The Effects of the War on the Palestinian Economy with Emphasis on Gaza’s Economy
Publication Year: 
Language: 
Arabic
Number of Pages: 
19

 1. مقدمة

منذ احتلال إسرائيل غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، في حزيران/يونيو 1967، خضـع الاقتصاد الفلسـطيني للسـيطرة الإسرائيلية، وبالتالي، ومنذ ذلك الوقت، خضع أيضاً للأوامر العسـكرية الاحتلالية، والتـي شـكّلت الإطار القانونـي والتنظيمي لنشاطه واتجاهات تطوره، وذلك ضمن خطـط اسـتراتيجية تهـدف إلـى تعميق تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، بحيث يصعب عليه الانفكاك عن هذه التبعية. ونتيجة لذلك، أصبحت الأراضي الفلسطينية سوقاً مهمة للسلع الإسرائيلية، ومصدراً للعمالة الماهرة والقليلة التكلفة. ومنذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في سنة 1994، وفق نصوص اتفاق أوسلو الذي وُقع بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية، نجد جدلية العلاقة بين السياسة والاقتصاد حاضرة بقوة في المشهد الفلسطيني، فعلى الرغم من أن هذا الاتفاق منح السلطة الفلسطينية الوليدة صلاحيات مدنية كاملة في المناطق المصنفة "أ" و"ب"، بالإضافة إلى إدارة الموارد الاقتصادية في تلك المناطق، فإنه سلَبَها قدراً كبيراً من السيادة، عبر حرمانها السيطرة على المعابر الحدودية والأراضي واستخداماتها في المنطقة المصنفة "ج" (تشكل 62% من إجمالي مساحة الضفة والقطاع في حينه) وعلى معظم الموارد الطبيعية (المياه والفضاء). وفي مقابل هذه الصلاحيات والإمكانات المحدودة، فقد أصبحت السلطة مسؤولة بصورة مطلقة عن تلبية الحاجات الحياتية وتأمين الحقوق الأساسية (العمل والمسكن والرعاية الصحية والتعليم والغذاء ومرافق البنية التحتية وغيرها) لجميع المواطنين الفلسطينيين في الضفة وغزة، فكان عليها، منذ نشأتها، أن تعمل وفق هذه المعادلة الصعبة للغاية. ولسد أي عجز أو فجوة ممكنة بين الموارد المالية المتاحة والحاجات، تم إحداث آليات دولية لتقديم المساعدات وإدارتها، واستمرت حتى اليوم، وإن كانت تتغير في هياكلها ووظائفها من وقت إلى آخر بحسب الأوضاع السياسية والاقتصادية الفلسطينية.

وفي إطار المحددات السياسية والأمنية الواسعة لاتفاق أوسلو المرحلي، وُلد بروتوكول باريس الاقتصادي لينظم العلاقات الاقتصادية بين الطرفين في المجالات التجارية والمالية والنقدية والعمل. ومن أبرز ملامح هذا البروتوكول أنه ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي ضمن غلاف جمركي واحد، وبالتالي، فقد سلب السلطة الفلسطينية القدرة على التحكم بمعدل ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية (مكونات مهمة من السياسة المالية) لمعظم السلع والخدمات، وبذلك، فقد قارب بين مستويات أسعارها في السوقَين، على الرغم من التباين الكبير في مستويات الأجور والدخول فيهما. كما أبقى كذلك وظيفة جباية الجمارك والقيمة المضافة على مستوردات الفلسطينيين في يد إسرائيل، والتي أخضعت تحويلها لخزينة السلطة لاعتبارات أمنية وسياسية تعسفية. أمّا إصدار عملة وطنية، فهو مشروط بموافقة إسرائيل، وهو ما يعني حرمان سلطة النقد الفلسطينية استخدام معظم أدوات السياسة النقدية الضرورية لتوجيه الاقتصاد. باختصار، لقد أبقى البروتوكول معظم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني في يد إسرائيل. وعلى الرغم من عدم التزام الجانب الإسرائيلي بتطبيق نصوص الاتفاق، وإطاحته بمعظم بنوده بفعل استمرار سطوة الاحتلال وفرضه وقائع على الأرض تتناقض وروح الاتفاق، كما على الرغم من الملاحظات العديدة المسجلة على الاتفاق، وعلى الضرر الذي لحق بالاقتصاد الفلسطيني نتيجة استمرار العمل به، فإن هذا الاتفاق ظل طوال الـ 27 سنة الماضية الإطار الناظم للعلاقات الاقتصادية بين الجانبَين.

وساهمت هذه الترتيبات السياسية والاقتصادية المجحفة في استمرار التشوهات والفجوات الموروثة عن الاحتلال الإسرائيلي الطويل في الاقتصاد الفلسطيني، وربما تعميقها، على المستويَين؛ الكلي والقطاعي، وفي الإبقاء وتعميق حالة التبعية للكيان الإسرائيلي. فعلى الرغم من الإنجازات المهمة التي حققتها السلطة في مجال بناء مؤسسات الحكم الاقتصادي وإعادة تأهيل مرافق البنية التحتية، وإصدار التشريعات الناظمة لحياة المواطنين في الضفة الغربية وغزة، وتنشيط الحركة التجارية والاستثمارية، فإن تكلفة تلك الإنجازات كانت مرتفعة نسبياً، لأنها تمت في ظل استمرار قيود الاحتلال وسياساته التعسفية بحق الفلسطينيين، والتوسع الاستيطاني، وفصل القدس الشرقية وقطاع غزة عن الضفة.

تسعى هذه الورقة لرصد واقع التأثيرات الاقتصادية للحرب في الاقتصاد الفلسطيني وتوثيقها، والوقوف على حجم الدمار الذي سببته آلة الحرب الإسرائيلية، وأثره في قطاعات اقتصاد قطاع غزة، وذلك من منطلق إدراكنا أن نتائج الحصار والحروب المتتالية وتأثيراتها لا تقتصر على المباني والبنية التحتية والأراضي الزراعية فحسب، بل أيضاً تمتد لتؤثر في مؤشرات الأداء الاقتصادي لقطاع غزة وبنيته وتطوُر اقتصاده، بما يشمل جميع ارتباطاته مع اقتصاد الضفة الغربية. ولا تتطرق الورقة إلى الآثار الإنسانية الكارثية في القطاع، والتي تترتب عليها تكلفة مالية عالية للتعويض، وإعادة التأهيل، والعلاج النفسي، والخسائر غير المباشرة على صعيد التجارة الداخلية وسوق العمل والأعطال غير المقدرة.

2. أداء الاقتصاد الفلسطيني، وفي قطاع غزة قبل الحرب

يتعرّض الاقتصاد الفلسطيني لضربات وانتكاسات عديدة يحظى قطاع غزة بالحصة الأكبر منها، فمنذ فرض الحصار الشامل والممنهج سنة 2007 من جانب الاحتلال الإسرائيلي، أصبح القطاع يفتقر إلى كل مقومات الحياة بمختلف مناحيها، وذلك بسبب عزل القطاع بالكامل عن العالم الخارجي، الأمر الذي انعكس، بصورة سلبية ومباشرة، في معظم مؤشراته الاقتصادية والاجتماعية.

وحين ننظر إلى أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، نجد أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في فلسطين لسنة 2022 بالأسعار الثابتة قد بلغ نحو 15,635 مليون دولار فقط مقارنة بسنة 2021، والذي بلغ 15,021,7 مليون دولار، بمعدل تغيُر 3,8%، وذلك لأن اقتصاد القطاع يعاني جرّاء حالة ركود ناجمة عن تدهور حصيلة الناتج المحلي الإجمالي عقب تواصُل انخفاض الإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى استمرار الانخفاض في معدلات الاستثمار الناتج عن الحروب واستمرار الحصار المفروض على القطاع، فضلاً عن تراجع معدلات الدعم الخارجي الموجه نحو المشاريع التطويرية، وكذلك نحو الأونروا.

وفي الربع الثالث من سنة 2023، نما الناتج المحلي الفلسطيني الإجمالي الحقيقي بنحو 2.6%، ليبلغ نحو 4 مليارات دولار، مدفوعاً بتحسن الاستهلاك، إذ نما في الضفة الغربية بنسبة 2,9% على أساس سنوي ليبلغ نحو 3,4 مليارات دولار، وفي قطاع غزة بنسبة 1,1% على أساس سنوي، ليبلغ نحو 672 مليون دولار (سلطة النقد الفلسطينية، 2024)، إلاّ إن هذا النمو لم يقلل من نسبة البطالة المرتفعة في القطاع، والتي بلغت 45,1% بحلول نهاية الربع الثالث من سنة 2023 (أونكتاد، 2024).

 

الشكل رقم 1: الناتج المحلي حسب بنود الإنفاق حسب التقسيم الجغرافي

المصدر: موقع سلطة النقد، بيانات ربعية.

 

لم تكن المؤشرات الموضحة أعلاه هي الحال السائد، ففي وقت إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 1994، كانت مستويات المعيشة في غزة مماثلة تقريباً للضفة الغربية، ثم انخفضت نسبة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في غزة إلى نظيرها في الضفة الغربية من المساواة سنة 1994 إلى 44% في سنة 2007، لتصل إلى 28% في سنة 2022 (أونكتاد، 2024)، كما تشير مؤشرات الاقتصاد الكلي إلى أن مساهمة قطاع غزة من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين قبل سنة 2006 كانت تمثل نحو 36%، لتبدأ التراجع بالتدريج جرّاء الحصار الخانق على عوامل الإنتاج كافة، لتصل إلى 17% في السنوات الأخيرة بسبب تآكل القاعدة الإنتاجية (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2023)

 

الشكل رقم 2: نسبة مساهمة قطاع غزة من الناتج المحلي الإجمالي 2005-2022

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء، 2023.

 

وبافتراض ثبات حصة قطاع غزه من الناتج المحلي، والتي كانت تشكل 36% قبل الحصار الخانق على القطاع، وبقائها كما هي عبر السنوات باستثناء العوامل الأُخرى، فإن إجمالي ما فقده الاقتصاد الفلسطيني بسبب الحصار الاقتصادي، والعمليات العسكرية المتتالية، نحو 35 مليار دولار أميركي بالحد الأدنى، وبصورة تراكمية (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2023). ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فقد أدت العملية العسكرية سنة 2014 إلى إضعاف 85% من رأس المال الذي نجا من العمليات العسكرية السابقة (أونكتاد، 2020).

وبالتزامن مع العمليات العسكرية المستمرة، فقد خلّفت سياسة الحصار كعقاب جماعي ممنهج من جانب الاحـتلال الإسـرائيلي نتائج كارثية في مختلـف منـاحي الحيـاة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى بناء الجدار الفاصل، وهو ما أدى إلى تجزئة الموارد الاقتصادي للضفة الغربيـة وقطـاع غـزة، وتقلـيص القـدرات والإمكانات الإنتاجية فيهما (البنك الدولي،2007)، وقامت بإغلاق المعابر التجارية في وجه الاستيراد والتصدير، ومنعت دخول المواد الخام اللازمة للصناعة أو لقطاع البناء والتشييد (مركـز المعلومـات الـوطني الفلسطيني،2007). وكبدت سياسة الحصار الشامل قطـاع غزة خسـائر اقتصاديـة مبـاشرة وغير مبـاشرة، تقدَر من جانب الأمم المتحدة بنحو 16,5 مليـار دولار عن الـفترة 2007 - 2018 (أونكتاد، 2020)، وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في غزة بنسبة 54% في الفترة 2007 - 2023 (أونكتاد، 2023).

 

 

الشكل رقم 3: نصيب الفرد في قطاع غزة من الناتج المحلي الإجمالي 1994-2023

المصدر: أونكتاد، 2024.

 

3. الآثار الاقتصادية للحرب على غزة: شلل اقتصادي مزمن

إن استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة خلال الربع الرابع من سنة 2023، وما رافق ذلك من تداعيات في الاقتصاد في الضفة الغربية، أدى إلى إحداث تراجع في الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين سنة 2023 بنحو 6%، وبقيمة تقدَر بنحو مليار دولار أميركي مقارنة بسنة 2022 (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2024).

وتراجع الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين خلال الربع الرابع من سنة 2023 بنسبة تصل إلى 33%، وبصورة أدق، فقد تعرض الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة لانكماش حاد خلال هذه الفترة بنسبة تجاوزت 80% (جهاز الإحصاء المركزي، 2024)، وذلك بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والتعطيل شبه الكامل للحياة الاقتصادية، وتدمير معظم مقومات الإنتاج، إلى درجة إعلان الأمم المتحدة حاجة القطاع إلى التدخل الفوري، وضرورة وضع "خطة مارشال جديدة" للتعافي[1]  والإنعاش الاقتصادي.

وتُقدر الأضرار الاقتصادية التي خلّفها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال تشرين الأول/أكتوبر 2023 (حتى تاريخ كتابة الورقة) بأربعة أضعاف الأضرار التي لحقت بغزة خلال عدوان سنة 2014، والذي استمر 7 أسابيع، إذ قُدرت الأضرار والخسائر (المباشرة فقط) في اقتصاد قطاع غزة بأكثر من 20 مليار دولار (أونكتاد، 2024)، وبحسب التقديرات الأولية للمكتب الإعلامي لحكومة غزة، فإن الخسائر الاقتصادية المباشرة للعدوان بلغت 15 مليار دولار؛ 7.4 مليارات دولار منها بسبب تدمير المنازل السكنية جزئياً أو كلياً، بينما بلغت التقديرات الأولية لخسائر القطاع الصناعي نحو 450 مليون دولار (موقع الجزيرة نت الإخباري، 2024)

والحاجات المتكررة للضفة الغربية، وسياسة الإغلاق بين محافظات الضفة الغربية، وتسريح أكثر من 90% من العاملين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في اقتطاع أجزاء من العائدات الضريبية (المقاصة) على مدار العام تجاوزت مليارَي شيكل؛ وكان آخرها اقتطاع الجزء المتعلق برواتب موظفي القطاع، وهو ما حد من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه القطاعَين، العام والخاص، بالإضافة إلى التراجع الحاد للدعم الخارجي (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2024)، وفيما يلي، نفصّل أهم الآثار الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي في الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة:

أولاً - تزايُد غير مسبوق في أعداد السكان المنضمين إلى صفوق البطالة والفقر

أدت سلسلة الحروب المتكررة على القطاع إلى دمار شبه كامل في أبسط مقومات الحياة للفرد في قطاع غزة، إذ يستمر الاحتلال في تهجير مدنيي القطاع قسراً كل يوم، وتشير التقديرات إلى أن 85% من سكان غزة (نحو 1,93 مليون مدني) مهجرون قسراً، بما في ذلك من نزحوا عدة مرات بحثاً عن الأمان (وزارة الصحة، 2024)، كما يعاني أكثر من 700,000 فلسطيني في القطاع جرّاء الأمراض المعدية بسبب أوضاعهم المعيشية الصعبة، بالإضافة إلى تصاعُد المجاعة (الجزيرة، 2024). واعتباراً من 30 كانون الأول/ديسمبر، فإنه يقدَر أن نحو 65,000 وحدة سكنية قد دُمرت بالكامل، كما تضررت أكثر من 290,000 وحدة سكنية (وزارة الصحة الفلسطينية، 2024).

وتصاعدت معدلات البطالة، ووصلت إلى أسوء معدلاتها في العدوان الإسرائيلي الحالي على القطاع، ويمكن ملاحظة تعمُق الفجوة المناطقية في معدلات البطالة خلال الربع الرابع من سنة 2023، إذ ارتفع معدل البطالة في فلسطين إلى نحو 46%؛ بواقع 29% في الضفة الغربية، و74% في قطاع غزة. كما ارتفعت معدلات البطالة في فلسطين من 25,5% سنة 2022 إلى 30,7% سنة 2023، نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتداعياته في فلسطين (الجهاز المركزي للإحصاء،2024).

واتسع نطاق الفقر النقدي، وتعمق ليشمل جميع سكان غزة، بل أيضاً إن الفقر المتعدد الأبعاد أسوأ من ذلك، لأنه يأخذ في الاعتبار الحرمان من التعليم وخدمات البنية التحتية الأساسية لالتقاط صورة أكثر واقعية للفقر. إن الأوضاع المعيشية في غزة في أدنى مستوياتها منذ بدء الاحتلال في سنة 1967، وستزداد سوءاً ما لم تتوقف العملية العسكرية (أونكتاد، 2024).

ويمكن تقدير الأثر الاجتماعي المتوسط المدى للعملية العسكرية الإسرائيلية الحالية بالرجوع إلى تأثير عملية سنة 2014 في الفقر وإنفاق الأسرة. ولذلك، فمن المفترض أن العملية العسكرية الجارية تؤثر في الفقر والإنفاق عبْر قنوات وآليات مماثلة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إذ توقف النشاط الاقتصادي في جميع القطاعات الإنتاجية في غزة، باستثناء الحد الأدنى من الخدمات الصحية والغذائية المقدمة في ظل أوضاع النقص الحاد في المياه والوقود والكهرباء، وهو ما ينبئ بحدوث انخفاضات حادة في الأوضاع المعيشية، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة (أونكتاد، 2024).

ثانياً - شح شديد في المواد الغذائية الأساسية أدى إلى تضخُم غير مسبوق في الأسعار

تسبب العدوان الإسرائيلي الأخير خلال الربع الرابع لسنة 2023 على قطاع غزة إلى شح شديد وغير مسبوق في توافر المواد الغذائية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية في القطاع بنسبة تجاوزت 30%، وبنسبة 5% في الضفة الغربية، و11% في فلسطين (الجهاز المركزي للإحصاء، 2024)، وشمل الارتفاع أسعار بضائع لا يمكن للسكان الاستغناء عنها؛ كالزيوت النباتية، والدقيق، والقمح، والوقود، والغاز الطبيعي (غاز الطهو)، والوقود، فعلى سبيل المثال، يُباع لتر البنزين - إذا توفر - بـ 10 دولارات، مقارنة بـ 1,7 دولار قبيل الحرب. ويتزامن هذا التضخم في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات الفقر والبطالة بالتزامن مع الأزمات المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية والجهات الحكومية التي تديرها حركة "حماس" في غزة.

وارتفع مؤشر أسعار المستهلك في فلسطين لسنة 2023 بنحو 6% مقارنة بسنة 2022 (4,8% في الضفة الغربية، و9,7% في قطاع غزة)، متأثراً بارتفاع أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض القيمة الشرائية خلال سنة 2023 بنسبة 5,5% في فلسطين (4,6% في الضفة الغربية، و8,9% في قطاع غزة) (الجهاز المركزي للإحصاء، 2024)، وبالتالي، تأثيره في مستويات الفقر في فلسطين، والتي ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة، وخصوصاً في القطاع.

ثالثاً - انهيار قطاعات اقتصادية بالكامل، وخصوصاً قطاع الإنشاءات، والقطاعات الخدماتية المعتمدة على الاستيراد والتصدير.

تراجعت القيمة المضافة لكل الأنشطة الاقتصادية في فلسطين خلال الربع الرابع من سنة 2023،[2]  إذ سجل نشاط الإنشاءات أعلى نسبة تراجُع وصلت إلى 39% (27% في الضفة الغربية، و96% في قطاع غزة)، تلاه نشاط الزراعة بنسبة 38% (12% في الضفة الغربية، و93% في قطاع غزة)، ثم نشاط الخدمات بنسبة 33% (21% في الضفة الغربية، و77% في قطاع غزة)، ونشاط الصناعة بنسبة 28% (24% في الضفة الغربية، و92% في قطاع غزة). ونتيجة لذلك، فقد تراجعت الأنشطة الاقتصادية في فلسطين خلال سنة 2023 مقارنة بسنة 2022، إذ سجل نشاط الإنشاءات أعلى تراجع، بنسبة وصلت إلى 12%، تلاه نشاطا الزراعة والصناعة بنسبة 8%، ونشاط الخدمات بنسبة 6%.

ومن شأن التدمير الذي لحق بالبنية التحتية بالمباني أن تكون له آثار كبيرة وطويلة الأجل، ليس فقط في الاقتصاد، بل أيضاً في النسيج الاجتماعي للقطاع، نظراً إلى ما لها من دور في عدة جوانب لازمة لكي يحيا الأفراد، والأُسر، والمجتمعات المحلية حياة آمنة. وقد عانت البنية الأساسية الضرورية لغزة جرّاء أضرار شديدة وواسعة النطاق، نتيجة العدوان الجوي، والعمليات البرية التي قامت بها إسرائيل. ومن المجالات المتضررة نذكر:

أ. المياه والصرف الصحي والنظافة العامة.

ب. السكن والمأوى.

ج. شبكات الطاقة (الوقود والكهرباء والغاز) ومرافقها.

د. شبكات النقل والمواصلات، كالطرق والجسور.

هـ. شبكات الاتصال السلكية واللاسلكية ومنشآتها.

كما أثّر الدمار الواسع بشدة في تقديم الخدمات والمساعدات الأساسية المقدَّمة إلى السكان المتضررين، وتحولت مناطق واسعة إلى حطام، نتيجة القصف الأعمى.

في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُدرت قيمة الخسائر بأكثر من 713 مليون دولار أميركي، نتيجة توقُف شبه تام في عجلة الإنتاج لقطاع غزة وتداعيات العدوان، وهو ما يعادل 24 مليون دولار أميركي يومياً، بالإضافة إلى الخسائر المباشرة في الممتلكات والأصول، والتي تجاوزت مليارَين ونصف مليار دولار أميركي، وقُدرت الطاقة الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية بنحو 16% خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر، والتي تشكلت من القطاعات الحيوية التي لم تتوقف بالكامل خلال الحرب، كالقطاع الصحي والمخابز (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2023)

رابعاً - تسريح عمال الداخل المحتل

استخدم الاحتلال العمالة في الداخل المحتل كأداة ضبط وسيطرة للمجتمع الفلسطيني، يستطيع عن طريقها تحييد جزء كبير من الشعب الفلسطيني عن مجمل القضايا الوطنية، ونتج من هذه السياسة - في ظل انعدام السياسات البديلة من الحكومة الفلسطينية - وجود قرابة 170,000 عامل فلسطيني في سوق الاحتلال (جهاز الإحصاء المركزي، 2023)،[3]  بالإضافة إلى عشرات آلاف العمال الذين يعملون بلا تصاريح (تهريب).

يضخ عمال الداخل أكثر من 1.43 مليار شيكل في السوق الفلسطينية (جهاز الإحصاء المركزي،2023)، وتشكّل هذه الأموال مورداً مهماً لتنشيط الحركة التجارية وتوسع نشاط القطاع الخاص، غير أنه منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، أصبح معظم هؤلاء العمال في عداد العاطلين عن العمل، نظراً إلى سياسة إغلاق الضفة التي اتخذها الاحتلال منذ بداية العدوان، وهو ما يشير إلى أن هناك سياسة لدى الاحتلال فحواها الاستغناء عن العمالة الفلسطينية، وتعززها توجهات لدى قطاعات من المجتمع بالانفصال عن الفلسطينيين كلياً.

خامساً - حصار الضفة

فرضت سلطات الاحتلال حصاراً خانقاً على الضفة الغربية، تمثّل في إغلاق الحواجز التي تفصل بين كل محافظة ومدينة وقرية، فضلاً عن تضييق أوضاع التنقل عبرها، ومنعها في أحيان كثيرة، بالإضافة إلى إقامة عدة حواجز أُخرى ثابتة وفجائية "طيارة"، وإغلاق عدد من المناطق بالمكعبات الأسمنتية والبوابات، وانتشار المستوطنين على الطرقات ومهاجمتهم الفلسطينيين وسياراتهم.

نتيجة لهذا الحصار الخانق وصعوبة التنقل والحركة، فقد تراجع النشاط التجاري في عموم الضفة، إذ أصبح التنقل بين المحافظات والمدن والقرى مهمة شاقة في ظل هذه الأوضاع، وهو ما اضطر السائقين إلى سلك طرق وعرة وبعيدة للوصول إلى وجهتهم، وهذا أدى إلى ارتفاع استهلاك السيارات للوقود، وازدياد الأجرة على الركاب في وسائل المواصلات العامة بين المحافظات والمدن، وألقى هذا الوضع بظلاله الكارثية على النشاط الاقتصادي، إذ أشار تقرير المرصد الاقتصادي التابع لوزارة الاقتصاد الفلسطينية أن 78% من المنشآت تعاني جرّاء صعوبة في التنقل وتوزيع البضائع بين المدن، وذلك بسبب إجراءات سلطات الاحتلال التعسفية، ووضع الحواجز والاجتياحات للمدن والمخيمات والبلدات الفلسطينية (وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، 2023).

سادساً - أزمة مالية خانقة تواجه السلطة

منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً يقضي باقتطاع ما يعادل النفقات المخصصة لقطاع غزة من رواتب ونفقات تشغيلية وإعانات اجتماعية في موازنة السلطة من أموال المقاصة، وهو ما دفع القيادة الفلسطينية إلى رفض استلامها لاعتبارات سياسية وقانونية. ويُقدَر هذا الاقتطاع الإضافي بنحو 200 مليون شيكل شهرياً. وبهذا الإجراء، فقدت السلطة نحو 60% من إيراداتها، وتفاقمت أزمتها المالية التي كانت أصلاً تواجهها. وعليه، فإن السلطة لم تستطع الوفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها، أو موردي السلع والخدمات من القطاع الخاص، وتراجعت نسبة الرواتب التي تدفعها إلى موظفيها إلى نحو 60%، وتراكمت مديونية السلطة للقطاع الخاص وللبنوك، وهذا النزف الكبير في السيولة في الاقتصاد الفلسطيني أضر بحركة التجارة والاستثمار، وفاقم الأزمة الاقتصادية الكلية.

4. سياسات الإنعاش الاقتصادي بعد الحرب

يُعد احتواء الأزمة الإنسانية خطوة أولى فحسب على الطريق الطويل نحو إعادة بناء اقتصاد قطاع غزة وإنعاشه، وعلى الرغم من أنه من الممكن رفع الحطام والقذائف غير المتفجرة، وإعادة إعمار المنازل والمساجد، فإن الخسارة الإنسانية التي خلّفتها هذه الأزمة ستظل ملموسة لعدة أجيال قادمة.

ومن أهم المبادئ التي يجب أن تقوم عليها عملية الإنعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار هي الملكية الفلسطينية للعملية، عبْر قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية والفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص الفلسطيني، كما لا بد لعملية الإنعاش الاقتصادي من أن ترتكز على مبادئ أُخرى، كضرورة استخدام الموارد بكفاءة وفاعلية، وضمان إحداث تحسينات نوعية مستدامة، وتعزيز القدرات المحلية لضمان تحقيق جميع منافع إعادة الإعمار لمصلحة أبناء الشعب الفلسطيني.

كما يجب أن تهدف الاستراتيجيا إلى إعادة البناء على نحو أفضل، لضمان ألاّ تعود خطة الإنعاش المبكر والإجراءات التدخلية لإعادة الإعمار إلى تكرار الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية المتراكمة التي كانت سائدة قبل الاجتياح العسكري، والمتمثلة في الفقر، والبطالة، والركود، وإنما إلى إنشاء مستويات معيشة محسنة وأكثر استدامة، وفرص حياة أفضل من ذي قبل.

ويتوجب توفير إطار عمل محلي لتنسيق وتعبئة جهود القطاع الخاص الفلسطيني وقطاع عريض من منظمات المجتمع المدني للمساهمة في إدارة "خطة الإنعاش المبكر" والإجراءات التدخلية لإعادة الإعمار. ومن شأن التزام هذا المبدأ أن يقدّم إلينا حافزاً فورياً للاقتصاد المحلي، عبْر المساندة في صناعة فرص العمل، وتوليد الدخل، وزيادة الطلب. كما سيضمن أيضاً أن تشكّل المساعدات الخارجية تعزيزاً لقدرات الاعتماد على الذات، وليس بديلاً لها.

كما يجب أن تأخذ الإجراءات الخاصة بالإنعاش المبكر بعين الاعتبار الحاجات القطاعية والعبر قطاعية كي تتسنى مواجهة حاجات السكان بطريقة متكاملة ومنسقة، فعلى سبيل المثال، يحتاج الربط بين قطاعات المياه والصرف الصحي والإسكان والنقل والطاقة وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية إلى عملية تدقيق متأنية، ليس فقط في تسلسل وتحديد أولويات أنشطة الإنعاش وإعادة الإعمار فحسب، بل أيضاً من حيث الترتيب وضمان وضع السياسات الملائمة وفق معايير التخطيط الحضري والمساحي، بما في ذلك قوانين وأنظمة البناء، وتوفير إطار عمل عام للتنسيق والمتابعة. ويمكن تلخيص أهم القطاعات التي يجب التركيز عليها في عملية الإنعاش الاقتصادي بالتالي:

  • القطاع الاجتماعي: بما يشمل الصحة، والتغذية، والتعليم، وشبكات الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وقطاع المؤسسات الدينية الفرعي.

  • البنية التحتية: إعادة بناء وتأهيل البنية التحتية الخاصة والعامة، كإعادة إعمار وتأهيل المنازل والبيوت المدمَرة وغير الصالحة للسكن، وتقديم إعانات إيجارية إلى النازحين حتى تسليم بيوتهم، وإعادة إعمار طرق البلديات والطرق الإقليمية والجسور ومكاتب سلطة الموانئ البحرية، وإعادة تأهيل خطوط الهاتف الأرضية وشبكات الهاتف المحمول وغيرها.

  • الاقتصاد: ينبغي إعطاء أولوية إلى توفير فرص عمل على نطاق واسع عند القيام بالإجراءات التدخلية للإنعاش المبكر. وينبغي تمرير المنافع الاقتصادية إلى القطاع الخاص في غزة. والإجراءات التالية هي إجراءات تشمل جهوداً للإنعاش المبكر، فضلاً عن تدخلات على المدى المتوسط والطويل:

أ. الزراعة والأمن الغذائي.

ب. الصناعات التحويلية.

ج. القطاع الخدماتي الخاص.

د. الموارد الطبيعية والبيئية. 

5. السياسات والبدائل المقترحة

من الناحية الاستراتيجية، فإن تغيير مسار الاقتصاد الفلسطيني من حالة التبعية والانكشاف والهشاشة الراهنة إلى حالة التمكين والانعتاق والانفكاك التام والتوازن، يتطلب تغييراً جوهرياً في قواعد وأسس العلاقات السياسية والأمنية الراهنة مع إسرائيل أولاً، فمسار الاقتصاد يتبع مسار السياسة في الحالة الفلسطينية، وليس العكس.

لا شــك في أن المطلوب نظـرة جديـدة واسـتراتيجيا جديـدة وبرامـج إصلاح اقتصـادي واضـحة المعالـم تضـع العلاقة الاقتصادية مــع إسـرائيل فــي نصابهـا الصحيـح؛ الصـراع والصدام، وكون إسـرائيل لا تريــد خيـراً للقضيـة الفلسـطينية ولا الاقتصاد الفلسـطيني، إنمـا تريـد القضاء علـى إمكان الاستقلال الاقتصادي الفلسـطيني واسـتمرار تبعيتـه وخضوعــه للاقتصاد الإسرائيلي.

تنقسم السياسات والبدائل المقترحة بحسب أصل ونشأة الأضرار الاقتصادية، فهناك أضرار أو تداعيات اقتصادية للعدوان نشأت بسببه، وستزول بزواله، وهناك أضرار وأزمات تعمقت بسبب العدوان، إلاّ إنها أزمات مزمنة وبنيوية تفاقمت وتعمقت بسبب الحرب، ونقترح أن يتم معالجتها على المدى الاستراتيجي.

5.1 سياسات مقترحة في أثناء العدوان "تلبية حاجات إنسانية عاجلة":

أولاً: الدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وضمان حماية الأمم المتحدة لأكثر من مليونَي مدني/ة فلسطيني/ة في غزة يعيشون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي والإغلاق.

ثانياً: السماح بإدخال المساعدات الإغاثية العاجلة إلى غزة على الفور، ومن دون شروط، وبكميات كافية، وتوزيعها بصورة عادلة على جميع المدنيين في قطاع غزة، وتكثيف إدخال الكميات الضرورية والكافية لحاجات السكان في جميع مناطق القطاع من المساعدات الإنسانية بما يتناسب مع حاجات أهل غزة، إذ كانت تدخل، قبل الحرب، نحو 500 شاحنة يومياً في أوقات الهدوء النسبي بصورة دائمة.

وتتمثل المساعدات الإغاثية بتوفير المأوى والأمن الغذائي ومياه الشرب والخدمات الصحية لمئات الآلاف من المشرَدين والمتضررين، بالإضافة إلى توفير خدمات الرعاية النفسية للعوائل الثكلى وجميع الأطفال الذين عايشوا ويلات الحرب، فضلاً عن تنظيف المساحات التي طالها القصف من المخلفات الخطِرة، والتي تهدد حياة المواطنين.

ثالثاً: تنفيـذ برامـج إغاثيـة بتمويـل عربـي وإسلامي، ومـا يتيسـر مـن دعـم الـدول المانحـة فـي المناطـق الفلسـطينية لتعزيــز الصمــود ورعايــة ضحايــا العــدوان الإسرائيلي. بالإضافة إلى استئناف كل الخدمات الإنسانية المقدَّمة إلى السكان من جانب الأمم المتحدة ووكالاتها.

5.2 السياسات المقترحة بعد إنهاء العدوان الإسرائيلي (إعادة الإعمار، وفك الحصار، وتحقيق السيادة المالية، والمصالحة بين شطري الوطن):

سواء ألجأت إسرائيل إلى المواجهة العسكرية أم الهدوء الطويل الأمد، فإن إعمار القطاع سيحتاج إلى إطار سياسي شامل يضمن حلاًّ متكاملاً للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني مع توافقات دولية تضمن عدم قيام إسرائيل مجدداً بتدمير ما أُعيد إعماره. كما لا يمكن تنفيذ عملية إعمار فاعلة في ظل الحصار المطبق المفروض على القطاع، وهو ما يتطلب إزالته بصورة دائمة، مع قبول ضمني بحركة "حماس" واقعاً في قطاع غزة.

  • المطلـوب أن تتبنـى القيـادة الفلسـطينية نظـرة واضحـة تجـاه المرحلـة الحاليـة التـي تمـر بهـا القضيـة الفلسـطينية، وهـي مرحلـة صـراع لتحقيـق التحـرر الوطنـي علـى كل الأصعدة، وعلـى رأسـها الاقتصاد. وهـو تشـخيص اعتمـده الباحثـون الفلسـطينيون بتخصصاتهـم ومشـاربهم المتعددة، وهــذا لا يتعــارض بالضــرورة مــع اســتمرار البنــاء المؤسسـي للدولــة الموعــودة، لكــن لا بــد من أن تكــون الأولوية للتحــرر مــن ســطوة الاحتلال سياســياً واقتصاديــاً.

  • تحميل إسرائيل - ولو رمزياً - المسؤولية عن الدمار والسعي لإلزامها بالتعويضات: يقع على إسرائيل التزام أخلاقي بدفع تكاليف إعادة الإعمار؛ إذ تهدف التعويضات بعد الحرب إلى ردع أي أعمال عدوانية في المستقبل، فعلى المدى القصير، يجب أن تكون هناك هيئة مستقلة تضطلع بحساب القيمة التي تدين بها إسرائيل للفلسطينيين بسبب هجماتها المستمرة على قطاع غزة.

ومما لا شك فيه أن إعادة إعمار غزة مسؤولية جماعية، لكن هناك حجة قوية في ضرورة تقديم الفاتورة إلى إسرائيل؛ إذ إن هذا من شأنه أن يجعلها تقرّ بعواقب أعمالها العسكرية على البنية التحتية والحياة المدنية في غزة.

  • التعامل مع إعادة الإعمار كمشكلة سياساتية: تحتاج سياسة إعادة الإعمار إلى رؤية مجتمعية موحدة ومسنودة جماهيرياً، وهو ما يقتضي الاهتمام بغلبة الطابع الوطني والمهني، على الفئوية والحزبية، ومن الأفضل الاهتمام بالأبعاد المتعددة للقضية، والتي تُعتبر قضية إنسانية واجتماعية، فضلاً عن كونها قضية حقوقية تكفلها الشرائع الدولية كافة.

ويجب أن تكون خطة إعادة الإعمار متكاملة لإعادة بناء وتعمير المساكن والمنشآت والمرافق العامة والخاصة والبنى التحتية المادية من طرق وشبكات مياه وكهرباء وصرف صحي، والاجتماعية من مدارس ومستشفيات ومراكز صحية ومساجد وكنائس، كما لا بد من أن تترافق مع إحياء العملية التنموية بالتكامل مع الخطة الوطنية العامة لدولة فلسطين، وبما يحقق المصالحة والتكامل بين شطرَي الوطن، ليشكّل قاعدة اقتصادية متماسكة ومتينة للمشروع الوطني الفلسطيني.

  • زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية المساندة للفئات المهمشة والفقيرة في قطاع غزة: تُعتبر شبكة الأمان الاجتماعي وشبكات المساعدات الاجتماعية الموجهة إلى الأسر الفقيرة من الأولويات المباشرة والضرورية للمحافظة على الحد الأدنى من تماسك النسيج الاجتماعي، وخصوصاً في ظل استمرار تنامي أعداد الفقراء والمحتاجين بسبب تدهوُر الأوضاع الاقتصادية. وتُعتبر زيادة مخصصات وزارة الشؤون الاجتماعية من القضايا العاجلة التي تزيد من قدرة الوزارة على زيادة كفاءة ومستوى تغطية المساعدات التي تقدّمها على شكل معونات إنسانية وطارئة إلى الأسر المحتاجة، وخصوصاً العائلات التي تضررت بصورة مباشرة من الإجراءات الإسرائيلية.

  • الإصرار علـى تحريـر الماليـة العامـة الفلسـطينية مـن نظـام الفاتـورة الموحـدة، والـذي يقـوم عليـه نظـام المقاصـة، واسـتبداله بنظـام المعادلـة الكليـة الذي يعمـل علـى تقسـيم العائـدات الجمركيـة والضريبيـة بيـن الاقتصادَين بصورة تضمـن العدالـة للاقتصاد الفلسـطيني.

  • الإصرار علـى السـيادة الفلسـطينية علـى جميع المعابـر التجاريـة مـع كل مـن الأردن ومصـر، والاتفاق علـى آليـات تضمـن ديمومـة الحركـة عليهـا.

  • الإصرار علـى حـدود جمركيـة بيـن الاقتصاد الفلسـطيني والإسرائيلي، بحيـث تسـيطر السـلطة الفلسـطينية علـى التجـارة بيـن الاقتصادَين.

  • الإصرار علــى تغييــر معادلــة علاقة الســلطة بالمــوارد الاقتصادية، بحيــث يكــون استغلالها فــي الأراضي الفلسـطينية مسـؤولية فلسـطينية خالصـة، أو آليـة تبعـد تحكـم الاحتلال بهــ،ا وخصوصاً الحقــوق البحريــة فــي المتوســط والميــاه والنفــط والغــاز الطبيعي.

  • الإصرار على الدول العربية بتفعيل شبكة الأمان العربية، والتي أُقرت في القمة العربية في الكويت سنة 2010، بقيمة 100 مليون دولار، يتم تفعيلها في حال ضغطت إسرائيل على الفلسطينيين مالياً، عبْر حجب إيرادات المقاصة الشهرية، وهو ما فعّله الاحتلال حالياً.

  • الإصرار على الدول المانحة لإنشاء شـبكة أمان مالي للسـلطة الفلسـطينية تحررها من الابتزاز الإسرائيلي.

  • الخروج من عجز موازنة السلطة الفلسطينية عبْر ترشيد الإنفاق، وزيادة الدخل، والحد من التعيينات والزيادات، ووقف الرواتب لغير القائمين على رأس عملهم، أو الرواتب من أكثر من مصدر، وكذلك خفض موازنات الأمن.

  • اعتماد برامج تدريب وإعادة تأهيل للعاملين الفلسـطينيين الذين سـيتركون العمل في الاقتصاد الإسرائيلي.

  • تفعيل دور الصندوق الفلسطيني للتشغيل في تشغيل العمالة الفلسطينية المسرحة من الداخل عن طريق برامج لتشغيل العمالة الماهرة.

  • التمكين الاقتصادي من الأسفل عن طريق إنشاء اتفاقية مع البنوك الفلسطينية لرصد مخصصات لمحاكاة "بنك الفقراء" في بنغلاديش.

  • تفعيل دور الجمعيات التعاونية في تشغيل الشباب: حيث تشكل التعاونيات إحدى أهم أدوات التغيير الاجتماعي في المجتمعات بفعل دورها في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية لأعضائها، الذين لا يستطيعون تحقيق ذلك بصورة منفردة.

 

المراجع

  • . "التقرير اليومي عن آثار العدوان الإسرائيلي على فلسطين". رام الله: وزارة الصحة الفلسطينية، 2023. من 7/10/2023 حتى 4/2/2024.

  • . "تقرير التطورات الاقتصادية، الربع الثالث 2023". رام الله: سلطة النقد الفلسطينية، 2024.

  • "أثر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة". بيان صحافي. رام الله: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2023.

  • "مذكرة البنك الدولي الاقتصادية للضفة الغربية وقطاع غزة". البنك الدولي، 2007.

  • "ظاهرة ارتفـاع الأسـعار وغـلاء المعيشة في قطاع غزة". مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، 2007.

  • "أداء الاقتصاد الفلسطيني للعام 2023". رام الله: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2024.

  • "مسح القوى العاملة، الربع الثاني". رام الله: جهاز الإحصاء المركزي، 2023.

  • "توصيف الوضع الاقتصادي لقطاع غزة". "الجزيرة". 16/02/2024.

  • Preliminary assessment of the economic impact of the destruction of Gaza. UNCTAD, 2024.

 

 

[1]  إعلان مدير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ريتشارد كوزول رايت خلال اجتماع للأمم المتحدة في جنيف بتاريخ 16/02/2024.

[2] مقارنة بالربع المناظر من العام السابق.

 

1
Author Bio: 

نصر عبد الكريم: باحث اقتصادي وأستاذ جامعي، حاصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد المالي من جامعة جنوب الينوي في الولايات المتحدة عام 1992، وعلى شهادة الماجستير في المحاسبة من جامعة تكساس للعلوم والتكنولوجيا في عام 1984، وعلى شهادة البكالوريوس في المحاسبة والإدارة من الجامعة الأردنية عام 1980.