الجيش الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة
كلمات مفتاحية: 
الانتفاضة 1987
الجيش الاسرائيلي
الاراضي المحتلة
الاراضي الفلسطينية المحتلة
الامن القومي
العلاقات المدنية العسكرية
نبذة مختصرة: 

يهدف هذا المقال إلى عرض الصعوبات التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة لينتقل بعد ذلك إلى تفصيل نتائج الانتفاضة وانعكاساتها على الجيش الإسرائيلي وعلى أدائه. في تفصيله لهذه الانعكاسات يتحدّث المقال عن النقد العالمي والداخلي الإسرائيلي لأعمال الجيش القمعية وعن الإرباك الذي سببته الانتفاضة لهذا الجيش وانعكاسه تضارباً في التصريحات الرسميّة الإسرائيلية وصعوبة لدى القيادة الإسرائيلية في تحديد طبيعة الانتفاضة بدقّة. يتناول بعدها المقال التغيّرات التي أنتجتها الانتفاضة في "معادلة الأمن القومي" الإسرائيلية ومساهمتها باهتزاز مكانة القيادة العليا للجيش الإسرائيلي وبتغذية الخلاف بين القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل كما يعود مجدداً ليؤكّد رفض بعض الإسرائيليين للخدمة العسكرية بسبب ممارسات الجيش حيال الانتفاضة. يستخلص المقال، ختاماً، أن استمرار الإنتفاضة من دون أن يتمكّن الجيش الإسرائيلي من تحقيق أهدافه سيوقعه في سلسلة من التساؤلات قد تؤثّر عليه في المستقبل إذا لم يستطع الإجابة عليها.

النص الكامل: 

منذ عامين ونيف والجيش الإسرائيلي يتصدى للانتفاضة الفلسطينية الشعبية في المناطق المحتلة. لكنه عبثاً يحاول إخمادها كإنجاز ميداني يترجم إلى مكاسب سياسية.

بدأت صعوبات الجيش الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة عندما فوجىء بحجمها وأبعادها وأهدافها. ففي البداية، تعامل معها كحوادث "خرق نظام" عل أمل إنهائها والقضاء عليها خلال فترة زمنية قصيرة. وراهن قادة هذا الجيش، منذ البداية، على عدم قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود. ومنذ الأسبوع الثاني لبدء الانتفاضة في كانون الأول/ ديسمبر 1987، و"أوساط أمنية" تردد أن السكان الفلسطينيين في المناطق "تعبوا من  الانتفاضة، وهم محبطون، ومختلفون فيما بينهم، ولم تعد إلا مسألة وقت قصير جداً حتى تتلاشى."(1)   وقد راهن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، اللواء أمنون شاحك، على "تعب" الفلسطينيين لأنهم "لا يرون النور في آخر النفق."(2)   كما راهن شايكة إيرز، رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية، أيضاً على "اضطرار الفلسطينيين إلى النزول من الشجرة والتخلص من النشوة والانصراف إلى التأمل فيما يمكن عمله"، "بسبب المشكلات الاقتصادية الصعبة."(3)  

لكن هذه الرهانات قد سقطت واستمرت الانتفاضة. وعندما أنهت عامها الأول، لم يكن لدى الجيش الإسرائيلي بعد من وسائل جاهزة لمواجهتها بفعالية. بل لجأ إلى أساليب عشوائية مع تصاعد الانتفاضة واتساعها، حتى بلغ عدد الجنود الإسرائيليين الذين خدموا في المناطق المحتلة بعد عام ونصف العام نحو 100 ألف جندي. وصرح يتسحاق رابين أخيراً أن عددهم بلغ 300 ألف جندي.(4)  

وكلما استمرت الانتفاضة وتصاعدت وانتهجت أساليب جديدة للتصدي لقوات الاحتلال، اكتسبت القضية الفلسطينية تأييداً سياسياً عالمياً عارماً، وتعرض الجيش الإسرائيلي للنقد والطعن في الداخل والخارج وفقد الكثير من الهالة التي اكتسبها في الماضي، والكثير نت قدرته الرادعة. ولم يكن أمام القيادة السياسية من وسيلة سوى حشد جميع الأجهزة الميدانية في المناطق المحتلة، من جيش وشرطة وجهاز مخابرات عامة (شاباك) وإدارة مدنية وقضاء عسكري وإدارة سجون ومرافق اعتقال. واستخدمت هذه الأجهزة جميع وسائل القمع، ابتداء بالهراوة العادية والكهربائية ومروراً برصاص البلاستيك واستخدام العيارات النارية الحيّة وحتى دفن بعض الأشخاص وهم أحياء... إلخ وبحسب تقدير ورد في مؤتمر رابطة الأطباء الإسرائيليين والفلسطينيين، أن أكثر من 100 ألف شخص أصيبوا في المناطق المحتلة منذ بدء الانتفاضة حتى أيلول/ سبتمبر 1989.(5) 

وبحسب وثيقة صدرت عن المركز الإسرائيلي للمعلومات "بيتسيلم"، قتل برصاص الجيش الإسرائيلي، منذ بداية الانتفاضة يوم 9 كانون الأول/ ديسمبر 1987 حتى أيلول/ سبتمبر 1989، نحو 115 طفلاً. وقتل 16 آخرون في أوضاع أخرى، وكلهم لا تزيد أعمارهم على 16 عاماً.(6)   وجاء في تقرير آخر للمركز أن 569 شخصاً قتلوا في  المناطق برصاص القوات الإسرائيلية بنهاية عامين على بدء الانتفاضة.(7)  

ومنذ بداية الانتفاضة حت أيلول/سبتمبر 1989، اعتقل 40 ألفاً من سكان المناطق المحتلة، منهم 9000 معتقل إداري، بحسب شهادة المدعي العام العسكري الإسرائيلي.(8)  

وفي تقرير للجنة العفو الدولية (أمنستي) أن أكثر من 25 ألف فلسطيني سجنوا، وأكثر من 5 آلاف وضعوا في الاعتقال الإداري من دون تقديمهم إلى المحاكمة.(9)   وهدمت سلطات الاحتلال منذ بدء الانتفاضة حتى كانون الأول/ديسمبر 1989 248 منزلاً، وأغلقت 198 منزلاً آخر.(10)  

وارتدت هذه الأعمال القمعية نقداً لممارسات الجنود الإسرائيليين من جهة، بينما ظهرت في أوساط هؤلاء الجنود، من جهة أخرى، حالات شغلت ولا تزال تشغل المجتمع الإسرائيلي: أزمات نفسانية، رفض الخدمة العسكرية في المناطق، نزوع نحو التطرف والقسوة وصفه المعلق العسكري زئيف شيف بأنه "نزوع إلى الوحشية".(11)    كما أعرف المؤرخ العسكري الإسرائيلي البارز، الأستاذ فان كارفيلد، عن أن الجش الإسرائيلي "يواجه خطر الانحلال". وأضاف: "لم يعد هناك جيش اليوم، بل مجموعة من الزمر فحسب."(12)   بينما أظهر استطلاع للرأي العام أن الإسرائيليين يعتقدون أن ما يجري في المناطق يؤثر تأثيراً سيئاً في المناقبية القتالية للجيش الإسرائيلي.(13) 

وتبقى التأثيرات الأبرز للانتفاضة في الجيش الإسرائيلي، هي الارتباك في تعيين هدف الحرب ضد الانتفاضة والمتغيرات التي حدثت على صعيد "معادلة الأمن القومي"، ناهيك باهتزام مكانة القيادة العليا وفشلها في قمع الانتفاضة. وقد نجم عن ذلك خلل في أداء الأركان العامة لدورها، وصراع بين القيادتين السياسية والعسكرية.

من المفاجأة إلى الارتباك

كان واضحاً منذ تفجر الانتفاضة أنها أربكت قيادة الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي جعلها عاجزة عن قراءة صحيحة لحجمها وأبعادها ومراميها. علماً بأن المناطق المحتلة شهدت عشية الانتفاضة حوادث كثيرة ومتنوعة ضد قوات الاحتلال. غير أن القيادة العسكرية، شأنها شأن القيادة السياسية، أصرت على اعتبار هذه الحوادث أنها مجرد "أعمال خرق نظام" يمكن السيطرة عليها. وحتى عندما كانت الحوادث تتخذ منحى مختلفاً من حيث حدتها وتنوعها وتوزعها الجغرافي، كانت القيادة الإسرائيلية لا تحسن قراءة مداها وأفقها. بل نظرت إليها باستخفاف انطلاقاً من قناعة بأن أهالي الضفة الغربية وغزة عاجزون عن المبادرة إلى أي عمل منظم ضد الاحتلال.

ولهذا، وجد قادة إسرائيل أنفسهم أسرى المفهوم نفسه الذي يقوم على غطرسة القوة، على الرغم من الغليان الذي كان يسود المناطق المحتلة. وكانوا يحتاجون إلى مزيد من الوقت لدراسة الموقف واختبار وسائلهم القمعية المتنوعة.

وعلى الرغم من مرور بضعة اشهر على نشوب الانتفاضة، فقد بقيت القيادة العسكرية واقعة تحت "صدمة" المفاجأة، إذ أن رهانها على قمعها خلال فترة قصيرة ذهب أدراج الرياح. وكما يقول عميرام متسناع، قائد المنطقة الوسطى السابق، "الفترة الأولى كانت فترة مفاجأة"، سواء بالنسبة إلىا لذين فوجئوا بتأخر نشوب الانتفاضة 21 عاماً أو الذين فوجئوا بنشوبها في كانون الأول/ ديسمبر 1987. وحتى "في الفترة اللاحقة كان عندنا إحساس بأننا سنفقد السيطرة على الأحداث بسبب انضمام المزيد من العناصر والقطاعات إلى الانتفاضة... وقعت أحداث كثيرة، والعديد من الإصابات، وكان هناك إحساس أكيد بخطر فقدان السيطرة."(14)   أو كما يقول زئيف شيف: "خارج المحاور وفي الليالي سيطرت اللجان [الفلسطينية] الضاربة، ومرت شهور حتى تعلم الجيش كيف يعمل بمنهجية."(15)  

التضارب في التصريحات الرسمية

استمر الارتباك في معالجة الموقف، وانعكس في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي اتسمت بالتناقض وانعدام المصداقية إزاء إمكان القضاء على الانتفاضة.

فبعد أقل من شهرين على بدء الانتفاضة، أعرب دان شومروا رئيس الأركان، في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة العبرية، عن ثقته باستتباب هدوء "الاضطرابات" في المناطق، وعودة الوضع إلى ما كان عليه شرط إعادة النظر في طريقة معالجة المشكلات والمفاهيم السياسية.(16)  

ثم أعلن شومرون أن "ليس هناك إمكان للتوصل إلى حد بقوة عسكرية بسبب القيود والتحفظات التي نفرضها على أنفسنا... ليس في قدرة الجيش إحلال الهدوء المطلق... وما لم تغير دولة إسرائيل القانون الخاص باستخدام السلاح – وهذا ما لا أُوصي به – فإن الجيش لا يستطيع مبدئياً حل المشكلة."(17)  

وبعد أكثر من عام على استمرار الانتفاضة، عاد شومرون فأعلن أن "ثمة حلاً عسكرياً للانتفاضة." وهناك فقط ضرورة للصبر والمثابرة؛ فهذا ليس حلاً عسكرياً كلاسيكياً بمعنى استخدام قوات مسلحة بكامل قوتها من أجل التوصل إلى حسم سريع على قدر الإمكان.(18)   وبعد ذلك، ألقى محاضرة في مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط، أعلن فيها أن حلاً سياسياً فقط سيؤدي إلى إخماد الانتفاضة في المناطق، وأنه لا يؤمن بأن خطوة عسكرية قاطعة ستصفّي الانتفاضة.

"متى رأى سكان المناطق أن عملية سياسية قد بدأت بموافقة إسرائيل فإن الانتفاضة ستخبو."(19)    ثم صرح شومرون، مبرراً عدم القضاء على الانتفاضة، أن "كل من يطالب بتصفية الانتفاضة على الفور، عليه أن يتذكر...

إن هناك ثلاث طرائق لتحقيق ذلك وهي: الترانسفير (الترحيل)، والتجويع، والتصفية الجسدية، أي إبادة شعب."(20)    وفي وقت لاحق، اعترف شومرون أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بأن "الانتفاضة انتقلت من مرحلة التظاهرات الجماعية إلى نشاطات أفراد، وإلى منع [العمال من] العمل في إسرائيل، وفرض الإضرابات [على السكان]. ولذا فإن استخدام القوة المركزة والبطش والعقاب الجماعي لن يساهم في قمعها... إن الجيش الإسرائيلي يفتقر إلى قوى كافية لإغلاق جميع الثغرات في كل المجالات."(21)  

وانتهى شومرون إلى إدراك أبعاد الصراع، فقال: "لأسفي، هذا الصراع هو جزء من الصراع الطويل بين الصهيونيين والفلسطينيين في شأن رقعة الأرض نفسها، وهذا الصراع يدور منذ أكثر من مائة عام... وما دام الفلسطينيون لا يدركون حدود قوتها فإنني أفترض أن هذا الصراع لن يتوقف."(22)   ثم استنتج أن "الحل للانتفاضة ليس عسكرياً بل عبر مسار طويل"، مقدراً أن الانتفاضة ستخبو لكنها لن تتوقف نهائياً.(23)  

أما يتسحاق رابين، الوزير المسؤول عن قمع الانتفاضة، فإنه وقع هو أيضاً في شرك التناقض بين تصريحاته والأوامر التي يصدرها وتنفذ على الأرض. لقد اعترف رابين بقيود القوة العسكرية واستحالة وقف الانتفاضة: "لست مستعداً لتحديد هدف غير قابل للتحقيق إلا في الأفلام."(24)    لكنه أعلن بعد ذلك: "علينا مواصلة النشاط العسكري في المناطق كي نبثّ رسالة واضحة إلى [السكان] المحليين والدول الخارجية أنهم لن يزحزحونا بالحجارة. علينا أن نتحلّى بالصبر لننجح في قمع الانتفاضة في المناطق."(25)    ثم عاد فأوضح، في جلسة الحكومة، أن "الجيش الإسرائيلي لن يستخدم وسائل عسكرية أكثر شدة إلا بمقتضى أهداف سياسية."(26)   وتابع أن "وسائل جديدة لقمع الاضطرابات في المناطق لن تساعد، والحل الوحيد هو سياسي."(27)   وقال في اليوم الثاني إن "القضاء على الانتفاضة في المناطق غير ممكن إلا إذا اقترحت إسرائيل حلاً سياسياً لدعم الحلول العسكرية."(28)

أما يتسحاق شمير، رئيس الحكومة، فقد أصر على قمع الانتفاضة بالقوة، وقال في خطاب أمام أعضاء اللجنة المركزية لليكود، إن هذا "لن يكون موضوعاً للمفاوضات. إنه سينفذ، وهو ينفذ الآن بواسطة قواتنا الأمنية. إننا سنقضي عليه [الإرهاب] وكل يهودي يرغب في الاستيطان في أي مكان في أرض – إسرائيل يستطيع أن يفعل ذلك، وسيحظى بتأييد حكومة إسرائيل وحمايتها."(29

ما هي طبيعة الانتفاضة: حرب أم تمرد؟

من بوادر الارتباك أن القيادة الإسرائيلية لم تستطع تحديد طبيعة الانتفاضة بدقة: هل هي حرب؟ وإذا كانت كذلك، كيف يمكن التعامل معها وبأية وسائل؟ وإذا كانت "تمرداً" كيف يمكن وضع حد له؟ أم هي "نزاع طويل"، وإلى متى سيستمر؟

 في الحكومة الإسرائيلية، مثلاً، ساد اتفاق بقواعد مختلفة"، ورفض معظم الوزراء اعتبارها "نزاعاً طويلاً"، بل كان "معظمهم يريد أن يرى الانتفاضة وكان في الإمكان القضاء عليها دفعة واحدة، بحل عسكري من نوع عملية عنتيبي." غير أن "الأركان العامة لا تتصرف وكأن ما يدور هو حرب لها انعكاسات استراتيجية بعيدة المدى."(30)  

وثمة من يرى أيضاً أن "أحداً لا يعترض على أن الانتفاضة هي حرب في كل شيء. وهذه حرب أسوأ وأصعب من جميع الحروب التي مررنا بها حتى الآن، لسببين على الأقل: كونها حرباً طويلة ومتواصلة، وقريبة من بيتنا. وهذه الحرب لن تنتهي... من دون تغيير جذري في الوضع القائم. حل سياسي، ترانسفير، مذبحة جماعية – كل وأسلوبه."(31)  

إلا أن عميران متسناع يعتدق أن الجيش الإسرائيلي فشل في قمع الانتفاضة لأنها "ليست حرباً فعلية". بينما يعتبرها أحد الخبراء بشؤون المناطق المحتلة "ثورة ذات طابع شعبي". غير أن الفلسطينيين لا يطبقون "مبادىء حرب شعبية" على غرار الجزائر وفيتنام، بل أن "الأسلوب الوحيد الذي ظهر لهم أنه فعال هو ثورة مدنية تدار بنجاح، وانتصارهم الحقيقي هو نجاحهم [نجاح الثوار] في القيام بتجنيد جميع السكان إلى جانبهم."(32)   أو نجاحهم في إقامة "مجتمع مجند".(33) 

وتحدث المعلق العسكري زئيف شيف. عن "إحباط داخل الجيش الإسرائيلي لأنه "غير قادر على تحقيق قوته في الحرب بصورتها الجديدة – ثورة مدنية." وكان متسناع، قائد المنطقة الوسطى، قد وجه رسالة إلى الضباط والجنود العاملين في اللضفة الغربية، حدد فيها الهدف بقوله: "إن هدفنا هو وقف الشغب، وفرض النظام والمحافظة على نمط حياة سليم كي نُبقي في أيدي حكومة إسرائيل ومواطنيها أكبر قدر من الإمكانات لاتخاذ قرارات سياسية ملائمة وبصورة ديمقراطية، بشأن مستقبل هذه المناطق." غير أن شيف يرى أنه "منذ أكثر من عام ونصف العام على بدء الانتفاضة، لم يتحقق أي جزء من هذا الهدف. فأعمال الشغب لم تتوقف، ولا يوجد في المناطق نمط حياة سليم، بل انضم إلى العرب خارقو النظام من اليهود أيضاً."(34)  

متغيرات في "معادلة الأمن القومي"

إن الأثر الأبرز الذي تحدثه الانتفاضة في الجيش الإسرائيلي، على الصعيد العملاني – الاستراتيجي، يتمثل في المتغيرات التي طرأت على معادلة "الأمن القومي" الإسرائيلية وعلى النظرية العسكرية.

1- تغير النظرة إلى "العدو": لم يعد "العدو" في ظل محاربة الانتفاضة جيوشاً عربية جرارة تتسلح بكميات هائلة من الأسلحة بهدف "تدمير إسرائيل"، لكن الآلة الحربية الإسرائيلية المتفوقة من الناحية النوعية قادرة على التغلّب عليها. بل أن "العدو" هذه المرة، هو الشعب صاحب القضية الأولى. اي أن الانتفاضة نقلت الصراع من الساحة التي أرادت إسرائيل حصرها فيها: عالم عربي "متعصب"، بريد "تدمير" إسرائيل، إلى ساحته الحقيقية، ساحة أصحاب الحق الشرعي في الدفاع عن النفس ضد الاحتلال. والجيش الإسرائيلي الذي كان يثير إعجاب العالم كلما قهر جيشاً عربياً، أصبح يطارد النساء والأطفال الذين يستحيل قهرهم بالقوة العسكرية. "إن قدرتهم على الاحتماع في مقابل الهستيريا التي نظهرها نحن مؤثرة. إن النقاش الداخلي عندهم لا يعالج مسألة ما إذا كان يجب الاستسلام لضغوط الجيش الإسرائيلي وتقديم التنازلات. بل استطاعوا خلال سير الانتفاضة إقامة مجتمع مجند، كما لم يحدث في المجتمع الإسرائيلي قط."(35)   وعلى حد تعبير أحد المعلقين الخبراء بشؤون المناطق المحتلة، أن "الانتصار الحقيقي" للقيمين على الانتفاضة هو "نجاحهم في تجنيد جميع السكان إلى جانبهم."(36) 

إذاً، إسرائيل ليست هي المبادرة إلى تحديد "العدو" لضربه وتحقيق مآربها السياسية والاستراتيجية. بل أن "العدو" هذه المرة هو الذي يبادر. والشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة لم يعد يأبه للتصريحات والتهديدات التي أُطلقت خلال الانتفاضة، ابتداء من إعلان رابين "تكسير عظامهم" (يوم 19 شباط/فبراير 1988) حتى تصريحه بشأن تلقين أهالي بيت ساحور "درساً لن ينسوه" (تشرين الثاني/ نوفمبر 1989). وكما يقول عميرام متسناع: "المشكلة هي أنه لا يهمهم ما نقول، لأنهم يفضلون أن يعرفوا ماذا نفعل إننا لا نفهمهم كثيراً."(37) 

2- تغير دور الجيش الإسرائيلي: نظراً إلى أن الانتفاضة هي الحدث الأهم في هذه المرحلة، أو يكاد يكون الوحيد الذي يشغل الجيش الإسرائيلي في غياب أية أخطار عسكرية أو استراتيجية داهمة تتهدد إسرائيل، فمن الطبيعي أن يطرح للنقاش دور الجيش الإسرائيلي ونظريته القتالية. فهذا الجيش كان "مكفّلاً" بإلحاق "الهزيمة" بالجيوش العربية كافة خلال فترة قصيرة، بعد أن ينقل المعركة إلى"أرض العدو". لكن الانتفاضة هي التي نقلت المعركة إلى "أرض عدوها"، إلى داخل إسرائيل. "الانتفاضة انزلقت إلى داخل الخط الأخضر"، كما يقولون. ومن هنا، تغير دور الجيش الإسرائيلي من "هازم" جيوش إلى مطارد أطفال في الأزقة.

"بعد أيام غير كثيرة من نشوب الانتفاضة، اتضح أن التفوق الجوي باستخدام تشكيلات عسكرية هائلة لن تفيده في حربه في مواجهة الأطفال الفلسطينيين. فالعصا تحولت إلى السلاح الأساسي في حرب الحجر."(38) 

ويمكن القول إن بعض التحول في دور الجيش الإسرائيلي يتمثل في التغيير الذي طرأ على نظامه العملاني وانتشاره الميداني، "جيش كامل تحول إلى قوة دورية لفترات طويلة. ويستحيل ألا يؤثر ذلك سلباً في المستويين العسكري والمهني لهذا الجيش."(39)   وهذا يتطلب طبعاً تغييرات شاملة في التكتيك والأساليب التي تبتعد كلياً عن فنون القتال العسكرية الحديثة، وليس لها أية علاقة بميدان القتال المستقبلي. أي، كما يقول أحد الخبراء، "استخدام أساليب جديدة وفعالة" تتلخص، من "الناحية النظرية، في تغيير الهدف المركزي: التصدي للجماهير للجماهير والقتال ضد أهداف محددة مثل [مطاردة] المطلوبين، وكذلك الملثمين والنشيطين والقادة..."(40)    وبالتالي، فإن الفنون العسكرية التي يتعلمها قادة هذا الجيش وجنوده تتدنى من التعلم على استخدام أحدث الأجهزة الإلكترونية والطائرات والصواريخ والدبابات إلى استخدام الهراوات والتخصص بالمطاردات وتفريق التظاهرات وتكسير الأضلاع. والترجمة العملية لهذا التحول هي هدر الوقت والجهد اللازمين لمتابعة تطوير الآلة العسكرية الإسرائيلية بالمقاييس الأساسية التي وضعت لها قبل الانتفاضة.

3- فقدان زمام المبادرة وتآكل الردع: يترتب على فقدان إسرائيل زمام المبادرة، لجهة تحديد الأهداف التكتية والاستراتيجية للمواجهة، بعض العيوب التي تبرز الآن في معادلة "الأمن القومي" الإسرائيلية، وهي:

أ – إن المواجهة تتسم بطابع "اللاخيار" الذي لايسمح بالتراجع. كما يشير عميران متسناع إلى أنه "لا يجوز لنا السماح للانتفاضة بأن تتطور، ولا يجوز لنا أن نفقد السيطرة اليومية على مليون مواطن عربي."(41)     وهذا يضفي على المواجهة طابع الحرب الطويلة، حتى أن خطة الجيش الإسرائيلي للسنوات الخمس المقبلة تعتمد على فرضيتين أساسيتين: عدم نشوب حرب، واستمرار الانتفاضة.(42)    أو كما وصفها دان شومرون، "عملية مؤلمة وشاقة وحتمية. ومن ليس عنده صبر فسيدفع الثمن السياسي لذلك."(43)  

ويتطلب استمرار المواجهة فترة طويلة أعباء مالية كبيرة؛ إذ أن الانتفاضة تكلف الجيش الإسرائيلي ربع مليار دولار في السنة، وهي "تضر برامج الجيش الجديدة" كما يقول دان شومرون.(44)   

ب – إن استمرار المواجهة لفترة كويلة إنما هو نقيض النظرية العسكرية الدفاعية – الهجومية التقليدية، التي تعتمد على قدرة إسرائيل على الردع، وتحسين القدرة القتالية للجيش الإسرائيلي بنسب تدمير معقولة، وحسم الحرب في أسرع وقت ممكن بعد نقلها إلى ارض العدو وفي أوضاع معينة شن هجوم استباقي.

غير أن طبيعة الانتفاضة، وتصدي  الجيش الإسرائيلي لها بعدم نجاح كبير، أديا إلى "اهتزاز مكانة الجيش الإسرائيلي". وهذا يعتبر، في نظر زئيف شيف، "أحد إنجازات الانتفاضة. والفلسطينيين يشاهدون ويسمعون الأصوات المنبعثة من المعسكر اليهودي. وهذا أيضاً قضم من قدرة الجيش الإسرائيلي الرادعة إزاء الفلسطينيين في المناطق."(45)   أو كما يقول أحد الخبراء الاستراتيجيين، أن "الصورة الرادعة لإسرائيل آخذة في الزوال." ولهذا، فإن استمرار الانتفاضة في رأيه يجعل هذه الصورة أكثر تدهوراً. "وكل يوم يمر من دون أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من وضع حد للانتفاضة، يترك وراءه إسرائيل أصغر، وأكثر عرضة للأخطار، وأكثر ارتباكاً، وأكثر انكشافاً للضغوط والتأثيرات، وأكثر انقساماً في الداخل، وأكثر انعزالاً عن دول صديقة لها في الخارج... وعلى امتداد وجود إسرائيل كله، كان ثمة نسبة معاكسة بين قدرتها الرادعة وحجم التهديد: كلما كان التهديد محصوراً في نقطة معينة ومرهوناً بعنف أشد حصراً، كان من الصعب على إسرائيل أن تجد العقاب الذي سيردع عن تكرار هذه الأعمال."(46)

ويتنبأ المؤرخ العسكري، فان كارفيلد، بأن "عصر الحروب التقليدية قد ولى. إذ باتت الانتفاضة هي ميدان القتال المستقبلي."(47)

 اهتزاز مكانة القيادة العليا

أخذت مكانة القيادة العليا للجيش الإسرائيلي تهتز، إنْ على صعيد العلاقة بالقيادة السياسية أو على الصعيد العام. وبدا أن هذه القيادة، ولا سيما قائدا المنطقتين الوسطى (المسؤولة عن قمع الانتفاضة في الضفة) والجنوبية (المسؤولة عن قمع الانتفاضة في قكاع غزة)، أصبحت عرضة للنقد، وخصوصاً من جانب قيادة اليمين والمستوطنين في المناطق المحتلة.

استقالة متسناع وتعيين مردخاي

تمثل قضية استقالة اللواء عميران متسناع، قائد المنطقة الوسطى، من منصبه وانسحابه من جبهة قمع الانتفاضة أوائل صيف سنة 1989، نموذجاً جلياً للفشل في إيجاد حلول عسكرية للقضاء على الانتفاضة. وبالتالي، فإن هذه القضية لم تكن قضية تتعلق بضابط فشل في القيام بمهماته أو قصّر في عمله؛ فالجميع يشهدون له بالكفاءة والحزم. وقد توسّم فيه يتسحاق رابين ودان شومرون الكفاءة والقدرة على قمع الانتفاضة، وأصرا على بقائه لأنهما اعتبراه "ضابطاً موهوباً" وأعربا بكلمات دافئة عن رضاهما عن الطريق التي يؤدي بها وظيفته. حتى أن رابين قال لمتسناع "إن التجربة التي اكتسبها [خلال 18 شهراً] في التصدي للانتفاضة تشكل رصيداً سيكون من الصعب على الجيش الإسرائيلي التخلي عنه في هذا الوقت بالذات."(48)   ناهيك بأن متسناع لم يكن رحيماً ولا شفوقاً، ولم تكن الدوافع الإنسانية هي التي حملته على الانسحاب. ولا كان الأكثر اعتدالاً أو الأكثر تساهلاً. بل كان "أول من نسف منازل راشقي الحجارة، وهو الذي سمح بإطلاق النار على ناصبي الحواجز."(49)   وقتل خلال قيادته حتى استقالته في حزيران/ يونيو 1989، 291 فلسطينياً، 20% منهم أطفال. فعلى سبيل المثال، قتل في قضاء نابلس 85 شخصاً، وفي الخليل 42، وفي جنين 59، وفي رام الله 40.(50)   

وبحسب شهادة المعلق دان مرغليت، فإن متسناع أدى "دوراً إيجابياً في القيادة الوسطى." وفي تقديره أن إخفاقه لم يكن على الصعيد الشخصي، بل على صعيد "سياسة كاملة ومفاهيم مغلوط فيها ومهمات مستحيلة" أناطها السياسيون بالجيش الإسرائيلي. "والآن سيعين لواء آخر، وسيتضح أن كل الجيش الإسرائيلي متسناع." كما سيتضح لغيره أنه "لا يوجد أسلوب جديد، ولا اقتراح أصيل للقضاء على الانتفاضة بيد عسكرية أشد من المتبعة حالياً."(51) 

وقد شرح متسناع، في كتاب استقالته، أسباب هذه الاستقالة بقوله: "عامان كافيات ويزيد في منصب مدمر بها بأفضل ما في استطاعتي. والآن حان الوقت لذهابي. قمت بواجبي، وأردت أن أنهي [الوظيفة] قبل أن يقع حادث، لا قدر الله، يلطخ سمعتي الجيدة كضابط وإنسان."(52)

والسبب الثاني لاستقالة متسناع يعود إلى الخلاف الذي نشب بينه وبين قادة الليكود، الذين حاولوا تحميله أوزار فشل سياستهم. مثلاً، قال أريئيل شارون عنه إنه "لا يصلح لمكافحة الانتفاضة، فعليه أن يخلي مكانه."(53)   وقال موشيه آرنس وزير الخارجية، في حديث "داخلي"، إن "ثمة توقعات بتحسن الوضع في يهودا والسامرة بعد تغيير قائد المنطقة الوسطى..."(54)  

لكن زئيف شيف يرى أنه "نظراً إلى أن الجيش الإسرائيلي لم ينجح في قمع الانتفاضة"، فإن رجال السياسة يبحثون عن أكباش فداء في الداخل، في الجيش الإسرائيلي. وهكذا، تحول متسناع إلى "كفارة صغيرة" لعدم قدرة "دولة إسرائيل الديمقراطية على قمع الانتفاضة."(55) 

تم تعيين يتسحاق مردخاي قائداً للمنطقة الوسطى، وكان قد أشرف على قمع الانتفاضة في قطاع غزة، وتعيين اللواء ماتان فلنائي قائداً للمنطقة الجنوبية. ومنذ تعيين مردخاي، خلال شهر حزيران/يونيو 1989، كان ثمة شبه إجماع في الصحافة الإسرائيلية على أن القائد الجديد – القديم لن يكون أوفر حظاً من سلفه عميرام متسناع. فقد اعتبر المعلق مارك غيفن أن "تغيير الألوية في قيادة المنطقة الوسطى وفي قيادة المنطقة الجنوبية لن يؤدي إلى القضاء على الانتفاضة، على الرغم من  التكهنات والتفسيرات التي تضفى على تعيين اللواء يتسحاق مردخاي كمن هو قادر على تصفية الانتفاضة الشعبية في الضفة الغربية..."(56) 

وشكك المعلق ناحوم بارنيع، هو أيضاً، في إمكان القضاء على الانتفاضة بـ"وسائل عسكرية". فاللواء مردخاي بذل في غزة "أفضل ما في قدرته". وهناك "فوارق بسيطة" بين ما فعله مردخاي وبين ما فعله متسناع. ففي قطاع غزة، "استخدمت وسائل العقاب الجماعي على نطاق أكثر اتساعاً وأكثر وحشية مما استخدم في الضفة. وفي المحصلة كانت النتائج شبيهة: الانتفاضة لم تقمع في الضفة، ولم تقمع في غزة." و "رجال السياسة الذين توخوا فترة من الهدوء كي يزال عن كاهلهم الضغط السياسي، لم يحصلوا على شيء. وفي تلك الأثناء انقسم المجتمع الإسرائيلي داخلياً." ويخلص بارنيع إلى القول: "إن أي لواء مهما يكن لامعاً لن يخرج إسرائيل من الحلقة المفرغة. وميزة مردخاي أنه اكتسب خبرة كافية كي يدرك قيوده."(57) 

وشاركت افتتاحية "دافار" في التحليل الآنف الذكر بأن مردخاي لم ينجح في غزة أكثر مما نجح متسناع في الضفة الغربية، بدليل ما صدر عن أحد مراكز المعلومات بأن عدد القتلى من سكان غزة خلال أيار/مايو 1989 كان أكبر من عدد القتلى من سكان الضفة.(58)  

وفعلاً، وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تعيين مردخاي ولجوئه إلى تصعيد أوامر إطلاق الرصاص والاعتقال ضد المتظاهرين والملثمين من دون تمييز أحياناً، وازدياد عدد القتلى من الأطفال، لم يستطع إخماد الانتفاضة؛ "إن استخدام القوة المتزايدة من قبل الجيش الإسرائيلي في الضفة تحت قيادة مردخاي، يؤجج الغليان والعنف الفلسطينيين هناك."(59) 

ولمناسبة مرور 100 يوم على تسلم اللواء مردخاي منصبه، أجرى أربعة مراسلين ومعلقين عسكريين وسياسيين تقويماً عاماً لمهمة مردخاي، ورأوا أن "الانتفاضة [ما زالت] حيّة وقائمة، ويجري إحصاء القتلى، والحجارة تتدحرج، والزجاجات الحارقة تتهاوى..."(60) 

لقد حرص اللواء مردخاي على تطوير أساليب خاصة، مثل: "التمييز الدقيق بين المهم والتافه؛ إعداد وحدات خاصة واستخدامها؛ اتخاذ زمام المبادرة؛ المفاجأة والحيل؛ الإصرار على تنفيذ المهمة؛ إمكان توفير حياة عادية، قدر الإمكان، للسكان الذين لا يشتركون في الحوادث العنيفة من جهة، والبطش بالنواة الصعبة للانتفاضة من جهة أخرى. وتشمل هذه النواة اليوم بضع مئات من الملثمين الذين يشكلون الهدف الرئيسي للشاباك والجيش الإسرائيليين. وثمة تقدير في قيادة المنطقة الوسطة أن إلقاء القبض على نحو 80 فرداً من كبار النواة الصعبة للمقاومة الفلسطينية، سيغير وجه الانتفاضة تغييراً مهماً. وقد اعتقل حتى اليوم 60 فرداً. وخلال الأشهر الأخيرة يعتقل ′مطلوبون′ بأدنى مستوى من قيادة الانتفاضة بمعدل 300 شخص في الشهر..."(61) 

وقد لجأ اللواء مردخاي إلى استخدام وسائل تكنولوجية متطورة لقمع الانتفاضة، مثل الطوافات للإغارة على القرى ومباغتة "المطلوبين"، واستخدام طائرات خفيفة من نوع "أولترا لايت" (الشبيهة بالطائرات الشراعية التي تعمل بالمحركات) للقيام بطلعات جوية فوق مخيمات اللاجئين. علاوة على استخدام آلات تصوير فيديو متطورة قادرة على "نقل صورة على الشاشة إلى خارج المخيم، وتحذر من التأهب لتنظيم تظاهرة أو أعمال خرق نظام."(62) 

وقد أشار أحد المعلقين إلى "التغيير" الذي حدث منذ تعيين يتسحاق مردخاي قائداً للمنطقة الوسطى، "سواء في الأساليب أو في المناخ." وضرب مثلاً لذلك: إن وضع "ضباط ميدان متفوقين في القطاعات المهمة ومحاربة الانتفاضة، يعتبران مهمة قتالية من الدرجة الأولى، ولم يعودا مجرد وظيفة دورية أقل قيمة في نظر ضابط مقاتل محترف."(63)  

لكن، هل حققت وسائل مردخاي أهدافها؟ يقول مراسلون إسرائيليون: "عندما يصطدم السكان أيضاً بجيش إسرائيلي فالت من عقاله – يترافق نشاطه المدبر ضد جماعات الشارع بقتل يومي للأطفال، وجرح شيوخ أو رضّع أو عابري سبيل أبرياء – فإن قادة الجيش يحققون تماماً الهدف المعكوس: من جهة تأجيج الغليان والعنف، ومن جهة أخرى التسبب بانخفاض الثقة بالسلطات وانخفاض التهيب منها."(64)

أما بالنسبة إلى القيادة الجنوبية، فقد أعلن اللواء ماتان فلنائي في أمر يومي خاص لقيادة المنطقة الجنوبية أن "مكافحة الانتفاضة في قطاع غزة والقضاء عليها إنما هنا أكثر المهمات جسامة وأهمية لقيادة المنطقة الجنوبية."(65)   لكنه اعترف في غوش قطيف، بعد شهرين تقريباً على تسلم قيادة عملية قمع الانتفاضة في قطاع غزة، بأنه "لم يحدث أي هدوء في الانتفاضة، بل يعتقد حدوث تصعيد لا علاقة له بما يجري عندنا، بل بمسارات خاصة مثل مؤتمر فتح الذي دعا إلى التصعيد."(66)  

الخلاف بين القيادتين العسكرية والسياسية

نشأ، بالتدريج، تفاوت في نظرتي كل من القيادتين السياسية والعسكرية تجاه التصدي للانتفاضة. وقد تحول هذا التفاوت إلى خلاف مستتر أحياناً، ومكشوف أحياناً أخرى، وربما خلافاً لأزمات وحروب سابقة (قد تستثنى منها حرب لبنان) تضطر قيادة الجيش إلى اتخاذ مواقف سياسية تبريراً لفشلها ميدانياً: "من وراء الستار، وبهدوء، ومن دون تسمية الأشياء بأسمائها، يدور في الواقع صراع بين جزء من المرتبة السياسية والمرتبة العسكرية. إذ أن عدداً من الوزراء يلمّح إلى الجيش الإسرائيلي بالعمل ضد القانون واستخدام قوة وحشية ضد المنتفضين، ومعاملتهم كأنهم مخربون أو جنود جيش عربي يهاجم إسرائيل. ويفهم الجيش مغزى هذا التلميح، لكنه يتجاهله. ′لسنا نحن الذين نضع القوانين لنغيرها′، يوقل الجيش، و ′نحن لن نعمل ضد القانون′. وهذا يعني أنه للمرة الأولى تقوم قيادة الجيش الإسرائيلي في الواقع للقيادة السياسية أن الجيش لا يوافق على أن يتستر رجال السياسة وراء ظهره."(67)  

وبدا أنه كلما صرح قائد كبير في الجيش أن الحل للقضاء على الانتفاضة ليس عسكرياً، انزعج قسم من القيادة السياسية التي تتطلع إلى قمع الانتفاضة بالقوة. وذلك إدراكاً منها أن كل حل سياسي يتطلب تنازلات. في حين أن إسرائيل درجت على استخدام القوة العسكرية لفرض حلول سياسية بالشروط التي تريدها. ولأول مرة تعجز القيادة السياسية الإسرائيلية على فرض شروطها السياسية على الجانب العربي. وكلما وجد الفلسطينيون أنفسهم في موقع قادر على رفض الشروط الإسرائيلية، تعمقت الأزمات بين القيادتين السياسية والعسكرية.

ويقول الباحث يورام بيري إنه على الرغم من عدم حدوث مواجهة بين القيادتين، ولا يبدو أن هذه المواجهة واردة في المستقبل القريب، فإنه "للمرة الأولى منذ قيام الدولة، وعلى امتداد أربعين عاماً، لم يسمع هذا المقدار من الانتقادات من قبل القادة السياسيين ضد القادة العسكريين."(68)

وفي رأي بيري أن تورط الجيش في الجدل السياسي قد يؤدي إلى ثلاث أزمات: "الأولى مرتبطة بنظرة الجيش، ولا سيما قيادة الجيش الدائم، إلى نفسه وإلى دوره: تدبر أمر سكان مدنيين؛ حرب ضد النساء والأطفال؛ مهمات دورية وتهدئة؛ وسائر المهمات غير المستحبة... والتي لا يحبذها بصورة خاصة جنود محترفون... وكلما اتضح أن من الصعب الخروج من حرب كهذه منتصرين، ومكللين بالميداليات، تحولت المهمة إلى عمل حقير وغير مرغوب فيه. فهبوط معنويات الجيش حتمي، وانخفاض دوافع التعبئة وتمديد الخدمة إنما هما محصلة لذلك، وعارض الرأس الصغير [التهرب من المسؤولية] أصبح شائعاً. الأزمة الثانية... [ترتبط] بالعلائق القائمة بين النخبة العسكرية والنخبة السياسية. ونظراً إلى أن الجيش اضطر إلى التصرف وفق عقيدة لها جوانب سياسية صرف، فمن شأنه أن يثير ضده أولئك الذين يعارضون مفاهيمه... الأزمة الثالثة من شأنها أن تتطور في العلائق بين الجيش والمجتمع المدني الواسع. وستكون هذه الأزمة خطرة بصورة خاصة لأن الجيش جيش شعبي... [وقد يتحول الجيش] إلى جماعة لها دمغة سياسية." ويخلص بيري إلى القول: "إن الجيش الإسرائيلي تمكن، خلال الأعوام العشرين الأولى من مكوثه في المناطق، من تجنب هذه الأزمات المتوقعة التي أساءت إلى معظم جيوش الاحتلال خلال القرن الذي نعيش فيه."(69)

 رفض الخدمة العسكرية

تجسد ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة وجهاً آخر لإفرازات الانتفاضة الفلسطينية وتأثيراتها في الجيش الإسرائيلي. كما أنها تشكل جزءاً من المأزق الذي يواجهه هذا الجيش خلال محاولته قمع الانتفاضة.

وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة لم تبدأ مع الانتفاضة، بل مع اجتياح لبنان في صيف سنة 1982 في إثر مكوث الجيش الإسرائيلي في جنوبه زهاء ثلاثة أعوام، فإن ثمة عاملاً مشتركاً يربط بين الحالتين. ويتمثل هذا العامل في أن التجربة التي واجهها الجنود الإسرائيليون في لبنان ويواجهونها الآن، تختلف عن تجاربهم السابقة وعما لقنوا به ودربوا عليه؛ أي مواجهة المقاومة الوطنية في الجنوب اللبناني، ومواجهة انتفاضة شعبية في المناطق المحتلة في فلسطين.

إن النتيجة المباشرة لهذه المواجهة هي الأثر النفساني السلبي الذي يجعل الجندي الإسرائيلي يرى التحول الكبير في الهدف الذي تجند من أجله.

فضابط المدرعات أمنون غتينيو (33 عاماً) ذهب، بعد بضع ساعات من الخدمة في جنين، إلى قائد كتيتبته وقال له إنه لا يريد أن يبقى هنا لأنه لا يريد أن يضرب أطفالاً أبناء 12 عاماً، "ولا أريد أن أرى جنودي يفعلون ذلك..." وقال غتينيو: "في الأمسية الأول وصلنا إلى [مقر] الحكم العسكري في جنين. حضرت لغرض ما ومكثت هناك. كان يجلس في القاعة زمرة من الفتيان بدوا لي أن أعمارهم تتجاوز 16 عاماً. أياديهم جميعاً موثوقة إلى الخلف، وكان جندي يمر من حين إلى آخر ويركل واحداً برجله، ويصفع آخر على وجهه، ركلاً وصفعاً، كما يجب، وهكذا دواليك."(70) 

انطباعات شخصية كثيرة يتحدث عنها الجنود والضباط الذين يخدمون في المناطق من حين إلى آخر. وبلغت ذروة التعبير عن تلك الانطباعات والانفعالات خلال زيارة يتسحاق شمير لإحدى مناطق نابلس ولقائه الجنود والضباط هناك.

وقد اعترف أحد الضباط الاحتياط الذين التقوا في ضواحي نابلس، قائلاً: "... كي نفرض النظام في القصبة توجب علينا أن نعامل أناساً أبرياء بعنف ووحشية. إنني أخالف بصراحة قوانين الجيش كي أجعل الناس يخافون مني. وأنا أشعر بأن هؤلاء أناس أبرياء... إنني أشعر بالاحتقار أمام شخص أضطر إلى ضربه، فهذه ليست القيام التي نشأت عليها. وهذه ليست قيم مشرفة. أشعر بأنه [الشخص] يزداد قوة، وأنا أزداد أمامه ضعفاً ومن يأتي ليقول لي لا تضرب، إذاً فإنه ببساطة لا يفهم الواقع على الأرض. حكم القمع لا بد من أن يقمع، فهو اسم على مسم. وبالتالي، فإن هذا الوضع كارثي... إنه وضع رهيب."(71) 

وعقب دان سغير، الذي كان يرافق شمير خلال جولته في نابلس، بقوله إن "كلام الجنود قاس من جميع النواحي." مثلاً، يقول الجندي عامي من القدس: "منذ أن انخرطنا في الاحتياط، كان الشعور بأن النظام العسكري لا يعمل. إنهم تعتقدون أنكم تعرفون ما يجري على الأرض. ليس بدقة لا يمكن أن تعرفوا ماذا يحدث عندما لا يعرف قائد كتيبة، ولا حتى قائد فصيلة، ماذا يجري مع الدورية وكم قتلت وكم جرحت."(72)

كما أن جندياً ممرضاً عبّر عن إحباطه بالتصريح بأنه ينتمي إلى "والدين فلسطينيين" من أبناء جيل رئيس الحكومة، و"قصتهم قصة تكوّن هذا الشعب بكل قيم تلك الفترة." وينتابه "شعور ثقيل" لأن شعباً يتشكل هنا، "ونحن مع قوة الجيش الإسرائيلي الهائلة نمر بحالة تدهور."(73)

وحاول شمير أن يثير حمية الضباط والجنود: "لو عرف أجدادك أنك ستخدم يوماً في جيش إسرائيلي وتدافع من نابلس عن أرض – إسرائيل لافتخروا بك. فابنك وحفيدك لن يختبروا الوضع نفسه." لكن المواجهة بينه وبينهم لم تكن سهلة. فعندما ذكّرهم بما فعله النازيون باليهود صرخ أحد الجنود: "هل يجب أن نكون مثلهم؟" ومرة أخرى، لم يكن شمير مقنعاً في رده على هذه الصرخة عندما قال: "إننا نكره هؤلاء الإرهابيين ورجال منظمة التحرير الفلسطينية، لأنهم يجبروننا على قتل الأطفال العرب، وعلى أخذ السلاح والقيام بأعمال لا نريد القيام بها."(74) 

أشار بحث أعده الجيش الإسرائيلي، وسرب مؤخراً إلى "معطيات مغلقة"، عن مواقف الشبان في الصفين الحادي عشر والثاني عشر، إلى "انخفاض الاستعداد للتطوع في الخدمة العسكرية خلال السنوات الأخيرة." ورداً على سؤال ما إذا كانت الخدمة العسكرية تطوعية لا إجبارية، فهل كنت مستعداً للتطوع؟ عبر 47% فقط عن استعدادهم للتطوع في مقابل 70% في سنة 1970.(75) 

ونشر مؤخراً استطلاع للرأي مفاده أن 53 % من مجموع الشبان في إسرائيل يؤيدون رافضي الخدمة العسكرية في المناطق. وهذا يعني، في رأي بعض علماء النفس، أن هؤلاء الشبان "يؤيدون ويتماثلون في الواقع مع الفنانين والأدباء الذين أعربوا علناً عبر مهرجانات واجتماعات تضامن عن تأييدهم لرامي حسون وعاميت لفنهوف – الجنديين اللذين سجنهما الجيش الإسرائيلي مرات عدة" بسبب رفضهما الخدمة.(76) 

وفي هذا السياق يقول الدكتور يهودا هيس، رئيس المعهد الطبي القضائي في أبو كبير – قضاء حيفا حيفا: "لا يجوز تجاهل تأثير الانتفاضة في مسلك الجنود على الأرض، الذين ينفذون الآن أعمالاً لم يسبق أن قاموا بمثلها. وهنا تغيير في القيم، وفي مفاهيم الشر والخير والموت."(77) 

ويطرح السؤال عن حجم ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة، وعن تأثيرها في وضع الجنود الشخصي ووضع الجيش الإسرائيلي بصورة عامة. لكن ليس من السهل معرفة عدد الجنود الذين يرفضون الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة لأسباب عديدة، أهمها أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا تسمح بنشر أرقام مطلقة. "الأرقام طبعاً سرية لاعتبارات تتعلق بالرقابة، والمقصود هنا نسب مئوية عديدة"، كما تقول أرييلا هوفمان التي أجرت تحقيقاً عن هذه الظاهرة. لكنها تعتبر أن هناك أرقاماً لا بأس فيها؛ فمثلاً بعد أسبوعين من تفجر الانتفاضة صرح 100 جندي في عريضة نشرتها حركة "ييش غفول" أنهم سيرفضون الخدمة في المناطق. وحتى هذا التاريخ رفض الخدمة 80 شخصاً.(78) 

وقد حاول الباحث يورام بيري أن يقيس الظاهرة بقوله إن "عدد الرافضين للخدمة في المناطق، بين رجال الاحتياك هذه السنة، يساوي العدد المتراكم لرافضي الخدمة في المناطق على امتداد السنوات العشرين التي سبقت الانتفاضة. صحيح أن عدد الرافضين الخمسين الذين يرسلون إلى السجون العسكرية عدد ضئيل جداً قياساً بعشرات الآلاف الذين خدموا في المناطق في السنة الماضية، لكن الشبه بين العدد في سنة واحدة (ناهيك  بالعدد الكبير غير المعروف للرافضين الذين لا يقدمون إلى المحاكمة) وبين العدد المتراكم خلال عشرين سنة، إنما يدل على أن شيئاً ما يحدث هنا على الرغم من كل شيء."(79)  

إن الرقم المعلن بشأن عدد رافضي الخدمة العسكرية، أو عدد الذين يقدمون إلى المحاكمة ويسجنون، لا يمثل حجم الظاهرة الحقيقي. وتقسم أرييلا هوفمان، ف تحقيقها السالف الذكر، رافضي الخدمة العسكرية إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى تضم 80 جندياً من رجال حركة "ييش غفول" أو من يتماثلون معها، وأطلقت على هذه الفئة الرافضين "البيض"، أي الذين "يصرحون بصورة قاطعة أنهم لن يذهبوا أبداً إلى المناطق. ويتم الاتفاق معهم على الذهاب إلى مكان آخر"، أو يقدمون إلى المحاكمة. والفئة الثانية، الرافضون "البيض – الرماديون". هؤلاء يتم التفاهم بينهم وبين قائدهم بصورة صامتة ومن دون جلبة لإرسالهم إلى غور الأردن أو مرتفعات الجولان أو إلى حدود مصر. وتشكل هاتان الفئتان ربع المتهربين من الخدمة العسكرية. أما الفئة الثالثة، "الرماديون" – وهي تشكل الأكثرية (ثلاثة أرباع) – فإن أفرادها يقدمون تقارير طبية للسفر إلى الخارج. وفي تقدير بعض الخبراء العسكريين أنه في مقابل كل رافض "أبيض" يوجد 10 رافضين "أبيض – رمادي". وفي مقابل كل واحد من هؤلاء، ثمة بضعة رافضين إلى "آلاف الأشخاص الذين يفلتون من الطاقة البشرية المتوفرة للجيش في المناطق."(80) 

وثمة وسيلة أخرى لقياس حجم الظاهرة أشارت إليها هوفمان، وهي أن عدد الذين يمتثلون للخدمة في مرتفعات الجولان كان أعلى بنسبة 30% من عدد رجال الاحتياط الذين وصلوا إلى الخدمة الاحتياطية في غزة. ومنذ الانتفاضة، فإن نسبة الجنود الذين يمتثلون لخدمة الاحتياط تبلغ نحو 70% من عدد الذين يتلقون الأوامر بالامتثال. وتنقل عن قائد فصيل قوله إن "ظاهرة الرفض المقنع كانت تميز في الأساس الجنود. أما اليوم، فإن الضباط أيضاً ينضمون إلى هذه العملية."(81) 

ويبدو أن رفض الخدمة العسكرية في المناطق اتخذ منحى جديداً، يتمثل في هروب أفراد من القاعدة العسكرية أو الهروب الجماعي. فمثلاً هرب 8 جنود مشاة جندوا في الجيش الإسرائيلي لتمضية معظم خدمتهم في  المناطق المحتلة، من قاعدة التدريب في كتسيعوت. لكن ذويهم أعادوهم إلى القاعدة بعد ذلك. ونسب ناطق باسم الجيش الإسرائيلي ذلك إلى "مشكلات تتعلق بالانضباط بعد الخدمة في المناطق."(82) 

وأفادت مصادر إسرائيلية أن 5180 من الجنود النظاميين والاحتياط يعتبرون هاربين من الخدمة العسكرية، وأن معدل الهروب في الشهر 530 جندياً.(83) 

وكلما استمرت الانتفاضة من دون أن يستطيع الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه، ازدادت أسئلة الإسرائيليين وتساؤلاتهم. وهذه نماذج منها:

- هل هناك أبداً إمكان لنجاح الجيش الإسرائيلي في تنفيذ المهمة التي وصفت بأنها "خفض مستوى العنف إلى درجة معقولة"؟

- هل لدى الجيش الإسرائيلي الإمكانات للعمل بقوة أكبر ضد الانتفاضة، وما الذي يمنعه من القيام بذلك؟

- هل لدى الجيش الإسرائيلي الاستعداد لإعلان فشله في قمع الانتفاضة، كما درج على إعلان النجاح في تنفيذ مهمة؟

- هل يمكن للوضع أن يستمر في ما هو عليه الآن وقتاً طويلاً. وماذا ستكون النتائج النهائية؟

- هل يتطلب الوضع في المناطق انعطافاً حاداً في شكل الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية؟(84)

هذه التساؤلات تزداد حدة عندما تصدر تصريحات وتقويمات يميناً ويساراً، تشير إلى الفشل العسكري والسياسي في مواجهة الانتفاضة.

فسكرتير "مجلس يهودا والسامرة" وغزة" ورئيس تحرير المستوطنين "نيكوداه"، يسرائيل هارئيل يشير إلى "التقصير السياسي والأمني المستمر"، ويقر بأن "الانتفاضة التي أخفق متسناع ومردخاي في التغلب عليها، أدت إلى بلورة قوة المعسكر الفلسطيني وتعاظمها، وإلى تفكك المعسكر الإسرائيلي وضعفه."(85)

ويرى المعلق عوزي بنزيمان أن "إسرائيل منيت بهزيمة في صراعها ضد الانتفاضة."(86)

ويقول المعلق مارك غيفن إنه "اتضح أن جيشنا غير قادر على إخضاع سكان مدنيين، وهو قادر على أن ينزل بهم ضربات قاسية ويتسبب بقتلى وجرحى وسجن الآلاف، لكنه يبقى عاجزاً عن تدمير السكان ميعاً أو زجهم جميعاً في معسكرات الاعتقال."(87)

ويعتبر أحد منظري حزب مابام، تسفي كاسيه، الجيش الإسرائيلي أنه "يفقد في المناطق ناصيته. ومن يكلفه قمع [الروح] الفلسطينية فإنه يحقره، والجيش المحقر يطور معايرر حقيرة."(88)

أما المؤرخ العسكري المعروف، الأستاذ فان كارفيلد، فيقول: "من المؤكد أنه منذ سنة 1982 لم [يعرف] الجيش الإسرائيلي سوى الفشل. لقد فشل في لبنان، وفشل في الانتفاض، وهو يزداد ضعفاً من يوم إلى آخر. وهذه نتيجة واضحة للمهمات التي كلف القيام بها، وهي [معروفة] أنها مستحيلة مسبقاً. إن من يقاتل الضعفاء يصبح في النهاية ضعيفاً. وها هم المستوطنون يشكلون الآن ميليشيان، وغدت المسالة مسألة وقت إلى أن يبدأ المستوطنون إطلاق النار على الجنود..."(89)

 

المصادر:

(1) زئيف شيف، "تقويم سطحي"، "هآرتس"، 14/7/1989.

(2) "هآرتس"، 21/6/1989.

(3) من وقائع ندوة عن الانتفاضة، "دافار"، 26/2/1989.

(4) The Jerusalem Post International Edition, December 16, 1989.

(5) "دافار"، 17/9/1989.

(6) "عال همشمار"، 16/10/1989.

(7) "هآرتس"، 24/11/1989.

(8) "عال همشمار"، 19/10/1989.

(9) المصدر نفسه، 25/10/1989.

(10) نقلت الصحف الإسرائيلية (16/12/1989) هذه الأرقام عن تقرير للجنة العفو الدولية.

(11) زئيف شيف، "ماذا حدث للجيش الإسرائيلي في الانتفاضة"، "هآرتس"، 16/6/1989.

(12) من حديث أجراه معه روني روزن، "هآرتس"، الملحق الأسبوعي، 12/5/1989.

(13) "هآرتس"، 25/8/1989.

(14) من مقال كتبه  في "عال همشمار"، ملحق السبت، 14/7/1989.

(15) شيف، "ماذا حديث للجيش الإسرائيلي..."، مصدر سبق ذكره.

(16) "هآرتس"، 14/1/1989.

(17) من حديث أجراه أمير أورن، "دافار هشفواع"، 18/3/1988.

(18) "هآرتس"، 1/6/1989.

(19) المصدر نفسه، 13/6/1989.

(20) من محاضرة ألقاها في النادي الاقتصادي في عسقلان، عال همشمار"، 16/6/1989.

(21) "عال همشمار"، 6/9/1989.

(22) من حديث أجراه معه آفي بنياهو، "هال همشمار"، 29/9/1989.

(23) من حديث أدلى به إلى التلفزة الإسرائيلية، "هآرتس"، 10/10/1989.

(24) "حداشوت"، 26/8/1989.

(25) "هآرتس"، 3/4/1989.

(26) المصدر نفسه، 1/5/1989.

(27) "معاريف"، 8/5/1989.

(28) "دافار"، 9/5/1989.

(29) "يديعوت أحرونوت"، 6/7/1989.

(30) شيف، "ماذا حدث للجيش الإسرائيلي..."، مصدر سبق ذكره.

(31) غابي بشان، "عال همشمار"، 7/6/1989.

(32) "دافار" 23/5/1989.

(33) شيف، "ماذا حدث للجيش الإسرائيلي..."، مصدر سبق ذكره.

(34) المصدر نفسه.

(35) شيف، "تقويم سطحي"، مصدر سبق ذكره.

(36) داني روبنشتاين، "ليس لديهم خيار آخر"، "دافار"، 23/5/1989.

(37) "عال همشمار"، ملحق السبت، 14/7/1989.

(38) يورام بيري، "من سيخرج المناطق المحتلة من الجيش الإسرائيلي"، "بوليتيكا"، أيار/مايو 1989، ص 27.

(39) شيف، "ماذا حدث للجيش الإسرائيلي..."، مصدر سبق ذكره.

(40) يزهار يائير، "القتل في ظل الإجراءات"، "هآرتس"، 3/11/1989.

(41) "عال همشمار"، 14/7/1989.

(42) "معاريف"، 7 – 8/9/1989.

(43) "دافار"، 24/9/1989.

(44) "عال همشمار"، 12/10/1989.

(45) "هآرتس"، 16/6/1989.

(46) آفنر يائير، "أمر غريب حدث للردع الإسرائيلي"، "بوليتيكا"، تشرين الثاني/نوفمبر 1989، ص 9.

(47) "هآرتس"، الملحق الأسبوعي، 12/5/1989.

(48) "يديعوت أحرونوت"، 8/6/1989.

(49) عمانوئيل روزن، "معاريف"، 8/6/1989.

(50) أفيشاي مرغليت، "يديعوت أحرونوت"، 10/8/1989.

(51) "هآرتس"، 11/6/1989.

(52) رون بن – يشاي، "يديعوت أحرونوت"، 8/6/1989.

(53) المصدر نفسه.

(54) زئيف شيف، "هآرتس"، 6/7/1989.

(55) المصدر نفسه.

(56) "عال همشمار"، 21/6/1989.

(57) "يديعوت أحرونوت"، 21/6/1989.

(58) "دافار"، 21/6/1989.

(59) أوري نير، "هآرتس"، 14/9/1989.

(60) آفي بنياهو وآخرون، "حوتام" (ملحق "عال همشمار")، رقم 45 (979)، 10/11/1989، ص 6.

(61) المصدر نفسه.

(62) المصدر نفسه.

(63) يزهار يائير، "هآرتس"، 3/11/1989.

(64) بنياهو وآخرون، مصدر سبق ذكره.

(65) "عال همشمار"، 11/7/1989.

(66) المصدر نفسه، 7/9/1989.

(67) شيف، "ماذا حدث للجيش الإسرائيلي..."، مصدر سبق ذكره.

(68) بيري، "من سيخرج المناطق..."، مصدر سبق ذكره، ص 27.

(69) المصدر نفسه.

(70) أرييلا هوفمان، "يديعوت أحرونوت"، الملحق الأسبوعي، 15/9/1989، ص 9.

(71) نقل هذا الاعتراف يورام بيري، "من سيخرج المناطق..."، مصدر سبق ذكره، ص 25.

(72) "هآرتس"، 18/1/1989.

(73) المصدر نفسه.

(74) المصدر نفسه.

(75) المصدر نفسه، 23/7/1989.

(76) "عال همشمار"، 9/8/1989.

(77) المصدر نفسه، 1/12/1989.

(78) هوفمان، مصدر سبق ذكره، ص 9

(79) بيري، "من سيخرج المناطق..."، مصدر سبق ذكره، ص 7.

(80) هوفمان، مصدر سبق ذكره.

(81) المصدر نفسه.

(82) "يديعوت أحرونوت"، 22/8/1989.

(83) "فلسطين الثورة" (نيقوسيا)، عدد 770، 29/10/1989، ص 16 – نقلاً عن مجلة "بماحانيه"، 20/10/1989.

(84) يتسحاق غال – نور، "يديعوت أحرونوت"، 16/5/1989؛ هداس ماغين، "دافار"، 26/2/1989.

(85) يسرائيل هارئيل، "استمرارية لا ثورة"، "هآرتس"، 23/6/1989.

(86) عوزي بنزيمان، "حرب استنزاف"، "هآرتس"، 7/4/1989.

(87) "عال همشمار"، 7/8/1989.

(88) المصدر نفسه، 22/10/1989.

(89) من حديث مع روني روزن، "هآرتس"، الملحق الأسبوعي، 12/5/1989، ص 9.