ملخص
إن البنية التحتية الخاصة بالاتصالات في فلسطين هي نتيجة علاقة القوة المتباينة بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية. وتتبدى هذه العلاقة في اتفاقيات أوسلو والاتفاقيات الخاصة بالاتصالات والخدمات البريدية وملحقاتها. وفي حين أقرت اتفاقية الاتصالات بحق الفلسطينيين في بناء وتشغيل بنيتهم التحتية الخاصة بالاتصالات، منحت الجانب الإسرائيلي سيطرة كاملة على منافذ الاتصالات الدولية والمجال الكهرومغناطيسي (الطيف الترددي) وخطة ترقيم الهواتف، والسيطرة على النفاذ إلى المناطق المصنفة "ج" وعلى استيراد المعدات تحت ذرائع أمنية.
أحرز الفلسطينيون بعض التقدم في المجالات ذات الأهمية السياسية، مثل الحصول على رمز الاتصال الدولي (على الرغم من اقتصاره على الاستخدام الافتراضي)، واسم نطاق الإنترنت الخاص بفلسطين PS ومحطات الإذاعة التي تستخدم ترددات FM ومحطات التلفزيون التي تستخدم ترددات UHF، والتي تعمل رغماً عن الاعتراضات الإسرائيلية.
وتظهر أغلبية التقدم في المجالات التي تديرها مؤسسات القطاع الخاص (الاتصالات والإذاعة والتلفزيون)، وذلك بسبب الأفكار الخلّاقة التي يطرحها القطاع الخاص للالتفاف حول القيود التي يفرضها الإسرائيليون.
ينحصر دور وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في منح التراخيص وضبط السوق. لكن بناء مقاسم الهواتف الثابتة والنقالة، واستخدام الطيف الترددي، والسيطرة على منافذ الاتصالات الدولية، ووضع خطط الترقيم الهاتفي، وجميع الأعمال في المناطق المصنفة "ج" بقيت كلها في يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ليس هناك من شك في أن تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية جلب مكاسب مهمة وتطوراً على صعيد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بصورة خاصة، كما توضح هذه طرق وأدوات إسرائيل للتحكم والسيطرة الكاملة على شبكة الاتصالات الفلسطينية لخدمة أغراضها الأمنية والسياسية.
لكن، كي يتمكن الفلسطينيون من بناء وتطوير شبكتهم بحرية واستقلالية، لخدمة أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني، ينبغي لهم الانفصال الكامل عن شبكة الاتصالات الإسرائيلية.
قطاع الاتصالات الفلسطيني: نظرة عامة
كانت شبكة الاتصالات قبل سنة 1967 (الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة) جزءاً من الإدارة المصرية لقطاع غزة ووزارة الاتصالات الأردنية اللتين شكلتا شبكتين منفصلتين، وكانت المكالمات بينهما تحوَّل عبر المنافذ المصرية والأردنية، وكانت التعرفة تحتسب على هذا الأساس. وفي كلتا الحالتين كانت هاتان الشبكتان مملوكتين من جانب الحكومة وتخضعان لإدارتها. وقد كان انتشار الخطوط الهاتفية قليلاً، وكانت الاتصالات الهاتفية مقصورة على الهيئات الحكومية والاستخدام العام من خلال مكاتب البريد.
شهد قطاع غزة خلال فترة الإدارة المصرية (1948-1967) تأسيس أولى خدمات شبكات الهاتف الثابت التي كانت تشغَّل باستخدام معدات بدائية وبنية تحتية مكشوفة، والتي كانت السمة الطاغية على المناطق الريفية في مصر في ذلك الوقت. كما تم تركيب بضع مئات من الخطوط الثابتة ذات مفاتيح التحويل الأساسية في غزة وخان يونس، ومفاتيح تحويل أصغر في مدن أصغر حجماً. وكان التشغيل يتم بإشراف خبراء مصريين، وبموظفين من غزة أصبحوا فيما بعد خبراء بإشراف مهندسين محليين.
وكانت الضفة الغربية خاضعة للإدارة الأردنية حتى سنة 1967، وبالتالي كانت البنية التحتية للاتصالات والخدمات البريدية جزءاً من مسؤولية وزارة الاتصالات الأردنية، وكانت أغلبية مكاتب البريد مزودة بخطوط هاتفية يدوية.
أمّا بعد سنة 1967 فقد قامت الإدارة العسكرية الإسرائيلية بإدارة شبكات الهاتف في الضفة الغربية وغزة، وتعاملت إسرائيل مع القدس كجزء من دولة إسرائيل، وهكذا تم تسليم إدارتها وملكيتها هناك إلى شركة الاتصالات الإسرائيلية "بيزك"، وهي شركة احتكارية تم الاستعانة بها لتنفيذ معظم الأعمال الفنية في غزة والضفة، وكانت تسيطر على البنية الأساسية للاتصالات وعلى منافذ الاتصالات الدولية. وبالتالي لم تعد المكالمات الهاتفية بين غزة والضفة تعتبر مكالمات دولية وإنما محلية، ولذلك تم توحيد الشبكات الهاتفية بين المنطقتين وأصبحت شبكة واحدة، لكنها أضحت جزءاً من شبكة الاتصالات الإسرائيلية. وقد تم تمديد كابل محوري عالي القدرة لربط غزة بالشبكة الإسرائيلية "بيزك"، وذلك لاستبدال مفاتيح التحويل اليدوية. وكانت جميع الشبكات تحت سلطة وزارة الاتصالات والبريد الإسرائيلية. ولم تستثمر الحكومة الإسرائيلية الكثير في البنية التحتية للاتصالات في غزة أو في الضفة الغربية، لكنها أبقت على شبكة ذات قدرة منخفضة، وهذا يعني أن عدد الخطوط كان مجرد بضع آلاف حتى سنة 1979. وقد جرى تركيب أولى مفاتيح التحويل الآلية سنة 1979 في مدينة غزة، وأضيف 7000 خط إلى القدرة الاستيعابية القائمة. وتم بعد ذلك تركيب مفاتيح تحويل رقمية بالتدريج.
ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو اتبعت إسرائيل سياسات عملت على الهيمنة الكاملة على الاتصالات لإطالة أمد الاحتلال وإخضاع الفلسطينيين للرقابة والتحكم بأقل التكاليف وأبسطها، وتأمين أقصى قدر من الفوائد التجارية لمشغلي الاتصالات الإسرائيليين، وخصوصاً بعد خصخصة قطاع الاتصالات الإسرائيلي وترخيص عدد من مشغلي الاتصالات للخطوط الثابتة والخلوية. وهذا حد، بصورة كبيرة، من تنمية القطاع الخاص الفلسطيني بشكل مستقل. إن سياسات إسرائيل وأفعالها تنتهك القوانين الدولية، والترتيبات الثنائية بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل.
تحد إسرائيل بصورة غير قانونية من وصول الفلسطينيين إلى الطيف الكهرومغناطيسي الفلسطيني، وتمنع تطوير شبكات الاتصالات في معظم أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقيد بشكل غير قانوني واردات معدات الشبكات. وبالإضافة إلى ذلك، تسهِّل إسرائيل المصالح التجارية لشركات الاتصالات الإسرائيلية التي تعمل بصورة غير قانونية في الضفة الغربية وقطاع غزة للإضرار بالنمو الاقتصادي المحلي.
ثلاثة أطر قانونية رئيسية تحكم علاقات الاتصالات بين فلسطين وإسرائيل:
1. اتفاقية جنيف الرابعة[1] وبروتوكولها[2] الإضافي، واتفاقية لاهاي لسنة 1907[3]
تحظر هاتان الاتفاقيتان على قوة الاحتلال استغلال الموارد الطبيعية للبلد المحتل إلاّ لمصلحة الشعب المحتل، أو لضرورة عسكرية عاجلة. وتحظران بوضوح استغلال الموارد الطبيعية بطريقة تؤدي إلى منافع اقتصادية لقوة الاحتلال أو لمواطنيها. وعليه، فإن الطيف الراديوي للاتصالات يُعتبر مورداً طبيعياً لدولة فلسطين.
2. قرارات الاتحاد الدولي للاتصالات ذات الصلة بفلسطين، ومنها:
أ. قرار الاتحاد الدولي للاتصالات رقم 32[4] بشأن المساعدة التقنية لفلسطين.
ب. قرار الاتحاد الدولي للاتصالات رقم 99[5] بشأن وضع فلسطين لدى الاتحاد الدولي للاتصالات بصفة مراقب.
ج. قرار الاتحاد الدولي للاتصالات رقم 125[6] بشأن مساعدة ودعم فلسطين لبناء شبكات اتصالاتها.
وتؤكد هذه القرارات حق فلسطين في تأمين حقوقها السيادية في الاتصالات الدولية، وتحدد القرارات الثلاثة ما يلي:
أ) تتمتع فلسطين بحقوق متساوية مع الدول الأعضاء والمراقبين الآخرين في الاتحاد الدولي للاتصالات؛
ب) لفلسطين الحق في بناء شبكات الاتصالات الخاصة بها، والوصول إلى طيف الترددات الراديوية وفقاً للمعايير الدولية التي حددها الاتحاد الدولي للاتصالات؛
ج) التزام الاتحاد الدولي للاتصالات وأعضائه مساعدة فلسطين في تحقيق حقوقها المعلنة.
3. المادة 36 من الملحق الثالث للاتفاق المرحلي (اتفاقيات أوسلو الثانية) بشأن ترتيبات الاتصالات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.[7] ويمكن تلخيص المبادئ الأساسية الواردة في المادة 36 طبقاً للمفهوم الفلسطيني على النحو التالي:
-
ينبغي لفلسطين وإسرائيل التنسيق من خلال اللجنة الفنية المشتركة للمساعدة في تطوير قطاع الاتصالات الفلسطيني. وعلى وجه التحديد يجب منح فلسطين إمكان الوصول إلى جميع الطيف المطلوب، والسماح لها ببناء شبكات الاتصالات في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الأراضي بينهما. لكن الاتفاق منح إسرائيل حق التحكم في الطيف الترددي بصورة كاملة.
-
الولاية القضائية الفلسطينية للاتصالات في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث تتولى فلسطين وحدها المسؤولية الكاملة عن وضع وتنفيذ سياسات ولوائح الاتصالات والإنترنت، ونشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)، وبناء البنية التحتية للاتصالات في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة وما بينهما.
في الواقع منحت الاتفاقية الجانب الإسرائيلي الحق في الهيمنة الكاملة على طيف الترددات في قطاع غزة والضفة الغربية. وهذا يشمل ترددات الهواتف والإذاعة والتلفزيون، وبث الأقمار الصناعية، وتحديد المدى الرقمي لخدمات الهواتف.
منحت الاتفاقية الجانب الإسرائيلي حق التحكم في المنافذ الدولية للاتصالات، وفرضت على الشركات الفلسطينية الوصول إلى الخارج عبر الشركات الإسرائيلية، كما منحته حق التحكم في الإفراد. وفرضت قيوداً على بناء الشبكات الفلسطينية ومحطات التقوية في المناطق المصنفة "ج"، الأمر الذي أعاق التكامل بين الشبكات الفلسطينية. وكذلك فرضت عليها التواصل فيما بينها بواسطة استئجار سعات من المشغلين الإسرائيليين بأسعار وشروط غير معقولة. وهذا ما أعاق التواصل بين المحافظات، وخصوصاً بين الضفة وقطاع غزة.
ومُنحت الشركات الإسرائيلية الحق في بناء وتشغيل شبكاتها في القدس الشرقية، ومُنعت الشركات الفلسطينية من ذلك.
وكذلك مُنحت الشركات الإسرائيلية الحق في بناء وتشغيل وتقديم خدماتها في مناطق الضفة الغربية بذريعة الوصول إلى تجمعات المستوطنات وخدمتها، الأمر الذي أعطاها الحق في الوصول إلى تغطية جميع مناطق الضفة الغربية وغزة، وحرم الشركات الفلسطينية من ذلك.
تعتبرُ الاتفاقية البريدَ الفلسطيني وكالة محلية لبريد إسرائيل، ولا يخضع للمحاسبة البينية ولا الحق في تتبع الإرساليات، وتخضع إصدارات الطوابع البريدية كلها للموافقة الإسرائيلية.
القيود الإسرائيلية الرئيسية على قطاع الاتصالات الخلوية:
-
الوصول إلى طيف الترددات الراديوية في أراضي فلسطين:
-
لا تتمتع فلسطين حالياً بإمكان الوصول إلاّ إلى 18% من النطاق 900 ميغاهرتز و4% من النطاق 1800 ميغاهرتز لخدمة 2 ملايين مشترك في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتقتصر الخدمات التي يقدمها المشغلون المرخصون (جوّال وأوريدو) على خدمات الجيل الثاني في الضفة وغزة، والجيل الثالث في الضفة، بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل على الوصول إلى الطيف. يجب أن تتمتع فلسطين بإمكان الوصول إلى 35 ميغاهرتز في النطاق 900 ميغاهرتز و75 ميغاهرتز في النطاق 1800 ميغاهرتز وفقاً للقوانين والمعايير الدولية. وتؤدي قيود الطيف إلى زيادة تكلفة الخدمة، وانخفاض جودة الشبكة، وتقييد الابتكار.
-
عدم إمكان الوصول إلى شبكات 3G في قطاع غزة و4G وLTE في الضفة الغربية وغزة ونطاقات الطيف المستقبلية، الأمر الذي يحد من قدرة المشغلين الفلسطينيين على تقديم خدمات البيانات المتنقلة، ومن الوصول الواسع النطاق إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول. يجب أن يكون لفلسطين إمكان الوصول إلى 60 ميغاهرتز على النطاق 2100 ميغاهرتز، من دون ذكر النطاقات الأُخرى، بما في ذلك النطاق 3.5 جيغاهرتز، وأن يكون لها الحق في تحديد نطاقات تردد أُخرى، مثلاً في نطاقات التردد 700 ميغاهرتز و800 ميغاهرتز، لإدخال خدمات جديدة.
-
دخول المعدات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة:
لا يُسمح بدخول أي معدات تابعة للشركة الوطنية "أوريدو" إلى قطاع غزة، وبالتالي لم يتم نشر خدمة أوريدو G3 في ذلك الجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولا يُسمح بدخول معدات الشبكة الأساسية (أجهزة التوجيه والمقاسم) إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك معدات البناء في المنطقتين "أ" و"ب"، الأمر الذي يجبر المشغلين الفلسطينيين على نشر البنية التحتية الخاصة بهم للمقاسم خارج البلاد، بما في ذلك إنكلترا والأردن وإسرائيل، والقدس الشرقية التي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وتُعتبر جزءاً من أراضي 1948.
تم تقييد أنواع المعدات الأُخرى، بما في ذلك الألياف الضوئية ومعدات الإنترنت وتقنيات الشبكات المؤسسية المخطط إنشاؤها في المنطقة "ج" وفي قطاع غزة.
إنشاء البنية التحتية في المنطقة "ج" في الضفة الغربية:
هناك مستويان من القيود التي تحد من إنشاء البنية التحتية للاتصالات الثابتة والخلوية في الضفة الغربية وقطاع غزة وما بينهما:
-
القيود المفروضة على استيراد معدات الاتصالات عبر الموانئ الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. وتقتصر الموافقة على الاستيراد على الإحداثيات والتقنيات المعتمدة من إسرائيل.
-
تم رفض جميع إنشاءات الاتصالات في المنطقة "ج"، بما في ذلك 60 موقعاً مطلوباً لشركة جوّال و18 موقعاً لشركة أوريدو والألياف الضوئية لشركة الاتصالات (الخطوط الثابتة)، وهي أجزاء أساسية لشبكات الاتصالات في المنطقتين "أ" و"ب".
وقد أدت هذه القيود إلى الاعتماد الكبير على ترتيبات التجوال على الشبكات الإسرائيلية، بصورة رئيسية، سيلكوم وأورانج (شركتا اتصالات متنقلة إسرائيليتان) لتوفير تغطية اتصالات الهاتف المحمول في المنطقة "ج"، بالإضافة إلى استئجار الألياف الضوئية من "بيزك" (شركة الاتصالات الثابتة الإسرائيلية) لتوفير التكامل المادي للربط الثابت الفلسطيني، وفي بناء الأجزاء الأساسية لشبكات الاتصالات خارج البلاد.
علاوة على ذلك، تعاني فلسطين جرّاء المنافسة غير القانونية من مشغلي الاتصالات الإسرائيليين، إذ يمتلك هؤلاء المشغلون ما بين 20% إلى 40% من حصة سوق اتصالات الهاتف المحمول في فلسطين.
النفاذ إلى الطيف الترددي للإذاعة والتلفزيون
تنص اتفاقية الاتصالات – وبالذات المادة 36 من الملحق الثالث للاتفاق المرحلي - على منح إسرائيل السيطرة التامة على الطيف الترددي الفلسطيني، بشرط أن تمنحه للفلسطينيين عند اللزوم، وفي غضون شهر واحد من التقدم بطلب في هذا الشأن. إلاّ إن إسرائيل غضت الطرف عن المطالبات الفلسطينية المتكررة للحصول على ترددات، سواء للاتصالات أو للإذاعة أو التلفزيون. لكن سُمح لمحطة أرضية واحدة وللقناة الفضائية الفلسطينية بالعمل. ويوجد حالياً أكثر من 100 محطة إذاعية تستخدم ترددات FM ومحطة تلفزيون على تردد UHF تبث من الضفة الغربية وقطاع غزة. وتعتبر إسرائيل بث هذه المحطات غير قانوني ويتعارض مع الاتفاق الموقع (المادة 36 من الملحق الثالث)، وبالتالي شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي غارات متكررة على المحطات وصادرت معداتها بحجة تداخل تردداتها مع اتصالات المراقبة الجوية الإسرائيلية. ويتسبب تنكر إسرائيل لحق الفلسطينيين في طيف الموجات الإذاعية بإلحاق أضرار جسيمة بالاتصالات الخلوية الفلسطينية كما سلف الذكر، ويحصرها بترددات غير كافية لتلبية الحاجات.
خُصصت موجات طيف ترددي أُخرى لخدمات الطوارئ والأمن، والتي تتعامل مع لجان متخصصة كالهلال الأحمر ولجان ارتباط الشرطة والدفاع المدني.
الطيف الترددي ومشغلو الهاتف النقال الإسرائيليون
كلما زادت موجات الطيف الترددي لدى مشغل هاتف نقال بصورة عامة زاد عدد المشتركين لديه، وتنقل الترددات ذات الموجات المنخفضة (800-900 ميغاهرتز) مسافات أبعد وتخترق الجدران بصورة أفضل، وبالتالي فهي أفضل من الترددات ذات الموجات العالية (1800-2100 ميغاهرتز)، إلاّ إن هنالك منافسة محمومة على الموارد النادرة للطيف، ويجب تقسيمها بين استخدامات الجيش والاستخدام الحكومي والشركات التي عادة ما تسعى لتحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح. ومنحت الرخصة التي حصلت عليها شركة جّوال سنة 1996 تردد 4.8 ميغاهرتز والموجة 900، مستهدفة 120.000 مشترك. ولدى الشركة في الوقت الحالي 3 ملايين مشترك على التردد نفسه. وقد توقفت شركة جوال في فترات متفرقة، خلال السنوات الماضية، عن بيع شرائح الهاتف النقال نتيجة الحمل الزائد على الشبكة بسبب قلة الترددات. أمّا شركة أوريدو فهي تعمل على التردد 4.8 ميغاهرتز والموجة 1800، ولديها 2 مليون مشترك. ويعتبر التشغيل على التردد 800-900 ميغاهرتز أقل تكلفة لأنه يتطلب استثمارات أقل في الأبراج والخلايا.
وفي المقابل فإن شركة سيلكوم كبرى شركات الهاتف النقال الإسرائيلية، والتي لديها نحو 3.2 ملايين مشترك، تتمتع بطيف ترددي من 27 ميغاهرتز، وذلك وفق ما ورد في التقرير السنوي للشركة لسنة 2008.
وخلافاً لما تنص عليه الاتفاقيات الموقعة (المادة 36 من الملحق الثالث-ب "4") فإن المشغلين الإسرائيليين يغطون معظم الضفة الغربية وقطاع غزة من دون ترخيص من السلطة الفلسطينية، ولا يدفعون لها الرسوم أو الضرائب، ولا يساهمون في أي خدمات قيمة لمشتركيهم الفلسطينيين. ويستخدم بعض المشغلين الإسرائيليين أراضي فلسطينية خاصة مصادرة لتشييد أبراج عليها، في حين أن المشغلين الفلسطينيين ممنوعون من تأسيس بنية تحتية في المناطق المصنفة "ج"، الأمر الذي لا يترك لسكانها أي بدائل سوى اللجوء إلى مزودي الخدمة الإسرائيليين.
الهاتف الثابت
كانت شبكة الاتصالات الفلسطينية، ولا تزال، مندمجة إلى حد ما في بنية الاتصالات التحتية الإسرائيلية على النحو المبين في الاتفاق المرحلي (الملحق ب-القسم 3)، إذ يسمح من الناحية النظرية للفلسطينيين بإنشاء بنية اتصالات تحتية مستقلة: "ريثما يتم إنشاء شبكة هاتف فلسطينية مستقلة، وكما تنص الاتفاقية أن على الجانب الفلسطيني إبرام اتفاقية تجارية مع شركة بيزك – مجموعة الاتصالات الإسرائيلية تتعلق بتوريد خدمات محددة في الضفة الغربية وقطاع غزة، يجب إبرام اتفاقية/اتفاقيات تجارية مع شركة بيزك أو شركات إسرائيلية أُخرى مرخصة بحسب الأصول في مجال الاتصالات الدولية."[8]
تقوم إسرائيل عملياً بإعاقة كل محاولة فلسطينية للانفصال الكامل عن الشبكة الإسرائيلية، ذلك بأنها تُخضع جميع المعدات المستوردة للفحص الأمني ولقيود وإجراءات موافقة مشددة.
شبكات الاتصالات الثابتة والخلوية كأداة للسيطرة والرقابة الأمنية
كما سلف الذكر منعت إسرائيل، بصورة مدروسة وممنهجة، تطوير قطاع الاتصالات الفلسطيني. وسمحت له بالتوسع بقدر كافٍ، من دون السماح له: (1) بالانفصال عن الشبكة الإسرائيلية؛ (2) الإفلات من الرقابة الأمنية واستخدامه وتسخيره للأغراض الأمنية.
وقد تم ذلك عن طريق التحكم في البدلات والمقاسم الدولية (International Gateways)، وكذلك عن طريق السيطرة على المقاسم والبدالات الداخلية ومراقبتها، والحد من استخدام الترددات للهواتف الخلوية أو اقتصارها على ترددات يمكن مراقبتها والسيطرة عليها واستخدامها للتحكم في الأفراد. ومن ناحية أُخرى، سهّل استخدام المقاسم الرقمية للهواتف الثابتة (Soft Switches) والموجودة داخل المدن، للاحتلال مراقبة الهواتف الثابتة عن بعد. ولم يسمح الاحتلال لأي من شركات الهاتف الخلوي ببناء مقاسم داخل المناطق الفلسطينية، وخيّرها بين بناء مقاسمها في المناطق المدارة بالكامل من قبل إسرائيل (داخل مناطق 1948)، بما في ذلك القدس المحتلة، وبين بناء مقاسمها خارج فلسطين التاريخية، وهذا ما يجعل أي اتصال صوتي أو غيره الخروج والدخول عبر البدالات الدولية والتي تخضع للرقابة الإسرائيلية، حتى لو كان هذا الاتصال بين اثنين موجودين في ذات المدينة الفلسطينية.
خلال الأيام الأولى لحرب إسرائيل على غزة (تشرين الأول/أكتوبر 2023) تم قطع الاتصالات كلياً عن القطاع،[9] ثم أُعيدت بعد يومين؛ ذلك بأن الاتصالات تشكل عنصراً مهماً للجيش الإسرائيلي في حربه على القطاع بغية جمع المعلومات والتنصت على التخابر الهاتفي. وفي الواقع فإن قطاع غزة موصول بعدد كبير من وصلات الاتصالات عن طريق الألياف الضوئية والميكروويف، وبالتالي يصعب فصل الاتصالات عن القطاع نتيجة إصابة مقسم أو بدالة هنا أو هناك بالقصف الإسرائيلي، وذلك بسبب وجود عدد كبير من الوصلات (Redundancies). ومع ذلك تستطيع إسرائيل قطع الاتصالات كلياً عن القطاع، أو عن أي جزء من المناطق الفلسطينية، الضفة الغربية وقطاع غزة، في حال كون هذا القطع يخدم أغراضها الأمنية.
وجاء في تقرير لجريدة "الغارديان" البريطانية،[10] بتاريخ 1/12/2023، أنها أجرت مقابلات مع عدد من مسؤولين حاليين وسابقين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وغيرهم من الخبراء بأنظمة المعلومات، أجمعوا كلهم على أن إسرائيل تستخدم برنامج ذكاء صناعي (AI) يسمى "حزبارة أو جوزبال" يدار من وحدة أُنشئت حديثاً (سنة 2019) وتسمى وحدة تحديد الأهداف. وقد استطاعت هذه الوحدة زيادة عدد الأهداف من 50 هدفاً في السنة إلى 100 هدف في اليوم، وذلك باستخدام هذا البرنامج. كذلك استطاعت الوحدة بناء قاعدة بيانات لـ 30.000 - 40.000 شخص كهدف محتمل للتصفية. كما يعتقد هؤلاء الخبراء أن قواعد البيانات التي تم استخدامها في برنامج "حزبارة أو جوزبال" غير معروفة بالكامل، لكنهم أجمعوا على أن أنظمة دعم القرار القائمة على الذكاء الصناعي (AI) للاستهداف عادة تحلل مجموعات كبيرة من المعلومات من عدة مصادر، مثل لقطات الطائرات من دون طيار، والاتصالات التي يتم اعتراضها، وبيانات المراقبة، والمعلومات المستمدة من مراقبة تحركات وأنماط سلوك الأفراد والجماعات الكبيرة، وهذه تعتمد على صور مدعمة بإشارات إلكترونية منبعثة من هواتف نقالة AI.
لن تسمح إسرائيل طوعاً بالتخلي عن سيطرتها الكاملة على الاتصالات الفلسطينية والتحكم في المنافذ الخارجية للمناطق المدارة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، سواء كان ذلك عن طريق السماح بالربط المباشر لشبكة الاتصالات الفلسطينية بالشبكات الدولية، أو بالسماح للشركات الفلسطينية بالرومنغ (Roaming) على شبكات أُخرى دولية غير إسرائيلية، خاصة بالمناطق الحدودية من دون ترخيص ورقابة إسرائيليين.
[1] انظر الموقع التالي:
https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5nsla8.htm
[2] انظر الموقع التالي:
https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5ntccf.htm
[3] انظر الموقع التالي:
https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/62tc8a.htm
[4] قرار رقم 32، المؤتمر العالمي للاتصالات الراديوية (WR_15)، جنيف، 2015.
[5] القرار 99 (مينيابوليس 1998) وضع فلسطين في الاتحاد، ص 267:
itu.int/dms_pub/itu-s/opb/conf/S-CONF-ACTF-1998-PDF-A.pdf
[6] القرار 125 (بوخارست 2022) تقديم المساعدة والدعم إلى فلسطين، ص 145:
الوثائق الختامية لمؤتمر المندوبين المفوضين (itu.int)
[7] https://www.peaceagreements.org/viewmasterdocument/985
[8] المصدر نفسه.
[9] How Israel disrupts Gaza’s internet.
[10] “'The Gospel': how Israel uses AI to select bombing targets in Gaza”, The Guardian, 1/12/203.