Taraki, ed., Palestinian Society in the West Bank and Gaza Strip
Reviewed Book
Full text: 

المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة

تحرير ليزا تراكي. عكا: دار الأسوار، 1990.

 

يصدر هذا الكتاب كجزء من مشروع بادر إليه، سنة 1985، الأستاذ خليل محشي، المحاضر في دائرة التربية في جامعة بيرزيت سابقاً ومدير مدرسة الفرندز في رام الله حالياً، وبالتعاون مع عدد من المدارس الخاصة في الضفة الغربية. وقد قامت المدارس اللوثرية في الضفة الغربية بتبني هذا المشروع في السنة ذاتها، بعد أن ساهمت في بلورته. ويجري الآن تطبيق أجزاء مختلفة منه في سبع من مدارسها في القدس ورام الله وبيت لحم وبيت جالا.

ويهدف هذا المشروع إلى جعل التربية المدرسية أكثر ملاءمة لحاجات المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة، ومنها الابتعاد عن التلقين وتقديس حرفية النص والإغراق في الأكاديمية الضيقة على حساب حاجات أخرى. وسُمي المشروع "التربية من أجل الوعي والمشاركة"، وهو يهدف وبصورة محدّدة إلى التالي: (1) تشجيع استخدام أساليب تدريس غير تقليدية، تشدد على أهمية مشاركة الطالب مشاركة نشيطة في عملية التعليم والتعلم، والابتعاد عن التلقين؛ (2) تعريف الطالب بمجتمعه وبيئته والمهن المتوفرة فيه؛ (3) إدخال الإرشاد المهني في المرحلة الثانوية عنصراً من عناصر العملية التعليمية، وهو أمر شبه معدوم في مدارس الأراضي المحتلة؛ (4) إدخال التربية المهنية جزءاً من المناهج إلى جانب الموضوعات الأكاديمية؛ (5) العمل على إزالة الأسوار القائمة بين المدرسة والمجتمع، وخلق الاستعداد لدى الطالب للمشاركة في تنمية المجتمع.

يسعى هذا الكتاب، في المقام الأول، للعمل على سد ثغرة كبيرة في المناهج المدرسية المحلية للمدارس الخاصة والحكومية على حد سواء، وهي ثغرة تتعلق بالنقص في المعرفة على صعيد مختلف قضايا المجتمع المحلي، بجوانبه الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والسكانية. وعلاوة على ذلك، يسعى الكتاب للعمل على سد ثغرة مماثلة في المعلومات المتعلقة بالموضوع عينه لدى القارىء المحلي غير المتخصص. وقد أعدّت المسودة الأولى لهذا الكتاب سنة 1986، وتم استخدامها، وبصورة تجريبية، عاماً واحداً في عدد من المدارس المشاركة في المشروع. وأُعدّت الطبعة الحالية بعد إدخال تعديلات على المسودة الأولى في ضوء الملاحظات التي أبداها المدرسون الذين استخدموا المسودة الأولى في التدريس.

يحتوي الكتاب على أربعة فصول بأقلام أربعة مؤلفين، إضافة إلى مقدّمة بعنوان "التجربة الفلسطينية تحت الاحتلال" بقلم ليزا تراكي، محررة الكتاب والمحاضرة في علم الاجتماع في جامعة بيرزيت. وتسعى المقدمة لوضع الفصول المختلفة في مضمون يبرز التجربة الخاصة والمتميزة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد مرور ما يزيد على عقدين من الزمن على الاحتلال. وترى المحررة أن تبلور هوية وطنية فلسطينية واضحة وقوية "يشكل عنصراً هاماً من عناصر هذه التجربة." وقد تبلورت هذه الهوية وهذا الوعي الوطني الفلسطيني في مضمون الحركة الوطنية الفلسطينية داخل الأرض المحتلة وخارجها. وفيما يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة، تجسدت الحركة الوطنية هذه في "منظمات ومؤسسات وأطر محددة، من بينها الفصائل والأحزاب الفلسطينية والمنظمات الجماهيرية، والروابط الفنية والأدبية، والصحافة، والمؤسسات الوطنية وعدد من المؤسسات الخيرية والاجتماعية الأخرى. وقد شكلت هذه بدورها أدوات للتعبير عن هذا الوعي." وتسعى المقدمة لإعطاء لمحة عن بعض عناصر التجربة الجماعية الفلسطينية في ظل الاحتلال، والتي أدت إلى "صياغة رد فلسطيني تم من خلاله العمل من أجل التصدي لخطر داهم ينذر بفقدان كبير."

يُعنى الفصل الأول من الكتاب، وهو بقلم موسى البديري المحاضر في التاريخ السياسي في جامعة بير زيت، بتاريخ فلسطين الاجتماعي الحديث. وهو من أفضل الفصول في الكتاب من حيث الشمولية، على الرغم من الانتقاء والاقتضاب اللذين لا مفر منهما نظراً إلى سعة الموضوع. فيتناول الكاتب في نحو خمسين صفحة، التاريخ الاجتماعي الفلسطيني بدءاً بنهاية القرن التاسع عشر وانتهاء بوقتنا الحاضر. فبعد عرض سريع لبنية المجتمع الفلسطيني خلال الحكم العثماني، يعرض الكاتب لوضع اليهود في فلسطين وللحركة الصهيونية والهجرة اليهودية قبل الانتداب البريطاني وبعده، وللمقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني. ويبحث الكاتب في العوامل الرئيسية التي أدت إلى تجزئة المجتمع الفلسطيني وتبعثر الشعب الفلسطيني في الشتات. ويركز، بعد ذلك، على الضفة الغربية وأثر الإدارتين المصرية والأردنية في المجتمع والحياة السياسية في الضفة والقطاع. ويخصص القسم الأخير من الفصل للتحولات التي نجمت عن الاحتلال في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويعطي فيه لمحة عن الوضع القانوني وحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وعن الممارسات الإسرائيلية من منظور المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ويضمّن الكاتب هذا الفصل، كذلك، تحليلاً مقتضباً لمنجزات الانتفاضة مع نهاية عامها الأول.

عند قراءتي لهذا الفصل، وحيث أني كنت في منتصف الستينات قد أنهيت الدراسة الثانوية في الضفة الغربية في إبان العهد الأردني، لم يسعني إلاّ أن ألاحظ أن موسى البديري في كتابته للتاريخ الفلسطيني لطلبة اليوم قد أدخل بعض ما كانت وزارة التربية والتعليم الأردنية قد أخرجته، وأخرج بعض ما كانت أدخلته. وهو، عامة، يكتب من وجهة نظر فلسطينية لا يشوبها تهاود أو ترهل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول البديري فيما يتعلق بالحريات السياسية في ظل النظام الأردني، إن السلطات الأردنية عملت "كل ما في وسعها منذ بداية الحكم الأردني لخلق حالة من الاستقرار  ومنع أي نشاط فلسطيني يهدف إلى استمرار النضال من أجل تحرير  الأجزاء المحتلة من فلسطين." وعن حظر الأحزاب السياسية بمختلف أشكالها، طوال فترة الحكم الأردني، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور حركات وأحزاب سرية مناهضة – في معظمها – للنظام، يستنتج البديري أن "وجود هذه الأحزاب والحركات السياسية يشير إلى أن الوحدة التي فُرضت بعد ضم الضفة الغربية لم تكن تحظى بتلك الشرعية التي كان النظام، وعلى استمرار، يؤكد امتلاكه لها."

من ناحية أخرى، يقدم البديري للطلبة وللقارىء العام معالجة غير تقليدية، في جانب واحد على الأقل من جوانبها، لليهود في فلسطين وللحركة الصهيونية. وهي معالجة جدية ورصينة تخلو من التقريع الفظ المعهود في كثير من الكتب العربية المعنية بهذا الموضوع، وتضع اليهود والحركة الصهيونية في التاريخ لا خارجه، ولا تشعر بحاجة ماسة وملحة إلى تفادي الحديث عن معاناة اليهود في الغرب ومن معاداة السامية. ولست أقصد الإيحاء بأن المكتبة العربية تخلو من كتابات مثل هذه، لكن المناهج الدراسية تفتقر عادة إلى هذا النوع من الكتابة، وكأن القضية الفلسطينية تحتاج إلى أن يتأصل الشر في اليهود منذ الأزل، أو كأن الحق الفلسطيني سيتهدد بالزوال إنْ بان أن اليهود تعرضوا لمذابح في الغرب.

والفصل الثاني من الكتاب هو من تأليف برنارد سابيلا، المحاضر في علم الاجتماع في جامعة بيت لحم، وهو بعنوان "الضفة الغربية وقطاع غزة: السكان والأراضي"، ويقع في ثلاثة أجزاء. ويسعى الجزء الأول لإعطاء لمحة ديموغرافية عن سكان الضفة والقطاع بحسب آخر إحصاءات متوفرة. وهو أفضل أجزاء هذا الفصل نظراً إلى أنه يزود القارىء العادي وطالب المرحلة الثانوية بمعلومات وإحصاءات تساهم في رسم صورة سكانية يندر أن يطلع القارىء العام عليها من خلال ما يقرؤه عادة. ويعالج هذا الجزء من الفصل توزيع السكان بحسب فئات السن والجنس، ويعطي صورة للهرم السكاني ومعدلات الولادة والوفاة والزيادة الطبيعية والنمو. ويتناول باختصار، كذلك، موضوع الهجرة في المناطق المحلتة وأسبابها. ويحتوي هذا الفصل على عدد من الجداول والرسوم البيانية التي من شأنها أن تلخص المعلومات المضمَّنة في متن النص، وأن تسهل استخدامها.

وكما يقول الكاتب، فإن المعرفة الدقيقة بأي بلد لا تتم إلا بمعرفة خصائصه السكانية. ولتلك الخصائص أبعاد مختلفة، بينها أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وتربوية. فعلى سبيل المثال، يشار أحياناً – في معرض الحديث عن أسباب اندلاع الانتفاضة – إلى وجود جيل فلسطيني جديد نشأ في ظل الاحتلال. ويتبين من المعلومات التي يعطيها هذا الفصل، أن هذا الجيل هو في واقع الأمر الأغلبية العظمى من السكان، إذ إن نحو 70% من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة هم تحت سنة 26. من جهة أخرى، أن الجيل في اغلبيته غير منتج، ويعتمد على عمل الأقلية نظراً إلى كون نحو 50% من السكان في الضفة الغربية والقطاع دون سن 16، وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض معدل دخل الفرد. ويتبع هذا كذلك أن الإنفاق على خدمات محددة، مثل التعليم والصحة والإسكان والتغذية، يستنزف جزءاً مهماً من إمكانات المجتمع، وهي ظاهرة منتشرة في العالم الثالث كما هو معروف.

ويعرض الجزء الثاني من هذا الفصل للتغيرات السكانية في فلسطين عامة، وفي الأرض المحتلة خاصة، من زاوية تاريخية وسياسية بدءاً بمطلع القرن الحالي، مروراً بالهجرات الفلسطينية المتعاقبة وآثارها الديموغرافية، وانتهاء بالاستيطان اليهودي في الأرض المحتلة منذ سنة 1967. ويخصص الجزء الأخير لخصائص الضفة الغربية وقطاع غزة الجغرافية. بما في ذلك التوزيع السكاني في المناطق المختلفة، والذي يشتمل على مخيمات اللاجئين أيضاً.

على العموم، إن هذا الفصل فصل جيد يتّسم بوفرة المعلومات عن نواحي سكانية مختلفة، وهو يقدمها بصورة منظمة ومتسلسلة وبلغة مبسطة، وإنْ كانت لا تخلو أحياناً من ركاكة في مواضع محددة كان من الممكن تفاديها.

أما الفصلان الأخيران الثالث والرابع من الكتاب، فقد خُصصا لموضوعات اقتصادية وتنموية. ويعنى الفصل الثالث باقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو بقلم عادل الزاغة، المحاضر في الاقتصاد في جامعة بيرزيت. أما الفصل الرابع فهو بعنوان "التخلف وآفاق التنمية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين"، وهو بقلم سليم تماري، المحاضر في علم الاجتماع في جامعة بيرزيت. ولعل أول ما يلفت النظر هو التباين الكبير بين حجم الفصلين. فبينما يحتل الفصل الثالث 77 صفحة من الكتاب يقع الفصل الرابع في 14 صفحة خصص الكاتب أربع صفحات منها للآثار الاقتصادية والتنموية للانتفاضة، لا للموضوع الرئيسي للفصل.

والفصل الثالث، في واقع الأمر، أطول فصول الكتاب من دون أن يكون لذلك تبرير واضح، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار صعوبة تدريس هذا الموضوع، من غير افتراض أية خلفية نظرية في الاقتصاد، ولو أولية. والكاتب يعي هذه الصعوبة؛ فهو يبدأ هذا الفصل بتعريف مفاهيم أولية في الاقتصاد مثل: "الناتج القومي الإجمالي" بعناصره المختلفة، و"النمو الاقتصادي" واختلافه عن "التنمية الاقتصادية"، بالإضافة إلى مفاهيم ومصطلحات أخرى. وينقسم الفصل ى إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: يعنى الجزء الأول منها "بدراسة قطاعات الإنتاج والخدمات المختلفة"؛ ويعنى الثاني "بدراسة تبعية اقتصاد المناطق المحتلة للاقتصاد الإسرائيلي"، ويعنى الثالث "بدراسة تبعية المؤسسات الاجتماعية الهامة العاملة في المناطق المحتلة، مثل الحركة العمالية النقابية ولجان العمل التطوعي، والإغاثة الطبية، ولجان المرأة بالإضافة إلى بعض الجمعيات التعاونية وذلك بهدف دراسة دورها وأهميتها الاقتصادية."

وعلى الرغم من أن هذا الفصل فصل جيد بُذل فيه جهد كبير، فإنه يعاني مشكلتين: تضخم واكتظاظ في الأرقام والإحصاءات والجداول إلى درجة الخروج عن نطاق ما هو ضروري للقارىء، الذي يتوجه هذا الكتاب إليه؛ وعدم التبسيط الكافي في عرض الموضوع بهدف الوصول إلى نفس القارىء. وأتوقع أن يجد القارىء العادي وطالب المرحلة الثانوية هذا الفصل أعسر على الفهم من الفصول الأخرى.

في المقابل، ينجح سليم تماري في الفصل الأخير في عرض موضوعه بوضوح ومن دون تعقيد غير مبرر. وبعد تحديد سريع لأهم سمات التخلف، ينتقل إلى معالجة معنى التنمية، وما إذا كان من الممكن وجود تنمية في ظل الاحتلال، غير أن هذا الفصل كان ليحقق نجاحاً أكثر لو لم يتّسم بالاختزال والاختصار والاقتضاب، وكان من المفضل لو تقاسم الفصلان الثالث والرابع مجموع عدد صفحاتهما مناصفة.

وعلى الرغم من أية ملاحظات يمكن أن تقال بخصوص مختلف فصول الكتاب، فإن هذا المؤلَّف، ككل، يبقى عملاً ريادياً نحو إعادة النظر في المناهج وسد ثغرات حيوية فيها. ولما كان هذا الكتاب أول عمل منشور من نوعه في الأرض المحتلة، فلن يكون من المستغرب أن يصبح نقطة انطلاق مقارنة، ونموذجاً لكتب أخرى في المستقبل.

Author biography: 

جورج جقمان: أستاذ مشارك في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية، جامعة بيرزيت.