Four Economists from the Occupied Territories Discuss the Palestinian Economy Under Self-Government
Keywords: 
الأراضي الفلسطينية المحتلة
الحكم الذاتي
الاقتصاد الفلسطيني
إسرائيل
الأردن
منظمة التحرير الفلسطينية
العلاقات الاقتصادية الخارجية
Full text: 

تقدم "مجلة الدراسات الفلسطينية" فيما يلي مساهمة في شأن موضوع الاقتصاد الفلسطيني في ظل الحكم الذاتي، وهو موضوع بقي، على أهميته، بعيداً عن النقاش العام ولم يُبحث إلا في نطاق الدوائر المتخصصة. وقد وجهت المجلة عدداً من الأسئلة إلى أربعة اقتصاديين معروفين في الأراضي المحتلة، بعضهم يتولى مسؤولية معينة في المفاوضات الاقتصادية الفلسطينية – الإسرائيلية أو يتابعها عن كثب. وتناول جانب من الأسئلة الترتيبات الاقتصادية بين إسرائيل والحكم الذاتي، التي يجري التفاوض بشأنها في باريس، والتي بقيت إلى حد ما بعيدة عن الأضواء، والاتفاق الاقتصادي بين منظمة التحرير الفلسطينية والأردن. وناقش الاقتصاديون الفلسطينيون المشكلات التي تعترض بناء النظام الاقتصادي الفلسطيني العتيد وعلاقته بإسرائيلمن جهة والمحيط العربي، ولا سيما الأردن، من جهة أُخرى. وجاء الحوار على النحو التالي: 

س ما هي المواقف التفاوضية التي طرحها الجانب الإسرائيلي في المفاوضات الاقتصادية في باريس، وما هي الأهداف التي تم التفاهم بشأنها لتحقيقها في المرحلة الأولى؟

سمير حليلة:  بداية، يجدر الإشارة إلى الأهداف – المبادئ المعتمدة في مفاوضات باريس والتي تتمحور حول:

1-  الإطار الجغرافي؛ "وحدة الأراضي الفلسطينية" الضفة الغربية وقطاع غزة، في الموضوع الاقتصادي، بمعنى أنه لا يمكن الحديث عن أنظمة اقتصادية مختلفة داخل الأراضي نفسها.

2-  يجب ضمان إعادة توازن الاقتصاد الفلسطيني بعلاقاته مع الدول المجاورة، وخصوصاً العالم العربي، والأردن على وجه التحديد، بضمان فتح البوابات الشرقية عبر مصر والأردن، والذي هو هدف رئيسي في التفاوض.

3-  العمل على أن يكون القرار الاقتصادي الفلسطيني المستقل في أيدينا، والعمل على تطوير هذا القرار "الاقتصادي" إلى قرار سياسي لاحقاً.

4-  على الرغم من اهتمام الجانب الفلسطيني بإقامة إطار للتعاون الاقتصادي الإقليمي، فإن تركيزه في هذه المرحلة يقوم على أساس إعادة هياكل هذا الاقتصاد بإقامة بنية تحتية قوية ومسندة ليكون هذا الاقتصاد قادراً على المساهمة إيجابياً في التعاون الاقتصادي الإقليمي في المرحلة المقبلة. المفاوضات الاقتصادية تجري في ثلاث لجان:

  • لجنة التجارة والعمال.
  • لجنة الضرائب والجمارك.
  • لجنة البنوك والقطاع المالي.
  • في لجنة التجارة والعمال، الهدف والمطالبة الفلسطينية هما فتح المجال للعمال الفلسطينيين كافة ومن دون قيود للعمل في إسرائيل، وثانياً، ضمان عقد اتفاقية مع الإسرائيليين تنظم حقوق العمال وتمنع الإجراءات التعسفية ضدهم؛ ضمان حقوق ومستحقات العمال وتعويضاتهم من الآن فصاعداً، وأيضاً تنظيم إعادة مستحقاتهم السابقة. وبصورة أساسية، كان الرد الإسرائيلي على هذه المطالب إيجابياً باستثناء بعض الاعتبارات الأمنية التي ستجري مناقشتها في اللجنة الأمنية في طابا.
  • في الجانب التجاري، كان المطلب الفلسطيني هو فتح الباب للتجارة مع العالم العربي والعالم الإسلامي من دون قيود، وثانياً تجارة مفتوحة بين الأراضي المحتلة وإسرائيل من دون عقبات. وبعد مماطلة إسرائيلية، تم الاتفاق مبدئياً على النقطة الأولى بشرط أن تتناسب ووارداتنا من العالم العربي والعالم الإسلامي وحجم حاجات الأراضي المحتلة.

في النقطة الثانية تحفظة إسرائيل عن السماح لنا بإدخال كل منتوجاتنا الزراعية إليها، ولا سيما خمس سلع زراعية أساسية، وطالبت، أو سمحت بإدخال "حصة معينة" من هذه السلع وتزداد هذه "الحصة" سنوياً حتى تصل في نهاية خمسة أعوام إلى حدود مفتوحة، والسلع هي: الدجاج اللاحم، والبيض، والخيار، والبندورة، والباذنجان، وهي ذات قدرة تنافسية عالية إزاء مثيلاتها من الإنتاج الإسرائيلي.

  • في الضرائب والجمارك، كان المطلب الإسرائيلي إنشاء اتحاد جمركي موحد مع الأراضي المحتلة، وقد تم رفضه كلياً من الجانب الفلسطيني باعتبار أنه يوحّد سوق الأراضي المحتلة مع إسرائيل ويفصله عن الأسواق العربية.

تم في الجولات الأخيرة طرح مدخل جديد في هذا المجال يجري على أساسه عقد اتفاق جمركي بثلاث رزم:

الرزمة الأولى، وتشمل السلع التي تُفرض عليها جمارك وضرائب تختلف عن تلك التي في إسرائيل، مثل الوقود والسيارات وغيرها... إلخ.

الرزمة الثانية، وتشمل السلع التي تُستخدم بشأنها نسب الجمارك والضرائب نفسها المستخدمة في إسرائيل.

الرزمة الثالثة، وتشمل بضائع وسلعاً يتم الاتفاق على جماركها وضرائبها بين الطرفين وتكون مختلفة عن تلك المستخدمة الآن في إسرائيل. ولا يحق لأي من الطرفين تغييرها من جانب واحد.

في قضية الجمارك، وافقت إسرائيل مبدئياً على أن يكون للفلسطينيين نظام للضريبة الإضافية يختلف بمعدلاته عن تلك التي في إسرائيل بما لا يتجاوز 5% من المتبع حالياً. وتبلغ نسبة الضريبة المضافة المتبعة حالياً في الأراضي المحتلة 17%، ويمكن أن تصل نسبة الضريبة المضافة إلى 12% في المستقبل. وهذا ينطبق على البضائع المنتجة محلياً فقط، لا على البضائع المستوردة من الخارج. وقد اتفق الطرفان كذلك على اعتماد الجانب الفلسطيني نسب ضريبة الدخل التي يراها ملائمة. وستقوم إسرائيل بنقل جميع مقتطعات الضرائب والجمارك التي تجبيها في إسرائيل إلى السلطة الانتقالية، أولاً بأول.

  • لجنة البنوك والقطاع المالي: اتفق الطرفان مبدئياً على أن يتسلم الجانب الفلسطيني الصلاحيات كافة في مجال تشريع وتنظيم وترخيص البنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية والبورصة، بصورة كاملة ومن دون تدخل إسرائيل. واختلف الطرفان في قضايا العمل والبنك المركزي، إذ إن الجانب الفلسطيني يطالب بحقه في إصدار عملة خاصة به عندما يكون مهيئاً لذلك وبحقه في إقامة بنك مركزي ينظّم هذه العملية والقضايا المالية المصرفية الأُخرى، بينما ترى إسرائيل أن هاتين القضيتين هما عنوان سيادة للكيان الفلسطيني لا تستطيع قبوله الآن.

واتفق الطرفان، وبصورة أولية أيضاً، على السماح بفتح فروع للبنوك وشركات التأمين "بالتبادل": بنوك فلسطينية في إسرائيل وبنوك إسرائيلية في الكيان الفلسطيني، وذلك بحسب الأنظمة والقوانين المتبعة في كل بلد.

سمير عبد الله:  لم أشترك في مفاوضات باريس الاقتصادية، لذا فإن إجابتي تستند إلى متابعات من هنا وهناك، ومن مصادر مختلفة. كما أود أن أتحدث عن الإطار العام لا عن التفصيلات.

كما هو معروف، جرى تأليف ثلاث لجان للتفاوض: الأولى بشأن التجارة والعمال، والثانية بشأن البنوك والنقد، والثالثة بشأن الضرائب والجمارك. وقد تم ذلك بصورة مبكرة منذ انطلاقة المفاوضات. وهذا في حد ذاته أحدث فوضى كبيرة في العملية التفاوضية، وذلك لعدة أسباب أهمها التداخل في الموضوعات، وعدم حسم الموضوع الرئيسي الذي يحدد المواقف التفاوضية من جميع القضايا، ألا وهو موضوع نظام التجارة بين فلسطين وإسرائيل خلال المرحلة الانتقالية. ومن الملاحظ أن كل طرف من الطرفين لا يمكن أن يصل إلى اتفاق مع الطرف الآخر في اية لجنة من اللجان إلا بعد أن يعرف طبيعة الاتفاق في اللجان الأُخرى. كما أن الموضوع الرئيسي الذي أخذ الوقت الأكبر في المفاوضات هو موضوع نظام التجارة بين الجانبين في المرحلة الانتقالية. ومن الواضح أن هناك تبايناً بين الموقفين؛ فالجانب الفلسطيني يطالب بإنهاء صيغة الاتحاد الجمركي الذي فرضته إسرائيل من جانب واحد منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية سنة 1967، فوضعت الاقتصاد الفلسطيني ضمن الغلاف الجمركي الإسرائيلي، وفرضت في الوقت ذاته قيوداً على وصول المنتوجات الفلسطينية إلى الأسواق الإسرائيلية وإلى الأسواق التي تتمتع إسرائيل فيها بمعاملة تفضيلية. ويطالب الجانب الفلسطيني بقيام نظام للتجارة الحرة بين السوقين الفلسطينية والإسرائيلية بما يسمح بحرية التجارة بين السوقين.

لكن يسمح بأن تمتلك السلطة الفلسطينية حرية تامة في سياساتها التجارية والجمركية الخاصة تجاه الأسواق الخارجية وفق ما تقتضيه مصلحة الاقتصاد الفلسطيني. وهذه الصيغة وحدها يمكن أن تسمح بقيام علاقات متينة بالأسواق العربية، وخصوصاً السوق الأردنية. كما أنها تسمح للاقتصاد الفلسطيني بالحصول على مواد خام ومنتوجات أساسية بأسعار أقل، الأمر الذي يقلل من تكاليف الإنتاج، ويقوي القدرة التنافسية للمنتجين الفلسطينيين.

كما أن فتح السوق الإسرائيلية أمام العمال الفلسطينيين من الأهداف التي يسعى المفاوضون الفلسطينيون لها. فمن الواضح أن مشكلة العمل في إسرائيل التي تراكمت خلال ستة وعشرين عاماً لا يمكن حلها بسرعة أو بسهولة، ولا سيما أنها تمس أكثر من 100 ألف عامل، وأنها تأتي في وقت تتفشى البطالة السافرة والمقنّعة على نحو لم يسبق له مثيل، خصوصاً بعد إقفال سوق الخليج العربي، وعودة عشرات الألوف من الفلسطينيين من هناك.

وبصورة عامة، فإن ما نسعى له هوإعادة صوغ العلاقات مع إسرائيل على أسس جديدة من التكافؤ، والمنفعة المتبادلة، وحق المعاملة بالمثل؛ علاقات تعاقدية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الفلسطينية، وبما يسمح للاقتصاد الفلسطيني بالتعامل بحرية مع الأسواق الأخرى، وخصوصاً الأسواق العربية التي نعتقد أننا جزء منها.

عادل سماره: قد يستغرب القارئ من إجابتنا عن هذا السؤال؛ إذ باستثناء أعضاء الوفد ومن ينسقون معهم، فإن أحداً في الشارع الفلسطيني لا يعرف ما هي الأفكار التي طرحت، سواء من هذا الجانب أو ذلك. وبكلمة أوضح، فإن التسوية تتم بسرية تامة على الصعيد الاقتصادي كما هي على الصعيد السياسي. وليس في وسع أحد الحصول على أية معلومات محددة بشأن ما طرح هناك. وكل ما يسمعه المواطن هو أن المفاوضات الاقتصادية تسير بصورة جيدة.

لذلك فإن بناء الموقف من المفاوضات ينحصر في ثلاثة أمور، كلها بعيدة عن جوهر ما يتم عرضه في أروقة التافوض، وهي:

1-  إن الاتفاق هو، من حيث المبدأ، اتفاق اقتصادي لا اتفاق سياسي أو سيادي، وهذا يرتبط بالأمر الثاني.

2-  التطبيق في هيئة مشاريع؛ إذ عُقدت عدة مؤتمرات للمستثمرين من عدة جنسيات، وأُعلنت أسماء شركات مختلطة، على الرغم من عدم وصول ترتيبا غزة – أريحا بعدُ نتائج واضحة في الجانب السياسي.

3- إن ما رشح من الأفكار التي عرضها الفلسطينيون هي المقالات التي كُتبت في أحيان متفرقة في الصحف المحلية، التي ملخصها أن الفلسطينيين يسعون للوصول إلى تعاون اقتصادي إقليمي متبادل، وأنهم ليسوا معنيين بالعمل على تطبيق سياسة الاعتماد على الذات. وفي هذا توجه انفتاحي خطر (من قِبل العامل الذاتي أو صانع القرار السياسي في الاقتصاد) على اقتصاد فيه من مقومات التبعية أكثر مما فيه من مقومات الاستقلال، والاعتماد على الذات، والنمو. وفي الحقيقة إن هذا تقيد باتفاق أوسلو من قِبل صانع القرار السياسي للاقتصاد، وأقصد تحديداً أن الأمر ليس مصادفة، ولا قصوراً في فهم المخاطر، إلا إنه عجز عن تجاوز محددات الاتفاق نفسه، وهذا ما تدركه السلطات الإسرائيلية التي تركز باستمرار على تنفيذ الاتفاق كما ورد في صيغه الأساسية.

وموجز التعليق على هذه الأفكار هو أن قيادة الحكم الذاتي معنية بانتهاج سياسة اقتصادية "انفتاحية" متكيفة مع متطلبات النظام العالمي، الأمر الذي يعني في النهاية "توليد اقتصاد تابع منذ لحظة البدء."

عاطف علاونة: يدور الحديث في باريس حول طبيعة العلاقات الاقتصادية بين الكيان الفلسطيني والاقتصاد الإسرائيلي في المستقبل، وذلك في المجالات التالية: التجارة والعمال؛ الضرائب والجمارك؛ النقد والبنوك. 

وقد تبين من الطروحات الماضية أن إسرائيل تحاول إبقاء النظام الحالي ساري المفعول حتى لو كان تحت السيطرة الفلسطينية الجزئية. أي إنها تسعى مثلاً لتطبيق تجارة حرة بين المنطقتين، واتباع سياسة جمركية واحدة، بينما يرفض الجانب الفلسطيني ذلك ويطالب بـ:

أ -  وضع الصلاحية المتعلقة بهذه الموضوعات في يد السلطة الفلسطينية.

ب – دراسة إمكان الإبقاء على بعض السياسات المشتركة في المستقبل.

ج – بلورة سياسات فلسطينية في المجالات التي ترتأيها السلطة الفلسطينية، وبذلك بهدف:

  • تمكين الاقتصاد الفلسطيني من النمو والتكور؛
  • التخفيف عن كاهل المواطن الفلسطيني؛
  • توفير إيرادات لتغطية موازنة السلطة الفلسطينية.

وبعد خمس جولات، تم التفاهم على بعض النقاط، وما زال الكثير من النقاط غير متفاهم عليه. كما أن هناك اختلافات جوهرية في بعض المسائل الأُخرى.

س ما هو تقويمك للاتفاق الأردني الفلسطيني فيما يخص علاقة الاقتصادين (الأردني والفلسطيني) وعلاقة كل منهما بالاقتصاد الإسرائيلي؟

سمير حليلة: أرى أن الاتفاق الفلسطيني – الأردني الذي وقّع خلال الأسابيع الماضية هو بمثابة إعلان مبادىء اقتصادي بين الجانبين؛ بضع الأساس لمجموعة من الاتفاقات التي يجب العمل على صوغها وبلورتها خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وأهمية هذا الاتفاق أساساً هو في توقيعه، حيث أنه شكّل مصدر ثقة للتجار والمستثمرين في الأردن بشأن طبيعة العلاقات الاقتصادية الفلسطينية – الأردنية في المستقبل. 

وباستثناء المواد الثلاث الأولى في الاتفاق، التي تتحدث بصورة محددة عن المجال البنكي والمالي، فإنه ليس هناك آليات أو اتفاقات محددة في الجانب المصرفي. وقد جاء الاتفاق مستنداً إلى قرارات اللجنة التنفيذية بإعادة فتح فروع البنوك الأردنية العاملة في الضفة وغزة قبل سنة 1967، الأمر الذي يعني أن الترخيص لهذه البنوك قد جاء من السلطة الفلسطينية في حين ان مهمة تنظيم إعادة فتحها أُوكلت إلى البنك المركزي الأردني وكذلك مهمة الإشراف على عملها بحسب الأنظمة والقوانين الأردنية، وهي طبعاً المطبّقة في الضفة الغربية. ووفقاً للاتفاق، فإنه من الواضح أن فتح بنوك جديدة في قطاع غزة والضفة الغربية، أو الترخيص لفروع بنوك أجنبية، سيبقى خارج إطار المهمة الموكلة إلى البنك المركزي الأردني، وهذه المهمة ستبقى في يد إسرائيل حتى إقامة السلطة النقدية الفلسطينية.

بخصوص العملة، فعلى الرغم من أن الاتفاق أشار إلى أن الدينار هو عملة التداول، فقد سُمح بتداول عملات أُخرى في الأراضي المحتلة، وهو ما يعني أن الطريق لم تُغلَق أمام استخدام الشيكل أو الدولار أو الجنيه الفلسطيني عملة رسمية في الأراضي المحتلة.

يحتاج الاتفاق في تقديري إلى تفصيل، وذلك فيما يتعلق باستخدام الدينار الأردني، وخصوصاً بشأن إجراءات تحويل العملة الصعبة إلى دينار وبالعكس، إذ إن الاتفاق لم يتضمن التزاماً أردنياً نحو السلطة الفلسطينية بتوفير كميات من العملة الصعبة في مقابل الدينار لشراء مستلزمات السلطة الفلسطينية. وفيما يتعلق بالعلاقة الاقتصادية بين الاقتصاد (الفلسطيني – الأردني) والاقتصاد الإسرائيلي، فإن العلاقة القائمة حالياً هي تجارة حرة، من طرف واحد، من إسرائيل، باتجاه الأراضي المحتلة، وبضائع فلسطينية تصدر إلى الأردن من دون توازن مع واردات الأراضي المحتلة. وفي الاتجاهين هناك علاقة تبادل تجاري غير متوازنة قائمة وفق اشتراطات الاحتلال.

إن الأهداف الفلسطينية في المفاوضات تتمحور حول:

1-  فتح باب الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل، وإكمال حلقة التجارة الحرة بيننا وبين إسرائيل، ووضعها في إطار طبيعي.

2-  فتح باب الواردات من العالم العربي، والأردن تحديداً، لإعادة التوازن إلى التجارة بين الأراضي المحتلة والعالم العربي.

3-  فتح باب الصادرات الفلسطينية إلى الأردن، أو عبره إلى دول أُخرى، لتخفيف علاقات التبعية بين اقتصاد الأراضي المحتلة والسوق الإسرائيلية.

وبصورة عامة، يمكن تلخيص هذه العلاقات بأنها تحسين لشروط التجارة الحرة مع إسرائيل، وتعزيز للتبادل التجاري مع الأردن بأفق تجارة حرة. ولا شك في أن هذا الموضوع يخضع لكثير من الاشتراطات الفنية والمالية. ومن الاشتراطات الفنية ما يتعلق بموضوع المعايير والمواصفات المقبولة للمنتوجات، وخصوصاً المنتوجات الصناعية؛ إذ يجب الوصول إلى معايير موحدة متفق عليها بين هذه الكيانات. ومن الاشتراطات المالية ما يتعلق بحجم الجمارك والضرائب المفروضة على حركة هذه السلع حيث هناك أنظمة متنوعة تحتاج إلى توحيد، وهذا يعتمد في الأساس على مدى حاجات خزينة كل من هذه الكيانات، وطبيعة الاقتصاد وحجمه في كل منها.

سمير عبد الله: لقد أملى الاتفاق الأردني الفلسطيني تطمينات مهمة لرجال الأعمال الأردنيين والفلسطينيين، ووضع أسساً للعلاقات المستقبلية. وقد ابتعد الاتفاق عن الوصول إلى قضايا تفصيلية بسبب عدم اكتمال المفاوضات مع إسرائيل، وترك جميع الخيارات مفتوحة أمام المفاوض الفلسطيني.

إن العلاقات الخاصة بين الأردن وفلسطين لا بد من أن تلقى الاهتمام من قِبل المسؤولين في البلدين لوضع أفضل الصيغ تحقيقاً للفائدة المشتركة وتعزيزاً لمواقفهما في المفاوضات مع إسرائيل. وهذا الاتفاق خطوة مهمة لا بد من أن تتلوه اتفاقات تفصيلية أُخرى لتحديد نظام التجارة الملائم وفي مجال القضايا المصرفية والنقدية، والعمل، وحركة رأس المال.

عادل سماره: هناك مجموعة من الاعتبارات الأساسية تحكم العلاقات الفلسطينية – الأردنية. ومن دون هذه الاعتبارات يصعب النظر إلى الاتفاقية الاقتصادية بين الأردن وم. ت. ف. – تونس، ومنها الاعتبار التاريخي السياسي (باعتبار آلية ارتباط طوعي)، حيث يسيطر الشعور الشعبي الواحد في القطرين. أما على صعيد الطبقات، وخصوصاً الطبقة الرأسمالية، وصعيد النظام السياسي، فإن الكلمة الأولى هي للمصالح الإقليمية لهذه الطبقات ولهذا النظام (إذا افترضنا تجاوزاً أن هناك نظاماً فلسطينياً). وهناك في المقابل الاعتبار الموضوعي الناجم عن دور الاحتلال (باعتباره أداة فك ارتباط قسري) الذي هدف منذ سنة 1967 إلى ترسيخ فك العلاقة الاقتصادية الموحدة بين الضفة الغربية والضفة الشرقية. فقد اتبع سياسة قامت باقتطاع جزء من وحدة اقتصادية محددة اقتطاعاً قسرياً، وقامت بتغيير مختلف علاقات هذا الجزء في مجالات الاستيراد، والتصدير، والعملة، واستغلال قوة العمل، ووجهة أو سياسة الاستثمار، ومؤسسات ومصادر التمويل، بما يتوافق مع مصالح اقتصاد الاحتلال، الأمر الذي قاد إلى وجود شرائح في المجتمع الفلسطيني ذات مصلحة في بقاء العلاقات الاقتصادية بالاحتلال (التعاقد من الباطن، والكمبرادور)، وبلورة مثقفين يؤمنون بهذا النمط من العلاقات الكولونيالية ويفرطون في التنظير له. هذا إضافة إلى إصرار الرأسمالية على الإمعان في التسوية ما دامت تحقق الحد الأقصى من الربح من دون أن تكترث لمسألة الاستقلال القومي. لذا، فإنها مستعدة لإقامة مشروعها الاقتصادي عبر كيان سياسي إقليمي منفصل عن الأردن، وإن لم يكن مستقلاً عن إسرائيل. هذا التشويه الموضوعي على الأرض لاقتصاد المناطق المحتلة يُبرز بدوره عقبات موضوعية على طريق إعادة بناء العلاقة مع الاقتصاد الأردني، كما لاحظنا في الفترة الأخيرة.

كما أن البنية الاقتصادية الضعيفة للاقتصاديين تؤدي دوراً أساسياً في إعاقة التكامل أو التوحد الاقتصادي بينهما، إذ لا يشكل أحدهمت عامل جذب قوياً للآخر، كما أن كلا الاقتصادين تابع للمركز الإمبريالي، وهذا تبعية يعمقها ويبررها غياب تكامل اقتصادي عربي.

بهذا المعنى، يصبح اقتصاد إسرائيل أقدر على إخضاع الاقتصادين، وأقدر على الابتلاع أيضاً، وهذا ما يتجلة في أية حال في كون كل منهما يعقد اتفاقاته المباشرة مع الاقتصاد الإسرائيلي، محكوماً بالضعف من جهة، وبإملاء إسرائيل أسس التسويات السياسية على التسويات الاقتصادية، أي باستفراد كل طرف عربي على حدة، من جهة أُخرى.

لذا، كان التنسيق جوهر هذا الاتفاق، أي علاقات استشارية طوعية غير ملزمة، فيصبح لذلك بلا معنى إذا ما قابلناه بنصوص اتفاق أوسلو في العلاقة بين اقتصاد الحكم الذاتي واقتصاد إسرائيل من جهة، وبين العلاقات القائمة بين الاقتصاديين من جهة أُخرى، ناهيك بقيام كل طرف بترتيب علاقاته مع إسرائيل منفرداً، وهو ما يجعل إسرائيل الطرف المركزي. ولذا، فهي حاضرة في صلب الاتفاقية كبُعد مشترك، وهذا من صلب عملية التسوية. والاتفاق الإسرائيلي – الأردني ينص صراحة على أن أي بنك أردني أو بنك أجنبي يعمل عبر الأردن يرغب في العمل في المناطق المحتلة ينبغي له أولاً أخذ الموافقة، أي تصريح بالعمل، من البنك المركزي الإسرائيلي، وهنا يفقد الاتفاق الأردني – الفلسطيني استقلاليته.

وبهذا المعنى أيضاً، فإن فروع البنوك الأردنية التي ستقام ستجد نفسها مضطرة إلى الارتباط أو ربما "رابحة" من عملية الارتباط كوكلاء للبنوك الإسرائيلية، كما هو حال بنك فلسطين في غزة إزاء بنك عبوعليم الإسرائيلي، أي بنوك بالتعاقد من الباطن، وهذا طبعاً أمر أكثر سهولة على الصعيد المالي (أنظر: Jerusalem Post, November 26, 1993).

ويجب ألاّ يغرينا الحديث عن حجم التجارة (300 مليون دينار سنوياً)، لأن هذه التجارة ستتم بإشراف إسرائيلي، وهي بالتالي في سياق تسريب أو تصدير منتوجات إسرائيل إلى المشرق العربي. وهذا ما تفسره أيضاً إقامة مماطق التجارة الحرة في الأغوار وعلى حدود سنة 1967، أي تحويل الحكم الذاتي كله إلى منطقة متاجرة حرةن وهذا هو جوهر اتفاق مختلف الرأسماليات المشاركة في التسوية.

إن جعل منطقة الحكم الذاتي منطقة متاجرة حرة هي في الوقت ذاته حلقة الوصل المطلوبة لتنفيذ الجزء المصغر (Pilot Project) من مشروع السوق الشرق الأوسطية؛ أي إن هذا المنطقة ستكون اقتصاداً بلا أبواب بين إسرائيل والأردن، أو ستكون بوابات لتمرير المنتوجات الإسرائيلية إلى الأردن والمشرق العربي، وسيكون معظمها قد تم إنتاجه بأيدي عمال عرب بأجور زهيدة لضرورات القدرة على المنافسة.

باختصار، لقد جاء هذا الاتفاق على أساس الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني، ولذا فإنه يخلو من كونه ذا بعد سياسي قومي من جهة، ومن كونه، من جهة أخرى، ذا مقومات اقتصادية مفادها زيادة الترابط الاقتصادي مع الأردن على حساب فك الارتباط الاقتصادي مع إسرائيل.

عاطف علاونة: جاء الاتفاق الأردني – الفلسطيني بصورة عامة ليؤكد ضرورة التعاون الاقتصادي بين الاقتصاد الفلسطيني من جهة والاقتصاد الأردني من جهة أخرى، محدداً أوجه التعاون في التجارة والأموال والعمال.

وعلى الرغم من أن امتداد الاقتصاد الفلسطيني في المديين المتوسط والبعيد هو في الاقتصاد الأردني والاقتصادات العربية الأخرى (التكامل الاقتصادي العربي)، فإن الاتفاق لم يعالج هذا الموضوع بالتفصيل.

لقد استحوذ موضوع البنوك على القسم الأكبر من الاتفاق، وكذلك السماح للبنوك الأردنية بالعمل في الضفة الغربية، و"إعادة فتح الفروع السابقة"، وهذه نقطة مهمة يمكن أن يكون لها آثار إيجابية على الاقتصاد الفلسطيني، وذلك عن طريق إدارة المدخرات، والإقراض، والإدارة المالية بصورة عامة، وتوفير مبالغ كبيرة لضخها في استثمارات الاقتصاد الفلسطيني.

من ناحية أخرى، يؤدي هذا الاتفاق إلى أن جميع التحويلات ستمر عبر البنوك والبنك المركزي الأردني، الأمر الذي يجعل من هذا الأخير مستفيداً من المساعدات المالية المتوقعة للأراضي المحتلة، وهو ما من شأنه أن يرفع حجم الاحتياط من العملات الصعبة لدى البنك المركزي الأردني.

وبالنسبة إلى العلاقة المستقبلية مع الاقتصاد الإسرائيلي، فإن هذه العلاقة مرهونة بالاتفاق السياسي وقدرة الاتفاق على إدخال الجانب الاقتصادي في العملية السلمية الجديدة. فإذا بقي الوضع والعلاقات كما هو الأمر بين مصر وإسرائيل، فإني لا أتوقع تطور علاقات اقتصادية مؤثرة مع الاقتصاد الإسرائيلي (هذا بالنسبة إلى الأردن)، وسترتفع درجة العلاقة وتسمو بارتفاع درجة الحل السياسي وسموها.

وبالنسبة إلى الاقتصاد الفلسطيني، وبموجب اتفاق إعلان المبادىء، يتوقع ترتيب علاقات اقتصادية قائمة على مصلحة الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي). وبصورة عامة، يسعى الاقتصاد الفلسطيني لتخفيف حدة التبعية التي فرضت عليه خلال أعوام الاحتلال وخلال المرحلة الانتقالية. أما في المرحلة النهائية، فإن الوضع سيختلف، وذلك تبعاً للتطورات التي تسير الأمور عليها في النهاية باتتجاه أكبر قدر ممكن من الاستقلال الاقتصادي.

س هل تعتقد أن هناك إمكاناً وضرورة لوجود عملة وبنك مركزي وبورصة فلسطينية؟

سمير حليلة: يقضي الجانب السياسي بأن يكون للفلسطينيين حق إقامة ما يحتاجون إليه من المؤسسات لإدارة شؤونهم، ابتداء بالمؤسسة الأم "الدولة" وانتهاء بأصغر مؤسسة. ويبقى القرار فلسطينياً، وهو أن تقرر السلطة الفلسطينية إنشاء بنك مركزي، وصك عملة، وإنشاء بورصة في هذه اللحظة أو تلك، يتعزز هذا المدخل في ضوء أن غياب سلطة نقدية وبنكية يعني فعلياً تسليم مهمات هذه السلطة إما إلى إسرائيل وإما إلى الأردن، وكلاهما لهما مصلحة قد لا تتطابق مع المصلحة الفلسطينية في هذا المجال. إن إقامة بنك مركزي، أو بورصة وخاصة البنك، تعتمد بالأساس على قدرتنا على وضع نظام وتهيئة كادر مؤهل للقيام بمهمة البنك المركزي. وفي تقديري، إن الوقت ليس بعيداً لتحقيق هذا الهدف، وذلك بسبب وجود كادر بشري ذي تجربة في هذا المجال، ووجود دافع قوي للسلطة الفلسطينية لبناء نظام بنكي فعّال ومؤثر. وينطبق هذا بصورة أقل على السوق المالية، حيث لا تشكل البورصة مكاناً لبيع الأسهم وشرائها فحسب، بل أيضاً مدخلاً أساسياً لتمويل الشركات المساهمة ومختلف قطاعات الإنتاج. وبقدر ما يكون إنشاؤها نتيجة لوجود عدد كاف من الشركات المساهمة العامة فهي أيضاً عنصر أساسي في تشكل هذه الشركات. وفي الحالات كافة، أعتقد أن جدوى، أو نجاح أي من هاتين المؤسستين يعقد بالأساس على السياسة وعلى الرؤية التي تتبناها الحكومة الانتقالية في وضع إطار ونظام عمل هاتين المؤسستين.

وبالنسبة إلى دور البنك المركزي في صك عملة محلية والإشراف على السياسات النقدية في الأراضي المحتلة، فإن هذه المسألة هي، من دون شك، أولوية اقتصادية لكنها تحتاج في الوقت نفسه إلى اشتراطات كثيرة:

فهي أولوية كونها تمثل قدرة سياسية رمزية للحكومة الانتقالية، وكونها كذلك أساساً لاستقلال القطاع النقدي الفلسطيني عن السياسات النقدية المتبعة في كل من الأردن وإسرائيل. فنحن الآن ندفع ثمن انخفاض سعر صرف كل من الدينار والشيكل يومياً، وسنبقى اقتصاداً يعتمد بصورة أو بأُخرى على السياسات الاقتصادية للدول المجاورة. ولن نستطيع شراء حاجتنا من العملات الصعبة بسهولة لتغطية وارداتنا.

أما الاشتراطات فهي تستند إلى قوة هذا الاقتصاد ومدى ثقة الفلسطينيين وغيرهم باستقراره بحيث يمكن الاعتماد على شراء العملة الفلسطينية أو استخدامها للتداول أو الادخار. وبصورة عامة، إني أعتقد أن هذه المسألة ستتحقق خلال نهاية العام الأول من تطبيق الاتفاق، ويمكن الاستفادة كثيرا من تحويلات العملات الصعبة الآتية على شكل مساعدات دولية أو استثمارات القطاع الخاص الفلسطيني في الخارج لدعم العملة الفلسطينية الجديدة.

سمير عبد الله: يجب أن نفرق بين المطالبة بالحقوق وبين توقيت استخدام هذه الحقوق. ومن هذا المنطلق أعتقد أننا يجب أن نصر على أن تكون لنا حرية امتلاك الحق بإقامة جميع المؤسسات التي يحتاج اقتصادنا إليها، ومن ضمنها البنك المركزي، والنقود الفلسطينية، والبورصة. أما توقيت إقامة البنك المركزي وإصدار العملة وإقامة البورصة، فإنه يخضع لاعتبارات فنية مهمة؛ فإصدار العملة للتداول في السوق مثلاً يجب أن يُسبق بتوفير الشروط لضمان ثقة الجمهور بالعملة وضمان ثبات سعر صرفها تجاه العملات الأُخرى. وإقامة البروصة يجب أن يسبقها وجود شركات مساهمة بصورة ملموسة وضمان مستوى تداول يغطي النفقات الباهظة لإدارة البورصة، ويشجع المستثمرين من الخارج للتداول بها. أما مسألة البنك المركزي فربما يمكن الشروع في تنفيذها على مراحل، حيث يبدأ البنك القيام ببعض وظائف البنك المركزي لا جميعها، كترخيص البنوك التجارية والإشراف عليها، وإدارة احتياطي العملات الصعبة الموجودة لدى الحكومة، وإصدار سندات للتنمية، ثم يتوسع بالتدريج نحو إصدار النقد والقيام بجميع الوظائف الأخرى المعروفة للبنك المركزي: كبنك للبنوك، وبنك للحكومة، والقيام بعمليات السوق المفتوحة... إلخ.

عادل سماره: بناء على دور البنك المركزي كبنك البنوك، يشرف على النظام المصرفي، ويسوي الحسابات بين البنوك التجارية، ويراقب الكم النقدي المتداول، ويشرف على العملة وسعر صرفها في مقابل العملات الأخرى، فإن وجوده هو نتاج ورمز للاستقلال معاً، لكنه ليس رمزاً للتنمية، إذ قد يكون كذلك وقد لا يكون.

إن وجود بنك مركزي ضروري لأنه أحد مسهّلات التوجه نحو فك الارتباط باقتصاد الاحتلال، لكن الأمر في النهاية مرتبط باتفاق موقع وملزم في أوسلو، لا بتفسيرات خاصة ونيات بشأن الاتفاق.

ويرى البعض أن لا ضرورة إلا لمجلس نقدي في كانتونات الحكم الذاتي بحيث يشترك في القيام بدور البنك المركزي مع كل من إسرائيل والأردن. وهذا موقف منطلق من تسليم باتفاق أوسلو ومتكيف معه، ولأنه لن يرقى إلى التفكير صوب فك الارتباط واعلودة إلى التكامل مع الاقتصادات العربية. أي إن رغبة الفلسطينيي في إقامة بنك مركزي تظل بلا معنى.

وإذا كان أمر البنك المركزي غير محسوم، يمكن حسم أمر إصدار عملة فلسطينية؟ ولا سيما أن وجود عملة يشترط وجود سلطة لبنك مركزي تشرف على الإصدار، ووجود غطاء للعملة المصدرة، ومتابعة التوازن بين العملة والغطاء – هذه أمور جميعاً غير مسموح بها من قبل إسرائيل. وعليه، فإن غياب بنك مركزي فلسطيني، أو وجود سلطة نقدية فلسطينية بلا صلاحيات، سيقودان إلى حصول فوضى في هذا المجال، تسحق بدورها المواطن عبر تقلبات أسعار الصرف وتلاعب السلطات المالية والنقدية الإسرائيلية بالسيولة، كما حدث سنتي 1988 و1989، في إبان أعوام الانتفاضة الشعبية، وتنفّر المستثمرين أيضاً من مناطق الحكم الذاتي، وهي مناطق غير مغرية أصلاً من ناحية اقتصادية، وإذا ما تم الاستثمار فيها، فإن ذلك سيكون لهدف سياسي أكثر منه لجدوى اقتصادية.

أما البورصة، فإن دورها هو توفير نوعَيْ رأس المال: المقترض كـ"سندات" والمملوك كـ"أسهم". أما البنوك فتوفر رأس المال المقترض وحده. والحقيقة إن البورصة تقدم خدمة للمستثمرين عموماً؛ إذ إنها تؤشر لهم باتجاه الشراء في الشركات الأكثر نجاحاً، إلا إن البورصة، شأنها شأن البنك المركزي، بحاجة إلى الاستقلال.

هناك بورصة في تل أبيب، وهناك محاولات لإقامة بورصات إقليمية في حيفا والقدس الغربية. وإذا ربطنا هذا بوجود شركات مختلطة، فإن الشركات العاملة في الحكم الذاتي ستسجّل نفسها في بورصة تل أبيب، وهذا يقطع بالتالي الطريق أمام إقامة بورصة فلسطينية، ما دام أن هناك بورصة متمأسسة. وحتى الآن هناك شركات من هذه مسجلة في بورصة تل أبيب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هيمنة رأس المال الأجنبي على بورصة بلد معين تعني هيمنة على كامل الاقتصاد، ناهيك بتسهيل نزيف الفائض إلى الخارج. وإذا علمنا أن التوجه الاقتصادي لليمين الفلسطيني هو توجه "انفتاحي"، فإن البورصة لن تؤدي هنا، فيما لو أقيمت، دوراً قومياً.

ويزيد المشكلة تعقيداً أن التسجيل في البورصة مكلف بالنسبة إلى الشركات الصغيرة؛ فالرسوم السنوية في إسرائيل تبلغ ألفي دولار للشركة الصغيرة وستة آلاف دولار للشركة الكبيرة، إضافة إلى رسم أداة تصفية الحسابات. كما أن إدارة البورصة تأخذ ثلاثة آلاف وخمسمئة دولار، بدل رسوم فحص، من الشركة الجديدة وخمسة آلاف دولار من الشركة القديمة، ورسوم تسجيل بنسبة مئوية محددة من القيمة الكلية للأوراق المالية المتاجر بها ونسبة أُخرى من الشركات التي توزع أرباحاً نقدية للأسهم. وهذا يعني أن معظم شركات الحكم الذاتي سيعجز عن التسجيل، وبالتالي الاستفادة من الخدمات والمتابعة الاستثماريين، وهذا يفتح المجال للشركات المختلطة اليهودية والأجنبية، وللشركات الاحتكارية الكبرى، الأمر الذي يعني هيمنة الشركات الأجنبية. هذا ناهيك بأن المستوى الثقافي لملاك الشركات المحلية قد يحول دون اقتناعهم بفائدة التسجيل في البورصة إنْ وجدت. من هنا تبرز أهمية ألاّ تكون السياسة الاقتصادية للحكم الذاتي انفتاحية...

في أية حال، لا أحد هنا ينتظر الآخر، فمع أن القيادة اليمينية طلبت من مختلف الشركات إقامة شركات مختلفة من دون التنسيق معها، فإن التعاقدات تتدفق كالسيل من دون انتظار إذن من أحد.

عاطف علاونة: إن وجود عملة وطنية وبنك مركزي أمر بالغ الأهمية؛ فبالإضافة إلى كون ذلك هو أحد مظاهر السيادة الوطنية التي لا يجوز التخلي عنها، فإن البنك المركزي يستطيع أن يقوم بدور فعّال ومؤثر في تطوير الاقتصاد الفلسطيني عن طريق السياسات والأدوات التي يتحكم فيها. أما بالنسبة إلى العملة، فبالرغم من أهميتها الحالية والمستقبلية، فإنه يبدو صعباً أن تطرح عملة في الوقت الذي لا يتحكم البلد بالعوامل المؤثرة في سعر صرف هذه العملة وحركتها وحركة العملات الأخرى.

إذا تمكنت السلطة الفلسطينية من الحصول على استقلالية اقتصادية (القرار الاقتصادي) مع دول العالم، فإننا ننصح بأن تصك عملة فلسطينية محلية وأن تقيم بنكاً مركزياً فلسطينياً، وإلاّ، فإننا ننصح بتأجيل الموضوع إلى حين تسلّم السلطة الفلسطينية للقرار الاقتصادي، لما في ذلك من خطورة؛ إذ إنه من الممكن أن تقوم الدول الأخرى بإجراءات تؤدي إلى تدهور العملة الفلسطينية، الأمر الذي ينعكس سلباًَ على مدخرات الشعب الفلسطيني، ويعيق الاستثمارات والحركة التجارية في الكيان الفلسطيني ومع الدول الأخرى.

 س -  كيف ترى وضعية القطاعات الاقتصادية الفلسطينية الأساسية في فترة الحكم الذاتي (صناعة، تجارة، زراعة)؟

سمير حليلة: غذا انطلقنا من وقائع الاقتصاد الفلسطيني حالياً، فمن الواضح أن هناك اتجاهاً لتعزيز الاستثمار في القطاع السياحي، والخدماتي، ثم الصناعي، وأخيراً الزراعي.

فالسياحة قطاع مبني على استقرار المنطقة وعلى قدرتنا على السماح بإدخال مئات الآلاف من الفلسطينيين والعرب والمسلمين إلى الأراضي المحتلة خلال المرحلة الانتقالية. وهي مسألة ممكنة التحقيق بدوافع سياسية ودينية، وهذا يجعل قطاع السياحة أحد القطاعات الأولى التي من الممكن أن تتوسع بصورة كبيرة وفي معظم المناطق. ولا شك في أن انفتاح الأراضي المحتلة على الدول العربية المجاورة سيعزز الاستثمار في قطاعات النقل والبناء والمواصلات والقطاع المالي بما يفتح آفاقاً جديدة لا تقارن بتجربة الاحتلال الماضية، ويبقى هناك مجال لتطور نسبي في القطاع الصناعي، مع الانفتاح على الأسواق العربية والإسرائيلية أيضاً مع تحسن البنية التحتية للصناعة، ووجود أنظمة وأجهزة مالية تسهل عمليات الإنتاج والتسويق والاستثمار في هذا القطاع. أما القطاع الزراعي، وهو أكبر قطاعات الإنتاج حتى الآن وأهمها على الصعيد الوطني، فمن المتوقع أن يتوسع بالأرقام المطلقة، بسبب انفتاح الأسواق الإسرائيلية أمام السلع الزراعية، لكن ستنخفض مساهمته النسبية في الإنتاج المحلي الإجمالي، وذلك بسبب نمو القطاعات الأخرى. طبعاً، من المتوقع أن تكون قطاعات الخدمات الأولى والاستثمار في القطاع الحكومي، ولا سيما البنية التحتية، هي أكبر القطاعات التي من الممكن أن تستوعب أكبر قطاعات العاطلين من العمل، والمسؤولة عن تخفيض نسبة البطالة في المديين المباشر والمتوسط (حتى خمسة أعوام) من الآن.

سمير عبد الله: من غير المتوقع أن تحدث تغييرات هيكلية عميقة خلال الفترة الانتقالية، بمعنى أن الوزن النسبي للقطاعات الإنتاجية سيبقى من دون تغييرا جوهرية. لكن الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية ستحدث نهوضاً في القطاعات كافة، لكن بنسب متفاوتة. وسيبرز على نحو خاص القطاع السياحي الذي عانى تدميراً كبيراً خلال فترة الاحتلال. كما ستشهد الزراعة انتعاشاً نسبياً إذا نجحنا في إيجاد أسواق للفائض من الخضروات والفاكهة الطازجة. أما في الصناعة، فسيشهد قطاع إنتاج مواك البناء بعض الانتعاش. وستكون هناك فرصة أيضاً لانتعاش القطاع المالي: البنوك وشركات الاستثمار. أما التجارة فستنعكس فيها أنشطة الاستثمار في البنية التحتية التي ستتطلب تزويد الاقتصاد بالمعدات ومدخلات البناء المستوردة.

عادل سماره: من ناحية أولى، التبعية هي التبعية. بل إن الاقتصاد المهيمن سيجزىء التبعية طبقاً لأولوياته. إسرائيل ستركز على قطاعي التجارة والسياحة. تجارياً، فإن الحكم الذاتي هو البوابة البرية التي ستربط إسرائيل حتى بأذربيجان. وهذا يتطلب بنية بشرية لقطاع خدمات يشتمل على وكلاء التصدير، وخبراء تسويق ودعاية ووسطاء نقل وتخليص، ومكاتب لكل هذه الأمور، وهذا ما تقوم به المجموعة الأوروبية بتدريب الفلسطينيين لهذا الأمر. أي إن العمل في قطاع التجارة سيساهم في امتصاص نسبة من البطالة. لكن اتساع هذا القطاع، وبحسب التصميم الإسرائيلي/ الإمبريالي، سيوجد اقتصاداً بلا قلب صناعي أو زراعي، وسيشكل مصدر قوة لشرائح رأسمالية (كمبرادورية، وبيروقراطية، ومالية) لا تتقاطع مصالحها مع الاستقلال ولا التنمية، باعتبارها غير قومية اقتصادياً. وهذا الاستنتاج يغاير ما درج عليه التحليل الماركسي الكلاسيكي في التنمية، حيث تقاتل البرجوازية ذات التوجه القومي الهيمنة على سوقها القومي. لكن هذا التحليل لا يشتغل قطعاً عندما تكون البرجوازية كمبرادورية (أنظر كراس "الرأسمال يعيد اصطفافه الطبقي" – عادل سماره).

وستحظى السياحة باهتمام كالتجارة، ولا سيما أنهما تتشابهان، في كونهما قطاعات غير إنتاجية بل خدماتية. وسيتم استغلال الميزة المقارنة للأماكن المقدسة في الحكم الذاتي لغرض سياحة ناشطة، وسيتم توسيع نطاق الاصطياف، الأمر الذي سيرفع سعر الأراضي لأغراض غير زراعية، وهذا يحاصر التوجه نحو الزراعة (ولا سيما أنها فقيرة ومردودها متدن)، وبهذا يتم تجيير عال للأرض، وهو ما يسهّل تسريبها إلى أيدي الإسرائيليين (الذين لم يوقفوا الاستيطان ولا استيراد المهاجرين...). لا بد من الإشارة هنا إلى خطر معين، حيث سيصبح بيع الأرض من اليهود مجرد تجارة عادية، ربما ليس في فلسطين فحسب بل أيضاً في الأقطار العربية التي ترى فيها الصهيونية إسرائيل الكبرى.

وعلى هامش التجارة، ستكون الصناعة صناعة تجارية إذا جاز التعبير، أي صناعة موجهة إلى التصدير لا إلى المنتوجات الأساسية للسكان، وهذا يضعف من دور الصناعة الزراعية التي تشكل رئة للتصنيع الزراعي كي يصبح مجدياً. وكما يبدو الآن، فإن الصناعة هنا ستكون على شكل صناعات التعاقد من الباطن (إسرائيلية وفلسطينية) أو موجهة إلى التصدير (رؤوس أموال مختلطة)، والأولى هي طفل الثانية. والمهم أن تل أبيب ستظل مركز إدارة هذه الشركات.

إن هذا كله سيقيِّد، إنْ لم يحتجز، نمو الصناعات الموجهة إلى السوق المحلية، ويحول بالتالي دون وجود مركز صناعي فلسطيني. وسيكون القطاع الزراعي الضحية الأساسية؛ فعلى الرغم من انخفاض حصته في الإنتاج الأهلي الإجمالي من 42% في بداية الاحتلال إلى 24% اليوم، فإن هذا التوجه الانحداري سيستمر؛ إذ سيتم توسيع قطاع الخدمات وتنشيطه؛ كما يجري في الوطن العربي عموماً. وسيتركز هذا التوجه بناء على الانفتاح الاقتصادي الذي لن يدعم القطاع الزراعي، الأمر الذي سيحول دونه ودون قدرته على توفير العناصر الأساسية لإعادة إنتاج القوى العاملة. وسيتم تجيير الأرض أكثر للبناء غير المخطط له بعناية، وأماكن المتنزهات والسياحة ومختلف الخدمات. هذا إلى جانب تخطيط إسرائيل منذ اللحظة للحد من تدفق فوائض بعض منتوجات الحكم الذاتي الزراعية إليها بسبب ميزة إنتاجيتها المقارنة. وفي أية حال، تكفي نظرة إلى توجه الاستثمارات الأجنبية المزعومة لنرى أن الزراعة ليست ضمن الأولويات.

عاطف علاونة: إن تطور القطاعات الاقتصادية مرهون بالسياسات الاقتصادية التي ستتبع في منطقة الحكم الذاتي. بصورة عامة يجب أن يعطي القطاع الزراعي رعاية خاصة. كما ينبغي أن يعطى تطوير الصناعات وتشجيع الاستثمارات رعاية خاصة أيضاً. وبالنسبة إلى التجارة فهي ستكون تحصيل حاصل، وستتأثر هي أيضاً بطبيعة الحل السياسي ومدى تطور علاقات اقتصادية مع العالم العربي والاقتصاد الإسرائيلي.

س ما هو رأيك في وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فيما يخص العلاقات الاقتصادية بين الاقتصادين؟

سمير حليلة: البنك الدولي والصندوق الدولي مؤسستان تستندان إلى خبرة دولية ذات بعد أيديولوجي اقتصادي على الأغلب. وهما يفتقران إلى الحساسية السياسية الثقافية أو الاجتماعية، التي هي عادة دراسات ورؤية عامة على المستوى الكلي، تستند إلى أرقام وإحصاءات، وتكون سريعة عادة ومستندة إلى نماذج، على الرغم من أنها مفيدة في الإطار العام لكنها عاجزة عن تقديم حلول على المستوى المحدد، ولا سيما في إطار السياسات المطلوبة. فالبنك الدولي مثلاً قادر على تحديد المشكلة الاقتصادية بدقة لكنه عاجز عن وصف حلول عملية قابلة للتنفيذ في المجتمع المحدد، وهذا ما يجعل من الضرورة بمكان أخذ وصفاته ومقترحاته توصيات عامة يتعين على السياسة العامة لكل كيان أن تأخذها في عين الاعتبار، لكن شرط أن توطنها وتجعلها متلائمة والحساسيات المحلية.

أعتقد أن الجانب أن الجانب الفلسطيني ما زال محظوظاً؛ إذ إن البنك الدولي أو صندوق النقد لا يزال، حتى هذه اللحظة، وبسبب غياب مديونية فلسطينية، يستطيع أن يفرض أو أن يحدد رؤيته باستقلال نسبي عن هاتين المؤسستين، وأن يستفيد من قدراتهما في إطار تطوير رؤية فلسطينية خاصة في المجال الاقتصادي.

فمثلاً لا يستطيع البنك الدولي أن يتفهم الجدوى الاقتصادية لإيجاد ميناء في غزة ليس بعيداً عن ميناء أشدود أو ميناء العقبة، ولا يستطيع أن يفسر لماذا يرغب الجانب الفلسطيني في إنشاء مطار ليس بعيداً عن مطار اللد أو مطار عمان، أو لماذا يصر الجانب الفلسطيني على توليد طاقة كهربائية خاصة به، وقطْع علاقته بإسرائيل في هذا المجال على الرغم من إمكان عدم جدوى هذه المشاريع كلها من الناحية الاقتصادية. بينما نرى نحن الأهمية الاقتصادية استراتيجياً في هذا المجال، وليس في هذه اللحظة، بناءً على إدراكنا لحقائق الصراع التاريخي بين دول المنطقة وعدم استقرار مستقبل العلاقات بين هذه الدول.

سمير عبد الله: إن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يقدمان سيناريوهات للعلاقة وفق مبادىء التكاليف والمنافع، وغالباً ما تبنى تحليلاتهما على المدى القصير. وهما لا يهتمان بالقضايا ذات الارتباط بالأهداف السياسية، كموضوع الاستقلال الاقتصادي الذي يظهر في المواقف الفلسطينية، أو موضوع التكامل مع العالم العربي كأولوية للتكامل مع الاقتصادات الأخرى. وفي أية حال، هناك هناك تحليلات قيمة جداً يمكن الاستفادة منها. لكن حرية القرار في أيدينا، ولا يمتلك البنك أو الصندوق الحق في تحديد سياساتنا واستراتيجيتنا.

عادل سماره: لا تختلف وصفات البنك الدولي وصندوق النقد عن تلك الدارجة في مختلف بلاد العالم، بما فيها روسيا حالياً؛ فهي تعطي الأولوية للقطاع الخاص، والسوق الحرة، والتكيف وإعادة التكيف (Adjustment and Re-adjustment) مع النظام العالمي.

وفيما يخص حالتنا العينية، فإن البنك والنصدوق يصران على أن تقام مشاريع مشتركة بين اقتصاد الحكم الذاتي واقتصاد إسرائيل. وتنصحان بأن يتبنى الحكم الذاتي السياسة الضريبية الإسرائيلية نفسها، وأن يقام اتحاد جمركي بين الطرفين.

وعليه، فإن وصفات البنك والصندوق تناقض التوجه بصدد التنمية؛ فهذه السياسة تعني التنازل عن الاستقلال الاقتصادي كامتداد للتنازل عن الاستقلال السياسي. فليس من الممكن قطع أية خطوة على طريق بناء الدولة (Nation-Building) عبر الحكم الذاتي، ما دام أن الاندماج الاقتصادي في إسرائيل قد تم تعميقه والتشريع له.

إن استمرار الارتباط باقتصاد الاحتلال، وبناء على تجربة التبادل غير المتكافىء على الصعيد العالمي، وتجربة العلاقة بالاقتصاد الإسرائيلي منذ سنة 1967، سيقود كانتونات الحكم الذاتي إلى التحول إلى مستعمرات داخلية (Internal Colonies) لمصلحة الاقتصاد الإسرائيلي.

وليس من الواضح بعد كيف ستحل وصفعات الصندوق والبنك معضلة من طراز عدم دعم السلع الأساسية في اقتصاد يتراجع إنتاجه للمواد الغذائية الأساسية، وفي مجتمع تعود على تلقي الدعم منذ سنة 1948، ولا سيما إذا عرفنا أن الاستثمارات المزعومة لن تركز على قطاعات إنتاجية بل على سياسات مالية نقدية وتوظيف في الخدمات والإنشاءات، وخصوصاً أن هذه تشغل بكثافة لكن لفترة محدودة. وربما يتم الدعم موقتاً، ليس لتغيُّر في سياسة البنك والصندوق لكن لأهداف سياسية.

عاطف علاونة: يضع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الوصفات والنصائح دائماً من منطق اقتصادي رأسمالي ربحي فقط. وبالتالي لا تتلاءم بالضرورة وصفات هذه المؤسسات مع طموحات السلطة الوطنية الفلسطينية، التي يجب أن تراعي، إضافة إلى الأهداف الاقتصادية، النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية والإدارية... إلخ.

بمعنى أن برنامج تطوير الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني يجب أن يكون شاملاً؛ فنحن لا نسعى للتركيز على النمو الاقتصادي، كما يشتم من التقارير، بل للتنمية الشاملة في جميع مجالات الحياة، الأمر الذي يجعل أولويات المؤسسات المذكورة تختلف بالضرورة مع الأولويات الفلسطينية.

وبصورة عامة، إننا نشكر هذه المؤسسات على جهودها، لكن على الجانب الفلسطيني درس هذه الوصفات، وأخذ ما يتلاءم مع برامجه، ورفض التوصيات التي تعارض أهداف السياسية والاجتماعية، الوطنية والقومية، وإضافة برامج وأهداف أخرى غير واردة في التقارير والوصفات الدولية.

Author biography: 

سمير حليلة: عضو الوفد الفلسطيني في المفاوضات المتعددة/ اللجنة الاقتصادية.

سمير عبد الله: أستاذ مشارك/قسم الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية/نابلس. المشرف على دائرة السياسات الاقتصادية في المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار.

عادل سماره: مدير مركز الزهراء للأبحاث، ورئيس تحرير مجلة "كنعان".

عاطف علاونة: أستاذ مشارك/ قسم الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية / نابلس.