صايغ. "أعداء كثيرون جداً، التجربة الفلسطينية في لبنان " (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

أعداء كثيرون جداً، التجربة الفلسطينية في لبنان

Too Many Enemies, The Palestinian Experience in Lebanon

By Rosemay Sayigh. London & New Jesrsey: Zed Books Ltd., 1994.

 

 

تتناول روزماري صايغ في كتابها الجديد تجربة الفلسطينيين في لبنان، معتمدة على التاريخ الشفوي وتسجيل شهادات عدد من الفلسطينيين من مخيم شاتيلا القريب من بيروت. وتختزن تجربة هذا المخيم الصغير الحجم على نحو مكثف، ربما أكثر من غيره من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، شريط المعاناة الطويل لفلسطينيي الشتات، وفي لبنان بصورة خاصة.

تركت الصيغة الطائفية والمنفتحة اقتصادياً للنظام اللبناني بصماتها على موقف الدولة الرسمي من اللاجئين الفلسطينيين وكيفية معاملتهم. وقد تمثل هذا في:

            أ- حرمان الفلسطينيين في لبنان من حقوقهم في العمل، والتنقل، والتعبير، والإقامة والتملك، وغيرها مما يندرج تحت حقوق الإنسان، أو حقوق المواطن الأساسية. وفي الوقت ذاته سهلت الدولة خلال الخمسينات والستينات حصول عدد من الفلسطينيين (في حدود 10%)، لاعتبارات معينة، على الجنسية اللبنانية.

            ب – على الرغم من أن الحرمان والتمييز ظلا يطبعان حياة الأغلبية العظمى من اللاجئين، فإن لبنان ظل أعواماً مع ذلك، مركزاً لاستقطاب رأس المال لأثرياء الفلسطينيين ممن حققوا نجاحات في العمل في الدول النفطية الخليجية، وذلك بسبب من انفتاحه الاقتصادي.

تعرض شهادات مخيم شاتيلا تجربة الفلسطينيين في لبنان بمراحلها الرئيسية الثلاث:

            - المرحلة الأولى (خلال الخمسينات والستينات)، وقد غلب فيها مزيج من الإحساس بالصدمة لما حدث، وطغيان مشاعر الرغبة في العودة إلى الوطن، وفقدان الأمان والحماية السياسية. ويتضح عمق التأثير الذي تركته عذابات تلك المرحلة من الإحساس بالعجز والمهانة والاستغلال والاضطهاد، التي ما زالت ماثلة في ذاكرة الكثيرين من سكان المخيم.

            - المرحلة الثانية (خلال السبعينات)، وهي مرحلة النهوض الوطني والإحساس بالقوة الذاتية، مع ظهور حركة المقاومة الفلسطينية ومدها جسور التحالف مع القوى اللبنانية المحرومة والمغبونة في ظل الصيغة السياسية القائمة. ويتضح من الشهادات أن تجربة فلسطينيي لبنان مع حركة المقاومة لم تكن حلوة المذاق طوال الوقت إلا إنهم أقبلوا على الالتفاف حولها، كما لم يفعل تجمع فلسطيني آخر. لقد أعطتهم المقاومة ما افتقدوه طوال إقامتهم في لبنان: الإحساس بالثقة وبالقبول من المجتمع المحيط، وخلق فرص التشغيل، ولا سيما في المؤسسات الفلسطينية، والأهم من ذلك أعطتهم المقاومة الإحساس بالأمان.

            - المرحلة الثالثة، وهي المرحلة الصعبة المتسمة بالعنف، والتي أعقبت الاجتياح الإسرائيلي في صيف سنة 1982، وما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم، إن الإحساس بالأمان سرعان ما انتهى مع خروج القوات الفلسطينية من بيروت بناء على الاتفاق الذي أمكن التوصل إليه برعاية الإدارة الأميركية، وتعرض الفلسطينيين لسلسلة من المذابح وعمليات الانتقام الجماعية والحصار إلى حد التجويع.

تحول الفلسطينيون في لبنان، ولا شك، خلال السبعينات من فئة هامشية مرفوضة على الصعيد الرسمي إلى قوة تمسك بيدها خيوطاً مؤثرة في الساحتين المحلية والإقليمية. وبقدر ما كان ذلك نعمة على الفلسطينيين فقد جلب عليهم النقمة والعداء من قبل قوى التقت مصالحها على ضربهم وإضعافهم. وكان هذا هو موضوع كتاب صايغ الأساسي، كما يشير عنوان الكتاب إليه.

إن شهادات مخيم شاتيلا التي تضمنها كتاب صايغ كانت قوية بقوة المأساة التي عاناها فلسطينيو لبنان خلال الأعوام الدامية من الحرب الأهلية. لقد أصابت الحرب المجتمع اللبناني بفئاته كلها، وأطلقت العنان لعناصر التفجير المكتومة والمؤجلة في داخله، إلا إن البعد الفلسطيني ظل – إلى حد بعيد – نقطة البدء والانتهاء في محاولة فهم ما حدث.

ربما تكون هذه الشهادات ساهمت في إزالة بعض الغموض الذي يصعب فهمه في مجريات هذه الحرب – وخصوصاً بالنسبة إلى القارىء الغربي – لكن قيمة هذه الشهادات الأساسية تبقى في إعادة تشخيص المأساة الماثلة حالياً بالنسبة إلى فلسطينيي لبنان. فهم تشبثوا بالحلم وصولاً إلى الوطن، وتُركوا لمصيرهم دونما حماية، وعرضة للاستغلال السياسي. يلخص أحدهم الوضع بالقول: "حالنا كالمرأة التي تحمل أكثر من مرة من دون أن تلد طفلاً قادراً على الحياة." (ص 328)

كما في كتابها الأول، أتاحت صايغ للفلسطينيين في كتابها الجديد فرصة الحديث عن تجربتهم بقوة ووضوح يعجز عنهما أي كاتب مهما يكن تعاطفه مع الفلسطينيين. وهي فعلت ذلك بقدر كبير من الأمانة، وقدمت للقارىء ليس فقط أحاسيس هؤلاء بل، في كثير من الأحيان، مفردات لغتهم المحكية.

السيرة الشخصية: 

عباس شبلاق: مسؤول الإعلام في مكتب جامعة الدول العربية في لندن.