The Israeli-Palestinian Interim Agreement on the West Bank and Gaza Strip: A Preliminary Reading
Keywords: 
اتفاق أوسلو 1995
اتفاق أوسلو 1993
الضفة الغربية
قطاع غزة
إسرائيل
القانون الدولي
نتائج المفاوضات
Full text: 

نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية النص الكامل للاتفاق خلال توقيعه في واشنطن في 28 أيلول/سبتمبر 1995. وهو يقع في 314 صفحة، ويحتوي على سبعة بروتوكولات هي: إعادة الانتشار والترتيبات الأمنية، الانتخابات، الشؤون المدنية، الشؤون القانونية، العلاقات الاقتصادية، برنامج التعاون الإسرائيلي - الفلسطيني، وأخيراً بروتوكول بشأن الإفراج عن سجناء وموقوفين فلسطينيين. ويشير نص الاتفاق إلى احتوائه على تسع خرائط، لكنها غير منشورة حتى الآن.

إن الوقت القصير منذ توقيع نص الاتفاق ونشره حتى الآن لا يتيح فرصة كافية لقراءته بصورة معمَّقة، وذلك بسبب ضخامة حجم الاتفاق، وتعقيده وتداخل مواده وملاحقه، إضافة إلى عدم توفر الخرائط.

لكن السبب الأهم في صعوبة هذه القراءة السريعة يعود إلى طبيعة الجدل القائم، والذي يخلو من معايير محددة للتقويم. ومن أجل غايات هذه القراءة السريعة، سيجري استخدام بعض المعايير التالية: أولاً، مدى دقة الاتفاق في تنفيذ كل ما جاء في اتفاق أوسلو، الذي يعتبر هذا الاتفاق الانتقالي تطبيقاً له؛ ثانياً، كيفية حسم النقاط والمسائل الساخنة التي أخَّرت توقيع الاتفاق؛ ثالثاً، مدى تعارضه وتوافقه مع القانون الدولي والشرعية الدولية؛ رابعاً، مدى مساعدته أو تعويقه للوصول إلى حل نهائي يخدم أهداف الشعب الفلسطيني، وبصورة خاصة مدى إتاحته فرض وقائع للطرفين من النوع الذي يخدم غاياتهما المتناقضة من الحل النهائي.

قبل الدخول في التفصيلات، وحتى تتبين أهمية الوثيقة موضع البحث، نشير إلى الفقرة الأخيرة من الديباجة تحديداً، ص 7، التي تشير إلى أن هذا الاتفاق يبطل ويحل محل جميع الاتفاقات التي سبقته وتلت اتفاق أوسلو، وهي اتفاق غزة - أريحا الموقع في القاهرة في 5 أيار/مايو 1994، واتفاق نقل الصلاحيات المبكر الموقع في إيرز في 29 آب/أغسطس 1994، واتفاق النقل الإضافي للصلاحيات الموقع في القاهرة في 27 آب/أغسطس 1995.

من المعلوم أن الأسلوب الأساسي الذي استخدمه الاحتلال لخلق وقائع تؤثر في الوضع النهائي للأرض المحتلة هو الاستيطان وما يليه من تغييرات في الوضعين الإداري و"القانوني" للأرض، وكذلك في الوضع الديموغرافي. ومن المعلوم أيضاً أن إسرائيل استمرت في تلك السياسة بعد اتفاق أوسلو، وبعد اتفاق القاهرة أيضاً، وكان ردها على أي اعتراض فلسطيني هو أن موضوع الاستيطان مؤجل إلى المرحلة النهائية.

بناءً على ذلك، كان من المفروض أن يتضمن الاتفاق الانتقالي ما يحد من إمكان استمرار إسرائيل في إقامة الوقائع الاستيطانية في الضفة الغربية عامة وفي القدس خاصة. لكن نص الاتفاق خلا من أية إشارة إلى ذلك. وليس هذا فحسب، بل إن الاتفاق لم يحدد حدود المستوطنات، كما حدد مثلاً حدود المدن والقرى الفلسطينية. ففي الوقت الذي حدد نص الاتفاق المنطقة "أ" بحدود محددة لبعض المدن، والمنطقة "ب" بحدود محددة لمعظم القرى، فإنه عرَّف المنطقة "ج" بأنها الضفة الغربية ما دون "أ" و"ب" وذلك كما جاء في المادة الحادية عشرة، البند الثالث، الفقرة ج، ص 15: "المنطقة (ج) تعني مناطق الضفة الغربية خارج منطقتي (أ) و(ب)."

إن خلو النص من أية إشارة إلى تجميد النشاط الاستيطاني، وكذلك من أي تحديد لنطاق المستوطنات، يفسح في المجال أمام إسرائيل للاستمرار في إقامة الوقائع الاستيطانية، الأمر الذي يعطيها الفرصة للاستفادة من المرحلة الانتقالية بما يخدم أغراضها من الوضع النهائي فيما يتعلق بالأرض التي هي جوهر الصراع.

وغني عن القول هنا إن المنطق نفسه ينطبق على القدس التي أجّلت مسألتها إلى الوضع النهائي من دون وضع ضوابط للحد من إمكان أن تُجري إسرائيل فيها، ومن جانب واحد، التغييرات العمرانية والديموغرافية والإدارية والقانونية.

وتكتسب هذه المسألة أهمية خاصة في ضوء تجربة العام المنصرم، الذي شهد نشاطاً إسرائيلياً واسعاً في مجال التوسع الاستيطاني على الرغم من وجود اتفاق المبادئ واتفاق غزة - أريحا. والاستنتاج الأساسي هنا هو أن الجانب الفلسطيني لم يأخذ العِبرة المطلوبة في هذا المجال والمبنية على تجربة العام الماضي.

وفيما يتعلق بخلق الوقائع، يمكن الإشارة إلى مثال آخر مبني أيضاً على تجربة تطبيق اتفاق غزة - أريحا، وهو ما نتج من تفاوت الصلاحيات الفلسطينية من منطقة إلى أُخرى، وانعدام آلية ضمان الوحدة الإقليمية للأرض المحتلة. فعلى الرغم من أن اتفاق غزة - أريحا أشار في عدة فقرات إلى أن الأرض المحتلة هي وحدة جغرافية واحدة، فإن واقع التجربة خلق حالة من الانفصام الشديد بين الضفة وغزة، وهو ما أدى إلى ضعف الترابط والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والإداري، وبدأ يترك أثره في الوحدة السياسية بصورة ملحوظة.

إن تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق على أساس جغرافي وإداري وأمني، بحسب الاتفاق الجديد وفي ضوء التجربة السالفة الذكر، يمكن أن يؤدي إلى حالة من التفكك وإلى تراجع التكامل في عدد من مناحي الحياة. فقد حدد الاتفاق، وكما جاء في الفقرة الثالثة من المادة الحادية عشرة، الصفحة 15، أنه "ولغايات الاتفاق وحتى انتهاء المرحلة الأولى من إعادة الانتشار الاستكمالي (الثاني)، فإن: (أ) تعني المناطق الآهلة والمعلَّمة بالخط الأحمر والمظلَّلة باللون البني بحسب الخريطة رقم 1؛ (ب) المنطقة (ب) تعني المناطق الآهلة والمعلَّمة باللون الأحمر والمظلَّلة بالأصفر بحسب الخريطة رقم 1، وكذلك المناطق المقام عليها بناء (Built-up) من الخِرب المرفقة في الذيل السادس من الملحق الأول."

وللتوضيح، فإن المنطقة "أ" تشمل حدود المخططات الهيكلية لست مدن ونصف مدينة من مجموع ثلاث عشرة مدينة فلسطينية في الضفة الغربية. وفي المنطقة "أ" سيكون هناك إعادة انتشار وصلاحيات مدنية وأمنية مع وجود شرطة فلسطينية.

أمّا القرى فمعظمها مشمول في المنطقة "ب"، حيث للجانب الفلسطيني صلاحيات مدنية إضافة إلى حفظ النظام العام بواسطة الشرطة مع أن حركتها مقيدة، وعلى الرغم من وجودها في 25 مركز شرطة ومن أن تنقلها مرهون بإشعار وموافقة مسبقة من الجانب الإسرائيلي. وفي هذا الصدد جاء في البند السادس من المادة السابعة في ملحق إعادة الانتشار والأمن أن "حركة البوليس، سواء في الزي الرسمي أو العادي، بأسلحة أو بدون أسلحة، في المنطقة (ج)يجب أن تكون منسَّقة ومصادقاً عليها في نقطة التنسيق في المنطقة، وحركة البوليس بين المنطقتين (أ)و(ب)يجب أيضاً أن يكون موافقاً عليها من مكتب التنسيق في المنطقة."

فإذا علمنا بأن كل قرية مفصولة عن أية قرية أُخرى تقريباً بواسطة المنطقة "ج"، وبأن كل مدينة مفصولة أيضاً عن أية مدينة أُخرى بواسطة المنطقة نفسها، نصل إلى الاستنتاج أن انتقال الشرطة من أي موقع إلى أي موقع آخر تقريباً يحتاج إلى موافقة الجانب الإسرائيلي في نقطة التنسيق والارتباط المعينة.

من ناحية أُخرى، من المشروع في أثناء قراءة نص الاتفاق البحث عن آفاق يُتاح فيها للجانب الفلسطيني إقامة وقائع لمصلحة هدفه من الوضع النهائي، وهي في الواقع غير معدومة وسيشار إليها لاحقاً. لكن قبل ذلك، من المفيد التوقف عند مسألة مهمة في هذا الصدد هي مسألة إدارة الأراضي، وصلاحيات التنظيم، والتخطيط الهيكلي، لأن فيها أهمية قصوى في مجال إتاحة الفرصة لإقامة وقائع إعمار وإسكان فلسطينية تساهم في إقامة وقائع لمصلحة الهدف الفلسطيني، وتعيق - مثلاً - التوسع الاستيطاني.

للأسف، إن القيود هنا أيضاً تجعل هذا الإمكان رهناً، بصورة أو بأُخرى، بالقبول الإسرائيلي. ففي حين تشير المادة الثانية والعشرون من الملحق الثالث للاتفاق إلى أن "الصلاحيات والسلطات في مجال تسجيل الأراضي في الضفة الغربية وغزة ستنقل من الحكومة العسكرية الإسرائيلية إلى الجانب الفلسطيني، ويشمل ذلك، ضمن أشياء أُخرى: تسجيل الأراضي والعقارات؛ التسجيل الأولي للأراضي؛ تسجيل قرارات المحاكم..."، فإن باقي النص يضع قيوداً تجعل للجانب الإسرائيلي نوعاً من حق النقض إذا أراد ذلك.

فمثلاً، تُستثنى المنطقة "ج" (وهي أكثرية الضفة الغربية وغزة) إلى حين المراحل اللاحقة من إعادة الانتشار (البند 2، المادة 22، الملحق 3، ص 154).

أمّا البند الثالث فيشير إلى ضرورة احترام حقوق الإسرائيليين القانونية في هذا الصدد (ويذكر أن هذه الحقوق غير معروفة للجانب الفلسطيني بصورة عامة). ويشير البند الرابع من المادة نفسها إلى حق أي إسرائيلي أو أية جهة إسرائيلية في الاعتراض على أي قرار فلسطيني خاص بموضوع تسجيل الأراضي خلال مدة محددة في النص، الأمر الذي يوجب رفع الأمر إلى "لجنة مشتركة"، وهذه اللجنة المشتركة تقرر ما إذا كانت ستقر تنفيذ القرار الفلسطيني موضوع الاعتراض أم لا. وقد جاء في هذا الصدد، في الفقرة الرابعة من المادة الثانية والعشرين، الملحق الثالث، أن "اللجنة المشتركة ستنعقد خلال أربعة عشر يوماً من تقديم الاعتراض للبحث في جميع الجوانب المتعلقة بالموضوع، وتقرر ما إذا كانت ستقر تنفيذ الإجراءات بشأن الموضوع الذي قُدّم حوله الاعتراض."

ولتكتمل الدائرة، فإن البند نفسه يشير إلى ضرورة تقديم الجانب الفلسطيني معلومات للإسرائيليين بشأن أي إجراء جديد في هذا الصدد: "سيقدم الجانب الفلسطيني في أقرب فرصة وعبر لجنة الارتباط معلومات حول أي قرار أو أي طلب تنفيذ لتسجيل (بما فيه التسجيل الأوّلي الذي قد يؤثر على حقوق الإسرائيليين)" (ص 154).

أمّا الجانب الأساسي الذي يتيح الاتفاق فيه للطرف الفلسطيني خلق وقائع أساسية لمصلحته فيتمثل بصورة رئيسية في موضوع الانتخابات، إذ يشير الاتفاق إلى انتخاب مجلس مكون من 82 عضواً. ومن دون الدخول في التفصيلات، فإنه يعطي إمكاناً لنوع من الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإنه وبالتالي فإن في حجم المجلس وصلاحياته بعض ملامح برلمانية يخلق نوعاً من الشرعية الشعبية، وقد يشكل بداية لنظام مساءلة ولإعادة تشكيل نظام سياسي فلسطيني، بعد أن بدأ النظام الحالي الانهيار. هذا على الرغم من وجود ثغرات في موضوع الانتخابات لا مجال هنا لعرضها، ولا سيما أن هناك إيجابية عامة في الموضوع تتمثل في مركزية ووحدة الانتخابات؛ وهذه مسألة لها علاقة بوحدة الشعب الفلسطيني السياسية.

وإذا انتقلنا إلى معيار آخر للتقويم، هو معيار اتفاق أوسلو الذي يعتبر هذا الاتفاق تطبيقاً لشقه الثاني، لوجدنا أن سقف هذا الاتفاق أدنى من سقف اتفاق أوسلو في جوانب كثيرة، نحاول فيما يلي إيراد أمثلة لها: أبرز الأمثلة يأتي في مجال ترحيل بعض القضايا، التي نص اتفاق أوسلو على أنها من قضايا المرحلة الانتقالية، إلى مرحلة المفاوضات النهائية؛ وأبرز مثال لهذا تأجيل المرحلة الثانية من إعادة الانتشار ليتم التفاوض بشأنها في المفاوضات النهائية. فقد جاء في البند الثالث من المادة الثالثة عشرة، وعنوانها "إعادة انتشار القوات الإسرائيلية"، ما يلي: "إعادة انتشار إضافية (Further redeployment) إلى مواقع محددة ستُطبق بالتدريج مع نقل الصلاحيات في النظام العام والأمن الداخلي إلى الشرطة الفلسطينية."

أمّا في الاتفاق الحالي، فقد رُحّلت هذه المسألة إلى المفاوضات النهائية؛ إذ جاء في البند العاشر من المادة الأولى في الملحق الأول (إعادة الانتشار والترتيبات الأمنية): "المواقع الأمنية المحددة... المشار إليها في هذا الاتفاق سوف تقرر في مرحلة إعادة الانتشار اللاحقة في الوقت المحدد بما لا يتعدى 18 شهراً من تنصيب المجلس وسوف يتم التفاوض حولها في مفاوضات الوضع النهائي."

وأمثلة أُخرى نوردها بصورة عابرة: إن اتفاق أوسلو يفسح مجالاً لإعادة انتشار في جميع المناطق الآهلة، ولا يشير إلى تدرج، في حين أشار هذا الاتفاق إلى إعادة انتشار في مواقع سكانية محددة لا كلها، وكذلك على نحو متدرج، أي أن ما أشار اتفاق أوسلو إلى كونه المرحلة الأولى من إعادة الانتشار قسم هنا إلى مراحل. ومن المعروف أن إسرائيل تبنّت نهج المراحل حتى تنتقل إلى مرحلة جديدة فقط إذا كانت مرتاحة (وفقاً لمعاييرها) إلى تطبيق المرحلة التي سبقت، وهذا ما أشارت إليه تجربة الاتفاق السابق (غزة - أريحا).

لكن لعل التعارض العام والصارخ بين اتفاق أوسلو وما يفترض أنه تطبيق له يبرز عند تذكّر نص المادة الرابعة من إعلان المبادئ، الذي جاء فيه: "سوف تغطي ولاية المجلس أرض الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع الدائم. يعتبر الطرفان الضفة وقطاع غزة وحدة ترابية واحدة يجب المحافظة على وحدتها وسلامتها خلال الفترة الانتقالية."

إن ما أدى اتفاق غزة - أريحا إليه من انقسام المنطقة إلى غزة وأريحا لدرجة استحالة التنقل بينهما، سواء للأفراد أو لعوامل الإنتاج، وما ينص عليه الاتفاق الأخير موضع البحث من تقسيم لمختلف المناطق من حيث اقتصار الولاية الجغرافية على جزء قليل وتباين مستوى الصلاحيات في هذا الجزء المحدود أصلاً، يعكسان تعارضاً صارخاً مع ضرورة الحفاظ على وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى سلامتهما.

أمّا المعيار الأخير الذي سيُستخدم هنا فهو القضايا الساخنة التي كانت في محادثات طابا موضع تفاوض حاد في الأسابيع الأخيرة وأخّرت الوصول إلى اتفاق. لقد حددت تصريحات صحافية للطرفين هذه النقاط "العالقة" في حينه بأنها: إعادة الانتشار في الخليل؛ الإفراج عن السجناء الفلسطينيين؛ الخريطة التي قدمتها إسرائيل والتي خلت من تواصل جغرافي بين مناطق السيطرة الفلسطينية. والواقع أن هذه المسائل الثلاث حُسمت في "حلول وسط" هي أقرب ما يكون إلى الموقف الإسرائيلي.

كان موقف الجانب الفلسطيني "المعلن" في موضوع الخليل يتمثل في ضرورة إعادة الانتشار في هذه المدينة مثل باقي المدن، وأن ذلك يتطلب إخراج المستوطنين من قلب المدينة، وإذا كان ذلك غير ممكن الآن، فيجب الاتفاق على جدول زمني ينتهي بإعادة انتشار كاملة. وفي الواقع، كان الاتفاق بعيداً عن ذلك؛ ففي حين نص الاتفاق على نقل الصلاحيات المدنية هناك، تم تقسيم المدينة إلى جزأين: أحدهما (وسُمي منطقة H-1) يقع تحت سيطرة فلسطينية ويشكل نحو ثلثي المدينة ويكون تحت إشراف فلسطيني؛ والآخر، ويشكل نقاط حساسة في قلب الخليل، يبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، مع تأخير إعادة الانتشار في ثلثي المدينة إلى ستة أشهر بعد توقيع الاتفاق، أي بعد أربعة أشهر من إعادة الانتشار في سائر المدن.

أمّا موضوع الخريطة التي أثارت أعصاب المفاوض الفلسطيني لأنها ملآنة ببقع تمثل مناطق السيطرة الفلسطينية من دون تواصل جغرافي بينها، واستخدم في ذلك الوقت مصطلح "كانتونات" كثيراً من الجانب الفلسطيني، فسواء أُدخل عليها تغيير أو لا في سياق المفاوضات، فإن الخريطة النهائية، التي عرضتها إسرائيل على الصحافة التي صورتها ونشرتها، ما زالت تشكل بقعاً غير متواصلة جغرافياً. فليس لأية مدينة فلسطينية تواصل جغرافي مع أية مدينة أُخرى. كما أن المنطقة "ب" تخلو من التواصل، كما ظهرت في الخرائط الملونة المذكورة. وبالتالي، يبقى لدى إسرائيل إمكان استعمال هذا التقطع وسيلة ضغط "عند اللزوم"، كما حدث بين غزة والضفة، كما أنه يحد من الوحدة الجغرافية، وبالتالي من التكامل، إضافة إلى تصعيب الحياة اليومية على الناس.

أمّا قضية السجناء، وهي ساخنة حتى اليوم، فقد كان المطلب الفلسطيني التفاوضي المعلن هو الإفراج عن جميع السجناء بالتدريج، لكن ضمن جدول زمني يضمن ذلك ويتفق عليه في الاتفاق المعني. وفي الواقع، جاء الحل الوسط في هذا المجال أيضاً على حساب الموقف الفلسطيني، إذ لم يحدد الاتفاق جدولاً زمنياً ولا أعداداً، بل اكتفى بالإشارة إلى دفعتين، إحداهما بُعيد توقيع الاتفاق والأُخرى قُبيل الانتخابات. وقد حاولت إسرائيل البدء بتنفيذ ذلك في 10 تشرين الأول/أكتوبر، إلا إن السجناء رفضوا آنذاك الخروج من السجن لأن شروط الاتفاق في هذا الشأن لم تكن مقبولة لديهم.

خلاصة القول: إن القراءة الأولية لهذا الاتفاق تعطي انطباعاً سلبياً، ولذلك جاءت ذات طابع نقدي، لأن الاتفاق يغدق العطاء للفلسطينيين على مستوى الصلاحيات المدنية ويقيدهم جداً على مستوى سلطتهم على الأرض، بل إنه لا يعيق استمرار إسرائيل في تكريس الوجود الاستيطاني في الضفة، ولا سيما في القدس. وهذا الأمر ذو مغزى إذا لاحظنا أن إسرائيل كانت دائماً تبحث عن شريك فلسطيني يتولى (تحت إشرافها الأمني والتشريعي) إدارة شؤون السكان الفلسطينيين. ويلاحظ بصورة عامة أيضاً أن إسرائيل استعادت من الفلسطينيين بهذا الاتفاق بعض ما كانت أعطته لهم في اتفاق أوسلو. وهذان أمران لا يبررهما اختلال موازين القوى، لأن من شأنهما تحديد معالم المستقبل بما لا يتلاءم مع أهداف الشعب الفلسطيني المحددة بإنهاء الاحتلال، وممارسة حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

يبقى طبعاً الكيفية التي ستتعامل القيادة الفلسطينية بها مع تنفيذ هذا الاتفاق، والنَفَس الذي ستتعامل به مع تنفيذ نصوص غامضة أو نصوص غائبة.

Author biography: 

غسان الخطيب: محاضر في جامعة بير زيت، ومدير مركز القدس للإعلام والاتصال.