Media and Journalism in Israel

مقدمة

يعالج هذا البحث واقع الإعلام الإسرائيلي، وما طرأ عليه من تحولات بسبب النفوذ السياسي المتعاظم لصناع القرار في تل أبيب، والتطور التكنولوجي العالمي المتمثل في ثورة الاتصالات، وظهور الإعلام الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت إعلاماً ثنائي الاتجاه. وأثر هذا التحول في أداء الإعلام الإسرائيلي، إلى درجة بدا فيها، وفي كثير من الأحيان، متجنداً وليس مجنداً فحسب، وذلك على الرغم من نفوذه وأثره الواسعين.

تجسد هذا التحول في أربع ظواهر توالى ظهورها تباعاً خلال العقد الأخير المتميز بتواصل حكم اليمين والمتدينين في إسرائيل، وتفرد زعيم الليكود بنيامين نتنياهو بقيادته. فكان التطور التقني المحطة الأولى، وتلخص في انتقال شركات البث وتوزيعه إلى البث من خلال الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، ثم إلغاء هيئة البث واستبدالها بسلطة البث، وهو التحول الثاني. وتجسدت ظاهرة التحول الثالثة في إنهاء عصر القناتين التلفزيونيتين الثانية والعاشرة، وذلك بموجب قانون سنه الكنيست، والذي حد من الامتيازات لشركات الإنتاج المشغلة بهدف إضعاف تأثيرها في الشارع الإسرائيلي. أمّا أخطر التحولات، وهي الرابعة، فكان في ظهور صحيفة «يسرائيل هيوم» اليومية الموالية لليمين، وتحديداً لزعيمه بنيامين نتنياهو، كمنافسة للصحافة اليومية التقليدية.

يتناول هذا البحث أيضاً دور الإعلام الجديد واستغلاله بشكل مؤثر للغاية من جانب صناع القرار وحاشيتهم في إسرائيل، وذلك بحكم ما له من تداعيات وتأثير، سواء في إدارة مصالحهم الداخلية للتحريض وإثارة الضغائن، وأيضاً لترويج دعايتهم وخطهم السياسي، أو لمناكفات خارجية، وفي بعض الأحيان لتسريبات تخدم المصلحة «الوطنية». ويشكل ذلك في هذا البحث ما يشبه المرحلة الانتقالية لسيطرة رأس المال والسلطة على الإعلام، في محاولة لاستقراء طبيعة العلاقة وتداخل المصالح بين رئيس الهرم السياسي، وهو رئيس الحكومة في هذه الحالة، والإعلام ورأس المال.

جاء ما سبق كله كتوطئة لاستقراء واقع وسائل الإعلام التقليدية في عهد الإعلام الرقمي، إذ يعالج هذا القسم وضع الراديو والصحافة المطبوعة والتلفزة وتراجع شعبيتها، وذلك مع تنامي شعبية الإعلام الرقمي ممثلاً في وسائل التواصل الاجتماعي. كما يتناول البحث بعدها تاريخ الصحافة وظهورها مع بدء الهجرات اليهودية إلى فلسطين منذ مطلع القرن الماضي إلى قيام الدولة الإسرائيلية، ثم استمراره بعد قيامها. كذلك يلتفت إلى واقع الصحافة العربية ووضع العرب الفلسطينيين في الصحافة الإسرائيلية في مناطق داخل الخط الأخضر.

وفي نهاية البحث هناك قسم خاص عن آليات الرقابة وهيئات الإِشراف ذات الصلة، وهي الحلقات التي تحكم العلاقات بين الإعلام والمؤسسة الإسرائيلية وتضبطها، وذلك بدءاً بهيئة الرقابة العسكرية وانتهاء بهيئة رؤساء التحرير.

تستوجب الأمانة الإشارة إلى أن الإعلام الإسرائيلي وإن تجند إلى جانب المؤسسة الإسرائيلية بوضوح في قضايا الأمن وجوانب الصراع مع العرب، وتحديداً الفلسطينيين، بما يخدم ولا يمس الأمن القومي الإسرائيلي، وذلك في سياق حرب الحركة الصهيونية كأساس أيديولوجي للوطنية الإسرائيلية القائمة على سحق الوطنية الفلسطينية، إلاّ إنه ظل إعلاماً فتاكاً في الشأن الداخلي الإسرائيلي على النحو الذي يخدم الكل الإسرائيلي. وخير دليل على ذلك ما كشفته الصحافة من فضائح فساد في دائرة صناعة القرار، وآخرها قضية الغواصات التي اشترتها إسرائيل من ألمانيا في منتصف العقد الأخير، وكشفت الصحافة تورط مقربين من نتنياهو فيها بتهم فساد ورُشى وغسيل أموال. ويرجع الفضل في كشفها إلى الصحافي الاستقصائي في القناة 13 رفيف دروكر. وينسحب الأمر أيضاً على قضايا الفساد الثلاث التي اضطرت النيابة العامة إلى تقديم لوائح اتهام فيها ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بتهم الرشوة وخيانة الأمانة والغش.

كذلك يعالج هذا البحث هذه القضايا من حيث تفاعلاتها إعلامياً في الصحافة التقليدية ووسائل الإعلام الجديد، وقد أتاحت هذه الأخيرة للمتلقي أن يؤدي دور المرسل أيضاً.

أولاً: مدخل إلى التحولات في الإعلام الإسرائيلي ووسائله

يؤدي الإعلام في إسرائيل دوراً فعالاً لا على المستوى الشعبي فحسب، بل على مستوى القرار بصناعه وصناعته أيضاً. وليس أدل على ذلك من استخدام الإعلام بحلتيه القديمة والجديدة من رئيس أربع حكومات متعاقبة في إسرائيل هو بنيامين نتنياهو. وتكاد قصة شبكة التلفزة i24NEWS تكون شاهداً مهماً إلى جانب صحيفة «يسرائيل هيوم» (Israel Hayom)، بالإضافة طبعاً إلى آلية استخدامه الإعلام الجديد New Media)i) من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (Social Media). لقد طرأ تطور وصل إلى حد التحول في مسار الإعلام الإسرائيلي خلال العقد الأخير، وبلغ ذروته في سنة 2016، إذ يعزو المراقبون والباحثون في الشأن الإعلامي الإسرائيلي ذلك إلى تطور الأداة الإعلامية بفضل تطور وسعة انتشار وفعالية الشبكة العنكبوتية (الإنترنت – Internet) التي أصبحت في متناول كل فرد تقريباً بفضل وسائل الاتصال الذكية، ومنصات التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) التي حولت الإعلام من أحادي الاتجاه إلى ثنائي الاتجاه، فقد أصبح المُرسِل هو المُستَقبِل، والمُستَقبِل هو المُرسِل أيضاً، وساعد في تنويع الرسائل المتبادلة كماً وكيفاً. وبقدر ما حمل هذا التحول من إيجابيات أتى أيضاً بسلبيات في كيان مصاب بهستيريا العنصرية والتفوق القومي، إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة لمهاجمة الآخر والتحريض عليه، وقد أشار تحقيق أعده المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، ومقره مدينة حيفا الساحلية، أن منشور كراهية وعنصرية وتحريض على العنف ضد الفلسطينيين صدر كل 66 ثانية على شبكات التواصل الاجتماعي في إسرائيل خلال سنة 2018.1

يبيّن تقرير المركز المتخصص برصد الخطاب العنصري والتمييزي على الإنترنت وتوثيقه في السنوات الثلاث الماضية (2016 – 2018) تصاعد مؤشري العنصرية والتحريض على شبكات التواصل الاجتماعي في إسرائيل، واللتين باتتا تؤديان دور وسيلة التواصل والإعلام الأولى في البلد، فقد رصد المركز وفق تقريره 474,250 منشوراً مشيناً وعنصرياً وتحريضياً ضد الفلسطينيين خلال سنة 2018.2

وما أكسب هذه الوسيلة أهمية متصاعدة لدى الشارع الإسرائيلي هو انضمام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال العقد الممتد من سنة 2009 إلى سنة 2019، وتحديداً خلال ولايته الرابعة رئيساً للحكومة، وطريقة استخدامها لترويج أغراضه السياسية، والتي امتدت من انتخابات آذار / مارس 2015 حتى الانتخابات المعادة في أيلول / سبتمبر 2019، وما تلا ذلك من تحريض ضد العرب داخل الخط الأخضر ممثلين في القائمة المشتركة للأحزاب العربية. فقد انضم نتنياهو لاعباً مؤثراً من خلال توظيف صفحته على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً تويتر وفيسبوك، لمهاجمة خصومه من إعلاميين مخضرمين ونخب جمعت في ثناياها علية القوم والتحريض ضدهم، وتسويق نفسه وعائلته، ثم اليمين الصهيوني الذي يقوده ضحية لحملاتهم المزعومة. وقد أضفى هذا أهمية بالغة أفقدت وسائل الإعلام التقليدية في إسرائيل، أكانت صحفاً مطبوعة أم وسائل إعلام إلكترونية، كالتلفزيون والإذاعة، ريادتها لمصلحة الإعلام الرقمي.

ليس أدل على الأهمية التي يوليها نتنياهو للإعلام الجديد في إسرائيل من استئجاره خدمات ثلاثة مستشارين استراتيجيين للإعلام الجديد لحملته في الانتخابات التي جرت في نيسان / أبريل 2019 من دون أن يستعين بأي مستشار في مجال الإعلام القديم (الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية (كان)، 10 / 4 / 2019)، علماً بأن حزبه الليكود أطلق محطة تلفزة خاصة خلال أشهر الانتخابات لترويج سياسة الحزب ومهاجمة خصومه والتقليل من شأنهم وتحقيرهم، وقد وصل بثها إلى الجمهور من خلال الإنترنت (On line)، ومن خلال مواقع على منصات التواصل الاجتماعي. وكانت نسبة المشاهدة لنشرات الأخبار الرئيسية في القنوات التلفزيونية الثلاث الرئيسية قد وصلت إلى 14,2­% للقناة 12 (الثانية سابقاً) التي تشغلها شبكة كيشيت، و5,8­% للقناة 13 (العاشرة سابقاً) التي تشغلها شبكة ريشيت، و5,2­% للقناة 11 (الأولى الرسمية سابقاً) التي تشغلها شبكة كان، هيئة البث العام.3

للتدليل على حجم التأثير والاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي، فقد أشارت معطيات شركة Similar Web إلى أن الإسرائيليين دخلوا بواسطة الكومبيوترات المكتبية 380 مليون مرة على غوغل، و239 مليون مرة على فيسبوك، و227 مليون مرة على يوتيوب، و252 مليون مرة على غوغل، و154 مليون مرة على فيسبوك، و120,9 مليون مرة على يوتيوب، بواسطة الأجهزة النقالة، وهذا خلال الربع الأخير من سنة 2015 فقط. وهناك موقعان غير عبريين بين المواقع الإخبارية الإسرائيلية العشرة الأشهر التي يرتادها المواطنون، وهما موقع Panet باللغة العربية، وموقع OK.ru باللغة الروسية، وبقية المواقع باللغة العبرية.4 وجاءت البقية الباقية التي تصدرت القائمة بالترتيب بحسب الأكثر شعبية وفق الدراسة إياها للفترة نفسها ما يلي: موقع ynet ا(88,3 مليون مرة خلال الكومبيوترات المكتبية، و52,5 مليون مرة من خلال الأجهزة النقالة)، walla، اthe marker ،globes ،nana ،haaretz ،mako،ا calcalist msn،ا nrg ا(10 ملايين مرة من خلال الكومبيوترات المكتبية و4,7 ملايين مرة من خلال الأجهزة النقالة).

وهكذا بعد نحو قرن من انطلاق الصحافة العبرية في فلسطين التاريخية وازدهارها في عهد الدولة العبرية، وبعد نحو سبعة عقود من إنشاء دولة إسرائيل، تجد الصحافة التقليدية نفسها أمام معضلة صراع البقاء. وهذا على الرغم من عددها الكبير، إذ توجد نحو 100 محطة إذاعة بين رسمية وقطرية وغير مرخصة. أمّا هيئة البث العام الإسرائيلي / تأغيد هشيدور هيسرائيلي / Israeli Public Broadcasting Corporation التي حلت مكان سلطة البث الرسمي / رشوت هشيدور هتسيبوري / Israel Broadcasting Authority، وتعمل تحت الاسم المختصر كان (Kan) بالعبرية، ومكان (Makan) بالعربية، فتشغل ثلاث محطات تلفزة، إحداها تبث باللغة العربية، وثماني محطات إذاعة تابعة لصوت إسرائيل تبث أيضاً بالنظام الرقمي (ديجيتال)، واحدة منها باللغة العربية. وتشرف سلطة البث الثانية للإذاعة والتلفزيون على ثماني محطات تلفزة تجارية وخاصة، هي: القنوات 12، 13، 20، 9 / بالروسية، 24 / موسيقى، موريشت / تراث، هلا / بالعربية، i24News باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، بالإضافة إلى 14 محطة إذاعة محلية وقطرية.

تعمل في إسرائيل ست شركات تنقل وتوزع وتبيع البث كخدمات تلفزيونية متعددة القنوات للمستهلكين، ويزيد عدد المشاركين فيها من المنازل على 90­%.

صدرت في إسرائيل منذ إقامتها 85 صحيفة يومية (51 باللغة العبرية، 10 باللغة العربية، 7 باللغة الإنكليزية، 5 باللغة الروسية، 5 باللغة الفرنسية، 1 باللغة البلغارية، 1 باللغة الألمانية، 1 باللغة الهنغارية، 1 باللغة الييديشية، 1 باللغة البولندية، 2 باللغة الرومانية )، منها 24 صحيفة صدرت في العقد الأول لتأسيس إسرائيل، وكانت تصدر فيها حتى سنة 1948 ثلاث عشرة صحيفة يومية، منها 8 حزبية والباقية تجارية، وهي: «هآرتس»؛ «يديعوت أحرونوت»؛ «معاريف»؛ Jerusalem Post (كان اسمها قبل قيام إسرائيل Palestine Post)؛ «الاتحاد» (باللغة العربية ناطقة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، ولا تزال هذه الصحف الخمس مستمرة حتى يومنا هذا، إذ يبلغ عدد الصحف اليومية 17 صحيفة فقط صدرت في سنة 2018.5 وتشغل أربع عشرة صحيفة منها مواقع ومنصات إخبارية على شبكة الإنترنت / الشبكة العنكبوتية، ومن أبرزها: ynet (يتبع صحيفة «يديعوت أحرونوت»)، nrg ( يتبع صحيفة «معاريف»)، Haaretz (يتبع صحيفة «هآرتس»)، walla (وكالة أخبار). وكان مالك صحيفة «هآرتس» أول مَن أقام موقعاً صحافياً إلكترونياً في سنة 1996 وأطلق عليه اسم IOL، ثم في سنة 2000 أقامت صحيفة «يديعوت أحرونوت» موقعها Ynet.

تم تنظيم العلاقة بين السلطة والصحافة بتبنّي مبدأ الرقابة الذاتية بالإرادة، إذ شُكلت لجنة رؤساء التحرير التي ضمت ممثلين عن وسائل الإعلام المتعددة بعد أن تعهدوا بعدم إفشاء أي أسرار للرأي العام من شأنها المساس بأمن الدولة، في مقابل حصولهم على معلومات وإحاطات صحافية من كبار المسؤولين.

يُشكل تموز / يوليو 2016 مفترق الطرق بالنسبة إلى البث الحي بواسطة الفيديو. في الإنترنت (live Video)، البث الحي على الإنترنت الذي أثر سلباً في التلفزة.6 وكانت الحادثة الأولى عالمياً، عندما تمكنت صديقة فينلاندو كاستيل، وهو شاب من ذوي البشرة الملونة من مينيسوتا في الولايات المتحدة الأميركية، من تصوير ونقل إطلاق الشرطة النار عليه داخل سيارته، فقد ظل ينازع على الهواء عشر دقائق حتى فارق الحياة. وقد وصل البث الحي في لحظة حدوث الواقعة إلى عشرات الآلاف بالصوت والصورة، وإلى عشرات الملايين في اليوم التالي، الذين عقبوا وتشاركوا مع زملائهم فيما يجري، وقد اخترق ذلك حدود الفيسبوك، ووصل إلى نشرات الأخبار في محطات التلفزة التي كررت بثه، وأشعل بالتالي سلسلة تظاهرات وصدامات بين ذوي البشرة الملونة والشرطة في الولايات المتحدة.

تمثل الحدث الثاني الذي عزز هذا التحول في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في الخامس عشر من الشهر نفسه والسنة ذاتها، عندما خرجت الجماهير إلى الشوارع، وقام المشاركون أنفسهم مع زملائهم ببث حي ومباشر يطالبون فيه ببقاء الرئيس أردوغان، معلنين معارضتهم للانقلابيين. وكان أردوغان نفسه قد استفاد ووظف هذه التقنية للوصول إلى الجماهير والعالم من خلال محادثة على الهاتف النقال كانت بالبث الحي مع مراسلة CNN Turk.

جسد الحدثان ذروة تراجع وسائل الإعلام التقليدية لاحتكار الرواية الصحافية، وخصوصاً من وجهة النظر الرسمية الإسرائيلية، والتي كانت قد بدأت تؤتي أُكلها في الأسابيع الثلاثة الأولى من انتفاضة الأقصى، فقد اضطرت وسائل الإعلام، ولا سيما الصحف المطبوعة اليومية الإسرائيلية، إلى نقل صور وأخبار إلى جمهورها الإسرائيلي مغايرة لما أرادت المؤسسة الرسمية، ممثلة في رئيس الحكومة في حينه إيهود براك، ترسيخه في ذهن الإسرائيليين من أن العنف تفجر لأن الزعيم الفلسطيني عرفات والفلسطينيين بصورة عامة لا يريدون السلام مع الإسرائيليين.7

كان احتكار وسائل الإعلام الرسمية الإسرائيلية الرواية الصحافية، وخصوصاً في الأحداث الأمنية، والمتعلق منها بتفصيلات الصراع العربي – الإسرائيلي، قد بدأ بالتراجع بشكل ملحوظ مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى أيلول / سبتمبر 2000)، فقد نقلت كثيراً من أحداثها المؤثرة بالبث الحي بالصوت والصورة إلى المشاهدين والمستمعين عبر الفضائيات وأجهزة التلفاز، وتحديداً فضائيات العربية والجزيرة وأبو ظبي والإم بي سي.8

بلغ هذا الأمر ذروته في الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان في تموز / يوليو 2006، فقد نشطت وسائل إعلام عربية وعالمية ميدانياً على جانبي الحدود، ونقلت رواية مختلفة فندت في كثير من الأحوال الرواية الرسمية الإسرائيلية التي روجتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، وشكلت مصدراً موثوقاً به في كثير من الوقائع. وتسبب تراجع احتكار الإعلام الإسرائيلي الرواية الصحافية للأحداث بحرج للسلطات الرسمية، الأمر الذي دفع بها إلى ملاحقة الصحافيين ومحاولة تقييد نشاطهم، مثلما جرى مع طواقم صحافية عربية وأجنبية، أبرزها احتجاز طواقم قناة الجزيرة خلال هذه الحرب، والاعتداء عليهم تحت بصر الشرطة الإسرائيلية وسمعها في مدينة أشدود خلال تغطيتهم أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة / واعتداء سلاح البحرية الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية التي كانت تقود القافلة وتنقل المتضامنين في 31 أيار / مايو 2010. وتوالى ذلك في الحروب الإسرائيلية على غزة في الفترة 2008 / 2009، و2012، و2014، ومسيرات العودة التي انطلقت في 30 آذار / مارس 2018 وتخللتها نحو عشر مواجهات مسلحة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي في عامها الأول.

أدت تلك التحولات والتداعيات كلها، سواء الموضوعية منها أو الذاتية المتعلقة بالشأن الإسرائيلي الداخلي وحسابات الربح والخسارة لدى الممولين وصناع القرار، إلى إجراء تحولات لخدمة الدعاية الخاصة والعامة في معاركهم الداخلية والخارجية.

أ) تحول بفعل التطور

بدأت تحولات دراماتيكية في سوق الإعلام الإسرائيلية على هذه الخلفية، وبلغت ذروتها في منتصف سنة 2019، بين شركات الكوابل التي تنشط في نقل البث التلفزيوني وتوزيعه، وخصوصاً هوت (HOT) ويس (YES) المتعاونتين مع شركات الاتصالات الجوالة الكبرى، وتحديداً بارتنر (Partner)، وسيلكوم (Cellcom)، وبيلفون (Pelephone)، إلخ. لقد تمثلت بصورة خاصة في بدء شركات نقل البث التلفزيوني وتوزيعه الانتقال إلى البث من خلال الإنترنت. وشكلت استعدادات شركة هوت وإعلانها بدء بث تلفزيون ذكي، يتيح لزبائنها مشاهدة بثها من خلال الإنترنت، حافزاً دفع منافسيها في شركة بارتنر إلى العودة لتزويد زبائنها بخدمة نيتفليكس (Netflix)، بينما اضطرت شركة ستينغ (STING TV) المنبثقة من شركة يس إلى تخفيض أسعارها.9

انتقلت بذلك المنافسة في مجال خدمات التلفزة إلى مرحلة جديدة. وجسد الإجراء التجريبي الذي أقدمت عليه شركة هوت التعقيدات أمام شركات الكوابل في إسرائيل والعالم بصورة عامة، إذ يريد المستخدم خدمة تلفزيونية متطورة وودية بواسطة الإنترنت، وهو ما يؤشر إلى أن البث التلفزيوني في مجمله سينتقل إلى الإنترنت في وقت لاحق وربما قريباً جداً. وكانت الإذاعات هي الأُخرى قد سرعت عملية بثها من خلال الإنترنت (Online). كذلك انتشرت المواقع والاعتماد على المنصات المتعددة، وأشارت معطيات شركة Similar Web المتخصصة بتحليل أولويات المتصفحين والمستخدمين للإنترنت إلى أنه في الربع الأول من سنة 2015 استخدم الإسرائيليون 380 مليون مرة موقع غوغل، و239 مليون مرة موقع الفيسبوك.10

كشف التقرير السنوي لشركة الاتصالات بيزك لسنة 2018 الذي تم عرضه في مؤتمر البنى التحتية 2030، الذي نظمته الصحيفة الاقتصادية «كلكاليست» (Calcalist) التابعة لصحيفة «هآرتس»، أن الإسرائيليين أدمنوا الإنترنت،11 إذ أشار إلى أن عدد مستهلكي الإنترنت في إسرائيل يصل إلى 6,6 ملايين مستخدم، وشكل ذلك ارتفاعاً سنوياً بما نسبته 30­%. وكان اللافت في ذلك أن نسبة مستخدمي الأخبار من خلال تصفح منصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت قد تراجعت من 48­% في سنة 2017 إلى 37­% في سنة 2018، وأن 50­% من المتصفحين قالوا إن تغريدات الصحافيين ورسائلهم النصية غير أمينة، بينما تصدّر تطبيق واتس آب (WhatsApp) الأفضلية لدى المتصفحين / المستخدمين الإسرائيليين، فقد قال 78­% أنهم لا يستطيعون التخلي عنه، تلاه تطبيق ويز (Waze)ا 47­%i، ثم الفسيبوك (i(Facebookا 40­%i، ولم تحظَ مواقع الأخبار سوى بـ 7­%.12

لم يتوقف التحول الجاري على سوق التلفزة والإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي في إسرائيل فحسب، بل انسحب أيضاً على سوق الكتب والقراءة، إذ إن تداعيات الثورة الرقمية وثورة الاتصالات في إسرائيل، التي تُعتبر دولة سيبرانية عظمى (Cyber super power)، مثلما ردد رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في افتتاح المؤتمر السيبراني (Cyber week) الذي عُقد خلال 23 – 27 حزيران / يونيو 2019 بمشاركة 8000 خبير من 80 دولة بينهم 400 متحدث وشمل 50 نشاطاً، أدت هذه التطورات على أهميتها إلى تناقص حجم مبيعات الكتب، فقد بلغ حجم مبيعاتها سنة 2009 نحو ستة ملايين كتاب، وتراجعت سنة 2018 إلى أربعـة ملايين كتاب فقط، وكان ذلك انعكاساً للحالة العالمية أيضاً، إذ إن قراء الكتب يُكثرون من تصفح الهواتف الذكية على حساب قراءة الكتاب،13 علماً بأن المعطيات التي نشرتها المكتبة الوطنية عشية أسبوع الكتاب في حزيران / يونيو 2019 أشارت إلى أن إصدارات الكتب في إسرائيل سجلت سنة 2018 زيادة قدرها 879 كتاباً جديداً عما كانت عليه في سنة 2017، وزاد عدد الكتب في إسرائيل خلال العقد الأخير بنسبة 35­­%، إذ صدر فيها 8571 كتاباً جديداً خلال سنة 2018، بينما صدر فيها 6326 كتاباً في سنة 2008.14

وقد صدرت الكتب الإسرائيلية باثنتين وعشرين لغة خلال سنة 2018، بينها 91­% صدرت باللغة العبرية، وباللغة الإنكليزية 3,9­%، وباللغة العربية 2,9­%، وباللغة الروسية 1,1­% والباقية توزعت على لغات، مثل الفرنسية والألمانية والهولندية والرومانية.

ب) هيئة البث بدلاً من سلطة البث

كان إلغاء سلطة البث الرسمي الإسرائيلي، وتشكيل هيئة البث العام الإسرائيلي أبرز التحولات، إذ شكل الإعلام نفسه في إسرائيل موضوعاً مركزياً سنة 2016 استحوذ على اهتمام واسع، كان في طليعته مصير البث العام (Public Broadcasting)، فقد كشف الجمهور الإسرائيلي، ولأول مرة، جهود رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لإفشال إقامة هيئة البث العام الإسرائيلي والتي حلت مكان سلطة البث الرسمي، إذ خلافاً لقرار حكومته التي تبنت تقرير لجنة لندس (Landes Committee) في أيار / مايو 2014، ودعت إلى إغلاق سلطة البث وإقامة هيئة البث، سن الكنيست قانوناً في تموز / يوليو 2014، على الرغم من أن نتنياهو عمل جاهداً من أجل إلغاء هيئة البث وترميم سلطة البث التي حظيت بدعم وتأييد العديد من وزراء حكومته ونواب حزبه الليكود في الكنيست، وكان وزير المالية موشيه كحلون الوحيد المعارض، وبلغ الأمر درجة التهديد بفرط عقد الائتلاف الحاكم، فقد ازدادت المؤشرات إلى أن نتنياهو إنما يريد بذلك تعظيم سيطرته على وسائل الإعلام للحد من قدرتها على انتقاد سياسات حكومته.15

أثار التصريح الذي نُسب إلى وزيرة الثقافة ميري ريغف «ماذا تسوى الهيئة إذا لم نكن نسيطر عليها! والوزير يجب أن يحكم، لِمَ نضع لهم المال وهم عندها يبثون ما يريدون؟» وكان هذا التصريح قد أثار مخاوف كبيرة من المساس بحرية الصحافة بصورة خاصة، والبث والحرية العامة بصورة عامة. وظل الموضوع مقلقاً للإعلام.16

أُقيمت هيئة البث الإسرائيلي العام (تأغيد هشيدور هيسرائيلي / –Israeli Public Broadcasting Corporation) بموجب قانون سنه الكنيست لتحل مكان سلطة البث (رشوت هشيدور هتسيبوري / Israeli Broadcasting Authority- IBA)، إذ قضى القانون بإغلاقها. وبدأت هذه الهيئة بثها في 15 / 5 / 2017 في التلفزة والإذاعة باللغتين العبرية تحت اسم كان، وتحت اسم مكان بالعربية. وتشغل الهيئة ثلاث قنوات تلفزيونية وثماني محطات إذاعة، وتبث مضامين رقمية (ديجيتال) على منصات، مثل: فيسبوك، ويوتيوب، وإينستغرام ديجيتال على الإنترنت.

حاول نتنياهو بكل جهده حتى آذار / مارس 2017 منع ذلك، لكن جهوده ومحاولاته اصطدمت بمعارضة شديدة من وزير المالية موشيه كحلون، وكان سبب الخلاف يدور حول إعلاميين كبار مؤثرين مرشحين للانتقال من السلطة إلى الهيئة، رغب نتنياهو في التخلص منهم، إذ عارض وجودهم وأراد دفنهم في السلطة القديمة. لقد تكاثرت في سنة 2016 الأنباء عن أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والعديد من وزراء ونواب وقادة حزبه الحاكم الليكود يخشون من أن يفقدهم ذلك نفوذهم في سلطة البث ولا يقوون على التأثير في الهيئة الجديدة.17

سن الكنيست قانوناً كحل وسط، وقضى بإرجاء بدء البث على الهواء إلى 15 أيار / مايو 2017، وفصل دائرة الأخبار لتعمل كجسم مستقل عن الهيئة. بيد أن المحكمة العليا وبعد التماسات أصدرت قراراً قضى بتأخير تنفيذ القانون، وخيمت خلافات في حينه بشأن تخصيص ساعات بث للتلفزة التعليمية التي كانت تشغل حيزاً زمنياً في إطار ساعات بث القناة الأولى الرسمية في سلطة البث، فقد كانت التلفزة التعليمية أول محطة تلفزة تبث في إسرائيل وذلك في 24 آذار / مارس 1966، وتم دمجها وتخصيص حيز زمني لها ضمن التلفزيون الرسمي الذي انطلق بثه في أيار / مايو 1968. وكان الخلاف قد تفاعل بعد أن تجاهلتها الهيئة الجديدة وبثت في أيامها الأولى من دون تخصيص حيز زمني لبث التلفزيون التعليمي، كما كانت الحال في عهد سلطة البث والقناة الأولى.

تم التوصل إلى تسوية مع العاملين في التلفزة التعليمية قضت بتخصيص ساعات بث محددة بين الساعة 12:00 إلى الساعة 17:00 من ساعات بث قناة التلفزة الأولى كان 11، وأوقفت الهيئة في 3 آب / أغسطس البث التعليمي في القناة المذكورة بعد عرض العاملين «شريحة احتجاجية» على الشاشة خلال ساعات البث المخصصة لهم.

انطلقت هيئة البث رسمياً ببثها المتلفز على قناة التلفزة كان 11 في 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2017 ببث بتقنية 4K، وذلك بدلاً من القناة الأولى التي كانت قناة التلفزة الرسمية حتى تاريخه.

ج) نهاية القناة الثانية والعاشرة

انعكس التحول الثالث في توقف القناة الثانية عن البث بعد أربع وعشرين عاماً من انطلاقها، وأصبحت تبث تحت اسم القناة 12 (Channel 12)، وذلك في 31 تشرين الأول / أكتوبر 2017 على الرغم مما حققته من نجاح كبير وتأثير أقلق صناع القرار في تل أبيب، وخصوصاً في اليمين الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو. وكانت هذه القناة تشغّل وتدير شركة الأخبار المكونة من ثلاث شركات إنتاج هي: كيشيت وريشيت وتلعاد (Keshet, Reshet, Telad)، بموجب امتيازات تحصل عليها من الدولة في مناقصات تجريها، وانسحبت شركة تلعاد في سنة 2005 بعد خسارتها في مناقصة خاصة بالسلطة الثانية للبث، وهكذا اقتصر الامتياز على الشركتين الباقيتين، وهما شركتا الإنتاج كيشيت وريشيت.18 وحظيتا فيما بعد بتراخيص البث المستقل لكل منهما على قناة مختلفة ابتداء من تشرين الأول / أكتوبر2017، فقد حصلت شركة كيشيت على تشغيل القناة 12 البديلة من القناة الثانية. أمّا شركة ريشيت فحظيت بتشغيل القناة 13، وهي بدلاً من القناة العاشرة التي جرى دمجها في شركة ريشيت. وجاء ذلك على خلفية انتهاء الامتياز الممنوح لهما، والذي أصبح سارياً في سنة 2017.

كان هناك مشروع قانون تداوله الكنيست في نهايات سنة 2014 قد قضى بتقسيم القناة الثانية من خلال اقتراح تقديم فترة الامتياز الممنوحة للشركات المشغلة من سنة 2017 إلى سنة 2015، وذلك على نحو يتيح للحاصلين على الامتياز العمل بقنوات بث منفصلة.

تلخص جوهر مشروع القانون هذا في إغلاق القناة الثانية في هيئتها السارية حتى سنة 2015، وأتاحت المجال أمام كل شركة مشغلة للعمل بشكل منفرد. فقد كانت حكومة نتنياهو تخشى من تعاظم تأثير القناة الثانية وقوتها في الشارع الإسرائيلي، واعتبرتها مناوئة لتوجهات رئيس الحكومة زعيم اليمين. وكان هذا هو الدافع الخفي وراء محاولة تبكير عملية إنهاء الامتياز وفصل عرى التعاون والشراكة بين الشركتين المشغلتين. وكسر شوكة احتكار القناة الثانية التي تحولت إلى «قوة إعلامية عظمى»،19 فقد سعى نتنياهو لإنهاء تعاظم نفوذ القناة الثانية وقوتها وتأثيرها لما اكتسبته من شعبية لدى الإسرائيليين، وعجز القناة العاشرة ووسائل الإعلام الرسمية عن المنافسة وعن مجاراتها، وهو ما ألحق بهما من خسائر مالية كادت تقضي عليهما بالكامل، علماً بأن القناة العاشرة كانت هي الأُخرى جزءاً من سلطة البث الثانية.20

لكن الشركتين المشغلتين للقناة الثانية أعلنتا نيتهما الاستمرار في العمل معاً حتى نهاية فترة الامتياز في سنة 2017، وهو ما أدى إلى تعليق مشروع القانون. وكانت الشركتان تتقاسمان أيام الأسبوع في إشغال الحيز الزمني للبث من خلال إنتاج منفصل، بينما أقامت القناة الثانية «شركة الأخبار» الخاصة بها، وقد ذاع صيتها، إلاّ إنه اتضح فيما بعد أن شركة ريشيت تقدمت في 13 تشرين الأول / أكتوبر 2016 بطلب للحصول على ترخيص للبث طوال أيام الأسبوع، الأمر الذي دفع بالشركة الثانية كيشيت إلى تقديم طلب مشابه.21

هكذا ونتيجة الانقسام في القناة الثانية في 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2017 انتقلت شركتا الإنتاج كيشيت وريشيت للبث بتراخيص منفصلة بنظام HD شرط عدم استخدام رقم القناة الثانية. وجرت منافسة بشأن أرقام القنوات، تمحورت حول الرقم 12، الذي بيّنت الدراسات والاستطلاعات أن أكثر من نصف المشاهدين يفضلونه عن الرقمين 13 و14، لسهولة النقر على العددين واحد واثنين المتجاورين على جهاز التحكم عن بعد، كما أنه يذكّر بالقناة الثانية، وحظيت به شركة كيشيت فنقلت إليه بثها واستقرت عليه مع شركة الأخبار التابعة للقناة الثانية التي خدمت كيشيت وريشيت في المرحلة الانتقالية إلى أن امتزجت في القناة العاشرة التي كانت في حينه تحتل الرقم 14. وقد امتزجتا في قناة واحدة حملت الرقم 13، الذي كان من نصيب ريشيت، وتقرر منع استخدام الرقم 22 لأربعة أشهر من الانقسام والتوزيع الجديد.22

تمكن نتنياهو بذلك من تصفية قناة تلفزة قوية وإحياء قناة كانت على حافة التلاشي. وحظي بقناتين أقل قوة وتأثيراً في عصر الإعلام الجديد. وليس أدل على ذلك من تدني نسب المشاهدة لنشرات الأخبار إلى 14,2­% للقناة 12 كيشيت، و5,8­% للقناة 13 ريشيت، وإلى 5,2­% للقناة 11 كان، وتراجعت نسبة المشاهدة لأكثر البرامج شعبية إلى 13,5­% في كيشيت، وإلى 7,1­% في ريشيت، وإلى 5,6­% في كان.23

د) صحيفة «يسرائيل هيوم» (Israel Hayom)

تجسد التحول الرابع في ظهور صحيفة «يسرائيل هيوم» وهي صحيفة يومية توزع مجاناً، بدأ صدورها في 30 / 7 / 2007، تملكها شركة Israel LLC Media التابعة لأحد أبرز أباطرة المال اليهود في الولايات المتحدة شلدون إيدلسون، وجاءت موالية وداعمة لرئيس الحكومة نتنياهو. وتقدمت مجموعة من أعضاء الكنيست بمشروع قانون لتعديل أمر الصحافة على نحو نص على أن تكون ملكية الصحيفة الإسرائيلية مقصورة على مواطنين وسكان إسرائيليين فقط. وكان الهدف إلغاء ملكية وتمويل إيدلسون الأميركي الجنسية وغير المقيم بإسرائيل لصحيفة «يسرائيل هيوم». وتم نسب المبادرة إلى أرنون موزس مالك صحيفة «يديعوت أحرونوت» وعوفر نمرودي مالك صحيفة «معاريف»، لأن صحيفتيهما تأثرتا سلباً من توزيع الصحيفة من دون مقابل وسرعة انتشارها. وقدمت عضو الكنيست مرينا سولودكين في سنة 2010 مشروع قانون خاص يمنع مدة عام من توزيع صحف بلا مقابل، لكن الائتلاف أسقطه، ثم قدم أعضاء كنيست من الائتلاف والمعارضة في آذار / مارس 2014 مشروع قانون مشترك لتعديل أمر الصحافة، يقضي بحظر توزيع أي صحيفة يومية من دون مقابل ووجوب بيعها بمبلغ لا يقل عن 70­% من الثمن المحدد للصحف اليومية. واستهدف المشروع صحيفة «يسرائيل هيوم» بصورة خاصة، وقد مر بالقراءة التمهيدية أن تقديم الانتخابات البرلمانية بمبادرة من رئيس الحكومة نتنياهو قطع الطريق، وكان ذلك من بين أهدافه.24

وكان سلفه رئيس الحكومة إيهود أولمرت قد وجه انتقاداً لاذعاً إلى إيدلسون، واتهم الصحيفة بأنها موجهة ومجندة لمصلحة نتنياهو، كما شبهها أفيغدور ليبرمان زعيم حزب يسرائيل بتينو بالصحيفة السوفياتية «برافدا»، وبأنها صحيفة شخصية وليست أيديولوجية. وتوقف الأديب إيهود بن عيزر عن كتابة عموده الخاص فيها بعد أن شُطبت مقالة رأي كتبها جاءت مؤيدة لأولمرت رئيس الحكومة في حينه. وأتاح ذلك لنتنياهو التأثير بشكل لافت في سوق الصحف المطبوعة. وقد تحول الحد من انتشارها إلى قضية فساد تلاحقه في المحاكم، خلاصتها أنه ساوم مالك صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إذ تفجرت في كانون الثاني / يناير 2017 القضية 2000 بعد أن أجرت الشرطة تحقيقاً تحت التحذير مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومالك صحيفة «يديعوت أحرونوت» أرنون موزس، فقد ضُبطت تسجيلات صوتية عن مساومات بينهما، وعد فيها موزس بتغطية أخبار نتنياهو بشكل مؤيد ومتعاطف وتعيين صحافيين مؤيدين له في صحيفته، إذا حد من رواج «يسرائيل هيوم» وانتشارها وأوقف توزيعها من دون مقابل، وهو ما كان قد أثر سلباً في رواج صحيفته وألحق بها خسائر مالية.

هـ) i24NEWS البث لمصلحة نتنياهو

جاءت شبكة التلفزة هذه كتعزيز للتحول السابق لمصلحة نتنياهو. وكانت i24NEWS شبكة تلفزة تبث باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، أقامها الثريان اليهوديان، باتريك درهي مالك شركة البث بالكوابل هوت، وفرانك ملول وهو مستشار سابق للحكومة الفرنسية، وكان مسؤولاً كبيراً في قناة الأخبار الفرنسية (France 24). وكانت هذه الشبكة تبث من مقرها في ميناء يافا ومن نيويورك أيضاً. وقد أقيمت سنة 2013 «كرد إسرائيلي على قناة الجزيرة.»25

لكن في سنة 2017 تبيّن أن شعبيتها قليلة وغير مشجعة، فشرع القائمون عليها في إقامة قناة تبث باللغة العبرية أيضاً لجذب الجمهور الإسرائيلي، وكانت الوسيلة هي: «النفاق لرئيس الحكومة نتنياهو.» وصدرت توجيهات بضرورة اللطافة بالتعامل مع أخبار نتنياهو، وبحسب تحقيق لصحيفة «هآرتس» تجسد الأمر في عدم استضافة نقاد لنتنياهو، وإلغاء كل برنامج مشتبه في يساريته، وعدم انتقاد رئيس الحكومة بشكل فظ. وكانت النتيجة مغادرة عدد من كبار العاملين فيها بشكل مثير للدهشة. وهذه التطورات جميعها، كما قال أحد المسؤولين، «جعلت من هذه القناة لا قناة للترويج لإسرائيل، وإنما قناة موالية لنتنياهو.»26

ثانياً: الإعلام الجديد: شبكات التواصل الاجتماعي - التحول الأعظم

تشير آخر التقارير لسنة 2017 إلى أن لدى الإسرائيليين 10,5 ملايين جهاز هاتف محمول، أكثر من عدد سكان إسرائيل بحسب دائرة الإحصاء الإسرائيلية والبالغ نحو 8,6 ملايين نسمة للسنة نفسها، وهي بذلك تحتل المركز 88 عالمياً، وأن 78,9­% من سكانها متصلين بالشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، ويزيد العدد العام للمستخدمين في البلد على ستة ملايين مستخدم، وهو ما يضعها في الترتيب 33 عالمياً، إذ إنها تتقدم على دول عديدة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل: إسبانيا؛ سلوفانيا؛ هنغاريا؛ اليونان؛ إيطاليا. لكنها تأتي بعد لتفيا، والتشيك، والكويت، ودولة الإمارات المتحدة، وقطر.

وكانت نسبة المتصلين بالإنترنت في السنة السابقة، ووفقاً للمصدر نفسه، قد بلغت في إسرائيل 71,6­% من إجمالي عدد السكان، وشكلت زيادة قدرها 368,8­% عما كانت عليه خلال الفترة 2000 – 2016.27

ليس أدل على الأهمية التي بلغتها شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة إعلام مؤثرة فيما فعله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مرشح اليمين لرئاسة الحكومة الجديدة في الانتخابات العامة الأخيرة للكنيست الحادي والعشرين والثاني والعشرين، والتي جرت في 9 نيسان / أبريل 2019 وفي 17 أيلول / سبتمبر من السنة نفسها. فقد استأجر نتنياهو إلى جانبه ثلاثة مستشارين استراتيجيين في مجال الإعلام الرقمي، ولم يشغّل أي مستشار في مجال الإعلام التقليدي.28

أضف إلى ذلك نشاط نجله يائير على السوشيال ميديا، إذ دخل في سجال مع ابن زعيم المعارضة البريطانية زعيم حزب العمال تومي كوربين على خلفية التصعيد في غزة بتاريخ 5 و6 أيار / مايو 2019، وقد انضم دونالد ترامب جونيور نجل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جانب نتنياهو الابن، وكذلك فعل إدواردو نجل رئيس البرازيل جاير بولسونرو، فقد تجند هو الآخر إلى جانب نتنياهو الابن، وقد حصدت تغريدة كوربين الابن أكثر من ألف مشاركة في يومها الأول.29

وكان السجال قد دار على صفحات منصات تويتر عندما غرد نجل زعيم المعارضة البريطانية على صفحته «أن صبا أبو عرار رضيعة ابنة أربعة عشر شهراً ووالدتها قتلتا أمس ليلاً في هجوم إسرائيلي جوي على غزة، وعلى العالم أن يرى هذه الصور، وعلى العالم أن يغضب من هذه الصور، وعلى العالم أن يصحو ويعرب عن تضامنه مع الفلسطينيين، رحمكما الله، لتتحرر فلسطين.» فرد عليه نتنياهو الابن أن ما «قتل الرضيعة ووالدتها هو صاروخ أطلقته (حماس) وسقط داخل غزة، وأن أكثر من 600 صاروخ أُطلقت على إسرائيل وقتلت أربعة إسرائيليين منهم عربي مسلم، وأعرف أنك لست قلقاً بشأن اليهود الثلاثة الآخرين الذين قتلوا.» وقد سارع ترامب الابن، وكذلك بولسونرو الابن إلى مؤازرة نتنياهو الابن.

يذكّر ذلك باستخدام رئيس الحكومة نتنياهو الفيسبوك في انتخابات الكنيست (20 و21 و22)، وكان أبرزها في الانتخابات التي جرت في 17 آذار / مارس 2015، إذ نشر قبل ثماني ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع رسالة نصية مصورة حرض فيها الناخبين اليمينيين على الإسراع إلى الإدلاء بأصواتهم لمصلحته، تعبيراً عن قلق يساوره من أن النسبة المتدنية للمصوتين ستكون ضد مصلحته. وقد نشر نتنياهو فيديواً مصوراً «سيلفي له» يحرض فيه على الناخبين العرب في إسرائيل، ويحث في المقابل الناخبين اليهود، وتحديداً من أوساط اليمين، على الإدلاء بأصواتهم قبل إغلاق عملية الانتخاب، «لأن العرب يتدفقون في الحافلات على صناديق الاقتراع ويدلون بأصواتهم.»30

وقد كرر نتنياهو ذلك في معارك الانتخابات التالية في نيسان / أبريل 2019 وأيلول / سبتمبر من السنة نفسها. وهكذا نجح في تحريض الآلاف من الناخبين ودفعهم إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع والتصويت لمصلحته، ولمصلحة أحزاب اليمين الأُخرى، وضمن بذلك الفوز بولاية جديدة واستمرار حكمه، تماماً مثلما جرى معه في الانتخابات الأخيرة في نيسان / أبريل 2019. فقد تناقلت وسائل الإعلام المتعددة في إسرائيل، وفي مقدمها المواقع الإلكترونية الإخبارية الخاصة والفردية وأيضاً الصحافة الرقمية الأُخرى، ما كتبه نتنياهو، وهو ما أمّن انتشارها على أوسع نطاق ممكن لمصلحته (خلافاً لانتخابات سنة 2015، إذ أخفق نتنياهو في تأليف حكومة بعد الانتخابات في نيسان / أبريل 2019 وأيلول / سبتمبر من السنة نفسها).

أشار أحدث الاستطلاعات إلى أن أشهر المواقع في إسرائيل وأكثرها انتشاراً هو موقع Ynet التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الواسعة الانتشار، يليه موقع هتسينور، ثم الموقع الإخباري واللا. وبحسب استطلاع جمعية الإنترنت الإسرائيلية لسنة 2018 فإن 87­% من الإسرائيليين يلجون إلى الإنترنت من خلال الكومبيوترات والهواتف النقالة، وأن المنصات الأكثر شهرة واستخداماً في إسرائيل هي يوتيوب 87­%، واتس آب 84­%، فيسبوك 83­%، وقد وصل مجموع عدد المستخدمين سنة 2016 إلى 4,9 ملايين يشكلون نحو 60­% من العدد الإجمالي للسكان (بحسب نتائج دراسة أجرتها شركة الاتصالات العامة بيزك في سنة 2016 عن واقع استخدام الإنترنت في إسرائيل، وأيضاً معطيات بشأن استخدام الفيسبوك لسنة 2016 نشرها موقع نقودات شيفوك في الفيسبوك، 15 / 5 / 2016).

يشير ما تقدم إلى سرد التطورات والتحولات المهمة التي طرأت على سوق وسائل الإعلام في إسرائيل في مجالاتها كافة، وقد تواصل هذا التحول على مدار السنوات الثلاث التي تلت إجراء تلك الدراسات، وشكلت بذلك تغييرات اقتصادية، ومجتمعية، وثقافية، وسياسية، تنبع في الأساس من توسع نطاق وتعميق وتنويع استخدامات التقنيات الرقمية «تكنولوجيا الديجيتال» كوسائل اتصال ثنائية الاتجاه (وسائل الاتصال المجتمعية/ Social Communications)، وليست وحيدة الاتجاه من المرسل إلى المستقبِل كما هي الحال في وسائل الإعلام التقليدية (وسائل الاتصال الجماهيري/Mass Communications).

انعكس ذلك على مناحي الحياة كافة. وعلى الرغم من أن حدة الحوار كشفت عن عورة هذه الوسيلة، أي التواصل الاجتماعي، وخطرها في مجالي الكراهية والتحريض، فقد كُشف مؤشرا العنصرية والتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي في إسرائيل في تقرير رصد من خلاله المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، ومقره مدينة حيفا الساحلية، تصاعد الظاهرة بشكل لافت على خلفية سن قانون الدولة القومية لليهود، الذي أعلن إسرائيل دولة لليهود وحط من شأن اللغة العربية، خلافاً لوثيقة الاستقلال التي نصت عليها كلغة رسمية. فقد تبين أن 474,250 منشور كراهية مشيناً وعنصرياً وتحريضياً على العنف ضد الفلسطينيين حملتها المواقع الإسرائيلية وروجتها في سنة 2018، أي بمعدل منشور واحد كل 66 ثانية، وأن 66­% منها كانت على منصة فيسبوك و16­% على تويتر، وأنها تركزت بصورة خاصة على صفحات المواقع الإخبارية والجماعات اليمينية اليهودية.31

يشير ذلك إلى تصاعد الكراهية والتحريض والعنصرية مقارنة بما جرى تسجيله في سنوات سابقة، بفعل الانتشار الواسع لوسائل الاتصال في إسرائيل، والتي أصبحت تشكل الإعلام الجديد «النيو ميديا»، إذ جرى تسجيل 175 ألف دعوة إلى العنف والكراهية في إسرائيل ضد العرب والفلسطينيين تحديداً، وذلك في الفترة الممتدة بين حزيران / يونيو 2015 حتى أيار / مايو 2016.

حمل ثلث هذه الدعوات عبارات، مثل «سأقتل»، وتركز حوار الكراهية والعنصرية بشكل لافت في المجالات السياسية، فكان 50­% منه ضد العرب، و20­% ضد اليساريين، و15­% ضد المثليين، و5­% ضد منح ملجأ للغرباء، و10­% ضد باقي المجتمع. كذلك بيّن تقرير أن دعوة إلى العنف انتشرت على شبكات التواصل في إسرائيل كل ثلاث دقائق، وأن هذه الفترة شهدت 115 ألف دعوة إلى العنف غير المباشر، مثل «يجب التنفيذ...»، و60 ألف دعوة إلى عنف مباشر، مثل «حرق، قتل، تخريب»، وأن بينها كان هناك 27 ألف مرة ذكر لكلمة «لنقتل».32

ثالثاً: المال، السلطة، الصحيفة (هون، شلطون، عيتون)
العلاقة بين رئيس الحكومة والإعلام في إسرائيل

ليس أدل على النفوذ الذي بلغته سطوة الحاكم على الإعلام والإعلاميين، وتحديداً خلال العقد الذي ترأس فيه نتنياهو سدة الحكم (خلال الفترة 2009 – 2019) من منع مراسِلة الشؤون السياسية في القناة 12 (القناة الثانية سابقاً) دانا فايس من المشاركة في تغطية ورشة المنامة التي عُقدت في العاصمة البحرينية في 25 / 6 / 2019. فقد وجهت الإدارة الأميركية رسائل الدعوة إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية كي توفد طواقمها للتغطية مستثنية بالاسم دانا فايس، الأمر الذي دفع القناة 12 إلى إلغاء مشاركتها نهائياً. ورجحت جهات مختصة بأن ذلك جاء بطلب من الحكومة الإسرائيلية على خلفية مشادة وقعت بينها وبين يائير نتنياهو نجل رئيس الحكومة خلال الزيارة الأخيرة لوالده للولايات المتحدة، إذ لم ترق له طريقة تغطيتها للزيارة، وأن «البيت الأبيض انتقائي في تعامله مع الإعلام الإسرائيلي ويستخدم الورشة لتصفية الحسابات في مواجهة وسائل إعلام وصحافيين بعينهم» (راز شكنيك، «يديعوت أحرونوت»، 23 / 6 / 2019). وسبقت ذلك إقالة الصحافية ليهي لابيد زوجة الرجل الثاني في حزب أزرق أبيض يائير لابيد من صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 12 / 5 / 2019، ورد المراقبون السبب إلى أنه كان ثمرة انتقام نتنياهو من زوجها الذي أعلن للتو أنه سيكون معارضاً شرساً يمرمر حياته كرئيس
الحكومة.33

كانت تحقيقات الشرطة الإسرائيلية قد انتهت في تشرين الثاني / نوفمبر 2018 في الملفين 2000 و4000 إلى استنتاجات تؤكد وجود بينات لمحاكمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على خلفية تهم فساد ورُشى تتعلق لا بمحاولاته إمالة، بل تجنيد وسائل إعلام لمصلحته. وأصدرت النيابة العامة قرارها بتاريخ 21 / 11 / 2019 بتقديم لوائح اتهام بثلاث قضايا فساد ضد نتنياهو.

تركزت القضيتان، وهما من أصل ثلاث قضايا فساد ورُشى وخيانة للأمانة، على محاولاته الهيمنة على وسائل إعلام مؤثرة ونافذة. ولم يعرف الإسرائيليون في العقد الأخير (2009 – 2019) رئيساً للحكومة غير نتنياهو، فهو يتربع على هذا العرش بشكل متواصل منذ سنة 2009، وقد فاز بولاية خامسة في انتخابات نيسان / أبريل 2019 (انقطعت بعد فشله في تأليف حكومته الجديدة وحل الكنيست 21 نفسه بعد شهر من تكونه وإعلان انتخابات جديدة في 17 / 9 / 2019). وكانت ولايته الأولى قد امتدت من سنة 1996 حتى سنة 1999 وفاز بها بعد اغتيال ناشط يميني رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين في تشرين الثاني / نوفمبر 1995 على خلفية عملية السلام مع الجانب الفلسطيني، لدرجة أن هناك مَن يرى أن نتنياهو وإن كان قد جاء عبر صناديق الاقتراع، إلاّ إن ملابسات وصوله إلى سدة الحكم لا تختلف كثيراً عن حيثيات الانقلابات المسلحة في العالم الثالث.

تتهم قضية الفساد الأولى نتنياهو بإجراء مساومة مع مالك صحيفة «يديعوت أحرونوت» نوني (أرنون) موزس، وحمل ملفها الرقم 2000. فقد أكدت التحقيقات تواصل نتنياهو مع المالك نوني موزس وحاول إغراءه في مقابل تجنيد الصحيفة لمصلحته، وذلك من خلال إضعاف صحيفة «يسرائيل هيوم» التي أسسها شلدون إيدلسون الثري اليهودي الأميركي المناصر لنتنياهو واليمين وشغّلها لمصلحته، وكانت هذه الصحيفة قد تسببت بخلخلة سوق الصحافة المطبوعة وألحقت بها خسائر مادية مالية، كونها اقتطعت نصيباً وافراً من الدعاية والإعلان، وخصوصاً أنها تُوزع مجاناً، وأسعار الدعاية فيها منخفضة نسبياً.

لقد كشفت «آخر نسخة طبق الأصل» عن مضمون الحديث الذي دار بينهما في لقاء في سنة 2014 بحسب ملفات التحقيق البوليسي، وبثتها شركة الأخبار في القناة التلفزيونية 12،34 كيف أن مالك الصحيفة بلّغ نتنياهو أنه قام بإخفاء خبر يتعلق بزوجته سارة في الصفحات الداخلية، وكيف تخلى أيضاً عن يغئال سرنا أحد الصحافيين البارزين في الصحيفة لنشره رسائل نصية مسيئة لنتنياهو وعائلته، وكيف قلل من شأن أخبار منافسي نتنياهو (اليميني المتشدد) نفتالي بنت (ويمين الوسط) يائير لابيد في انتخابات سنة 2015، واعتراف موزس للمحققين بقوله: «تحدثنا عن تعويم ثمن الصحف والرغبة في تقليص انتشار صحيفة (يسرائيل هيوم).»35

تلخصت القضية الثانية التي حملت الرقم 4000 بتهم عن تقديم نتنياهو تسهيلات درت أرباحاً بمئات ملايين الشيكلات على مالك شركة الاتصالات العامة بيزك في مقابل وضع الأخير وكالة الأنباء التي يملكها (وللا) في خدمة نتنياهو وعائلته. وكشف فحص أجرته مجلة «العين السابعة» قارنت من خلاله – كل ربع ساعة – العناوين الرئيسية في موقع (واللا / WALLA) لخمس قضايا تتعلق بنتنياهو وعائلته خلال تغطية انتخابات سنة 2015، أن هيئة التحرير في الموقع الإخباري خضعت لضغوط جمة من جانب مالك الموقع، أولوفيتش وإدارته، وجعلت العناوين تميل إلى مصلحة رواية نتنياهو في هذه القضايا التي تعلقت بإقالته للوزيرين يائير لابيد وتسيبي ليفني في 2 ديسمبر / كانون الأول 2014، ومؤتمر صحافي لقيادة الليكود بزعامة نتنياهو ضد منظمة V15، وإعلان المستشار القضائي للحكومة نتائج التحقيق في قضية مساكن رئيس الحكومة، وخطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي، ومهرجان لليمين مناصر لنتنياهو قبل فتح صناديق الاقتراع، وقارنتها بعناوين للقضايا نفسها في وسائل إعلام إسرائيلية أُخرى.36

تفاعلت القضيتان بعد بدء نتنياهو ولايته الرابعة رئيساً للحكومة في سنة 2015، وكانت صحيفة «يسرائيل هيوم» الموالية له قد سجلت رواجاً كبيراً جعلها منافساً قوياً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الأوسع انتشاراً في إسرائيل. وبحسب استطلاع TGI لسنة 2016 تمكنت من زيادة الفجوة لمصلحتها، إذ بيّن الاستطلاع أن نسبة رواجها تصل إلى 39,7­% في مقابل 34,9­% لـ «يديعوت أحرونوت».37

دفع ذلك إلى تقديم التماس إلى المحكمة العليا لإجبار مراقب الدولة على فحص ما إذا كانت صحيفة «يسرائيل هيوم» تقع في إطار التمويل غير المشروع للأحزاب، بحيث تقدم تغطية مجندة مجانية لمصلحة رئيس الحكومة نتنياهو.38

كان خير دليل على قوة تلك العلاقة، أنه بعد يوم من تقرير بثته القناة الثانية (أصبحت القناة 12) في التلفزة الإسرائيلية عن الموضوع وتوجيهها انتقادات لاذعة إلى نتنياهو، وذلك في برنامجها الإخباري الأسبوعي الشهير «أولبان شيشي / Ulpan Shishi»، أقدمت صحيفة «يسرائيل هيوم» على نشر تقرير عن تراجع شعبية البرنامج وتقدم شعبية البرنامج المنافس في القناة العاشرة (أصبحت القناة 13). فضلاً عن ذلك لم تنشر صحيفة «يسرائيل هيوم» خبر وصول حرم رئيس الحكومة سارة نتنياهو إلى الشرطة، فقد تم إجراء تحقيق معها في قضية فساد أُخرى تلاحقها وتلاحق زوجها على الرغم من أن المواقع ووسائل الإعلام المهمة نشرت تقارير وصوراً عن ذلك.39

كان قرار نتنياهو بتولي حقيبة الاتصالات إلى جانب رئاسته للحكومة قد منحه سيطرة مباشرة على تنظيم القطاعات المتعددة في سوق الإعلام. وفعلاً، فقد دفعت حكومته بقوانين وإصلاحات، وأناطت صلاحيات غير مسبوقة برئيس الحكومة في هذا المجال، لخصها الصحافي المتخصص ناتي توكر في صحيفة «ذي ماركر» (The Marker) الاقتصادية على النحو التالي.40

1 – توصيات لجنة فيلبر التي أتاحت إطلاق قنوات بث جديدة.

2 – تغيير وضعية إذاعة الجيش بنقلها من الجيش إلى وزارة الدفاع، وهو ما يفقدها استقلاليتها.

3 – منح تسهيلات لإقامة قنوات تجارية وأُخرى إخبارية إضافية.

4 – تقسيم القناة الثانية على أساس قانون التراخيص من سنة 2011، الذي يقر بتقسيمها في سنة 2017، بحيث يلزم الشركتين صاحبتي الامتياز اللتين تتقاسمان تشغيلها طوال أيام الأسبوع، وهما ريشيت وكيشيت، بإقامة قناتين مستقلتين، واحدة لكل منهما تبث بشكل مستقل على مدار الأسبوع وتشجيع المنافسة بينهما.

5 – إضافة قنوات رياضية بأسعار مرتفعة، إذ تضاعف ثمن الامتياز أربع مرات بعد إدخال شبكة ONE واستعدادات (Partner) وهما شركتا خدمات تلفزيونية واتصالات.

6 – إدخال القناة 20 (Channel 20) إلى شركة عيدان بلوس وفق قانون التنظيم.

7 – خصخصة شركة عيدان بلوس (Idan Plus)، وتحويلها إلى لاعب باسم الحكومة في مجال التلفزيون متعدد القنوات بهدف اشتداد المنافسة.

حاول نتنياهو أيضاً تمرير مشروع قانون أطلق عليه معارضوه «قانون الاتحاد السوفياتي»، يهدف إلى توحيد هيئات التنظيم (Regulatory bodies) في سوق البث، والتي يقوم في إطارها مجلس تنظيمي جديد للبث التجاري بتخويل نتنياهو كوزير للاتصالات وبشكل مباشر بصلاحيات تعيين المدير العام ورئيس المجلس الجديد. كذلك حاول نتنياهو تمرير تعديل لقانون حماية المستهلك، عرف بـ «قانون الإعلام الخفي»، يحظر دمج المضمون التسويقي من دون كشفه على جميع وسائل الإعلام ذات العلاقة، وكان يستهدف من خلاله صحيفة «يديعوت أحرونوت» التي تعتمد في نموذجها Business model على المضمون التسويقي (Content Marketing).

رأى كثيرون أن تأخير إقامة هيئة البث العام (the Israeli Public Broadcasting Corporation) وطريقة إغلاق سلطة البث (the Israeli Broadcasting Authority) جاء نتيجة تدخل سياسي في المضامين، وقد أضعف ذلك من قدرة الهيئة الجديدة على القيام بمهماتها من دون تدخل سياسي.41

كانت سنة 2016 مزدحمة بتدخلات نتنياهو في سوق الإعلام في إسرائيل، سواء بشكل مباشر في وسائله المتعددة، أو من خلال الضغط والترغيب والترهيب، وهو ما دفع بعضوي الكنيست من المعارضة إيتان كابل وإلداد يانيف إلى التوجه إلى المستشار القانوني للحكومة والادعاء على مسامعه أن رئيس سلك الموظفين في ديوان رئيس الحكومة نتنياهو يجمع معلومات عن صحافيين لاستخدامها في تهديدهم.42 وتبقى للمثال لا الحصر، المواجهات المستمرة بين الصحافي الخبير في القناة العاشرة رفيف دروكر ونتنياهو، إذ نشر الأخير تحقيقاً على صفحته في الفيسبوك اتهمه فيه بعلاقات غير بريئة مع مراقب الدولة، وهو ما دفع دروكر إلى اتهام نتنياهو بالافتراء، وقام بنشر معلومات عن العلاقات الخاصة لنتنياهو وعائلته بالملياردير الأسترالي جيمس باكر. أضف إلى ذلك هجوم نتنياهو على الصحافية الاستقصائية إيلانا دايان صاحبة برنامج التحقيقات عوفدا (Fact) على القناة الثانية بعد أن كشفت بالأدلة المدعومة بشهادات مقربين من نائب رئيس جهاز الموساد عن تدخلات عقيلة نتنياهو السيدة سارة في تعيينات بوظائف حكومية حساسة، والتي أصدرت رداً قاسياً ومهيناً ضدها تلته الصحافية على الهواء في ختام برنامجها، ناهيك عن تهكم نتنياهو على أمنون أبرموفيتش كبير المعلقين السياسيين في قناة التلفزة 12 (القناة 2 سابقاً)، والتحريض عليه في أوساط اليمين الحاكم. ودفعت هذه التصرفات بمجموعة من الصحافيين إلى توقيع عريضة اشتكوا فيها من تدخلات نتنياهو وتلفظه وتحريضه ضدهم وضد وسائلهم الإعلامية.43

كانت حكومة نتنياهو قد أجلت إقامة هيئة البث العام إلى 30 نيسان / أبريل 2017. كما تم اختيار نير حيفتس المستشار الإعلامي لعائلة نتنياهو وتكليفه الإشراف على إقامة قناة تلفزيونية تجارية تعمل لمصلحة يمين الخريطة السياسية في إسرائيل، ونُقل على لسان نتنياهو قوله: «لقد عالجت أمر الصحافة المكتوبة، بإصدار صحيفة (يسرائيل هيوم)، الأن آن الأوان لتغيير التلفزيون».44

تندرج في السياق نفسه أيضاً القضية 4000 المتعلقة بتقديم تسهيلات لمالك شركة الاتصالات (بيزك) في مقابل تجنيد وكالة واللا التي يملكها لخدمة نتنياهو وعائلته.

لم يتردد نتنياهو أيضاً في مواجهة الصحافيين العاملين في إذاعة الجيش واتهامهم بالتقصير وعدم القيام بواجبهم المهني وعدم التصدي «لأكاذيب» تُنشر عنه، ولم يتردد في توعدهم بالتواصل مع قائد محطتهم للتوضيح له عما يجب عمله، وهو ما أدى إلى تعيين رجل أعمال موالٍ لنتنياهو لتقديم نشرات أخبار رئيسية يومية مسائية.45

واجهت قناة التلفزة العاشرة (القناة 13) تدخلات مماثلة هي الأُخرى من جانب نتنياهو، علماً بأنه كان قد نجح في تصويرها كوسيلة إعلام معارضة له ولليمين، وخصوصاً بعد أن نقلت القناة خبراً فحواه أن نتنياهو الابن، يائير يقف خلف قانون حظر الأذان بمكبرات الصوت، والذي عرف بقانون المؤذن. وقد أغضب الخبر نتنياهو الأب الذي طلب أن ينشروا رده، لكن المحطة رفضت. وبالتالي أعلن نتنياهو أنه كوزير للاتصالات يريد فتح سوق التلفزة للمنافسة ووضع حد للمركزية والاحتكار فيها، الأمر الذي دفع بالقناة إلى محاولة التقرب منه، إذ تم تعيين أحد المقربين من نتنياهو لقيادة طاقمها لتشغيل قناة الكنيست التلفزيونية من دون مناقصة، كما قررت إدارة القناة تعيين مستشار مقرب منه ومن زوجته لرئاسة مجلس إدارة القناة العاشرة.46

أضعفت هذه التدخلات قوة الإعلام وتأثيره في مواجهة السياسة والسياسيين وأصحاب المال، وخصوصاً خلال العقد الذي تميز بتواصل حكم نتنياهو. وأدت هذه التعديلات القانونية والتدخلات إلى ارتباط وسائل الإعلام بصناع القرار في القيادة السياسية ورأس المال. وكانت طريقة تغطية رجل الأعمال الثري نوحي دانكنر الذي ظل الإعلام لسنوات طويلة يناصره، ويواليه، ويغض الطرف عن تلاعبه وتورطه الجنائي المعروف في سوق المال، تُشكل دليلاً على ذلك، إذ إن الصحافة لم تنتقده إلاّ بعد أن دانه القضاء وحكم عليه بالسجن في مخالفات ارتكبها في سوق المال والتلاعب بالأسهم بشكل أضر بمصالح الجمهور.47 لذا، يبدو أن «المعركة الحقيقية ليست بين نتنياهو والإعلام فحسب، بل بين أنصار الإعلام الحر الذي يعمل من أجل العامة، وبين مَن يريد محاصرته وتقييد خطاه، سواء كانت تلك جهات حكومية متنفذة، أصحاب مال، أو من جهات إعلامية بعينها»، وهي استنتاجات خلصت إليها الدراسات والأبحاث التي أجملها التقرير السنوي الصادر عن مؤتمر الإعلام في إسرائيل الذي استضافته جامعة مستعمرة أريئيل سنة 2016.48

شجع ذلك سلطات تنفيذ القانون وتحديداً الشرطة والاستخبارات على تصعيد تدخلاتها وملاحقتها للصحافيين، عرباً ويهوداً في إسرائيل. كما سجلت سنة 2016 ذروة مقلقة ومساساً فظاً بحرية التعبير والصحافة، وصلت إلى حد استخدام القوة أحياناً، على الرغم من تصدي الأطر الصحافية والقضاء لها. وعلى سبيل المثال لا الحصر:

– أصدرت الشرطة أمراً إلى قناة التلفزة الثانية طالبتها فيه بتسليم مواد خام لمقابلة أجراها مراسلها للشؤون القانونية، غاي بيلغ، مع عينات هرئيل المتهمة بالزنى وتبييض الأموال.

– استدعاء الصحافي ميخائيل شيمش مراسل إذاعة الجيش بسبب تحقيق ضد القائم بأعمال عمدة القدس (الإسرائيلي).

– احتجاز الصحافي في صحيفة «هآرتس» نير غونتش بعد أن حاول الاتصال هاتفياً اثنتي عشرة مرة من هاتف مجهول الرقم بالنائب في الكنيست ياعيل جرمان.

– اعتقال الصحافي الفلسطيني عمر نزال بينما كان في طريقه على جسر الملك حسين (أللنبي) للمشاركة في اجتماع اتحاد الصحافيين الأوروبيين، وذلك بتهمة العضوية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.49

– اعتقال عماد غنيمات، مواطن من سكان قرية رهط العربية البدوية، بعد نشره تعليقاً ساخراً على صفحته عن الحرائق التي اجتاحت إسرائيل، فقد اعتبرته السلطات تعبيراً عن البهجة ومساساً بأمن الدولة.50

– تهديدات الشرطة للصحافي ميخائيل هازور – طوف مراسل إذاعة الجيش ومحاولة منعه من تغطية تظاهرة لليهود الإثيوبيين (الفلاشا) احتجاجاً على وضعهم. وقد تعرّض للضرب من الشرطة ومصادرة مقتنياته المهنية.

– منع الصحافيين العرب من تغطية سقوط طائرة مسيرة غير آهلة على منزل في منطقة وادي عارة (داخل الخط الأخضر) في وقت سمحت السلطات بالقيام بذلك لزملائهم اليهود.

– تهديد مكتب الصحافة الحكومي بأمر من ديوان رئاسة الحكومة بمصادرة وإلغاء بطاقة الاعتماد الصحافية لكبير مراسلي قناة الجزيرة الياس كرام، بذريعة وصفه التغطية الصحافية في الأراضي المحتلة شكلاً من أشكال المقاومة السلمية للاحتلال.

لقد أدى ذلك كله إلى إعراب اللجنة الدولية لحماية الصحافيين (CPJ) عن قلقها إزاء ازدياد التهديدات الإسرائيلية بسحب بطاقات الاعتماد للصحافيين الأجانب إذا نشروا «عناوين غير دقيقة»، بحسب تعبير مكتب الصحافة الحكومي، وشكل ذلك في نظر اللجنة الدولية «نهجاً فظاً تجاه التغطيات التي لا تروق للحكومة.»51

شاعت على هذه الخلفية مقولة «السلطة (شلطون)، المال (هون)، الصحيفة (عيتون)»، وذلك للتدليل على طبيعة مراكز القوة في الدولة ونفوذها المتصاعد، وعلى تضييق الخناق على حرية التعبير والصحافة. وقد تعزز ذلك بدعوة رئيس الحكومة نتنياهو القضاء إلى تقييد قانون حرية المعلومات بقوله: «لا يمكن كشف معلومات خاصة عن منتخبي الجمهور من دون موافقتهم»، وكان تصريحه قد جاء على خلفية المطالبة بكشف معلومات عن حقيقة علاقته بالثري اليهودي الأميركي شلدون إيدلسون مالك صحيفة «يسرائيل هيوم.»52

رابعاً: واقع وسائل الإعلام التقليدية في عهد الإعلام الرقمي

أ) التلفزيون

تراجعت نسبة مستخدمي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في إسرائيل مع التطور الذي حققته ثورة الاتصالات «الثورة الرقمية». لقد دلت الدراسات التي أجرتها اللجنة الإسرائيلية لقابلية التطور (هفعدا هيسرئليت لمدروغ) في سنة 2016، على أن الإسرائيلي المتوسط شاهد التلفزيون بمعدل ثلاث ساعات و29 دقيقة يومياً، مقارنة بثلاث ساعات و36 دقيقة في السنة التي سبقت، وثلاث ساعات و48 دقيقة في سنة 2014، وأن النساء يشاهدن التلفزيون أكثر من الرجال، ويشكلن ما نسبته 55­% من مجموع المشاهدين، كما أن مَن هم فوق سن 35 عاماً يشاهدون التلفزة أكثر من الأولاد والفتية والشبان ومن هم دون هذا السن، وأن شريحة المشاهدين من سن 55 عاماً وما فوق أكثر بمرة ونصف المرة من سائر الفئات.53

لقد حظيت نشرات الأخبار التي قدمتها شبكات التلفزة الإسرائيلية في سنة 2016 بنسبة مشاهدة إجمالية وصلت إلى 36­% من مجمل البيوت في إسرائيل. وقد توزعت على النحو التالي: نشرة الأخبار (مهدورات حدشوت) في القناة الثانية (القناة 12 حالياً) 18,2­%؛ نشرة الأخبار (حدشوت عيسر) في القناة العاشرة (القناة 13 حالياً) 9,7­%؛ نشرة الأخبار (مباط) للقناة الأولى (القناة 11 حالياً) 3,8­%.54

بعد سنة 2016 لم يعرف الجمهور الإسرائيلي المعطيات الحقيقية لنسب المشاهدة، التي يتم استخراجها من أجهزة الاستقبال من خلال شركة البث بواسطة الكوابل (HOT)، وشركة البث بالأقمار الصناعية (YES)، والتي تصل إلى نحو 90­% من مجموع السكان في إسرائيل، ذلك بأن الشركتين العضوين في لجنة «همدروغ» المتخصصة بالتصنيف وقابلية التطور انسحبتا، وتوقفتا بعد السنة المذكورة عن نشر معلومات بهذا الشأن.

ب) الراديو

شهدت سنة 2018 تراجعاً في نسبة المستمعين إلى الإذاعات الإسرائيلية، لكنها ظلت بنسب أقل مما هي عليه بالنسبة إلى التلفزيون والصحافة المطبوعة التي تلقت ضربة مؤلمة. فقد انخفضت نسبة المستمعين إلى المحطات الإذاعية التابعة لهيئة البث، المعروفة باسم «كان»، بما فيها إذاعة صوت إسرائيل من 37,4­% في سنة 2017 إلى 35,6­% في سنة 2018، كما تراجعت نسبة الاستماع إلى إذاعة الجيش (غالي تساهل) والمحطة المنبثقة منها «غلغلاتس» من 44,1­% سنة 2017 إلى 42,6­% في سنة 2018. أمّا المحطات القطرية المحلية فظلت نسبة الاستماع إليها على حالها تقريباً، فقد كانت 31,8­% في سنة 2017 و31,6­% في سنة 2018.55

أمّا بالنسبة إلى الإذاعات الخاصة باليهود المتدينين المتزمتين (الحريديم)، وتحديداً كول حاي وكول براما ويتيد نئمان، فقد حافظت إذاعة كول حاي على الصدارة مع نسبة مستمعين تصل إلى 31,5­%، تلتها إذاعة يتيد نئمان بنسبة مستمعين وصلت إلى 24,1­%، وتراجعت محطة الإذاعة كول براما إلى 22,3­%.

يعزو المراقبون السبب في ذلك إلى أن هذه الأخيرة تأثرت بالانقسام الذي جرى في حركة شاس للمتدينين الشرقيين في سنة 2015، بينما تمكنت الإذاعة المتنافسة معها على الجمهور نفسه وهي كول حاي من عرض نفسها كإذاعة أكثر اتزاناً، وتستهدف أيضاً المتدينين الصهيونيين من أصحاب «كيبوت سروغوت».

وأشار أحدث استطلاع أجراه معهد TGI لسنة 2018 إلى أن نسبة الاستماع إلى الراديو تراجعت من 67­% سنة 2017 إلى 65,8­% سنة 2018.56

ج) الصحافة المطبوعة / الصحف اليومية

واصل جميع الصحف المطبوعة بكل تشكيلاتها في إسرائيل التراجع في نسبة توزيعها في سنة 2018، باستثناء الصحيفة الاقتصادية «غلوبس» التي تصدر أربعة أيام في الأسبوع من الأحد حتى الأربعاء، إذ سجلت زيادة في التوزيع وصلت إلى 4,5­%. أمّا باقي الصحف فتراجعت نسبة توزيعها بشكل لافت في هذه السنة.57

تراجعت «يديعوت أحرونوت» التي تربعت على العرش كأوسع الصحف انتشاراً بنسبة مقلقة لمُلاّكها وصلت إلى 18,5­%، وكذلك تراجعت صحيفة «يسرائيل هيوم» بنسبة 18­%، وهي صحيفة توزع مجاناً وموالية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ويطلقون عليها عبارة «حينامون»، وهي دمج بين كلمة «حينام» ومعناها ببلاش، و«عيتون» ومعناها صحيفة، ويسميها البعض «بيبيتون»، نسبة إلى بيبي، وهو كنية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو و«عيتون»، أي صحيفة نتنياهو. وسجلت صحيفة «معاريف» تراجعاً خلال سنة 2018 وصل إلى 25­% في نسبة توزيعها.

امتد التراجع في التوزيع إلى أعداد نهاية الأسبوع أيضاً، التي تشهد، عادة، توزيعاً عالياً في نسخ أيام الجمع الصادرة عشية عطلة السبت. وظل التراجع الأكبر في التوزيع من سوء حظ صحيفة «هآرتس»، فقد وصل إلى ما نسبته 15­%. وتراجع توزيع صحيفة «يسرائيل هيوم» بنسبة 10­%. أمّا «يديعوت أحرونوت» فبلغت نسبة تراجعها 12,5­% في أعداد نهاية الأسبوع.

يعتبر المراقبون السبب في تراجع أعداد نهاية الأسبوع وإصداراتها بنسب أقل من سائر أيام الأسبوع، إلى أن لدى القراء اليهود تحديداً وقتاً كافياً لقراءة الصحف بسبب عطلة السبت التي تبدأ من عصر الجمعة حتى مساء السبت، وهو ما يجعلهم شغوفين إلى قراءة الريبورتاجات والتقارير الطويلة، وعدم الاكتفاء بما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي من رسائل نصية وكتابات سريعة وقصيرة عاجلة. كذلك هي الحال بالنسبة إلى الصحافة الاقتصادية، لكن بوتيرة أقل، فقد سجلت «ذي ماركر» (The Marker) تراجعاً بنسبة 9­%، و«كلكاليست» (Calcalist) تراجعاً بنسبة 7,5­%، وكانت صحيفة «غلوبس» (Globes) الوحيدة التي سجلت زيادة في التوزيع بلغت 4,5­%.

انسحب هذا الأمر أيضاً على الصحف اللوائية / المناطقية / القطرية، وبحسب الاستطلاعات المتتالية التي أجرتها شركة TGI على مدار السنوات الثلاث الماضية (2016 – 2018)، فإن 67,4­% ممن شملهم الاستطلاع وافقوا على مقولة «أستطيع تدبر أمري بسهولة من دون صحيفة يومية»، وأشار الاستطلاع إلى أن معظمهم من فئة الشبان الصغار، وأن أكثر فئة تتماثل مع هذه المقولة هي الشريحة العمرية بين 35 عاماً و44 عاماً، فقد أيد 77,7­% منها ذلك، ودلت النتيجة على وجود نسب مماثلة أيضاً في شرائح الشباب الصغار، إذ إن 76,2­% من فئة الجيل بين 18 عاماً و24 عاماً، و75,3­% من فئة الجيل بين 25 عاماً و34 عاماً يؤيدون هذه المقولة، وأن الشريحة العمرية 65 عاماً وما فوق هي الوحيدة التي تجد صعوبة في الاستغناء عن الصحيفة المطبوعة.

كان اللافت في النتائج أن 55,8­% ممن شملهم الاستطلاع وافقوا على مقولة «الآن عندما أصبحت أستخدم الإنترنت فإنني أقرأ أقل الصحف المطبوعة.» وأشارت آخر الاستطلاعات لسنة 2018 إلى أن نسبة قراء الصحافة المكتوبة انخفضت في هذه السنة إلى 49­% قياساً بسنة 2017، بحيث بلغت النسبة 53,9­%.58

أشار تحليل التوجهات في قراءة الصحف للسنوات الثلاث الأخيرة (2016 و2017 و2018) إلى وجود توجه مستمر في انخفاض واضح وعام وملموس لنسب قراءة الصحف المطبوعة، إذ تشهد الصحف في الأيام العادية هبوطاً حاداً، بينما كانت نسبة قراءة الصحف سنة 2015 تقف على 58­% فإنها تدنت في سنة 2018 إلى 47­%، وفي صحافة نهاية الأسبوع انخفضت من 60,7­% في سنة 2015 إلى 52­% سنة 2018.59

خامساً: ثقة الجمهور بالإعلام

أشار تقرير المعهد الإسرائيلي للديمقراطية لسنة 2018 إلى أن ثقة الجمهور الإسرائيلي بالإعلام تحسنت عما كانت عليه في السنوات السابقة، وارتفعت إلى 31­%،
على الرغم من أن 58­% ما زالوا يعتقدون أن المؤسسة الإعلامية فاسدة. وقد وازت ثقة الإسرائيليين بالحكومة، لكنها أعلى من ثقتهم بالكنيست (27­%) وبالأحزاب (16­%).60

كانت سنة 2018 هي السنة الثانية على التوالي التي تشهد فيها ثقة الجمهور بالإعلام تحسناً بعد أن هبط إلى 24­% في سنة 2016. لكن وعلى الرغم من هذا التحسن فإن 11­% فقط من الإسرائيليين يعتقدون أن الإعلام وسيلة صالحة ومجدية في محاربة الفساد. وفي المقابل اعتقد 58­% أن الإعلام نفسه مؤسسة فاسدة، لكنها أقل فساداً من الحكومة وباقي المنتخبين في الكنيست، والسلطات المحلية.

جاء هذا الارتفاع في نسبة الثقة بعد أن أعرب كثيرون عن فقدان ثقتهم بالإعلام في إسرائيل في الفترة 2011 – 2016، والذي تواصل لعدة سنوات.61

دلت نتائج دراسة المعهد الإسرائيلي للديمقراطية على أن 25,7­% من الجمهور اليهودي و15,1­% من الجمهور العربي في إسرائيل يثقون بالإعلام، وسار الاتجاه في حينه نحو انخفاض بنسبة 7­%، هذا قياساً بما كان عليه في سنة 2015، وبانخفاض قدره 15­% مع المعدل السنوي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد أعرب 51­% عن ثقتهم بالإعلام سنة 2011، وتُعتبر هذه النسبة أقل من نسبة الذين يعربون عن ثقتهم بالجيش، ورئيس الدولة، والمحكمة العليا، والشرطة، والحكومة، والكنيست. لكنها أعلى من نسبة الذين يثقون بالأحزاب.

رأت تهيلا شفارتس ألتشولر، رئيسة برنامج الإصلاحات في الإعلام والديمقراطية في عصر المعلومات، في هذا التحسن الذي عاد وأشار إليه تقرير المعهد الإسرائيلي للديمقراطية لسنة 2018 أمراً مهماً، «لأن هناك ارتباطاً قوياً بين الثقة بالإعلام والثقة بالمؤسسات المجتمعية – السلطوية الأُخرى.» ومع ذلك، فإن الثقة بالإعلام والحكومة في إسرائيل، لا تزال أقل مقارنة بهولندا وألمانيا وكندا والسويد، على سبيل المثال. كما أن الاستطلاع السنوي لثقة الجمهور بالإعلام الأميركي، والذي يجريه معهد غالوب في الولايات المتحدة يشير منذ سنوات إلى انقلاب الاتجاه، وسجلت السنتان الأخيرتان (2017، 2018) صعوداً وتعزيزاً في الثقة، ويمكن رؤية نتائج مماثلة أيضاً في بريطانيا من خلال الاستطلاعات التي تجريها شركة أدلمان.62

سادساً: الصحافة التقليدية: تاريخ ومحطات

تراجعت الصحافة التقليدية في إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة لأسباب تتعلق بتطور الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وانطلاق الإعلام الجديد (New Media) بفضل ثورة الاتصالات الرقمية (Digital Communications)، إذ أوجد هذا إعلاماً ثنائي الاتجاه، خلافاً للإعلام التقليدي القائم على أحادية الاتجاه من المرسِل إلى المستقبِل. فقد استحدث حالة أصبح فيها المستقبِل مرسِلاً وكذلك المرسل مستقبلاً، وهو ما يصطلح كثيرون على تسميته بصحافة المواطن.

أ) صحافة الييشوف / ما قبل الدولة

لم تنشأ الصحافة العبرية في فلسطين مطلع القرن الماضي في بيئة عدمية فارغة من التطور الصحافي العالمي، فقد سبقتها الصحافة العربية / الفلسطينية، مثل صحيفة «الكرمل» لصاحبها نجيب نصار في حيفا (1908)، وصحيفة «فلسطين» لصاحبها عيسى داود العيسى وابن عمه يوسف حنا العيسى في يافا (1911)، و«القدس» لصاحبها جورج حبيب حنانيا في القدس (1908). وتشير الأبحاث إلى أن نحو 15 صحيفة ونشرة باللغة العربية صدرت في تلك الأعوام التي شهدت أفول الدولة العثمانية، وبداية الانتداب البريطاني على فلسطين وجزء من المشرق العربي بحلول سنة 1917، وبلغ عدد ما صدر في البلد من مطبوعات صحافية نحو 200 صحيفة ما بين سنة 1919 حتى نكبة فلسطين في سنة 1948.63

ظهرت الصحافة العبرية في فلسطين مع بداية فترة الييشوف (الاستعمار اليهودي خلال الانتداب البريطاني)، وجاءت امتداداً لصحف ونشرات ظهرت مع إحياء اللغة العبرية وسط الجوالي اليهودية في أوروبا، ومنشورات صدرت بشكل متقطع في أوساط اليهود المتدينين في فلسطين وتحديداً القدس. وكان لافتاً أن قادة الحركة الصهيونية عملوا في معظمهم في الصحافة، أبرزهم أليعيزر بن يهودا، وبرل كتسنلسون، وناحوم سوكولوف، وموشيه شاريت، وزئيف جابوتنسكي، فضلاً عن مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هيرتسل. كما كان هناك نشرات صحافية باللغة العبرية أصدرها بعض الجوالي اليهودية في فلسطين، وتحديداً في القدس بين سنة 1904 وسنة 1914، لكنها لم تعمر طويلاً على الرغم من أنها اتصفت بالأيديولوجية والأصولية.

ازدهرت هذه الصحافة مع بداية الانتداب البريطاني على فلسطين، فقد كانت صحيفة «هآرتس» أولى هذه الصحف ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وقد انطلقت في سنة 1919 تحت اسم «حدشوت مهآرتس»، أي «أخبار من البلاد»، وجسدت خطاً تحريرياً صهيونياً عاماً ومنضبطاً، واشتراها في سنة 1936 زلمان شوكِن من مؤسسها ومالكها موشيه غليكسون، وحولها إلى صحيفة حديثة، وأوكل مهمة تحريرها إلى نجله غرشوم شوكن، الذي اقتدى بالصحافة الإنكليزية في حينه، فأضفى عليها خطاً ليبرالياً رأسمالياً إلى حد ما. وكان شوكن الابن متحرراً من الاعتبارات الحزبية التي ميزت سائر صحافة الييشوف، ولا تزال عائلته تتوارث ملكيتها حتى يومنا هذا.

صدرت في سنة 1919 صحيفة «دوأر هيوم»، أي «بريد اليوم»، واستمرت حتى سنة 1936، ومثلت اليمين السياسي. وصدرت الصحيفتان في القدس، لكن «هآرتس» انتقلت في سنة 1923 إلى مشارف يافا (تل أبيب). وظهرت في سنة 1934 صحيفة «هبوكر»، أي «الصباح»، وكانت خاصة للصهيونيين العموميين (General Zionists). وأصدرت المجموعة نفسها أسبوعية خاصة بالفلاحين تحت اسم «البستاني»، وقد صدرت في رحوفوت جنوبي تل أبيب من سنة 1929 حتى سنة 1939. ثم أصدرت حركة همزراحي للمتدينين صحيفة «هتسوفيه» في سنة 1937، كما أصدرت النقابة العامة للعمال في أرض إسرائيل (الهستدورت هكلليت لعوفديم بأرتس يسرائيل) صحيفة خاصة بها تحت اسم «دافار»، وأصبحت الصحيفة اليومية الأوسع انتشاراً في الييشوف، وكانت بوق قيادة الييشوف متمثلة فيما أصبح لاحقاً مباي، ثم حزب العمال، وبالتالي حزب العمل بقيادة دافيد بن – غوريون أول رئيس حكومة لدولة إسرائيل. وشهدت هذه الصحيفة صراعات مريرة بين صحافيين مهنيين أرادوا هامشاً واسعاً من حرية التعبير، وبين سياسيين أملوا الخط التحريري الذي يخدم حزبهم وسياسته. وقد تطورت هذه الصحيفة كجريدة يومية حديثة، لكنها كانت موالية بالكامل إلى الحركة الصهيونية، واختلط فيها حابل النص الخبري بنابل النص التحليلي وإبداء الرأي.64

كانت صحيفة «دافار» أول مَن أصدر ملحقاً خاصاً للأولاد في سنة 1934، وآخر في سنة 1940 باللغة العبرية البسيطة للمهاجرين اليهود الجدد إلى فلسطين، وملحقاً اقتصادياً، وآخر خاصاً بالمسرح والأدب.

صدرت في سنة 1939 صحيفة «يديعوت أحرونوت» كصحيفة غير حزبية، وكانت أول صحيفة مسائية تصدر باللغة العبرية في فلسطين الانتدابية، أسسها يهودا موزس ورئس تحريرها عزرائيل كرليبخ، لكن في 14 شباط / فبراير 1948، ومن دون سابق إنذار، انشق كرليبخ مع مجموعة كبيرة من الصحافيين وطاقم الإدارة والطباعة عن الصحيفة، وأصدروا بين ليلة وضحاها صحيفة منافسة حملت اسم «يديعوت معاريف»، أي «أخبار المساء»، وسرعان ما أصبحت صحيفة «معاريف» الأوسع انتشاراً بعد قيام إسرائيل. لكن عائلة موزس مالكة صحيفة «يديعوت أحرونوت» تمكّنت من ترميم وضع صحيفتها، والانطلاق بقوة واستعادت شعبيتها، ولم تغفر العائلة حتى يومنا هذا إصدار صحيفة «معاريف»، إلى درجة أن بعض المتندرين يقول: «إن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ربما ينتهي إلى حل، بينما حرب (يديعوت أحرونوت) و(معاريف) لا نهاية لها.»65

تمتعت هذه الصحف بتأثير كبير في قرائها، وخصوصاً كتّاب الأعمدة في فترة الييشوف، كان من أبرزهم الشاعر نتان ألترمان، وأهارون تسفنات، وألكسندر بن، ومردخاي شليف، وقد أدت دوراً مؤثراً ربط سكان الييشوف بقيادتهم. وأبرز دليل على ذلك ما جرى خلال حرب 1948 عندما حاصرت القوات العربية القدس وعزلت اليهود فيها ولم تصلهم صحفهم اليومية من تل أبيب،66 التي صدرت فيها صحف مستقلة، مثل: «يديعوت يروشلايم»، و«حدشوت هتسوهرايم» و«حدشوت هعيرف» و«يديعوت أحرونوت» نسخة القدس، و«يديعوت حدشوت» باللغة الألمانية، لأن اليهود فيها لا يفهمون في معظمهم العبرية، ويتحدثون بلغة الييديش / الأيدية (Yiddish)، وهي «لغة 80­% منها ألمانية والباقية عبرية وسلافية، وخصوصاً لليهود الأشكناز.»67

صدرت في سنة 1943 صحيفة «مشمار» كناطقة باسم حركة هشومير هتسعير، وأصبحت الناطقة باسم حزب مبام، وقد غيرت اسمها سنة 1948 إلى «عال همشمار»، أي «بالمرصاد»، وكانت توزع في الكيبوتسات (نظام حياة مشتركة مشابه لنظام التعاونيات الكلوخوز والسفوخوزفي أيام الاتحاد السوفياتي)، وقد أصدرت ملاحق للأولاد من سنة 1945، كما صدرت في سنة 1937 صحيفة «صوت الشعب» / «كول هعام»، وكانت أول صحيفة شيوعية تصدر باللغة العربية، ناطقة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي / ماكي.

أصدرت حركة هتسيونيم هرفزيونستيم التي أُسست في سنة 1923 مع انشقاق زئيف جابوتنسكي عن الهستدروت هتسيونيت صحفاً خاصة بها، كان أولها «جبهة الشعب» / «حزيت هعام»، صدرت خلال الفترة 1931 – 1934، تلتها صحيفة «الأردن» / «هيردين» خلال الفترة 1934 – 1939، و«المراقب» / «همشقيف» من سنة 1938 إلى سنة 1940، أسبوعية، وصحيفة متميزة / «عيتون ميوحاد» خلال الفترة 1933 – 1952، وكانت مجلة أشبه بالصحافة الصفراء. وكان هناك مجلة أُخرى مماثلة قد بدأت بالصدور في سنة 1937 باسم «التاسعة مساء» / «تيشع بعيرف»، وغيرت اسمها في سنة 1946 إلى «هذا العالم» / «هعولام هزيه»، تولى تحريرها من سنة 1950 حتى سنة 1990 داعية السلام أوري أفنيري، وأُغلقت في سنة 1993. وكان الهدف من تغيير أسماء الصحف والمجلات من حين إلى آخر هو التحايل على أوامر الإغلاق التي فرضتها حكومة الانتداب البريطاني على الصحف.

أسست حركة المتدينين المتزمتين أغودات يسرائيل في الفترة 1922 – 1950 أول مطبوعة لها، وكانت أسبوعية حملت اسم «صوت إسرائيل» / «كول يسرائيل». وبدأت حركة بوعالي أغودات يسرائيل في سنة 1932، وبشكل غير منتظم، بإصدار صحيفة غير منتظمة ناطقة باسمها تحت اسم «بوابات» / «شعاريم»، وتحولت في سنة 1951 إلى صحيفة يومية منتظمة.

ومع احتدام الصراع، وخصوصاً ضد الكتاب الأبيض، الذي وضعه الانتداب البريطاني في محاولة لفرض حل في فلسطين – الكتاب الأبيض الأول أُعلن سنة 1922، وقد نص على تأكيد وعد بلفور، وصدر الثاني سنة 1930 وشدد على صك الانتداب وعلى ما جاء في الكتاب الأبيض الأول، ثم جاء الثالث في سنة 1939 ونص على فترة انتقالية لعشر سنوات، تحصل بعدها فلسطين على استقلالها، إذا أتاحت ذلك الأوضاع، وبالتشاور مع عصبة الأمم والدول العربية، وأكد السماح باستمرار هجرة اليهود إليها.68 وبدأت في حينه تظهر صحف سرية ناطقة باسم العصابات الصهيونية الفاعلة، تروج لدعايتها وتحرض على «المقاومة»، وتتحدى الرقابة العسكرية التي فرضها الانتداب على الصحافة والمطبوعات.69

كان الانتداب البريطاني قد سن في سنة 1933 «أمر الصحافة»، كي يستطيع مراقبة الصحافة اليهودية والعربية في فلسطين على حد سواء، ويتمكن من قمعها ومنع أي تمرد أو عصيان ضده. ونص الأمر الذي شكل جزءاً أصيلاً في أنظمة الدفاع (الطوارئ) لسنة 1945، على أن كل مَن يريد إصدار مطبوعة أو صحيفة عليه الحصول على ترخيص من سلطات الانتداب. ومنح هذا الأمر سلطة الانتداب صلاحيات إغلاق أي صحيفة تنشر أو مطبعة تطبع مواد من شأنها «تشكيل خطر على الجمهور.» وقد تبنت السلطات الإسرائيلية هذا الأمر بعد قيام إسرائيل سنة 1948، وظل نافذاً حتى سنة 2017، وذلك بعد انتقادات لاذعة كونه شكل مساساً فظيعاً بحرية التعبير وحرية الصحافة.70

صدرت على هذه الخلفية أول صحيفة سرية في كانون الأول / ديسمبر 1934، إذ أصدرتها عصابة الهاغاناه، المنظمة العسكرية الصهيونية، وهي المنظمة التي شكلت الحجر الأساس للجيش الرسمي الإسرائيلي بعد تأسيس الدولة العبرية سنة 1948، وكانت بمثابة تكتل عسكري عمل تحت إمرة قيادة الييشوف بزعامة دافيد – بن غوريون.

أصدرت الهاغاناه صحيفتها السرية الأولى تحت اسم «بمحنيه» / «في المعسكر»، ثم تحولت هذه الصحيفة في سنة 1947 إلى الناطق الرسمي للهاغاناه، وبعد سنة 1948 أصبحت صحيفة رسمية خاصة للجيش الإسرائيلي. وأصدرت المنظمة الصهيونية نفسها صحيفة سرية أُخرى حملت اسم «أشناب» / «نافذة»، كانت الأوسع في الييشوف حتى سنة 1947، ومثلت الخط المركزي الناشط لحزب مباي. وكان الهدف منها نشر كل الأخبار التي كانت تشطبها وتمنع الرقابة العسكرية للانتداب نشرها في الصحف العبرية اليومية العادية.

أمّا عصابة الإيتسل (المنظمة العسكرية الوطنية في أرض إسرائيل)، وكان زعيمها زئيف جابوتنسكي، ثم خلفه مناحم بيغن، وكانت تتبع حركة بيتار التي أسسها جابوتنسكي مؤسس التيار المنشق عن الهستدروت هتسيونيت احتجاجاً على ما اعتبره الخط المهادن الذي انتهجه حاييم وايزمن بالتعامل مع الانتداب الإنكليزي – وهو الأب الروحي ومؤسس اليمين الصهيوني، خلفه بعد وفاته المبكرة مناحم بيغن (زعيم حركة حيروت، ثم تكتل الليكود ورئيس أول حكومة يمينية سنة 1977)، وصنفها الانتداب البريطاني بأنها منظمة إرهابية.71 فقد أصدرت العصابة صحيفة سرية حملت اسم «همتسودا» / «القلعة» استمرت خلال الفترة 1932 – 1933، وحلت مكانها صحيفة «حيروت» / «الحرية» في آذار / مارس 1942، واستمرت كصحيفة ناطقة باسم حزب حيروت حتى سنة 1965.

وأمّا عصابة ليحي (مقاتلون من أجل حرية إسرائيل)، وكان زعيمها أبراهام شتيرن خلفه يتسحاق شمير – ترأس حكومة اليمين الثالثة في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، وتناوب مع شمعون بيرس على رئاسة حكومة الوحدة الوطنية فيما بعد – فقد أصدرت صحيفة سرية خاصة بها في سنة 1942، استمرت حتى سنة 1945، إذ حلت مكانها في السنة نفسها صحيفة «هحزيت» / «الجبهة»، التي استمرت حتى سنة 1947، ثم أصدرت نشرة سرية يومية في سنة 1947، ظلت تصدر حتى أيلول / سبتمبر 1948 تحت اسم «مفراك» / «برقية». وصنف الانتداب البريطاني عصابة ليحي منظمة إرهابية.72

ب) الإذاعة

1) صوت إسرائيل

بدأت الإذاعة العبرية بالبث بشكل سري في 13 آذار / مارس 1940، شأنها في ذلك شأن الصحف المطبوعة التي صدرت بشكل سري، وذلك لتجنب الرضوخ لرقابة حكومة الانتداب البريطاني. لقد أُنشئت بهدف مواجهة محطة صوت القدس التي أطلقتها حكومة الانتداب باللغتين العبرية والعربية. لكن هذه الإذاعة العبرية السرية عملت بإشراف مؤسسات الييشوف اليهودية تحت اسم صوت إسرائيل، وكان الهدف منها التعبير عن الرؤية الصهيونية لما هو جارٍ، وأيضاً لتأجيج الصراع ضد أهل البلد، لكنها اضطرت إلى التوقف خشية من إلحاق الضرر بالعلاقة مع الحكومة البريطانية في ظل الحرب الكونية الثانية المشتعلة. ثم استأنفت بثها في 14 تشرين الأول / أكتوبر 1945، مستفيدة من صعود حزب العمال إلى الحكم في بريطانيا. ومع سقوط حكومة الانتداب عشية حرب 1948 تم ضم القسم العبري في محطة صوت القدس إلى محطة صوت إسرائيل، التي تحولت منذ سنة 1948 إلى الإذاعة الرسمية لدولة إسرائيل، وأصبحت وحدة حكومية داخل مركز الإعلام الذي ظل يتبع ديوان رئيس الحكومة حتى سنة 1959. وبفعل هيمنة حزب مباي الحاكم وقوة شخصية بن– غوريون وتأثيره، خدمت الإذاعة المصالح السياسية والدبلوماسية وفقاً لما كان يراه الحزب وزعيمه. ولذلك لم تبث أي موضوعات ذات حساسية أمنية أو سياسية تعارضت مع رغبة القيادة السياسية.73

2) صوت صهيون المقاتلة

كانت أول محطة إذاعة عملت بشكل سري خلال فترة الانتداب البريطاني، أنشأتها عصابة الإيتسل في 2 آذار / مارس 1939، وبدأت بثها من تل أبيب، وكانت تبث ثلاث مرات في الأسبوع، فقد كانت أجهزة بثها بدائية صغيرة ومخفية داخل حقائب سهلة الحمل. ولم يتجاوز بثها في كل مرة العشر دقائق، وكان يجري من موقع مختلف كل مرة، وكان جمهورها يعرف تفصيلات مواعيد البث من خلال بيانات تصله من قيادة الإيتسل. وقد تم تمديد بثها لساعة لاحقاً، وعندما وقع الانقسام داخل الإيتسل، إذ انشق عنها أنصار شتيرن وأقاموا عصابة ليحي في تشرين الأول / أكتوبر 1939، أخذ أليعيزر سيركيس الذي كان مكلفاً بالبث الأجهزة معه، وبدأت بعدها إذاعة سرية جديدة تعمل لمصلحة ليحي تحت اسم صوت التنظيم السري العبري.

أشار مناحم بيغن زعيم الإيتسل إلى أهمية هذه الإذاعة السرية في كتابه «التمرد»، إذ كتب: «إذا حاول البريطانيون مصادرة محطة البث الخاصة بنا فسوف يدفعون بالدماء ثمن ذلك.» وكانت الإذاعة السرية للإيتسل قد أنهت بثها في 10 أيار / مايو 1948، وذلك في خطاب القاه بيغن عبر الأثير أعلن فيه انتهاء الإيتسل كمنظمة سرية وتحولها إلى حزب جديد أطلق عليه اسم حركة حيروت (حيروت معناها الحرية) وغيرت المحطة اسمها إلى صوت حيروت.74

ألقى بيغن في 22 حزيران / يونيو من السنة نفسها خطابه الشهير وهو يجهش بالبكاء، فقد أعلن استسلام جماعته منعاً لوقوع حرب أهلية في إثر «واقعة ألتالينا»، إذ إن الجيش الإسرائيلي بأمر من بن – غوريون بعد أن حظر أي وجود لمجموعات مسلحة وأمر بتوحيد السلاح في إطار المؤسسة الرسمية بعد إعلان إقامة الدولة وإنشاء الجيش الإسرائيلي الواحد، قصفت قوات الجيش الناشئ سفينة «ألتالينا»، وهي سفينة كانت تنقل المقاتلين والسلاح للإيتسل، وقد تم قصفها بينما كانت تقترب من شواطئ هيرتسليا شمالي تل أبيب. وكان خطابه الباكي آخر بث لهذه الإذاعة السرية وذلك في 17 أيلول / سبتمبر 1948.75

تم إنشاء إذاعتين أُخريين في سنة 1950 هما: صوت صهيون للمنفى، جاءت بمبادرة مشتركة من حكومة إسرائيل ونقابة العمال الصهيونية العالمية (هستدروت هتسيونيت هكلليت). وكان الهدف الأساسي منها المحافظة على الصلة بين دولة إسرائيل ويهود العالم. وقد بثت بعدة لغات، وأشرفت عليها الوكالة اليهودية ووضعت مضامينها، واستمر بثها حتى سنة 1960، فقد جرى ضمها إلى صوت إسرائيل، أملتها إصلاحات تعلقت بالبث الإذاعي الإسرائيلي.

أنشأت الحكومة الإسرائيلية في سنة 1950 محطة عسكرية خاصة أطلقت عليها اسم غالي تساهل، لخدمة جنود الجيش والأجهزة الأمنية. وحدد رئيس الحكومة بن– غوريون الهدف منها في كلمة استهلت بها إرسالها في يوم إطلاق بثها، وقال إنه يتركز في أمرين: «وسيلة اتصال جيدة وسريعة للتجنيد والتدريب، ووسيلة ثقافية مساعدة لاستيعاب المهاجرين ولترسيخ حضور اللغة وتعزيزها ولاكتساب معرفة البلد وتاريخ الشعب وتوحيد أسباط إسرائيل».76 وما زالت هذه المحطة تعمل حتى يومنا هذا ولها جمهورها الواسع، إذ تبث برامج خاصة مثل: «كولاه شل إيما / صوت أم، عصافير الليل، الجامعة المرسلة، وبرامج إخبارية وموسيقية.»

سابعاً: الإعلام العبري بعد قيام إسرائيل

شهد الإعلام العبري تغييرات وتحولات كثيرة بعد إقامة دولة إسرائيل في سنة 1948، فقد جرى تنظيم البث الإذاعي سنة 1960، الأمر الذي أتاح إنشاء وحدات بث جديدة، فبينما كانت إذاعة صوت إسرائيل خاضعة لديوان رئيس الحكومة، تم إنشاء قناة إرسال جديدة عُرفت باسم ريشيت ب (شبكة ب)، متخصصة بتقديم البرامج الإخبارية، وأصبحت مع السنين الشبكة المركزية لصوت إسرائيل.

أُقيمت في أواسط سبعينيات القرن الماضي إذاعة ريشيت ج، متخصصة ببث البرامج الموسيقية. وجرى في سنة 1958 إنشاء ريشيت د وهي إذاعة ناطقة بالعربية موجهة إلى السكان العرب في إسرائيل وخارجها. وكان هدفها بث رواية بديلة مما تبثه محطات الإذاعة في العالم العربي.

وفي سنة 1965 سُن قانون سلطة الإذاعة، وجاء كخطة حكومية هدفها أول وهلة فصل البث الرسمي عن المؤسسة السياسية تمهيداً لاستقلالية المؤسسات الإعلامية، إلاّ إن الإذاعة الرسمية ظلت تعكس مصالح الدولة طبقاً لما يحدده القادة السياسيون، إذ ظلت المؤسسة السياسية تتحكم فيها من خلال تحديد موازنتها وإقرارها وتعيين مدير الإذاعة وباقي دوائرها.77

يبقى الشاهد الأقوى على سيطرة المؤسسة السياسية على الإعلام في حينه، هو عزل موظفين عن مناصبهم في آذار / مارس 2002، لأن مواقفهم لم ترق للحكومة وتعيين آخرين مكانهم يتبنون موقف الحكومة (صحيفة «معاريف» 26 / 4 / 2002). وشكل هذا تأكيداً لحالة ممتدة منذ قيام إسرائيل، وقد برزت بوضوح عندما وقع الخلاف سنة 1965 بين بن –غوريون وقادة حزب مباي، إذ انشق وأقام حزب رافي (قائمة عمال إسرائيل)، وأثار عرض الخلافات في الإذاعة قلقاً ساور الصحافيين العاملين فيها، فقد خشوا من أن يمسهم سوء في حال سيطر عليها طرف من دون الآخر.

أوجدت الاستقلالية النسبية للإذاعة التي امتدت إلى التلفزيون لاحقاً فارقاً بين حجم ومستوى تمثيل جميع الآراء والتنوع والخلافات السياسية الداخلية وبين مسائل الأمن القومي، سواء أكانت سياسية خارجية أم أمنية تتعلق بالصراع مع العرب بصورة خاصة. و«تقتصر هذه الشبكة على تلك المواقف التي تُعتبر جزءاً من الشرعية الإسرائيلية اليهودية، وخصوصاً الخطاب الرسمي، وشبه الرسمي، الذي تعبر عنه الأحزاب السياسية الصهيونية والقوى الاجتماعية اليهودية.... في هذا المستوى لا يوجد شك في أن الإذاعة تؤدي دور الوساطة المركزي بين الآراء المتعددة لدى الجمهور.... وفي مقابل هذا، في مستوى السياسة الخارجية والأمن.... يشير إلى الصلة الواضحة بين المواقف الرسمية لحكومة إسرائيل وبين شكل تأطير الأخبار والأجندة السياسية للمحطة التي تمثل بإخلاص الأجندة السياسية للمؤسسة السياسية مع إبراز خاص لخطاب الدولة الرسمي.»78

أ) تحوير الخطاب الإعلامي

انعكست التطورات على الخطاب الإعلامي (Terminology)، وعلى عملية السرد الصحافي (Narrative)، وتجسد ذلك ملياً في تغطية سلطة البث لجميع الأحداث الأمنية والسياسية المتعلقة بالصراع العربي– الإسرائيلي، بالإضافة إلى انتفاضة الأقصى بأحداثها المتعددة وتفصيلاتها في سنة 2000 وما تلاها، وكذلك للحرب الإسرائيلية على لبنان سنة 2006، ثم الحروب الثلاث المتكررة على غزة في السنوات 2008 / 2009، 2012، 2014، وبالتالي في تغطيتها موجات التصعيد العشر التي توالت على مدار عام من انطلاق مسيرات العودة في 30 آذار / مارس 2018 على حدود قطاع غزة، وتشديد إسرائيل والولايات المتحدة الحصار المالي على السلطة الفلسطينية في النصف الثاني من سنة 2018 والذي تصاعد في النصف الأول من سنة 2019. وليس أدل على بشاعته من تعامل الإعلام الإسرائيلي ونقله على مدار أربعة أيام من 16 – 20 حزيران / يونيو 2019 شائعات، مثل: «اغتصاب عامل فلسطيني لطفلة يهودية في السابعة» والذي تبين بعد خمسين يوماً من اعتقاله، إذ سلمت وسائل الإعلام الإسرائيلية وتحديداً الرسمية بالرواية الرسمية التي سرعان ما فندتها الوقائع، وظهرت كفرية دموية هدفها التحريض على الفلسطينيين بصورة عامة.79 فقد بدأت وسائل الإعلام العبرية نقل الخبر بنص يقول: «فلسطيني يختطف ويغتصب ويعتدي على طفلة يهودية في السابعة....» ثم تذكر في التفصيلات اسمه وعمره واسم قريته وتعرض التفصيلات بشكل مزر وحشي مثير للتقزز والغضب لدى كل من يسمعها. وكان المتهم عاملاً بسيطاً من إحدى قرى غربي رام الله وكان يعمل متعهداً، لكن الخطاب الإعلامي الرسمي الإسرائيلي حط من مكانته فوصفه بأنه خادم في مدرسة لإحدى المستعمرات القريبة من قريته يدخل إليها بتصريح من سلطات الاحتلال. وقد تم فتح ملف التحقيق من جديد بعد أن تبين أنه ملآن بالثغرات وأن الوقائع المذكورة غير حقيقية وليس هناك بينات تؤكد صحتها، وبدت القضية ملفقة لا أساس لها، وقد قادت طريقة الإعلام الإسرائيلي في نقل الخبر في أيامه الأربعة الأولى إلى موجات تحريض عنصرية شارك فيها رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي واكتظت بها منصات التواصل الاجتماعي، وكان ما فعله الإعلام العبري بمثابة محاكمة ميدانية هدفها إظهار العربي همجي ومجرم بطبيعته،80 مع العلم بأنه لا يُذكر هوية الجاني واسمه عندما يكون يهودياً إلاّ بعد إدانته أو تقديم لائحة إتهام مؤكدة بحقه. وما جرى غداة يوم الغفران (يوم كيبور) 10 / 10 / 2019 دليل جديد، فقد استهلت قناة التلفزة الرسمية (كان) القناة 11 نشرتها في اليوم التالي ليوم الغفران اليهودي بخبر عن مصرع طفلين أحدهما عربي من مدينة اللد والآخر يهودي من مدينة تل أبيب، إذ قتلا في حادثي دهس منفصلين كل في مدينته. وقد ذكر الخبر اسم السائق العربي الذي دهس بسيارته الطفل اليهودي، بينما كان على دراجته، لكنه غض الطرف متعمداً عن هوية واسم السائق الثاني الذي دهس الطفل العربي واكتفى بالإشارة إليه بعبارة السائق لأنه كان يهودياً.

لم يأتِ خطاب إعلامي كهذا من فراغ، فقد تم في سنة 1972 توزيع وثيقة داخلية للمناقشة حملت عنوان: «صدقية، نزاهة، توازن، مهنية في بث الأخبار وشؤون اليوم....». وتلا ذلك صوغ قائمة توجيهات خاصة بالعاملين في التلفزيون والراديو بحكم أنهما يتبعان سلطة بث عامة ورسمية تعمل بموجب القانون. وحملت قائمة التوجيهات هذه اسم «وثيقة ناكدي» نسبة إلى كاتبها ناكديمون روغل، وقد تم تعديلها ثلاث مرات في السنوات 1979 و1985 و1995، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة بنودها أربع مرات عما كانت عليه في نصها الأصلي إلى أن بلغت 161 بنداً.

كانت الوثيقة في بدايتها بمثابة مدونة أخلاقيات عالجت الجانب المهني إلى جانب تعريفات عامة كانت أشبه بخطوط حمراء. وكانت دوافع وضعها تنظيمية وأخلاقية وسياسية، لكن الدافع الأخير كان الأهم. وتجلى الأمر بعد استلام يوسف «تومي» لبيد منصب المدير العام لسلطة البث سنة 1979 بعد سنتين من الانقلاب الذي أحدثته الانتخابات البرلمانية سنة 1977، إذ انتهت بفوز اليمين بزعامة مناحم بيغن برئاسة الحكومة، فقد أمر لبيد «بتحديثها لتتلاءم مع المستجدات والمتغيرات السياسية.» إذ اشتملت على عشر فئات هي: تعليمات مهنية، التعامل مع القوانين، قيود وتوجيهات لغوية، أحداث إرهاب وأمن، سياسة إسرائيلية، المناطق والنزاع الإسرائيلي – العربي، العلاقات مع منظمات إعلامية أُخرى، شؤون الدين، قيود وظيفية – شخصية، علاقات مع الناطقين وشخصيات العلاقات العامة.

كان الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من أبرز الموضوعات التي أُدخلت تعديلات وتوجيهات على آلية التعامل معه في إطار التغطية الصحافية، وتركز الحديث عن منظمة التحرير الفلسطينية ورجالاتها، إذ نص التعديل الثالث في سنة 1985 على تعليمات بشأن تغطية الأخبار في الأراضي المحتلة، التي كان المصطلح المستخدم عنها «هشطحيم هموحزقيم»، أي المناطق المدارة، واستبدل المصطلح بأمر من إدارة سلطة البث إلى «يهودا والسامرة وغزة»، وذلك في إشارة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. وحظر الأمر استخدام عبارة الضفة أو الضفة الغربية. كما حظرت التعليمات استخدام عبارة «علم فلسطين» والاستعاضة عنه بعبارة «علم م. ت. ف. / علم أشاف»، وألاّ تُستخدم سلطة البث كمنصة لدعاية «جهات معادية»، وكُلف المدير العام لسلطة الإذاعة فحص «كل مقابلة من يهودا والسامرة وغزة» وتحديد صلاحيتها للبث. وجاءت صيغة سنة 1995 وأدخلت تعديلاً أتاح إجراء مقابلات مع قادة منظمة التحرير الفلسطينية ووصفهم بـ «شخصيات.»81

ترتب على ذلك وبشكل عاجل «غسيل كلمات» مثلما وصفها الروائي الإسرائيلي دافيد غروسمان في كتابه «الزمن الأصفر»، وبالتدريج تطور صنف جديد من الكلمات المجندة الخائنة، «كلمات فقدت معناها الأصيل، كلمات لا تصف الواقع، وإنما تحاول إخفاءه، فأصبحت عبارة – توحيد المدينة – بدلاً من ضم القدس الشرقية، وكلمة – عيبوي / تكثيف – بدلاً من توسيع المستعمرات فوق أرض عربية، وتحريض بدلاً من إعراب العرب عن الرأي، وليس هناك مثقفون عرب، وإنما متعلمون فقط، وليس هناك مزارعون عرب وإنما قرويون، وليس هناك شوارع في مدن الضفة الغربية وإنما أزقة (مظلمة تعج بالجريمة)، والعرب لا يتظاهرون وإنما يشاغبون، وليس هناك تظاهرات، وإنما أعمال شغب واضطرابات.... جنود دورية للجيش الإسرائيلي، هوجموا صباح اليوم قرب مخيم بلاطة، أطلقوا أصوات تحذير، ثم أطلقوا النار في الهواء.... ولقي اثنان من العرب مصرعهما في الحادثة.»82

استحوذ ذلك على الخطاب الإعلامي وتعزز لغاية يومنا هذا، لا بل أصبح سائداً في وسائل الإعلام الإسرائيلية سواء تلك الرسمية التابعة لسلطة البث التي أصبح اسمها هيئة البث في سنة 2016، أو في وسائل الإعلام التجارية والخاصة، والإعلام الجديد، إلى درجة أن يصل الأمر ببروفسور في معهد التطبيق التقني، التخنيون، في حيفا إلى نشر تغريدة على صفحته في تويتر تساءل المعقبون الإسرائيليون عليها فيما إذا أصبح «يودو نازي / نازية يهودية» في إسرائيل أمراً مشروعاً. فقد كتب البروفسور يتسحاق بيرك على صفحته التالي: «يتم عرض سكان غزة كأبرياء أسرى منظمات إرهاب، لكن الحقيقة أن جذر معضلة غزة هي في الانفجار السكاني، والمسؤولون عنه هم أنفسهم أولئك الأبرياء، هذا ليس من عند الله ولا من عند (حماس). وتساهم في ذلك الأونروا التي تزودهم بالغذاء والخدمات الصحية الأساسية، وهكذا تمنع الطبيعة من خلق توازن في المواليد الزائدة ووفاة الأطفال، هذا هو قرن الثور.»83

كانت مقولة «شيكت يوريم» / سكوت، نطلق النار (t be quiet, Shooting) قد أصبحت مبدأً ملزماً للإعلام الإسرائيلي، وخصوصاً في فترات التوتر الأمني والحروب، وقد تجسد ذلك في تبنّي الصحافيين والصحافة الرواية الرسمية، وخصوصاً في نقلهم وتغطيتهم الأحداث الجارية. وأرسى هذه المقولة عنوان افتتاحية صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 6 حزيران / يونيو 1982، إذ دعت فيها إلى الالتفاف حول الجيش الإسرائيلي خلال اجتياحه لبنان في تلك الأيام ودعمه من دون تحفظ. «لا معارضة اليوم، لا ليكود ولا معراخ، لا متدينين ولا علمانيين ولا أغنياء ولا فقراء، لا فزفز ولا تشختشخيم – كلمات تحقير يتبادلها الشرقيون والغربيون بعضهم ضد بعض، الآن كلنا شعب واحد، بالبزة العسكرية، الآن نطلق النار، سكوت.»84 وهي مستنبطة من مقولة مماثلة التزمت بها الصحافة الأميركية خلال السنوات الأولى من الحرب الأميركية على فيتنام (Rally around the flag)، معناها التجمع حول العلم، ومضمونها الالتزام بالرواية الرسمية للجيش الأميركي.

أصبح هناك صحافيون ومعلقون يتصرفون كأنهم يصدرون الأوامر إلى كل من الرأي العام والحكومة والجيش، ويحرضون ويدعون إلى التحرك والتصعيد، وتخصص بذلك المراسلون والمحللون في الشؤون العربية والفلسطينية، والمتخصصون بالشؤون العسكرية والأمنية خلال الحروب وفترات التوتر، سواء بدعوتهم إلى تصعيد الهجمات على غزة ولبنان، أو الانتقام من الفلسطينيين، أو إبداء الإعجاب وتبرير جرائم الجيش ضد الفلسطينيين والاعتداءات التي توالت في عمق سورية الدامية منذ اندلاع الاقتتال الداخلي فيها. لا بل وصل التمادي بالمعلق العسكري في قناة التلفزة 12 روني دانييل وخلال حديث عن تصعيد محتمل مع غزة إلى حد مطالبة الجيش الإسرائيلي بعدم انتظار خروج المواطنين الفلسطينيين من المباني التي يريد قصفها في غزة، واستحثه على قصفها وإيقاع قتلى في صفوف ساكنيها.85

ب) الإعلام المرسل / الإذاعة والتلفزيون

1) محطات الإذاعة

تعمل في إسرائيل نحو 100 محطة إذاعة بين رسمية وخاصة وغير قانونية، ولقد سهل التطور التقني والبنية التحتية للاتصالات والبث عبر الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية (Digital)، وصول الإذاعات إلى مستمعيها. فبعد إذاعة صوت إسرائيل التي أنشئت في آذار / مارس 1940، ومحطة إذاعة صوت صهيون المخصصة لليهود في دول العالم سنة 1950، إذ تم ضمها إلى صوت إسرائيل سنة 1960، وما ترتب على ذلك من شبكات أُخرى تابعة، مثل صوت إسرائيل بالعربية سنة 1958، وإذاعة الجيش غالي تساهل سنة 1950.

بعد كل ذلك نشأت في أيلول / سبتمبر 1995 المحطات الإقليمية (المناطقية)، وأصبح عددها 14 محطة خلال سنة من ذلك، بشكل مصرح به وتضاعف عددها ثلاث مرات في غضون السنوات الثلاث التالية، ليصل في سنة 2018 إلى نحو مئة محطة.86

كان أول بث إذاعي عبر الإنترنت في العالم قد بدأ في 10 تشرين الثاني / نوفمبر 1994 من شركة ميديا ديجيتال. وبدأ البث الإذاعي الأول عبر الإنترنت في إسرائيل مطلع سنة 2000 كجزء من نشاط شركة نتكنغ (Netking) فقد شغّلت ست قنوات بثت موسيقى، واستمرت مدة سنة فقط، وتم خلالها بث برامج إذاعية حية.87 وهكذا تدرجت كل محطات الإذاعة ونشأت أُخرى جديدة تبث عبر الإنترنت فضلاً عن البث عبر الأثير.

2) محطات التلفزة

تعمل في إسرائيل ست شركات تقدم خدمات بث تلفزيوني متعدد القنوات:

1 – عيدان – تنقل بثاً تلفزيونياً رقمياً بخطوط تحت أرضية لعدد من القنوات المنتشرة على امتداد البلد وبإشراف الدولة.

2 – HOT – تنقل البث للمشتركين بواسطة الكوابل، وتتبع لها شركة Nex Tv التي تنقل البث بالشبكة العنكبوتية (الإنترنت).

3 – YES – خدمة تلفزة فضائية، تنقل البث للمشتركين بواسطة أقمار الاتصالات. وتتبع لها شركة StingTv التي تنقل البث بالشبكة العنكبوتية (الإنترنت).

4 – سيلكوم tv – تنقل البث بتقنية OTT.

5 – بارتنر tv – تنقل البث بتقنية OTT.

6 – تسوفيا – تنقل البث من خلال الشبكة العنكبوتية / الإنترنت.

أضيفت خمس قنوات تجارية إلى القناتين اللتين عملتا في إسرائيل، وهما القناتان البارزتان القناة 12 وتقوم عليها شركة الإنتاج التلفزيوني كيشيت، والقناة 13 وتقوم عليها شركتا الإنتاج ريشيت وRGE. فقد كانت حتى تشرين الأول/أكتوبر 2017 شركات ريشيت وكيشيت والقناة العاشرة، تعمل وفق امتيازات خاصة، لكنها تحولت بعدها إلى العمل بموجب تراخيص، إذ كانت ريشيت وكيشيت تتقاسمان البث في القناة الثانية، وظلت القناة العاشرة تعمل بشكل مستقل حتى 16 كانون الثاني / يناير 2019، فقد جرى في هذا التاريخ دمج شركة ريشيت مع مشغلي القناة العاشرة في قناة واحدة هي القناة 13 (ريشيت 13) وتوقفت القناة العاشرة عن البث.

كانت وزارة الاتصالات الإسرائيلية قد اتخذت قراراً في نهاية تسعينيات القرن الماضي بإقامة خمس قنوات تلفزيونية مخصصة (Dedicated Channel)، جاء معظم تمويلها من الإعلانات، وهي خاصة بشرائح سكانية محددة، وشملت إقامة (هلا TV) باللغة العربية (قناة إخبارية)؛ (قناة 9) باللغة الروسية؛ (قناة 24) قناة موسيقية؛ (قناة 20) تراث. وقد انطلقت جميعها باستثناء القناة الإخبارية، وشبكة التلفزة i24News التي تشغّل ثلاث قنوات أخبار بالعربية والإنكليزية والفرنسية.

إن المجلس للبث بالكوابل والأقمار الصناعية، وهو مجلس عام (Public Council)، مواز للسلطة الثانية للتلفزيون والإذاعة، ظل يشرف على منح التراخيص ووضع الأسس للبث حتى آذار / مارس 2018، وكان المسؤول عن بث القنوات التالية: القناة 20، 24، 9، هلا، لكن بعدها وبموجب قانون جديد انتقلت المسؤولية إلى السلطة الثانية للبث، وهي سلطة جاءت بموجب قانون تم سنه سنة 1990 أقره الكنيست تحت اسم «قانون السلطة الثانية للتلفزيون والإذاعة». وهدف هذا القانون إلى حماية الإنتاج الإسرائيلي الأصيل عن طريق السماح بإنشاء محطات تلفزة وإذاعة أُخرى من خلال المناقصات. واعترف القانون في مقدمته بأن «البث الإذاعي لصوت إسرائيل وغالي تساهل، كونه بثاً قطرياً، لا يلبي دائماً المتطلبات الخاصة لمناطق متعددة في الدولة، كما أنه توجد في الأماكن البعيدة صعوبات في التقاط هذا البث.» وقد حددت المادة الخامسة من القانون وظيفة السلطة الثانية وأهدافها بما يشبه ما جاءت به المادة الثالثة من قانون سلطة الإذاعة لسنة 1965 مع إضافة تنص على «منع بث ما هو غير مصرح به وفق هذا القانون.»88

انطلقت في إطار هذا القانون قناة التلفزة الثانية (أصبحت القناة 12 ابتداء من بداية سنة 2019). وكانت قد بدأت بثها التجريبي في تشرين الأول / أكتوبر 1986، وتبعت لسلطة البث الثانية، وهو ما فرض عليها قيوداً مشددة تحررت منها بعد أن انفصلت عنها وخضعت للسلطة الثانية بعد سن القانون الخاص بها سنة 1990. وقد أقيمت القناة الثانية بحسب نموذج محطة ITV البريطانية، واعتمد دخلها على الإعلانات التجارية، «فهي، بكل ما في الكلمة من معنى، قناة تجارية. لكن إلى جانب هذا، يراقبها مجلس عام من أجل التأكد من تنفيذ شروط اتفاقية الامتياز وفقاً للقانون وللحفاظ على جودة البث.»89

كانت شركات الإنتاج والأخبار التي تدير القناة الثانية قد ضاقت ذرعاً بالامتياز الممنوح من الحكومة والمحدود بفترة زمنية تصل إلى ست سنوات، تتجدد بعد انتهائها من خلال تقديم مناقصات. وتم حسم الجدل بشأن تحويل «الامتياز المحدود بزمن» إلى ترخيص مفتوح في كانون الثاني / يناير 2001، وهو ما أتاح للشركات المتنافسة خوض المناقصات الجديدة، وانطلاق القناة العاشرة (أصبحت القناة 13 مع مطلع سنة 2019) وذلك في 28 كانون الثاني / يناير 2002.

أتاح التطور التقني المتصاعد ظهور شركات البث التلفزيوني والإذاعي بواسطة الكوابل، وبدأت بناء على تعديل قانون خدمات الاتصال السريعة لسنة 1986، شركات الكوابل بوصل المنازل في سنة 1991. وأتاح هذا التطور إقامة محطات كوابل وتشغيلها، وفتح الباب أمام البث التلفزيوني عن طريق القمر الصناعي. فقد أنشأت وزارة الاتصالات سلطة الكوابل، وتم تقسيم البلد إلى 32 دائرة امتياز متعددة، تم منح شركة واحدة في كل منها حق الامتياز. لكن جرت في غضون فترة وجيزة صفقات بين هذه الشركات، شهدت بيعاً ودمجاً، وهو ما أدى إلى تقلص عددها إلى ثلاث شركات، تعاونت فيما بينها على شراء برامج من خارج البلد، وفي مجال الإنتاج المشترك للبرامج المحلية. وأتاح ظهور شركة YES في سنة 2001، وهي شركة إرسال تبث عبر الأقمار الصناعية وبطريقة رقمية للمستهلك اختيار ما يرغب في مشاهدته من أرشيفها (VOD خدمة الفيديو بحسب الطلب). وحصلت شركات الكوابل الثلاث في آذار / مارس 2002 على موافقة رسمية بالاندماج في شركة واحدة، وهكذا أقيمت شركة HOT، وهو ما فتح باب المنافسة على مصراعيه وأتاح لها الاستمرار.

ج) الصحافة الورقية / المطبوعة

تسيطر أربع عائلات على سوق الصحافة اليومية في إسرائيل. وتشكل صحف «يسرائيل هيوم»، و«يديعوت أحرونوت»، و«معاريف»، و«هآرتس» و«مكور ريشون» بالإضافة إلى الصحف الاقتصادية «غلوبس» و«كلكاليست» و«ذي ماركر» مجتمعة قائمة الصحف اليومية الأساسية في إسرائيل.

فضلاً عن هذه الصحف هناك صحف المتدينين اليهود، أو كما يطلق عليها اسم «صحافة الحريديم»، وهي صحافة متخصصة بشؤون الطوائف اليهودية المتزمتة، مثل صحف «همفاسير»، «هموديع»، «همفلس»، «يتيد نئمان». بالإضافة إلى الأسبوعيات وهي: «بشفوع»؛ «هديرخ»؛ «مشبحا»؛ «يوم ليوم» ؛ «بكهيلا».

وكانت إسرائيل قد شهدت منذ ثمانينيات القرن الماضي ازدهاراً في سوق الصحافة المحلية، التي تخصصت بنقل الأخبار المحلية في مختلف المدن والمناطق من البلد، كما بدأ في سنة 2008 ظهور صحف يومية مجانية لكنها لم تدم طويلاً.

حاول الخبير الصحافي الإسرائيلي أفيف لافي الوقوف على وزن الصحف وتأثيرها (كان ذلك قبل ظهور «يسرائيل هيوم» الصحيفة المجانية الموالية لنتنياهو)، إذ بحث عن رد على السؤال «ما هي وسيلة الإعلام الأكثر تأثيراً في إسرائيل؟»90 ولم يصل إلى رد شاف، فالأمر كما وجد لا يرتبط بسعة الانتشار بصورة خاصة، إذ إن هناك مَنْ يدعي أن «هآرتس» لها التأثير الأكبر في صناع القرار. لكن يكمن الهم الأساسي للساسة فيما يفكر الناخبون في شأنهم، وهذا يعني أن التلفزة والإذاعة والصحف الأوسع انتشاراً، مثل: «يديعوت أحرونوت» و«يسرائيل هيوم»، لها التأثير الأكبر بالنسبة إليهم، بينما يهتم الأكاديميون والعاملون في قطاع الأعمال والاقتصاد بشكل أكبر بما تكتبه عنهم صحف، مثل «هآرتس» و«غلوبس.»91

سيطرت أربع عائلات على سوق الصحافة اليومية في إسرائيل لعقود طويلة.92

«يديعوت أحرونوت»: أسستها وما زالت تملكها عائلة موزس منذ سنة 1939، وهي عائلة تنحدر من أصل بولوني، لكنها نجحت في الفصل بين ملكيتها وإدارتها، الأمر الذي أتاح لها توفير تعددية في الآراء، ولا تُحسب على الصحافة الصفراء أو النخبوية. ويتميز أسلوبها بالمعلومات المختصرة واللغة المتوسطة والعناوين الملونة الجذابة، وتخاطب طبقات واسعة من المجتمع، وهو ما مكنها من احتلال الصدارة عند الجمهور منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي وحمل صفة صحيفة الدولة («هعيتون شل همديناه»)، وهو ما جعل انتشارها يصل إلى 70­% في أيام ازدهارها. لكن رواجها تراجع بشكل هائل، وبلغ 33,4­% في سنة 2018.93 إذ تأثرت كثيراً من ظهور الصحيفة المجانية «يسرائيل هيوم».

تُعتبر صحيفة «يديعوت أحرونوت» «سفينة القيادة» في شركة الإعلام المملوكة لعائلة موزس، والتي ضمت في ذروة ازدهارها قبل عقد من الزمان 17 صحيفة محلية، و6 مجلات دورية، وصحيفة يومية باللغة الروسية، وداراً للنشر، وشراكة في شركة صاحبة امتياز في إدارة إرسال تلفزيوني عن طريق الكوابل، وشراكة في شركة للموسيقى، وأُخرى للإعلانات والدعاية، ودخلت عالم الإنترنت بموقع إخباري يحتل الصدارة منذ انطلاقه.94

صحيفة «هآرتس»: أُسست سنة 1918 وتملكها عائلة شوكن منذ سنة 1934، وتنحدر هذه العائلة من أصل ألماني. وتبنت منذ انطلاقتها خطاً تحريرياً معتدلاً في الموضوعات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وخطاً ناقداً للسياسة الرسمية في كثير من الأمور. وقد أدى هذا إلى تطوير صورة نخبوية للصحيفة، تجسدت في مستوى لغوي رفيع، وتحرير رصين وتنوع وعمق في التحليلات، وأطلقت على نفسها «صحيفة لأشخاص يفكرون / عيتون لأنشيم حوشفيم». وجعل ذلك انتشارها محصوراً في الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا، ولم يتجاوز 7­% في أحسن أحواله. ووصل رواجها في سنة 2018 إلى 4,9­% في الأيام العادية و5,9­% في أيام الجمعة / نهاية الأسبوع.95

جعلت صدقيتها العالية تأثيراً قوياً لها في الرأي العام وصناع القرار محلياً وعالمياً. وتملك عائلة شوكن داراً للطباعة والنشر وشبكة صحف محلية يصل عددها إلى 14 صحيفة. وتستهدف الأوساط اليمينية، إذ تتهمها بالترويج والتعاطف مع الفلسطينيين لنشرها أخباراً ناقدة للاحتلال ولسياسته واستمراره. ويتمتع موقع الصحيفة في الإنترنت باللغتين العبرية والإنكليزية بصدقية عالية.

صحيفة «معاريف»: ظلت فترة طويلة منذ تأسيسها سنة 1948 ملكاً لمحرريها وصحافييها ومستثمرين خاصين، وامتلك معظم أسهمها في سنة 1988 الثري اليهودي البريطاني روبرت ماكسويل، وبعد وفاته بيعت في أوضاع غامضة في سنة 1991 إلى شركة هخشارات هيشوف التي تملكها عائلة رجل الأعمال والاستخبارات تاجر السلاح يعقوف نمرودي. وأصبحت بذلك ثالث صحيفة يومية بملكية عائلية في إسرائيل. واتسمت «معاريف» بخط محافظ بعض الشيء، إذ دأبت ومنذ انشقاقها عن صحيفة «يديعوت أحرونوت» سنة 1948 في الحفاظ على درجة عالية من الصدقية تجاه المجتمع اليهودي، وتزويد قرائها بمعلومات تتماشى مع منظور أصحابها، الذين يُعتبرون من ذوي المواقف السياسية القومجية المحافظة، الأمر الذي مكّنها من أن تصبح الأكثر رواجاً في إسرائيل خلال خمسينيات القرن الماضي حتى منتصف سبعينياته. ثم تدهور وضعها، وتراجع رواجها على نحو كبير منذ أن استعادت «يديعوت أحرونوت» الصدارة في مطلع سبعينيات القرن الماضي. ومرت «معاريف» خلال العقدين الأخيرين وتحديداً السنوات العشرين الماضية بأزمة كادت تقضي عليها، وذلك بفعل خلافات داخلية لاعتراض أصحابها على تنوع الآراء فيها، وعدم مرونة محرريها، وظهور الصحيفة المجانية «يسرائيل هيوم» في العقد الأخير، وهو ما تسبب بتدني رواجها بشكل هائل في السنوات الأخيرة ليصل إلى 5,6­% في سنة 2018.96

صحيفة «يسرائيل هيوم»: صحيفة يمينية موالية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو منذ انطلاقها في تموز / يوليو 2007. ويملكها ويمولها الملياردير اليهودي الأميركي شلدون إيدلسون الذي تربطه بنتنياهو علاقة وطيدة. واستقطبت في بدايتها صحافيين مخضرمين من أمثال دان مرغليت ومردخاي غيلات، لكنهما أُقيلا بعد خلافات قيل إن نتنياهو وزوجته سببها. وتوزع هذه الصحيفة مجاناً، لذلك أُطلق عليها بالعبرية مصطلح «حينامون / حينام عيتون»، (صحيفة ببلاش). وتوزع مجاناً في جميع المواقع العامة من جامعات ومحطات حافلات وقطار والمستشفيات. وكسبت ثقة الأوساط اليمينية واليمينية المتطرفة واستحوذت على قطاع واسع من الإعلانات، الأمر الذي أثر سلباً وسبب خسائر مالية في مداخيل الصحف الرئيسية مثل «يديعوت أحرونوت» و«معاريف» و«هآرتس». ووصلت نسبة رواجها في سنة 2018 إلى 34,4­%، لكن ذلك شكل تراجعاً عما كانت عليه الصحيفة في سنة 2017، إذ بلغت نسب رواجها 36,7­%.97

د) الصحافة الرقمية (Digital Media)

أشار آخر استطلاع أجرته جمعية الإنترنت في إسرائيل لسنة 2017 أن 90­% من الإسرائيليين يستخدمون الإنترنت، وأن 75­% منهم يقرأون الأخبار عبره، ويتابع 51­% الأخبار من خلال مواقعها المعروفة، أي ynet ،walla ،Mako ،nrg، وموقع القناة الثانية، و«هآرتس». وفضلاً عن هذا تضم القائمة 43 موقعاً لصحف متخصصة في مجالات متنوعة مثل، مجلات شهرية وأسبوعية، وثلاثة مواقع لصحف للمتدينين المتزمتين، وخمس مجلات وصحف نسوية، وخمس صحف ومجلات للأولاد والشبيبة، وثلاث صحف باللغة الروسية، وثلاث صحف اقتصادية وخمسة مواقع عربية، و19 مجلة في مجالات متعددة. وتحظى الصحافة الرقمية بـ 30­% من كعكة الدعاية والإعلان التي وصلت في مجموعها إلى نحو مليار ومئة مليون دولار سنة 2016.98

ثامناً: الصحافة العربية في إسرائيل، والعرب في الصحافة الإسرائيلية

أشار مؤشر تمثيل العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في وسائل الإعلام الإسرائيلية العبرية إلى أن حضورهم واستضافتهم للحديث عن قضاياهم وصل إلى حضيض غير مسبوق، وأن عملية إقصائهم سجلت خلال الأسبوع الثاني من أيار / مايو 2019 وضعاً مزرياً، إذ بلغت مشاركتهم ما نسبته 1,4­%. فقد شارك 3100 متحدث إسرائيلي في برامج الأخبار وبرامج الأحداث الجارية التي قدمتها المحطات المركزية خلال الفترة الممتدة من 12 – 18 أيار / مايو 2019، كان منهم 42 متحدثاً عربياً فقط.99

لم تتجاوز نسبة تمثيل العرب خلال الأسبوع الثالث من أيار / مايو 10­% في 23 برنامجاً رائداً في الأخبار وبرامج الأحداث الجارية في القنوات الخمس المركزية.

يشكل العرب الفلسطينيون داخل الخط الأخضر أكثر من 20 من المجموع الكلي للسكان في إسرائيل، لكنهم بحكم الغائبين عن البرامج المتميزة ذات الشعبية العالية في وسائل الإعلام الإسرائيلية العبرية. فقد أشار مؤشر التمثيل في وسائل الإعلام في أيلول / سبتمبر 2018، إلى أن لا وجود لهم في 13 برنامجاً مركزياً في الإذاعات والتلفزة الإسرائيلية، وأن نسبة تمثيلهم فيها كانت صفراً، علماً بأن عدد مَنْ تمت استضافتهم في هذه البرامج بلغ 600، خلال ذاك الشهر الذي سجل عملية إقصاء للعرب في وسائل الإعلام المركزية في إسرائيل، إذ لم تتجاوز نسبة تمثيلهم فيها 1,1­%.100

لا ينحصر إقصاء العرب عن سوق الإعلام في إسرائيل في حجم مشاركتهم كضيوف متحدثين في وسائل الإعلام العبرية، أو كصحافيين عاملين فيها، إذ يكاد عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وإنما يمتد إلى قلة وسائلهم الإعلامية المحلية وضعف حالها. وتشبه مسيرة الصحافة العربية الفلسطينية فيما أصبح «إسرائيل» قصة تطور المجتمع العربي الفلسطيني فيها.101 إذ عانت بعد النكبة سنة 1948 القطيعة عن جذورها وعن أمتها والانقطاع عن العالم الخارجي. ولا تزال تعيش عملية ترميم وسط سياسة حصار وسياسة استعلائية قاسية من المؤسسة الإسرائيلية وحكامها. لكن صحفاً مثل صحيفة «الاتحاد» وأُخرى صدرت في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته ساعدت في أداء دور مهم في بناء واقع المجتمع العربي في إسرائيل.102

شكلت صحيفة «الاتحاد» الناطقة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي حالة فريدة متميزة بين الصحف الناطقة باللغة العربية التي صدرت بعد النكبة الفلسطينية فيما أصبح يُعرف بإسرائيل، سواء في استمراريتها أو في خطها التحريري المتميز من سائر الصحف التي أصدرتها المؤسسة الإسرائيلية وأحزابها الصهيونية. وتُعتبر «الاتحاد» الصحيفة العربية الوحيدة التي انطلقت في فلسطين قبل النكبة ولا يزال صدورها متواصلاً حتى يومنا هذا، إذ بدأت سنة 1944 كمجلة ناطقة باسم عصبة التحرر الوطني الفلسطيني، وتحولت إلى صحيفة أسبوعية ناطقة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي سنة 1948 (حزب عربي يهودي)، وبدأت سنة 1983 بالصدور كصحيفة يومية. وقد تبنت منذ بدايتها على الرغم من كل الأوضاع السياسية التي عايشتها خطاً مؤيداً لإقامة دولة فلسطينية وعبرت عن حاجات الجمهور العربي.

واجه مَنْ تبقى من الفلسطينيين داخل ما أصبحت تعرف بمناطق الخط الأخضر، وأقيمت عليها إسرائيل بعد نكبة فلسطين سنة 1948، محاولات قوية من المؤسسة السياسية الإسرائيلية للسيطرة عليهم وعلى وعيهم الجمعي.103

تميزت تلك المحاولات بإنشاء المؤسسة الحاكمة وبعض أحزابها المتنفذة صحفاً باللغة العربية خلال أول عقدين من قيام إسرائيل الدولة، ولم تتردد هذه الجهات في استخدام ما سلبته من الفلسطينيين خلال حرب سنة 48، إذ استخدمت نقابة العمال العامة (الهستدروت هكلليت) مقر صحيفة «فلسطين» ومكاتبها ومطبعتها في يافا لإصدار صحيفة «اليوم» باللغة العربية التي بدأت بالصدور في خريف سنة 48 واستمرت حتى سنة 1968. وكانت صحيفة موالية لصحيفة «دافار» العبرية التابعة لحزب مباي الحاكم بزعامة بن – غوريون، مهمتها ترويج سياسة الحكومة الإسرائيلية للمواطنين العرب في إسرائيل، وحلت مكانها صحيفة «الأنباء» ابتداء من سنة 1968، وكانت موجهة أيضاً إلى أبناء الشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين احتلتهما إسرائيل قبل عام من ذلك. وحاولت هذه الصحيفة الاستفادة من التضييقات التي فرضتها سلطات الاحتلال على الصحف الفلسطينية الصادرة فيها خلال سبعينيات القرن الماضي وتحديداً صحف «القدس» و«الفجر» و«الشعب». لكن صحيفة الأنباء توقفت عن الصدور سنة 1984 لرفض الشارع العربي لها كسابقتها صحيفة «اليوم». وكان محررو صحيفتي «اليوم» و«الأنباء» من اليهود الشرقيين الذين يتقنون اللغة العربية، وحاولوا استقطاب صحافيين وكتّاب عرب.

صدرت صحف ونشرات صحافية ومجلات عن أحزاب صهيونية أُخرى: صحيفة «المرصاد» لحزب مبام الصهيوني الاشتراكي؛ صحيفة «الأمل» لحزب أحدوت هعفوداه؛ نشرة المركز لحزب الصهيونيين العموميين، وكان هدفها الأساسي تعزيز قبضة السلطة الإسرائيلية على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، لكنها تلاشت في ستينيات القرن الماضي.

بدأت تصدر في سنة 1983 بمبادرة خاصة مجلة أسبوعية محلية مجانية تحت اسم «الصنارة» في مدينة الناصرة. وصدرت في سنة 1987 مجلة «كل العرب» وهي أسبوعية خاصة تملكها شركة إعلان عربية يهودية، ومجلة أسبوعية أُخرى حملت اسم «بانوراما»، وصدرت صحيفتان حزبيتان هما «صوت الحق» و«الحرية» للحركة الإسلامية في سنة 1989، و«فصل المقال» لحزب التجمع الوطني الديمقراطي سنة 1993، ثم صدرت أسبوعيتان خاصتان هما «الميدان» سنة 1999 و«العين» سنة 2000.

تأثرت الصحافة العربية في إسرائيل بالثورة الرقمية التي تطورت في العقد الأخير من القرن الماضي. ونجح بعضها في إقامة مواقع إلكترونية حققت نجاحاً لا يستهان به، مثل: موقع PANET التابع لمجلة «بانوراما»، وموقع عرب 48 التابع لصحيفة «فصل المقال»، وموقع AL-Arab التابع لمجلة «كل العرب». وتذيع في الوسط العربي محطة تجارية واحدة بشكل قانوني هي إذاعة الشمس وتبث من مدينة الناصرة. وطرحت سلطة البث الثانية مناقصة لتشغيل إذاعتين عربيتين جديدتين في شمال البلد مع اقتراب انتهاء امتياز العشر سنوات الممنوح لإذاعة الشمس في سنة 2019، كما تعمل محطة تلفزة تجارية تحت اسم «هلا» كانت واحدة ضمن خمس محطات تلفزة مخصصة أقرتها وزارة الاتصالات، وأذنت للسلطة الثانية بإقامتها وبدأت بثها سنة 2012.

تاسعاً: آليات الرقابة وهيئات الإشراف ذات الصلة

أ) مكتب الصحافة الحكومي (GPO-Government Press Office)

يعمل في إطار ديوان رئاسة الحكومة ويتبع له، وهو المسؤول عن تنسيق التواصل بين العاملين في الصحافة في إسرائيل والمؤسسة الرسمية. إنه حلقة الوصل بين الصحافيين ومؤسسات الدولة والجيش، ويهتم بتنسيق تغطية الزيارات الرسمية والأحداث المهمة، وهو الجهة المخولة والمكلفة إصدار بطاقات الاعتماد الصحافية للصحافيين الإسرائيليين والأجانب المقيمين والزائرين، ويعمل على حشد هذه العلاقات في خدمة الدعاية الإسرائيلية. وينفذ سياسة الحكومة بما يتعلق بالتعامل مع الصحافيين الإسرائيليين والأجانب. وتشهد حادثتا مراسل الجزيرة الصحافي الياس كرام وصحافياً هولندياً على طبيعة الدور المنوط بهذا المكتب. فقد قرر في أيلول / سبتمبر 2017 مصادرة بطاقة الاعتماد للصحافي الياس كرام وهو عربي فلسطيني من مدينة الناصرة، يعمل مراسلاً أساسياً في قناة الجزيرة، لكن المكتب الحكومي تراجع عن القرار بعد فشله في تأكيد تهمته، وكانت تتعلق بالدعوة إلى مقاومة الاحتلال من خلال قوله إن الصحافة في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل هي شكل من أشكال المقاومة السلمية.104

كان مكتب الصحافة في سنة 2017 قد عمل على طرد صحافي هولندي بذريعة أنه نشر مقالات ناقدة لإسرائيل لم ترق لحكومتها، ورفضت تمديد كتاب اعتماده.105 وبلغ عدد الصحافيين الإسرائيليين الحاصلين على بطاقات اعتماد صحافية 4024 صحافياً في سنة 2019، وشكل هذا تراجعاً بعدد الصحافيين المسجلين قدره 25­% عما كان عليه العدد سنة 2009، إذ بلغ 5472 صحافياً معتمداً، ومن الصحافيين الذين يحملون بطاقات اعتماد لسنة 2019 هناك نحو 200 صحافي متدين ومثل نصف هذا العدد من الصحافيين العرب وعشرة صحافيين مستقلين.106

ب) الرقابة العسكرية (اسمها الرسمي الرقابة على الصحافة والاتصالات)

تتبع الرقابة على الصحافة والاتصالات والمعروفة باسم الرقابة العسكرية سلاح الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي (أمان)، ومهمتها مراقبة مسبقة على الأخبار ذات الصلة والعلاقة بأمن دولة إسرائيل، وتقع مكاتبها في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب المعروفة بـ «القريا»،107 وتعمل بموجب أنظمة الدفاع (الطوارئ) لسنة 1945 التي فرضها الانتداب البريطاني وتبنّتها دولة إسرائيل بعد تأسيسها وحولتها إلى قوانين. ويرئسها ضابط كبير في الجيش يحمل صفة «المراقب العسكري الرئيسي». وهي تقوم بنفسها بشطب ومنع نشر أي معلومات ترى أنها تمس أمن الدولة أو سلامة الجمهور والنظام العام. وهذه مصطلحات مطاطة تمكّنها من التدخل في نصوص ما يُنشر من معلومات وتقارير مطبوعة ومذاعة ومتلفزة، وتوصف وظيفتها بأنها العمل على إيجاد التوازن بين حق الجمهور في المعرفة وحرية التعبير من جهة، والمصلحة الأمنية من جهة أُخرى.

ويذهب دورها إلى أبعد من ذلك كثيراً. فقد كشفت الحركة لحرية المعلومات بناء على معلومات موثوق بها حصلت عليها،108 أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية شطبت في الفترة الممتدة ما بين سنة 2011 وسنة 2016 نحو ألفي تقرير وخبر، ومنعت نشرها. كما تدخلت في نصوص 14 ألف خبر وهو ما يساوي 20­% من مجمل الأخبار التي وصلتها وراجعتها قبل نشرها. ووصل نفوذها سنة 2016 إلى منصات التواصل الاجتماعي أيضاً،109 إذ أصدرت أمراً يُلزم الناشرين وتحديداً بعض المدونين المعروفين (Blogger) بتقديم النصوص للرقابة. وأفادت مجلة «العين السابعة»، على سبيل المثال لا الحصر، بتلقي حساب «هحفريم شل جورج» ويديره المدون يوسي غورفيتش بلاغاً سنة 2016 من قسم المراسلات الداخلية في الفيسبوك يدعوه إلى تقديم النصوص للرقابة العسكرية الإسرائيلية قبل نشرها، وهو ما كشف عن تعاون تمكّنت من خلاله الحكومة الإسرائيلية التحكم فيما تنشره منصة فيسبوك. فقد وجهت الحكومة الإسرائيلية 158 طلباً إلى إدارة فيسبوك لشطب مواد اعتبرتها تحريضية في الثلث الأول من سنة 2016، وقبلت إدارة فيسبوك 95­% منها.110

ج) سلطة البث الرسمي لدولة إسرائيل (رشوت هشيدور هتسبوري/ Israeli Broadcasting Authority / IBA)

عملت سلطة البث الرسمي لدولة إسرائيل بموجب قانون البث الذي سنه الكنيست سنة 1965، والخاص بالبث الرسمي في الإذاعة والتلفزيون، واحتكرت حتى تسعينيات القرن الماضي البث التلفزيوني والإذاعي، إذ بدأت تظهر قنوات بث جديدة، وسن الكنيست في 29 تموز / يوليو 2014 قانون البث العام، وتضمن بنداً يأمر بإغلاقها وإقامة هيئة البث الإسرائيلي بدلاً منها، وقد توقفت نهائياً عن البث في 14 أيار / مايو 2017.

د) هيئة البث العام الإسرائيلي (تأغيد هشيدور هيسرائيلي/Israeli Public Broadcasting Corporation)

تمت إقامتها في آذار / مارس 2015، وبدأ بثها في 15 أيار / مايو 2017، تحت اسم كان بالعبرية ومكان بالعربية، وتبث عبر الأثير إذاعياً وتلفزيونياً وأيضاً عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال الإنترنت رقمياً (Digital)، وهي محطات البث الحكومي. وقد أطلقت بثها على نظام 4K في 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2017، وذلك تمهيداً لنقل بث مباشر لألعاب كأس العالم لكرة القدم التي تمت سنة 2018، وأطلقت في 5 آب / أغسطس 2018 قناة جديدة للأولاد تحت اسم كان حينوخيت (كان التربوية) حلت مكان التلفزة التربوية الإسرائيلية التي تم إغلاقها مع توقف سلطة البث. وأنتجت الهيئة وبثت على الهواء مهرجان الأغنية الأوروبية الذي جرى في تل أبيب منتصف أيار / مايو 2019.

أقيمت هيئة البث بموجب قانون البث العام الذي سنه الكنيست في 29 تموز / يوليو 2014 الذي أمر بإقامة الهيئة وإغلاق سلطة البث، ونص على استيعاب ربع عدد العاملين في سلطة البث للعمل في الهيئة الجديدة. وكانت إقامتها وإطلاقها قد ترافقتا مع عراقيل سببتها موافقات ومعارضات رئيس الحكومة نتنياهو وخلافاته مع وزير المالية موشيه كحلون، إذ حاول نتنياهو إلغاء إقامة الهيئة بعد أن ساورته مخاوف من أن يفقد نفوذه فيها، وخصوصاً بعد قرار نقل عدد كبير من الصحافيين العاملين في سلطة البث للعمل في هيئة البث.

هـ) السلطة الثانية للتلفزيون والإذاعة

أُسست بموجب قانون سنه الكنيست تحت عنوان قانون السلطة الثانية للتلفزيون والإذاعة في شباط / فبراير 1990. وكان هدفه حماية الإنتاج الإسرائيلي الأصلي من خلال إقامة محطة تلفزة إضافية ومحطات إذاعية إقليمية، وخصوصاً بواسطة المناقصات العامة. وأشار القانون في نصه إلى عدم اكتفاء الجمهور الإسرائيلي بوسائل الإعلام الحكومية، وحاجته إلى الاطلاع على بث الدول المجاورة، والبث المرسل عبر الأقمار الصناعية، وأشار إلى أن حرية المعلومات والتعبير هي من المميزات البارزة للنظام الديمقراطي. وجاء بعد دراسات أكدت وجود نقص في تنوع البرامج المعروضة ولجوء الجمهور بشكل متزايد إلى اقتناء أجهزة الفيديو والأفلام المسجلة. وحددت المادة الخامسة من القانون وظيفة السلطة الثانية وأهدافها، والتي جاءت مطابقة للمادة الثالثة من قانون سلطة الإذاعة لسنة 1965 مع إضافة نصت على حظر نشر أي مادة غير مصرح بها. وأتاحت السلطة الثانية انطلاق قنوات تلفزيونية وإذاعية تجارية وخاصة، أبرزها القناة الثانية (أصبحت القناة 12) والقناة العاشرة (أصبحت القناة 13)، بالإضافة إلى مجموعة من محطات التلفزة والإذاعات المناطقية. وقد منع القانون احتكار وسائل الإعلام، إذ منع أي شركة من الاستحواذ على أكثر من 24­% من الامتياز الواحد، وعلى أكثر من 30­% من الاستثمار المالي. واصطدمت محاولات توزيع السيطرة على عدد كبير من المستثمرين بنفوذ أباطرة الصحافة في إسرائيل، وهي العائلات المالكة للصحف اليومية (موزس، شوكِن، نمرودي)، التي تدخلت من خلال شركات إنتاج لها نصيب كبير فيها (ريشيت، كيشيت، تلعاد)، واستحوذت على الامتيازات، علماً بأن القانون فرض شروطاً خاصة بالبرامج الإخبارية نصت على إنشاء شركة أخبار منفردة بملكية السلطة الثانية وأصحاب امتياز البث التلفزيوني.

حدد القانون امتياز مدة البث بست سنوات، ثم تم تمديدها إلى أربع سنوات أُخرى، وجرى تحويل الامتياز إلى ترخيص، الأمر الذي أتاح عمليات الدمج وظهور قناة تلفزيون 12 بدلاً من القناة الثانية، وقناة تلفزيون 13 بدلاً من القناة العاشرة. ويتم البث من خلال بث رقمي أرضي، وبث حر عبر الأقمار الصناعية، ويجري توزيع البث على المشتركين عبر شبكات الكوابل والأقمار الصناعية والإنترنت.

و) وزارة الاتصالات

هي وزارة حكومية مسؤولة عن جميع مجالات الاتصالات في إسرائيل، بما فيها البث التلفزيوني والإذاعي والإنترنت والهاتف واللاسلكي والبريد. وأُسست الوزارة سنة 1952، وقد احتفظ رئيس الحكومة نتنياهو في العقد الأخير بحقيبتها قبل أن يسندها في السنوات القليلة الأخيرة إلى أحد مقربيه، وهو ما يشير إلى أهميتها، إذ إنها بمثابة سلطة إشراف وتفتيش على مزودي خدمات البث على اختلاف مجالاتها وتطوير أدواتها، وتعتمد سياسة السوق المفتوحة والمنافسة في مجال البث العام (Telecommunication & Media).

ز) مجلس الصحافة في إسرائيل

ترأست قاضية متقاعدة من المحكمة العليا مجلس الصحافة، وهي مؤسسة تطوعية، أُسست سنة 1963 كثمرة تعاون بين الصحافيين والمحررين وأصحاب رأس المال، وتم تسجيلها رسمياً سنة 2011 كجمعية، مهمتها الحفاظ على قيمة الصحافة الحرة والجيدة. ويحدد المجلس إطار القواعد الأخلاقية، وتنفيذها في الإعلام، ويتشكل مجلس الإدارة من 40­% شخصيات عامة، و30­% من الصحافيين، و30­% من رؤساء تحرير وممولين. وبرز نشاط هذا المجلس بشكل لافت عندما قرر مطالبة رئيس الحكومة نتنياهو وفي جلسة خاصة عقدها في 20 / 2 / 2017 – على خلفية تفاعلات التحقيقات في قضايا الفساد التي تلاحقه – بـ «الكف عن الإدلاء بأقوال فظة وغير موضوعية ضد وسائل الإعلام بصورة عامة، وضد صحافيين محددين بصورة خاصة.»111

ح) منظمة الصحافيين في إسرائيل

تُعد أكبر وأقوى منظمة تؤطر الصحافيين في إسرائيل، هدفها تحسين وضعهم وظروف عملهم، وتوفير أدوات ملائمة لهم في مجال عملهم، والتدخل لمصلحتهم عند السلطات الرسمية. وتضم 3500 عضو من جميع قطاعات العمل الصحافي. وينتخب الأعضاء رئيساً وهيئة إدارة من 21 عضواً بشكل مباشر. وجرت أول انتخابات سنة 2016. وتهتم المنظمة بتوثيق الاعتداءات على الصحافيين وملاحقة المعتدين، كما توفر الحماية لهم حتى لو لم يكونوا أعضاء فيها.112

ط) هيئة رؤساء التحرير

هي آلية خفية للرقابة الذاتية على وسائل الإعلام، هدفها التنسيق بين الإعلام المكتوب والمذاع والجهات الأمنية وصناع القرار في إسرائيل. وضمت في بداياتها ممثلين كبار (رؤساء التحرير عادة) في وسائل الإعلام العبرية، بالإضافة إلى «جيروزالم بوست» الصادرة باللغة الإنكليزية، ثم أُضيف إليهم رؤساء التحرير في وسائل الإعلام الحديثة. وتعقد الهيئة لقاءات منتظمة مع رئيس الحكومة والوزراء وكبار الضباط وقادة الأجهزة الأمنية الذين يُطلِعون كبار ممثلي وسائل الإعلام الإسرائيلية عادة على معلومات سرية، كي لا ينشروها إن وصلتهم من مصادر أُخرى نظراً إلى أهميتها وخطورتها على الأمن القومي.

أُسست الهيئة في شباط / فبراير 1942، في إثر غرق سفينة مهاجرين يهود قادمين إلى فلسطين عرفت باسم سطروما، إذ شعر أصحاب الصحف ومحرروها بمسؤولية إزاء نشر معلومات عنها وبتوجيهات من قيادة الييشوف (العصابات الصهيونية في حينه)، وقرروا عدم النشر إلاّ بالتنسيق مع هذه القيادة في كل القضايا الحساسة، مثل حملات التفتيش للحد من الأسلحة ووصول المهاجرين اليهود إلى فلسطين، وحملت اسم «هيئة الرد». وتم في شباط / فبراير 1948، أي ثلاثة أشهر قبل إعلان قيام الدولة الإسرائيلية، وضع نظام رسمي للرقابة الذاتية عرف بنظام «ست عشرة لاءاً»، تضمنت حظر نشر معلومات عن التحركات العسكرية، وتحركات قادة الييشوف، ومواقع حساسة.113

 

المصادر:

1 «مؤشر العنصرية والتحريض في الشبكات الاجتماعية الإسرائيلية، 2018»، حملة المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

2 «حملات التشويه الرقمي والحظر المنصاتي: سياسيات الإسكات ونزع الشرعية عن العمل الحقوقي الفلسطيني». حملة: المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، 7 شباط/فبراير2020.

3 ران بوكير، «Ynet»، نقلاً عن صفحته على فيسبوك @ranboker، ا14 حزيران/يونيو 2019.

7 دانيال دور، «صحافة تحت التأثير» (تل أبيب: يديعوت سفاريم وبابل، 2001) (بالعبرية).‏

8 عاموس هرئيل وآفي يسسخاروف، «الحرب السابعة: كيف انتصرنا ولماذا خسرنا الحرب مع الفلسطينيين» (تل أبيب: يديعوت سفاريم، 2004) يرصد هذا الكتاب الانتفاضة الثانية خلال الفترة 2000 – 2004.

12 Ibid.

13 مقابلة مع المدير العام لشبكة «تسومت سفريم»، في برنامج «مع كيرن نويبخ»، الإذاعة الإسرائيلية راديو كان، 26 /6/­2019.‏

15 Rafi Mann, Azi Lev-On, Annual Report: The Israeli Media in 2016, Agenda Uses and Trends, Institute for the Study of New Media, Politics and Society (2017).

16 أليران مالكي، ميري ريغف، «ماذا يفعل هتأغيد إذا لم نسيطر عليه»، «كلكاليست»، 31 / 9 / 2016.

17 Mann and Lev-On, op. cit.

21 موقع «كلكاليست»، 13­/10/­2016.

23 ران بوكير: موقع Ynet، منقول عن صفحته على فيسبوك، 14 / 6 / 2019 ranboker@،

https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5640977,00.html‎

26 Ibid.

28 إذاعة كان، صوت إسرائيل باللغة العبرية، 10 نيسان / أبريل 2019.

31 «مؤشر العنصرية والتحريض في الشبكات الاجتماعية الإسرائيلية، 2018»، حملة المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي 3/­11/­2019.

32 صندوق «برل كتسنلسون»، تقرير الدعوات إلى العنف، 7/­8/­2016.

33 iLahav Harkov, «Lapid: ‘Yediot’ fired my wife for fear of Netanyahu,» Jerusalem Post, 12 / 5 / 2019.

34 صحيفة «يديعوت أحرونوت» 16 / 5 / 2019.

35 آتي أبرموف، «أحاديث نتنياهو – موزس: نسخة طبق الأصل»، «يديعوت أحرونوت»، 16 / 5 / 2019، ص 12.

36 أورن فرسيكو، «متوازن بشكل استعراضي»، «هعاين هشفعيت»،11/­4/­2018‎.

37 TGI-Target Group Index، شركة أبحاث السوق الشاملة، وتجري استطلاعات منتظمة متواصلة على أساس خزان معلومات عن الأنماط الحياتية والاستهلاك بما فيها الإعلام.

40 ناتي توكر، «10 من يعرف»، 21 / 8 / 2017، The Marker،

41 تهيلا التشولر، إلعاد مين، «رسالة في أعقاب اقتراح قانون البث العام الإسرائيلي»، 17 آذار / مارس 2016، موقع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.

42 ناتي توكر، «عضوا الكنيست إيتان كابل وإلداد يانيف للمستشار القانوني للحكومة: رئيس سلك الموظفين في ديوان نتنياهو يجمع مواد ضد الصحافيين»، The Marker، ،ا14 / 11 / 2016.

43 ناتي توكر، «لدغ رفيف دروكر، خط لا يجوز تجاوزه: عشرات الصحافيين يوقعون عريضة ضد نتنياهو»، The Marker, 27 / 12 / 2016.

47 Mann and Lev-On, op. cit.

 

48 Ibid.

49 أورن فرسيكو، «صحافيون، اعتقال صحافي يضر بحملتنا الإعلامية»، «العين السابعة» («هعاين هشفعيت»)، 7   أيلول/سبتمبر 2016.

50 شاحار بن مئير، «تعلموا من عماد غنيمات»، «العين السابعة»، 12 / 2 / 2016.

51 CPJ concerned by rising pressure on journalists in Israel, 8 February 2016,

52 شوقي طاوسيغ، أورن فرسيكو، «دعاوى إسكات: الوسيلة لمحاربة دعاوى الإسكات هي الحديث عنها»، «العين السابعة»، .2019 / 5 / 15

53 http: //www.tgi.co.il

54 ناتي توكر، «الوهم الكبير، هكذا يضخمون في القنوات 2 و10 معطيات التصنيفات» The Marker, 26 / 4 / 2016.

59 Ibid.

61 تمار هيرمان وآخرون، «مقياس الديمقراطية الإسرائيلية» (القدس: المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 2016)، ص 109 – 116.

62 https://www.themarker.com/advertising/1.6717580‎

 

63 عامي أيالون ونبيه بشير، «مقدمة: تاريخ الصحافة العربية في فلسطين»، موقع جرايد.

64 عوز ألموغ، «من صحافة مجندة إلى ناقدة»، في: «تغيير قيم في المجتمع الإسرائيلي» (حيفا: جامعة حيفا)، (بالعبرية).

65 المصدر نفسه.

66 مردخاي ناؤور، "هبوطش هغدول: ملحيميت [حرب] يديعوت احرونوت – معاريف"، في مجلة كيشر، رقم ٣٣، (مايو 2003): 3 – 15.

68 محسن صالح، «القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة» (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2012).

69 يوسف أولتسكي، «أمنوت هدفوس» («فن الطباعة»)، صفد؛ مردخاي ناؤور، «هعتونوت همحترتيت بأرتس يسرائيل» / «الصحافة السرية في أرض إسرائيل»، كيشر.

70 دان يقير، «إلغاء أمر الصحافة – التماس المحكمة العليا ­14/­6175 قدمته الجمعية لحقوق المواطن في إسرائيل ضد وزير الداخلية»، موقع الجمعية، 30 تشرين الثاني / نوفمبر 2016.

71 مئير بعيل وبنحاش بورمان، «اختبار الحركة الصهيونية: سلطة القيادة السياسية في مواجهة المنشقين» (القدس: تشريكوفر، 2003) (باللغة العبرية).

72 المصدر نفسه.

73 أمل جمال، «الصحافة والإعلام في إسرائيل»، في: «دليل إسرائيل العام 2011» (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2011)، الفصل الثامن.

74 مناحم بيغن، «التمرد، مذكرات قائد المنظمة العسكرية الوطنية في أرض إسرائيل» تل أبيب: أحي آساف، 1969) (بالعبرية).

75 «صوت الحرية أُوقف بثه»، «المراقب»، 19 أيلول / سبتمبر 1948 (بالعبرية).

76 أورن سوفر، «غالي تساهل» (القدس: الجامعة المفتوحة، إصدار كرمل، 2015) (بالعبرية). ويُنظر أيضاً في تقرير عن الكاتب في الذكرى الـ 60 لتأسيس ‏الإذاعة تحت عنوان: «إذاعة الجيش كحالة شاذة‏».

77 نسيم مشعال، «سلطة الإذاعة الإسرائيلية: نشاط سياسي»، أطروحة ماجستير، جامعة بار - إيلان، 1978. منقول عن جمال، «الصحافة والإعلام في إسرائيل» الفصل الثامن، مصدر سبق ذكره.

 

78 جمال: مصدر سبق ذكره، ص 492.

79 هنيدة غانم، مديرة مركز مدار للدراسات الإسرائيلية /رام الله، من مقال نشرته على صفحتها على الفيسبوك بتاريخ 20 حزيران/يونيو 2019.

80 المصدر نفسه.

81 يحيئل ليمور وإيناس غبل، «الحفظ مقابل الحركة: تجسيدات وثيقة ناكدي في سلطة البث» (بالعبرية).

82 دافيد غروسمان، «الزمن الأصفر» (تل أبيب: هكيبوتس همؤحاد، 1987).

 

83 Yitzhak (Tsahi) Birk; @TsahiBirk. 4 May 2018, 11:34 PM

84 عميرام نير، «سكوت، نطلق النار»، افتتاحية «يديعوت أحرونوت»، 6 حزيران / يونيو 1982.

85 روني دانييل، «نشرة الأخبار الأسبوعية» («أولبان شيشي»)، الساعة 20:00 قناة التلفزة 12 يوم الجمعة، 14 / 6 / 2019.

86 بحسب ملخص ومعطيات إحصائية نشرها موقع «كتاب الحقائق» عن دول العالم لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA).

87 ليؤرا شوستر، «دوت لا شيء – راديو نتكنغ أغلق هذا الأسبوع، وهذه أغنية الوداع»، موقع nrg، 
ا8 شباط / فبراير 2001.

88 قانون السلطة الثانية للتلفزيون والإذاعة لسنة 1990.

89 جمال، مصدر سبق ذكره، ص 501.

91 Ibid.

92 جمال: مصدر سبق ذكره.

93 يونتان كيتاين، «استطلاع TGI: (يسرائيل هيوم) تواصل الصدارة، انخفاض في قراءة الصحف»، موقع «غلوبس»، 24 كانون الثاني / يناير 2018.

96 Ibid.

97 موقع واي نت (YNET).

99 أورن فريسكو، «تمثيل المجتمع العربي وصل الأسبوع الماضي إلى الحضيض»، «العين السابعة» بالتعاون مع جمعية سيكوي وشركة يفعات ماحقري ميديا، 25 / 5 / 2019.

100 المصدر نفسه.

101 مصطفى كبها، «الصحافة العربية في إسرائيل: 1948 – 2013»، «الإعلام باللغة العربية في إسرائيل»، العدد الثالث، 2014.

102 جمال، مصدر سبق ذكره.

103 سالم جبران، «الصحافة العربية في إسرائيل، نتاج التغيير، محفز التغيير» (كيشر، 25 أيار/مايو 1999).

104 براك رافيد وإيتاي شطيرن، «مكتب الصحافة الحكومي يهدد بسحب بطاقة الصحافة من مراسل الجزيرة». «هآرتس»، 16­/­8/­2017.

105 رافيت هيخت، «إسرائيل تطرد صحافياً هولندياً انتقد الاحتلال بذريعة أنه خالف الأصول»، موقع صحيفة «هآرتس»، 3 أيار / مايو 2017.

110 Gleen Greenwald, «Facebook Is Collaborating with the Israeli Government to Determine What Should be Censored,» The Independent, September 12, 2016.

ABOUT THE AUTHOR

Walid al-Omari is a Palestinian journalist, and is director of Aljazeera’s Ramallah bureau.