الرئيس التركي تورغوت أوزال يشرح موقف بلده من حرب الخليج، 22/1/1991
النص الكامل: 

          إن ما كان من اجتياح العراق للكويت وضمها إليه لانتهاك مباشر لكل معايير النظام العالمي وللمبادئ الأساسية لشرعة الأمم المتحدة. لقد قضى فعل العراق على السلام، وكان أول تحد خطر للنظام العالمي الجديد. وقد برهن المجتمع الدولي، بوقوفه متكاتفاً في مواجهة هذه الأزمة، عن تصميمه على عدم السماح بالعدوان.

          إن ما شاهدناه منذ 2 آب/ أغسطس 1990 لحري بالاهتمام: فالأمم المتحدة ومجلس الأمن يمارسان وظيفتهما في حفظ السلام باسم المجتمع الدولي، ويعملان على تنفيذ القانون الدولي.

          لم تزل تركيا تعمل، في سياستها الخارجية، على هدي الشعار القائل "سلام في الوطن وسلام في العالم". كما أنها لم تزل تدعو إلى احترام القانون الدولي. وقد وقفت، منذ اليوم الأول للأزمة، موقفاً حازماً، مصرَّة على انسحاب القوات العراقية غير المشروط من الكويت، وعلى أن يعاد إلى الكويت استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها وحكومتها الشرعية. وعندما قضى مجلس الأمن بالعقوبات على العراق، امتثلت تركيا على الفور.

          لقد قطعنا خطي أنابيب النفط اللذين يمران ببلدنا، وأغلقنا الحدود مع واحد من أهم شركائنا في التجارة الخارجية. ومع أننا أدركنا مدى ما ينطوي عليه ذلك من تضحيات، فما كنا نبالي بالتعويضات ولا نصدر عن دافع المصلحة الخاصة. وأؤكد أن موقفنا كان وسيبقى موقفاً مبدئياً.

          ولقد قامت تركيا بدور مهم في تكوين التحالف الدولي، إذ طبقت العقوبات فوراً. لقد كان ثمن إيقاف كل تجارة مع العراق باهظاً، ولا سيما إذا ما احتُسب على أساس علاقاتنا بالشعب العراقي الذي لم تزل تربطنا به علاقات ودية ووثيقة، وعلى أساس اقتصاد تركيا النامي. وينبغي للمجتمع الدولي أن ينظر بعين الجد بمشاركة تركيا المنصفة في الأعباء التي تحملتها طوعاً من أجل السلام.

          إن المساعي التي بذلها الرئيس جورج بوش لحمل التحالف الدولي على الرد على هذا العدوان محمودة، ومثلها أيضاً المحاولات العديدة التي قامت بها الولايات المتحدة وغيرها من أعضاء التحالف، من أجل حل هذه الأزمة بالوسائل الدبلوماسية. وبعد أن استنفدت هذه المساعي الدبلوماسية كلها، بات من الواضح أن القيادة العراقية غير راغبة في الانسحاب من الكويت. وقد تحرك المجتمع الدولي من أجل تطبيق بنود قرارات مجلس الأمن. ويؤسفني جداً أن القيادة العراقية لم تبدِ الحصافة الكافية للامتثال لإرادة الأمم المتحدة. ما من أحد أراد هذه الحرب، لكنها باتت لا مفر منها من أجل صون السلام.

          إن تركيا تؤيد الأعمال التي تقوم القوى المتعددة الجنسيات بها لتنفيذ الأهداف التي حددتها الولايات المتحدة. ولهذه الغاية أَذن البرلمان التركي في إرسال قوات مسلحة تركية إلى بلاد أجنبية، وفي استضافة واستخدام القوات الأجنبية في تركيا. أما مدى وتوقيت وضرورة هذه الأعمال فيعود أمر تحديدها إلى الحكومة.

          وعلى هدي هذا الإذن، وعملاً بقرار مجلس الأمن رقم 678، قررنا مدّ شركائنا في عمليات التحالف المتعدد الجنسيات بمزيد من الدعم، وذلك بالموافقة على التوسع في استخدام المنشآت العسكرية المشتركة في تركيا. هذا، فضلاً عن تكثيف انتشار الجيش التركي على طول حدودنا مع العراق، حيث سمّرنا أكثر من ثماني فرق عراقية في أماكنها.

          والموافقة البرلمانية على إرسال القوات التركية إلى خارج حدودنا إنما هي تدبير احترازي. وأشدد على أن القوات التركية المسلحة لن تشترك في العمليات ضد العراق إلا إذا هوجمنا. لا مطامع لدينا في أراضي العراق ولا في أراضي أي بلد آخر، كما أن ما من شبر واحد من أرضنا عرضة للمساومة.

          ويحدو الحكومة التركية أمل كبير بأن تكون العملية التي أُطلقت ضد القيادة العراقية قصيرة، وأن تؤدي إلى أقل عدد ممكن من الضحايا، وأن تحقق الأهداف التي حدّدتها الأمم المتحدة. من غير الجائز أن نهزم؛ إنما نحن نأمل بأن يرى صدام حسين عاجلاً أم آجلاً أن ليس في وسعه أن يربح. لا مأخذ لتركيا على الشعب العراقي ولا غرم، وهي تأمل، إذا ما انتهت الأزمة، أن تتمتع ثانية بالعلاقات الودية الوثيقة معه.

          أما وقد بدأت عملية تحرير الكويت، فعلى المجتمع الدولي أن يبدأ بالتفكير في الطرق المؤدية إلى بسط الاستقرار في المنطقة بعد الحرب. لا ريب أن الأزمة قد خلَّفت، وستخلِّف، أصداء لها في الشرق الأوسط.

          فإذا فرغنا من أزمة الخليج، بات من الواجب معالجة النزاع العربي ـ الإسرائيلي على أعمق مستوى وتسويته. وسياسة تركيا في هذا النزاع لم تزل واضحة ومتماسكة ومتوازنة. فنحن نعترف بحقوق الفلسطينيين المشروعة، بما فيها حقهم في إنشاء دولتهم المستقلة. كما نعترف بحقوق دول المنطقة كافة، بما فيها إسرائيل، في العيش ضمن حدود آمنة معترف بها. والسلام الدائم في المنطقة يتطلب الشروع في عملية تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي المتبادل بين دول الشرق الأوسط. ومن شأن عملية كهذه أن تخلق قناعة ثابتة لدى شعوب المنطقة بضرورة المحافظة على المصالح المشتركة، التي ينزع المساس بها أو تقويضها إلى الإضرار بالجميع.

          ونحن نعتقد أن ثمة فرصاً كبرى لبلوغ هذه الغاية. والواقع أنني اقترحت، منذ سنوات، إنشاء خط لـ "أنابيب مياه السلام" من أجل نقل المياه من نهرين تركيين إلى شبه الجزيرة العربية. وأنا أعتقد أنه لمّا كانت المياه مورداً حيوياً حاسماً (وربما غدت أثمن من النفط لاحقاً)، فإن من شأن خط أنابيب كهذا أن يفيد كل الدول المشاركة، ويشكل فرصة حقيقية للتعاون الإقليمي. إن حاجات المنطقة من المياه لم تلق بعد الاهتمام الكافي. ومن أجل تغيير ذلك، دعوت قادة المنطقة إلى استانبول في تشرين الثاني/ نوفمبر من هذه السنة، لعقد قمة في شأن نقل المياه عبر الحدود في الشرق الأوسط. وفي وسع هذه الأنابيب أن تمتد في موازاة أنابيب النفط والغاز لتعبر دول المنطقة.

          في وسعنا أن نبني معاً البنية التحتية للشرق الأوسط ونحسّنها. وسيكون من شأن ذلك أن يعزز التعاون الاقتصادي وسيؤدي فتح أسواق بعضنا لبعض، وزيادة التبادل التجاري، إلى تعزيز التكامل الاقتصادي فيما بيننا. كما أن السياحة قد تكون مجالاً آخر مهما نستطيع أن نركز جهودنا فيه. فالتعاون على هذا النحو لن يعمل على خلق جو من التفاهم والإرادة الطيبة فحسب، بل سيكون من شأنه أيضاً أن يحقق الرفاهية لكل دول المنطقة ويقلص الفوارق بين مداخيلها؛ تلك الفوارق التي قد تصبح يوماً سبباً أساسياً من أسباب الاضطراب الاجتماعي في الشرق الأوسط. فمن الممكن إنشاء صندوق تعاون اقتصادي من عائدات النفط، ومن شأن صندوق كهذا أن يكون أداة مهمة لتحقيق هذه الغاية.

          ولا بد أيضاً من أن تجري عملية أخرى مهمة في موازاة التعاون الاقتصادي، وهي عملية التحول إلى الديمقراطية. فمن شأن هذه العملية أن تعين المنطقة على الارتفاع إلى مستوى متطلبات النظام العالمي الجديد، وتقوية الشروط الضرورية لتحقيق سلام حقيقي في المنطقة.

          [.......]

 

المصدر:

International Herald Tribune (Paris), January 23. 1991.