الفلسطينيون في لبنان: من تردي الوضع المعيشي إلى غياب المرجعية
كلمات مفتاحية: 
اللاجئون الفلسطينيون
مخيمات اللاجئين في لبنان
الوجود الفلسطيني في لبنان
القانون الدولي
الوضع القانوني
الأحوال المعيشية في مخيمات اللاجئين
الرعاية الطبية في مخيمات اللاجئين
الحقوق المدنية
نبذة مختصرة: 

يتناول التقرير أوضاع الفلسطينيين في لبنان تحت العناوين الفرعية: التهجير والمهجرون؛ التعليم؛ الصحة والوضع الصحي؛ المستوى المعيشي؛ القوانين اللبنانية والقوانين الدولية؛ غياب المرجعية؛ آفاق المستقبل. وينتهي التقرير بإثارة موضوع ضرورة أن تعطي السلطات اللبنانية الحقوق المدنية للفلسطينيين ـ ما يعزز حق العودة ويقطع الطريق على التوطين

النص الكامل: 

حددت إحصاءات المديرية العامة لشؤون اللاجئين، التابعة لوزارة الداخلية اللبنانية، عدد الفلسطينيين في لبنان سنة 1993 بـ 350,000 نسمة. أما الأونروا، فقدّرت العدد المسجل لديها حتى حزيران/ يونيو 1993 بـ 325,886 نسمة، يعيش أكثر من نصفهم في المخيمات.

يتحدد الإطار العام الذي يمكن من خلاله فهم الواقع المعيشي للفلسطينيين في لبنان بجملة من العوامل والظروف أهمها:

  • الموقف الرسمي اللبناني من مسألة الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان ووضعهم القانوني، إذ يعاملون بوصفهم أجانب، وهو ما يحرمهم الكثير من الحقوق، أهمها حق العمل.
  • واقع الاقتصاد اللبناني الذي يعاني التضخم، والبطالة، وتدني الأجور، وانخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
  • هجرة الفلسطينيين القسرية من دول الخليج، وما ترتب عليها من كارثة اقتصادية واجتماعية مست حياة أغلبية الشعب الفلسطيني، بمن فيه الفلسطينيون في لبنان.
  • التبدلات والتحولات في سياسة الأونروا تجاه اللاجئين الفلسطينيين في المرحلة الراهنة، وبصورة خاصة العجز المزمن في موازنة الوكالة وما يترتب عليه من تقليص مستمر في الخدمات التي تقدمها.
  • الأوضاع والتحولات الدولية الراهنة المتمثلة في "عملية السلام" ولا سيما بعد توقيع اتفاق غزة – أريحا" الذي لا تتعامل بنوده مع قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ سنة 1948، بل تتجاهل حقهم في العودة إلى أرض وطنهم.

وفيما يلي بعض المعطيات والمؤشرات العامة بشأن أوضاع الفلسطينيين في لبنان:

التهجير والمهجرين

بسبب الحروب والاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المستمرة ضد لبنان، وكذلك بسبب الحروب الداخلية، ومنها حرب المخيمات، أصبح التهجير من المشكلات الحادة التي يعانيها الفلسطينيون في لبنان، والتي باتت تتطلب حلولاً سريعة وملحة.

وبحسب إحصاء أجرته الأونروا سنة 1991، بلغ عدد الأسر المهجرة 5948 أسرة، أي ما يزيد عن 30,758 شخصاً. وقد اعترف المفوض العام للأونروا إلتر تركمان (Ilter Turkmen)، أمام اجتماع اللجنة الاستشارية للأونروا (15 آذار/مارس 1993) بوجود 30,000 لاجىء بلا مأوى بعد أعوام من الحرب.[1] 

وتشير تقديرات أُخرى إلى أن العدد أكبر كثيراً من ذلك، حيث بلغ عدد الأسر المهجرة 8000 أسرة.

وأظهر مسح أجرته سنة 1988 جمعية المساعدات الشعبية للإغاثة والتنمية وجمعية التنمية المهنية، وشكل نحو 4470 أسرة مهجرة موزعة على 87 موقعاً، أن أكثرها هُجر خلال حرب المخيمات (1985 – 1987)، وأن 75% من العائلات هُجرت أكثر من مرة واحدة، وأن 19,7% منها هجر أكثر من ثلاث مرات.[2]

ومما يفاقم حدة تلك المشكلة أن الدولة اللبنانية، في إطار جهودها لحل مشكلة المهجرين اللبنانيين، تعتبر أن حل مشكلة المهجر الفلسطيني هو من اختصاص الأونروا، وربما المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة. لكنها من جهة أُخرى تعيق جهود الأونروا لإعادة الإعمار في المخيمات باعتبار أن ذلك قد يؤدي إلى تكريس المخيمات أمراً واقعاً، وبالتالي تكريس التوطين.

وكانت الأونروا قد ساهمت في ترميم بعض المساكن المهدمة في المخيمات عبر تقديم إعانات مالية محدودة في ضوء حجم الضرر اللاحق بالمسكن، من دون تحسين شروط السكن. أما فيما يتعلق بحل مشكلة المهجرين من خلال بناء مساكن جديدة، فإن الأونروا تواجه مشكلة النقص في الأموال عوضاًَ من مشكلة عدم وجود أراض خالية للبناء ضمن مساحة المخيمات المعترف بها من قبل الدولة. وفي حال توفر الأرض والأموال، فإنها تواجه مشكلة الحصول على إذن وقرار من الدولة لإتمام البناء.

وهذا ما أكده مدير الأونروا في لبنان لوفد من الجمعيات الأهلية العاملة في التجمعات الفلسطينية،[3]  عقب لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين ومنهم رئيس الوزراء اللبناني.

إن حل مشكلة المهجرين الفلسطينيين جذرياً يتطلب تعاون الحكومة اللبنانية مع الأونروا من أجل إعادة إعمار المخيمات المدمرة كلياً. وفي حال تعذر ذلك، إيجاد أراض بديلة لتقام عليها مخيمات. كما يتطلب حل المشكلة الاستمرار في ترميم البيوت المدمرة جزئياً في مختلف المخيمات، وأيضاً السماح بتوسيع مساحة المخيمات الحالية بما يسمح باستيعاب الزيادة السكانية من النمو الديموغرافي.

التعليم 

تدير الأونروا في لبنان 41 مدرسة ابتدائية و35 مدرسة تكميلية يزيد عدد طلابها عن 33,000 طالب.[4]  وتلتزم الأونروا بتعليم الطلاب الفلسطينيين في المرحلتين الابتدائية والتكميلية فقط، ولا تجد نفسها مسؤولة عن التعليم ما قبل المدرسي والتعليم في المرحلتين الثانوية والجامعية، حيث يقع عبء ذلك على الأسر الفلسطينية. وعوضاً من ذلك، ترعى الأونروا مركزاً واحداً للتعليم المهني للفلسطينيين في لبنان هو معهد سبلين (S.T.C.). لكن المركز لا يستوعب، ضمن الشروط التي يضعها للقبول، سوى نسبة قليلة من الطلاب المتقدمين الذين يكونون قد أنهوا مرحلة التعليم التكميلي وحصلوا على شهادة البريفيه.[5]  وأخيراً، وتحت ضغط المطالب الشعبية، افتتحت الأونروا سنة 1993/1994 مدرسة ثانوية في مخيم برج البراجنة تضم الصف الثانوي الأول فقط. أما التعليم الذي ترعاه الأونروا في المرحلتين الابتدائية والتكميلية فله مشكلاته الناجمة أساساً عن تقليص الاعتمادات المخصصة للتعليم ضمن موازنتها العامة. ومن أهم هذه المشكلات: اعتماد نظام الدفعتين، وزيادة عدد الطلاب في غرفة الصف (يصل العدد أحياناً إلى 45 طالباً)، ونظام الترفيع الآلي، وإلغاء بعض الأنشطة التربوية مثل الحِرف وغيرها.

وقد أدى هذا الوضع إلى انخفاض مستوى التعليم، وتدني نسبة النجاح، وزيادة نسبة التسرب، وبالتالي عودة الأمية إلى الطلاب المتسربين.[6]

وقد أظهرت نتائج مسح أُجري سنة 1992 من قبل اليونيسيف، بالتعاون مع مركز الإحصاء الفلسطيني المركزي في دمشق التابع لـ م. ت. ف.، وشمل 13 تجمعاً فلسطينياً، أن نسبة المنكفئين عن التعليم في المرحلة التكميلية (13 سنة – 15 سنة) بلغت 36,6% مقاربة بـ 6,2% سنة 1978، وأن النسبة بين الصبيان (43,1%) أعلى منها بين البنات (29,6%).

ودلت نتائج المسح ذاته على أن 2,4% من الأطفال لم يلتحقوا بالمدرسة قط.[7]

أدى عدم وصول الطلاب إلى المرحلة الثانوية بدوره إلى انخفاض نسبة التعليم الجامعي في أوساط الفلسطينيين.[8]   وحتى الطلاب الذين يتمكنون من إنهاء المرحلة الثانوية لا يتمكن معظمهم من الالتحاق بالجامعات لأسباب اقتصادية  حيناً، ولأسباب تتعلق بسياسات قبول الطلاب الفلسطينيين في جامعات الدول العربية، حيناً آخر.

وعموماً، فإن نسبة الطلاب الجامعيين في المجتمع الفلسطيني ككل أخذت في الانخفاض باطراد، بعد أن كانت قد بلغت في أواسط السبعينات نسبة 11 جامعياً لكل ألف مواطن. وكانت هذه أعلى نسبة تعليم جامعي في الدول العربية، كما كانت تضاهي بعض النسب في الكثير من الدول الأوروبية.[9] 

الصحة والوضع الصحي

يعاني قطاع كبير من الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في المخيمات، مشكلات صحية خطرة بالنظر إلى ارتفاع تكاليف العلاج والخدمات الصحية في لبنان، وعدم استفادة الفلسطينيين من تسهيلات الضمان الصحي ووزارة الصحة اللبنانية، فضلاً عن تقليص خدمات الأونروا الصحية وتدني مستواها أصلاً.[10]

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تكلفة بعض العمليات الجراحية المعقدة تصل إلى نحو 15 ألف دولار، ولا تقدم الأونروا سوى 20% من تكلفة بعض العمليات الجراحية والأمراض الخطِرة مثل القلب المفتوح، والسرطان، وأورام الدماغ، والأمراض العقلية.

وتقيم الأونروا عيادات داخل المخيمات تقدم خدمات علاجية بسيطة؛ إذ تعاني هذه العيادات نقصاً في الأدوية والتجهيزات والأطباء الاختصاصيين. كما أن الوكالة تتعاقد مع عدد من المستشفيات، يشكو الناس عادة تدني مستواها، فتحيل المرضى عليها للاستشفاء، ولا تتحمل سوى جزء من التكاليف اليومية للمستشفى ولمدة لا تزيد عن عشرين يوماً.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن خدمات الأونروا الصحية لا تشمل جميع الفلسطينيين في لبنان بل المسجلين لديها فقط.

ومما يزيد الوضع الصحي سوءاً تدهور أوضاع مؤسسات جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وانحسار خدماتها باطراد بدءاً من سنة خروج م. ب. ف. من لبنان (1982)، علماً بأن الجمعية كانت تعوض جزءاً مهماً من النقص القائم في هذا المجال عبر شبكة خدماتها الواسعة والمنتشرة في التجمعات الفلسطينية كافة، والتي كانت تضم عشرة مستشفيات و46 عيادة.

علاوة على ذلك، يجدر لفت الأنظار إلى تردي مستوى الصحة البيئية في بعض المخيمات، نتيجة للازدحام السكاني، وتدني مستوى المعيشة، وسوء أوضاع المرافق العامة التي تؤمن البنية التحتية للخدمات. 

المستوى المعيشي

ليس أدل على تدهور مستوى معيشة الفلسطينيين في لبنان مما أورده المفوض العام للأونروا إلتر تركمان أمام الاجتماع اللجنة الاستشارية للأونروا[11] (15 آذار/ مارس 1993)، حيث أكد أن 60% من العائلات الفلسطينية في لبنان تعيش تحت مستوى خط الفقر، كما تحدده الأمم المتحدة طبعاً!!

ففي ظل واقع الاقتصاد اللبناني الذي يعاني التدهور والبطالة وتدني الأجور، وبسبب الحرمان من الحقوق المدنية، يعاني الفلسطينيون الضائقة الاقتصادية بصورة أشد من معاناة غيرهم.

وتعود أسباب تلك معاناة إلى عوامل عدة أهمها:

  • انهيار ما سمي اقتصادياً "القطاع الفلسطيني"، أي المؤسسات التشغيلية لـ م. ت. ف. والفصائل، بعد سنة 1982. وبحسب بعض التقديرات، فإن هذا القطاع كان يستوعب نحو 65% من مجموع القوى العاملة الفلسطينية.[12]
  • وقف نسبة كبيرة من التحولات المالية التي كانت تصل إلى الأسر الفلسطينية من أبنائها العاملين في دول الخليج، في إثر موقف تلك الدول من تشغيل الفلسطينيين، بعد حرب الخليج الأخيرة.
  • العجز المزمن في موازنة الأونروا، والذي بلغ سنة 1993، بحسب تصريحات المفوض العام، 28,5 مليون دولار، وما يترتب على هذا العجز من تقليصات في مختلف الخدمات.

وقد أشارت إحصاءات الأونروا سنة 1992 إلى أن نسبة البطالة في أوساط الفلسطينيين بلعت 38% من إجمالي العمالة الفلسطينية، وأن نسبة المسجلين لديها من حالات العسر الشديد (Special Hardship Cases) بلغت 12%، وهي أعلى نسبة في مناطق عمل الوكالة. [13]

وفي المقابل دلت معطيات مسحين أجريا بواسطة اليونيسيف ومكتب الإحصاء الفلسطيني المركزي على عينة من العائلات الفلسطينية مكونة من 1600 عائلة موزعة على ثمانية مخيمات وخمسة مراكز للمهجرين أن نسبة من يعملون بين الرجال (15 سنة – 49 سنة) هي 37% في مقابل 8% بين النساء، وأن معظمهم يعمل في المخيمات ومحيطها. كما دل مسح أجراه مكتب الإحصاء نفسه على أن 33,1% فقط من القوة العاملة النشيطة مستخدمة.[14]

وهذه النسب مرشحة للارتفاع مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وفي حال تشدد الحكومة اللبنانية في تطبيق قوانين العمل المتعلقة بالأجانب، ومنهم الفلسطينيون.[15] 

القوانين اللبنانية والقوانين الدولية

إن التشريعات والقوانين اللبنانية في مجملها تتعامل مع الفلسطينيين على صعيد الحقوق والواجبات كأجانب، أو بالأحرى كـ"فئة خاصة" من الأجانب، محرومة أحياناً حتى من بعض الامتيازات الممنوحة للاجئين.[16]  وقد أدى ذلك في المحصلة إلى تهميشهم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، بل على الصعيد السياسي أيضاً. وما زالت الدولة اللبنانية مصرة على عدم رفع القيود التي تحول دون اندماج الفلسطينيين في نسيج المجتمع اللبناني وفي النظام الاقتصادي للبلد، مع حفاظهم على "الخصوصية" و"الهوية الوطنية". وهذا الاندماج يمكن تسهيله من خلال منحهم مجرد الحقوق المدنية – لا السياسية – التي تكفلها المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين، مثل اتفاقية جنيف (1951)،[17]  والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والمعاهدة الخاصة بوضع الأشخاص العديمي الجنسية (Stateless Persons) (1954)، والميثاق العالمي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، والميثاق العالمي للحقوق المدنية والسياسية (1966). هذا فضلاً عن التعهدات والبروتوكولات والقرارات الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، التي يلتزم بها لبنان بوصفه عضواً في جامعة الدول العربية، مثل بروتوكول الدال البيضاء (1965).[18]

إن الإصرار على عدم إلغاء التشريعات والقوانين التي تحد من اندماج الفلسطينيين يتم أحياناً في إطار رفض التوطين، حفاظاً على الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وتنفيذاً لقرارات جامعة الدول العربية، ويتم في أحيان أُخرى في سياق عدم الإخلال بالتوازن الطائفي الدقيق في لبنان. لكن ما يجب قوله هو أن موقف الدولة اللبنانية من قرارات جامعة الدول العربية بخصوص الفلسطينيين موقف انتقائي للغاية؛ فهي تأخذ منها ما ينسجم مع سياستها العامة تجاه الوجود الفلسطيني في لبنان وترفض ما عدا ذلك.

وبالعودة إلى اتفاقية جنيف لسنة 1951 وما تمنحه من حقوق وامتيازات للاجئين، تجدر الإشارة إلى أن الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا والمقيمين في مناطق عملياتها لا يحق لها الاستفادة من مزايا الاتفاقية، ولا من الحماية الدولية التي تؤمنها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR)، وذلك وفقاً للفقرة الرابعة من الفقرة الأولى من المادة الأولى من الاتفاقية (1D).[19]

إن استثناء اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا من مزايا اتفاقية جنيف يفترض منطقياً أن الأونروا نفسها قادرة على تعويض الفلسطينيين من "الحماية" أو "المساعدة" التي تكفلها الاتفاقية، وخصوصاً أن من صلاحيات الأونروا، بحسب قرار إنشائها، اعتماد التكامل الاقتصادي وسيلة لاندماج اللاجئين في بلد اللجوء الأول.

غير أن واقع الحال ليس كذلك. فمن جهة يتركز جل نشاطّ الأونروا على الإغاثة وتقديم الخدمات لا على التشغيل المنتج والتنمية البعيدة المدى، كما أن خدماتها لا تكاد تسد رمق اللاجىء مع التقليصات المستمرة في موازنتها السنوية. ومن جهة أُخرى ليس لدى الأونروا الصلاحيات الضرورية لتأمين حقوق اللاجئين التي تكفلها مختلف المواثيق والمعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان عامة.

وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبار "الحماية" أو "المساعدة"، التي تقدمها الأورنوا للاجئين الفلسطينيين في لبنان وغيره من الدول المضيفة، بديلاً من الحقوق والامتيازات التي تمنحها اتفاقية جنيف لسنة 1951، ولا بديلاً من الحقوق المدنية التي تكفل لهم شروط الحياة الإنسانية اللائقة في مجتمعات اللجوء. 

غياب المرجعية

إن الحكومة اللبنانية لا تعترف منذ إقفال مكتب م. ت. ف. في بيروت، في إثر الاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982، بأية مرجعية للفلسطينيين، سياسية كانت أو اجتماعية. وذلك على الرغم من بعض اللقاءات التي تتم بين الحين والآخر مع ممثلي الفصائل الفلسطينية في بيروت.

وكان قد تم أول لقاء، أو أول اتصال رسمي منذ سنة 1982 بين الحكومة اللبنانية وم. ت. ف. على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة سنة 1991. وقد اتفق خلال اللقاء على تحديد جدول أعمال لمباحثات تجري متابعتها في بيروت، وكان من موضوعاته مسألة الحقوق المدنية.

وقد استؤنف الحوار اللبناني – الفلسطيني في بيروت فعلاً في نيسان/ أبريل 1991، وذلك في سياق أجواء الانفتاح التي أعقبت اتفاق الطائف. وأُلّفت لهذا الغرض لجنة وزارية خاصة ضمت الوزيرين عبد الله الأمين وشوقي فاخوري.

وعمل الجانب الفلسطيني على مواجهة اللجنة الوزارية بموقف موحد، منعاً للإرباك والتشويش، فاتفقت الفصائل المنضوية في م. ت. ف. وفصائل "جبهة الإنقاذ" على تقديم مذكرة موحدة للجنة الوزارية المذكورة. وقدمت المذكرة في أيلول/ سبتمبر  1991 تحت عنوان: "الحقوق المدنية والاجتماعية للشعب الفلسطيني في لبنان".[20]  وما أن عقد الاجتماع الأول بين اللجنة الوزارية والوفد الموحد، حتى تعطلت آلية الاجتماعات، بعد أن طلبت اللجنة مزيداً من الوقت لدرس المطالب الواردة في المذكرة. ونتيجة لذلك جمدت المفاوضات، وما زالت مجمدة حتى يومنا هذا. وكانت محادثات السلام العربية – الإسرائيلية في مدريد قد بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، وأُلّفت في سياقها لجان متعددة للمباحثات، منها لجنة خاصة باللاجئين.

وعلى الرغم من تجميد الحوار رسمياً، توالى تقديم المذكرات وعقد اللقاءات. فالتقى وفد فلسطيني موحد باسم "تحالف القوى الفلسطينية في لبنان" في 21 شباط/ فبراير 1994 رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وبحضور مدير الصندوق الوطني للمهجرين أنطوان أندراوس، وقدم له مذكرة عنوانها: "الاحتياجات الملحّة للفلسطينيين في لبنان"، بالإضافة  إلى ملاحق أُخرى بشأن موضوعات: الحقوق المدنية والاجتماعية؛ المهجرون؛ الأوضاع الصحية؛ مذكرات الجلب.[21] 

آفاق المستقبل

لا سبيل إلى التنبؤ بمستقبل الفلسطينيين ومصيرهم في لبنان من دون استشراف مستقبل "عملية السلام" الجارية في المنطقة، والتي يتم في إطارها صوغ وضع "الشرق الأوسط الجديد"، من خلال إعادة النظر في الحدود الجيوبوليتيكية للمنطقة.

إن الحل المعدّ للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني في إطار العملية المذكورة ينطلق أساساً من تجزئية القضية ، وتجزئة الشعب، وتجزئة الأرض في الوقت ذاته.

ومشروع "الحكم الذاتي" أو "الكيان الفلسطيني" المرتقب حتى في أوج اكتماله، بعد انقضاء الفترة الانتقالية المقررة – وبغض النظر عما نعتقده من أنه أوقع القضية والأرض والشعب معاً في شرك المشروع الصهيوني وإلى أمد قد يطول أو يقصر – هذا المشروع أو الكيان ليس مصمماً ليستوعب مجموع الشعب الفلسطيني، وإنما مجرد جزء من هذا الشعب. وبهذا فهو يتجاهل مصير باقي الفلسطينيين في الشتان، والذين يعتبرون في أغلبيتهم لاجئين بالمعنى القانوني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي. وأكثر من ذلك، فهو يسقط عنهم حق العودة بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194، ويتجاهل حقهم في تقرير المصير على أرض وطنهم، ويدخلهم في سياق إعادة صوغ العلاقات بين الداخل والخارج (الشتات) باتجاه تكريس "الدياسبورا" الفلسطينية كحالة دائمة، بل توسيعها أيضاً عبر ما يمكن أن يتعرض الفلسطينيون له في بلاد الشتات الأساسية من إعادة تهجير وتوطين في منافٍ جديدة.

إن التصور الدولي – الإقليمي الذي تحدث عنه وزير الخارجية اللبناني فارس بويز، في سياق المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "السفير" اللبنانية (18/4/1994) وقال أنه يجري تداوله لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أساس تهجير الجزء الأكبر منهم إلى خارج لبنان، هذا التصور إنما هو عبارة عن سيناريوهات تستمد قابليتها للتنفيذ كلياً أو جزئياً من روح اتفاق أوسلو ومن التطورات المستقبلية الغامضة لعملية السلام.*

وبصورة عامة، يتسم وضع الفلسطينيين في لبنان بقدر كبير من الترقب، والغموض، وعدم الركون إلى المستقبل، والخوف من المجهول، ولا سيما في ظل ما تنشره الصحافة اللبنانية والعربية بين الحين والآخر من تحقيقات وتصريحات متناقضة تتعلق بمستقبلهم. هذا فضلاً عن سياسة الحكومة اللبنانية حيال إعمار المخيمات والتي لا توحي بالثقة والاطمئنان، وكذلك الشائعات التي تتسرب من حين إلى آخر بشأن نقل أو إزالة بعض المخيمات القائمة ضمن خطة الإعمار في مرحلة ما بعد السلام المرتقب.

وقبل هذا وذاك، فإن من شأن إصرار الحكومة اللبنانية على تجاهل مسألة الحقوق المدنية أن يشيع أجواء القلق والخوف والضياع. فلماذا لا يشكل رفض التوطين، بوصفه خياراً طوعياً وقاسماً مشتركاً بن اللبنانيين بفئاتهم كافة وبين الفلسطينيين، مدخلاً لإقرار الحقوق المدنية، التي تنهي حالة التهميش الاقتصادي والاجتماعي لدى الفلسطينيين الذين يشكلون ما يزيد عن 10% من مجموع سكان لبنان، فتمكنهم من المساهمة في ازدهار المجتمع اللبناني، من جهة، وتحافظ من جهة أُخرى على وضعهم القانوني كلاجئين لا يفقدون حقهم في العودة إلى وطنهم مهما يطل أمد اللجوء؟ ولماذا لا يتبنى لبنان هذا الخيار قبل أن يصبح خيار التوطين أمراً واقعاً تفرضه ضرورات رسم خريطة "الشرق الأوسط الجديد"؟!

هذان سؤالان نطرحهما في سياق استشرافنا للمستقبل.

 

* هذه الدراسة هي نسخة موسعة وموثّقة من ورقة عنوانها: "أوضاع الفلسطينيين المعيشية في لبنان ودور الجمعيات الأهلية"، قدمت في الأصل باسم "هيئة تنسيق الجمعيات الأهلية العاملة في التجمعات الفلسطينية" إلى اللقاء الإقليمي التحضيري للمؤسسات الأهلية غير الحكومية العربية، المنعقد في عاليه/ لبنان (15 – 17 تموز/ يوليو 1994)، تمهيداً لقمة كوبنهاغن بشأن التنمية الاجتماعية التي ستعقد سنة 1995.

 

المصادر:

[1]  "أخبار الأونروا"، العدد 278، 17/3/1993.

[2]   روز ماري صايغ، "الفلسطينيون في لبنان: واقع مؤلم ومستقبل غامض"، "مجلة الدراسات الفلسطينية" (بيروت)، العدد 13، شتاء 1993، ص 21.

[3]   تم اللقاء في 16/5/1994 بطلب من الجمعيات نفسها.

[4]   "اللاجئون الفلسطينيون اليوم"، العدد 134، تموز/ يوليو 1993.

[5]   أُنشى المركز سنة 1961. ويقدم التدريب لنحو 600 طالب موزعين على العامين الدراسيين ويوفر 19 تخصصاً في المجالات الحرفية والتقنية.

[6]   حين استؤنفت امتحانات البريفيه الرسمية في آب/ أغسطس 1991، بعد انقطاع دام 16 عاماً، كانت نسبة نجاح الطلاب في مدارس الأونروا 16% فقط. أنظر: "اللاجئون الفلسطينيون اليوم"، مصدر سبق ذكره.

[7]   صايغ، مصدر سبق ذكره، ص 18، 25– 26.

[8]   لحل مشكلة التعليم الثانوي أنشأت م. ت. ف. أربع مدارس ثانوية تحت إشراف دائرة التربية في المنظمة في كل من طرابلس، والبقاع، وصور، وصيدا. وقد أغلقت ثانوية صيدا مؤخراً (1993/1994) في حين ما زالت المدارس الثلاث الأُخرى تعمل.

أما الأونروا فكانت تقدم للطلاب الفلسطينيين الذين يرغبون في مواصلة تعليمهم الثانوي في المدارس الخاصة منحاً دراسية سنوية تراوحت فيمتها ما بين 10 آلاف و20 ألف ليرة لبنانية، أي أقل 15 دولاراً أميركياً، لكن هذه المنح أوقفت سنة 1992، وأنشأت الأونروا في المقابل مدرسة ثانوية في مخيم برج البراجنة بدأ العمل فيها في العام الدراسي 1993/1994.

[9]   يستند الرقم إلى تقرير غير منشور أعده مركز التخطيط التابع لـ م. ت. ف. في أواسط السبعينات بشأن "الطاقة البشرية الفلسطينية العالية".

[10]   قلصت الأونروا خدماتها الطبية منذ بداية سنة 1991. وفي العام الحالي خفضت موازنة الاستشفاء من 2,2 مليون دولا إلى 1,6 مليون دولار.

[11]  "أخبار الأونروا"، مصدر سبق ذكره.

[12]   صايغ، مصدر سبق ذكره، ص 17.

[13]   سهيل الناطور، "أوضاع الشعب الفلسطيني في لبنان" (بيروت: دار التقدم العربي، 1993)، ص 58 و60.

[14]   صايغ، مصدر سبق ذكره، ص 17 و18.

[15]   أصدر وزير العمل اللبناني عبد الله الأمين مرسومين في هذا الخصوص في 15 كانون الأول/ ديسمبر 1992 و12 كانون الثاني/ يناير 1993، يحدد فيهما للعمال وأصحاب العمل الأجانب، بمن فيهم الفلسطينيون، الوثائق المطلوب إبرازها والشروط المفترض تلبيتها لمزاولة أية أعمال على الأراضي اللبنانية.

[16]   أصدرت وزارة الداخلية اللبنانية سنة 1962 مرسوماً يقضي باعتبار الفلسطينيين المقيمين في لبنان "فئة خاصة من الأجانب" ملزمة بالتقدم بطلب بطاقات إقامة وإجازات عمل، إذا ما رغبوا في ممارسة أية أعمال غير موقتة.

[17]   تمنح نصوص المعاهدة اللاجئين حقوقاً اقتصادية واجتماعية، مثل حق الحصول على العمل والضمان الاجتماعي وغيره، وتضعهم على قدم المساواة مع الرعايا الوطنيين. وتوجب المعاهدة على الدول الموقعة بذل أقصى ما في استطاعتها لتسهيل تمثل اللاجئين واندماجهم في مخيمات اللجوء.

[18]   ينص بروتوكول الدار البيضاء لسنة 1965 على أن "يعامل الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة رعايا الدول العربية في سفرهم وإقامتهم، وتيسّر فرص العمل لهم، مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية."

[19]   وفقاً للفقرة (1D) فإن الاتفاقية لا تنطبق على الأشخاص الذين يتلقون في الوقت ذاته نوع من الحماية أو المساعدة من قبل إحدى وكالات الأمم المتحدة وأجهزتها، عدا عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

[20]   المذكرة موقعة باسم "الوفد الفلسطيني الموحد" بتاريخ (12/8/1991) وتتضمن الموضوعات التالية: الإقامة؛ حق العمل؛ التنقل؛ التعليم والتدريب المهني؛ المؤسسات؛ حق العمل النقابي؛ إعمار المخيمات؛ المهجرون؛ الحريات الديمقراطية.

[21]   المذكرة موقعة باسم "تحالف القوى الفلسطينية في لبنان"، بتاريخ 14/2/1994.

*   يتضمن هذا التصور عودة نحو 10% من الفلسطينيين الموجودين في لبنان إلى أراضي سلطة الحكم الذاتي، وتنظيم عملية "جمع شمل" لنحو 25% من العائلات تبعاً لمكان إقامة أكثرية أفرادها (مصر، سوريا، كندا، أميركا.. إلخ.)، وإعطاء الفلسطينيين في لبنان الأولوية للهجرة إلى البلاد ذات الاستطاعة الاستيعابية الكبيرة (أستراليا، كندا.. إلخ.)، وأخيراً السماح باستخدام العمالة الفلسطينية بدلاً من العمالة الأجنبية في الدول العربية ذات الإمكانات والثروات والمساحات الواسعة مثل دول الخليج العربي وغيرها.

السيرة الشخصية: 

جابر سليمان: باحث فلسطيني.