Law Enforcement against Israeli Civilians in the Occupied Territories
Keywords: 
بتسيلم
الإسرائيليون
المدنيون
الوضع القانوني
الجيش الإسرائيلي
الفلسطينيون
الأراضي الفلسطينية المحتلة
العنف السياسي
القضاء
Full text: 

ملخص

أ- مقدمة 

أصبحت المواجهات العنيفة بين المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأراضي المحتلة أمراً روتينياً. فمنذ بداية الانتفاضة، ارتفع عدد هذه الصدامات، واشتدت حدتها. وقد أدى الكثير منها إلى خسائر مادية وإصابات بشرية، وحتى إلى الموت.

ويبحث هذا التقرير في كيفية تعامل السلطات مع الجرائم التي ارتكبها المدنيون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة خلال الانتفاضة. ويتعلق الأمر، في الأغلبية العظمى من هذه الحوادث، بمستوطنين يعيشون في الأراضي المحتلة، بينما لم يتورط الإسرائيليون الذين يسكنون داخل الخط الأخضر سوى في القليل منها.

أما السلطات التي تنظر في هذه الجرائم فهي: الجيش الإسرائيلي، الشرطة الإسرائيلية، مكتب النائب العام، والمحاكم. وتعتمد التحريات المتعلقة بالجيش الإسرائيلي على شهادات الجنود، وعلى عشرات الشهادات التي تنتقيها "بِتْسيلِم" ومنظمات أُخرى تدافع عن حقوق الإنسان من بين شهادات الفلسطينيين. وبغية التحقق من عمل الشرطة والمحاكم في هذا المجال، قامت "بِتْسيلِم" بدراسة شملت عينة من 206 هجمات تعرض الفلسطينيون لها، بينها اعتداءات طاولت الأشخاص وأُخرى تسببت في خسائر مادية إضافة إلى وفيات يشتبه – استناداً إلى دلائل منطقية – في مسؤولية مدنيين إسرائيليين عن وقوعها. 

ب الوضع القانوني للمدنيين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة

يسود في الضفة الغربية وقطاع غزة نظامان قانونيان مختلفان، أحدهما يطبق على الفلسطينيين والآخر على الإسرائيليين. وتقوم سياسة الحكومة الإسرائيلية على تطبيق القانون الجنائي الإسرائيلي على كل مواطن إسرائيلي وعلى كل يهودي لا يحمل الجنسية الإسرائيلية، الأمر الذي أنشأ وضعاً قانونياً يميز بين السكان استناداً إلى الأصل القومي. ويخضع الفلسطينيون في الأراضي المحتلة إلى قانون محلي أو عسكري، ويحاكمون على ما يرتكبون من جرائم في محاكم محلية، وغالباً في محاكم عسكرية. غير أن المواطن الإسرائيلي الذي يرتكب جريمة في الأراضي المحتلة يخضع للقانون الإسرائيلي ويحاكم داخل إسرائيل. كما يؤمّن النظام القضائي الإسرائيلي للمتهمين الإسرائيليين حرية وضمانات قانونية لا يتمتع بها المتهمون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة. أضيف إلى ذلك أن أقصى العقوبات المنصوص عليها في القانون الذي يحاكم الإسرائيليون على أساسه هي بصورة عامة أخف.

هذا الوضع القانوني الذي يعتمد على الهوية القومية في تحديد النظام القانوني الذي يخضع له المتهم والمحاكم التي تصدر حكمها عليه، يتنافى مع مبدأ المساواة أمام القانون. 

ج عنف المدنيين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة

يتخذ العنف الذي يمارسه المدنيون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أشكالاً كثيرة ومختلفة أخطرها، الأحداث التي تودي بأرواح الفلسطينيين.

 

عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد مدنيين إسرائيليين:

1988

1989

1990

1991

1992

1993

المجموع

15

17

9

6

1

14

62

 

من بين الاثنتين والستين حالة، ثمة حالات أربع، فتح الإسرائيليين فيها النار لأن حياتهم كانت في خطر. وفي ثلاث حالات أُخرى، عرّضوا حياتهم للخطر عمداً. ولا نملك معلومات كافية عن ست حالات. أما في الحالات التسع والأربعين الباقية، فقد قتل المدنيون الإسرائيليون فلسطينيين في أوضاع لا تشكل أي خطر على حياتهم.

وفي كثير من الحالات، يستخدم المدنيون الإسرائيليون، وخصوصاً أولئك الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، الأسلحة النارية، ويردون بطريقة تتعدى ما هو ضروري للدفاع عن النفس، وبكلمات أُخرى، يلاحقون راشقي الحجارة ويطلقون النار عليهم، حتى لو كان من الواضح أنهم لا يشكلون أي تهديد بالنسبة إليهم، وهذا النوع من ردة الفعل يتنافى كلياً مع القانون الجنائي ومع "قواعد الاشتباك" التي تنطبق على المدنيين.

ويقوم أفراد ومجموعات منظمة، مستخدمين أسلحة زودهم الجيش الإسرائيلي بها، بتنفيذ عمليات ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم بهدف التهويل والردع والمعاقبة. وفي الكثير من الحالات، لا تكون هذه العمليات عفوية بل تنفذ بعد تخطيط دقيق تقوم به مجموعات من المستوطنين تدعمها القيادة الرسمية للمستوطنات.

وتشتمل العمليات التي ينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين على دخول القرى، وإطلاق النار على المنازل وعلى مسخنات الماء الشمسية، وتخريب السيارات وحرقها، وإحداث شغب عنيف، وقطع الطرق، وتسكير النوافذ، وإتلاف المحاصيل، واقتلاع الأشجار، ومضايقة التجار وأصحاب البسطات في السوق بما في ذلك إتلاف بضائعهم، وما إلى ذلك.

ويتضح من أعمال التخريب وغيرها من أعمال العنف – المنظمة في أغلبيتها – والتي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين، أنها ليست مجرد أعمال إجرامية، بل تشكل عنفاً تحركه قناعات أيديولوجية وسياسية. 

د الجيش الإسرائيلي

استناداً إلى القانونين الدولي والإسرائيلي، يتوجب على الجيش الإسرائيلي العمل على منع إلحاق الأذى بالفلسطينيين. فإذا هوجم الفلسطينيون، بحضور الجنود، يتعين عليهم توقيف المهاجم وتسليمه للشرطة. أما إذا عجزوا عن ذلك فعليهم إرسال تقرير عن الحادث إلى الشرطة لمباشرة التحقيق. ومن البديهي القول إن على جنود الجيش الإسرائيلي استخدام جميع الوسائل الممكنة لمنع المدنيين الإسرائيليين من تعريض حياة الفلسطينيين للخطر ولو اضطروا إلى إطلاق النار على المهاجم.

إن صلاحيات الجنود وواجباتهم في تطبيق القانون على المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة ليست واضحة بما يكفي. فثمة اختلاف بين التوجيهات المكتوبة والتصريحات العلنية التي يطلقها المسؤولون الكبار وبين الأوامر التي تصل إلى الجنود في الميدان والطريقة التي يفسر الجنود بها هذه الأوامر.

ومن الصعب التيقن مما إذا كانت الهوّة بين التصريحات العلنية للقادة الكبار وبين الأوامر التي تصل إلى الجنود ناشئة فقط عن الفشل المتواصل لهؤلاء القادة – الذين لا يشرحون الأوامر بوضوح – أو أن الأوامر التي تصل إلى الجنود تعكس حقيقة السياسة التي يتبعها الجيش الإسرائيلي، في حين أن التصريحات الصحافية والأوامر المكتوبة هي مجرد ولاء كاذب يبديه الجيش لقواعد القانون.

كثيراً ما يشهد الجنود أعمال عنف يقوم المستوطنون بها ضد الفلسطينيين، ومع ذلك فهم لا يحركون ساكناً لمنعهم أو على الأقل لتسجيل أوصاف المنفذين وإبلاغ الشرطة بها. وإذا كان الجيش الإسرائيلي يحاول منع الأعمال غير القانونية التي ينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين أو اعتقال المشاركين فيها، فإن هذه المحاولات تبقى قليلة وغير مقنعة. وهناك حالات لم يكتف الجنود فيها بعدم منع المستوطنين من ممارسة عنفهم، بل شاركوهم في ذلك أيضاً.

وفي حالات كثيرة تتعلق بعنف المستوطنين، يقوم الجيش الإسرائيلي بالحد من حركة الفلسطينيين، بما في ذلك استخدام وسيلة منع التجول، بينما لا تتخذ الإجراءات ذاتها بحق المستوطنين. والتبرير المنطقي هو حماية الفلسطينيين من المستوطنين، لكن النتيجة تكون أمراً منافياً للعقل؛ إذ تفرض القيود على الضحية لا على المجرم.

وقد أظهر الجيش الإسرائيلي، على الرغم من الواجب المكلف به، عجزاً مستمراً في التعامل مع العنف الذي يرتكبه المستوطنون ضد الفلسطينيين. وهذا ليس أمراً عرضياً، بل هو نتاج للعلاقات الوطيدة بين الجيش والمستوطنين. ويتلخص الموقف الرسمي في أن قوات الأمن هي السلطة الوحيدة المسؤولة عن فرض النظام وتطبيق القانون في الأراضي المحتلة. ويرى الجيش الإسرائيلي، كغيره من أطراف الحكم، أن المستوطنين يساهمون مساهمة كبيرة في الحفاظ على الأمن والنظام العام في الأراضي المحتلة، بل إنه يدعهم يشاركونه مهماته بصورة رسمية.

إن تكرار تخلف الجيش الإسرائيلي عن الرد على عنف المستوطنين، على الرغم من التحذيرات المتتالية التي يطلقها السياسيون والصحافيون ومنظمات حقوق الإنسان، يبيّن أن هذا التقاعس ليس استثناء، بل هو جزء من سياسة الجيش الإسرائيلي العامة. وفي مقابل خلفية العلاقة المميزة بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، تتزايد المخاوف من أن هذه السياسة هي نتاج وضع يعي فيه كل طرف من الأطراف مساهمة الطرف الآخر في تدعيم آلة الحكم اليهودي في الأراضي المحتلة.

لقد أخفق الجيش الإسرائيلي دوماً في فرض القانون على المستوطنين وفي حماية حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم من الهجمات المتتالية التي ينفذها السكان اليهود. ويتراوح موقف الجيش الإسرائيلي تجاه العنف هذه بين "عدم التدخل المقصود" وبين أشكال من التعاون أكثر فعالية. وما دام الجيش الإسرائيلي يتبنّى هذا النهج المتسامح الذي يعرّضه للشبهات، ويتعاون على تنفيذ أعمال العنف، فهو يساهم بفعالية في استمرار هذا العنف. 

هـ - الشرطة الإسرائيلية

ثمة قصور خطر في طريقة تعامل الشرطة مع الجرائم التي يرتكبها المدنيون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. والواقع أن شيئاً لم يتغير من هذه الناحية منذ نشر تقرير كارب (الذي أعدته لجنة برئاسة نائب المدّعي العام يهوديت كارب) قبل أكثر من عشرة أعوام.

في حالات كثيرة، يتضمن بعضها عدداً من الوفيات، لم يُجر أي تحقيق. ولا يتم التحقيق بصورة عامة في الأحداث المخلّة بالقانون ما لم تُقدم شكوى بشأنها، حتى لو حصلت الشرطة على معلومات من مصادر أُخرى.

ويمتنع الفلسطينيون عادة من التقدم بشكاوى إلى الشرطة ضد مدنيين إسرائيليين، وذلك لارتيابهم بقدرة الشرطة وبقدرة الجهاز القضائي الإسرائيلي على إنصافهم وعلى تطبيق القانون في مثل هذه الحالات.

إن تصرف الشرطة تجاه الفلسطينيين الذين يحاولون فعلاً التقدم بشكاوى، والطريقة التي تقام فيها الدعوى، يعززان دوماً عدم ثقة الفلسطينيين بالشرطة. وغالباً ما ترفض الشرطة قبول شكاوى الفلسطينيين، أو تبدأ بجرجرتهم من مخفر إلى آخر من دون جدوى. وإذا حدث أن تم فتح تحقيق ما، فإنه ينتهي غالباً من دون محاكمة أحد.

وفي بعض الحالات لم تستطع الشرطة العثور على الملف، حتى بعد أن تحدثت وسائل الإعلام عن بعض تطورات التحقيق، كتشريح الجثة وتفتيش المنزل وتوقيف مشبوهين. وفي حالات أُخرى أنكرت الشرطة تسلم الشكوى، مع أن بعض والمتطوعين من "هوت لاين" (Hotline) (مركز الدفاع عن حقوق الفرد) كان قد رافق الشاكي، وكان حاضراً عند تقديم الشكوى.

وفي أغلب الأحيان "تجرجر" التحقيقات عامين أو أكثر، أو تبقى الملفات فترات طويلة في النيابة العامة من دون توجيه أية تهمة، حتى بعد أن تكون القضية قد حُلت. ولهذه "الجرجرة" نتائج خطرة من زاوية تطبيق العدالة بصورة كاملة.

وقد بات إقفال الملفات على أساس أن "الفاعل مجهول" هو القاعدة تقريباً، بما في ذلك حالات ليست قليلة توفرت فيها تفصيلات ظاهرية كافية للتعرف على المجرم. ولم تتغير الأوضاع المتعلقة بالتحقيق في الوفيات المتورط فيها مدنيون إسرائيليون في الأراضي المحتلة منذ أن أوضح تقرير كارب أن: "الانطباع الذي خرج به الفريق الذي تتبع التحقيقات... هو أن الجهد الملائم والسرعة الضرورية للقيام بهذه التحقيقات لم يتم توفيرهما، وهناك تساؤلات كثيرة لا تزال عالقة بشأن نمط التحقيق عينه."

إن كمية الإخفاقات وطابعها وتكررها تبين بوضوح أنها ناجمة عن الطريقة المتبعة، لا عن الصدفة. وتدل حقيقة أنه في حالات كثيرة، بما فيها حوادث أدت إلى الموت، لم يتم فتح تحقيق أو أن الملفات "فقدت"، على أن الشرطة الإسرائيلية تستهتر بحياة الفلسطينيين وذواتهم، وممتلكاتهم.

إن عجز الشرطة عن معالجة جرائم المدنيين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ليس ناجماً فقط عن إهمال المحققين أو عن نقص في الطاقة البشرية. فكما استنتج تقرير كارب قبل اثني عشرة عاماً، بعد الإشارة إلى "الإخفاقات الفعلية" في أداء الشرطة لعملها في مثل هذه الحالات:

يبدو أن جوانب التقصير المذكورة لا تحتاج إلى معالجة شاملة فحسب، بل هي أيضاً عرض لمشكلة أكثر عمقاً، تنطوي على بذور مسار خطر لا يعمل أحد نهايته...

ولا يكمن مفتاح الحل في سبر تقني لأحد التحقيقات، ولا في معايير أساليب التحقيق، ولا في وجهة النظر القانونية، بل في مراجعة دقيقة وجذرية للمفاهيم المتضمنة في حكم القانون بمعناها الواسع والعميق. [تقرير كارب، ص 31، 33]. 

و الجهاز القضائي

يتسلم الجهاز القضائي مادة التحقيق من الشرطة، وهو المسؤول عن تقديم المتهمين إلى المحاكمة (مكتب المدعي العام) وعن محاكمتهم (المحاكم القضائية). وتثير التحريات التي قامت بتسيلم بها على الأقل علامات استفهام بشأن تعامل الجهاز القضائي مع الجرائم التي يرتكبها يهود في الأراضي المحتلة ضد الفلسطينيين.

(1) مكتب المدعي العام

في أثناء محاولة تفحص كيفية تعامل مكتب المدعي العام مع الملفات المتعلقة باليهود المشبوهين بارتكاب جرائم عنيفة ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لاقت بتسليم صعوبات كثيرة ناجمة عن نقص في المعلومات الخاصة بالملفات التي أقفلها مكتب المدعي العام؛ الاعتبارات التي أدت غالباً إلى استبدال تهم خطرة بتهم أخف (في صفقات بين المدعي العام والمحامين)؛ الأسباب التي جعلت مكتب المدعي العام يحجم عن تقديم استئناف ضد أحكام خفيفة صدرت عن محاكم دنيا.

وبالتالي لا يمكن الوصول إلى استنتاجات جازمة بخصوص طريقة تعامل مكتب المدعي العام مع هذه الحالات. ومع ذلك، تثير تحريات بتسيلم بعض التساؤلات:

(أ) أقفل مكتب المدعي العام نسبة كبيرة من الملفات المتعلقة بجرائم أدت إلى الموت على أساس غياب الأدلة الكافية لمحاكمة شخص ما. ويبدو ذلك غريباً في ضوء المعطيات التي كشفت بتسيلم عنها (مع أنه لم يسمح لبتسيلم بالتدقيق في الملفات ذاتها).

(ب)  في عدد من الحالات التي تخص جرائم أدت إلى الموت، وافق مكتب المدعي العام على استبدال التهمة من قتل إنسان عن غير قصد إلى التسبب في الوفاة نتيجة إهمال، كجزء من صفقات الدعوات القضائية. هذه الظاهرة ليست استثنائية في حد ذاتها لأن آلاف الصفقات من هذا النوع تتم سنوياً، غير أن الدراسة التي قامت بتسيلم بها تظهر أنه على الأقل في بعض الحالات التي تمت فيها محاكمة يهود بتهمة قتل فلسطينيين، كان هناك دليل قوي ضد المتهمين. وفي هذه الحالات لا يوجد سبب واضح لصفقات الدعوات القضائية التي أدت إلى تخفيف التهم الأصلية.

(ج) في بعض القضايا التي أصدرت محكمة دنيا فيها أحكاماً مخففة في حق يهود هاجموا فلسطينيين، لم يطلب مكتب المدعي العام استئناف الحكم، مع أن النائب العام طالب في مرافعته بإلحاق عقوبات قاسية بالمجرمين.

ولا بد من التشديد على أن مكتب المدعي العام كان طوال الوقت عرضة للضغط من جانب أنواع مختلفة من السياسيين والمستوطنين. ولا تستطيع بتسيلم أن تبرهن عن وجود علاقة ظرفية بين هذه الضغوطات والنتائج المذكورة أعلاه. ومع ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار الجو السائد في إسرائيل (وخصوصاً خلال الانتفاضة)، المتساهل تجاه الهجمات التي ينفذها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وإذا أدركنا حجم الضغط الذي يمارسه المستوطنون ومناصروهم على النظام السياسي، فإنه لا يمكننا تجاهل الشك في أن ذلك كان له أثر فيما يختص بالموقف المتسامح تجاه المستوطنين وبحقيقة عدم تطبيق العدالة بصورة كاملة بحق المجرمين من اليهود.

(2) المحاكم

إن قسوة العقوبة التي تفرض على مرتكبي الجرائم تعبر عن درجة خطورة الجريمة في نظر القاضي، كما تعكس السياسة العامة، التي يتبعها النظام بشأن عقوبة جريمة معينة، ميزان القيم في المجتمع ككل. واستناداً إلى المعلومات المتوفرة لدى بتسيلم، لا يسعنا تفادي الاستنتاج بأن المحاكم متساهلة إلى أقصى الحدود عندما يتعلق الأمر بأحكام تطاول مدنيين إسرائيليين مدانين بارتكاب جرائم ضد فلسطينيين.

إن هذا التساهل مستقل تماماً عن خطورة الجريمة، وبالتأكيد ينطوي على عقوبات أخف كثيراً من تلك الصادرة بحق الفلسطينيين المدانين بجرائم مشابهة.

ويبدي بعض المحاكم تفهماً للدوافع الوطنية والدينية للمتهمين، وتفشل في إصدار أحكام تعبّر بصورة ملائمة عن القيمة المطلقة للحياة البشرية.

وقد وقفت المحكمة العليا في إسرائيل، على مر السنين، في دورها كمحكمة استئناف جنائية، ضد هذا الاتجاه. ومالت إلى التعامل بقسوة أشد مع المجرمين من اليهود، وأكدت أحكامها مراراً الحاجة إلى ردع أولئك الذين يثأرون لأنفسهم، والحاجة إلى إصدار أحكام تتلاءم مع خطورة الجريمة، ومع القيمة السامية لحياة الإنسان.

ومع ذلك، يبيّن هذا الملخص لـ 12 قضية تم بتّها في المحاكم بين سنتي 1988 و1992، وتخص مدنيين إسرائيليين متهمين بالقتل عمداً، أو بالقتل غير المتعمد، أو بالتسبب الوفاة نتيجة الإهمال لفلسطينيين في الأراضي المحتلة، الحقائق التالية [....]:

  • مدانون بالقتل عمداً: واحد.
  • مدانون بالقتل غير المتعمد: واحد.
  • مدانون بالتسبب بالوفاة نتيجة الإهمال: ستة.
  • وُجد أن حاله لا تسمح بمحاكمته وأُرسل إلى مستشفى للأمراض النفسية:

      واحد.

  • مدانون بحرق مبان عمداً؛ بإطلاق النار في منطقة سكنية؛ بإلحاق أذى جسيم وتخريب الممتلكات وإلحاق أذى بالحيوانات: إثنان (في قضية واحدة).
  • إخلاء سبيل: واحد.

في خمس من القضايا، تم تخفيف عقوبة القتل غير المتعمد إلى عقوبة التسبب بالموت بالإهمال كنتيجة لصفقة في الدعوى القضائية.

وباستثناء المتهم الذي أدين بالقتل المتعمد، الذي صدر في حقه حكم بالسجن مدى الحياة، وهي عقوبة إلزامية لكل مدان بالقتل المتعمد، كانت الأحكام الصادرة مخففة إلى حد كبير. وهكذا حُكم على المدان بالقتل غير المتعمد، الذي تصل عقوبته القصوى إلى عشرين عاماً، بالحبس مدة ثلاثة أعوام. أما العقوبة القصوى لتسبب بالموت نتيجة للإهمال فهي الحبس مدة ثلاثة أعوام. وبالنسبة إلى الستة المدانين بهذه التهمة، فقد أصدر في حق أحدهم حكم بالسجن مدة 18 شهراً، وفي حق آخر حكم بالسجن مدة خمسة أشهر، بينما حكم على الأربعة الآخرين بتمضية فترة أقصاها ستة أشهر في الخدمة العامة.

في بعض القرارات، قدم القضاء الظروف في الأراضي المحتلة، وخصوصاً ظروف الانتفاضة، تفسيراً للعقوبات المخففة التي فرضت على المجرمين اليهود. وفي عدد من القضايا، عبّر القضاة عن تفهمهم لمحنة السكان اليهود في الأراضي المحتلة أو ألقوا اللوم على الفلسطينيين المعينين، لأنهم كانوا من الناشطين في الانتفاضة. وهكذا، على سبيل المثال، كتب القاضي عزرا هيديا في قرار الحكم علي بنحاس والرشتاين، رئيس مجلس بنيامين المحلي الذي حوكم في محكمة قضاء القدس بتهمة التسبب بوفاة رباح محمود حسين حمد نتيجة الإهمال، قائلاً:

إن القضية المعروضة علينا تدعو إلى الأسف الشديد، ولا سيما أنها أدت إلى خسارة في الأرواح. لكن على الرغم من ذلك، ينبغي على المرء ألا ينسى أن المتوفى وصديقه، زياد، اللذين كانا على ما يبدو ناشطين في "الانتفاضة"، كانا هما المهاجمان اللذان هددا بأعمالهما العنيفة وسلوكهما الهجومي والعدواني سلامة المتهم، وشخصه، وحتى حياته... وبالإضافة إلى ذلك أخذت في عين الاعتبار المثل القائل: "لا تحاكم مواطنك إلا بعد أن تضع نفسك في مكانه."*

وفي المقابلة بين هذه العقوبات والعقوبات التي فرضت على الفلسطينيين لارتكابهم جرائم مشابهة، يتضح أن المحاكم الإسرائيلية تميل – باستثناء بعض الحالات – إلى التعامل مع الفلسطينيين بقسوة في حين أنها تُخفف عقوبات المواطنين الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم مماثلة. فبالنسبة إلى جريمة رشق الحجارة مثلاً، غالباً ما حكم على الفلسطينيين في محاكم عسكرية ومدنية بالسجن عاماً أو أكثر. في بعض الحالات. 

ز- استنتاجات

فشلت الحكومة الإسرائيلية في تأدية واجب حماية حياة الفلسطينيين وذواتهم وممتلكاتهم من الهجمات المتكررة التي يقوم المدنيون الإسرائيليون بها في الأراضي المحتلة.

وتطبق السلطات المختلفة سياسة غير معلنة تعتمد التسامح والتراضي والإخفاق في إحقاق العدل بصورة تامة عندما يتعلق الأمر بالإسرائيليين الذين يهاجمون السكان الفلسطينيين.

ويميل مختلف فروع الحكومة والجهاز القضائي، إفرادياً وجماعياً، إلى النظر إلى كثير من أعمال العنف التي يرتكبها المدنيون الإسرائيليون ضد السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بدرجة غير كافية من الجدية.

وتعتمد الحكومة الإسرائيلية الكيل بمكيالين في تطبيق القانون على الفلسطينيين والإسرائيليين في الأراضي المحتلة. وهذا التمييز، إضافة إلى الإخفاقات الكثيرة في تطبيق القانون على المدنيين الإسرائيليين، يقوضان أسس حكم القانون في دولة إسرائيل. 

خاتمة

في 25 شباط/ فبراير 1994، دخل باروخ غولدشتاين، وهو مواطن إسرائيلي من سكان مستوطنة كريات أربع وعضو في حركة كاخ، إلى قاعة إسحق في الحرم الإبراهيمي، حيث كان مئات من المؤمنين يصلون لله. وفتح غولدشتاين، الذي كان يحمل رشاشاً آلياً حصل عليه من وحدة احتياط في الجيش الإسرائيلي كان ينتمي إليها، النار على المصلين بينما كانوا منحنين في صلاتهم، فقتل 29 أو 30 منهم وجرح العشرات.

وبعد حدوث المجزرة بأسبوع، تم تأليف لجنة التحقيق برئاسة رئيس المحكمة العليا القاضي مئير شمغار. وقد بدأت اللجنة عملها في 8 آذار/ مارس 1994، أي قبل أسبوع من نشر هذا التقرير.

وتعتقد بتسيلم أن المعلومات الواردة في هذا التقرير تبرهن عن أن جريمة غولدشتاين لم تنجم عن فراغ، بل كانت، بالأحرى، نتيجة للتحريض المتواصل ضد الفلسطينيين، وحلقة جديدة – هي الأخطر حتى الآن – في سلسلة أعمال العنف التي ينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الاستخدام غير الشرعي للأسلحة النارية، والتي تمر في غالب الأحيان من دون أي عقاب.

خلال ستة أعوام من الانتفاضة، وحتى قبل ذلك، كما بيّن تقرير كارب، وفي هذه الوضعية الخطرة والمضطربة، تجاهلت الحكومة، وغالباً ما فضلت عدم اتخاذ الإجراءات وفقاً للقانون الإسرائيلي والقانون الدولي.

في هذا السياق، وفي ضوء الآراء التي عبّر عنها سكان كريات أربع ومستوطنات أُخرى بعد المجزرة، لا يبدو أن جريمة غولدشتاين مجرد عمل فردي ومعزول، بل هي نتيجة لفشل [الحكومة والأجهزة] في اتخاذ الخطوات الضرورية، ونتيجة لأعمال مختلفة ما زالت مستمرة منذ أعوام.

 

المصدر: بتسيلم، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. وقد صدر هذا التقرير في القدس، آذار/ مارس 1994، وننشر مقتطفات منه.

 

*   القضية الجنائية 265/88، دولة إسرائيل ضد بنحاس بن موشيه والرشتاين، ص 8.