Consolidated Arab Economic Report, 1990
Full text: 

يشكل التقرير الاقتصادي العربي الموحد منذ صدوره سنة 1980، مصدراً أساسياً للمعلومات والبيانات المتعلقة باقتصادات الدول العربية، ومرجعاً قيماً لكل المسؤولين والعاملين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية العربية؛ إذ إنه يوفر القاعدة الإحصائية الأشمل للأوضاع الاقتصادية العربية في المنطقة. وهو يمثل ثمرة الجهود والتعاون بين أربع مؤسسات عربية رسمية هي: صندوق النقد العربي، والاجتماعي، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول.

يقسم التقرير إلى تسعة فصول رئيسية تتناول، على التوالي، التطورات الاقتصادية الدولية، والتطورات الاقتصادية والاجتماعية العامة في الوطن العربي، والتطورات القطاعية في مجال الطاقة، والتطورات المالية والنقدية، والتجارة الخارجية وموازين المدفوعات، والعون الإنمائي العربي، والعمل الاقتصادي العربي المشترك، وأخيراً أوضاع الاقتصاد الفلسطيني. وبالإضافة إلى ذلك، يحتوي التقرير على ملحق كبير يضم جداول مفصَّلة بشأن جميع النشاطات والتطورات الاقتصادية في الوطن العربي ككل، وفي كل دولة على حدة. وفيما يلي ملخص لأهم موضوعات التقرير:

1-  عرف الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية، مقوماً بالدولار، نمواً بلغ 3,2% سنة 1989. وكان يمكن لهذه النسبة أن تكون أكبر لولا استمرار انخفاض أسعار صرف بعض العملات العربية قياساً بالدولار. ويعتبر النمو في الإنفاق على الاستثمارات، البالغ 11,1% سنة 1989، مؤشراً مهماً إلى بداية دخول الاقتصادات العربية مرحلة نشاط نسبي، بعد فترة الركود في معظم الثمانينات، في ظل الانخفاض الكبير في أسعار النفط، وتخفيض الدول العربية لحجم إنفاقها العام. لكن نسبة الاستثمار إلى الناتج القومي الإجمالي في الدول العربية ما زالت منخفضة نسبياً؛ إذ بلغت نحو 21% سنة 1989 في مقابل 26% تقريباً سنة 1980، وذلك بسبب المستوى المتدني جداً للمدخرات المحلية.

ويشدد التقرير على ضرورة الاهتمام بتشجيع تعبئة الادخار المحلي، وإيجاد الفرص الملائمة له، ولا سيما أن التوقعات تشير إلى أن الاستثمارات في المرحلة المقبلة ستعتمد على مقدار متزايد من التمويل المحلي في معظم البلاد العربية، في ظل تناقص التحويلات من الخارج، ومحدودية الدعم الأجنبي، وتفاقم مشكلة المديونية الخارجية بصورة عامة.

2-  يقدر التقرير عدد السكان في الدول العربية بنحو 221 مليون نسمة، بمعدل نمو سنوي يبلغ 3% في المتوسط. ويلاحظ أن هذا المعدل مرتفع، قياساً بمثيله على المستوى العالمي الذي يقدَّر بنحو 1,7%، وبمثيله في الدول الصناعية حيث لا يزيد على 0,5 % وعلى الرغم من تحسن الخدمات الصحية ونصيب الفرد من الماء والغذاء واستهلاك الطاقة، فإن معظم المؤشرات السكانية الأخرى لم يشهد تطوراً مماثلاً. فلا تزال نسبة الأمية مرتفعة قياساً بمثيلاتها في كثير من  بلاد العالم، وهي تتراوح بين 23% في الدول العربية النفطية و 80% في بعض الدول العربية الأقل نمواً.

أما العمالة العربية، وعلى الرغم من استمرار ارتفاع حجمها، فهي لا تزال تتسم بغلبة العمالة غير الماهرة وشبه الماهرة، وبانخفاض نسبة الفنيين من إجمالي القوى العاملة. ويعود ذلك بصورة رئيسية إلى الجمود في نوعية النشاط الاقتصادي في معظم الدول العربية؛ إذ إن عدداً متزايداً من الحائزين على مؤهلات جامعية أو مؤهلات متوسطة يعاني صعوبة إيجاد فرص عمل ملائمة.

3-  التطورات القطاعية للاقتصادات العربية: في سنة 1989، بلغ الناتج الزراعي الإجمالي 45 مليار دولار، مشكلاً نسبة 12,3% من مجموع الناتج المحلي العربي، في مقابل 9,7% سنة 1985 و6,1% سنة 1980. لكن هذا النمو لا يعكس ارتفاعاً فعلياً في أهمية القطاع الزراعي بقدر ما هو ناجم عن تراجع في مجموع الناتج المحلي العربي مقوماً بالدولار في فترة الثمانينات. فالزراعة لا تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمعدل سقوط الأمطار، إذ إن 80% من الأراضي الزراعية في الوطن العربي تعتمد على الأمطار الموسمية. كذلك، فإن تكلفة الإنتاج الزراعي في بعض الدول العربية، ولا سيما النفطية منها، مرتفعة قياساً ببعض الدول النامية، في حين أن الوسائل التكنولوجية الحديثة ما زالت متواضعة. ويحذر التقرير من أن الفجوة الغذائية العربية أصبحت تمثل مشكلة ذات أبعاد سياسية واجتماعية متشعبة، وأنها تتطلب تكثيف الجهود العربية لتوسيع نطاق الاستثمار في القطاع الزراعي.

وقد كانت الصناعة أفضل حالاً من الزراعة؛ إذ ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 12,7% سنة 1989 ليصل إلى 121  مليار دولار، وتحسنت قليلاً نسبته من الناتج المحللي الإجمالي العربي لتصل إلى 32%. ويعزى معظم هذا التحسن إلى الصناعات الاستخراجية (نفط، غاز، معادن) التي زادت بنسبة 19,6%، بينما كانت الزيادة في الصناعات التحويلية، التي تشمل تكرير المشتقات النفطية وتصنيع الغاز والأسمدة الكيماوية والإسمنت والسفن والصناعات الغذائية وغيرها، 1,4% خلال السنة.

4-  قطاع الطاقة: ارتفع إنتاج النفط الخام العربي سنة 1989 بنسبة 10% تقريباً، ليصل إلى 16,1 مليون برميل في اليوم، وبلغت نسبة مساهمته في الإنتاج العالمي للنفط 25,8%. وبذلك، حافظت الدول العربية على حصتها من مجموع الاحتياطي العالمي البالغة 60% تقريباً. وقد أدى التحسن النسبي في أسعار النفط العالمية إلى زيادة الإيرادات النفطية للدول العربية بنسبة 29%، لتصل إلى 69 مليار دولار سنة 1989، في مقابل 53 مليار دولار سنة 1988. كما سجل إنتاج الغاز الطبيعي نمواً مقداره 3%، ليصل إلى 244,6 مليار متر مكعب سنة 1989، في حين بلغت نسبة احتياطي الغاز في الدول العربية 22,5% من الاحتياطي العالمي. وفي المقابل، شهد استهلاك الدول العربية سنة 1989 نمواً بلغت نسبته 3,75% للمنتوجات النفطية، و7% للغاز الطبيعي.

5-  اضطرت الدول العربية منذ سنة 1982 إلى اتخاذ تدابير من أجل التكيف إزاء الضغوط التي تعرضت موازين مدفوعاتها لها نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية. ويشير التقرير إلى أن الدول العربية النفطية استطاعت التخفيف من تأثير هبوط أسعار النفط في أوضاعها الخارجية، وذلك بفضل الفوائض في احتياطاتها النقدية التي تجمعت في الأعوام السابقة، ناهيك بأنها كانت أتمت جزءاً كبيراً من مشاريع البنى التحتية الرئيسية.

6-  استمر فائض الميزان التجاري لدى الدول العربية النفطية، باستثناء العراق الذي لا تتوفر أرقام بشأن تجارته الخارجية لتلك السنة، في التراجع سنة 1988، حيث بلغ نحو 14 مليار دولار، في مقابل 20 مليار دولار سنة 1987، أي بنسبة 30% تقريباً، وذلك مع انخفاض الصادرات بنسبة 2,6%، وارتفاع الواردات بنسبة 9% خلال تلك الفترة. وفي المقابل، ارتفع العجز التجاري في الدول العربية غير النفطية، ما عدا لبنان، بنسبة 9,1% سنة 1988، مع ارتفاع مقداره 1835 مليون دولار للصادرات و2875 مليون دولار للواردات. ونتيجة ذلك، تقلص فائض الميزان التجاري للدول العربية ككل من 8,6 مليارات دولار سنة 1987 إلى 1,6 مليار دولار سنة 1988.

كذلك استمر الدين العام الخارجي للدول العربية في الارتفاع، لكن بنسبة محدودة نسبياً بلغت 1,2% فقط، حيث وصل إلى 136 مليار دولار في نهاية سنة 1988. كما ارتفعت نسبة المديونية العربية إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة إلى نحو 84% سنة 1988، في مقابل 70,5% سنة 1987. وأشار التقرير إلى ارتفاع بارز في حجم خدمة الدين الخارجي سنة 1988، إذ وصل إلى 12,2 مليار دولار، أو 7,5% من إجمالي الناتج المحلي لهذه الدول، في مقابل نحو 10 مليارات دولار سنوياً خلال السنوات الثلاث السابقة، وذلك بسبب إعادة الجدولة التي تمت في عدد من البلاد العربية.

7-  استمرت المعونات الإنمائية العربية في التراجع سنة 1988، فبلغ صافي التدفقات المحققة من الدول العربية إلى الدول النامية 2,3 مليار دولار في مقابل 3,3 مليارات دولار سنة 1987. لكن، على الرغم من انخفاض العون الإنمائي العربي منذ سنة 1982، بعد أن بلغ ذروته سنة 1980 حين تجاوز 9,5 مليارات دولار، فإنه لا يزال يشكل نسبة عالية من الناتج القومي الإجمالي للدول المانحة ، قياساً بالعون المقدم من جميع مصادر العون في الدول الصناعية. وقد تجاوزت حصة الدول العربية المتلقية للمعونات 64% من مجموع هذه التدفقات، في مقابل 15% للدول الآسيوية و7,7% للدول الأفريقية.

8- الاقتصاد الفلسطيني: يضم التقرير فصلاً خاصاً بالاقتصاد الفلسطيني، إلى جانب عدد من الجداول الإحصائية المتعلقة بالأراضي المحتلة وأرقام تتعلق بنمو الناتج المحلي الإجمالي، وتطور التجارة الخارجية وتوزيعها الجغرافي، وتقديرات لتوزع الشعب الفلسطيني بحسب مكان الإقامة، بالإضافة إلى بعض الإحصاءات المتعلقة بالتطورات في الكيان الصهيوني والتي لها الأثر المباشر في الأوضاع في الأراضي المحتلة، مثل حركة الاستيطان، والإنفاق العسكري، والمساعدات الأميركية الاقتصادية والعسكرية لهذا الكيان.

يُعتبر التقرير الاقتصادي العربي الموحد أفضل وأشمل ما توفر من مراجع في شأن اقتصادات الدول العربية، لكن الجهد الكبير المبذول في جمع وترتيب البيانات الإحصائية والمعلومات الاقتصادية لم يرافقه جهد مماثل لتسريع النشر والإصدار، فلا يستفيد من هذا التقرير سوى الباحثين الأكاديميين المعنيين فقط بدراسة تطور ونمو المؤشرات في فترة زمنية تاريخية محددة. إذ إن تاريخ معظم الأرقام الواردة فيه يتوقف عند سنة 1989، بل أكثر من ذلك، فإن تاريخ بعض هذه الأرقام لا يتعدى سنة 1988، وهو ما يمثل عائقاً رئيسياً بالنسبة إلى الباحث في الشؤون الاقتصادية العربية في أوضاعها الراهنة والمستقبلية. ولعل أهمية السرعة في نشر الإحصاءات الجديدة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، نظراً إلى ما حدث في المنطقة عقب حرب الخليج من تطورات وتغيرات في مختلف المستويات الاجتماعية والسكانية والاقتصادية والمالية والتجارية، وإلى انعكاساتها المحتملة على اقتصادات المنطقة العربية.