Quandt, ed., The Middle East: Ten Years After Camp David
Full text: 

الشرق الأوسط: عشرة أعوام بعد كامب ديفيد

The Middle East: Ten Years After Camp David

ed. By William B. Quandt.

Washington, D.C.: Brookings Institute, 1988.

 

طالَعَنا، منـــذ ســـنة 1945، دفـــق من الكتب والمقالات والتعليقات في شأن الصراع العربي – الإسرائيلي. وحتى خمس عشرة سنة فقط، كانت كل هذه الأدبيات تقريباً تصدر بأقلام كتّاب إسرائيليين وأشخاص متعاطفين مع قضيتهم. غير أنه في المرحلة التي تلت ذلك، عاد التوازن جزئياً إلى ساحة النشر، منذ أن بدأت كتب بأقلام كتّاب عرب وآخرين من غير الصهاينة تصدر وتُقرأ.

ونظراً إلى وفرة الكتب التي تتناول موضوع الصراع، فإن صدور أي كتاب جديد من شأنه أن يدفع قراءه إلى التساؤل أولاً: هل هو ضروري؟ وثانياً: هل منه فائدة ترجى؟ هل يساعد، وهل يثير اهتمام الباحث المختص أو حتى القارىء العادي؟ إن كتاب "الشرق الأوسط: عشرة أعوام بعد كامب ديفيد" (تحرير وليم كوانت)، وإنْ لم يكن ضمن مجموعة الكتب "الضرورية"، إلا أن من الممكن إدراجه في لائحة كتب الفئة الثانية الأوسع.

إن التعامل مع كتابات الباحثين المتخصصين يجب أن يتم بحذر شديد. فمن النادر أن يكشف الخبراء تبصراً جديداً أو معلومة جديدة في كتاب يعده باحث غيره؛ فهم عادة يخفون نفائسهم لإصداراتهم الخاصة بهم. ومن هذا المنطلق، فإن كتاب كوانت لا يقدم أية مفاجآت. وكل الإسرائيليين، والعرب، والأميركيين، المساهمين في هذا الكتاب قد سبق أن عرضوا وجهات نظرهم – بعضهم تكراراً وبصورة أكثر بلاغة من غيرهم.

أحد الغرباء وآراؤه غير متوفرة بسهولة للأميركيين، هو السوفياتي أفجيني بريماكوف يعرض، ولا غرابة، للموقف السوفياتي في الشرق الأوسط ويوافق عليه. ولكان أمراً مثيراً للدهشة فيما لو وجدنا نقداً شديداً فيما كتبه، حتى في ظل سياسة الانفتاح (غلاسنوست). ومع ذلك، يعترف بريماكوف بأن "ردة فعل أسرع وأكثر تحديداً وإيجابية إزاء مشروع فهد لتسوية مسألة الشرق الأوسط، الذي تقدمت العربية السعودية به في آب/أغسطس 1981، كان من شأنها أن تخدم المصالح السوفياتية." إنه يحدد نقاطاً مكررة مراراً: إن لدى الاتحاد السوفياتي مصالح في الشرق الأوسط؛ إنه سيكون شريكاً في مفاوضات السلام؛ إن مؤتمراً شاملاً سيكون في مصلحة جميع الأفرقاء. ويشير الباحث (عن حق، وبدقة تصل إلى حد القسوة) إلى أن "العالم كله، عدا إسرائيل والولايات المتحدة، يعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير." وربما سيكون من الممتع رصد ما إذا كان الاتحاد السوفياتي سوف يتراجع عن موقفه النبيل عندما تحاول أول جمهورية سوفياتية – وواحدة ستحاول بالتأكيد – الإفادة من حقها الدستوري في الانسحاب من الاتحاد.

وبينما يتعذر اختيار بحث واحد بارز في كتاب كوانت، فإنه لا يوجد أيضاً بحث واحد مكتوب برداءة إلى حد يُنصح للقراء تجاهله. إن قيمة ك بحث وكل موقف تكمن كالعادة في نظرة القارىء إليه. لقد أثنى أحد مراجعي الكتاب مؤخراً، وهو مؤيد لإسرائيل، على عرض السفير صموئيل لويس في فصله عن "الولايات المتحدة وإسرائيل"، وعلى الرؤى الباهرة فيه. ولقد قابل بحث لويس بـ"مناظرات" رشيد الخالدي "المجهَدَة" فيما عنى منظمة التحرير الفلسطينية. إن مراجعاً أقل انحيازاً (أو من تتجه انحيازاته  إلى الجهة الأخرى)، ربما كان تحدث عن عرض رشيد الخالدي "القوي والدقيق لموقف منظمة التحرير"، وعن دفاع السفير لويس "عن إسرائيل وأعمالها ومواقفها، المكرر كثيراً والسخيف في معظم الأحيان."

يصف السفير لويس اجتياح إسرائيل المفجع للبنان، لكنه يتستر على حقيقة أن الحدود اللبنانية كانت هادئة طوال عام تقريباً وأن التبرير الإسرائيلي للاجتياح كان مخادعاً. وينغمس لويس في بعض الفكاهة السوداء في قوله "إن هيغ، وحبيب، ودرايبر... وأنا قد حثينا (إسرائيل) على بذل أقصى حد من ضبط النفس، وحذرناها من تضخيم التهديد العسكري الذي تمثله م. ت. ف." لكنه لا يعطي تفسيراً لـ"الضوء الأخضر" الذي يقول شارون أن هيغ أعطاه إياه للاجتياح. بل يقول "إنه (هيغ) حاول أن يثني (إسرائيل) عن شن أي هجوم. لكن بعد أن شنّ الهجوم، رأى فيه فرصة استراتيجية للولايات المتحدة في حال أُزيلت منظمة التحرير فعلياً من المعادلة اللبنانية، وفي حال أُجبرت سوريا، صديقة الاتحاد السوفياتي، على تخفيف قبضتها الخانقة على شرق لبنان." وأيضاً، فإن ما لا يقوله، كما أن السفير لويس لا يقول لنا لماذا تجاهلت إسرائيل نصيحة الولايات المتحدة لها بضبط النفس.

ويصف السفير لويس الرعب الذي انتاب الأميركيين من جراء مجازر صبر ا وشاتيلا، لكنه يذهب إلى أن فترة اهتمام إدارة ريغان بالمجزرة كانت قصيرة نسبياً على غير عادة، وأنه "بحلول شهر تموز/يوليو 1983 كان كبار المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين يتصرفون كأصدقاء وزملاء... واستمر هذا النمط – إلا نادراً – طوال الأعوام الخمسة التي كانت متبقية من رئاسة ريغان." ولعل تحليلاً لكيفية حدوث ذلك وأسبابه، ولماذا غير شولتس سمعته من مؤيد للعرب إلى "أفضل وزير خارجية عرفناه (إسرائيل) حتى الآن" – على حد قول توماس داين عضو اللوبي الإسرائيلي – وكيف أخضعت السياسة الأميركية كي تماشي المتطلبات الإسرائيلية، من شأنه أن يكون تحليلاً ممتعاً ومفيداً. لكن، لا السفير لويس ولا أي كاتب من الآخرين، يقدم تحليلاً كهذا أو حتى تأملات.

ويقدم عبد المنعم سيد علي سرداً كئيبا لمشكلات مصر التي لم يحلها السلام مع إسرائيل والتي تسير من سيىء إلى أسوأ، من دون أن يعمل على تحسينها سلام مصر مع إسرائيل. إلا أنه يعرف عن اعتقاده أن مصر "ستتدبر أمورها" كما فعلت دائماً. "فتجنب النكبات والكوارث سيكون مرادفاً لإحراز انتصارات." وفي هذا الرجاء الورع، قد يكون سيد علي على حق. لكن تفسيراً غير لاهوتي كان سيكون مفيداً.

 وباستثناء رشيد الخالدي، فإن الباحثين العربيين الآخرين اللذين ساهما في الكتاب هما مسيحيان، يعيش أحدهما في الولايات المتحدة والآخر في فرنسا.. أولم تكن هناك وجهات نظر أردنية أو سورية أو لبنانية أو عراقية أو سعودية؟

وينتهي الكتاب ببحث هارولد ساوندرز الذي يضمنه رؤيته المستقبلية للصراع. وساوندرز، وهو رجل طيب النيات، لم يبدِ قط فهماً كبيراً لا للعرب ولا للإسرائيليين. ففي أثناء مفاوضات كامب ديفيد، كان يشدد على ضرورة اعتبار تأكيد الإسرائيليين أنهم لن يغادروا الضفة الغربية أبداً، إنه مجرد موقف يدعم موقعهم التفاوضي، لأنه سبق أن قالوا إنهم لن يغادروا سيناء أبداً، وما لبثوا أن فعلوا. لكن ساوندرز لا يأخذ في الاعتبار أن سيناء لم تكن قط ضمن المطالب الصهيونية الأولى، بعكس "يهودا والسامرة" اللتين يعتبرهما المتدينون الصهاينة في قلب أرض – إسرائيل. وقد أثار التخلي عن سيناء حفيظة الذين رأوا فيها ضمانة لأمن إسرائيل، لكن المطالبة الدينية بشبه الجزيرة كانت ضعيفة. وإخلاء الضفة الغربية من شأنه أن يكون، على الأقل، مشكلة أمنية لإسرائيل بالقدر نفسه الذي كان فيه الانسحاب من سيناء، لكن ثمة حلولاً بارعة اقتُرحت في هذا الشأن. ونقض المطالبة اليهودية الدينية بالأقاليم المركزية لأرض – إسرائيل هو الأمر الذي سيكون أصعب بما لا يقاس.

ولعل القارىء كان يأمل بأفق رؤية أرحب وبخيال أوسع فيما ضمنه الكاتب الفصل الأخير المتعلق بإعادة تشكيل عملية السلام العربية – الإسرائيلية. ولعل الأمر ليس كذلك. فقد لا تكون هناك فِكَر جديدة وقد تكون المشكلة وجودية. وربما ليس هناك من حل. والأميركيون يتضايقون من مثل هذا التشاؤم، لكن مع ذلك ترك كوانت لبريماكوف أن يقول إن العالم كله يؤمن بضرورة الاعتراف  بمنظمة التحرير الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، وأن الحلول يجب أن نجدها في مؤتمر دولي. وسيكون بريماكوف على خطأ إذا ما استُثنيت م. ت. ف. من محادثات السلام، أو إذا ما وضعت الولايات المتحدة وإسرائيل فيتو على المؤتمر. وربما ينجح بوش وغورباتشوف، وكلاهما براغماتي على الصعيد العالمي، في العثور على جواب. وفي حال تم ذلك، فإن هذا الجواب لن يكون مرتكزاً على كامب ديفيد، ولن يجيء من هذه المقالات التي احتواها الكتاب.

Author biography: 

جيمس أكينز: كاتب ومستشار في شؤون الشرق الأوسط والطاقة.