Some Signs for Possible Improvement in Iraqi-Israeli Relations
Keywords: 
الأمن الإقليمي
العراق
إسرائيل
Full text: 

شهدت الشهور القليلة الأخيرة عدداً من التطورات في العلاقات العراقية - الإسرائيلية تنطوي على أهمية كبيرة. والحوار العراقي - الإسرائيلي ليس جديداً في حد ذاته، وكان جارياً بصورة متقطعة في الأعوام العشرة الأخيرة، وآل إلى اتصالات على مستوى عال في فترة 1986 – 1988، في إبان ذروة الحرب الإيرانية – العراقية. وحتى ما قبل الأزمة الكويتية التي انفجرت في أيلول/سبتمبر 1994، كان هناك ما يدل على حوار متجدد بين الطرفين، تركز على قضايا ذات اهتمام مشترك، بما فيها إمكان اعتراف عراقي بإسرائيل. وفي الحقيقة هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن العراق صمم الحشد العسكري ضد الكويت في أيلول/سبتمبر بحيث يكون، جزئياً على الأقل، عنصراً في صفقة أشمل يُرفع بموجبها نظام العقوبات عن العراق في مقابل التزام عراقي صريح بعلاقات سلمية مع إسرائيل، بالإضافة إلى اعتراف رسمي بالكويت. ويضفي صدقيةً على هذا الافتراض تصريحٌ لوزير الخارجية العراقي، طارق عزيز، في تشرين الأول/أكتوبر أوحى فيه بأن العراق بات مستعداً لإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل.

بعض ثوابت العلاقة

على الرغم من إحجام إسرائيل حالياً عن التجاوب مع المبادرات العراقية، فإن تفاهماً (ضمنياً أو صريحاً) بين الطرفين من شأنه أن يحدث تأثيراً عميقاً في ميزان القوى السياسي والاستراتيجي الإقليمي، وفي أطراف أخرى داخل المنطقة وخارجها. ومع أنه قد يكون من السابق لأوانه التفكير في اختراق مبكر على صعيد العلاقات الرسمية بين العراق وإسرائيل، فإن مثل هذا الإمكان لا يمكن استبعاده في المدى القريب - المتوسط، ولا سيما إذا تسارعت العملية السلمية في الجبهات الأُخرى. لكن، بغض النظر عما إذا كان الحوار الجاري حالياً سيثمر أو لا، فإن أية علاقة عراقية - إسرائيلية في المستقبل ستكون محكومة بالثوابت التالية:

  • العراق كعنصر ضروري لتسوية شاملة: إذا كان المطلوب تحقيق تسوية عربية - إسرائيلية شاملة حقاً، فمن البديهي أن مثل هذه التسوية سيتطلب في المحصلة مشاركة العراق الفعلية فيها. ولا يمكن لأية تسوية في المنطقة أن تكون مكتملة إذا بقي العراق خارجها أو معارضاً لها. وتفرض مصلحة إسرائيل الذاتية إدخال العراق التسوية في نهاية الأمر، مثلما تفرض مصلحة العراق ألا يُنظر إليه دوماً كدولة إقليمية منبوذة.
  • العراق كعنصر ضروري في الأمن الإقليمي: إن أية محاولة لبناء نظام أمني إقليمي مستقر في المشرق تتطلب بالضرورة مشاركة عراقية، وذلك نظراً إلى قوة العراق العسكرية وإمكاناته الصناعية. وللعرب وإسرائيل مصلحة في الحؤول دون أن يكون لدى العراق تصور بأن أمنه مهدد، وهو تصور يمكن أن ينشأ من جراء استثناء العراق من الترتيبات الإقليمية، ويمكن أن يؤدي بالتالي إلى إقدام العراق في المستقبل على خلق أزمات في المنطقة. وبالنسبة إلى العراق فإن من مصلحته أن يتفادى تكوّن محاور إقليمية تهدف بالتحديد إلى أن تكون وسيلة لاحتوائه.
  • العراق كقوة عسكرية رئيسية: إن قدرة العراق العسكرية الفعلية والكامنة المُثبتَة أمر لا تستطيع إسرائيل تجاهله. وعلى الرغم من العقوبات الحالية المفروضة على العراق، فإنه يتعين على إسرائيل أن تأخذ في عين الاعتبار إمكان استرداد العراق قوته العسكرية في المدى البعيد وقدرته على الحصول على (أو تطوير) أسلحة دمار شامل وأنظمة صواريخ بعيدة المدى لإيصالها إلى أهدافها. كما أن مصلحة إسرائيل في نظام أمني جديد يشمل العراق تفرضها حقيقة عدم إمكان نشوء "جبهة شرقية" عربية ذات صدقية من دون العراق. فمن دونه، ستبقى أية محاولة ذات شأن لإحياء الخيار العسكري ضد إسرائيل محدودة الصدقية والتأثير.
  • العراق كطرف خليجي وثقل موازن لإيران: بالإضافة إلى الساحة العربية - الإسرائيلية، سيستمر العراق في كونه عاملاً حيوياً في أمن الخليج، وسيبقى العراق ثقلاً موازناً حاسماً لإيران في الساحة العربية - الإسرائيلية والساحة الخليجية على حد سواء، وسيبقى بالتالي لاعباً مهماً بالنسبة إلى إسرائيل ودول الخليج العربي سواء بسواء مع دخولها حقبة جديدة من العلاقات السياسية والاقتصادية.
  • العراق كقوة نفطية وقوة اقتصادية متقدمة: تشير التقديرات إلى أن العراق يمتلك ثاني أكبر احتياطي للنفط بعد السعودية. ولديه أيضاً مجتمع واقتصاد متقدمان نسبياً. وهذه حقائق قائمة ولا مجال للشك فيها، بغضِّ النظر عن طبيعة النظام الموجود في السلطة في بغداد، وستزداد أهميتها بصورة مطردة مع تقدم المنطقة إلى مرحلة ما بعد التسوية، التي من الأرجح أن تقوم التفاعلات الاقتصادية فيها بدور حيوي في إعادة تشكيل المنطقة.
  • دور العراق في السياسات المتصلة بالعلاقات العربية: لقد أدت بغداد تقليدياً دوراً مهماً بصفتها "عاملاً موازناً" في السياسات العربية - العربية. وبغض النظر عن عزلة العراق الحالية، فإن خريطة المنطقة السياسية ستتأثر في المستقبل أيضاً بالتوازن الناشئ بين مختلف مراكز القوى العربية، والذي ستكون هناك تأثيرات متبادلة بينه وبين إسرائيل التي ستكتسب حرية عمل من نوع جديد في الساحة العربية.
  • دور الجماعة اليهودية من أصل عراقي في إسرائيل: تشير التقارير الصحافية إلى أن الاتصالات العراقية - الإسرائيلية الأخيرة تمت بإشراف وزراء إسرائيليين من أصل عراقي كانوا يدفعون باتجاه انفراج في العلاقات العراقية - الإسرائيلية. وينبغي النظر إلى مثل هذا اللوبي الإسرائيلي "المؤيد للعراق" كمعارض ممكن للمدرسة الفكرية التقليدية المؤيدة بقوة لإيران، في المؤسسة السياسية - العسكرية الإسرائيلية. 

متغيرات في العلاقة 

إن الثوابت المذكورة أعلاه تحدد سياقاً لعلاقات عراقية - إسرائيلية من شأنها أن تكون ثابتة في المستقبل المنظور، بغضِّ النظر عن أية تغيرات ممكنة في العراق أو إسرائيل أو في أي مكان آخر في المنطقة. وفي مقابل هذه الثوابت، هناك عدد من المتغيرات الممكنة التي قد تؤثر في العلاقات العراقية - الإسرائيلية. 

  • طبيعة النظام في بغداد: إن العلاقات الإسرائيلية الراهنة مع العراق محدَّدة بطبيعة النظام القائم حالياً في بغداد وبالمواقف العربية والدولية (وخصوصاً موقف الولايات المتحدة) العدائية تجاهه. لكن تغير القيادة في العراق سيؤدي إلى إسقاط كثير من الكوابح الإسرائيلية التي تؤثر في الاتصالات بين الدولتين. ومن المرجح جداً أن يتحرك العراق في اتجاه التطبيع نفسه، كما فعل معظم الأقطار العربية في الشهور الثمانية عشر الماضية. كما أنه ممكن، مع ذلك، أن تتأثر العلاقات العراقية - الإسرائيلية بتغيرات أُخرى، من بينها انهيار في السلطة المركزية في عهد ما بعد صدام، ينجم عنه تدخل أجنبي (إيراني مثلاً) أو انقسامات داخلية (قيام جمهورية كردية مستقلة، على سبيل المثال) يكون لها انعكاسات إقليمية. وهكذا، فإن ماضي صدام حسين، وعدم اليقين فيما يتعلق بمستقبل العراق، يمكنهما أن يدفعا إسرائيل إلى أن تكون أكثر تشدداً بالنسبة إلى متطلبات عقد اتفاق مع العراق، قياساً بمتطلبات ذلك بالنسبة إلى دول عربية أخرى غير دول المواجهة.
  • العلاقات بين العراق وإيران: إن العلاقات العراقية - الإيرانية متغير آخر في العلاقة. فعلاقات عراقية أفضل مع إيران قد تساعد في دعم أية مبادرة عراقية حيال إسرائيل بتعزيز الثقة الذاتية العراقية في تعاملها مع المطالب الإسرائيلية (جاءت الاتصالات الأخيرة بإسرائيل على خلفية علاقات عراقية - إيرانية مستقرة نسبياً). كما أن من شأن أية توترات عراقية - إيرانية أن تعزز مصلحة العراق في التوصل إلى انفراج في العلاقات مع إسرائيل لموازنة التهديد الإيراني، ولا سيما إذا أخذنا في عين الاعتبار الضعف العسكري العراقي الحالي وهشاشة وضع العراق الواضحة. ويمكن أن تتراوح المصالح الإسرائيلية البعيدة المدى بين تعزيز العراق كحصن ضد إيران والأصولية "الموحى بها من إيران" من جهة، وبين تحريض كل منهما ضد الآخر لمنع بروز أية قوة إقليمية رئيسية على حواف المشرق من جهة أُخرى.
  • العلاقات بين العراق وسوريا: يمكن أن يطرأ تغير على التوترات العراقية - السورية أو أن تختفي بمرور الوقت. ويمكن لانفراج في العلاقات العراقية - السورية أن يؤدي إلى خلق كتلة عربية قوية من الممكن أن تؤثر في العملية السلمية (بما في ذلك تطوير محور "راديكالي/رفضي" عراقي - سوري - إيراني). وعلى نحو مشابه، يمكن لانفراج مستقبلي في العلاقات السورية - العراقية أن يوفر أساساً لثقل استراتيجي مهم موازن لإسرائيل حتى بعد التسوية. وفي أية حال، فإن سوريا والعراق أكثر قلقاً حالياً من تسوية تشمل أحدهما من دون الآخر، وهو ما يوسع هامش المناورة الإسرائيلية في التعامل معهما كليهما.
  • العلاقات بين العراق ودول الخليج (لا سيما السعودية): تؤثر التوترات العراقية - الخليجية في القرارات الإسرائيلية فيما يختص بانفتاح على العراق. ومع نشوء علاقات إسرائيلية - خليجية، فإن بعض القوى الخليجية الصغيرة (الكويت، مثلاً) قد ينساق بصورة متزايدة باتجاه اعتبار إسرائيل ثقلاً "موضوعيا" موازناً للعراق وإيران على حد سواء. وفي أية حال، فإن عراقاً مستقبلياً متعايشاً بسلام مع كل من إسرائيل ودول الخليج سيكون في موقع جيد للتأثير الفعال في شؤون الخليج، الأمر الذي يضيف وزناً لمصلحة العراق الاستراتيجية البعيدة المدى في التوصل إلى تسوية مع إسرائيل.
  • قدرات العراق العسكرية غير التقليدية: على الرغم من النظام الصارم المفروض على العراق بعد حرب الخليج، فإن البنية التحتية النووية للعراق وخبرته في هذا المجال لم تُزالا تماماً. ومع أنه سيكون من شبه المستحيل أن يستأنف العراق جهوده النووية تحت حكم الرئيس صدام حسين، فإن إسرائيل (والأطراف المحلية والدولية الأُخرى) قد تجد من الأصعب عليها السيطرة على العراق من هذه الناحية في عهد صدام. وفي الوقت نفسه، فإن إمكان تحول إيران إلى قوة نووية خلال الأعوام الثمانية أو العشرة المقبلة قد يدفع إسرائيل وأطرافاً أُخرى إلى التفكير في عراق متسلح نووياً كـ "شر لا بد منه". وقد يؤثر هذا بدوره في التوقعات بالنسبة إلى الرقابة الإقليمية على الأسلحة وعلى النقاش الجاري في شأن الترسانة النووية الإسرائيلية وفي شأن شرق أوسط خال من الأسلحة النووية.
  • العلاقات العراقية مع الولايات المتحدة: إن السياسة الأميركية الراهنة حيال العراق يحكمها إلى حد بعيد "هوس صدام" المؤثر في السياسة الداخلية، والذي يبدو معه أي صانع قرار أميركي غير مستعد للمجازفة بشعبيته محلياً بأن يظهر مستعداً لـ "استرضاء" صدام. وتؤثر هذه السياسة في حرية الحركة الإسرائيلية في التعامل مع صدام، لكنها عرضة لتغير يتوقف على تغير في العراق نفسه. وقد لا يتعارض محور إسرائيلي - عراقي ضد إيران (و/ أو كضمانة ضد أي تدخل خارجي آخر ضد المصالح النفطية الغربية) مع الأهداف الإقليمية الأميركية المتصورة، ومن الممكن أن يحظى بتأييد من الولايات المتحدة في الجو الراهن الميال إلى التحلل من الالتزامات الاستراتيجية الأجنبية. وهكذا، من الممكن أن تعود سياسة الولايات المتحدة التقليدية إلى البروز بموازنة إيران بالعراق بدلاً من "الاحتواء المزدوج"، ومن الممكن أن تُستكمل بدور إسرائيلي - عراقي أكثر فعالية في المنطقة، ومدعوم من الولايات المتحدة.
  • العلاقات العراقية - الأردنية: لقد كانت المصلحة الإسرائيلية التقليدية تتمثل في منع ائتلاف عراقي - أردني معادٍ (الأساس لجبهة عربية شرقية)، وسيبقى ذلك بين اهتمامات إسرائيل الرئيسية في المستقبل المنظور. لكن بعد معاهدة السلام مع الأردن، فإن هذا الإمكان يبدو بعيداً، ويمكن أن تتزايد المصلحة الإسرائيلية في إقامة ارتباط أوثق بكل من الأردن والعراق. وقد تدفع في هذا الاتجاه اعتبارات سياسية و/أو اقتصادية، إلا إن ذلك سيرتكز إلى الغياب النسبي لأية قضايا بارزة نابعة من نزاعات بين الأطراف الثلاثة وإلى المزايا الجيو - ستراتيجية المتمثلة في وصول إسرائيل إلى العمق العربي من جهة، ووصل الطرفين الآخرين إلى البحر الأبيض المتوسط عبر إسرائيل من جهة أُخرى.
  • وضع العراق الاقتصادي: إن وضع العراق اليائس لا يلغي أهميته كقوة اقتصادية وكسوق ممكنة. وأحد العوامل التي من شأنها أن تؤثر في تقارب عراقي - إسرائيلي في المدى القريب يمكن أن يكون الطموحات الإسرائيلية بشأن حصة في السوق الواسعة والمربحة المتمثلة في إعادة بناء العراق. وهناك أيضاً إمكان أن يصبح العراق مزوِّداً مهماً لإسرائيل بالنفط، وشريكاً ممكناً في مشاريع مشتركة متنوعة تعتمد على التقانات المتقدمة. ويمكن لإسرائيل أن تقدم للعراق منفذاً مهماً على البحر الأبيض المتوسط من أجل تصدير النفط وصادرات أُخرى، كما كانت الحال بالنسبة إلى حيفا قبل سنة 1948.
  • علاقات العراق بفصائل فلسطينية مختلفة: إن دور العراق، كحليف لـ م.ت.ف. وكملجأ لمنظمات الرفض الفلسطينية، قد تقلص بشدة بفعل حرب الخليج واتفاق أوسلو. لكن قدرة العراق السابقة على "التخريب" فيما يتعلق بهذا الخصوص كانت واضحة في الدعم الذي قدمه لمجموعة أبو نضال وفي طرح مسألة "الربط" في أثناء الأزمة الكويتية في سنتي 1990 - 1991. وبالتالي، فإن من الأرجح أن يسعى التعامل الإسرائيلي مع العراق لمنع عودة العراق إلى الساحة الفلسطينية وتقليص نشاطه في مجال القضايا الفلسطينية - الإسرائيلية عموماً.

 مزايا وسلبيات ونتائج 

من الممكن تفحص بعض المزايا والسلبيات والنتائج الممكنة لعلاقات عراقية - إسرائيلية أفضل على خلفية الثوابت والمتغيرات، على النحو التالي: 

  • إسرائيل

ستستفيد إسرائيل من علاقات ممكنة أفضل مع العراق لخدمة طيف عريض من المصالح:

- التزام عراقي رسمي بتحقيق تسوية يجلب القوة العربية الرئيسية الأخيرة، التي لا تزال مستثناة من عملية مدريد. وعلاقات أفضل مع العراق (مع مفاوضات رسمية أو من دونها) ستساعد أيضاً في ضمان ثبات معاهدة السلام مع الأردن، وستقلص إمكانات أي تهديد مستقبلي لهذه المعاهدة.

- علاقات إيجابية مع العراق قد تزيد في الضغط على سوريا لتقديم تنازلات بشأن الجولان وتدعم الموقف التفاوضي الإسرائيلي في المفاوضات المتعددة الطرف ككل. وعلى نحو مشابه، قد تضغط علاقات أفضل مع العراق على المملكة العربية السعودية لتسريع خطى التطبيع الثنائية مع إسرائيل، وتغير إحجامها الراهن عن المشاركة في مشاريع إقليمية مشتركة مع إسرائيل.

- علاقات أفضل مع العراق يمكن أن تخدم في إيجاد ثقل موازن لإيران وفي احتواء النفوذ الإيراني والجماعات المدعومة من إيران، كما يمكن أن تساعد في بلورة كتلة جديدة من دول شرق أوسطية ضد صعود الأصولية الإسلامية في المنطقة.

- علاقات إسرائيلية - عراقية يمكن أن تخدم مصلحة إسرائيل في تفتيت أية محاور أو تحالفات عربية. وستساعد علاقات كهذه في ثني العراق عن دخول تحالفات مع أطراف عربية أُخرى، وستقلل من وزن وصدقية أية تحالفات كهذه من دون العراق. كما أن علاقات مع إسرائيل يمكن أن تساعد في تليين السياسات العراقية وفي تقليص التدخل العراقي في الشؤون الفلسطينية الداخلية، أو التلاعب بالقضية الفلسطينية أو بمجموعات الرفض الفلسطينية ضد المصالح الإسرائيلية.

- في حال التوصل إلى نظام أمن ورقابة فعالين، فإن "التهديد العسكري" العراقي، ولا سيما التهديد النووي، سيتقلص نتيجة علاقات أفضل مع إسرائيل. وستضاف الترتيبات الأمنية الثنائية مع العراق إلى العمل الاستراتيجي الواسع الجديد الحالي في الجبهة الشرقية، المكتسب من خلال معاهدة السلام مع الأردن.

- علاقات إسرائيلية - عراقية يمكن أن تحسن فرص نشوء محور ثلاثي إسرائيلي - أردني - عراقي تدفع إلى إنشائه مصالح سياسية واقتصادية مشتركة. ومن شأن ذلك أن يخدم الأطراف الثلاثة جميعاً في علاقاتها بطرف رئيسي عربي آخر، بما في ذلك الخليج وسوريا ومصر والفلسطينيون، وإيران أيضاً. كما يمكن أن تنشأ من جراء تفاهم عراقي - إسرائيلي محاور أُخرى من ضمنها تحالف ثلاثي ممكن مع تركيا، يكون العراق فيه شريكاً عربياً رئيسياً مع القوتين العظميين الإقليميتين غير العربيتين.

- وأخيراً، علاقات أفضل مع العراق يمكن أن تحقق منافع محلية، من ضمنها تأييد سياسي وانتخابي للحكومة الإسرائيلية من ناحية الجماعة اليهودية العراقية الأصل في إسرائيل. وفي المحيط السياسي الجديد، قد يصبح الساسة الإسرائيليون أكثر استجابة حيال التوازنات والحساسيات "الإثنية" الداخلية، وقد يبحثون عن كتل أصوات وقواعد انتخابية جديدة (مثلاً، الصوت الروسي، "الصوت" المراكشي، الصوت العربي.. إلخ.).

وتتمحور السلبيات الممكنة لعلاقات أفضل مع العراق بالأساس حول الانعكاسات السلبية لتفاهم أو لاتفاق مع النظام الحالي في بغداد، لكن بعضاً منها ليس مرتبطاً بالضرورة بهذا النظام، كما سيتضح أدناه. ومن ضمن السلبيات، بالنسبة إلى إسرائيل، في التعامل مع العراق في الأوضاع الراهنة ما يلي:

- صعوبة تبرير أية خطوات حيال الرأي العام المحلي والعالمي تبدو أنها تساعد في بقاء نظام منبوذ عالمياً، أو تدعمه. ومع أن إسرائيل قادرة على التصرف انطلاقاً من المصلحة الذاتية الصرفة (مثلما كانت الحال بالنسبة إلى صلاتها بإيران الثورية أو بجنوب إفريقيا العنصرية سابقاً)، فإنها ستواجه صعوبات خاصة في تبرير انفتاحها على صدام. ومن شأن خطوات إسرائيلية منفردة في هذا الخصوص أن تنشئ إشكالات معقدة في العلاقات الإسرائيلية - الأميركية، إذا أخذنا في الاعتبار النظرة إلى صدام في الولايات المتحدة باعتباره خارجاً على القانون وحقيقة أن قوات الولايات المتحدة خاضت حرباً ضد النظام العراقي. وهكذا، فمن الأرجح أن أي انفتاح إسرائيلي راهن أو مستقبلي تجاه صدام سيتطلب تنسيقاً و/أو موافقة من الولايات المتحدة. وسيكون ذلك أقل ضرورة في حالة تغير النظام في العراق وبناء على أوضاع مثل هذا التغير.

- اتفاق إسرائيلي - عراقي في الأوضاع الراهنة من شأنه أيضاً أن يزيد في عدم شعبية إسرائيل في أوساط الشعب العراقي. ومن ناحية وجهة النظر الإسرائيلية، فإن سلاماً مع إسرائيل يقبله الشعب العراقي سيكون مفضلاً على سلام "يفرضه" صدام، وذلك من أجل ضمان شيء من الاستقرار في المدى البعيد بالنسبة إلى علاقات عراقية - إسرائيلية. ومن شأن أي سلام أو تفاهم يمكن أن يرفضه الشعب العراقي في النهاية أن ينسف أية مكاسب تجنيها إسرائيل في المدى القصير من التعامل مع صدام في الوقت الراهن.

- الرفض السوري لاتفاق أو لتفاهم إسرائيلي - عراقي يمكن أن يكون سلبياً بصورة حادة. ومخاوف سوريا من أية محاولة للاتفاف حولها من خلال تحالف مع صدام و/أو عزلها أكثر في العالم العربي يمكن أن تؤدي إلى تصلب في موقفها بالنسبة إلى تسوية فيما يختص بالجولان أو إلى إعادة تقويم شاملة لوتيرة المفاوضات ووجهاتها، بما في ذلك بالنسبة إلى الساحة اللبنانية. وهذه الاعتبارات قد تؤثر أيضاً في موقف سوريا من انفتاح إسرائيلي على أي نظام يخلف نظام صدام في بغداد، لكنها أكثر حدة في الأوضاع الراهنة.

- وبالمقدار نفسه من الأهمية، لا بد لأي اتفاق أو تفاهم مع صدام من أن يشوش فرص علاقات حسنة مع دول الخليج. وستنظر المملكة العربية السعودية والأطراف الأُخرى في الخليج، بما فيها الكويت، إلى الأمر باستياء شديد، وبالتالي فإنها قد تقاوم أية محاولة لتسريع عملية التطبيع مع إسرائيل. وإذا أُخذت في الاعتبار مصلحة إسرائيل في توسيع قاعدة علاقاتها واتصالاتها الخليجية، فإن تحركاً في اتجاه صدام لا يخدم هذا الغرض. وستنشأ وضعية مماثلة فيما يتعلق بمصر: ستنظر مصر إلى علاقات إسرائيلية جديدة باعتبارها خطوة في اتجاه تكوين محور عراقي - إسرائيلي غير ودي بهدف منافسة النفوذ المصري في الخليج وعرقلة تواصل مصر مع المشرق. وقد تحاول مصر "استباق إسرائيل عبر تحسين علاقاتها مع العراق أولاً"، كما يمكن أن تتأثر علاقات مصر السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، ويقوّض استعدادها لمواصلة دورها وسيطاً ومسهلاً في المسارين الفلسطيني والسوري، وهذا ليس في مصلحة إسرائيل. 

  • العراق

هناك مزايا واضحة لتفاهم مع إسرائيل من وجهة نظر عراقية:

- المصلحة العراقية الراهنة في حوار مع إسرائيل تقوم بصورة حصرية تقريباً على توقّع أن يؤدي حوار كهذا إلى خروج العراق من عزلته الدولية من خلال تليين معارضة الإدارة الأميركية للنظام. ومن الممكن أن تكون مراهنة العراق على تلقي دعم من اللوبي المؤيد لإسرائيل وعلى التسامح العام حيال إسرائيل في الولايات المتحدة. وأي تغير في سياسة الولايات المتحدة سيكون بالتأكيد حاسماً في رفع العقوبات أو الإبكار في إنهائها، وسيكون بمثابة خطوات أولى في إعادة قبول العراق ودمجه في الأسرة الدولية. وتحقيق أي من هذه الأهداف سيكون حيوياً لضمان بقاء النظام وإطالة عمره.

- عودة العراق إلى الأسرة الدولية من خلال إسرائيل يمكن أيضاً أن توفر المفتاح لإعادة البناء الداخلي ولإعادة تمويل الاقتصاد العراقي من خلال الوصول مجدداً إلى صناديق التمويل والأسواق المالية العالمية. وعلى أساس ثنائي، قد يسعى العراق لتحقيق مكاسب من التجارة مع إسرائيل، بما في ذلك استخدام تسهيلات مرور (ترانزيت) في الموانئ الإسرائيلية على البحر الأبيض المتوسط. ومن وجهة نظر النظام العراقي، فإن إحياء الاقتصاد ضروري أيضاً لوقف التآكل في قوته، وتوفير وسائل للسيطرة السياسية الداخلية من أجل تدعيم قاعدة قوته في وجه التحديثات الممكنة من الداخل، بما فيها الجيش.

- تفاهم أو انفراج عراقي - إسرائيلي في العلاقات سيحرر العراق ويتيح له أن يؤدي دوراً أكثر نشاطاً في المشرق عموماً ما دامت خطواته لا تصطدم مباشرة بمصالح إسرائيلية حيوية. ويمكن أن ينعكس هذا النشاط في مواقف أقوى وأكثر عدائية حيال سوريا (من الممكن أن تشمل تجديد الصلات مع عناصر معادية لسوريا في لبنان) وفي إحياء صلات العراق السابقة مع الفلسطينيين (ربما يعرض "التوسط" لهم عند إسرائيل على غرار ما تفعله مصر).

- مع أن استمرار أي تفاهم إسرائيل مع صدام غير ممكن في حال هجوم عسكري عراقي متجدد على الكويت، وذلك لأسباب محلية ودولية على حد سواء، فإن العراق قد يتمتع على الرغم من ذلك بحرية أكبر فيما يختص بالشؤون الخليجية، بما في ذلك ورقة أقوى في مواجهة مراكز قوى خليجية أُخرى. وفي الحقيقة، إن مجرد تصور "تحالف عراقي - إسرائيلي" (حتى لو لم تتطور علاقاتهما إلى ما هو أبعد من انفراج وتفاهم عام) يمكن أن يقوي وضع العراق الإقليمي داخل الخليج وخارجه، وأن يؤثر في الدور الخليجي لأطراف أُخرى ووضعها فيه (مثلاً، سوريا ومصر).

- اتفاق مع إسرائيل سيساعد في رفع التهديد العسكري الإسرائيلي الذي بقي معلقاً منذ حرب الخليج. وهكذا، سيتقلص الخوف من ردة فعل إسرائيلية على خطوات عراقية في المنطقة، وكذلك الخوف من "انتقام" إسرائيلي متأخر أو من رد عقابي على هجمات الصواريخ سنة 1991 تحت ستار مواجهة أنشطة عراقية (على الأقل ضمن حدود). ومن الواضح أن تفاهماً مع صدام سيتضمن حدوداً للتسامح الإسرائيلي، وخصوصاً تجاه عمل عراقي عسكري، لكن اتفاقاً كهذا قد يساعد في تحرير العراق لتصعيد أعمال عسكرية معينة داخل حدوده، مثل الأعمال الموجهة ضد الأكراد.

وينبغي وزن المكاسب العراقية من تفاهم مع إسرائيل بالسلبيات الممكنة، وهذه يمكن أن تشتمل على:

  خسارة الصدقية و"الطهارة" الأيديولوجية: إن سمعة العراق (ولا سيما النظام الحالي) كقومي عربي متشدد وخصم للدولة اليهودية على أسس تاريخية وأيديولوجية وسياسية ستبهت كثيراً من جراء ارتباط بـ "الكيان الصهيوني"، الذي ثابر العراق على رفضه منذ سنة 1948. وهذا يمكن أن يلحق بالعراق ضرراً كبيراً في الساحتين القومية العربية والإسلامية (لا سيما بعد مغازلات صدام للإسلاميين مؤخراً). لكن في الوقت نفسه، فإن اشتهار النظام بقدرته على عكس سياساته بصورة حادة وقدرته على تبرير مثل هذه التغيرات قد يكفي لامتصاص "الصدمة" الناجمة عن أي تغير في العلاقات مع إسرائيل.

- ستكون إحدى النتائج الواضحة لعلاقات أفضل مع إسرائيل زيادة في التوتر مع إيران. وستزداد إيران خوفاً من عزلة إقليمية، كما ستزداد شكوكها في أن انفراجاً في العلاقات الإسرائيلية - العراقية ليس إلاّ مقدمة لإعطاء إسرائيل دوراً خليجياً رئيسياً من الممكن أن يشمل توجيه ضربة إلى إيران نفسها. ويمكن أن تؤدي هذه المخاوف إلى تصعيد خطر في الخليج وإلى إمكان تقْدم إيران على خطوات "وقائية" ضد العراق. وفي وزن العراق لمنافع علاقات أفضل مع إسرائيل، من الممكن في أية حالة أن يسعى لتصوير نفسه ضحية لـ "عدوان إيراني"، أملاً بالحصول على دعم إسرائيلي ودولي ضد إيران. لكن قدرة العراق على الحصول على مساندة خارجية ضد إيران قد تكون أكبر في غياب صدام مما هي في استمرار حضوره.

- التوترات مع سوريا لا بد من أن تزداد من جراء اتفاق إسرائيلي - عراقي. وهذا يمكن أن يؤدي إلى مساندة سورية أقوى للمعارضة العراقية لصدام وإلى تعزيز التحالف السوري المديد مع إيران ضد إسرائيل والعراق. ومن الممكن أن تسعى سوريا للتعاون مع مصر والمملكة العربية السعودية من أجل احتواء التفاهم الإسرائيلي - العراقي وتقليص هامش المناورة أمامه في المجال العربي، بالإضافة إلى تصليب موقفها في الوقت نفسه في مفاوضات السلام مع إسرائيل.

هناك صعوبة جوهرية ليس فقط في محاولة تحديد الانعكاسات الممكنة لانفتاح إسرائيلي تجاه صدام، وإنما أيضاً في محاولة تحديد المشكلات التي يمكن أن تنشأ في حالة تفاهم إسرائيلي - عراقي بعد صدام. وعلى وجه العموم، يبدو أن مصلحة إسرائيل تملي عليها انتظار تغير النظام في بغداد قبل التوصل إلى أي اتفاق أساسي مع العراق. وفي الوقت نفسه، فإن هذا لا يحول دون قيام إسرائيل بتحريك عملية يمكن أن تبدأ مع النظام الحالي وتنتهي مع خلفه.