Book Review: The Palestinian Student Movement in the West Bank and Gaza Strip
Date: 
December 16 2021
Author: 

صدر حديثاً كتاب "الحركة الطلابية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة" للباحث أحمد حنيطي، وهو الثالث لحنيطي ضمن سلسلة "القضية الفلسطينية آفاق المستقبل"، التي بدأت مؤسسة الدراسات الفلسطينية بنشرها منذ سنة 2013، وصدر منها حتى الآن إثنا عشر كتاباً.

الكتاب من القطع الصغير، وقد جاء في 216 صفحة، وحوى مقدمة، وسبعة فصول، وخاتمة، وملاحق، وقائمة بالمصادر والمراجع. ركَّز الفصل الأول على مفهوميْ الشباب والطلبة، وناقش النظرة  إلى الشباب، باعتبارهم "مصدر التجديد والتغيير" داخل المجتمع، والطلبة بصفتهم "الأكثر وعياً بين الشباب، والأكثر انفلاتاً مجتمعياً"، توطئة للحديث عن الحالة الفلسطينية، إذ اعتُبر الشباب، فلسطينياً، "عماد التحرير من الاستعمار"، ونُظِر إلى الحركة الطلابية، باعتبارها "حركة سياسية"، ثم استعرض الأدبيات التي اهتمت بالحركة الطلابية في فلسطين، وختم بتوضيح منهجيته في إعداد الكتاب؛ الفصل الثاني تناول الحركة الطلابية في الضفة الغربية قبل أوسلو، وتحدث عن البنية الاجتماعية والتطورات السياسية التي واكبت ولادتها، وركَّز على العمل الطلابي، وبيَّن طبيعته وأهدافه، وأبرزَ الكتل الطلابية الفاعلة في تلك المرحلة والعلاقات فيما بينها؛ أمَّا الفصل الثالث فاهتم بالحركة الطلابية في تسعينيات القرن الماضي، واستعرض جملة التحولات الكبرى التي شهدتها تلك المرحلة، ولا سيما توقيع اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، وتداعيات ذلك، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، على المجتمع الفلسطيني عموماً، والحركة الطلابية على وجه الخصوص، وتحدث عن موقف الأطر الطلابية من السلطة الفلسطينية وممارساتها، وطبيعة التحالفات داخل الحركة الطلابية، وإنجازاتها على الصعيدين السياسي والنقابي؛ وعنْوَن الفصل الرابع بـ "الحركة الطلابية بعد سنة 2000"، وكشف عن البيئة الموضوعية التي وجدت الحركة الطلابية نفسها فيها، وخصوصاً بعد انتهاء الانتفاضة الثانية، وحدوث الانقسام، وتأثُّر الجامعات الفلسطينية بتبنّي السلطة الفلسطينية لمفاهيم الليبرالية والعولمة، وما واكبه من خصخصة للتعليم، وحاولَ رصد الوضع الديمقراطي للحركة الطلابية من خلال تتبُّع الانتخابات الداخلية للكتل الطلابية، وانتخابات مجالس الطلبة؛ وخصّص الفصل الخامس للحركة الطلابية في جامعة بيرزيت، وعدَّد العوامل التي ساهمت في تميُّز هذه الحركة من غيرها، وركَّز على إضراب الحركة الطلابية الأخير وأزمة ما بات يُعرف في أدبيات بيرزيت بـ "مظاهر العسكرة".

الفصل السادس تناول وضع المرأة في الحركة الطلابية، وعرض جوانب من نشاطاتها، والعوائق التي تحول دون تعزيز مكانتها، ولاحظ تأثير التوجهات المحافظة داخل الكتلة الإسلامية وحركة الشبيبة في دور الطالبات داخل الحركة الطلابية؛ وأفردَ الفصل السابع للحديث عن الحركة الطلابية في قطاع غزة، إذ تناولها من خلال خمسة عناوين هي: الحركة الطلابية قبل الانقسام سنة 2007، وبعده، وحراكات من أجل اعتماد نظام التمثيل النسبي، وسكرتاريا الأطر الطلابية، والطالبات في الحركة الطلابية في قطاع غزة؛ أمّا خاتمة الكتاب فجاءت بعنوان "نحو تعزيز الحركة الطلابية"، واحتوت على اقتراحات للنهوض بالحركة الطلابية، اعتماداً على بناها الداخلية؛ وتضمّن الكتاب ثمانية ملاحق شملت بيانات للحركة الطلابية، ولوائح داخلية، وبرامج انتخابية، وجدول نشاطات طلابية.

الحركة الطلابية ومقاومة الاحتلال

تحدث المؤلف عن انخراط الحركة الطلابية في مواجهة الاحتلال في مرحلتيْ ما قبل أوسلو وما بعده، إلا إن حديثه لم يكن وافياً، وكان من الأوْلى توسيع مساحة النقاش داخل الكتاب بشأن الدور الوطني للحركة الطلابية، وتبيان دوافعه وطبيعته وأشكاله ونتائجه، مع التركيز على المحطات النضالية الرئيسية التي شاركت فيها قيادات وكوادر الحركة الطلابية بشكل مركزي، كما في الانتفاضة الأولى والثانية، وفي الهبّات المتكررة التي شهدتها فلسطين منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم، وعدم الاكتفاء بكلام عام مُطعَّم بالقليل من الإحصائيات والجداول، فالنضال الوطني مكوِّن أصيل في الحركة الطلابية وواكب مسيرتها منذ تأسيسها حتى الآن، والمحطات النضالية التي شارك فيها الطلبة إرث نضالي ثري وعريق، وكان بإمكان الكاتب، مع مزيد من الجهد، تسليط الضوء أكثر على هذا الجانب بشقيْه، الجماهيري والمسلح، وتزويد القارئ بإحصائيات وجداول وأسماء، وكان من الملائم لو عرّج على مواقع مواجهة مفتوحة مع الاحتلال تشارك فيها الحركة الطلابية منذ أعوام طويلة حتى يومنا هذا، مثل سجون الاحتلال التي تمتلئ بمئات الطلبة الجامعيين، على خلفية نشاطاتهم الطلابية النقابية والسياسية، ناهيك بعدد معتبَر من الطلبة الجامعيين الذين التحقوا بالجامعات من داخل السجون، وهؤلاء الطلبة من الجنسين يمارسون دوراً نضالياً داخل سجون الاحتلال، وهم عمود فقري لفصائلهم.

حول مسألة العنف داخل الجامعات

ناقش حنيطي أسباب ظهور العنف بين الأطر الطلابية في الجامعات الفلسطينية، وخصوصاً تلك المنضوية داخل منظمة التحرير والكتلة الإسلامية، منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، مع الإشارة  إلى حادثتيْ عنف بين الطرفين، وقعت الأولى في جامعة النجاح (1981)، والثانية في جامعة بيرزيت (1983)، بالإضافة إلى إشارته إلى الكتلة الإسلامية، باعتبارها "القوة الضاربة" لجماعة الإخوان المسلمين داخل المجتمع، وقد قدَّم تفسيراً تبنّى فيه وجهة نظر كتل منظمة التحرير بالكامل، من دون إعطاء الكتلة الإسلامية الفرصة للدفاع عن نفسها وتقديم محاججتها، إذ حمَّلها، بقصد أو بغير قصد، مسؤولية العنف، كونها، بحسب رأيه، لم تعترف بمنظمة التحرير ممثلاً للشعب الفلسطيني، وأعطت انطباعاً بميلها إلى النظام الأردني، وكان هنالك شكوك في سعي الإخوان المسلمين لتشكيل قيادة بديلة من منظمة التحرير، أو أن لهم ارتباطات مشبوهة بالاحتلال، وخصوصاً في ظل عزوفهم عن الانخراط في الفعل الوطني، بالإضافة إلى الخشية على "المكتسبات التي حققتها الجامعة في قضايا الديمقراطية والحرية والفكر التقدمي".

لا يمكن عزل العنف الطلابي عن ظاهرة العنف داخل المجتمع، ونظراً إلى انتشاره هذه الأيام بصورة لافتة، فقد كان متوقعاً من الكاتب بذل المزيد من الجهد في الكشف عن الأسباب العميقة للعنف الطلابي، وعدم الاكتفاء بطرح وجهة نظر أحد الأطراف المشاركة فيه، ولا أدري لماذا أعفى الاحتلال من مسؤولياته، كون وجوده العنيف على الأرض وممارساته الوحشية، من اعتقال وقتل وإبعاد واستيطان، واستخدامه أساليب خبيثة في زرع الفرقة بين الفلسطينيين، كفيلة بتأجيج العنف المجتمعي، ولماذا لم يلاحظ أن العنف الطلابي في الجامعات لم يكن بمعزل عن تجربة الفصائل الفلسطينية التي انتمى إليها الطلبة، والتي كان العنف ممارسة معروفة في أوساطها، تلجأ إليه أحياناً لحل إشكالياتها الداخلية، وقد مارسته بشكل جليّ في تجربتيْ الأردن ولبنان، وربما منحته بعداً أيديولوجياً وصبغة ثورية، كما أن هذا العنف تجلى، بوضوح، في سلوكها داخل الأرض المحتلة أيضاً في أكثر من محطة وموقع نضالي وظرف تاريخي، قبل الانتفاضة الأولى وخلالها، وكان طبيعياً، والحال هذه، أن يكون العنف أحد الخيارات المتاحة للتعامل مع جسم طلابي جديد يتبنى خطاباً مغايراً، كما أن العنف أقرب إلى الطلبة بصفتهم شباباً أكثر توقداً وتحفزاً، وتستميلهم القوة المادية، وربما فضلوها على غيرها، ولعله من الأمور اللافتة أن العنف مارسه الطلبة العرب المؤطرين سياسياً وأيديولوجياً ضد بعضهم البعض داخل بعض الجامعات العربية في نفس المرحلة التاريخية التي نتحدث عنها.  

حول المصادر والمراجع

اعتمد المؤلف على المقابلات المركَّزة التي وصلت، بحسب قوله، إلى 89 مقابلة، منها 69 مقابلة في الضفة الغربية و20 مقابلة في قطاع غزة، وأشار إلى أنه حاول تمثيل مختلف الكتل الطلابية والجامعات في المقابلات، وقام بتحليل مضمون البيانات الصادرة عن الكتل الطلابية، وخصوصاً الكتلة الإسلامية، ورجع إلى صفحات الأطر الطلابية على الفايس بوك وبعض الجرائد والمجلات، بالإضافة إلى سلسلة من الأدبيات، من كتب ودراسات ومقالات منشورة بالعربية، ومصدر يتيم بالإنكليزية، وهذا جهد مقدَّر، ومع ذلك، فقد ترك بعض المعلومات المبثوثة في المتن من دون ذكر مرجعها، معتبراً إياها حقائق مُسَلَّم بها، وليته وضع مرجعاً لها في الهوامش على عادة الكتابة الأكاديمية، وليته لم يغفل عن تدوين أسماء الذين قابلهم وتبيان مراكزهم في الحركة الطلابية، فهو لم يثبت أسماءهم  في المتن، ولا في الهامش، ولا في نهاية الكتاب، وحتى أنه لم يذكر الأسباب التي دفعته إلى فعل ذلك، ولم يضع قائمة ببيانات الكتل الطلابية التي اطّلع عليها، أو ذكر عددها على أقل تقدير.

اليسار وتعزيز مكانة الحركة الطلابية

عوَّل المؤلف على الكتل اليسارية في تشكيل تيار ثالث قادر على تصحيح مسار الحركة الطلابية وتفعيل دورها وتعزيز مكانتها، وقد ظهر ذلك بجلاء في ثنايا المتن، وكذا في الخاتمة التي أشار فيها، بوضوح، إلى أنه يرى هذا التعويل منطقياً، و"أن توحيد العمل الطلابي ومأسسته في الأطر الطلابية اليسارية، أو معظمها، ممكن في ظل البنية الاجتماعية الحالية، ويمكن أن يشكل المدخل الجدي للضغط على الكتل الأُخرى، لإنشاء جسم طلابي موحد". في رأيي، هذا التعويل نابع من قراءة مجزوءة لواقع كتل اليسار الطلابية في الضفة والقطاع بصورة خاصة وواقع فصائل اليسار بصورة عامة، فاليسار بفصائله وكُتله الطلابية يعاني ضعفاً وانقساماً شديدين، ولا يكفي أن تمتاز كُتله الطلابية بما وصفه المؤلف بـ "شمولية الرؤية في عملية النضال: نقابياً، وسياسياً، ومجتمعياً، وديمقراطياً، ووطنياً"، كما أن إمكانية نقل تجربة "سكرتاريا الأطر الطلابية" في قطاع غزة، والتي كان للكتل اليسارية دور مركزي فيها، إلى الضفة الغربية ضعيفة، وخصوصاً أن تجربة الحركة الطلابية في القطاع لها خصوصيتها والواقع الفصائلي هناك أيضاً مختلف عما هو عليه في الضفة من ناحيتيْ الفاعلية والحضور وهامش العمل وطنياً.

معلومات بحاجة إلى مراجعة

أود الإشارة هنا إلى أن الكتاب حوى بعض المعلومات غير الدقيقة ومعلومات أُخرى بحاجة إلى شواهد لتأكيدها، منها على سبيل المثال:

  • أن الكتلة الإسلامية تسمي القطاع النسائي فيها "الأميرات" (ص 135)، والأصح قوله قطاع الأخوات.
  • أن الكتلة الإسلامية استخدمت في بياناتها "التكفير" (ص45)، وقد نقل المؤلف عبارتين واردتين في بيانات الكتلة وافترض أن فيها تكفيراً، وهي ليست كذلك.
  • أن للحزب الشيوعي الفلسطيني دور في تأسيس بعض الجامعات الفلسطينية في فترة ما قبل أوسلو (ص 38)، وهذا أيضاً بحاجة إلى ما يسنده، وكان الأوْلى، على أقل تقدير، الإشارة إلى مصدر المعلومة.

خاتمة

أحسنَ حنيطي حين اختار دراسة الحركة الطلابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخصوصاً في ظل ندرة الدراسات الشاملة بشأنها، ولا شك في أنه بذل جهداً كبيراً في إعداد كتابه، ولا بد من التأكيد أن جملة الملاحظات التي سردتُها أعلاه لا تنتقص من مكانة الكتاب ولا من أهميته، وأنصح القرّاء بألّا يفوتوا فرصة اقتنائه وقراءته.

Read more