The Possible Effects of Soviet Jewish Immigrants on Israeli Society
Keywords: 
هجرة اليهود السوفيات
استيعاب المهاجرين
Full text: 

باتت هجرة اليهود السوفيات بالنسبة إلى قادة إسرائيل الهدف الاستراتيجي الأول في أعلى سلّم الأولويات في الشأن العام، حتى أن هذا الهدف صرفهم عن الانشغال بالقضايا المصيرية الأخرى، مثل قضية التسوية، على الرغم من أن معالجتهم لها لا تتجاوز المستوى التكتي.

اللافت أن قادة إسرائيل والحركة الصهيونية يحاولون الربط بين قضية هجرة اليهود السوفيات والقضايا المصيرية الأخرى امتداداً للاستراتيجية الصهيونية المعروفة والتي تعتمد استكمال "الأرض والشعب" – أي التوسع والهجرة – ومن ثم التفكير في حل المشكلة الرئيسية استناداً إلى أمر واقع يتشكل مع الزمن. ولعل هذا هو ما دفع يتسحاق شمير، رئيس الحكومة الإسرائيلية، إلى استفزاز العرب وتحديهم، رابطاً موجة الهجرة الجديدة بصميم وجود إسرائيل، وزاعماً أن الهجرة تخيف العرب لأنها ستحول دون تحقيق غايتهم بالانتصار على إسرائيل، "وواجبنا هو تعميق هذا الخوف لديهم."[1]   كما يحاول قادة إسرائيل الربط بين الهجرة وحماية يهود العالم، كون الهجرة جاءت لتحول دون "حالة هتلرية" أو لتجنيب اليهود كوارث وشيكة زعماً.

إلا أن مسألة استيعاب هذه الأعداد الغفيرة من المهاجرين في الاقتصاد الإسرائيلي، وما يترتب عليها من أعباء مالية ومادية ونفسية، هي المشكلة الكبرى التي تواجه إسرائيل حالياً. فمن الناحية المالية، ثمة تقديرات تفيد بأن استيعاب مليون مهاجر جديد خلال الأعوام الخمسة المقبلة سيكلف ما بين 15 و20 مليار دولار، بما في ذلك المساعدات الأميركية وتبرعات يهود العالم، وهي مبالغ تكاد تكون غير كافية للإنفاق على بناء المساكن، وإيجاد مصادر عمل جديدة، وتمويل حركة الواردات من أجل مواجهة الاستهلاك المتزايد بفعل الهجرة. هذا في الوقت الذي يضطر إسرائيل إلى خفض مستى المعيشة كي تتمكن من الاضطلاع بالالتزامات الجديدة، ويضطرها بالتالي إلى خفض الاستهلاك وزيادة النمو الاقتصادي مجدداً في أوضاع غير مؤاتية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وحالة البلبلة. ولذا، لا ترى الأستاذة روت كلينوف كيف سيتمكن الاقتصاد الإسرائيلي من توفير أكثر من 5 إلى 7 مليارات دولار لتمويل الهجرة خلال الأعوام المقبلة من دون إحداث تغيير بنيوي في الفروع الاقتصادية.[2]  وقد لا يكون هذا ممكناً في ظل أوضاع إسرائيل الحالية المفتقرة إلى مناخ من "الإجماع الوطني" الذي ييسر اتخاذ قرارات جذرية في هذا المجال. فهل سيجرؤ أحد مثلاً على خفض مخصصات المؤسسة العسكرية أو مصروفات الأجهزة الحكومية العلنية منها والسرية؟

وكي تتمكن إسرائيل من تكييف  الاقتصاد والمجتمع تجاه الأوضاع المستجدة والمحافظة على حد أدنى من "التضامن الوطني"، لا بد لها من مواجهة هزات اجتماعية كبيرة قد تعود بتأثير سلبي على قدرتها على استيعاب المهاجرين السوفيات. إذ ليس سهلاً التغاضي عن مشاعر الغبن لدى المهاجرين القدامى الذين يرون أن اليهود السوفيات يُدلّلون على حسابهم. هذا علاوة على ما يشاع عن اليهود السوفيات من أنهم لا يدينون بالصهيونية، بل يستخدمونها تحقيقاً لغاياتهم. وسكان إسرائيل لن يقبلوا بخفض مستوى معيشتهم إرضاء للوافدين الجدد. فقد كشف استقصاء بين طلبة الصف الحادي عشر في بعض المدارس الثانوية في حيفا أن 42% من المستفتين يعتقدون بوجوب تحديد عدد المهاجرين. ويعتقد 66% أن للمهاجرين الجدد تأثيراً ضاراً بفرص العمل التي يمكن أن تتاح للعاطلين عن العمل في إسرائيل، "ولا شك في أن شرائح معينة في المجتمع الإسرائيلي تخشى حقاً الهجرة الجديدة وما تحمل بين طياتها."[3]

ربما من السابق لأوانه الحديث عن  إمكانات التوتر الاجتماعي بين اليهود الشرقيين (السفاراديم) الآتين من دول آسيا وإفريقيا والأشكناز الذين يعتبر اليهود السوفيات أنهم ينتمون إليهم. لكن هناك منحى آخر من التوترات الاجتماعية المتأتية من هجرة اليهود السوفيات، والتي بدأت براعمها تبرز منذ الآن، وهو منحى يتعلق بالإشكالات الدينية. إذ يظهر أن أغلبية اليهود السوفيات لا تمارس عقيدتها الدينية بحسب قوانين الشريعة اليهودية وتقاليد التيار الأرثوذكسي المتزمت. ويبدو أن هنالك حالات زواج مختلط كثيرة بينهم وأن عائلات كثيرة مسجلة أنها يهودية وفق التعريف المرن الذي وضعته السلطات السوفياتية. ويسود بين الأوساط الدينية تخوف من أن عناصر عديدة غير يهودية في الأصل تتسلل بين صفوف المهاجرين. ويثير هذا كله حفيظة الأحزاب الدينية التي تتمتع بنفوذ سياسي داخل نظام الحكم الإسرائيلي. ومرة أخرى، ستُطرح قضية "من هو اليهودي" بكل حدتها. وهناك أيضاً إمكان اشتداد الاستقطاب بين التيار الديني والتيار العلماني، وهو ما من شأنه أن يتناقض أيضاً مع مسعى السلطات الإسرائيلية لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة من اليهود السوفيات. وفي هذا الصدد قال أحد المعلقين إنه "ليست هذه المرة الأولى التي تتناقض فيها المصلحة الدينية مع المصلحة الوطنية. والويل لنا إذا انتصرت المصلحة الدينية هذه المرة."[4]

 سمات ديموغرافية

قد تساعد محاولة رصد السمات العامة للمهاجرين الجدد في متابعة الآثار الاجتماعية المتوقعة التي سيحدثها انخراطهم في المجتمع الإسرائيلي. والسمة الرئيسية التي تميزهم هي أنهم غرباء عن هذا المجتمع الذي اتخذ طابعاً خاصاً، والذي من المرجح أنه سيؤثر فيهم وأنهم سيؤثرون فيه.

لا بأس في التوقف عند بعض المعطيات التي نشرت في إسرائيل مؤخراً والمتعلقة بأوضاع المهاجرين الجدد الاجتماعية وميولهم السياسية. ففي دراسة استقصائية[5]  أجراها فريق من الخبراء في جامعة تل أبيب واستخدم فيها 250 استمارة كُتبت بالروسية ووزعت في أربعة مراكز استيعاب، تبين أن المهاجرين، خلافاً لما كان شائعاً، لا يظهرون تجاه أحزاب اليمين تفضيلاً سياسياً واضحاً. وبحسب الاستقصاء، فإن 48,5% من المستفتين ماثلوا أنفسهم مع "اليمين" في مقابل 51,5 % مع "اليسار". واتضح من أجوبة عن سؤال أكثر تحديداً بشأن انتخاب الحزب المفضل أن النتائج متساوية. وهذه تشير إلى أن المهاجرين  السوفيات لن يؤثروا كثيراً في الانقسام السياسي بين طرفي المعادلة الحزبية.

وأبرزت الدراسة أيضاً بعض السمات الديموغرافية للمهاجرين السوفيات أهمها أن 81% من المستفتين متزوجون، وأن المعدل الوسطي لعدد الأولاد لدى كل عائلة هو 1,6، وأن 83 % منهم أكاديميون ولا سيما في ميادين المهن الطبية وهندسة الآلات والإلكترونيات، وأن 88,1 % هم من أصحاب "الياقات البيض" و 11% من أصحاب "الياقات الزرق". وهذه الفئة من المهاجرين ليست متدينة. ويفضل 64,2 % منهم السكن في مدينة صغيرة، في  حين يفضل 37,6 % السكن في مدينة كبيرة، ويفضل 74 % الخروج من نطاق الجالية السوفياتية والانخراط في السكان، ويرفض 89 % منهم "بصورة مطلقة تقريباً" إمكان السكن في القدس الشرقية، ويرفض 96,6% منهم إمكان الإقامة في المناطق المحتلة (في الضفة الغربية وقطاع غزة). كما أن 84 % لا يعرفون من هو رئيس بلدية البلدة التي يقع فيها المركز المعد لاستيعابهم.

 صعوبتان: سكن وعمل

لدى عرض التأثيرات الاجتماعية الممكنة لموجات الهجرة السوفياتية يبرز تأثيرات اثنان يحظيان بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية: تأثير صعوبات الاستيعاب وأبرزها توفير السكن؛ وصعوبة توفير العمل. وعلى هاتين الصعوبتين يتوقف استمرار موجة الهجرة أو انحسارها، وبقاء السواد الأعظم من المهاجرين في إسرائيل أو الرحيل عنها متى فتحت أمامهم أبواب أخرى.

مشكلة الإسكان

والاندفاع نحو تهويد الجليل

لا تنحصر مشكلة الإسكان في توفير الحلول السكنية للمهاجرين الجدد بل تتخطاه إلى التسبب بارتفاع أسعار الأراضي والمنازل الجاهزة والإيجارات  وتكاليف البناء، مع ما لكل ذلك من تأثير في الشرائح السكانية الدنيا والمتوسطة، ومع ما سيحدثه، بالتالي، من خلل في "سلة الاستهلاك" بالنسبة إلى الإنسان العادي. كما أن ذلك سيتسبب بإهمال ما يسمى في القاموس الإسرائيلي "أحياء الضائقة" وتوجيه الجهود نحو توفير المساكن للمهاجرين الجدد وإهمال القدامى.

إن المشكلة الآنية المتعلقة بالسكن تتمثل في توفير مساكن لـ 150 ألف مهاجر متوقع وصولهم خلال العام الجاري. وهذا سيلقي على الميزانية عبئاً جديداً على حساب جزء من الدعم للمواد الأساسية وخصوصاً الخبر، مع خفض 1,7 % من الإنفاقات العامة لمختلف الوزارات.

فقد تقدم وزير المال، يتسحاق موداعي، بميزانية إضافية مقدارها 2,5 مليار شيكل (1,2 مليار دولار تقريباً) من أجل بناء 45 ألف وحدة سكنية لاستيعاب 96 ألف مهاجر فوراً.[6]

وهناك خطة تقدم بها دافيد ليفي عندما كان وزيراً للإسكان والبناء تقضي ببناء 60 ألف وحدة سكنية حتى آخر آذار/مارس 1991، وذلك في إطار برنامج وزارة الإسكان. ويضاف إلى ذلك 25 ألف وحدة سكنية تبنى بجهود أفراد، وذلك في كل من  الجليل والوسط والنقب وضواحي القدس و"مدن الإعمار".[7]   ويدور حديث عن خطة أخرى لإسكان 110 آلاف عائلة، أي نحو نصف مليون نسمة، في خمسة أماكن من البلد وخلال مدة تراوح بين خمسة أعوام وعشرة أعوام. وستكلف هذه الخطة 18 مليار دولار.[8]

لكن لا توجد ضمانات أكيدة لتنفيذ هذه الخطط. وقد صرح "مصدر حكومي رفيع المستوى" في إسرائيل أن نحو مليون يهودي سيهاجرون من الاتحاد السوفياتي إلى إسرائيل خلال خمسة أعوام. وأشار إلى أنه في حال عجز الحكومة عن توفير مساكن لهؤلاء المهاجرين، سيجد 750 ألف نسمة أنفسهم بلا مأوى في إسرائيل بعد مرور خمسة أعوام. وتوقع ذلك المصدر الحكومي أن يبلغ النقص في عدد الشقق السكنية خلال تلك الأعوام 250 ألف شقة، وقال إنه ستكون هناك حاجة إلى 500 ألف وحدة سكنية للمهاجرين الجدد والأزواج الشبان.[9]

وقد حذر أبراهام شوحيط، رئيس لجنة المال التابعة للكنيست، من أن "يبرز فشل ذريع في وتيرة بدايات البناء للمهاجرين، ونحن ندخل حقبة من النقص الهائل في المساكن." وجاء في معلومات رُفعت إلى وزارة الإسكان والبناء أنه قد تم منذ بداية سنة 1989 إنجاز بناء 5700 وحدة سكنية فقط، في حين أن المطلوب خلال هذه السنة بناء 45 – 50 ألف وحدة سكنية.[10]

والأرجح أن الهجرة السوفياتية ستكون، ولا ريب، على حساب المواطن العربي. ولا تخلو مخططات المسؤولين الإسرائيليين من البحث عن حلول للمهاجرين الجدد على حساب العرب وبخاصة في بعض المدن التي يشكلون فيها أقلية ضئيلة مثل مدينتي عكا ويافا. فقد أعلن شلومو لاهط، رئيس بلدية تل أبيب، نية إسكان مئات عائلات المهاجرين في يافا (التي يقطنها من العرب نحو 16 ألف نسمة، بعد أن كانوا 74 ألفاً سنة 1948) في إطار "خطة لاهط لتهويد يافا"، علماً بأن المدينة تعاني أزمة سكنية بسبب القيود التي تفرضها السلطة الإسرائيلية على البناء العربي. وأشار لاهط في وثيقة رفعها إلى أريئيل شارون بصفته وزيراً للإسكان والبناء إلى أنه يمكن بناء وترميم 5000 وحدة سكنية في يافا وإعدادها للمهاجرين. ورد على معارضة قادة الجمهور العربي في يافا لهذه الخطة بقوله إن "دولة إسرائيل هي دولة ذات أكثرية يهودية. تماماً، وبالمقدار نفسه الذي أ}ؤيد فيه توطين اليهود في الجليل والنقب، يجب تطبيق ذلك على يافا أيضاً." وأضاف لاهط أن "فكرة توجيه السكان اليهود إلى يافا طرحت قبل أكثر من عشرة أعوام، إلا أنه لم يتم إنجاز أي شيء. والآن، ولدى تعيين أريئيل شارون وزيراً للإسكان والبناء ثمة إمكان لتحريك الأمور بسرعة."[11]

اعتبر الوجهاء العرب في مدينة يافا خطة لاهط بأنها خطة "عنصرية"، ومحاولة لحرمانهم من منازلهم. وقيل على لسان أحدهم أن لاهط يحاول تنفيذ خطة ربيبه رحبعام زئيفي الخاصة بـ"الترانسفير".[12]

وينطبق الأمر عينه على مدينة عكا، إذ إن السكان العرب هناك يتحدثون عن مخططات التهويد والترانسفير في ضوء التلميحات الخاصة إلى إحلال المهاجرين السوفيات محل العرب في المدينة.[13]

مشكلات العمالة

حلول في اتجاه اللامعقول

تطرح مسألة توفير الأشغال والوظائف المتلائمة مع كفاءات المهاجرين اليهود السوفيات وتخصصاتهم مشكلات على أكثر من صعيد. فالمشكلة الأولى ناجمة عن وجود بطالة في الاقتصاد الإسرائيلي تتراوح نسبتها بين 9 % و 10 % من مجموع الطاقة العاملة. ولما كان الاقتصاد الإسرائيلي عاجزاً عن استيعاب الكفاءات المتعددة الجديدة، فمن المتوقع أن تتفاقم البطالة بعد مرور فترة على وصول المهاجرين. فإذا كانت الحكومة الإسرائيلية تتكفل دعم المهاجرين بمساعدات خارجية (يُدفع للمهاجر 22 ألف شيكل لاستئجار منزل وغير ذلك) في العام الأول من وصولهم، فإن المشكلة تأخذ بعد ذلك بالتفاقم تفاقماً خطراً.

وتتمثل المشكلة الثانية في وجود نسبة كبيرة من المهاجرين السوفيات من أصحاب الكفاءات العلمية والأكاديمية، إذ من الصعب على الاقتصاد الإسرائيلي استيعابها في الأوضاع الحالية، إما لأنها غير مطلوبة وإما لأن ما هو معروض يفوق ما هو مطلوب. ونظراً إلى وجود بطالة بين السكان القدامى حالياً، فإن الكثيرين من المهاجرين قد لا يجدون وظائف أو فرص عمل حتى وإنْ كانت مستوياتها أدنى كثيراً من مستويات كفاءاتهم وتخصصاتهم. وتفيد مصادر الوكالة اليهودية أن كل 100 ألف مهاجر يحتاجون إلى 33,000 وظيفة، ويجري توفير 28,000 وظيفة في البناء و 11,000 وظيفة في القطاع الخاص. وهناك 6 مهاجرين من كل 10 مهاجرين حائزون درجات علمية عالية.[14]

ومن اللافت أن بين المائة ألف مهاجر المتوقع وصولهم إلى إسرائيل خلال العام الجاري نحو 30 ألفاً من الأكاديميين وأصحاب مهن تكنولوجية. وإذا أضيف هذا العدد إلى 20 ألف طالب إسرائيلي ينهون دراساتهم العليا هذه السنة، سيجد الاقتصاد الإسرائيلي أن أمامه كل عام مهمة استيعاب نحو 50 ألف أكاديمي وتوفير مصادر عمالة ملائمة لهم.[15]

وأفادت مصادر المكتب المركزي للإحصاء أن 36% من المهاجرين اليهود الذين انتقلوا إلى إسرائيل خلال الربع الأول من العام الحالي هم من أصحاب المهن العلمية والأكاديمية، منهم 23 % مهندسون و6 % أطباء، كما أن 35 % من المهاجرين هم من أصحاب المهن الحرة، و6 % مديرون وموظفون، و3 % خبراء بيع، و4 % عمال خدمات، و16 % عمان مهنيون وعمال بناء وصناعة ومواصلات. كما أن 40 % من مجموع المهاجرين هم من أصحاب الثقافة ما فوق الثانوية، درسوا لمدة تتراوح بين 13 و15 عاماً، وتصل نسبتهم بين مهاجري الاتحاد السوفياتي إلى 42 %.[16]

ويتضح من معلومات أخرى أنه إذا كان 40% من المهاجرين السوفيات علماء وأكاديميين، فهذا يعني أنهم يمثلون أربعة أضعاف المستوى الإسرائيلي العام. كما أن أعمارهم فتية، إذ إن أعمار نصفهم تبلغ 35 عاماً وما دون، وهم جميعاً مثقفون ويسعون لأشغال تتلاءم وهذه الحقيقة.[17]

وبحسب معلومات مستقاة من "ملفات  المسجلين للهجرة"[18]  والمتوقع وصولهم قريباً، هناك خمس فئات من المهاجرين من أصحاب الكفاءات العلمية والتقنية والفنية المختلفة:

1- فئة المهندسين: 2837 مهندساً ميكانيكياً، و2735 إنشاءات (علاوة على 156 مهندس عمارات)، و1713 مبرمج حواسيب إلكترونية (علاوة على 337 مهندس حواسيب إلكترونية)، و1520 مهندساً كهربائياً، و1319 مهندساً إلكترونياً، و15 مهندس مواصلات، و6 مهندسي بصريات.

2- علماء فعليون، وعددهم 110، وهم ذوو مستويات علمية دولية عالية وأعضاء أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفياتي.

3- عاملون تقنيون في المجال الطبي والصحي، ولا سيما أطباء، سيصل عددهم إلى 2270 طبيباً – بينهم 1095 طبيب أسنان.

4- العلوم الدقيقة والعلوم الطبيعية: وتضم هذه الفئة نحو 2000 أكاديمي يتخصص نصفهم بالفيزياء والرياضيات، و343 كيماوياً، و192 بيولوجياً. ويندرج تحت هذه الفئة متخصصون بالعلوم الأدبية: 278 كاتباً ومؤلفاً، و97 مترجماً، و85 لغوياً، و64 صحافياً، و45 مؤرخاً، و37 محرراً، و30 عالماً نفسانياً، و19 رجل قانون. علاوة على 2642 مدرساً، و294 حاضنة، و1265 عالماً اقتصادياً، و1399 مدير حسابات.

5- الفنون: وستضم 1849 فناناً بينهم: 985 موسيقاراً، و436 رساماً، و64 ممثلاً، و43 مخرجاً، و29 كاتباً، و23 ملحناً، و21 عازفاً.

وهكذا، تبدو الصورة كأن إسرائيل ستُغرق في طاقات علمية ليس في وسع البلد استيعابها، وهو ما سيؤدي إلى مشكلات حادة، علماً بأن بعض المسؤولين الإسرائيليين يحاول الإيهام بعدم وجود مشكلة. من ذلك ان يوسي بايلين، نائب وزير المال ورئيس لجنة المديرين العامين لاستيعاب المهاجرين، يوحي بتفاؤل في هذا الصدد، وينفي وجود أي قلق إذ يقول إن "دولة إسرائيل استوعبت مليون مهاجر بعد إقامتها بوقت طويل... لن تجد صعوبة في استيعاب 100 ألف مهاجر في السنة." بل ان بايلين متفائل لجهة توفير الأشغال للمهاجرين معللاً ذلك بوجود نقص في مجال التمريض مقداره 2000 ممرضة، ووجود 11 ألف عامل أجنبي يعملون من دون إذن، و30 ألف عامل من المناطق لا يعمل منهم في إسرائيل بصورة منتظمة سوى ثلثهم...[19]

ويذهب اليمين المتطرف الذي يفصح عما يخفيه اليمين "العادي" إلى أبعد من ذلك في تصوراته بطرد العرب من إسرائيل كي يحل السوفيات محلهم. وهذا اليمين واثق بتحقيق ذلك لأنه يتولى السلطة الآن ويأمل بتحقيق مآربه ما دامت الإمكانات متوفرة. يقول يسرائيل إلداد أن "الهجرة الجديدة لا بد من أن تغير جدول أعمالنا الوطني والفردي كله." لماذا؟ لأن هذه الهجرة ستضرب تجذر عرب إسرائيل في الاقتصاد الإسرائيلي، إذ إن "مئات الآلاف من المهاجرين ستحل مكان العمل العربي في الصناعة والحرف والتجارة والزراعة والخدمات – ومن هنا وحتى 'خروج مصر' لعرب أرض إسرائيل من داخل الاقتصاد الوطني – ستكون الطريق مفتوحة وقصيرة جداً."[20]  

وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة يتسحاق شمير لا يستخف بصعوبات استيعاب المهاجرين السوفيات، فقد وجد حلاً سهلاً هو إلقاء عبء الاستيعاب في مجال العمالة على "الصناعة وخصوصاً الصناعة التصديرية."[21]   ومرة أخرى، لم يشر شمير إلى كيفية تأمين الاستثمارات والأسواق للمنتوجات الجديدة.

 مشاريع "وطنية" في ظل السلام!

تبرز على صفحات الجرائد الإسرائيلية إمكانات تنفيذ مشاريع علمية واسعة لاستيعاب الطاقة السوفياتية الجديدة. وقد طرح مناحم برباش، المدير السابق لقضاء النقب في وزارة العمل والإسكان، فكرة تنفيذ "مشاريع قومية كبيرة مثل تطوير الثروات الطبيعية (؟؟) واستغلالها، وإنشاء اقتصاد قادر على استيعاب مليون مهاجر خلال عقد واحد." لكن هذه المشاريع، كما يقول صاحبها، غير ممكنة إلا في حال التقدم نحو، "حل النزاع بيننا وبين جيراننا. وفي حالة عدم اليقين السياسي والأمني، فمن الصعب أن يخطر في البال استجابة مهمة لمبادرين في العالم لإشراكهم في تطوير الاقتصاد الإسرائيلي." وبتابع برباش قائلاً: "إن ضغط الدول العظمى ودول أوروبا من أجل التقدم نحو حل الوضع في المناطق، يجعل النزاع موضوعاً أساسياً في جدول أعمالنا، ولا يتيح تركيز الجهد الوطني اللازم من أجل تنفيذ مهمة استيعاب مئات الآلاف من المهاجرين. ولن يلبي مهمة الجيل سوى مبادرات إسرائيلية والتقدم في عملية السلام، بدلاً من الجمود والهروب الخيالي من الواقع، وفي الوقت نفسه التعاون الفاعل مع يهود الشتات."[22]

وطرح أليشع افرات، الخبير الجغرافي والتخطيطي، بناء مؤسسات علمية كثيفة التكنولوجيا في جميع فروع النشاط الاقتصادي.[23]  والقصد مجمّعات تتضافر فيها تطبيقات العلوم والأبحاث والتعليم المهني والعمل الإبداعي وتسويق المنتوجات مثل المنتوجات الإلكترونية والحواسيب والمواصلات والسياحة والطب والطاقة والزراعة... إلخ، على أن يضم كل مجمّع من هذه المجمعات معهداً في المجالات الآنفة الذكر. ويوزع أفرات هذه المشاريع على النحو التالي:

  • بين حيفا وعكا، إقامة مدينة للصناعة الثقيلة؛
  • في كارميئيل، إقامة مجمّع صناعي لفروع الحواسيب الإلكترونية والإنسان الآلي والإلكترونيات؛
  • في اللد والرملة، إنشاء مجمع للصناعات كثيفة العلوم والتكنولوجيا، ويضم أكاديمية للطيران، ومعاهد أبحاث وتطوير مجال الطيران، والصناعات المتعلقة بأجهزة الطيران؛
  • بين رحوفوت ويفنه، إنشاء مجمع شامل للكيمياء الحياتية والتقنية الحياتية؛
  • في وسط البلد، يمكن استغلال العلوم الهندسية والمهنية للمهاجرين في مد خطوط السكة الحديد على محور بيتح تكفا – ريشون لتسيون؛
  • في إيلات، إقامة مجمّع صناعي لتحلية مياه البحر يضم مصانع كثيفة العلوم، وإنتاج أجهزة تحلية وتسويقها؛
  • في سديه بوكر يمكن إنشاء مجمع صناعي عالمي كثيف الخبرة في مجال الطاقة الشمسية، وإنشاء مصانع لإنتاج محطات توليد طاقة شمسية؛
  • في ديمونا وضواحيها يمكن إنشاء مجمع في فرع الكيمياء؛
  • في متسبيه رامون وضواحيها يمكن إنشاء مجمع للسياحة؛
  • في بئر السبع يمكن إنشاء جامعة يهودية عالمية للطلبة الوافدين من الخارج، ويمكن أيضاً إنشاء مطار.

 مجاهل وشكوك

لدى البحث في الانعكاسات الاجتماعية لموجات الهجرة السوفياتية إلى إسرائيل، لا بد من توخي الحذر، والحرص على عدم الاستخفاف بخطورة الموضوع وانعكاسه على مستقبل النزاع في المنطقة، ولا بد من الحرص أيضاً على عدم المبالغة في تقدير إمكانات إسرائيل لتفعيل هذه الطاقات الجديدة نظراً إلى مجاهل كثيرة تحيط بالمستقبل. وعلاوة على عوامل عديدة، تطرح الشكوك علامات استفهام بشأن إمكانات نجاح إسرائيل في تحقيق التوقعات الخاصة بشأن حجم هذه الهجرة وفرص استيعابها. إذ أن عوامل خارجة عن إطار الدوافع التي كانت في الماضي تحمل قسماً من يهود العالم على التفكير في الهجرة إلى إسرائيل، تتحكم حالياً في هجرة اليهود السوفيات. ومن أبرز هذه الدوافع الوضع الاقتصادي السوفياتي والنشاط الصهيوني المكثف بين اليهود السوفيات الذي يوقع بينهم وبين السلطة السوفياتية، ويسبب لهم الضيق ويؤثر في مواقفهم ويحملهم على كره العيش في بلدهم. ولذلك شاع قول في إسرائيل بأن مغادرة اليهود السوفياتي بهذه الأعداد الغفيرة إنما هي "خروج كبير من الاتحاد السوفياتي أكثر منه هجرة كبيرة إلى إسرائيل." ففي العام  الماضي فقط توجه أكثر من 90% من اليهود السوفيات إلى أماكن مختلفة ولا سيما أميركا الشمالية، ولم يذهب منهم إلى إسرائيل سوى 10%، حتى أن معسكر لاديسبولي في إيطاليا تحول إلى "روسيا صغيرة". وهذا ما جعل الحكومة الإسرائيلية تشدد على عدم السماح لليهود المهاجرين باتخاذ هلسنكي محطة انتقالية لهم، وتصر على جلبهم إلى إسرائيل مباشرة و"اصطيادهم" فيها خشية أن يغيروا اتجاههم.

لا غرابة في ذلك، إذ إن يهود الاتحاد السوفياتي لا يعرفون الكثير عن إسرائيل واليهودية، ولعلهم سمعوا الكثير عن صعوبات الحياة فيها. وقد رأى البعض أنه خلافاً لموجة الهجرة من الاتحاد السوفياتي قبل عشرين عاماً، لم يكن المهاجرون الحاليون "صهيونيين على الإطلاق ولا يكادون يشعرون بأنهم يهود. وحتى قبل سنة لم يخطر على بالهم المغادرة وطبعاً ليس إلى إسرائيل... فهذه هجرة عديمة الدوافع الصهيونية."[24]

وعبّر عن طبيعة هذه الهجرة معلق إسرائيلي بقوله إن "الهجرة الحالية من الاتحاد السوفياتي، خلافاً للموجة التي وصلت خلال السبعينات والثمانينات، ليست هجرة أيديولوجية توجهها رؤيا أرض إسرائيل الكاملة... الصهيونية وإسرائيل لا تحظيان في نظرهم إلا بأولوية منخفضة نسبياً. ولو كان في وسعهم السفر إلى أميركا لتوجه معظمهم إليها..."[25]

وقال وزير الدفاع الحالي موشيه آرنس إن "الخطر" لايكمن في إمكان "تغيير سياسة الاتحاد السوفياتي تجاه الهجرة" وإنما في إمكان "عدم القدرة على التصدي لتحدي الاستيعاب."[26]   ولقد بات هم السلطة الإسرائيلية ترسيخ أقدام هؤلاء المهاجرين في إسرائيل وإغلاق بلاد الهجرة الأخرى أمامهم، أي الإبقاء عليهم بالإكراه، إذ إنه "ليس من الصعب إحضارهم إلى إسرائيل لكن ليس من السهل إقناعهم بالبقاء فيها."[27] والهم الأساسي كما يقول المعنيون بهم أن يتم "استيعاب المهاجرين في دولة إسرائيل بصورة جيدة وأن يبقوا فيها بمحض إرادتهم، وليس لأنه لا يوجد أمامهم خيار آخر."[28]

إزاء عوامل عدم الوضوح هذه، من الصعب التنبؤ بالآثار التي ستتركها هجرة اليهود السوفيات في المجتمع الإسرائيلي، لأنه ليس معروفاً عدد الذين سيصلون خلال الأعوام الثلاثة أو الأعوام الخمسة المقبلة، ولا عدد الذين سيمكثون. ويتوقف ذلك كله على قدرة إسرائيل على استيعابهم، وهذه القدرة يعتريها شك كبير. فالتحدي الذي تواجهه إسرائيل الآن – علاوة على إثبات خلقية هذه الهجرة وشرعيتها – هو "ضمان عدم تفاعل بذور نزوح جماعي في المستقبل القريب."[29]

كما أن استمرار النزاع في الشرق الأوسط على حدته، ومواصلة إسرائيل انتهاج سياسة البطش والتنكيل تجاه سكان المناطق المحتلة، وسياسة القوة تجاه الدول العربية تعزز من عوامل عدم اليقين. وقد دلت التجارب السابقة أنه في ظل  التوتر العسكري والتهديد بنشوب الحروب، يزداد الميل لدى سكان إسرائيل نحو الرحيل. وهو ما جعل جاد ياتسيف، أحد منظري حزب مبام، يقول إنه "من أجل بقاء عدد كبير من من المهاجرين الجدد معنا هنا، لا بد من أن يسود السلام هنا، أو أن تكون عملية السلام على الأقل حركة حقيقية مستمرة وتقدماً متواصلاً وغير متعثر."[30]

5/9/1990

 

[1]   "دافار"، 5/6/1990.

[2]   تسفي زارحيا، "هآرتس"، 25/7/1990.

[3]   أفرايم تافوري، "هجرة يهود الاتحاد السوفياتي: من سقوط جماعي إلى هجرة جماعية"، "غيشر"، عدد 121، صيف 1990، ص 13.

[4]   ران كسليف، "هآرتس"، 31/7/1990.

[5]   المصدر نفسه، 27/5/1990.

[6]   المصدر نفسه، 25/7/1990.

[7]   "دافار"، 11/6/1990.

[8]   قدم هذه الخطة خبير الاستيطان رعنان فايتس، "دافار"، 21/6/1990.

[9]   "هآرتس"، 25/7/1990.

[10]   "دافار"، 19/6/1990.

[11]   "هآرتس"، 13/7/1990.

[12]   المصدر نفسه، 18/7/1990.

[13]   المصدر نفسه، 20/7/1990.

[14]   Toronto Star, May 20, 1990.

[15]   أليشع أفرات، "دافار"، 11/6/1990.

[16]   "دافار"، 3/6/1990.

[17]   تافوري، مصدر سبق ذكره.

[18]   ران كسليف، "هآرتس"، 29/4/1990، ضمن سلسلة تحقيقات عن إمكانات استيعاب المهاجرين السوفيات.

[19]   جدعون ألون، "هآرتس"، 15/7/1990.

[20]   "نيكوداه"، عدد 139، آذار/مارس – نيسان/أبريل 1990، ص 17.

[21]   "دافار"، 5/6/1990.

[22]   "هآرتس"، 30/7/1990.

[23]   أليشع أفرات، "عمالة بمفاهيم جديدة"، "دافار"، 11/6/1990.

[24]   يسرائيل إلداد، "نيكوداة"، عدد 139، آذار/مارس – نيسان/أبريل 1990، ص 13.

[25]   تيدي برويس، "دافار"، 5/7/1990.

[26]   المصدر نفسه، 5/6/1990.

[27]   تافوري، مصدر سبق ذكره، ص 14.

[28]   دوف لوتين، "نيكوداه"، عدد 139، آذار/مارس – نيسان/أبريل 1990، ص 46.

[29]   تافوري، مصدر سبق ذكره، ص 15.

[30]   "عال همشمار"، 8/6/1990.