The Spring of New Artists
Date: 
August 22 2023
Author: 

نُظّم معرض الربيع (جائزة سليمان منصور ونبيل عناني) في مركز خليل السكاكيني الثقافي بين 10 حزيران/يونيو ولغاية 20 تموز/يوليو 2023، بإشراف مبادرة التجمع الفلسطيني للفنون البصرية، وهم مجموعة من الفنانين والعاملين في الفنون البصرية الذين يهدفون إلى خلق فضاء فني تفاعلي مرن وبديل خارج الأطر المؤسساتية. وفي حديث مع سليمان منصور أحد أعضاء المبادرة، أشار إلى دور وأهمية المبادرة في الحقل الفني الفلسطيني والأثر الإيجابي في الحالة الفنية في فلسطين، وضرورة استمرارها في السنوات المقبلة. وجاءت الجوائز المخصصة لهذا المعرض كنوع من التشجيع والدعم للفنانين الناشئين بتمويل من سليمان منصور ونبيل عناني وكيفين سيم وزياد عناني، وبتقييم فني للقيمة رنا عناني. 

جاء اسم المعرض "الربيع" كمحاولة لاستعادة تاريخ معرض الربيع الذي أقيم مرة في الثمانينيات بتنظيم من رابطة الفنانين التشكيليين في فلسطين، وضم أعمالاً لفنانين فلسطينيين جدد حينها، بالإضافة إلى كون مفردة الربيع تعطي انطباعاً للمتلقي بمدى يناعة الفعل وبداية عطائه، أو بداية الميلاد لدورة حياة جديدة، وكان هذا بالفعل حاضراً من خلال أعمال الفنانين المشاركين الشباب. تعكس الاستعادة لفكرة معرض الربيع ومبادرة التجمع الفلسطيني للفنون البصرية مدى أهمية الوصال الزمني في الحقل الفني. ضم المعرض 27 عملاً لـ 28 فناناً وفنانة من فلسطين والجولان السوري المحتل، وهم: أفياء النواصرة، آلاء قدورة، إلياس واكيم، بلودان مرعي، جريس شحادة، جوان ومجد أبو ريا، حسن صندوقة، دعاء العمري، راما الأشقر، راية غنطوس، رهاف البطنيجي، سجى قطينة، سري ترزي، شام أبو صالح، عبد الرحمن الزبون، عبد القادر بصلات، ليلى عبد الرزاق، محمد بكري، محمود الحاج، ندين غرز الدين، ندين ناشف، نظيمة الأسمر، نور أبو هشهش، نورا نصير، هاجر خاطر، هلا جوهر، يزن أبو سلامة.

 

هلا جوهر، فوضى، أكريليك على قماش

 

وحصلت هاجر خاطر على الجائزة الأولى عن عملها "جنسية غير معرفة"، والمكوّن من 16 قطعة من النحاس الأحمر المعالَجة بالأحماض الكيميائية، وتحمل نقوشاً تعكس في جزء منها الفعل الاستعماري، أما الجزء الآخر فيعكس الهوية التي تؤكد "علاقة خاطر مع وطنها الأم والاحتلال الجاثم على جسد الجولان وفكرة الفصل القسري للجولان عن سوريا حيث عكست شعور القرب والبعد في آن واحد،"[1] من دون أن تنسلخ عن ذكريات طفولتها المترجمة في هذا العمل.

أما الجائزة الثانية فمُنحت لـ سري ترزي عن عمل "مدجج بالضوضاء"، وهو فيديو من 7 دقائق و38 ثانية، ويعكس حالة العنف الاستعمارية المركبة، وخاصة العنف الناتج من الصوت، إذ يُظهر ما يتعرض له الفلسطيني من تشوّش نتيجة عنف المستعمر، والمتراكم في المساحات العامة، والمتمثل في المباني المتراصة، أو مركبات الجيش وضجيجها، كل ذلك بالتزامن مع فعل المراقبة المكثف الذي يُفرَض على جسد الفلسطيني.

 أما الجائزة الثالثة فحصل عليها محمود الحاج بعمل عنوانه "مشهد غير طبيعي"، استخدم فيه الكولاج والصور الفوتوغرافية، واستوحاه من أرشيف الحاكم العسكري. اعتمد الحاج على معالجة صور جوية لغزة، وذلك لتفكيك عنف المستعمر وهيمنته على المشهد الجغرافي، مبرزاً المسافة بين عنف الآلة وحميمية المكان،"[2] وبحسب ما يشير الحاج، فإن ما قام به هو "عملية تشبه إعادة تدوير ممزوجة برغبة شديدة أن تكون النتيجة صوراً أقسى، مُرّة وعصية على الفهم، تشبه مكعباً أسمنتياً في منتصف طريق يمنع أجيالاً من المضي قدماً، أترجم إحساسي الدائم بالماضي وأُظهر الانعكاسات المشوهة لهويتي التي تشكلت نتيجة العيش لعقود تحت سطوة تكنولوجيا صناعة العنف."[3]  وعكس الفائزون الثلاثة ذكرياتهم وأثر العنف الاستعماري في ذواتهم ومحيطهم من خلال أعمالهم التي استخدموا فيها مواد متنوعة.

ونوّهت لجنة الجائزة بتميُّز أربعة من الأعمال الفنية المعروضة، وهي صورة بورتريه من مشروع "ضمان الجودة" للفنان إلياس واكيم، والذي يعكس العلاقة بينه وبين والدته، وكيف تؤثر هذه العلاقة في هويته ومساره الفني، وعن كمّ المشاعر المتناقضة التي يحملها الفرد في عاداته وتوجهاته وعلاقاته، والتي تشكل، في مجملها، هوية مرتبطة بمحيط لا يمكن الانسلاخ عنه. أما العمل الثاني، فيلم "أنا، نايف"، لبلودان مرعي، وهو ڤيديو مدته 3.45 دقيقة، فتظهر فيه محاولة الأب الأمّي "نايف" كتابة كلمات على الحائط، والتي تُظهر إصبعه المبتور جرّاء انفجار لغم في أثناء رعيه الماشية في الجولان المحتل، وكيف يحاول كلٌّ منهما شرح الآخر من خلال المشترك والمتناقض، بعد الصدمة التي تعرّض لها الآب وأثرها في علاقته بابنته. أما العمل الثالث فهو فيلم "فطريات الأقدام"، ومدته 1.52 دقيقة، للثنائي جوان ومجد أبو ريا، والذي يشهد على الأثر الذي تتركه شبكة العلاقات الاجتماعية واللغة والمحيط في الهوية. أما العمل الرابع فهو "أبتلِعُني" لراما الأشقر، التي استخدمت فيه الطين غير المشوي والأسلاك والنباتات والقماش، وغيرها من المواد التي عكست فعل الابتلاع الظاهر على أجساد متآكلة تجلس على مكعبات، في محاولة منها لعكس فكرة الهشاشة النابعة من الذات عن طريق التكور، والتفتت، والتلاشي، حيث لكلّ جسد طريقته في التلاشي والظهور.

يظهر من خلال الأعمال في المعرض، بما فيها الفائزة، أن الفنانين يعكسون الأحداث التي تمثل واقعهم ورواياتهم الشخصية، ويكشفون عن التغييرات الأوسع في المجتمع وتأثيرها في هويتهم الذاتية، كلٌّ على طريقته، فيستكشفون التمثيلات المعاصرة للهوية والثقافة والبيئة تحت الاستعمار، ويعكسونها في أعمالهم الفنية بشكل يستفز حدود الأصالة والبراعة والرغبة في واقع طبيعي خالٍ من الاستعمار. ويأتي ذلك كله تحت إطار موضوع "الهوية والمكان" الذي انطلق من خلاله المعرض، كمحاولة لسبر غور آثار العلاقة ما بينهما وإسقاطاتها وعواقب هذا المفهوم، في ظل واقع استعماري وجيل شاب يسعى لتحطيم قيود المستعمر، فيتحول فنه إلى نقطة انطلاق للإبداع وسبب للتفكير.

من بين 95 طلباً للمشاركة في المعرض، اختير 28 عملاً فنياً، نُفّذت بأشكال فنية متعددة، منها لوحات وأعمال تركيبية وفيديوهات ومشاريع فوتوغرافية ومنحوتات، وشكّل المعرض فرصة لعرض أعمال لفنانين شباب، بعضهم يشارك في معرض جماعي للمرة الأولى. تأخذ الأعمال المتلقي في رحلة من خلال مشاهد محملة بقصص تروي الهوية الفلسطينية والسورية تحت الاحتلال، وتعكس حالة جمعية تمثل الحياة تحت الاستعمار من خلال وسائط متنوعة. فتتناول نورا نصير، التي تعيش في حيفا، في عملها حالة فوضى الهوية التي تنتابها من خلال شخصية تائهة في المنزل بين لحظات الفرح والذعر، والترقب والحيرة. هذا المشهد مصدره الأسئلة التي تُسقطها نصير من خلال حياتها المستمرة في ظل واقع متشابك. بينما يعكس عبد القادر بصلات في عمله "برتقالي" التناقض ما بين برتقال يافا ومحاولة وضعه في "كيس بلاستيكي" في مشهد طبيعة صامتة. ويتناول جريس شحادة في عمله " العذراء في الحافلة" إسقاطات دينية على الواقع الفلسطيني المستعمر، يتمثل في حوار مع العذراء في أثناء طريقها من الناصرة إلى بيت لحم، وهذه المرة في الحافلة. أما حسن صندوقة فيعكس في عمله "لاند سكيب فلسطيني" مشهداً مركباً من خلال طبقات لمبانٍ مشوهة تمثل المدينة والمخيم والقرية، ويفصل بينها جدار، وهو مشهد غير طبيعي. وينعكس المشهد ذاته، إلى حد ما، في عمل سجى قطينة الفوتوغرافي المعنون بـ "تَجَذُّر"، ويظهر فيه المشهد البصري الفلسطيني في منطقة القدس، والمنسوخ من مشهد جدار الفصل العنصري، والذي يحتل فيه الأسمنت والتجريف الفضاء الفلسطيني، وأثر ذلك في الأرض التي تغيرت ملامحها، واعتبرتها قطينة "هوية أساسية لحياة مَن يعيش عليها". يمتد التشوه في الهوية المكانية إلى الجولان عند نادين غرز الدين، في عملها التركيبي "في أرضنا نزرع أشجاراً وليس طواحين رياح"، والتي تُظهره من خلال الصراع بين الأرض وإنسانها ونباتاتها من جهة، وما بين مشروع طواحين الهواء المخطّط له لابتلاع خُمس أراضي الجولان من جهة أُخرى، على الرغم من محاولة الجولانيين المستمرة مقاومة هذا المحو، حفاظاً على بقائهم وثقافتهم وأرضهم.

 

حسن صندوقة، لاندسكيب فلسطيني، كولاج ومواد مختلفة

 

أما عمل آلاء قدورة "البحث عن الربيع"، فتظهر من خلال منحوتة القارب ورحلة البحث التي يقودها الأب الذي يخفي وجهه بيديه، وإلى جانبه ابنه الذي يحتمي بركبته، كأنه التيه في البحر، بعيداً عن أحلام الطفولة ودفئها، وبعيداً عن الحصان الطائر المنقذ الذي يأتي من خلف الزجاج لدى نور أبو هشهش في عملها "اختراق"، متخيلة إمكانية اختراق الواقع المحمل بكمّ من التناقضات. هذا الاختراق شكّل فسحة من الضوء عند عبد الرحمن الزبون في عمله "مخيم من الأسمنت" الذي ظهر فيه الضوء من خلال الشق الممتد إلى السماء الزرقاء من بين جدران البيوت المتلاصقة في المخيم. ويرى يزن أبو سلامة هذه الفسحة من خلال مساحة دائرية أوسع، عنوانها "من ضيق المكان إلى سعة الذاكرة" التي لا يمكن محو تفاصيلها الملونة ومعانيها عند الفلسطيني المهجّر. ويؤكد ذلك محمد بكري من خلال عمله "دار سيدي"، في صورة تعكس بيت الجد والشرفة المحملة بالذكريات، فعلى الرغم من غياب جسد الجد، فإن فعل الاستمرارية ما زال متواجداً روحياً وفي الذاكرة. وتضيف دعاء العمري إلى ذلك في عملها "برندة فلسطينية معاصرة"، والتي تصور شرفة الجدة بتفاصيلها، هذه الأعمال وغيرها تؤكد استحالة القطيعة مع ما مضى، حتى لو ظهر التشوه على بعض رموز الذاكرة، مثل الكوفية التي تظهر لدى هلا جوهر من خلال عملها الفني "فوضى"، والذي يعكس معالم جسد شاب يضع الكوفية، لكن وجهه ويده اليمنى ملطخان، وكأنما تقصد عكس عمق حالة الكآبة والتشويش والفوضى التي يعيشها الفلسطيني بسبب الأزمات والضغوط المستمرة في حياته، لكن فعل الثبات ظاهر في شكل الجسد الجالس على الكرسي، كأنما يؤكد فعل الثبات في الأرض. أما راية غنطوس في عملها "إقرث 1937"، وهي إحدى القرى المهجّرة خلال نكبة 1948، فتُظهر الجد العجوز، وفي زاوية اللوحة يظهر المعلم الوحيد الناجي في القرية، وهي كنيسة السيدة مريم العذراء، وعلى الرغم من الخسارات والرحيل، فإن للذاكرة وقعاً أكثر سطوةً على الفلسطيني، بغض النظر عن فعل التبدل والزمن الذي تستكشفه رهاف البطنيجي من خلال عملها "الوحدة الزمنية في غزة"، فتحاول، بحسب ما تقول، "توثيق معنى الزمن في مدينة محاصرة منكوبة مجنونة بالحياة" من خلال صورة فوتوغرافية لشاحنة محملة بالخشب وظلّها وسرعتها المنعكسة في مرآة الشاحنة، وهو زمن هلامي لا نستطيع التمسك به، بينما ينسلّ منا، سواء أدركنا ذلك أم لا.

 

راية غنطوس، إقرث ١٩٣٧، أكريليك على قماش

 

وتشارك ندين ناشف بمشروع فوتوغرافي لمجموعة من النساء الفلسطينيات من مواليد 1991، عاكسةً من خلالها فترة عمرية محددة تشهد فيها نساء هذا الجيل مرحلة انتقالية حملت تغييرات عنيفة، وتركت بتراً في كثير من مواضعها، مع محاولة إظهار معنى البيت لكلٍّ من هؤلاء النساء. وتقول أنها رغبت في موضعة نفسها بين بنات جيلها من النساء اللواتي تشعر بأنهن يعشن زمناً يتوجّه فيه المجتمع الفلسطيني نحو تغيير بطيء، لكنه جذري، يدفع بالقيود الاجتماعية ببطء، ويطرح تساؤلات عن دوره بطرق مفاجئة وغير متوقعة. وتعكس نظيمة الأسمر في عملها "روح معلّقة" صورة والدها وكوفية تبدو معلّقة في الفراغ، في تأكيد على عناصر مر عليها الزمن ولكن أثرها بقي حيّ. 

وتحاول شام أبو صالح في عمل بعنوان "إطار معدني" استخدام الأسلاك الشائكة التي يمعن الاحتلال الإسرائيلي في استخدامها بأشكال متنوعة لفرض مزيد من العنف والهيمنة، لكنها تشكلها عامودياً على شكل ستارة، لتعكس القسوة والعنف واختفاء المشهد الطبيعي.

 

شام أبو صالح، إطار معدني، مواد بناء وحديد وأسلاك شائكة 

 

وتدفعنا أفياء نواصرة في لوحتها "جديلة" إلى ذكرياتنا مع الجدة التي لطالما احتفظت بجديلتها كأنها هي جسر الوصل ما بين طفولتها وشيخوختها. أما ليلى عبد الرزاق، فتعود بنا إلى حالة الصراع بين ذواتنا ومحيطنا في عملها "ما بتستحيش على حالك؟" من خلال فيديو مدته 3.46 دقيقة، يعكس حالة الصدمة التي تعيشها الطفلة في وسط محيطها بسبب ضعف لغتها العربية.

 هذه الصراعات والتناقضات وغيرها كانت رسائل شعرنا بها من خلال أعمال معرض الربيع التي طُرحت بطريقة تدفع المتلقي إلى الشعور ببساطة وسلاسة تلقّي الأعمال الفنية، وفي ذلك دلالة على الإدراك العميق لبيئة وجمهور المعرض وسياق الأعمال الفنية ومستواها، وهو ما يعزز رغبة المتلقي في الاستمرارية في جولته براحة، ومن دون تكلّف أو حذر، على عكس ما يشهده بعض المعارض الأُخرى التي تفرض عدم الارتياح وشعوراً بأنك مراقَب، أو مجبَر على التحرك بتصنُّع يتلائم مع شكل المعرض. كما تظهر المجموعة المتنوعة من التقنيات الإبداعية المستخدمة في الأعمال الفنية، والتي عملت على جذب الوعي إلى الصدمات الجماعية، واستحضار الطبيعة، وإثارة الأسئلة عن علاقتنا بالوقت والذاكرة والهوية. 

 

[1] مقتبس من بيان لجنة تحكيم جائزة الربيع.

[2]  مقتبس من بيان لجنة تحكيم جائزة الربيع.

[3]  مقتبس من بيان لجنة تحكيم جائزة الربيع.

انظر

Read more