كيالي. "فلسطينيو 1948 والانتفاضة" (بالعربية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

بقدر ما فاجأت انتفاضة 1987 الوطنية الفلسطينية الكتّاب والصحافيين أكثر هؤلاء من الدراسات والكتب في شأنها، وكأنهم يعتذرون عما سبق أن بدر منهم من عدم التقاط مقدمات الانتفاضة في وقتها.

وقد صدرت عشرات الكتب بلغات مختلفة، في أركان الأرض الأربعة، في محاولة لتغطية الانتفاضة، حتى قبل أن تكتمل هذه الظاهرة المجيدة.

واختلفت الزوايا، وتباينت الآراء، وتضاربت التنبؤات.

ومن الكتب الحديثة نسبياً، باللغة العربية، هذا الكتاب للكاتب الفلسطيني ماجد كيالي. وقد اختار زاويته الخاصة للتعامل مع الانتفاضة.

فمعروف أن فلسطينيي 1948 ظلوا أسرى "التضامن" فقد مع أشقائهم في الضفة والقطاع، ولم يرتق نضالهم إلى مستوى نضال هؤلاء الأشقاء، الأمر الذي طرح سؤالاً في شأن سر هذا النضال المكبوح تجدر الإجابة عنه.

وقد جاء الكتاب في 80 صفحة من القطع المتوسط، تضمنت مدخلاً دمج كيالي فيه المقدمة المفترضة ف المدخل المطلوبز ثم انتقل إلى الأوضاع الاقتصادية لفلسطينيي 1948 حتى قيام الانتفاضة، كما ألقى الضوء على أوضاعهم الديموغرافية والاجتماعية، قبل أن ينتقل لإلقاء نظرة فاحصة على أوضاعهم السياسية. ويخصّص المؤلف فصله الخامس للحديث عن "التفاعل مع الانتفاضة". أمّا إشكاليات التماثل، فخصَّص لها الفصل السادس من كتابه.

وهنا نلاحظ أن موضوع الكتاب بحسب عنوانه لم يحتل سوى 21 صفحة، بينما احتلت خلفيات الموضوع 41 صفحة؛ وفي هذا اختلال بيِّن، إذ كان من الكبيعي أن يحدث العكس، فيحتل الموضوع الأساسي النسبة الأكبر من الفصول والصفحات، بينما تنحصر الخلفيات في النسبة الأصغر.

كما نلاحظ أن المؤلف استغنى عن المقدمة، ودمجها في المدخل، على ما بينهما من حدود وفواصل. ومن ناحية أُخرى، عمد كيالي إلى تثبيت استنتاجاته في المدخل، ملحقاً إياها بالفرضيات، بينما كان يجب أن يؤخر تثبيت الاستنتاجات إلى الصفحات الأخيرة من كتابه.

في المدخل يشير كيالي إلى أن برنامج الانتفاضة محصور، جغرافياً وبشرياً، في إطار الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، وأن انتصار الانتفاضة رهن بتحريك "جميع المفاعيل"، وضمنها حركة الجماهير الفلسطينية في فلسطين المغتصبة منذ سنة 1948، كما أن انتصار الانتفاضة "سيساهم، إلى حد كبير، في بلورة الهوية القومية لها، كما أنه يدعم مسارها النضالي، السياسي والاجتماعي، بمستوياته المختلفة." (ص 11)

ويعيد المؤلف التفاوت في الوعي والسلوك السياسيين لفلسطينيي 1948 "إلى إحساسهم بالعزلة، وشعورهم بأنهم أقلية في وطنهم، كما يعود إلى وتائر أو تذبذبات الصراع العربي الإسرائيلي"، الأمر الذي يتعمق مع كل انحسار ثوري عربي، والعكس صحيح.

وعليه، يصل كيالي إلى استنتاج فحواه أن "أشكال التفاعل والمحاكاة النضالية، أو المشاركة، ستظل في حدود معينة." ويستطرد: "لذلك، لا تفترض هذه الدراسة أن يكون عرب 48 نسخة كربونية عما يجري حولهم. كما لا تفترض أنهم متحررون من كل القيود، بل تفترض أن مسار التبلور النضال لعرب 48 سيظل مساراً متدرجاً، متصاعداً، يتأثر بشكل أكبر بالمحيط العربي." (ص 12)

اقتصادياً، ليس هناك أوضاع اقتصادية خاصة حصراً بفلسطينيي 1948؛ وذلك أولاً لغياب هياكلهم الاقتصادية المستقلة، وثانياً لانخراطهم في العلاقات والمؤسسات الاقتصادية الإسرائيلية، وثالثاً لافتقادهم الأرض، وأخيراً لمحاربة السلطات الإسرائيلية أية محاولة مستقلة للاقتصاد الفلسطيني. بهذا يبدأ المؤلف حديثه عن الأوضاع الاقتصادية لفلسطينيي 1948. لكنه يلاحظ، أيضاً، أن هذه السلطات لم تنجح في مجال تهويد العمل نجاحاً تاماً. إذ يشكل فلسطينيو 1948 نحو 12% من إجمالي قوة العمل الإسرائيلية، وتقفز مع قوة عمل الضفة والقطاع المنخرطة في السوق الإسرائيلية إلى زهاء 20%. على أن المؤلف يؤكد "أن مجالات السيطرة الاقتصادية، رغم قوتها وجبروتها، لا يمكن أن تخلق، بالضرورة، سياقاً مستمراً من الإخضاع، والانكفاء القومي، بل قد تعطي مردوداً عكسياً" (ص 17). وقد ساهمت الضغوط الاقتصادية والسياسات التمييزية الإسرائيلية ضد المجتمع الفلسطيني في مراكمة الشعور بالاضطهاد القومي، وتعزيز وعيهم السياسي.

ديموغرافيا، يتركز فلسطينيو 1948 في ثلاثة تجمعات رئيسية، هي: الجليل (60%)؛ المثلث (24%)؛ النقب (8%). وتتوزع النسبة الباقية على سبع مدن متبقية. ويتركز 23,3% من مجموع فلسطينيي 1948 في المدن، و 42,2% في تجمعات حضرية، و17,2% في قرى كبيرة (أكثر من خمسة آلاف نسمة)، و 11,1% في القرى الصغيرة، و5,9% في مضارب البدو. وهذا يشير إلى انحسار الإطار التقليدي لحساب الطابع المديني. وقد قفز عدد فلسطينيي 1948 من 156 ألف نسمة سنة 1948، إلى ما يربو على 600 ألف نسمة سنة 1984، وذلك في موازاة تنامي إحساسهم بهويتهم الوطنية. ويتسم مجتمع فلسطينيي 1948 بالفتوة، إذ تصل نسبة من هم دون الخامسة عشرة من عمرهم إلى نحو 50% من المجموع الكلي. وفي مجال التغيرات الاجتماعية، ثمة اتساع للفئات المتعلمة، وارتفاع لمعدلات قوة العمل. وغدا التعليم رأس مال خاصاً بالنسبة إليهم، ومجالاً حيوياً للعمل وللتعبير عن الذات، في آن واحد. وقد جابهوا سياستي التجهيل وتهويد التعليم الإسرائيليتين، وإن كان الإسرائيليون نجحوا إلى حد بعيد في جذب الفتيان إلى سوق العمل، الأمر الذي رفع نسبة التسرب من المدارس. كما حرمت إسرائيل فلسطينيي 1948 بعض التخصصات، مثل الطب والهندسة الإلكترونية، ناهيك بالوظائف العالية في مؤسسات الدولة، حتى أن ثلث خريجي الجامعات ظل بلا عمل. وقد أخذ عدد الملتحقين بالجامعات في الارتفاع المطرد، كمؤشر إلى ازدياد الوعي، وإلى اتجاهات التبلور الاجتماعي الجاري في أوساطهم.

وقد عكست المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية نفسها، بقوة، على مجال توزع قوة العمل واتساعها. فمصادرة الرض أجبرت المزارعين على التوجه إلى العمل المهني والحرفي والخدمي، وفي الأساس أجبرتهم على التوجه إلى سوق العمل الإسرائيلية. وعمل زهاء 86% منهم خارج مناطق سكناهم، وفي مجالات العمل الأسود، ووقعوا تحت نير أزمة الإسكان، وتردّي مستوى المعيشة. ويرى المؤلف أن هذه المتغيرات أدت كلها إلى تكتل المجتمع الفلسطيني، وعزّزت مساره في اتجاه التبلور، كما ساهمت – مع الانتافضة – في تحول هذه المجتمع إلى واحد من مفاعيل الأزمة الراهنة والمستقبلية للكيان الصهيوني.

سياسياً، شكلت النكبة انقلاباً سياسياً جذرياً؛ فالأكثرية تحولت إلى أقلية في وطنها، وتعرضت حقوقها للمصادرة، على يد الحكم العسكري الإسرائيلي. وتعاملت الأحزاب الصهيونية مع فلسطينيي 1948 باعتبارهم مجرد وسط انتخابي، يجري العمل لجذب أصواته. بينما تحددت السياسة الإسرائيلية تجاههم في الشق الأمني، وأُوكل أمرهم إلى الجيش. ومن المنطلق نفسه، تم تقييد انخراط فلسطينيي 1948 في الأحزاب الصهيونية. ولم يسمح لهم بالانخراط في الهستدروت إلا سنة 1959 وتُرك لهم حق الاشتراك في المجالس البلدية، لكن بعد أن همّشتها السلطات الإسرائيلية، بما يحول دون تحولها إلى إطار يعبّر عن الطموحات الوطنية لهذه الأقلية المضطهدة. ودفع هذا الاضطهاد المتعدد فلسطينيي 1948 في اتجاه الحزب الشيوعي الإسرائيلي، بوصفه حزباً لاصهيونياً، وباعتباره "الإطار الوحيد الذي يمكن للعرب التعبير، من خلاله، عن هويتهم والدفاع عن حقوقهم." (ص 40)

وتم ملء الفراغ السياسي هنا بالانشداد نحو الخارج، حيث بقي الفلسطينيون ينتظرون تحريرهم، وظلوا ينتظرون المدد والعون من الخارج، الأمر الذي تعزز مع سقوط بعض الأنظمة العربية المحافظة، وحلول أنظمة وطنية محلها.

ويرى الكاتب أن مذبة كفر قاسم (خريف سنة 1956) كان  لها دور كبير في استعادة الفلسطينيين لوعيهم حقيقة وضعهم، والأوضاع المحيطة بهم. وقد جاءت في سياق مدّ قومي عربي، اجتاح الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، طوال النصف الثان من الخمسينات. وسرعان ما تكونت "الجبهة العربية" لفلسطينيي 1948 في السادس من تموز/ يوليو 1958، وضمت إلى جانب الحزب الشيوعي قطاعاً من المستقلين، من ذوي الميول الوطنية والقومية، لكنها غيّرت اسمها إلى "الجبهة الشعبية العربية"، وطالبت بإلغاء الحكم العسكري، وإعادة الأراضي المصادرة، والكفّ عن المصادرة، كما طالبت بتعليم العربية في المدارس، وإعادة اللاجئين إلى وطنهم. على أن الانشقاق الذي حدث بين الاتجاهات القومية والاتجاهات اليسارية في الوطن العربي، منذ مطلع سنة 1949، امتد بتأثيره إلى فلسطينيي 1948، فانشقت الجبهة. ويشكل القوميون حركة "الأرض"، التي اعتبرت الشعب الفلسطيني جزءاً من الأمة العربية، وطالبت بحل عادل للقضية الفلسطينية، وبدولة عربية فلسطينية. وردّت السلطات الإسرائيلية بحظر حركة "الأرض".

بعد تبلور الكيان الفلسطيني، وظهور منظمة التحرير الفلسطينية في صيف سنة 1964، ومعها الفصائل الفدائية الفلسطينية، بدا أن فلسطينيي 1948 عثروا على البديل المعنوي. وبعد حرب 1967 تجسّرت الهوَّة بينهم وبين أشقائهم في الضفة والقطاع، فتنامى إحساسهم بهويتهم الوطنية، وأوجد المصير المشترك مشاعر مشتركة. ثم جاءت حرب 1973، وما لحق بالجيش الإسرائيلي من إخفاقات، ليساهما في تنامي الشعور الوطني لفلسطينيي 1948، الأمر الذي تعزز بعد اكتساب  منظمة التحرير صفة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطينين وقبولها عضواً مراقباً في الأمم المتحدة (خريف سنة 1974).

وتُوِّجت هذه الفعاليات النضالية في "يوم الأرض" (30 آذار/ مارس 1967)، حيث جرى التشديد على أن "الأرض هي الوطن"، هي الأم"، بكلمات د. سامي مرعي. بينما تأكد للمستوطنين اليهود أن "كل الأحلام حول دولة (نظيفة) من العرب هي عبث في عبث"، بحسب الشاعر التقدمي الفلسطيني توفيق زيّاد. وغدا هذا اليوم نقطة تحول بارزة في نضال فلسطينيي 1948، واتسع نطاق الأنشطة الكفاحية المشتركة بينهم وبين أشقائهم في الضفة والقطاع، وأخذ نفوذ الأحزاب الصهيونية وسطهم في الانحساب، لمصلحة الحزب الشيوعي وبعض الاتجاهات القومية. وما أن ولّت سنة 1976 حتى كانت اللوحة الحزبية لفلسطينيي 1948 على النحو التالي:

  • حركة أبناء البلد: وضمت نشطاء من حركة "الأرض" سابقاً، وهي تطالب بالحفاظ على الهوية الوطنية، وتعتبر منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وأن فلسطين للفلسطينيين.
  • لجنة المبادرة الدرزية: ويدعمها الحزب الشيوعي، ويتسم برنامجها بطابع مطالبي، إذ يدعو إلى دعم المجالس البلدية العربية، وإلغاء تجنيد الدروز في الجيش الإسرائيلي، وتعريب التعليم.
  • الحركة التقدمية للسلام: وتشكلت من عناصر عربية ويهودية، بزعامة عربي.

نلاحظ هنا أن الكاتب يضع ضمن اللوحة التنظيمية كلاً من "اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية العربية", و"اللجنة القطرية للدفاع عن الأراضي"، و"لجنة المتابقة لقضايا المواطنين العرب"، و"اللجنة القطرية ضد العنصرية والتمييز العنصري"، بينما هي إمّا تشكيلات ائتلافية وإمّا تشكيلات موقتة عابرة.

وأخذ منحى الصوت العربي الممنوح للأحزاب الصهيونية في الهبوط المطرد، فأدى إلى اختفاء القوائم العربية المرتبطة بالأحزاب الصهيونية، منذ انتخابات سنة 1984، وهو ما يعكس مدى تبلور الحياة الاجتماعية والثقافية لفلسطينيي 1948.

ومن المؤشرات الجديدة الظهور القوي للحركات الإسلامية، وإنْ لوحظ مساران متوازيان في نضال فلسطينيي 1948: المساواة والإحساس بالقوة الداخلية في الداخل، والإحساس بالانتماء والهوية العربية تجاه الخارج. وبحسب محللين إسرائيليين، فإن جيلاً ذا طبائع سياسية مختلفة عن جيل الوجهاء والمخاتير قد ولد. وتتجلى في هذا الجيل فلسطينية عرب 1948، وتتأكد حقيقة "أن الأقلية [الفلسطينية] لا تمر بمرحلة الاندماج."

وهكذا تضافرت جملة من العوامل في اتجاه تماثل وتقارب فلسطينيي 1948 مع المسار السياسي الفلسطيني.

وحين يأتي المؤلف إلى "تفاعل فلسطينيي 1948 مع الانتفاضة"، يلاحظ أن كل ما سبق "شكل المقدمات الضرورية لنضوج الفعل السياسي الفلسطيني"، الذي تراوح ما بين التضامن والمشاركة المتواضعة. ويعيد كيالي عد ارتقاء مشاركة فلسطينيي 1948 إلى مستوى الزخم الجماهيري في الضفة والقطاع، إلى جملة من العوامل مثل: القمع الإسرائيلي، وغياب الإطار السياسي الملائم، والتعارضات بين القوى السياسية، فضلاً عن عدم وضوح التوجه السياسي لمنظمة التحرير تجاه فلسطينيي 1948. (ص 55)

ومع ذلك، فقد فزع الإسرائيليون من نجاح الانتفاضة في نقل المعركة إلى داخل فلسطين 1948، لأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، ناهيك بالتأثيرات المستقبلية للانتفاضة في فلسطينيي 1948، واحتمال انتقال عدوى الانتفاض إليهم.

وتباينت ردات الفعل الإسرائيلية حيناً، وتعارضت أحياناً. فمن مُطالب بتشديد القمع، إلى متحمس للترانسفير أو تكثيف الاستيطان، إلى منادٍ بضرورة تحسين أوضاع فلسطينيي 1948 المعيشية في محاولة لامتصاص نقمتهم.

وقد أشارت صحيفة "عال همشمار"، الناطقة بلسان حزب مابام الصهيوني اليساري، إلى أن الفلسطيني في إسرائيل لا يملك "إلاّ أن يربط، بعفوية، بين هذه المقاومة للتخلص من نير الاحتلال، وبين الغبن الذي يلحقه كمواطن غير متساوٍ في الحقوق."

وعن "إشكاليات التفاعل والتماثل مع الانتفاضة"، أشار المؤلف إلى بقاء هذا التفاعل في إطار التعاطف والتضامن، وفي إطار القانون غالباً. ويعيد كيالي هذا الأمر إلى طبيعة البرنامج السياسي للقوى السائدة بين فلسطينيي 1948، وغياب التنسيق فيما بينها، والافتقار إلى الأفق السياسي المشترك مع الحركة التحررية الفلسطينية، كما وجدت خلافات فلسطينيي الخارج منفذاً لها إلى الداخل.

لكن المؤلف لا يشير، هذه المرة، إلى اليأس الذي نشره برنامج منظمة التحرير الفلسطينية بين فلسطينيي 1948، إذ أسقطهم من حسابه، واكتفى بفلسطينيي الضفة والقطاع، متنازلاً عن فلسطينيي 1948 باعتبارهم "عرب إسرائيل"، وإن كان المؤلف أشار بصورة غامضة إلى الدور السلبي لهذا البرنامج، "حيث يفتقد هذا البرنامج لتوجه سياسي محدد تجاه فلسطينيي 48... [مما] يساهم في بلبلة المسار السياسي لهم... [و] تكريس حالة العزلة والانتقام لديهم عن الحركة الوطنية الفلسطينية." (ص 68 – 69)

لذا، نجد كيالي يدعو إلى "جَسر الفراغ الحاصل في البرنامج الفلسطيني... مع إيجاد الأشكال الملائمة لتحقيق الترابط السياسي والنضالي بين فلسطينيي الخارج وفلسطينيي 48." (ص 70)

ويُسقط الكاتب تماماً عاملاً مهماً آخر، هو فارق الدرجة بين كمّ البطش الإسرائيلي الممارس ضد فلسطينيي 1948، وبين نظيره الممارس ضد إخوانهم في الضفة والقطاع، إذ يقلّ في الحالة الأولى، نسبياً، عنه في الضفة والقطاع، الأمر الذي يجعل ردة الفعل على هذا البطش مساوية للفعل نفسه، على ما هو معروف. ومن جهة أُخرى، فإن المؤلف لا يعفي العامل العربي المتردي من التأثير السلبي في فلسطينيي 1948.

وعلى الرغم من كل هذا التواضع في الموقف المتعاطف والمتضامن لفلسطينيي 1948 مع الانتفاضة، فإن ماجد كيالي يستشهد برأي الصحافي الإسرائيلي يوسف لبيد الذي يرى أن "المشكلة الحقيقية لدولة إسرائيل، على المدى البعيد... هي العرب في إسرائيل... [حيث] سيتابع [هؤلاء]، بنفس توَّاقة، علائم الاستقلال لدى أشقائهم في ما وراء الحدود... [وسيطالبون] بضم الجليل إلى دولة فلسطين... ولإعطاء فعالية لمطلبهم، سيضعون لنا ألف انتفاضة مصغَّرة."

وبعد، فنحن أمام كتاب سياسي، جاء في التوقيت الصحيح، وإنْ أدى تأخر دار النشر في طباعته إلى ظهور إحصاءاته، وهي بحاجة ماسة إلى تحديث أرقامها حتى سنة 1990؛ إذ يتوقف معظم الأرقام عند ما قبل ثلاث سنوات من هذا التاريخ، الأمر الذي لا شك في أن المؤلف والناشر سيتلافيانه في الطبعة الثاني من هذا الكتاب.

 

السيرة الشخصية: 

عبد القادر ياسين: كاتب فلسطيني.