الانتخابات وفرصة التغيير
التاريخ: 
29/01/2021

بين انسداد الأفق وانحسار الضوء في نهاية النفق، وبعد مسلسل الحوار الوطني على مدار سنوات الضياع والتيه الفلسطيني الذي نافست حلقاته المسلسلات التركية في تحدي الملل، وفي أعقاب إخفاق جل اتفاقات المصالحة وفشل تطبيع العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية وخسارة الحبر والورق، واستمرار اللعب بمشاعر المواطنين تارة وركل معاناتهم تارة أُخرى في ملعب الانقسام، يتم الإعلان عن الانتخابات التشريعية تليها الانتخابات الرئاسية فالمجلس الوطني. ومع أخذنا بعين الاعتبار لدور المقرر الخارجي ومصالح الإقليم والضغوط التي أسفرت عن الدعوة لإجراء الانتخابات، تطفح بعض الأسئلة من الذهن تبدأ بـكيف ولا تنتهي بـلماذا الآن؟ ولماذا ليس قبل الآن؟ وهل يمكن الذهاب إلى الانتخابات بعد أن تكلست أصابع البشر من قلة استخدامها في صناديق الاقتراع على مدار سنوات الانقسام العجاف التي أنهكت العباد وأهلكت ما تبقى من البلاد وحققت ربحاً صافياً للاحتلال؟

إن حرمان المواطنين في الأراضي الفلسطينية منذ تاريخ الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2010، موعد أول استحقاق انتخابي، من ممارسة حقهم في اختيار من يمثلهم وينوب عنهم ويتحدث باسمهم ويدافع عن حقوقهم ويدرك حجم آلامهم وآمالهم، كان إعلاناً وإيذاناً بالعقم الديمقراطي واليتم الدستوري والقانوني الذي جعل من أبناء شعبنا مجرد أيتام على مائدة عار الانقسام. تأسيساً على ذلك يمكن القول إنه وعلى الرغم من فقدان ثقة الجماهير بالتنظيمات والأحزاب فإن حظوظها ما زالت الأوفر بحصد المقاعد إن وقعت "غزوة الصناديق"، وخصوصاً الفصائل ذات الوزن والكتل الجماهيرية الثنائية الأثقل في الشارع.

ولا شك في أن قائمتي "فتح" و"حماس" ستشكلان تحدياً حقيقياً أمام منافسة القوائم الأُخرى ومن ضمنها القوائم التي تسعى لتأسيسها مجموعات شبابية تحاول أن يكون لها موطئ قدم في النظام السياسي المنشود بعد أن وفّرت صيغة قانون الانتخابات من خلال تخفيض نسبة الحسم إلى 1.5% إمكان المشاركة وانتزاع مقاعد مستقلة في ظل منافسة قوائم الأحزاب الكبرى ورجال الأعمال والعشائر ورواد المنظمات غير الحكومية وممن يحلو لهم استخدام مصطلح "المستقلين" .

في كل الأحوال أعتقد أن إعادة إحياء الديمقراطية المغدورة في بقعتنا الجغرافية المحتلة بما تمثله من العودة إلى الصندوق، وبغض النظر عن التفصيلات والمقدمات التي ساهمت في  العودة إلى الصندوق، وبغض النظر عن نتائج الصندوق ومزاج الجمهور ووعيه، ومع إدراكنا لأهمية الوعي وتأثير غيابه في النتائج إضافة إلى دور المال السياسي والخطاب الشعاراتي الشعبوي، ففي كل الأحوال فإن الانتخابات مطلوبة لإعادة رسم لوحة التعددية الفلسطينية المنشودة في إطار الشراكة الوطنية على علاتها،  ولإعادة ثقة المواطن بحقه وواجبه وقدرته على التغيير عبر انتخابات حرة نزيهة،  ولتجديد الأمل بوحدة الموقف السياسي في حدوده الدنيا، ووحدة النظام السياسي في إطار التعددية الفكرية والسياسية. لأجل ذلك تبقى الانتخابات على قاعدة التمثيل النسبي الكامل مدخلاً لتحريك المياه الراكدة ولملمة الوضع الداخلي الفلسطيني. أمّا نسبة الحسم 1.5% فتتيح المجال لكسر النمطية الحزبية التقليدية السائدة لمصلحة توفير فرصة لمشاركة مجتمعية بأشكالها المتعددة السياسية والمهنية والفنية والثقافية والشبابية الطامحة إلى التغيير والتأثير في صنع القرار وإنتاجه. إن استعادة الديمقراطية النسبية تعيد اهتمام العالم بنا وبعدالة قضيتنا وبحقنا في الدولة والحرية والاستقلال، بعد العطب والتسلُّخ والتشوُّه الذي أصاب القضية بفعل الانقسام وتداعياته الكارثية الطاردة للتضامن.

  ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن المشاركة الشبابية في الانتخابات، مطلوبة وضرورية في عملية التغيير وفي إثراء المشهد وإغناء التجربة الديمقراطية ورفد المؤسسات بالطاقات الحيوية المثقفة والواعية.  وفي الواقع الفلسطيني هناك طاقات شابة منظمة، في مقابل أكثرية غير منظمة. وعلى أبواب الانتخابات هناك محاولات وتفاعلات جادة لاستنهاض المجموعات الشبابية خارج إطار التنظيمات، لكن هذه المجموعات أمامها تحديات عديدة كتحدي الاحتواء الناجم عن افتقادها إلى المال الذي قد يحول دون المشاركة المستقلة، وما يترتب عليه من عزوف كثير من الطاقات الشابة، والأخطر من ذلك إن توفرت الإمكانات المادية فإن توفرها غالباً ما يكون في إطار تجيير المشاركة الشبابية لحساب الجهة الداعمة والممولة أياً كانت سواء من التنظيمات أو بعض رجال الأعمال الذين يسعون لتعزيز نفوذهم في المؤسسة الرسمية. وفي ظل غياب الوعي وضعف المستوى الثقافي الداعم والموجه للحالة الشبابية، وشح العنصر المادي، قد يعزز غياب تلك المقومات سياسة استخدام واحتواء الشباب لمصلحة المال السياسي والعشائر والإيديولوجيا.

يقول برناردشو "التقدم مستحيل من دون تغيير، الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء."

عن المؤلف: 

أكرم الصوراني: كاتب من غزة.