كلمة مدير عام مؤسسة الدراسات الفلسطينية، خالد فرّاج، خلال افتتاح المؤتمر السنوي للمؤسسة
Date:
31 octobre 2022
Auteur: 

السيدات والسادة

 الحضور الكريم...

بداية يسرني أن أرحب بكم جميعاً في مؤتمرنا السنوي هذا "مراجعة الانتداب البريطاني على فلسطين" الذي يقام كالعادة في أرحاب جامعة بيرزيت – شريكنا الدائم في المسيرة الثقافية والأكاديمية، والذي يتزامن هذا العام مع الذكرى المئوية للانتداب. واسمحوا لي أن أعبر عن سعادتنا لعقد المؤتمر هذا العام بالشراكة مع العديد من المراكز البحثية والمؤسسات الأكاديمية العريقة في أوروبا وأميركا الشمالية التي يجمعنا بها العديد من المشاريع البحثية والنشاطات والفعاليات الأكاديمية.

ويشرفني في هذه المسيرة الأكاديمية المهمة الترحيب بزملائنا من هيرينغ بالستاين في جامعة تورونتو، والمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر، ومركز الاتجاهات الجديدة في الدراسات الفلسطينية في جامعة براون، ومركز الدراسات الفلسطينية في جامعة كولومبيا، ومركز الدراسات الفلسطينية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية – جامعة لندن، ومجلس الأبحاث البريطانية في بلاد الشام، وجميعهم ساهموا في إنجاح هذا المؤتمر من خلال مشاركتهم في تقديم الأبحاث والمساهمات العلمية المهمة المدرجة في البرنامج.

إن أحد أهم أهداف مؤسسة الدراسات الفلسطينية، هو مواجهة التحديات المعرفية والأكاديمية الناجمة عن الاستعمار في فلسطين تاريخياً. لهذا أخذت المؤسسة على عاتقها منذ تأسيسها في العام 1963، تطوير عملها في إطار جهد جماعي متواصل لمواكبة تطورات الصراع العربي–الصهيوني منذ نشأته في القرن التاسع عشر، والحرص على توثيق وحفظ سرديات هذا الصراع بدقة وموضوعية.

ورغم التحديات والصعوبات العديدة التي واجهت المؤسسة، ولا تزال، فقد استطاعت أن تواكب، بالدراسة والتحليل، كافة الأحداث السياسية والتطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية والصراع العربي -الإسرائيلي من خلال برامجها النشرية المتنوعة التي طورتها خلال مسيرتها الطويلة.

فالمؤسسة تنشر حالياً ثلاث مجلات فصلية: مجلتا الدراسات الفلسطينية (بالعربية والإنكليزية)، وفصلية القدس (بالإنكليزية). وهده المجلات تحتوي على مقالات أكاديمية محكَّمة، بالإضافة إلى التقارير، والمقابلات، ومراجَعات الكتب، وملفات أُخرى. وتُعتمد المجلات، على نطاق واسع، كمصادر لا غنى عنها للأبحاث المتعلقة بفلسطين.

وقد أصدرت المؤسسة منذ نشأتها أكثر من 800 كتاب، ودراسة، وورقة غير دورية، ومجموعة وثائقية بثلاث لغات: الإنكليزية والعربية والفرنسية. ويُعتبر العديد من كتبها مراجع معيارية، ويُشار إليها كمصادر موثوق بها بشأن القضية الفلسطينية، وقد نُشر بعضها بالاشتراك مع كبريات دور النشر الجامعية.

كما قامت المؤسسة بتجميع ورقمنة عدد من قواعد البيانات، ومجموعات الوثائق المتعلقة بقضية فلسطين، والتي تشكل مصدراً غنياً بالمعلومات للباحثين والدارسين. وأطلقت المؤسسة مؤخراً، بالتعاون مع المتحف الفلسطيني الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية بمناسبة الذكرى الرابعة والسبعين للنَّكبة الفلسطينية والذكرى الخامسة والخمسين للنكسة، وهي عبارة عن مشروع رقمي من إعداد مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ضمن مشروع مشترك مع المتحف الفلسطيني، يتتبّع تاريخ فلسطين الحديث منذ نهاية الحقبة العثمانية حتى الوقت الراهن، ويضم آلاف النصوص التي ألّفها خصيصاً للمشروع باحثون، فلسطينيون وعرب وأجانب، مختصون بالقضية الفلسطينية. 

ولمتابعة الأحداث والقضايا المستجدة فلسطينياً تم إطلاق مدونة خاصة بالمؤسسة: مدونة "فلسطين الميدان". وهي منتدى حيوي لنشر أفكار الباحثين والأكاديميين والمهتمين بتطورات القضية الفلسطينية من مختلف الأعمار والجنسيات. بالإضافة إلى موارد إلكترونية عديدة أُخرى مثل النشرة اليومية "مختارات من الصحف العبرية"؛ والأرشيف الإلكتروني للتاريخ الاجتماعي في فلسطين الذي يشمل وثائق تاريخية، وأوراقاً خاصة تعود إلى شخصيات تاريخية بارزة.

وقد دأبت المؤسسة منذ سنوات طويلة، على عقد مؤتمرها السنوي في فلسطين، بالتعاون مع جامعة بيرزيت، وتجري في أغلب الأحيان مشاركات عبر الفيديو من عدة مدن فلسطينية، مثل القدس وغزة وحيفا والناصرة، ومن الدول العربية والأجنبية. إلا أن مؤتمرنا هذه السنة يكتسب أهمية خاصة كونه يطرح موضوعاً مميزاً للنقاش والتفكير، وهو موضوع مراجعة الانتداب البريطاني على فلسطين الذي دام لأكثر من ربع قرن من تاريخ فلسطين الحديث، تم خلاله إرساء الأساس لإلغاء الحقوق السياسية الفلسطينية وإقامة دولة صهيونية. كانت تلك أيضاً فترة نابضة بالحياة والنشاطات والأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مختلف المدن والقرى الفلسطينية.

الذكرى المئوية للانتداب (1922 – 2022) هي مناسبة للتنديد والمراجعة الناقدة. التنديد لأن السياسة البريطانية المرافقة لانتداب عصبة الأمم على فلسطين شملت وعد بلفور المشؤوم الذي كان حجر الزاوية في تقسيم فلسطين وإنشاء الكيان الغاصب وتشريد أهلها. والتنديد أيضاً، لأن الحكومات البريطانية المتعاقبة لم تعترف بعد بهذه السابقة الكولونيالية ولا بمسؤوليتها التاريخية عن تشريد الشعب الفلسطيني وعن نكبته المستمرة حتى الآن.

وهي مناسبة للمراجعة أيضاً كونها لحظة فارقة في دراسة وتقييم واستخلاص العبر من التجربة الكولونيالية التي استطاعت عبر ثلاثة عقود أن تحول فلسطين من ولاية شامية عثمانية ومن جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الواسع إلى مستعمرة مشبعة بالاستيطان الكولونيالي الصهيوني الذي شكل الرافعة الضرورية لإنشاء دولة إسرائيل وتقسيم سكان البلاد وتشريد أهلها في أنحاء المعمورة.

لكنها تشمل أيضاً مراجعة علمية ناقدة لسيرورة هذا التحول وعلاقته بتوازنات السياسة الدولية، ومحيطه العربي والإقليمي والدولي، وكيفية أخذ العبر منه في مجابهة الاستعمار الاستيطاني الحالي الذي ما زال جاثماً على جميع الأراضي الفلسطينية. هذا يفرض نفسه كتحد كبير أمام الباحثين والعاملين في مجال الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة، وهو ما يستدعي المزيد من الدراسة والمقارنة والجدل والاستفادة من الخبرات المتعددة التي حاول هذا المؤتمر توفيرها قدر المستطاع.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا التجمع، وهذه المشاركة الواسعة في المؤتمر من المؤسسات الأكاديمية العالمية الذي يسمح بالتواصل بين المثقفين والأكاديميين من الوطن بكافة تجمعاته ومن الشتات ومن العديد من المؤسسات الأكاديمية في العالم، لا تقتصر أهميته على الناحية الأكاديمية فقط، بل يتخذ دلالات خاصة، ولا سيما في ظل الظروف السياسية التي نعيشها فلسطينيا وعربياً. 

نأمل بأن تساهم أعمال هذا المؤتمر في إثراء النقاش حول مجمل القضايا المهمة الواردة في برنامجه ونحن واثقون بمساهمة أعماله في تحقيق ذلك بفضل النخبة المشاركة من الباحثين الأكاديميين والمفكرين المتميزين. 

الشكر:

الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي

لجنة الأبحاث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية

اللجنة المصغرة للمؤتمر: محمد علي الخالدي، هنا سليمان، ماهر الشريف، سليم تماري، غادة المدبوح، منير فخر الدين، بشير ضحى، مجدي المالكي، علاء جرادات.

طاقم المؤسسة ولجنة التنظيم: رنا عناني، لبنى طه، مهند عبد الحميد، حسام أبو ليل، زينة عريقات، فؤاد عكليك، محمد الخالدي، سميرة الديك، لانا رنتيسي، مي طبيلة، عبير حاج علي، محمد رزق، كارول خوري. ومن مكتبنا في بيروت أيهم السهلي ورنا كشلي وهبة عطية. ومن واشنطن لورا البسط ورسمية عبد النبي.

المتدربون: زينة حارون، سماح جرادات، فراس خوري، عهد جرادات.

وشكرا لطيب استماعكم