On Negative Responses to Gaza Genocide
Date: 
February 26 2024
Author: 
blog Series: 

لم يسبق في التاريخ الحديث، بعد الحرب العالمية الثانية، أن أقدمت دولة على ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق شعب آخر، كما تفعل إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني؛ فالجرائم التي ارتُكبت في كمبوديا ورواندا والبوسنة والهرسك كانت جرائم ضمن الدولة الواحدة، وإن كان مرتكبوها هم قبائل أو قوميات أُخرى في هذه الدولة، كما يوجد في رواندا والبوسنة والهرسك، أو حتى من القومية نفسها كما هو حال كمبوديا. وما ارتكبته وترتكبه إسرائيل من عمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني منذ سنة 1948، وحتى جرائمها اليوم في غزة، حيث جميع مَن تقتلهم هم مدنيون، وخصوصاً الأطفال والنساء، فضلاً عن تدمير البنى التحتية والحياتية بالقنابل والتجويع والتعطيش، هي عناصر مكوِنة لجريمة الإبادة الجماعية، وفق "اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".[1] 

لكن هذه المقالة ليست لتبيان عناصر الاتفاقية المذكورة وتطابقها مع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إنما هي لمحاولة قراءة الاستجابة السلبية إزاء هذه الجريمة الموصوفة التي لا تتقادم بفعل مرور الزمن، سواء من جانب أغلبية الحكومات العربية بصورة أساسية، أم الاستجابة الإيجابية الجزئية لدى بعض الشعوب العربية، والسلبية لدى أغلبيتها، أو من جانب الولايات المتحدة ومعظم الحكومات الغربية التي خفف بعضها من الاستجابة السلبية بفعل ضغط الرأي العام الذي تصاعدت استجابته الإيجابية، وخصوصاً التظاهرات والاحتجاجات المتنوعة المستمرة، بعد عدة أسابيع على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى حين بدأ ينجلي كذب الرواية الإسرائيلية لما جرى خلال عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتتراكم الجرائم اليومية الدموية بحق الشعب الفلسطيني، وتُنشر بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي فور حدوثها، ولا سيما القتل المتعمد للأطفال والنساء.

أولاً: موقف الولايات المتحدة

منذ الساعات الأولى ليوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عمدت الولايات المتحدة إلى إعلان موقف داعم لإسرائيل، لا تشوبه شائبة، وتنفيذ عملي لهذا الموقف؛ سياسياً وعسكرياً.

سياسياً؛ اندفعت الإدارة الأميركية، بدءاً من رأسها، جو بايدن، ووصولاً إلى وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، ودفاعها، لويد أوستن، نحو إسرائيل، فضلاً عن مبعوثيها الخاصين؛ فزار بايدن إسرائيل في 18 تشرين الأول/أكتوبر، وقضى 7 ساعات فيها، شارك خلالها في اجتماع لحكومة الحرب الإسرائيلية، والذي نُقل جزء منه على الهواء مباشرة، وارتكبت إسرائيل خلال ذلك مجزرة المستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، وهو ما كان سبباً في إلغاء اجتماعه المقرر مع قادة مصر والأردن وفلسطين، في اليوم التالي. أمّا زيارات بلينكن، فتكاد لا تُعد من كثرتها، فضلاً عن تكراره، في كل زيارة، التأييد المطلق للجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وكذلك، كانت زيارات أوستن، الأقل عدداً، تحمل المضمون نفسه كما زيارات زميله وزير الخارجية.

وقد عبّر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، عن المواقف اللافتة الشديدة التأييد لإسرائيل في إطلالاته الصحافية اليومية، بالإضافة إلى إطلالات مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، وطبعاً المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي، ليندا توماس غرينفيلد، التي أشهرت الفيتو الأميركي في المرات الثلاث التي عُرض فيها القرار الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، وآخرها في 20 شباط/ فبراير، حين استخدمت حق النقض ضد مشروع القرار الجزائري في مجلس الأمن، والذي دعا إلى وقف إطلاق النار.

أمّا على الصعيد البرلماني، فإن مجلسَي الكونغرس (النواب والشيوخ) زاود أحدهما على الآخر في الدعم المطلق للإدارة الأميركية لإسرائيل، عبر قرارات معادية للفلسطينيين، ومؤيدة لمجازر الاحتلال، مطالِبة بمزيد من المساعدات المالية إلى تل أبيب.

أمّا عسكرياً، فقد فُتحت مستودعات السلاح لدعم الجيش الإسرائيلي في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، ومنها طبعاً بعض المستودعات الموجودة في دول عربية، وتم تسيير جسور جوّية نقلت جميع أنواع القنابل الذكية والغبية من مختلف الأوزان والعيارات، وكذلك الآليات العسكرية، وقطع الغيار المطلوبة، وغير ذلك مما احتاجت إليه، ولا تزال حرب إسرائيل الإجرامية على غزة قائمة. كما أرسلت واشنطن 2000 جندي، وجنرالات لمساعدة الجيش الإسرائيلي، أقلّه في غرف العمليات، وربما أيضاً على أرض الميدان، فضلاً عن إرسال طائرات استطلاع فوق قطاع غزة، ونشْر حاملتَي طائرات وما يرافقهما من أساطيل إلى البحر الأبيض المتوسط، وسط تصريحات رسمية هددت أي دولة أو طرف آخر بتوسيع رقعة الحرب خارج غزة.

وبالتالي، فإنه يمكن وصف الموقف الأميركي الرسمي بأنه كان شديد السلبية إزاء الحيلولة دون استمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ولا فارق هنا بين الديمقراطيين والجمهوريين، إذ إن أحدهما يزايد على الآخر في الدعم المطلق لإسرائيل.

وفي المقابل، فإن التظاهرات في مدن كثيرة في الولايات المتحدة تشي بأن موقف الجمهور الأميركي مختلف عن موقف الساسة من جهة رفض الجرائم الإسرائيلية ودعم المطالب الفلسطينية، وخصوصاً أولئك الذين هم من أصول عربية وإسلامية، ومن فئات شبابية تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، ومنظمات الأميركيين الأفارقة، وغيرهم من الأقليات العرقية الأميركية الأُخرى، ومنهم السكان الأصلانيون (الهنود الحمر).

ثانياً: الموقف الأوروبي/الغربي

كان لافتاً أن زعماء دول الاستعمار القديم، وخصوصاً بريطانيا وفرنسا، بادروا إلى زيارة إسرائيل، أسوة بالولايات المتحدة، لإعلان التضامن مع إسرائيل، وتأييد أفعالها في قطاع غزة، فيما عدا قلة قليلة من الدول التي أخذت هامشاً في البداية، ثم بعد انكشاف النوايا الإسرائيلية الإبادية، جاهرت برفض ما تقوم به دولة الاحتلال، وخصوصاً إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا ولكسمبورغ.

وبعد الرئيس الأميركي، كانت هناك زيارة لرئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، الذي رافق شحنة أسلحة إلى إسرائيل في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتباهى بأخذ صورة أمام الطائرة البريطانية التي تحمل تلك الأسلحة، وأرسلت بريطانيا كذلك طائرات استطلاع فوق غزة لمساعدة الجيش الإسرائيلي، بينما تواصل الدعم السياسي والدبلوماسي لإسرائيل داخلياً، وبمشاركة حزب العمال أيضاً، وخارجياً عبر رفض عدة قرارات في الأمم المتحدة، أقله في المرحلة الأولى من العدوان على غزة.

كما وصل الرئيس الفرنسي إلى إسرائيل في 24 تشرين الأول/أكتوبر معلناً دعم حكومته لها، والتقى رئيس الوزراء، نتنياهو، والرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، وزعيمَي المعارضة المنتميَين إلى تيار الوسط، بيني غانتس ويائير لابيد. كما كرر تأييده لإسرائيل بعد انتقاله إلى رام الله، ولقائه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس.

ومن الدول الشديدة التأييد لإسرائيل، والتي لم تغيّر موقفها، على الرغم من تحول الرأي العام الأوروبي ضد الجرائم الإسرائيلية، ألمانيا وتشيكيا والنمسا وهنغاريا.

ومن دول الغرب، تماهت كندا تماماً مع الولايات المتحدة في جميع الخطوات الداعمة للعدوان الإسرائيلي، وكذلك فعلت أستراليا.

لكن أغلبية دول الغرب عدّلت من مواقفها المؤيدة لإسرائيل، وباتت تدعو إلى وقف الحرب على غزة بعد تغيُر الرأي العام، وخروج تظاهرات حاشدة في عواصم تلك الدول، والمدن الكبرى، رفضاً للجرائم الإسرائيلية، ودعماً للفلسطينيين.

لقد أظهر الانجرار الأوروبي والغربي وراء موقف الولايات المتحدة، المتماهي مع إسرائيل وجرائمها المتعددة الأوصاف والمواصفات، ضعفاً شديداً وتبعية موصوفة وقلة حيلة وهامشية في التأثير في التطورات.

ثالثاً: الموقف العربي

إذا كان الموقف الأميركي، ووراءه الموقف الأوروبي والغربي، متسقاً مع ماضٍ استعماري، وحاضر معادٍ لحقوق الشعوب خارج أوروبا وجغرافيا الغرب، فإن الصادم هو موقف الحكومات العربية، بل أيضاً بعض الشارع العربي الخافت والسلبي تجاه الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

1 - موقف الحكومات: لقد أظهرت بعض الحكومات العربية تأييداً مخفياً قليلاً لما تعتبره حرباً إسرائيلية ضد حركة "حماس"، وليس ضد الفلسطينيين بماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، في مقابل دول أُخرى جاهرت في الدعوة إلى إغاثة أهل غزة، ووقف "إنساني" للحرب، وكحد أقصى، وقف نهائي للحرب. لكن تلك المواقف لم تترجَم عملياً إلى إجراءات ضاغطة على الولايات المتحدة والدول الغربية المؤيدة لجرائم إسرائيل، وفي مقدمة الترجمة العملية استخدام سلاح النفط، حتى إن بعض الدول العربية عملت على كسر الحصار البحري الذي حاول الحوثيون فرضه على إسرائيل، عبْر استهداف السفن المتوجهة إلى إسرائيل، وذلك عبر قوافل بضائع تُنقل براً، بينما فشلت جميع الدول العربية، حتى لحظة كتابة هذه الأسطر، في تطبيق قرار القمة العربية الإسلامية المشتركة التي عُقدت في الرياض في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وقررت كسر الحصار عبْر فرْض إدخال مساعدات عن طريق معبر رفح.

ويمكن بالتالي وصف الاستجابة الرسمية العربية للإبادة في غزة بأنها تراوحت بين السلبية والتخلّي، وبين الضعف وعدم القدرة، أو الإرادة، في اتخاذ إجراءات إيجابية تدعم غزة وأهلها.

2 مستويات تجاوب الشعوب: لا تختلف استجابة الشعوب العربية إزاء إبادة غزة كثيراً عن استجابة الحكومات؛ إذ فيما خلا التظاهرات الأسبوعية في صنعاء، فإن التظاهرات جاءت متقطعة في عمّان وبغداد وبيروت والرباط وتونس، وغابت تماماً عن العواصم الأُخرى، مع تسجيل فتح جبهات مساندة للمقاومة في لبنان والعراق واليمن.

وماذا بعد؟

الوضع في قطاع غزة يسابق الوقت نحو إبادة جماعية موصوفة، بالنار عبر القصف الجنوني لكل ما هو مبني وكل ما هو حي، حتى باتت غزة وكأنها موقع دمره زلزال، بل أيضاً إبادة عبر التجويع، بعدما مُنع الغذاء والماء بالكامل عن شمال القطاع، وجرى تقنينه إلى أضعف حد في الوسط والجنوب.

وفي بيانَين منفصلَين، في 23 كانون الثاني/يناير 2024، حذّرت الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي من مجاعة تضرب، بصورة خاصة، شمال غزة.[2]  وفي 12 شباط/فبراير، أصدر رؤساء وكالات تابعة للأمم المتحدة تحذيراً من أن "الأمراض متفشية، والمجاعة تلوح في الأفق، والمياه شحيحة"، وأن النظام الصحي قد تداعى، ودعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار كي يتسنى للوكالات والمنظمات الدولية تقديم الإغاثة التي باتت صعبة في ظل استمرار إطلاق النار.[3]  

إن استمرار الوضع على ما هو عليه لن يتوقف فقط عند القضاء على كل ما هو حي في قطاع غزة، وتحقيق رؤية اليمين الصهيوني الديني والمتطرف في إعادة احتلال القطاع واستيطانه، واستطراداً إحداث عملية ترانسفير كذلك في الضفة الغربية، كي تكون فلسطين التاريخية كلها، غرب نهر الأردن، تحت السيطرة الإسرائيلية الأمنية المباشرة، كما يكرر نتنياهو مؤخراً، وبالتالي يتحقق كذلك هدف منع قيام دولة فلسطينية، بل أيضاً إن تحقيق هذه الأهداف يعني إمكان الانتقال إلى أهداف أُخرى نحو الهدف الأساسي للصهيونية؛ إقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.

وبينما المراهنة قائمة على صمود الشعب الفلسطيني وحلفائه، سواء عبر مقاومته في قطاع غزة، أم عبر الفاعليات المقاومة في الضفة، وجبهات المساندة في لبنان والعراق واليمن، وعلى ازدياد الرفض العالمي لعدوانية إسرائيل، فإنه يتوجب رفع مستوى الوعي العربي بما يحمله تحقيق إسرائيل لأهدافها، من جهة المخاطر المنتظرة على جميع الدول العربية، بل أيضاً الوعي العالمي بما يمكن أن يفرزه واقع افتراضي كهذا من انتشار للعنف خارج منطقة الصراع المباشر.

 

 

[1]  المادة 2 والمادة 3 في "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، موقع الصليب الأحمر الدولي (ICRC).

ويليم أ. شاباس، "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، موقع الأمم المتحدة.

[2] "الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي يحذران من المجاعة في غزة"، "الجزيرة"، 23/1/2024.

[3] "بيان صادر عن رؤساء اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات: المدنيون في غزة في خطر شديد بينما يراقب العالم: عشرة متطلبات من أجل تجنب كارثة أسوأ"، موقع برنامج الأغذية العالمي، 21/2/2024.

From the same blog series: Genocide In Gaza
مصدر الصورة: يورونيوز
Hossam Madhoun
Layla Hedroug arrested on Yale University campus on April 22. Photo: Thomas Birmingham
Thomas Birmingham
مصدر الصورة: رويترز
Issam A Al-Khatib
مصدر الصورة: موقع الجزيرة.
Doaa Afana
مصدر الصورة: وكالة وفا.
Hossam Madhoun
الصورة: طقوس تحت الاحتلال، سليمان منصور، ١٩٨٩
Nadi Abusaada
الصورة: REUTERS/Mussa Qawasma
Fuad Abu Saif
Rafah. Credit: Mohammed Talatene/dpa/Alamy Live News
Deema Dalloul

Read more