تقرير مكتوم يرى النور ـ أول مرة
Keywords: 
نزاع على المياه
حزب الليكود
انسحاب عسكري
الجولان
الضفة الغربية
Full text: 

في صباح أحد أيام تشرين الثاني/ نوفمبر 1991، وصل ضابط الأمن في وزارة الزراعة إلى جامعة تل أبيب، في مهمة غير عادية؛ فالمهمة كانت بناء على توجيه من وزير الزراعة في ذلك الوقت، رفائيل إيتان، ومن دون علم مصلحة الأمن العام، المسؤولة عن تنسيق الجانب المهني لأنشطة ضابط الأمن. وتوجه الرجل إلى مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة، لكنه لم يجد رئيس المركز اللواء (احتياط) أهرون ياريف، في مكتبه، ولذا توجه إلى مكتب نائبه، الباحث يوسف ألفير. ولم تكن المحادثة بينهما ذات طابع أكاديمي على الإطلاق.

لقد طلب ضابط الأمن من الباحث ألفير، باسم الوزير إيتان، أن يحفظ في الأدراج دراسة من مئات الصفحات كان المركز قد انتهى لتوه من طباعتها، تحت عنوان "قضية المياه في إطار التسويات بين إسرائيل والعرب". وكخطوة أولى، طلب ضابط الأمن من ألفير وقف توزيع التقرير فوراً، واستعادة ما سبق ووزع من أعداده. وكي يجسد مدى خطورة المشكلة، طالب ضابط الأمن بتسليمه نسخة من لائحة التوزيع فوراً. وكان التقرير الذي صدر قبل عشرة أيام من ذلك قد وزع على نحو مئة شخص من الخبراء على اختلافهم، بهدف وضع ملاحظاتهم على التقرير. وكانت ردات الفعل الأولية من جانب هؤلاء حماسية، وطلب بعضهم تزويده فوراً بنسخ إضافية من التقرير، كي يتمكن من إجراء مناقشات بشأن التقرير في مكاتبه.

لم تكن المحادثة بين ضابط الأمن وألفير ودية؛ فقد رد ألفير على طلبات ضابط الأمن بأنه ليس لضابك الأمن ولا لرئيسه، وزير الزراعة، أية صلاحية تمنحهما الحق في طرح هذه الطلبات، وذكّره بأن المركز هو مؤسسة أكاديمية، وأنه الآن موجود بين جدران الحرم الجامعي. فإذا كان للوزير ما يقال فليتوجه إلى المستشار القانوني للجامعة وإلى المشاركين في إعداد الدراسة، شركة تاهل [هيئة تخطيط المياه في إسرائيل]. كذلك رفض ألفير تسليمه لائحة بأسماء الأشخاص الذين وُزع التقرير عليهم. وذكّر ضابط الأمن بأن لرئيس المركز اللواء (احتياط) ياريف (كان في السابق رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي) وله هو ايضاً، خبرة كبيرة بالمجال الأمني، وأن توزيع التقرير قد تم من خلال إيفاد رسل إلى الأشخاص المعنيين بواسطة البريد العادي. واتصل ضابط الأمن بالوزير إيتان هاتفياً، وغادر مكاتب مركز الدراسات من دون أن يحصل على مراده، لكن القضية لم تنته عند هذا الحد.

وكانت المبادرة لوضع التقرير – الدراسة، الذي أُحيط بالسرية فجأة، قد اختمرت قبل نحو عام في مركز الدراسات الاستراتيجية؛ فالمركز كان لتوّه قد انتهى من الدراسة التي تناولت الخيارات السبعة لإيجاد حل للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان واضحاً للباحثين أن العمل لن يكون كاملاً إذا لم يضيفوا إليه دراسات وأبحاثاً في مجالات أخرى، في مقدمها موضوع المياه. ولهذا الغرض اتصل المركز بالمدير العام لـِ تاهل، (احتياط) أفيغدور بن – غال، واقترح شراكة مهنية. وبناء على مشورة من المستشارين القانونيين للجامعة وتاهل، تم توقيع عقد بين الجانبين، ورصدت مبالغ كبيرة للقيام بالدراسة.

وجنّدت تاهل لهذه الدراسة خبيرين – خبير بالشؤون المالية، يهوشع شفارتس، الذي له سمعة دولية في هذا المضمار، وأهرون زوهر، الذي يعالج قضايا التخطيط الإقليمي لمشاريع مشتركة بين إسرائيل وجيرانها. أما التوجيهات السياسية للدراسة فوصفها كل من ياريف وألفير. وكان الهدف الذي تحدد للدراسة هو فحص سبل الحلول الممكنة لقضية المياه، وإمكانات التعاون، وتكلفة المشاريع المشتركة ما بين إسرائيل والعرب. وفي المقابل، طُلب من الباحثين أن يفحصوا أيضاً الدلالات، في حال استمرار النزاع الإسرائيلي – العربي، وما ستكون عليه التكلفة من ناحية إسرائيل في هذه الحال.

ما الذي أقلق، عملياً، الوزير رفائيل إيتان إلى هذا الحد؟ يتضح أن أكثر ما سبب له ذلك، هو الخريطتان اللتان أرفقتا بالتقرير، وتتعلق إحداهما بهضبة الجولان والثاني بيهودا والسامرة [الضفة الغربية]. ورُسمت في هاتين الخريطتين الحدود الممكنة لانسحاب إسرائيل في هاتين المنطقتين، بما يضمن رغبة إسرائيل في عدم المساس بمصادرها من المياه وحقوقها في تلك المصادر. فالوزير إيتان رفض أن تتضمن أية وثيقة ترتبط، ولو بصورة غير مباشرة، بإحدى الدوائر التابعة لوزارته (تاهل)، تحديداً لأية خطوط انسحاب في المناطق. وعندما أخفقت محاولته، كما سبق أن أشرنا، في منع نشر التقرير بواسطة مركز الدراسات الاستراتيجية، هاجم التقرير من خلال توجيه اتهامات إلى تاهل. وقد أكد للمسؤولين فيها أنه كان ينبغي عليهم الحصول على مصادقته، ما دام أن التقرير يتضمن جوانب سياسية. وكان الحديث الذي أجراه مع المسؤولين في تاهل قاسياً. وكانت هيئة تاهل على استعداد لأن تعيد إلى مركز الدراسات الاستراتيجية جزءاً من النفقات المالية التي تطلبتها الدراسة، لأنها لم تحرص على الحصول على موافق مسبقة من الوزير لبدء العمل في الدراسة.

في هذه الأثناء [بعد تأليف الحكومة الجديدة برئاسة حزب العمل]، جاء وزير جديد إلى وزارة الزراعة هو يعقوب تسور، وتم أيضاً تعيين مفوض جديد للمياه. وهذان الاثنان لم تقلقهما بالذات خطوط الانسحاب الممكنة في الجولان والضفة، وكانت ادعاءاتهما مختلفة هذه المرة. فنظراً إلى أن المفاوضات مع العرب كانت قد بدأت في هذه الأثناء، ونظراً إلى أن قضايا المياه موضوع بحث في اللجنة الإقليمية متعددة الأطراف، فقد ثارت لديهما خشية من أن يؤدي نشر التقرير إلى كشف مواقف إسرائيل التكتية في هذا الموضوع. وكان طلبهما من المركز، تجميد نشر التقرير – بصورة موقتة فقط. هذا هو وضع التقرير حتى هذه اللحظة، إذ تقرر تجميد نشره موقتاً.

ويمكن أن نتعلم منه الكثير، لأن شفارتس وزوهر قاما بعمل شامل وجيد، واستعانا في عملهما بخبراء في مجال المياه وتحلية المياه، والطاقة الشمسية، ومنهم زئيف غولاني، ودان هامبرغ، ويعقوب فاردي، ويعقوب معوز، و ح. ميخالسون، ويسرائيل سورفين، وإيهود سيمون، ويعقوب طلمون. ووصل التقرير إلى هيئة تحرير صحيفة "هآرتس"، وهذه هي تفصيلاته الأساسية (مع الحرص على عدم كشف المواقف التكتية الإسرائيلية مع العرب بهذا الشأن).

يتمحور الخلاف في النزاع بيننا وبين العرب حول [مصير] الأراضي. فالأرض، بطبيعة الحال، ترتبط بالأمن، لكن مسألة المياه أيضاً ترتبط بأمن إسرائيل. وهنا المشكلة أكثر تعقيداً، لأن المياه لا تراعي الحدود بين الدول. والخلاف قد لا يقتصر على الأنهار والمياه السطحية، بل قد يشمل أيضاً مخزون المياه الجوفية، وعدد آبار المياه المحفورة في أراضي الطرف الآخر، ومسألة تلوث مصادر المياه. وفي حرب الأيام الستة [حرب 1967]، شكلت مسألة المياه (تحويل روافد نهر الأردن)، ذريعة للحرب.

والمياه ستتحول إلى موضوع خلاف حاد في مفاوضات السلام أيضاً. فنظراً إلى أن معظم دول المنطقة يعاني نقصاً في المياه مرشحاً للتفاقم، فإن الأطراف ستتعامل مع مسألة المياه كأنها ترياق للحياة. فإذا اعتادوا القول في الماضي إن الأرض مقدسة، وبالتالي لا يجوز التنازل حتى عن سنتيمتر واحد منها، فسنسمع غداً بالتأكيد أقوالاً تحظر التخلي ولو عن نقطة واحدة من المياه المقدسة. ومن المؤكد أن صراخ الأصوليين الإسلاميين سيعلو لمجرد سماعهم فكرة بيع مياه من الدول العربية إلى إسرائيل. ويجب أن نضيف إلى هذا الجانب الأيديولوجي أيضاً الجانبين الاقتصادي والسياسي. وكما سبق القول، فالخلاف حاد، لكن بعكس الخلاف بشأن الأراضي؛ ففي هذا المجال يمكن بناء علاقات تعاون قد تخفف من حدة النقص في المياه وخطورته.

هناك نقاط خلاف بين إسرائيل وجيرانها بشأن كل خط من خطوط حدودها تقريباً، القائمة حالياً، والمستقبلية التي سترسم عقب اتفاقات السلام والانسحابات التي ستتم في إطارها. "ونقاط الخلاف الأساسية تتمحور حول أحواض المياه بين إسرائيل ويهودا والسامرة (حوض نهر اليركون [العوجا] – التمساح وشمال شرق منطقة السامرة)، وحوض نهر اليرموك (إسرائيل – سوريا – الأردن)؛ وبمقدار أقل فيما يتعلق بحوض وادي العربة أيضاً (إسرائيل – الأردن)، وحوض  المياه الواقع على الحدود الشمالية (إسرائيل – لبنان)." وهذه الخلافات ستتفاقم طبعاً في حال – وعندما – يتم انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان، وفي حال أدى رسم الحدود بين الدولتين إلى عودة سوريا إلى ضفاف بحيرة طبريا. وسنتوقف لاحقاً عند كل نقطة من نقاط الخلاف هذه. ولذا، لا عجب إذا كان واضعو التقرير – الدراسة يحددون، في بداية بحثهم، أن لا ترتيبات أمنية من دون إيجاد حل لمشكلة المياه. ويشددون على مبدأ مهم: على إسرائيل أن تبذل قصارى جهدها للحفاظ على ما في حوزتها من ثروات مائية: فأي تنازل في هذا المجال يمكن أن يتم إذا كان يحمل في ثناياه فائدة سياسية غير قابلة للتأويل أو الطعن فيها. ويؤكدون أيضاً وجوب اشتراط أي تنازل إسرائيلي عن مصادر المياه التي تستغلها إسرائيل حالياً بتعهد واضح باستيراد المياه من مصدر خارجي أو بتمويل مشاريع لتحلية مياه البحر.

وفي حال التوصل إلى اتفاقات سلام تتضمن انسحابات ممكنة، يوصي التقرير بأن تكون إسرائيل مطمئنة إلى الإشراف على مصادر المياه وعلى أحواض تخزينها من أجل ضمان كميات المياه التي تستهلكها وضمان جودتها أيضاً. أما بالنسبة إلى المياه السطحية، فجاء في التقرير أنه يجب ضمان أقصى حد من الإشراف والرقابة على مصادر نهر الأردن، بما في ذلك وادي الحرمون [جبل الشيخ – بانياس] وينابيع نهر الوزاني؛ وكذلك ضمان أقصى حد ممكن من الرقابة على كيفية استغلال مياه نهر اليرموك؛ وضمان الرقابة على استغلال المياه السطحية ومنع تلوثها في هضبة الجولان.

أما بالنسبة إلى المياه الجوفية فهناك تأكيد في التقرير على ضرورة الإشراف والرقابة على استغلال تلك المياه في يهودا والسامرة، للحيلولة دون تزايد عمليات استخراج المياه من ثلاثة أحواض أساسية – الأحواض الغربية في يهودا والسامرة، والأحواض الشمالية في الضفة والشريط المحيط بالقدس ومدينة بيت لحم. ويوصي التقرير بأن تحرص إسرائيل على ألاّ يتم حل ضائقة المياه في قطاع غزة عن طريق الاعتماد على مصادر المياه الإسرائيلية، بل عن طريق حل نموذجي يقوم على مشاريع تحلية مياه البحر، أو نقل المياه إلى هناك من نهر النيل. 

سيناريوهات تتعلق بالجولان

يقوم واضعو التقرير بتحليل سيناريوهات محتملة في كل واحدة من مناطق الخلاف بين إسرائيل وجيرانها، وبين إسرائيل والفلسطينيين. فبالنسبة إلى هضبة الجولان، يشدد واضعو التقرير على أنه إذا عادت إسرائيل إلى حدود 1967 "فإن مياه الجولان، المقدرة كميتها بنحو 40 مليون متر مكعب في السنة، ستنتقل من مرفق المياه الإسرائيلي إلى مرفق المياه السوري. ومن دون ترتيبات ملائمة للتعاون سينشأ تهديد جديد هو تحويل روافد نهر الأردن." إلى ذلك، تشكل هضبة الجولان مصدر تلويث محتملاً لبحيرة طبريا؛ فمع انسحاب إسرائيل سيتوقف النشاط الإسرائيلي في هذا المضمار. ومن المؤكد أن سوريا ستواصل وضع يدها أكثر فأكثر على المياه التي تتجمع في أراضيها، وستستغل هذا كأداة ضد إسرائيل، بواسطة الأردن. فالأردن سيتضرر، لكن دمشق ستحثه على مطالبة إسرائيل بنقل المياه إليه من بحيرة طبريا.

في هذا الوضع يقترح التقرير أن ترسم إسرائيل لنفسها خطين للانسحاب: الأول، هو الحد الأقصى، وبحسب التقرير "خط انسحاب معقول". وهذا الخط هو خط توزع المياه الذي يمر تقريباً على امتداد طريق القنيطرة – الحمة. والدلالة السياسية لهذا الخط هي أن إسرائيل لن تنسحب تقريباً من هضبة الجولان. أما الخط البديل فأُطلق عليه "خط الانسحاب الأخير". والمرابطة على هذا الخط، الذي يبقي إسرائيل في جزء صغير من هضبة الجولان وغير بعيد عن خط حدود 1967، تضمن، وفقاً للتقرير، ألا يكون المساس السوري بكميات المياه جسيماً. وهذا الخط يقع إلى الشرق من خط خزانات المياه الموجودة بالقرب من محور مساقط المياه. ويشدد التقرير على أنه "في أي سيناريو لا يقوم على التعاون ليس في إمكان إسرائيل التراجع عن هذا الخط" – إذا كانت ترغب في الحفاظ على الحد الأدنى من مصادرها المائية. 

هناك أيضاً السيناريو الإيجابي الذي يتحدد في تسوية بين الدولتين ضمن إطار اتفاق سلام شامل. ففي حال قيام تعاون كامل يمكن، بحسب التقرير، وضع ترتيبات للرقابة على استغلال المياه في الجولان. وبين أمور أُخرى، تتوقف سوريا عن بناء منشآت جديدة للسيطرة على مياه الجولان، وتكتفي بالعمل على زيادة فعالية ونجاعة المنشآت القائمة. ويتوجب على إسرائيل المطالبة بضمان "رقابة قصوى على مصادر نهر الأردن، بما في ذلك وادي الحرمون (بانياس) وينابيع الوزاني (أحد مصادر مياه نهر الحاصباني). وفي الجولان يجب ضمان الرقابة على استغلال المياه في جميع الأراضي الواقعة إلى الغرب من خط تجميع المياه، على امتداد محور مساقط المياه." وبكلمات أخرى، يتحدث التقرير عن رقابة – لا عن السيطرة على أراض – على الرغم من أنه لا يحدد ذلك بصورة غير قابلة للتأويل.

 

 

سيناريوهات تتعلق بالمناطق

[الضفة الغربية وقطاع غزة]

إن بين الأردن، يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وقطاع غزة ترابطاً شديداً في كل ما له علاقة بالمياه. لكن يتضح من التقرير أن هذا الترابط متبادل في ما يخص يهودا والسامرة. والسيناريو الأسوأ من ناحية إسرائيل هو انسحاب كامل من هذه الأراضي، وعندما لا يكون هناك، لأي سبب من الأسباب، تعاون في موضوع المياه بين إسرائيل والكيان الفلسطيني. ففي اللحظة التي يقدم فيها الطرف الآخر على زيادة استخراج المياه الجوفية – يحذر التقرير – "قد تلحق أضرار بمصادر مياه الشرب الخاصة بالتجمعات السكانية الأساسية في إسرائيل. فهذه المصادر قائمة في الأحواض الواقعة إلى الغرب من مناطق يهودا والسامرة. كذلك من الممكن أن تلحق أضرار بعملية إيصال المياه إلى الاستيطان اليهودي في أودية بيت شان [بيسان] وحارود ويزرعيل [مرج ابن عامر]، التي تقع مصادرها في الأحواض الشمالية لمنطقة يهودا والسامرة. وسيكون من غير الممكن أيضاً منع تلوث مصادر المياه الإسرائيلية في يهودا والسامرة. وإذا بقيت المستوطنات اليهودية في غور الأردن على حالها، فمن المتوقع أن تلحق أضرار بعملية تزويد هذه المستوطنات بالمياه من الأحواض المائية الشرقية."

ولذا، فالاستنتاج الذي يتوصل التقرير إليه هو أن الفصل بين إسرائيل ويهودا والسامرة من دون إجراء تعديلات على الحدود، ومن دون أن يكون هناك تعاون مع الفلسطينيين في الضفة، هو السيناريو الأخطر من ناحية مرفق المياه الإسرائيلي. فهذا الوضع "يشكل خطراً شديداً على مصادر المياه الأساسية لإسرائيل. وحتى عندما تحتل عملية تحلية المياه حيزاً مرموقاً، فإن أهمية حوض مياه نهر اليركون – التمساح لن تتضاءل. وقبل حرب الأيام الستة لم يستغل سكان الضفة الغربية سوى 5% من مياه هذا الحوض. أما اليوم، فقد ارتفعت النسبة إلى نحو 7%، بينما تستغل إسرائيل الباقي.

وتأسيساً على ذلك، يوصي التقرير بأن تضمن إسرائيل "السيطرة على معظم مصادر المياه بهدف الحيلولة دون زيادة استخراج المياه الجوفية في يهودا والسامرة على حساب الاستخراج الإسرائيلي في حوض اليركون – التمساح." وكما هي الحال بالنسبة إلى هضبة الجولان، فإن الباحثين شفارتس وزوهر يرسمان خطاً جغرافياً حاسماً من ناحية إسرائيل. ويمر الخط من مي عامي قرب مدينة أم الفحم [العربية] باتجاه [قرية] دير شرف: ومن هناك إلى جينصافوط، فبيت لقيا وصوريف وإدنا. هذا بالنسبة إلى الأحواض الغربية، أما في شمال السامرة فهناك خط حاسم آخر يرتبط بالأحواض الشمالية، وهو: بردله – زفاتا – جنين. أما الخط الحاسم في منطقة القدس – بيت لحم، الهادف إلى منع الاستخراج غير المراقَب للمياه من الأحواض الشرقية، فهو: خط بدو – عين فارة – أبو ديس – تل هِرْدُس – بيت فجار – وهارغيلو [جيل غيلو].

وكما قلنا، فهذا هو السيناريو الأسوأ. لكن هناك واحداً إيجابياً أيضاً بالنسبة إلى يهودا والسامرة، وهو السيناريو القائم على التعاون الكامل الذي يجني الفلسطينيون والإسرائيليون والأردنيون منه فائدة عظمى. وهو يقضي، على ما يبدو، بإجراء تعديلات على الحدود، وبضمانات حقيقية بالنسبة إلى الرقابة على عمليات التنقيب واستخراج المياه الجوفية. ويشدد واضعو التقرير على أنه إذا شكلت إدارات مشتركة لأحواض المياه هذه، فيجب أن تكون إسرائيل ممثلة فيها بناء على وزنها النسبي في الاستهلاك الحالي للمياه، لا بناء على مقياس هيدرولوجي أو جغرافي آخر.

والصعوبة، بحسب واضعي التقرير، هي أن القانون الدولي فيما يتعلق بشؤون المياه غير واضح حتى الآن، كما ينبغي، وليس له صفة ملزمة. فهناك ميثاق هلسنكي لسنة 1966، الذي يحدد بصورة عامة مبادىء لتسوية مسألة توزيع المياه الدولية. ومن الواضح أن العرب سيدعون، طبعاً، أن من حقهم الحصول على مياه أخرى، على حساب إسرائيل، لأسباب هيدرولوجية وجغرافية. وفي المقابل، ستدّعي إسرائيل أن لها حق التملك وحقوقاً تاريخية، وستشير بالأساس إلى الضرر الاقتصادي الباهظ المتوقع أن يلحق بها إذا أًلغيت، أو قُلّصت حصص المياه الخاصة بها. وهذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها موضوعات مماثلة على جدول الأعمال بين الدول المختلفة. فمثل هذا الجدل كان قائماً أيضاً بين الولايات داخل الولايات المتحدة الأميركية. وسيكون الجدل بين إسرائيل والعرب قاسياً، بالذات، لأن هناك طرقاً قليلة جداً لإيجاد حل للوضع، ولأنه من الواضح أن النقص في المياه سيتفاقم أيضاً.

ويبقى الخلاف بين إسرائيل والأردن قضية قائمة في حد ذاتها. وهو يتركز أولاً على مياه نهر اليرموك، لكن يتركز أيضاً على نقل إسرائيل للمياه المالحة من منطقة بحيرة طبريا إلى الجزء الجنوبي من نهر الأردن. وحقاً، هناك منذ أعوام تعاون غير رسمي بين إسرائيل والأردن. لكن الأردنيين يدعون أننا نضخ من المياه ما يتجاوز حصتنا وفقاً لمشروع الوسيط الأميركي جونستون لسنة 1950. ويعاني الأردنيون ضائقة كبيرة في موضوع المياه وفي باقي مشاريعهم للخروج من هذا الوضع – بناء "سد الأخوة" (سد المقارن)، الذي فرضت إسرائيل "فيتو على تنفيذه، لأن "المشروع" – بحسب تقديراتها – "يشكل أخطاراً على إسرائيل." ولدى إسرائيل أساس قانوني لمعارضة منح الأردن قروضاً من البنك الدولي لهذا المشروع (لأنه، إضافة إلى أمور أُخرى، ينوي الأردن إقامة سد صغير قرب العدسية، في إطار هذا المشروع، جزء منه سيكون داخل الأراضي الإسرائيلية). وفي طبيعة الحال فإن المعارضة الإسرائيلية ستزول إذا تم عقب السلام تحقيق تعاون كامل مع الأردن في هذا المضمار.

ويجب الانتباه أيضاً إلى خطر آخر متوقع، ناجم عن نيات الأردن، وربما عن نيات سوريا أيضاً. ففي مشاريعهم المائية السابقة، اعتمد الأردنيون وغيرهم على تحويل بحيرة طبريا إلى بحيرة إقليمية. هذا يعني أنه بحسب هذه المشاريع، يفترض أن يتحول المخزون الاحتياطي الوحيد لإسرائيل من المياه إلى بحيرة دولية من ناحية عملية. وفي حال كهذه سيطالب العرب، بالتأكيد، بفرض رقابة دولية على البحيرة. وهذه مخاوف إسرائيلية قديمة. ويؤكد التقرير "أن هناك اليوم مكاناً للخشية من استغلال بحيرة طبريا كمخزون دولي للمياه، وذلك لأن سعة المخزون فيها من المياه لا يزال أقل من حاجات إسرائيل."

ويأخذ التقرير في الحسبان أن إسرائيل ستُطالِب، في إطار التسوية السياسية بالتخلي عن مياه من مصادرها، أو أن تمد يد العون إلى جيرانها من خلال ذلك. وفي المقابل سيتم تطوير مصادر أُخرى للمياه، مثل استيراد المياه من دول مجاورة (تركيا، ومصر، ومن نهر الليطاني في لبنان)، إضافة إلى معونات دولية لإنشاء مشاريع لتحلية المياه وتفعيلها. وإذا تحقق كل ذلك فعلاً، بما في ذلك التعديلات على الحدود، فإن واضعي التقرير، يخمّنون أن النقص المتوقع في المياه في إسرائيل لن يتعدى خمسة ملايين متر مكعب في السنة. وبحسب أقوال خبراء آخرين، فهذا تخمين متفائل. كذلك يجب الانتباه إلى ملاحظة أُخرى في التقرير، تقول: "إنه لا يجوز لإسرائيل أن تعتمد على نقل المياه إليها من دول مجاورة، حتى في حال وجود تعاون في هذا المضمار" مع جيرانها العرب. وهذا في الواقع استنتاج يتناقض مع الاستنتاج الأول.

وفي إطار المقترحات المختلفة للتخفيف من حدة النقص في المياه، ولإقامة مشاريع تنمية مشتركة، يعالج التقرير أيضاً موضوع "خط أنابيب السلام" من تركيا. فما دام أن تصفية النزاع الإسرائيلي – العربي لم تتم، فليس هناك فرصة أن يوجَّه جزء من خط الأنابيب إلى إسرائيل. لكن حتى بعد تحقيق السلام، سيكون لدى العرب شكوك في هذا المشروع، لأنه سينشىء ارتباطاً خطراً بتركيا. وتشمل المقترحات الخاصة بمشاريع التنمية العامة المشتركة مشاريع لتحلية المياه، ومشروع مائي – كهربائي مشترك في البحر الميت، وبحيرات مشتركة، وإلى غير ذلك. وهذا الفصل لا يتضمن مقترحات أُخرى مثيرة للاهتمام، ويتجاهل، على سبيل المثال، أحد المشاريع الأكثر جاذبية، الذي وضعه شلومو غور، ويقوم على أساس نقل المياه التي تمت تحليتها من البحر الأبيض المتوسط، مروراً بمنطقة المروج إلى بيسان، وهذا سيمكّن إسرائيل والأردن من تطوير مصادر مائية خاصة بكل منهما من دون ارتباط بالآخر. ويثير هذا المشروع اهتماماً كبيراً لدى كبار المستثمرين الأجانب. وباستثناء المشروع الأخير، فمن الواضح أن باقي المقترحات لا يمكن أن يتحقق إلاّ إذا استجابت مصادر دولية للمشاركة في تمويلها.

 

المصدر: "هآرتس"، 8/10/1993.

Author biography: 

زئيف شيف: المحلل العسكري في "هآرتس".