فلسطينيو الداخل بين الهجرة والتهجير
Keywords: 
الهجرة اليهودية إلى فلسطين
الفلسطينيون في إسرائيل
الهجرة
البطالة
Full text: 

حيفا

في مواجهة الهجرة اليهودي الجديدة إلى أرض فلسطين، يجد فلسطينيو الداخل أنفسهم بين مطرقة الهجرة وسندان البطالة، وفي وضع  مأساوي يتهدد وجودهم وتطورهم معا، ويخطف لقمة العيش من أفواههم. فهذا الغزو البشري الواسع سيرافقه تصعيد لسياسة القهر القومي والتمييز العنصري، وتهويد ما تبقى من أراض عربية. وفي ظل موجات القادمين اليهود سيزداد الوضع الاقتصادي والمعيشي لجماهير فلسطينيي الداخل سوءاً. فاستيعاب هؤلاء المتدفقين لا يضع علامة استفهام كبيرة حول مصير ما تبقى من أراض عربية فحسب، بل أن العربي هو أول الضحايا. وفي الأفق يلوح خطر تفعيل مبدأ الممارسة الصهيونية، "احتلال العمل"، أو "العمل العبري" بصورة لم يسبق لها مثيل.

إن من شأن هذه الهجرة مفاقمة الوضع المتفاقم أصلاً، وهو ما تؤكده المعطيات التالية:

- البطالة: تبلغ البطالة في الوسط اليهودي 8% - 9%، بينما وصلت في الوسط العربي إلى 20%. ووفق استطلاع أجرته صحيفة "كل العرب" ونشرت نتائجه في الأول من آذار/ مارس، فإن النسبة تبلغ 25% في المدن العربية، وتهبط في القرى العربية إلى 15%، وتساوي مدخولات العامل العربي 46% من مدخولات العامل اليهودي.

- التعليم: يعاني الوسط العربي نقصاً مستمراً في غرف التدريس قدره 1200 غرفة، وخُمس الغرف المستعملة غير صالح للتعليم. كما يعاني نقصاً قدره 4286 مدرساً. وخُمس الطلاب لا ينهي تعليمه الإلزامي في المدرسة الابتدائية، بينما يفشل نحو 50% خلال مرحلة الدراسة الثانوية.

- الخدمات البلدية: تفتقر 26 بلدة عربية من مجموع 38 بلدة، فيها سلطات محلية معترف بها، إلى شبكات المجاري. ولا ترتبط شبكة مجاري الإثنتي عشرة بلدة وقرية المتبقية بالشبكة القطرية. ويصل حجم العجز المالي في 38 سلطة محلية عربية إلى 90 مليون شيكل. وهذا يثقل على سير العمل المنتظم في مجالات التعليم والخدمات البلدية والعمالة والصناعة والتكور. وتعادل ميزانيات السلطات المحلية العربية ربع الميزانيات العادية للسلطات اليهودية، إذ يبلغ مخصص الفرد في الوسط العربي 200 شيكل بينما يصل في الوسط اليهودي إلى 860 شيكلاً.

- خط الفقر: يعيش في إسرائيل قرابة نصف مليون (بحسب الإحصاءات الرسمية) تحت خط الفقر، نسبة العرب منهم 50%، علماً بأن نسبة العرب في إسرائيل هي نحو 17%. وبين الأطفال يشكل العرب ثلثي العدد من الفقراء.

- الزراعة: يعتبر وضع الزراعة سيئاً جداً؛ فقد نهبت الأرض خلال الأعوام الأربعين الماضية وما سبقها، عقب كل هجرة، وأُقيمت عليها المستعمرات، وسلمت للتعاونيات اليهودية. والويل لمن يجرؤ من اليهود على بيعها أو تأجيرها للعرب. وفي الوقت الراهن، هناك مخططات لابتلاع الأرض العربية المتبقية والتي لم تعد تسد رمق أصحابها. وتلجأ إسرائيل إلى ذلك إما بالمصادرة، وإما بحرمانها من الري، وإما بعرقلة تسويق منتوجاتها وفرض ضرائب باهظة على أصحابها.

فمنذ نحو الشهرين وسلطات الضريبة ترسل إشعارات إلى أصحاب الأراضي في شفاعمرو لدفع ضريبة الأملاك. ويفيد بعض من تلقوا الإشعارات بأنها وصلت، في بعض الأحيان، إلى مائة ألف شيكل جديد. والجديد في الأمر أنه في حالة عدم دفع الضريبة في الموعد المحدد، فإن دائرة ضريبة الأملاك تقوم بتطويبها في دائرة الطابو، ولا تقبل الجدل في ذلك. وهذا أمر يتكرر في العدد من القرى. وقد تعرضت قرى كثيرة، مثل يركا والمكر، لمداهمات كبيرة من قبل الشرطة وقوات ضريبة الأملاك التي تصادر الممتلكات والأراضي.

وتؤكد الدلائل كلها أن السلطات الإسرائيلية تتعامل مع الجماهير الفلسطينية في الداخل على أنها "البطن الرخو" الذي تستطع من خلاله فتح منافذ لأماكن عمل وسكن جديدة للمهاجرين الجدد. ولعل في مشاعر التململ التي بدأت بالظهور في أوساط العمال والأكاديمين العرب، بعد أن تلقوا إخطارات بقرب الاستغناء عن خدماتهم، ما يؤكد أن أخطار هذه الهجرة على فلسطينيي الداخل أشد كثيراً مما اعتقده البعض.

ففي إثر تصاعد عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إسرائيل، حيث يعادل عددهم منذ مطلع السنة الحالية حتى منتصف شهر شباط/ فبراير ثلثي عددهم طوال السنة المنصرمة، ازدادت مخاوف فلسطينيي الداخل. وجنباً إلى جنب مع انتشار المعلومات والتصريحات عن "الهجرة الكبرى" من الاتحاد السوفياتي، ازداد القلق بين صفوف العمال العرب والمثقفين في مختلف المجالات، وخصوصاً أن تلميحات بدأت تسمع من مسؤولين وأرباب عمل ومديري عمل، تهدد بالفصل من العمل أو عدم تمديد فترة العمل مرة أخرى. وبدأ، في بعض الأماكن، الطرد على أساس عنصري يتصاعد أكثر من السابق.

وتحدثت صحيفة "الاتحاد" (30/1/1990) عن تزايد حالات رفض إعطاء رسائل الموافقة للعمال العرب الذين يجدون أماكن عمل بأنفسهم، والتي يجب الحصول عليها من مكتب العمل المحلي. ففي بلدة الطيبة، توجه العامل صبحي صالح مصاروة إلى مكتب العمل في بلدته للحصول على رسالة موافقة للعمل في مصنع "غيبور سبرينا" في مدينة كفار سابا، بعد أن سعى بنفسه وحصل على عمل لدى انتهاء فترة حصوله على مخصصات البطالة. ورفضت المسؤولة في مكتب العمل منحه هذه الرسالة بادعاء أن التعليمات لا تسمح لها بإعطاء مثل هذه الرسالة من دون موافقة مكتب العمل المسؤول عن المنطقة التي يقع المصنع فيها، وهو مكتب العمل في كفار سابا. وقد أجاب المسؤول في مكتب العمل في كفار سابا بأن "حق الأولوية للعمل في منطقة كفار سابا هو للقادمين الجدد." وتكرر الأمر مع أيار أحمد عواد الذي وجد عملاً في "مصنع أوسم". ولا بد من الإشارة هنا إلى أن نسبة كبيرة من أهالي بلدة الطيبة البالغ عددهم 24 ألف نسمة، تعمل خارج البلدة التي تعاني كغيرها بطالة متفاقمة. إذ يبلغ عدد العاطلين عن العمل فيها قرابة 500 شخص مسجلين لدى مكاتب التسجيل، ناهيك بوجود نحو 2500 عائلة بحاجة إلى رعاية اجتماعية، و1000 شخص يتعاطون المخدرات ولم تخصص الجهات المسؤولة سوى ستة موظفين فقط للعمل في مجال الإقلام عن تعاطي المخدرات، علماً بأن مقياس الوظائف لقسم الرفاه يقضي بتعيين عام اجتماعي واحد لكل ألف نسمة. وبحسب معطيات لجنة عمال قرية تمرة قرب عكا، فإن عدد العاطلين في هذه القرية يزداد عشرين شخصاً كل أسبوع. ودل استجواب قدمه عضو الكنيست هاشم محاميد على أن عدد العاطلين عن العمل المسجلين في مدينة أم الفحم في المثلث بلغ قرابة 1400 شخص يخدمهم موظفان فقط، بينما يخدم موظف تشغيل واحد كل 150 عاطلاً عن العمل في الوسط اليهودي. وفي 8 شباط/ فبراير، ازداد عدد العاطلين عن العمل في قرى البطوف الثلاث (عرابة، وسخنين، ودير حنا) 100 عاطل جديد، إضافة إلى 250 عاطلاً سابقاً مسجلاً لدى مكتب العمل هناك. وهذه مجرد نماذج بسيطة جداً. وعلى الرغم من تفاقم البطالة، والتي أخذت تزداد بصورة مطردة مع ازدياد أعداد المهاجرين إلى إسرائيل، فإن الهستدروت هو الآخر يساهم في تعزيز الفصل العنصري ضد العرب، وقد رفض طلباً للقائمة المشتركة في مؤتمر الهستدروت للبحث في قضية استفحال البطالة. وفسرت القائمة المشتركة، على لسان النقابي سهيل دياب عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الهستدروت، "ذلك بأنه تهرب صريح من مواجهة الأزمة على خلفية الحماس للهجرة وإهمال العرب والعاطلين عن العمل." وفعلاً، فبدلاً من أن تقوم هذه المؤسسة بدورها العمالي، عينت مسؤولاً في كل لجنة عمالية للاهتمام بالعمال المهاجرين الذين يرغبون في الاندماج في أماكن عمل معينة.

وقال الوزير إيهود أولمرت، المسؤول عن "رعاية" شؤون المواطنين العرب، في كانون الأول/ ديسمبر، خلال زيارة قام بها للناصرة: "إن الأمن والهجرة أولاً." وكان الدكتور يوسي بايلين، نائب وزير المال، أكثر صراحة هو الآخر إذ قال: "هنالك 130 ألف عامل من سكان المناطق يعملون في إسرائيل، ومن الممكن طردهم وتوفير أماكن عمل للمهاجرين." ويجد هذا الكلام ترجمته في المصانع والشركات والمستشفيات، حيث يخصص كل مكان شاغر لليهود أولاً، وكل مكان يجب أن يُشغَر يكون على حساب العرب أولاً.

ووفق ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" (11/2/1990)، فإن دائرة التشغيل بدأـ العمل بمشروع لجذب 25 ألف عامل إلى فرع البناء، لبناء 60 ألف شقة سكنية من أجل استيعاب المهاجرين. وفي إطار هذه العملية، تبذل الدائرة جهداً لتجميل وجه فرع البناء، وذلك بتقديم محفزات وامتيازات مالية للعاملين فيه. لكن، لمن تقدم هذه الامتيازات؟ إنها تُقدَم للجنود المسرحين، وللقادمين الجدد. كما تقدم لهم أيضاً محفزات مالية على شكل إضافة مالية إلى أجورهم تبلغ 400 شيكل شهرياً، و 2400 شيكل عن نصف سنة. وتسعى دائرة التشغيل لإجراء تعديل على قانون التشغيل، كي يتضمن هذه المحفزات للعاملين اليهود. هذا بالإضافة إلى تسهيلات أخرى، مثل توفير الانتقال المجاني لهؤلاء العمال إلى ورش البناء، وتوفير التأهيل المهني لهم في أماكن العمل. ولتحقيق هذا المشروع، خصصت دائرة التشغيل صندوقاً خاصاً برأس مال أولي مقداره 200 ألف شيكل. إن هذا المشروع لا يعكس فقط التوجه العنصري المعادي للعرب وللعاملين العرب، بل يحسم عملياً مؤشرات المخاطر الجدية المقبلة والمرتقبة من جراء الهجرة الواسعة. ففي فرع البناء يعمل، في الأساس، العمال العرب بعد أن أقفلت في وجوههم الأغلبية الساحقة من فروع الصناعة المرتبطة بالثورة العلمية والتقنية والصناعة المربوطة بالمجمع الصناعي – العسكري. ويعني إقفال فرع البناء في وجه العاملين العرب وضع آلاف العائلات العربية بين فكي البطالة والجوع. وفي أوضاع أزمة الركود والبطالة الواسعة، فإن استيعاب عشرت الألوف من القادمين اليهود الجدد يعني أيضاً الإمكان الكبير في التخلص من العمال والمستخدمين العرب من باقي فروع هذا "العمل الأسود". وبالإضافة إلى الخطر الجدي بالنسبة إلى مستقبل الخريجين والأكاديميين العرب من مهندسين وأطباء وفنيين وغيرهم، فالهجرة تضم نسبة عالية من الأكاديميين والمهنيين.

 يهدمون بيوت العرب ويشيدون المباني للمهاجرين

لم تتوقف سياسة نهب الأراضي يوماً واحداً ؛ فقد استمرت منذ بواكير الهجرة الأولى، وفي إثر كل هجرة يتصاعد نهم السلطات الإسرائيلية للأرض العربية. فالصراع بين الصهيونية وحركة التحرر الفلسطينية كان وما زال في شأن قضية الأرض. ويبدو واضحاً أن الساسة الإسرائيليين يريدون استخدام هذه الهجرة ورقة جديدة في صراعهم بشأن الأرض لحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في أرضه ومزاولة حياته الطبيعية عليها. وقد يتعدى الأمر ذلك ليؤثر في وجودهم، ولا سيما أن الهجرة هي عامل إخلال قوي في الميزان الديموغرافي. وإذاما أخذنا في الحسبان الأيديولوجيا المتطرفة لـ "القادمين الجدد" وعداءهم للعرب، ففي الإمكان القول إن هذه الهجرة تساهم إلى حد كبير في جعل مقولة "الترانسفير" (الترحيل) أكثر واقعية في نظر اليمين الإسرائيلي، وقد تروق للكثيرين في وسط الخريطة السياسية الذين يؤيدون قيام دولة يهودية.

وفي الوقت الذي تعد إسرائيل قسائم الأراضي لتشييد المباني وتوفير المساكن للمهاجرين في شتى أنحاء إسرائيل وفلسطين المحتلة أيضاً، فإنها في المقابل تواصل عمليات هدم البيوت العربية وتضيّق الخناق على القرى والمدن والوجود العربي في المدن المختلطة.

فخلال الشهر الأول من هذه السنة، هدم بيت في جسر الزرقا، وآخر في عرابة وبيت في شفاعمرو، وسبعة بيوت في عشيرة أبو كف في النقب. ويتهدد خطر الهدم بيتين في المنصورة ووادي عارة، ومنزلين في إبطن، وعشرات البيوت في ام الفحم، وثلاثة بيوت في عين حوض. كما يتهدد خطر الهدم والترحيل منازل عرب الخوالد قرب شفاعمر، ومنازل عرب الصانع في النقب. وفي مجال مصادرة الأراضي، يناضل سكان كوكب أبو الهجياء لمنع مصادرة 349 دونماً من أراضيهم الزراعية. وفي عرابة، غيرت وزارة الداخلية وضعية 300 دونم من أراضي زراعية إلى أراض للبناء، تمهيداً لمصادرتها وضمها إلى مستعمرة "ابطليون" التي أقيمت على أراضي الفلاحين المصادرة، بالإضافة إلى الأخطار التي تتهدد أراضي الروجة في منطقة ام الفحم ووادي عارة. أما المأساة الرهيبة، فهي إجراءات المصادرة، وهدم البيوت، وترحيل الفلسطينيين في النقب وتجميعهم وحرمانهم من الأراضي الزراعية والمراعي، وتحويلهم إلى أيد عاملة رخيصة للاستغلال البشع. ويتم هذا في الوقت الذي تعلن الصحف أن الحكومة باعت مائة ألف دونم في النقب لمستثمرين أميركيين بمبلغ نصف مليار دولار.

وتأتي مصادرة الأراضي العربية تحت ستار ما يسمى "المنفعة العامة" أو "منفعة الجمهور"، والتي ليست سوى وسيلة أخرى لمصادرة الأراضي العربية؛ إذ دأبت السلطات في الماضي على تنفيذ مخططاتها تحت أقنعة من هذا النوع لمصلحة المستعمرات وبناء المناظر عليها.

وفي الوقت الذي تجرد إسرائيل العرب من أراضيهم، يعلن أكثر من وزير وأكثر من مصدر توفير الأراضي والتشجيع المادي للمهاجرين. فقد أعلن وزير الاستيعاب يتسحاق بيرتس، في 19 شباط/فبراير، منح كل عائلة من القادمين الجدد تعتزم السكن في بلدات التطوير مبلغ 9000 شيكل كتشجيع مادي لدى وصولها، وشقة في المساكن الشعبية التي جرى ترميمها. ويشمل هذا الترتيب 17 مدينة وبلدة تطوير، من ضمنها شدروت، وبيت شيمش، وصفد، وبيسان، ومعلوت، وعكا، والعفولة، وكريات غات، وبئر السبع، ودشن دافيد ليفي وزير الإسكان، وبمعية رئيس الوكالة اليهودية، ثلاثة مواقع بناء في كرميئيل وأشدود وبئر السبع، حيث سيتم بناء 8 آلاف وحدة سكنية للمهاجرين الجدد.

وفي الوقت الذي يعاني فلسطينيو عكا، وخصوصاً في الجزء القديم منها، أسوأ أزمة سكنية ويعيشون في بيوت لا تصلح للإنسان، تتفجر في كثير منها أنابيب المجاري، ومئات المنازل آيلة للسقوط وجدرانها متصدعة وسقوفها لا تتحمل المطر والرطوبة الشديدة، وهي بيوت غير صحية. وتدفع بلدية المدينة والسلطات بهم نحو الهجرة إلى القرى العربية في الجليل الغربي، في محاولة لتفريغ المدينة من سكانها. ويجد العديدون منهم صعوبة في شراء شقة في الأحياء الحديثة من المدينة. وتقرر السلطات الإسرائيلية بناء وحدات سكنية رخيصة الثمن، ويعلن رئيس بلديتها أن لديه قسام جاهزة معدّة لبناء الف وحدة سكنية عليها. وهكذا تبدأ دائرة أراضي إسرائيل والشركات المختصة بترتيب الأمور كي توفر المساكن للمهاجرين.

ويكشف رئيس دائرة الاستيعاب في الوكالة اليهودية النقاب عن أن 2242 مهاجراً يهودياً جديداً وصلوا، منذ بداية شباط/فبراير، للسكن في مدينة نتسريت عليت (الناصرة العليا)، وأن عددهم سيصل في نهاية الشهر المذكور إلى خمسة آلاف مهاجر، وهو ما يفوق خُمس عدد سكان المدينة الحالي. ويشار إلى أن هذه المدينة أُقيمت على أراضي الناصرة وقريتي عين ماهل والرينة، وتشكل نموذجاً لما ينتظر باقي القرى والمدن العربية. ويشن اليهود حرباً لمنع العرب من السكن فيها.

 يصرخون في واد

بين الخوف من مخاطر هذه الهجرة والخوف من تحذيرات المسؤولين الإسرائيليين، على اختلال ألوانهم السياسية، يجد فلسطينيو الداخل أنفسهم في وضع حساس يحرمهم مجرد حق التعبير عن مخاوفهم مما ستلحقه هذه الهجرة بهم من خطر داهم. فالمسؤولون الإسرائيليين يعتبرون مجرد تذمر العرب من مخاطر الهجرة عليهم أنه يتناقض مع ما يسمى "الولاء للدولة"، وأن جمع التواقيع على عريضة ضد الهجرة هو بمثابة الطعن من الخلف. وقد ثار رؤساء البلدات اليهودية ضد الأصوات القليلة التي حذرت من مخاطر الهجرة على الوسط العربي.

فقد نشرت صحيفة "الاتحاد" (20/2/1990) بياناً لوفد من الحزب الشيوعي الإسرائيلي، عاد من زيارة للاتحاد السوفياتي في النصف الأخير من شباط/ فبراير يندد فيه بـ"الممارسات القمعية التنكيلية التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وتوطين المهاجرين الهود الجدد بمن فيهم المهاجرون من الاتحاد السوفياتي في دولة فلسطين."

وأعلن عضو الكنيست محمد ميعاري، رئيس الحركة التقدمية للسلام، أن "هذه الهجرة ليست بريئة... ومن هنا فإنها وبهذه الطريق وهذا الأسلوب مرفوضة ولا يمكن إلا أن يعارضها الإنسان الفلسطيني وأي إنسان يؤيد حق الشعوب في العيش على أراضيها."

وقال عضو الكنيست عبد الوهاب دراوشة، رئيس الحزب العربي الديمقراطي، "إن أي هجرة تمس حقوقنا كمواطنين وتحد من حريتنا وتثقل على الطبقات المسحوقة في إسرائيل هي شيء مرفوض." وقد سبقه في هذا الموقف الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي قرر في اجتماع لجنته المركزية في الرابع من شباط/ فبراير معارضته "استغلال قدوم اليهود من الاتحاد السوفياتي واستعماله ذريعة في أيدي الحكومة لعدم وفائها بالتزاماتها تجاه العاطلين عن العمل، سكان الأحياء والبلدات، وتجاه الأزواج الشابة والجماهير العربية أو لتبرير إهمال هذه القطاعات."

ويرى الحزب الشيوعي، ويلتقي معه في ذلك كله من الحزب العربي والحركة التقدمية، أن على الحكومة الاهتمام بإيجاد العمل والسكن والتعليم وخدمات الصحة لكل مواطني إسرائيل. واستنكر، في قراره، "محاولة تبرير حرمان المواطنين العرب من أماكن العمل والدعوة  إلى الترحيل – الترانسفير -  بحجة الهجرة." واللافت للنظر في قرار الحزب الشيوعي، أنه من جهة ندد بشدة بما سمّاه "مظاهر اللاسامية" في الاتحاد السوفياتي ودعاه إلى وضع حد لها، بينما أيد حرية هجرة اليهود إلى إسرائيل "بشرط أن لا يتضرر منها العرب." وأية هجرة هي تلك التي لم يتضرر العرب منها؟ فمعظم المدن والمستعمرات التي أُقيمت في الجليل والمثلث والنقب، أقيم على أراض عربية مصادرة. وما زالت الناصرة العليا وكرميئيل شاهدين ماثلين كغيرهما على ذلك.

واتخذت حركة أبناء البلد موقفاً أكثر حزماً من غيرها. ونددت في بيان للجنتها القطرية، في التاسع من شباط/فبراير، بـ"الهجرة الصهيونية من الاتحاد السوفياتي." ودعت "كافة الأطراف للتحرك الموحد والسريع لمواجهة هذه الهجرة المدمرة لنا جميعاً." ولم تكتف الحركة بذلك، بل دعت الجماهير الفلسطينية في الداخل والخارج إلى تبني موقف "واضح ومبدئي من موجة الهجرة اليهودية السوفياتية الجديدة والدعوة لمواجهتها فعلاً لا قولاً على أساس أنها تهدد حقوق الإنسان الفلسطيني بشكل عام." وباشرت حركة أبناء البلد جمع التواقيع على عريضة تنوي إرسالها إلى القيادة السوفياتية.

وأعلنت الحركة الإسلامية، من جهتها، أنها لن تكتفي بجمع التواقيع، بل ستطرح الأمر في اجتماع اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، وستقترح إرسال وفد إلى الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية بغية مطالبتها بوقف الهجرة إلى إسرائيل. وأعلن الشيخ رائد صلاح رئيس بلدية أم الفحم، وهو أحد أعمدة هذه الحركة، في تظاهرة حيفا في السادس والعشرين من شباط/فبراير، "أنه يجب منع هجرة اليهود السوفيات بكل الوسائل، بما فيها التوجه لسفراء الدول الأجنبية في إسرائيل."

أما اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، فلم تبحث في هذا الأمر بعد، غير أن توفيق زياد، رئيس بلدية الناصرة، أعلن في مؤتمر صحافي في شفاعمرو في 26 شباط/فبراير، "أنه من ناحيته لا يعارض الهجرة إلى إسرائيل شريطة أن لا يمس ذلك في العرب ومصادر معيشتهم."

وعلى الرغم من وجود بعض التباين في المواقف، فإن الكل يجمع على أن هذه الهجرة تشكل خطراً شديداً على العرب وراء "الخط الأخضر"، وتضر بمصالح العمال العرب واليهود الفقراء في إسرائيل، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. "وتحمل انعكاسات على الفلسطينيين داخل إسرائيل، وإذا قلنا إننا نهارض نقلهم إلى دولة فلسطين المحتلة، فهذا لا يعني أننا نوافق أن تكون هذه الهجرة على حساب ما تبقى للمواطنين العرب من أرض في الجليل والنقب والمثلث." ومثلما يشرح محمد ميعاري الذي يرى أن على كل الذين لهم علاقة، الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية والولايات المتحدة الأميركية التي أقفلت أبوابها في وجه هؤلاء الذين يطالبون بحقوق الإنسان وإسرائيل ذاتها، أن يأخذوا هذه الحقائق قبل أن يقدموا على خطوة من هذا النوع، ويزيدوا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وقضية السلام تعقيداً جديداً.