994 إلى 3/10/1994.

(7) في 19 تشرين الأول/أكتوبر 1994، مثلاً، أُعلن إغلاق قطاع غزة. واستمر الإغلاق حتى 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1994. وتجدر الإشارة إلى أن الشخصين اللذين عزيت إليهما مسؤولية ارتكاب الحادثين اللذين أديا إلى إغلاق القطاع لم يكونا من القطاع. وقد دان الرئيس عرفات ما أقدما عليه.

(8) The World Bank, World Bank Report, vol. 3, Private Sector Development (Washington, D.C., September 1993), p. 25. 

(9) تشمل الاقتراحات إصلاح النظام الضرائبي. ومع أن المسؤولية عن الضرائب المباشرة وضريبة القيمة المضافة نُقلت إلى السلطة الفلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية لا يمكنها أن تنفذ أي إصلاحات بنيوية من دون موافقة إسرائيلية.

(10) بعد شهور طويلة وجهود مضنية، منحت الإدارة المدنية الإسرائيلية أخيراً ترخيصاً لشركة قابضة فلسطينية يبلغ رأس مالها عشرات الملايين من الدولارات كانت قد أُسست في ليبريا بهدف القيام بأعمال في الضفة الغربية. لكن الترخيص كان محدوداً بسنة واحدة فقط.

(11) البلاغ العسكري رقم 4 المؤرخ بتاريخ 17 أيار/مايو 1994، والموقع من جانب الجنرال ميتان فيلناي، قائد الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وكان قد صدر بلاغ عسكري آخر يحمل الرقم نفسه في الضفة الغربية بتاريخ 12 أيار/مايو 1994، معلناً نقل الصلاحيات والمسؤوليات فيما يتعلق بمنطقة أريحا إلى السلطة. من أجل تحليل هذا البلاغ، انظر:

Raja Shehadeh, “Israel Stands on its Legal Position,” Middle East Journal (September 23, 1994).

(13) The Jerusalem Post, November 8, 1994.

(14) عيّن كل من منظمة التحرير والأردن مفتياً للقدس من جانبه.

(15) أحد الأمثلة للفجوة بين الجانبين، فيما يتعلق بالأمور المدنية، يتمثل في معالجة كل منهما لأنظمة البنوك الجديدة. فعلى الرغم من أن اتفاق 4 أيار/مايو نص على تأسيس سلطة مالية فلسطينية تتمتع بصلاحية منح رخص لبنوك جديدة، فإن هذه السلطة لم تؤسَس حتى لحظة كتابة هذه السطور (بعد ستة شهور من الاتفاق). أمّا الأردن، في المقابل، فقد توصل إلى مذكرة تفاهم مع إسرائيل تنظم فتح فروع للبنوك الأردنية في الضفة الغربية. ونتيجة ذلك، تم تأسيس عشرة بنوك أردنية جديدة في الضفة الغربية. ولا تجد البنوك الجديدة التي ترغب في النشاط في المنطقة المدارة من جانب الفلسطينيين سلطة مشرفة على التنظيم.

(16) تنص المادة 3 (ب) من معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل، الموقعة في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994، على أن "الحدود كما هي محددة في الملحق 1/I هي الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها دولياً بين الأردن وإسرائيل من دون المساس بوضع أية أراض دخلت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي سنة 1967." [التشديد مُضاف]

السيرة الشخصية: 

رجا شحاده: محام فلسطيني من الضفة الغربية، وأحد مؤسسي منظمة "الحق" في الضفة.