Dib, The Arab Torah and Yemenite Jerusalem
Reviewed Book
Full text: 

التوراة العربية وأورشليم اليمنية

فرج الله صالح ديب

بيروت: دار نوفل، 1994. 264 صفحة.

 

يبدو هذا الكتاب تطويراً لنظرية الدكتور كمال الصليبي التي توصل إليها في كتابه الرائد "التوراة جاءت من جزيرة العرب"*. غير أن هذا الكتاب ليس تنويعاً على نظرية الصليبي، وإنما هو يتجاوزها إلى بناء معمار نظري جديد يمهد لنتائج تخالف ما توصل الصليبي إليه. ولهذا الكتاب فضل في متابعة الجدل وفي سَوْقِ أسئلة، ما زالت بلا أجوبة، عن المنشأ الجغرافي للتوراة، وهو يهدف إلى البرهنة عن أن مسرح الحوادث التي ورد ذكرها في التوراة لم يكن في فلسطين ولا في الحجاز وإنما في اليمن، وفي محيط صنعاء بالتحديد، وأن التوراة، في الأصل، ذات منشأ عربي تماماً، وأن القبائل التوراتية القديمة التي انتقلت من التحضر إلى البداوة بفعل التصحر اندثرت أو اندمجت في قبائل وشعوب أُخرى، أو نزحت إلى أماكن مختلفة، فحملت معها حكاياتها وأسماء رجالها ثم أسقطتها، فيما بعد، على مواقع ومواضع متعددة في فلسطين.

كان علماء التوراة، والمؤرخون عامة، لا يختلفون بشأن جغرافية التوراة؛ فجميعهم اعتقد أن حوادثها جرت في فلسطين، لكنهم اختلفوا كثيراً بشأن تفسير النصوص التوراتية نفسها، وبشأن قراءتها ومدى مطابقتها العلم والتاريخ، حتى جاء الدكتور كمال الصليبي ليفترض أن النص صحيح، وكان عليه أن يبرهن عن أن الجغرافيا خطأ. وتوصل، في جملة ما توصل إليه، إلى أن جغرافية التوراة هي في منطقة عسير في شبه الجزيرة العربية؛ ولم يناقش، طبعاً، الصحة التاريخية للنص التوراتي ذاته. وعلى هذا المنهج سار الكاتب فرج الله صالح ديب، فلم يناقش صحة النص التوراتي تاريخياً، بل سعى لإقامة "البرهان" عن أن مسرح حوادث التوراة كان في اليمن. إذن، باستخدام منهج متقارب توصل الكاتبان إلى نتائج متضاربة. فأين الحقيقة في هذه الحال؟

يكمن أساس هذا الاختلاف في التوراة نفسها. فالنص التوراتي مأخوذ ومحرَّف عن أساطير وعقائد نشأت في وادي الرافدين ومصر وربما الشام. ثمة، إذن، خطأ منهجي في قراءة نصوص مطعون في صحتها التاريخية في ضوء جغرافيا صحيحة. ويجب، أولاً، إعادة تركيب النص التوراتي في ضوء المكتشفات التاريخية والأثرية ثم قراءته مجدداً بحسب الجغرافيا.

إن هذا الكتاب جولة ممتعة في نصوص التوراة وجغرافية اليمن. لكن ما يعيب منهجه هو التركيز فقط على المطابقة اللغوية بين الجذر الأصلي لمعظم الأسماء الواردة في التوراة مع الأماكن والقبائل اليمنية التي ما زالت أسماؤها ظاهرة في اليمن اليوم. إن استخدام طريقة المقابلة الصوتية فقط وتطويع أحرف التصويت للوصول إلى جذر أو صيغة يمكن قرنها بأحد المواقع الجغرافية في اليمن، طريقة غير كافية وحدها للوصول إلى نتائج علمية يقينية ومقنعة.

 

*   صدر هذا الكتاب عن مؤسسة الأبحاث العربية في بيروت، سنة 1985.