تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن، نيويورك، 26/1/1993
النص الكامل: 

1ـ في 18 كانون الأول (ديسمبر) 1992، اتخذ مجلس الأمن القرار 799 (1992) ونصه كالآتي:

            "إن مجلس الأمن، إذ يشير إلى التزامات الدول الأعضاء بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وإذ يؤكد من جديد قراراته 607 (1988) و608 (1988) و636 (1989) و641 (1989) و681 (1990) و694 (1991) و726 (1992)، وقد علم ببالغ القلق أن إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، قد أبعدت إلى لبنان، يوم 17 كانون الأول [ديسمبر] 1992، مئات من المدنيين الفلسطينيين من الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس، منتهكة بذلك التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949:

            أ ـ يدين بقوة الإجراء الذي اتخذته إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بإبعاد مئات المدنيين الفلسطينيين، ويعرب عن معارضته الثابتة لأي إبعاد من هذا القبيل تقوم به إسرائيل.

            ب ـ يعيد تأكيد انطباق اتفاقية جنيف الرابعة المعقودة في 12 آب (أغسطس) 1949 على جميع الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس، ويؤكد أن إبعاد المدنيين يشكل خرقاً لالتزاماتها بموجب الاتفاقية.

            ج ـ يعيد أيضاً تأكيد استقلال لبنان وسيادته وسلامته الإقليمية.

            د ـ يطالب إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بأن تكفل عودة جميع المبعدين بأمان وعلى الفور إلى الأراضي المحتلة.

            هـ ـ يطلب إلى الأمين العام أن ينظر في إيفاد ممثل إلى المنطقة لكي يتابع مع الحكومة الإسرائيلية ما يتعلق بهذه الحالة الخطيرة، وأن يقدم تقريراً عن ذلك إلى مجلس الأمن.

            و ـ يقرر إبقاء المسألة قيد الاستعراض النشط".

            2ـ ووفقاً للفقرة 5 من القرار 799 (1992) قام الأمين العام بإبلاغ السيد شمعون بيرس، وزير خارجية إسرائيل، هاتفياً بقراره إيفاد السيد جيمس جونا، وكيل الأمين العام للشؤون السياسية إلى المنطقة، وأعرب الأمين العام عن أمله في إمكان التوصل إلى حل يتفق والموقف الذي اتخذه مجلس الأمن بالإجماع.

            3ـ وقام السيد جونا بزيارة المنطقة في الفترة من 27 إلى 30 كانون الأول [ديسمبر] 1992. وفي إسرائيل عقد مناقشات مستفيضة مع السيد يتسحاق رابين، رئيس الوزراء والسيد شمعون بيرس، وزير الخارجية. وأثناء وجوده في القدس، التقى بمجموعة من الفلسطينيين يرئسها السيد فيصل الحسيني، رئيس الوفد الفلسطيني في محادثات السلم مع إسرائيل. وفي لبنان اجتمع بالسيد إلياس الهراوي، رئيس الجمهورية، والسيد رفيق الحريري، رئيس الوزراء، والسيد مروان حمادة، وزير الصحة ونائب وزير الخارجية. وقد مُنع السيد جونا من الاجتماع بالمبعدين أنفسهم، ولكنه التقى بممثلي أسرهم بناء على طلبهم. كما التقى بالأُسر الإسرائيلية التي تعرضت لأعمال الإرهاب، وذلك بناء على طلبها. وعلاوة على ذلك، تلقى السيد جونا، خلال زيارته، معلومات من ممثلي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان. ومن الجدير بالذكر أن 16 شخصاً من المبعدين هم من موظفي الأونروا.

            4ـ وفي 2 كانون الثاني (يناير) 1993، قام السيد جونا بتزويد الأمين العام في أديس أبابا بمعلومات عن المناقشات التي أجراها في المنطقة والتي لم تنته إلى نتيجة حيث تبين استحالة إقناع الحكومة الإسرائيلية بالوفاء بالتزاماتها بموجب القرار 799 (1992). وبعد ذلك قام الأمين العام بإبلاغ السيد رابين، رئيس الوزراء هاتفياً من أديس أبابا بعزمه على إيفاد بعثة ثانية، بقيادة مستشاره السياسي وممثله الخاص في محادثات السلام المتعددة الأطراف بشأن الشرق الأوسط، وكيل الأمين العام تشيمنايا غاريخان. وقال إن هذا القرار يستند إلى تصميمه على بذل كل جهد ممكن للتوصل إلى حل يتفق وإرادة مجلس الأمن.

            5ـ وفي 4 كانون الثاني [يناير] 1993، بعث الأمين العام برسالة إلى رئيس مجلس الأمن شدد فيها على أن الأمر إنما يتعلق بانتهاك مبدأ هام، ذلك أن قرار إسرائيل بإبعاد 415 مدنياً فلسطينياً إلى لبنان هو أمر غير مشروع بموجب القانون الدولي، وهو يمثل خرقاً لالتزامات إسرائيل بموجب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة،(1) ويشكل تجاهلاً أساسياً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.(2)  ومن جهته أعرب مجلس الأمن، بصورة متكررة في قراراته 607 (1988) و608 (1988) و636 (1989) و641 (1989) و681 (1990) و694 (1991) و726 (1992)، ومنذ وقت قريب جداً في قراره 799 (1992) عن معارضته وإدانته لإبعاد المدنيين الفلسطينيين من الأراضي المحتلة. وقال الأمين العام في رسالته أنه يشعر بالأسف لأن مهمة السيد جونا لم تتكلل بالنجاح وأن ذلك مرجعه إلى عدم استعداد إسرائيل لامتثال القرار 799 (1992). وإذا أشار الأمين العام إلى الموقف الإجماعي الذي لا يحوطه أي لبس، الذي اتخذه مجلس الأمن في ذلك القرار، وخاصة الطلب الصريح الذي جاء في الفقرة 4 منه، قال إنه لا بديل، في رأيه، عن عودة جميع المبعدين عودة فورية وسالمة إلى الأراضي المحتلة. وأبلغ المجلس أنه بالنظر إلى خطورة الحالة، وقبل أن يقدم تقريراً كاملاً شعر أن عليه أن يبذل جهداً آخر لإيجاد حل يتفق وأحكام القرار 799 (1992) وأنه بالتالي قد قرر إيفاد السيد غاريخان إلى المنطقة ليناقش مع الحكومة الإسرائيلية طرق إنهاء هذا الوضع، وأعرب عن أمله في أن تدرك السلطات الإسرائيلية ضرورة امتثال القرار 799، فإذا لم يتحقق ذلك، فقد يتعين عليه أن يوصي في تقريره إلى المجلس أن ينظر في اتخاذ خطوات أُخرى تكفل احترام قراره.

            6ـ وقام الأمين العام بتزويد السيد غاريخان في القاهرة يوم 6 كانون الثاني [يناير] 1993 بمعلومات عن مهمته، وشدد على وجوب أن يركز في مناقشاته مع السلطات الإسرائيلية على تنفيذ القرار 799 (1992) وحده دون غيره من الأمور، وأوضح أنه رغم مشاعر القلق التي تساور الأمم المتحدة إزاء المحنة الإنسانية التي يمر بها المبعدون الفلسطينيون، فإن مجلس الأمن لم يعالج هذا الجانب. وفي هذه الظروف، يبدو من المناسب أن تقوم لجنة الصليب الأحمر الدولية ـ التي تضطلع، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، بمسؤولية خاصة بالنسبة للمدنيين المقيمين تحت الاحتلال ـ بمواجهة الاحتياجات الإنسانية للمبعدين.

            7ـ وقام السيد غاريخان بزيارة إسرائيل في الفترة من 7 إلى 12 كانون الثاني [يناير] 1993، وأجرى محادثات مستفيضة مع السلطات الإسرائيلية، بمن فيهم رئيس الوزراء السيد رابين الذي اجتمع به مرتين، ووزير الخارجية السيد بيرس. وأكد رئيس الوزراء أن القرار الذي اتخذته حكومة إسرائيل في 16 كانون الأول [ديسمبر] 1992 بأن "تطرد بشكل موقت" 415 فلسطينياً لا يمكن إلغاؤه. وقال إن هذا القرار اتخذ على ضوء عدد من أعمال العنف التي قام بها مؤيدو حركتي حماس والجهاد الإسلامي ضد مواطنين إسرائيليين، انتهت بخطف أحد جنود شرطة الحدود الإسرائيلية ثم قتله. وقال رئيس الوزراء إن الحكومة الإسرائيلية امتنعت عن اتخاذ تدابير أكثر قساوة، بما في ذلك عقوبة الإعدام التي أشار إلى أنها عقوبة مسموح بها بموجب اتفاقية جنيف. على أنه ذكر أن عدداً من الالتماسات قد قدم إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، بما فيها التماس يطعن في قانونية قرار الحكومة الذي اتخذ على أساس مخصص، ولم ينبثق عن قانون الطوارئ لعام 1945 الخاص بعهد الانتداب البريطاني، وذلك خلافاً للحالات السابقة التي صدرت فيها أوامر إسرائيلية بإبعاد فلسطينيين مقيمين من الأراضي المحتلة. وذكر رئيس الوزراء أنه، إذا حكمت المحكمة العليا بأن قرار الحكومة غير قانوني، فسوف يعاد الفلسطينيون إلى "الأماكن التي أُخذوا منها" قبل طردهم.

            وباستثناء ذلك فإن لكل فرد من المطرودين الحق في استئناف الحكم. وترى السلطات الإسرائيلية أن أوامر الطرد ليست غير متسقة مع الموقف الذي اتخذه مجلس الأمن. فجميع الذين طردوا سيسمح لهم بالعودة، حسبما طلب المجلس، وإنما الاختلاف الوحيد هو في التوقيت. وقد أُبلغ كل فرد من المبعدين، عند طرده، بالفترة التي يتعين فيها عليه أن يبقى مبعداً. وفي النهاية قال رئيس الوزراء إنه رغم أن الحكومة الإسرائيلية لا ترغب في الدخول في مواجهة مع مجلس الأمن، فهي ترى أن قرارها المتعلق بعمليات الطرد الموقت له ما يبرره، ليس فقط على أساس أنه سيكون بمثابة رادع يصد عن القيام بالمزيد من أعمال العنف وإنما أيضاً سيساعد على مواصلة عملية السلم، ففي رأي الحكومة، تعرض مؤيدو عملية السلم من الفلسطينيين للترويع بل وتعرضت حياتهم نفسها للتهديد من جانب حركة حماس وجماعة الجهاد الإسلامي، اللتين لا تعارضان المفاوضات مع إسرائيل فحسب بل تعارضان السلم نفسه. وقال رئيس الوزراء إنه إذا اتخذ مجلس الأمن تدابير ضد إسرائيل، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار عملية السلم، الأمر الذي سيكون المجلس مسؤولاً عنه.

            8ـ ومن جهة، فقد أكد السيد غاريخان لمحادثيه الإسرائيليين الضرورة الحتمية لامتثال قرار مجلس الأمن. وذكر أن الهدف من مهمته هو إيجاد حل وفقاً للقرار 799 (1992) وأنه لن يتعامل مع الجوانب الإنسانية للمشكلة. وأنه بناء على ذلك، لن يذهب إلى لبنان. وأكد أنه إذا تقاعست إسرائيل عن الوفاء بالتزاماتها بموجب القرار 799 (1992)، فلن يجد الأمين العام أمامه من خيار سوى أن يقدم إلى مجلس الأمن تقريراً واضح الفحوى يتابع فيه ما بدأه في رسالته المؤرخة 4 كانون الثاني [يناير] 1993 إلى رئيس مجلس الأمن. وعلاوة على ذلك، فقد أعلن رفضه القوي للرأي القائل بأن مجلس الأمن سيكون مسؤولاً عن انهيار عملية السلم في الشرق الأوسط وقال إنه إذا قام هذا الاحتمال فستكون إسرائيل وحدها المسؤولة عنه. وفي هذا الصدد نقل السيد غاريخان لرئيس الوزراء رسالة من الفلسطينيين الذين كان قد اجتمع بهم في المساء السابق ومؤداها أنهم لن يستأنفوا محادثات السلم ما لم يسمح للمبعدين بالعودة. ورداً على اقتراحات بنقل المبعدين إلى بلدان أُخرى، قال السيد غاريخان أن هدفه الوحيد هو المساعدة في إيجاد حل ينسجم انسجاماً دقيقاً مع قرار مجلس الأمن الذي طالب بالعودة السالمة والفورية للمبعدين. وأشار إلى أن أمام إسرائيل خيار إيداع المبعدين في السجن أو حجزهم حجزاً إدارياً، وهو أمر على الأقل لن يكون مخالفاً لاتفاقية جنيف الرابعة.

            9ـ وقام السيد غاريخان أيضاً، أثناء زيارته للقدس، بمقابلة مجموعة من الفلسطينيين واسعة التمثيل، يرئسها السيد فيصل الحسيني، بناء على طلبها. وقد أعرب أعضاء المجموعة دون استثناء عن معارضتهم لعمليات الإبعاد ودعوا إلى تنفيذ القرار 799 (1992) بصورة كاملة. وقالوا إنه ما لم يسمح للمبعدين بالعودة فإن الوفد الفلسطيني لن يستأنف محادثات السلام مع إسرائيل. وكما وردت الإشارة أعلاه، طلبوا من السيد غاريخان أن ينقل هذه الرسالة الأخيرة إلى السيد رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي. ورفضوا ما قدمته إسرائيل من إيضاح مؤداه أن المبعدين طردوا بسبب معارضتهم لعملية السلم. وأعربوا عن خوفهم من السابقة التي يوجدها قرار الحكومة المخصص، التي يمكن أن تطبق على أي مدني فلسطيني في الأراضي المحتلة. وبصورة أعم، أعربت المجموعة عن خيبة أملها العميقة وعن شعورها بالمرارة لاستمرار إسرائيل في تحدي قرارات مجلس الأمن وسألوا لماذا يكون عليهم أن يصدقوا، في ضوء المثل الأخير من أمثلة عدم امتثال إسرائيل، أن إسرائيل سوف تلتزم في آخر الأمر بالقرارين 242 (1967) و338 (1973) اللذين تقوم على أساسهما عملية السلم. وفضلاً عن ذلك، كان ثمة شعور على نطاق واسع بأن المجتمع الدولي، منذ مؤتمر مدريد للسلام، تجاهل حق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال في السلامة والحماية. واستشهدوا في هذا الصدد بقرار مجلس الأمن 681 (1990)، الذي يطلب إلى الأمين العام، في جملة أمور، رصد ومراقبة الحالة المتعلقة بالمدنيين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي. وقد طمأن السيد غاريخان الفلسطينيين على أن شواغلهم سوف تبلّغ إلى الأمين العام كما ستبلّغ إلى الزعماء الإسرائيليين الذين سيقابلهم.

            10ـ ومع أن مهمته لم تكن تتعلق بالمسائل الإنسانية، فقد اجتمع السيد غاريخان مرتين برئيس وفد لجنة الصليب الأحمر الدولية في تل أبيب، الذي أطلعه، في جملة أمور، على زيارة لجنة الصليب الأحمر الدولية في 9 كانون الثاني [يناير] 1993 إلى المبعدين، والتي كان لبنان وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان قد وافقا عليها على أساس أن تتم مرة واحدة فقط، كما وافقت عليها إسرائيل. ولهذا الغرض، استأجرت لجنة الصليب الأحمر الدولية طائرة عمودية تابعة لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان، وضعت عليها شارات الصليب الأحمر بدلاً من شارات الأمم المتحدة. وفي هذه الواقعة، قرر مبعوث لجنة الصليب الأحمر الدولية والطبيب اللذان قاما بالزيارة إجلاء اثنين من المبعدين لأسباب إنسانية، وحصلا على إذن من السلطات الإسرائيلية بذلك. وكان أحدهما، وهو صبي يبلغ 16 سنة من العمر، قد طرد "خطأ" وسمح له بالعودة إلى منزله في الأراضي المحتلة. وأُجلي الآخر لأسباب طبية، وبعد أن قضى ليلة 10 كانون الثاني [يناير] تحت إشراف لجنة الصليب الأحمر الدولية في مستشفى قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان في بلدة الناقورة، نقل إلى مستشفى مرجعيون في المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل في جنوب لبنان.

            11ـ وفي 13 كانون الثاني [يناير] 1993، قام السيد غاريخان بإطلاع الأمين العام في باريس على مهمته.

            12ـ وفي هذه الأثناء، عقد الأمين العام عدداً من الاجتماعات وأجرى عدداً من المحادثات الهاتفية بشأن المبعدين مع القادة في المنطقة ومع ممثلي الحكومات المعنية الأُخرى. ففي جنيف اجتمع بوزير خارجية الجزائر، السيد الأخضر الإبراهيمي، ووزير خارجية فرنسا، السيد رولان دوما، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، السيد ياسر عرفات. وفي كل من هذه الاجتماعات، بحثت حالة المبعدين وتنفيذ القرار 799 (1992) بصورة مسهبة. وفي بون، بحث الأمين العام المسائل نفسها في اجتماع مع وزير خارجية ألمانيا السيد كلاوس كينكل. وفي باريس، بحث مرة أُخرى الحالة مع وزيري خارجية الجزائر وفرنسا، كما بحثها مع وزير خارجية الولايات المتحدة (السابق)، السيد لورنس إيغلبرغر. وفي أثناء هذه الفترة، تحدث الأمين العام مرات عدة هاتفياً مع رئيس وزراء لبنان، السيد رفيق الحريري.

            13ـ وفي 13 كانون الثاني [يناير] 1993، اجتمع الأمين العام في باريس بوزير خارجية إسرائيل. وأعرب من جديد للسيد بيرس عن الحاجة إلى امتثال إسرائيل على الفور قرار مجلس الأمن. وفي اليوم التالي، تحدث مرتين هاتفياً مع السيد رابين، رئيس الوزراء، ووافق على أن يرسل السيد غاريخان إلى القدس مرة ثانية، في محاولة جديدة لتأمين تنفيذ القرار 799 (1992).

            14ـ وفي 18 كانون الثاني [يناير] 1993، اجتمع السيد غاريخان في جنيف برئيس لجنة الصليب الأحمر الدولية، السيد كورنيليو سوماروغا. وأبلغه تقدير الأمين العام للأنشطة الإنسانية التي تقوم بها اللجنة تجاه المبعدين. وأطلعه السيد سوماروغا على تدابير أُخرى تعتزم منظمته القيام بها. وفي أثناء هذا اللقاء، لاحظ السيد سوماروغا والسيد غاريخان أن مسؤوليات كل من الأمم المتحدة ولجنة الصليب الأحمر الدولية في ما يتعلق بالمبعدين منفصلة ومختلفة. فولاية الأمم المتحدة مبينة في القرار 799 (1992)، الذي يطالب بـ "العودة بأمان وعلى الفور" للمبعدين. أما ولاية لجنة الصليب الأحمر الدولية فتقوم على أساس القانون الإنساني، وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، التي تعارض الإبعاد معارضة صريحة. غير أن لجنة الصليب الأحمر الدولية، في ظروف عدم عودة المبعدين، تتحمل مسؤولية كفالة توفير المساعدة الإنسانية لهم، كالمساعدة الغوثية والرعاية الطبية، بالإضافة إلى تسليم الرسائل الأُسرية الخاصة بهم والقيام بالوكالة الرسمية عنهم، ما داموا في موقعهم الحالي. وأعرب السيد سوماروغا عن تأييد منظمته الكامل لجهود الأمين العام.

            15ـ وقد عاد السيد غاريخان إلى إسرائيل مساء 19 كانون الثاني [يناير] وغادرها في باكورة يوم 22 كانون الثاني [يناير] 1993. وقام خلال إقامته هناك بمقابلة السيد رابين رئيس الوزراء مرتين ومقابلة السيد بيرس، وزير الخارجية، مرة واحدة. وكان ثمة تطور جديد نشأ بعد زيارته السابقة وهو أن محكمة العدل العليا الإسرائيلية بدأت، في 17 كانون الثاني [يناير] 1993، النظر في الاستئناف الذي طعن في قانونية إجراء الحكومة المتمثل في "الطرد الموقت" لـ 415 فلسطينياً. وما زالت جلسات الاستماع جارية في المحكمة حتى تاريخ هذا التقرير. وقد قام رئيس الوزراء بإبلاغ السيد غاريخان بأنه لن يكون في مركز يمكنه من اتخاذ إجراء، أو حتى بحث تدابير بديلة، إلى أن تصدر المحكمة حكمها. وأوضح السيد غاريخان لمحادثيه الإسرائيليين أن مجلس الأمن تصرف في هذا الأمر بصورة مستقلة عن العمليات القضائية الداخلية في إسرائيل. وأعرب رئيس الوزراء عن فهمه لهذه النقطة، ولكنه أكد مرة أُخرى أنه لا يستطيع اتخاذ أي إجراء قبل أن تصدر المحكمة حكمها. وصرح بأنه على استعداد لاستئناف المباحثات مع السيد غاريخان بعد أن تتخذ المحكمة قرارها.

            16ـ والتقى السيد غاريخان، كما فعل أثناء زيارته السابقة، بمجموعة من الفلسطينيين. وأعرب الفلسطينيون عن تأييدهم لجهود الأمين العام، وطالبوا بتنفيذ القرار 799 (1992) بدون تأخير. وكرروا مرة أُخرى الإعراب عن موقفهم وهو أنهم لا يستطيعون الاشتراك في محادثات السلام ما لم تحل قضية المبعدين.

            17ـ لإدراك خطورة الوضع الذي تناوله قرار مجلس الأمن 799 (1992) إدراكاً تاماً، من الأهمية بمكان أن نذكر أن عملية الإبعاد التي نفذتها حكومة إسرائيل في 17 كانون الأول [ديسمبر] 1992 ما هي إلا أحدث حلقة في سلسلة انتهاكات من قبل إسرائيل لاتفاقية جنيف الرابعة. وقد تناول مجلس الأمن مراراً وتكراراً منذ شهر كانون الأول [ديسمبر] 1987 مسألة سلامة المدنيين الفلسطينيين الذين هم تحت الاحتلال الإسرائيلي وحمايتهم. لهذا السبب، وفي ضوء الطلبات التي قدمها الزعماء الفلسطينيون إليّ وإلى السيد جونا والسيد غاريخان أثناء زياراتهما للمنطقة، أنوي أن أبدأ مباحثات مع السلطات الإسرائيلية بشأن إقامة آلية رصد تابعة للأمم المتحدة في الأراضي المحتلة، كما اقترح في القرار 681 (1990). وسيكون من شأن هذا أن يطمئن الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى أن المجتمع الدولي لم يهمل حاجتهم إلى السلامة والحماية، وهي حاجة يجب تلبيتها بغض النظر عن تقدم محادثات السلام.

            18ـ ما زالت إسرائيل، كما يتضح مما تقدم، ترفض امتثال القرار 799 (1992). وهذا أدعى إلى الأسف كلياً نظراً إلى أنني بذلت، عملاً بالولاية المنوطة بي بموجب الفقرة 5 من القرار المذكور، جهوداً مستمرة للتوصل إلى حل. فقد أرسلت ثلاث بعثات إلى المنطقة، وتحدثت شخصياً، عدة مرات مع السيد رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، والسيد بيرس، وزير الخارجية. وإن رفض إسرائيل ضمان عودة المبعدين الآمنة والفورية كما طلب في القرار 799 (1992) يشكل، في رأيي، تحدياً لسلطة مجلس الأمن. يضاف إلى ذلك أن ثمة شعوراً متزايداً لدى المجتمع الدولي بأسره بأن مجلس الأمن، بعدم ضغطه لحمل إسرائيل على امتثال قراراته، التي كان آخرها القرار 799 (1992)، لا يعير أهمية متساوية لتنفيذ كل قراراته. وفي هذه الظروف سأكون قد قصّرت في واجبي إنْ لم أوصِ مجلس الأمن باتخاذ ما يلزم من تدابير لضمان احترام قراره الإجماعي المتضمن في القرار 799 (1992).

            19ـ أما وقد قلت هذا، أود أن أبين أن تطورات كالتطورات التي هي موضوع هذا التقرير تؤكد الحاجة إلى تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط. ولقد كان هذا الهدف منذ أمد بعيد وسيظل محل تركيز هام لجهود الأمم المتحدة. وإن استمرار قلقلة الوضع في الأراضي المحتلة يبقى مثار قلق شديد، ويملي على المجتمع الدولي، أكثر فأكثر، ألا يدّخر وسعا في سعيه إلى إيجاد تسوية. وأنا من جانبي سأظل ملتزماً بفعل كل ما هو ممكن للمساعدة في هذا المسعى.

 

المصدر: "الحياة" (لندن)، 29/1/1993.

* الأمين العام للأمم المتحدة: بطرس غالي.

 

المصادر:

(1)  الأمم المتحدة، مجموعة المعاهدات، المجلد 75، العدد 973.

(2)  قرار الجمعية العامة 217 ألف (د ـ 3).