Review of Raja Shehadeh's Book, "We Could Have Been Friends My Father and I: A Palestinian Memoir"
Date: 
September 09 2022
Author: 

مراجعة كتاب رجا شحادة، "كان بإمكاننا أن نكون أصدقاء: أبي وأنا":

Raja Shehadeh,We Could Have Been Friends, My Father and I: A Palestinian Memoir. Profile Books, London, 2022 .

 

غلاف الكتاب

 

في هذه المذكرات الحميمة يعود الكاتب والمحامي رجا شحادة إلى معالجة علاقته المعذبة بوالده المحامي الشهير عزيز شحادة، والتي غطّاها قبل 15 عاماً في كتاب "غرباء في البيت". في الحالتين، يعالج المؤلف قصة ثلاثة أجيال من المحامين في يافا، الجد بولس شحادة صاحب "مرآة الشرق"، وعزيز المحامي، ورجا الحفيد. كما يتعرض لسيرة جده لأمه القاضي سليم شحادة وزوجته الطموحة جوليا ولجوئهم إلى لبنان بعد النكبة. تساهم هذه المذكرات في اغناء المكتبة العربية التي تعالج السير السياسية يرتكز الى حوار بوحي ومواجهة صريحة بين الابن والأب بعد وفاة الأخير. الخلاف الأساسي بين الكتابين هو مركزية الوالد في حياة الابن، وإعادة اكتشاف المؤلف لطبيعة الصراع مع والده، في ضوء قراءته المعمقة لأوراق عزيز شحادة التي اكتشفها بعد اغتيال الأخير في رام الله سنة 1985. 

 

 

صراع الأبناء مع الآباء موضوع مثير وشائك في أدب السيرة العالمي، لكن قلما نراه في السيَر والمذكرات العربية، وأقل من ذلك في فلسطين. هنالك ومضات بليغة في هذا الاتجاه، نراها في مذكرات سهيل إدريس، وحياة محمد شكري (الخبز الحافي). وفي بلادنا، نراها في رائعة فدوى طوقان "رحلة جبلية صعبة"، حيث التجأت المؤلفة إلى حماية أخيها إبراهيم من قمع والديها وتهميش شخصيتها. كما نراها لاحقاً في "خارج المكان"، سيرة إدوارد سعيد القاهرية، الذي استفاض في توصيف القمع النفسي الذي عاناه من أبيه وتأليب أمه عليه، وقد أدت هذه الذكرى إلى قطيعة إدوارد مع عائلته التي اعتبرت المذكرات طعنة غير مبررة ترتكز إلى ذاكرة مشوهة.

في كتاب "كان بإمكاننا أن نكون أصدقاء، أبي وأنا"، يصبو رجا شحادة إلى إعادة الاعتبار لأبيه، بعد اللغط الذي أثارته ظروف اغتياله قبيل الانتفاضة الأولى. علاوةً على ذلك، أعتقد أن الهدف من هذه السيرة الثانية هو إعادة النظر ومراجعة علاقة الابن بأبيه المتوفي، يظهر ذلك من خلال حوار مستمر يهيمن على السرد من بدايته إلى النهاية.

 

 

يكتشف المؤلف في هذا السرد الجديد أهمية كفاح عزيز القانوني والسياسي خلال مسيرته المهنية الطويلة: دفاعه عن الثوار في ثورة 1936 خلال الانتداب؛ إنشاء هيئة اللاجئين العليا مع محمد نمر الهواري، والدفاع عن حقهم في العودة (مؤتمر لوزان وما تلاه)؛ نجاحه الباهر في الإفراج عن ودائع اللاجئين المجمدة التي صادرتها إسرائيل في بنوك بريطانيا ( باركليز) وتحصيلها وغيرها، في سلسلة من المناورات القضائية في لندن والقدس وعمّان؛ دوره في الدفاع عن المتهمين بمقتل الملك عبد الله الأول وتبرئة اثنين منهم.

وقد أدى تحدي شحادة في إلحاق الضفة الغربية بالأردن، بعد مؤتمر أريحا، إلى نفيه إلى روما وبيروت، وسجنه لاحقاً في معتقل الجفر الصحراوي مع الشيوعيين والبعثيين والناصريين من مناوئي النظام.

يكتشف المؤلف دور عزيز في هذه النضالات القانونية، كما يكتشف حصافة عزيز السياسية، إن جاز التعبير، في مبادرته السياسية الأولى سنة 1968. هذا على الرغم من أن هذه الأوراق كانت في حوزة الكاتب لمدة تفوق الثلاثين عاماً، إلاّ أنه امتنع من معاينة تفاصيلها بسبب العلاقة المرتبكة بينه وبين أبيه، وهي علاقة شابتها البرودة العاطفية، والاختلاف في أساليب مجابهة الاحتلال، وشعور الكاتب بالذنب نتيجة ملابسات مقتل أبيه المأساوي.

 

 

يكتب شحادة بأسلوب ممتع ومثير، ويسترجع حقبة ما بعد الاحتلال في السبعينيات والثمانينيات من خلال أعين متباينة ورؤى مغايرة. رؤية والده المتوفي، الذي اعتبر نضال ابنه القانوني طريقاً مسدوداً، أو هكذا خُيِّل للكاتب. ثم رؤية فصائل منظمة التحرير، التي اعتبرت دعوة عزيز شحادة إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، بمثابة تخلٍّ وخيانة للنضال الفلسطيني، وأخيراً، رؤية رجا شحادة نفسه التي مرّت بعدة مراحل مضطربة في علاقته بنهاية، بإعادة تقييم ناضجة ومركبة لشخصية عزيز وكتاباته المثيرة للجدل.

نجد هنا حساسية مؤثرة في قراءة مدونات عزيز التاريخية واكتشاف النزاهة والعناد الصلب في مواقف أبيه، والتي تجعله يراجع نفسه، وكذلك ابتعاده عن أبيه في لحظات كان الأخير بأمسّ الحاجة إلى الدعم من أبنائه. الكتاب مفعم بومضات ساخرة ومضحكة تجعل المعالجة السياسية الجافة أكثر استساغةً للقارئ. منها مثلاً سرد فترة لجوء عزيز الطويل في روما خلال نفيه الطوعي من وطنه، عندما سكن في المدينة برفقة صديقه الفنان إسماعيل شموط، ثم انتقاله للسكن مع سيدة إيطالية غامضة أثارت فضول العائلة، وأدت إلى تحذير جدته الماكرة جوليا لابنتها (زوجة عزيز)، وحضّها على إعادة زوجها إلى فلسطين قبل أن يقع في حبائل الإيطالية وتفقده.

 

 

مأخذي الوحيد على الكتاب هو معالجة الكاتب المبسطة لعلاقة عزيز شحادة بمنظمة التحرير واستغرابه النقد الشرس، ثم الهجوم عليه من الفصائل، في حين يرى المؤلف أن عزيز كان طلائعياً في مبادرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وهي المبادرة – يذكّرنا المؤلف – التي توصلت إليها منظمة التحرير بعد عشرة أعوام ونيف (في مؤتمر الجزائر سنة 1988). ذلك بأن غضب واستياء المنظمة لم يكن ناجماً بالضرورة عن تبنّيه لموقف مبني على التسوية التاريخية (وهو الموقف نفسه الذي دعا إليه الحزب الشيوعي واتحاد عمال فلسطين (سامي طه)، وذلك قبل عزيز بعقود. إنما جاء الاعتراض، ثم الهجوم، نتيجة دعوة شكلت في الواقع تجاوُزا المنظمة وفصائلها، وتجاوُزا للنظام الأردني أيضاً وعقد سِلم منفصل بين إسرائيل وطرف فلسطيني غير معرّف. (لا يذكر المؤلف في هذا المجال أن عزيز التقى وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان برفقة رئيس بلدية نابلس حمدي كنعان في نيسان/أبريل 1968، أي بعد أشهر من بداية الاحتلال، ودعا إلى إقامة كيان فلسطيني مستقل). كذلك في الإشارات المتعددة إلى مبادرة عزيز شحادة في تشكيل الهيئة العليا للاجئين بعد النكبة، لا يدرج الكاتب أسماء شركائه في هذا المشروع (باستثناء الهواري)، عندما يعطي الانطباع أنه كان البداية والنهاية في هذا المشروع، على الرغم من كونه سكرتير الجمعية، وربما محرّكها الرئيسي.

على الرغم من هذه الملاحظات، فإن مذكرات رجا شحادة تبقى شهادة قيّمة ومؤثرة عن علاقة تراجيدية بين أب وابنه، وإضافة نوعية إلى أدب السيرة العربية المعاصرة.

Read more