البنية التحتية للقدس: هل الضم غير قابل للعكس؟
كلمات مفتاحية: 
مسألة القدس
القدس
تقسيم الأراضي
توفير المياه
الإمداد بالطاقة
موارد الطاقة
نبذة مختصرة: 

تسعى الدراسة للكشف عما إذا كان هناك في الواقع ضرورات من وظيفية وفنية شديدة تجعل إعادة تقسيم القدس مستحيلة. وهي تتناول ثلاثة من مجالات قاعدة الخدمات في المدينة ـ التزويد بالمياه، والتخلص من النفايات، وتوليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها ـ التي يمكن أن تحدد مدى القابلية لإعادة التقسيم. ويخلص الكاتب إلى أن ليس ثمة عقبات وظيفية وفنية تحول دون التقسيم.

النص الكامل: 

هل ضم إسرائيل للقدس الشرقية والمناطق المجاورة لها من الضفة الغربية سنة 1967 أمر غير قابل للعكس؟ إن الرأي المقبول على نطاق واسع هو أنه ما دام أن الحكومة الإسرائيلية لم تتحمل ولن تتحمل محاولات جعل القدس الشرقية ضمن معادلة الأرض في مقابل السلام التي يجري التفاوض بشأنها حالياً، فإن المسألة منتهية. وعلاوة على ذلك، فحتى إذا تجاوزنا إصرار إسرائيل على القدس عاصمة "أبدية" و"غير مقسمة"،[1]  ألم ينْمُ الجزء الشرقي والجزء الغربي من المدينة خلال ربع القرن الأخير على نحو شديد التشابك بحيث يتعذّر إعادة تقسيمها ببساطة؟

يسعى هذا المقال للكشف عما إذا كان هناك في الواقع ضرورات وظيفية وفنية شديدة تجعل إعادة تقسيم المدينة مستحيلاً. وهو يتناول ثلاثة من مجالات قاعدة الخدمات في المدينة – التزويد بالمياه، والتخلص من النفايات، وتوليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها – التي يمكن أن تحدد مدى القابلية لإعادة التقسيم. ولا يُقصد بهذا الاستخفاف أو عدم إعطاء أولوية للقضايا السياسية التي ينبغي حلها أولاً؛ بل إنه محاولة لرؤية ما إذا كان  شرطاً أن تصطدم مسائل المعقولية الوظيفية للتقسيم بالمناقشات الجارية، أم أنها تعادل تحولات عن القضايا الرئيسية لتسوية سلمية.

المياه

لم يزل تزويد القدس بالمياه كمثل عقدة حول عنق المدينة. فكلما نقصت كمية المياه المتاحة ازدادت القيود على نمو المدينة وتطورها. وتاريخياً، كانت مدينة القدس القديمة تستمد مياهها من نبع جيحون في وادي كيدرون، مضافاً إليه آبار في سلوان وبير أيوب في أماكن أدنى في ذلك الوادي.[2]  وعلى امتداد حقبة الحكم العثماني، يقع الباحث على إشارات إلى أقنية المياه الممتدة من برك سليمان وينابيع العرُّوب.[3]  وكانت إمدادات المياه من هذا المصدر المهم غير منتظمة، وشكلت قيوداً شديدة على نمو القدس.[4]  وبدأت محاولات لفك "عقدة" المياه المحدودة بمشاريع عثمانية في بداية القرن العشرين، واستمرت بمبادرات اتخذتها سلطات الانتداب البريطانية.

فبعد ستة أشهر من سقوط القدس سنة 1917، كان الجيش البريطاني قد رمَّم قناة العرُّوب وجهزها بأنابيب أوسع فصارت الينابيع تزوَّد المدينة بـ1360 متراً مكعباً (م3) يومياً.[5] ومع أن هذه الكمية قد سببت انفراجاً عظيماً فإنها ظلَّت غير وافية بحاجات أهالي القدس كلهم، وقد ذهبت تقديرات إلى أن نحو 36,000 نسمة ظلوا يعتمدون على الخزانات وعلى المياه المستمدة من وادي كيدرون.[6]

عقب الجفاف سنة 1925 وسنة 1926، تضاعفت الجهود المبذولة لتأمين المزيد من مصادر المياه.[7]  وبعد الكثير من الدرس، قرّ رأي سلطات الانتداب على اتخاذ ينابيع رأس العين الواقعة عند رأس نهر العوجا (المعروف بنهر اليركون في إسرائيل) مصدراً أساسياً لتزويد القدس بالمياه. كانت هذه الينابيع الواقعة على مسافة 60 كلم من المدينة (أو 45 كلم في خط مستقيم) تستلزم ضخ المياه إلى ارتفاع 800 متر (م) من السهل الساحلي إلى الخزان الواقع في مرتفع روميما في القسم الشمالي الغربي من المدينة. لكنها كانت تمدُّ القدس بـ 11,370 م3 من الماء يومياً، وذلك ما سوّغ النفقات والأعمال الهندسية الإضافية. وقد تم تدشين الأنبوب ومحطات الضخ الأربع في رأس العين، واللطرون، وباب الواد، وساريس في كانون الثاني/ يناير 1936. وبذلك "تحررت القدس أخيراً من افتقارها المزمن إلى المياه."[8]

الأمر الجدير بالملاحظة هنا هو أن فترة الانتداب البريطاني اتسمت ببداية نظام مركزي متكامل لتزويد القدس بالمياه. كما أنها اتسمت بتزايد اعتماد المدينة على موارد خارجية لا يمكن أن يحافظ عليها إلا في إطار سلطة مركزية حاكمة وعمق جغرافي آمن وسهل المتناول. وهكذا، فمع تزايد القدس حجماً ومكانة صارت أوثق اندماجاً وظيفياً بالمنطقة المحيطة بها. فلما انشطرت المنطقة شطرين بفعل اتفاقات الهدنة، كان وقع ذلك على تطور القدس مباشراً وفورياً، ولا سيما في الشطر الشرقي الأردني.

حتى من قبل توقيع اتفاقات الهدنة، كانت القدس الشرقية لواقعة في أيدي الأردنيين تعاني شحّاً شديداً في المياه. ففي صيف 1948 كانت ينابيع رأس العين والأنبوب الممتد منها ضمن الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، وكانت محطتا الضخ في عين فارة وعين فوّار قد تضررتا من جراء القتال.[9]  وفي العام التالي قطعت خطووط الهدنة الأنابيب الجنوبية، فحرمت القدس هذا المصدر أيضاً. وتم في أواسط سنة 1949 إصلاح محطة ضخ عين فارة. وفي سنة 1951 أُدخلت عليها تحسينات لتزويد القدس بـ 3000 م3 يومياً من مجموع 4500 م3 يومياً. إلا إن تدفق اللاجئين من الشطر الغربي من المدينة ومن ممر القدس، مشفوعاً بفقدان موارد رأس العين والعرُّوب، قد أرغما الحكومة الأردنية على فرض التقنين؛ فكانت المياه تضخ دورياً إلى مختلف الأحياء والضواحي مرتين أسبوعياً، مع التوقف تماماً يوم الجمعة.[10]  لذلك كان لا بد من العودة إلى الاعتماد على الخزانات في المدينة القديمة، ولا سيما في الحرم الشريف. وقد لجأ السكان أيضاً إلى استعمال ينابيع سلوان وصور باهر. وفي أواسط الستينات ذهبت تقديرات إلى أن 60% من سكان القدس الشرقية كانوا بلا مياه جارية.[11]

ونظراً إلى قلّة الأموال البلدية، قامت بلدية القدس الأردنية بتلزيم تزويد بعض المناطق بالمياه إلى شركات خاصة. وقد مدّت هذه الشركات الأنابيب وباعت المياه من الزبائن مباشرة.[12]  وأدى شح المياه إلى ارتفاع الرسوم، وتضافر العاملان على الحد من نمو السكان. وساهم هذان العاملان أيضاً في تشجيع توجّه العمران على الطريق إلى رام الله، التي كانت المياه فيها توزّع من قِبل هيئة رسمية هي مصلحة المياه الوطنية الأردنية، والتي لم تكن تعاني النقص نفسه في المياه. وأدت هذه العوامل كلها إلى انخفاض نسبة استهلاك المياه في القدس الشرقية؛ فكان سكانها عشية حرب 1967 لا يستهلكون إلا 2000 م3 يومياً، قياساً بنحو 36,000 م3 يومياً في القدس الغربية.[13]  ومعنى هذه النسبة، إذا ما حُسب على أساس كل شخص، مجرد 21% من استهلاك القدس الغربية.[14]

وفي سنة 1963 توقع تقرير بشأن حاجات القدس الشرقية المستقبلية إلى المياه، والتقرير للجنة حكومية أردنية، أن يكون المطلوب 36 مليون م3 سنوياً كحد أدنى.[15]  فأُجريت حفريات تجريبية في عين الفشخة قرب البحر الميت التي عُدت ينابيعها أنسب المواقع لبلوغ مستوى تدفقها 73 مليون م3 سنوياً. لكن المياه كانت على درجة طفيفة من الملوحة والإشعاع، ولذلك فإنها كانت تحتاج إلى المعالجة قبل توزيعها. وكانت تحتاج أيضاً إلى أن تُضخ إلى ارتفاع يربو على 1000م لتصل إلى القدس الشرقية؛ فأدى هذان العاملان إلى تأجيل المشروع ريثما تتوفر الأموال اللازمة لتنفيذه. لكن قبل أن يتيسر تنفيذ المشروع، احتلت القوات الإسرائيلية الضفة الغربية ووصلت إلى القدس الشرقية بشبكة مياه القدس الغربية.

بالانتقال إلى القدس الغربية الإسرائيلية نرى أن هذا الجزء من المدينة قد عانى أيضاً نقصاً في المياه عقب القتال مباشرة، على الرغم من تمكّن دولة إسرائيل الجديدة من السيطرة على ينابيع رأس العين سنة 1948. فالأنابيب قُطعت، ومحطات الضخ أصيبت بأضرار تسببت في نقص المياه أو في ضخ وتوزيع غير منتظمين. ومع أن الافتقار إلى المياه لم يكن حاداً كحاله في القدس الشرقية، فإن التزام الحكومة الإسرائيلية الأيديولوجي زيادة عدد السكان اليهود أدى إلى تزايد الطلب على موارد الماء المتاحة. وكان مصدر رأس العين كافياً على وجه الإطلاق في هذه المرحلة، لكن نظراً إلى النقص في سعة التخزين، فقد عانت بلدية القدس الإسرائيلية مشكلات في تأمين كميات كافية من المياه في فترات الاستهلاك القصوى. لذلك أُنشىء خزانان صغيران في روميما، وأُنشىء خزان ثالث أكبر منهما سنة 1955 في بيت فيغان.[16]  وقد غذي خزان بيت فيغان بأنبوب جديد كلياً يستقي مياهه من آبار حفرت في منطقة غفعات برنر، إلى الجنوب من رحوفوت، ويصعد إلى القدس عبر وصلة نحشون، وإشتول، وتسوفا، وعين كارم، وسلسلة من محطات الضخ المقامة تحت الأرض.[17]

كانت البلدية عازمة أيضاً على تنويع مصادر المياه، وذلك تحسباً للنزاعات المستقبلية، واستعداداً لتلبية الحاجات المتوقعة للمدينة أيضاً. ولذلك، نشط التنقيب في منطقة القدس عن الآبار، وأُجري بعض الحفريات التنقيبية. ففي سنة 1959 حُفرت بئر في عين كارم، ثم اكتُشفت سلسلة آبار خلال الستينات في جوار كريات عنافيم، شمالي طريق تل أبيب – القدس، على مقربة من قرية أو غوش الفلسطينية.[18]  وقامت بهذه الأعمال لمصلحة البلدية شركة تاهل (هيئة تخطيط المياه في إسرائيل) ومكوروت ( شركة المياه الإسرائيلية). وقد اعتُبرت مكوروت السطة المشرفة على توزيع المياه ضمن حدود بلدية القدس.

كانت محاولات تنويع المصادر هذه مهمة لأن القدس الغربية كانت سنة 1966 تستهلك 12 مليون م3 سنوياً، بينما لم تكن ينابيع رأس العين تمدُها إلا بـ 11,5 مليون م3 سنوياً.[19]  والواقع أن المشكلة ازدادت حدة بعدما حُوِّلت مياه رأس العين إلى مدينة تل أبيب المتنامية ورُبطت الأنابيب الممتدة نحو القدس بالأنبوب القطري لنقل المياه (الخط الرئيسي الذي يحمل المياه على امتداد الساحل، من بحيرة طبريا إلى صحراء النقب[20])، وكان معنى ذلك ان القدس الغربية باتت أكثر اندماجاً بشبكة توزيع قطرية وأشد اعتماداً على الموارد الخارجية.

وفي غضون أيام من احتلال القدس الشرقية والمناطق التي ضُمت إلى إسرائيل لاحقاً، قامت مصلحة المياه في بلدية القدس الإسرائيلية بربط الأنابيب ووصل الشبكتين إحداهما بالأخرى، وأصلحت الأعطال التي لحقت بالأنابيب ومحطات الضخ في أثناء القتال. وكان ذلك جزءاً من عملية "دمج الخدمات"، وهذا تعبير استخدمته إسرائيل بدلاً من تعبير الضم.[21]  وقد اشتملت عملية دمج الخدمات على نقل مكاتب مصلحة مياه القدس الأردنية ومحفوظاتها وموظفيها إلى مكاتب القدس الغربية، فضلاً عن تفكيك المحركات والمضخات التابعة لها.[22]  وفي سنتي 1967 و1968 جرى تفقد جميع الصهاريج الموجودة في المدينة القديمة والمناطق المضمومة إلى القدس. وقد أدّت هذه الخطوات إلى زيادة كمية المياه التي تزوّد بها المدينة بنسبة 16% فقط.[23]

كانت بلدية القدس الإسرائيلية تبذل جهوداً حثيثة لتضمن كونها المصدر الوحيد للتزويد بالمياه بالنسبة إلى جميع سكان القدس، في شطريها الشرقي والغربي على السواء. ولذلك سارعت إلى الاستيلاء على الأنابيب والأجهزة التي كان يديرها متعهدو مياه فلسطينيون مستقلون. لكنها وقعت في نزاع مع الحاكم العسكري في الضفة الغربية بشأن إدارة شركة مياه رام الله. ونظراً إلى توسيع حدود البلدية، باتت ضواحي القدس الشمالية، على امتداد طريق رام الله، تستمد مياهها من شركة مياه رام الله، وهي شركة خاصة خَلَفت مصلحة المياه الأردينة. فقد أصرّت الشركة وزبائنها الفلسطينيون داخل حدود البلدية الموسعة على ضرورة بقاء الاتفاقات المعقودة بين الطرفين قائمة. وقد دعمها في ذلك الحاكم العسكري الذي لم يكن يرغب في رؤية الشركة تضطر إلى وقف عملياتها في منطقة رام الله كلها من جراء خسارة زبائنها الرئيسيين في الجنوب.[24]  واضطرت بلدية القدس إلى التراجع، وتوصلت بعد التفاوض إلى اتفاق مع الشركة يقضي بأن تستمر الشركة في توزيع المياه على الزبائن الفلسطينيين الحاليين والزبائن الجدد، وبأنه يحق لها شراء المياه من مكوروت عن طريق بلدية القدس.[25]  أما المستوطنات الإسرائيلية الجديدة، مثل نفي يعقوف، فتكون من مسؤولية البلدية.

هذا التراجع ذو دلالة لأنه عبّر عن القيود والحدود التي تعترض السبيل إلى ضم منطقة بلدية القدس الموسعة ضمّاً كاملاً، وتعترض، تالياً، بسط السيادة الإسرائيلية التامة. ولأسباب لوجستية واقتصادية، لم تتمكن بلدية القدس من أن تكون المصدر الوحيد لتزويد سكان منطقة القدس بالمياه. فقد دل استثناء إحدى المصالح الاستراتيجية من سيطرة الدولة الإسرائيلية على صعوبات السيطرة الإسرائيلية التامة على المناطق المضمومة من القدس من دون ضم الضفة الغربية. كما دلّ على أن الإصرار السياسي ليس العامل الوحيد في بسط السيادة التامة على القدس، وينبغي أخذ تلك الاعتبارات في الحسبان.

بعد مدة قصيرة من شروع الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ برنامجها الاستيطاني، تبيّن بوضوح أن استهلاك المياه في منطقة القدس سيتجاوز الكمية المتاحة. ففي سنة 1973 تضافرت عوامل مختلفة، منها شتاء جاف، وموجة حر، وتدفق أعداد تفوق المعتاد من السائحين والمهاجرين الجدد إلى المدينة، على إحداث نقص حاد، ولا سيما في بيت حنينا في شمالي القدس.[26]  وجرى أيضاً نقل المياه بشاحنات صهريج إلى بعض أجزاء القدس الغربية مثل رحافيا وروميما. وبيَّن الجفاف هذا أن القدس ستحتاج إلى المزيد من مصادر المياه وإمكانات تخزينها من أجل تلبية الحاجات المترتبة على الأهداف الديموغرافية التي تعمل الحكومة على تحقيقها. وبعد فترة من الراحة والرخاء، عاد الإحساس بـ "العقدة" المعقودة حول عنق المدينة.

وقد وضعت خطط لمد أنبوب ثالث من السهل الساحلي، وبدأ العمل فيه سنة 1976. ولما كان طول الأنبوب عشرين كلم فقد اقتضى مده ثلاثة أعوام، وجرَّت المياه من خمس آبار في منطقة إشتول إلى الشمال الشرقي من بيت شيمش ومن بئر تقع على مقربة من مستوطنات موديعين في الضفة الغربية، شمالي طريق تل أبيب – القدس.[27]  زوَّد هذا الأنبوب، البالغ قطره 36 بوصة، خزانات روميما، مارّاً بجانب تسوفا والقسطل في ممر القدس. وقامت محطتا ضخ في كسلة ودافيد برفع المياه من مستوى 20 م إلى مستوى 400 م.[28]

إلا إن بلدية القدس كانت حريصة على تحاشي الاعتماد التام على المصادر الخارجية للتزوُّد بالمياه، وسعت بحكمة لزيادة طاقة التخزين لديها ولاستخراج المياه من منطقة القدس مباشرة. وكانت الخزانات الموجودة غير كافية وتحتاج إلى صيانة مستمرة، وتنظيف، وتفقّد، التزاماً بالمعايير العصرية لسلامة المياه صحياً. أما المعادِلات الحديثة للصهاريج في القدس، أي الخزانات في روميما وبيت فيغان، فكانت غير كافية لتلبية تزايد الطلب الذي ينشأ في ذروة حرِّ الصيف وفترات الجفاف. ولذلك أُنشئت ثلاثة خزانات إضافية في المناطق التي ضُمّت إلى القدس، إثنان منها على التلة الفرنسية، سعتهما 2000م3، والثالث في تالبيوت الشرقية سعته 500م3.[29]  وبحلول سنة 1989، كانت البلدية قد توصلت إلى طاقة تخزين إجمالية تبلغ 250,000م3. وثمة خطط لإنشاء خزانين آخرين في روميما وهارنوف.[30]

الأهم من زيادة طاقة التخزين هو البحث عن مصادر إضافية للتزود بالمياه من آبار تحفر داخل القدس وفي جوارها مباشرة. وقد نفذ بين سنتي 1960 و1975 برنامج حفريات اختبارية أقامت في سياقه كل من تاهل ودائرة المياه في بلدية القدس 14 بئراً من عين كارم. وحُفرت ست آبار أُخرى داخل حدود البلدية،[31]  ثلاث منها في المنطقة المضمومة – في أسفل جبل سكوبس، وفي نفي يعقوف، وعلى مقربة من شعفاط.[32]  ومع حلول سنة 1973، كانت هذه الآبار تعطي 7 ملايين م3 من المياه سنوياً، أي نحو 25% من المياه التي تستهلكها المدينة. وقد قدَّر مهندسو المياه أن كمية مدهشة تناهز 17 مليون م3 يمكن استخراجها على هذا النحو من المصادر المحلية.[33]  أما المحاولات الأُخرى لتنويع المصادر فقد شملت خططاً لتنقية مياه مجارير المدينة من أجل استعمالها في ري الأراضي الزراعية. وتقدِّر دائرة المياه في البلدية أن 11 مليون م3 من المياه يمكن أن تتاح على هذا النحو حتى نهاية سنة 1992. وهذا يعني  أن المياه التي تحوَّل الآن من أجل الري الزراعي ستوفَّر بعد ذلك من أجل الشرب.[34]

وعلى الرغم من ذلك كله، فقد ظل عدد سكان القدس يفوق القدرةعلى تزويدهم بالمياه.

 

 

السكان واستهلاك الماء في منطقة القدس[35]

السنة

عدد السكان

استهلاك الماء

(ألف متر مكعب)

الاستهلاك الفردي

(متر مكعب)

1972

313,800

19,000

60,5

1987

386,600

33,000

85,4

1982

424,400

37,400

88,1

1988

493,500

41,700

84,5

1990

524,500

41,500

79.1

 

إن توقعات وزارة البيئة فيما يتعلق بزيادة عدد مستهلكي المياه في المنطقة التي تضم المستوطنات الإسرائيلية الجديدة حول القدس، فضلاً عن تلك الواقعة داخل حدود القدس الموسعة، تشير إلى أنه سيبلغ 75,000 في نهاية القرن و930,000 في سنة 2010.[36]  ولذلك، فقد باتت ضرورة مدّ القدس بمزيد من المياه أولوية بلدية ووطنية. وقد شرع في سنة 1984 في مناقشة إمكان مد أنبوب رابع من السهل الساحلي، وهو مشروع كبير يستلزم توظيف 70 مليون دولار، وإنشاء محطة جديدة لتوليد الطاقة في إفين سافير، في ممر القدس، وأربع محطات ضخ على الطريق. وسيراوح قطر الأنابيب بين 50 بوصة في السهل الساحلي و36 بوصة في الجبال، كما أن المياه ستُضخ من ارتفاع 20 م إلى 840م، على امتداد 50 كلم.[37]

سيكون مصدر بعض هذه المياه آباراً تحفر قرب اللد وبعضها الآخر الأنبوب القطري لنقل المياه – وهو خط قطره 66 بوصة، يجرُّ المياه من بحيرة طبريا إلى النقب. ويتجه خط الأنابيب المنشود هذا إلى الجنوب مباشرة، من اللد إلى اللطرون، ثم إلى ناحل إيلان شمالي طريق تل أبيب – القدس، إلى الشرق من شوعيفا بالقرب من قرية أبو غوش الفلسطينية، صعوداً إلى عين كارم حيث يتفرع إلى فرعين، فيذهب فرع إلى بيت فيغان ويذهب الآخر شمالاً عبر موتسا إلى راموت. ولم ينجز من خط الأنابيب هذا حتى الآن إلا 12 كلم فقط من جهة القدس، وكان لا بد من إرجاء موعد إنجازه، المقرر أصلاً في آذار/مارس 1992، لأسباب مالية في الأرجح. والمشروع برمته يتوقف على إنشاء محطة ثانوية في إفين سافير، وقد يكون تمويل إنشائها عسيراً.

إن قرار توظيف الأموال في مد خط أنابيب رابع إلى القدس يبرهن عن قوة التزام الحكومة الإسرائيلية إزاء زيادة عدد السكان اليهود الإسرائيليين في القدس وفي المستوطنات المجاورة لها. ويمكن العثور على توكيد لذلك في استمرار تزايد الاستهلاك المنزلي تزايداً يفوق كثيراً الاستهلاك الصناعي. فقد تراوح الاستهلاك المنزلي منذ سنة 1986 بين 56,2% و66,7% من مجموع الطلب، بينما لم يتجاوز الاستهلاك الصناعي 4,5%.[38]  إن توظيف مبالغ طائلة من الأموال، على هذا النحو، وفي سبيل الاستعمال المنزلي، لحري فعلاً بالانتباه. ويمكن الوقوف على قوة التزام الحكومة، فضلاً عن ذلك، في الطريقة التي لا يزال إنشاء المستوطنات الجديدة في القدس ومن حولها يسير عليها، وبصرف النظر عن قدرة البلدية أو قدرة مكوروت على تزويدها بالخدمات الملائمة. وقد أدى الضغط الناشىء عن تزايد السكان اليهود الإسرائيليين على هذا النحو إلى سوء تصريف مياه المجارير وإلى المخاوف  من تلويث مصادر المياه نفسها التي تأمل البلدية باستغلالها.[39]

بالإضافة إلى الأسباب التجارية القوية التي تحدو مكوروت والبلدية على زيادة عدد الزبائن، فإن هناك اعتبارات سياسية أيضاً تتعلق بتزويد المناطق الفلسطينية بالمياه. والواقع أن أنابيب البلدية قد مدَّت إلى عناتا، ورام الله، والعيزرية، وأبو ديس، وبيت لحم.[40]  وهذا التوسيع لخدمات البلدية يتَّسق محاولات البلدية أن تكون المصدر الوحيد لتزويد القدس بالمياه ومع محاولة الحكومة بسط السيطرة المادية على القدس.

كان من الممكن الوقوف على تضمينات السيطرة الإسرائيلية على التزويد بالمياه في غضون شح المياه سنة 1973. فمن ذلك أن سكان بيت حنينا، وهي ضاحية فلسطينية على طريق رام الله، عانوا نقصاً في المياه قبل أسابيع عدة من تأثر أنحاء أُخرى من القدس، لأن البلدية خفَّضت كمية المياه التي تمدّ بها شركة مياه رام الله التي تزوّد بيت حنينا. وكان عجز شركة مياه رام الله عن الحفاظ على الوتيرة المعتادة في توزيع الماء في تلك الحال يعزى إلى القيود التي فرضت على عملياتها لاستخراج المياه، وذلك ما اضطرها إلى الاعتماد على شراء كميات كبيرة من بلدية القدس. وقد أدى ذلك أيضاً إلى زيادة تكلفة المياه التي وزعتها.[41]  ويمكن رؤية تبعية مماثلة في حال القرى الواقعة على تخوم البلدية مباشرة. فعندما بات مجلس بلدية أبو ديس بلا موارد مالية كافية بسبب انهيار البلديات في الضفة الغربية، عجز عن دفع ثمن المياه المستحق عليه لبلدية القدس.

وفي إبان الانتفاضة، استُخدم قطع المياه عن منطقة محددة وسيلة عقاب على أعمال معادية لإسرائيل قام بها السكان.[42]  وبفعل جهود شاقة بذلتها الحكومة الإسرائيلية، يبدو أنه سيكون هناك للقدس مدد كاف من المياه خلال العقد الجاري.

وفي حال عقد تسوية ما، فإن تزويد قدسٍ أُعيد تقسيمها سيتوقف على عاملين اثنين: الأول مدى رغبة السكان الإسرائيليين في البقاء في الجانب الشرقي من المدينة ومدى إمكان استبدالهم بفلسطينيين عائدين من المنفى. والثاني، إمكان استخراج مياه من غور الأردن، ومنفذ القدس الشرقي؛ وستكون هناك حاجة إلى مزيد من الاستكشاف والبحث لتحديد ذلك الإمكان. وكنا رأينا، فإن الكميات المحدودة متاحة من ينابيع وآبار في المناطق المباشرة إلا إنها ستحتاج إلى أن تضاف إليها كميات من أجزاء أُخرى من الضفة الغربية. ومن شأن عاملي الوقت والتكلفة أن يعنيا أنه في فترة موقتة سيظل إلزامياً أن تأتي إمدادات مياه من إسرائيل وربما من الأردن. لكن في حال توفر الوقت والتوظيف اللازم، فإن ما هو قائم حالياً من دمج للقدس الشرقية في نظام التزويد بالمياه الإسرائيلي لا يحول بالضرورة دون إعادة تقسيم المدينة.

المجارير

لم تزل المسألة الصحية والبيئية المتعلقة بتصريف مياه المجارير مشكلة تعترض حكّام المدينة. فعلى الرغم من ارتفاع القدس عن سطح البحر ومن شتائها البارد الرطب فقد تحول تراكم الفضلات والمجارير إلى سبب من أخطر أسباب الأمراض والأوبئة في القدس خلال أواخر العهد العثماني.[43]  وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر نفذت السلطات العثمانية برنامجاً لتنظيف وترميم شبكة المجارير في القدس؛ شُقّت أقنية جديدة، وأُصلح القديم منها. وفي سنة 1887 بُذلت جهود خاصة حول بوابة دمشق مع تركيب أنابيب جديدة وإصلاح القديمة.[44]  وإذ نشأ بعض الضواحي خارج أسوار المدينة القديمة من جراء توافد المهاجرين اليهود، فقد جرت محاولات لربط هذه الضواحي بشبكة مجارير المدينة، إلا إن هذه الأخيرة كانت مجهزة بمجاريرها الخاصة. وقد ظل تصريف مياه المجارير مقتصراً على المدينة القديمة، وكان يساق إلى وادي كيدرون، حيث كان يحوَّل لري المزروعات.[45]  إلا إن استمرار تزايد السكان خارج السور بدأ يثير القلق في شأن تصريف المجارير هناك. وفي سنتي 1910 و1912 ناشد رئيس بلدية القدس، حسين الحسيني، يهود الشتات لمساعدة بلدية القدس في تمويل إنشاء شبكة مجارير للضواحي الجديدة.[46]  وفي سنة 1914 أُنجزت الخطط لشبكة جديدة، لكن الحرب حالت دون تنفيذها.

وقد أبدى البريطانيون، خلال حكمهم، اهتماماً عظيماً بالشأن الصحي في المدينة المقدسة، وعالجوا المشكلة الصحية بقوة. وكانت برك المدينة وصخاريجها كافة تنظَّف، وترمَّم، وتفتش. وفي أواسط العشرينات كانت القدس قد اكتسبت سمعة المدينة السليمة صحةً وبيئة، بالقياس إلى حالها السابقة وإلى الأوضاع السائدة في السهل الساحلي.[47]  واستجابة لاطراد نمو العمران على تخوم القدس الغربية والجنوبية، ركّبت السلطات أول شبكة مجارير تصب في مجرى الشُريق إلى الغرب من المدينة، ومن هناك إلى البحر الأبيض المتوسط، قرب شمالي قرية بلماحيم الإسرائيلية القائمة اليوم. وفي الوقت نفسه، وسّعت مصلحة مياه المدينة الشبكة في المدينة القديمة وجدَّدتها، ومدَّت مصبّ فائض المجرور إلى نقطة أدنى في وادي كيدرون.[48]

ولم تشهد فترة تقسيم المدينة بين سنتي 1948 و1967 إلا القليل من التطورات المهمة في شبكة تصريف المجارير. فخطوط الهدنة لم تمر بأيٍ من مصبات المجرور الكبرى، وإن يكن المقيمون في أحياء مصرارة ويمين موشيه قد عانوا بعض الصعوبات بعدما قطعت أنابيب التصريف. أما في القدس الشرقية الأردنية فقد أضيفت 8 كلم أُخرى من الأنابيب إلى الشبكة في سلوان ووادي الجوز تحديداً، لكنها ظلّت تتدفق من دون معالجة في وادي كيدرون.[49]   وبات من الأعراف المقبولة لدى المزارعين على طول الوادي أن يسقوا حقولهم وخضرواتهم من مياه الصرف المتدفقة من المجرور.[50]  كما ظلت الأنظمة البريطانية المتعلقة باستعمال المجارير وجُور التصريف والصهاريج معمولاً بها في حدود قدرة البلدية.

إن تزايد السكان بوتيرة أسرع نسبياً في القدس الغربية لم يؤد إلى أي عمل أكبر من المعتاد من قِبل الجانب الإسرائيلي من بلدية القدس. فقد استمرت المجارير تصب في الشريق وفي مجرى رفاعيم ايضاً المتصل بالشريق على بعد بضعة كيلومترات غربي القدس. وقد أسعف مخططي القدس الغربية في ذلك نموُ المدينة بعيداً عن المركز باتجاه الغرب. ولم تبدأ البلدية وضع الخطط لمعالجة مياه المجارير قبل تصريفها في الأودية والمجاري المحيطة بالقدس إلا سنة 1965.[51]  وبحلول سنة 1967 كانت كمية مياه المجارير المتدفقة من القدس الغربية تقارب 28,000 م3، وهي كمية تفوق كثيراً قدرة معمل التكرير والتنقية المخطط لإنشائه.

بعد الاحتلال وضم القدس الشرقية الموسعة، وعلى الرغم من النمو السكاني الهائل الذي شجعته الحكومة والبلدية الإسرائيليتان، فإن حال تصريف مياه المجارير في القدس لم تتحسن، بل إنها في الواقع ازدادت سوءاً. ففي سنة 1991، أعلن قسم القدس في وزارة البيئة الإسرائيلية في تقريره السنوي:

أما بالنسبة إلى مجارير القدس فإن حالها مروِّعة: فثمة مجريان: رفاعيم إلى الغرب وكيدرون إلى الشرق، يصبان المجارير الخام بينما يذهب مجريان آخران، الشريق إلى الغرب وأوغ إلى الشرق، بمياه المجارير التي تمت معالجتها بقدر محدود جداً فحسب.[52]

وقد ازدادت كمية مياه المجارير في القدس بنسبة ثلاث أضعاف، في الأعوام العشرين الماضية، حتى بلغت 86,000 م3 يومياً، ومن المتوقع أن تبلغ 95,000م3 يومياً سنة 1990، وأكثر من 100,000م3 يومياً سنة 2000.[53] ومع ذلك فإن معمل التنقية الوحيد هو ذاك القائم في عين كارم والذي لا تتجاوز قدرته كمية 13,000م3 يومياً.[54]  أما المعامل الأُخرى فهي مجرد وحدات تصفية لا يتجاوز عملها تفتيت الفضلات الصلبة من دون معالجة محتوياتها من البكتيريا.

إن نتيجة هذا الإهمال مشكلة تتزايد أبعادها باطراد؛ فكل يوم تنصبُّ في المجاري والأودية المحيقة بالقدس كميات من مياه المجارير تساوي سعة ثلاثة أحواض سباحة أولمبية المقاييس. إن عاقبة ذلك على البيئة غير معروفة حتى الآن، لكنها تحمل على القلق العميق. ذلك بأن بعض المجاري بات شديد التلوُّث، وثمة خطر من أن تلوّث قريباً طبقة يركون تنينيم المائية الجوفية "التي تُعد من أفضل مصادر المياه في إسرائيل."[55]  ثم إن انتشار المستوطنات الإسرائيلية الجديدة وتوسّع القرى الفلسطينية القائمة ضمن منطقة القدس من دون تطوير شبكات ملائمة لتصريف مياه المجارير عاملان يزيدان المشكلة تفاقماً.

تنقسم شبكة تصريف مياه المجارير في القدس إلى أربعة أحواض رئيسية للمجارير – حوض الشريق، وحوض رفاعيم، وحوض أووغ، وحوض كيدرون – الواقعة إلى الشمال الغربي، والجنوب الغربي، والشمال الشرقي، والجنوب الشرقي على التوالي. وسنقوم بالبحث في وضع الحوضين الأخيرين فقط.

إن حال تصريف مياه المجارير في الحوض الشمالي الشرقي، حوض أوغ، كانت ولم تزل سيئة جداً؛ فنحو 12,000 م3 من مياه المجارير تصب في هذا الحوض، وتشير التوقعات إلى أن الكمية سترتفع إلى 44,000 م3 سنة 2000. والحوض يجمع مياه المجارير من مناطق فلسطينية، كالطور والعيسوية وأجزاء من قرية عناتا ومخيم شعفاط، وتنصبُّ في هذا الحوض أيضاً المجارير في المناطق الإسرائيلية مثل جبل سكوبس، ومستشفى هداسا، وغفعات شاوول، والتلة الفرنسية، وبسغات زئيف، ونفي يعقوف. ومثلما أشرنا من قبل، فإن جزءاً من مجارر نفي يعقوف يذهب إلى حوض الشريق لكن ذلك ستيوقف. يضاف إلى ذلك أن مياه المجارير من معاليه أدوميم وكفار أدوميم إلى الشرق، والنفايات الصناعية من ميشور أودميم ومولدات شركة كهرباء القدس تصب أيضاً في مجرى أوغ الذي ينحدر إلى البحر الميت.[56]  وإلى الشرق من معاليه أدوميم مباشرة أنشىء معمل مجهز بآلات تفتّت الفضلات الصلبة، لكنها لا تعالج مياه المجرور نفسها. يضاف إلى ذلك أن قدرته محدودة بتصفية 2500 م3 يومياً. وتجري حالياً أعمال تركيب أنابيب لجرّ مياه المجارير نزولاً إلأى مفصل ألموغ، بين أريحا والبحر الميت.وسيُحوَّل جزء من هذه المياه لري الأراضي الزراعية التابعة للمستوطنات الإسرائيلية،[57]  وسيطرح الباقي ببساطة في مجاري الصحراء وأوديتها إلى أن تتسرب إلى مجرى أوغ نفسه. وقد تلوثت من جراء ذلك حتى الآن ينابيع وادي القلت تلوثاً كثيفاً حمل جمعية حماية الطبيعة في إسرائيل على وضع لافتات "لا تشرب"، تحذيراً للمتنزهين سيراً.

إن ما يظهر للعيان عندما يتفحص المرء الوضع في حوض أوغ هو انعدام التخطيط المنسق البعيد المدى في ضوء التزايد السريع في عدد سكان الأجزاء الشمالية الشرقية من القدس. ونظراً إلى غموض موقف الحكومة والبلدية الإسرائيليتين من تزايد السكان الفلسطينيين داخل حدود البلدية وعلى تخومها، فإن الاهتمام لم يصرف إلى تأمين الخدمات الأساسية كتصريف مياه المجارير. ذلك لأن من شأن تأمينها أن يشجع إقامة الفلسطينيين في هذه الأحياء، بينما تهدف السياسة الإسرائيلية إلى تنفيرهم من الإقامة فيها. أما انعدام تصريف مياه مجارير المستوطنات الإسرائيلية الجدية في هذه المنطقة فقد جاء، على الضد من ذلك، نتيجة لضعف التنسيق لا نتيجة للإهمال.

ويتبين من تقرير ديوان المحاسبة في الدولة الإسرائيلية لسنة 1991 أن ما ساهم في تردي هذه الحال باطراد إنما هو نزاع نشب بين بلدية القدس ووزارة الإسكان الإسرائيلية. فبدلاً من عدم تسديد "ضريبة المجارير" المتوجبة للبلدية عند إنشاء المستوطنات، تعهّدت وزارة الإسكان بتركيب بنية تحتية ملائمة للمجارير، والمساهمة بنسبة 50% من تكلفة معمل تنقية جديد في حوض أوغ. إلا إن الوزارة أخلَّت بتعهدها فجمّدت البلدية مشروع معمل التنقية.[58] يضاف إلى ذلك أن وزارة الإسكان تجاهلت تعهداً بعدم السماح بانتقال الأُسر إلى مستوطنة بسغات زئيف إلى حين تركيب شبكة مجارير ملائمة.[59]  وتلوُّث ينابيع وادي القلت متولِّد من مجارير مستوطنة نفي يعقوف؛ فحالما تتعطل المضخات التي تضخ مياه المجارير باتجاه حوض الشريق فإن تلك المياه تساق في أنبوب الزوائد إلى الأرض القاحلة الواقعة إلى الشرق منه.[60] 

إن طرح مياه المجارير في الصحراء والأودية سمة يتسم بها أيضاً الحوض الجنوبي الشرقي، حوض كيدرون للمجارير. فهذا الحوض يجمع مياه المجارير المنساقة إليه من المدينة القديمة، ووادي الجوز، وسلوان، وأبو طور، وأقسام من المستوطنة الإسرائيلية الجديدة في تالبيوت الشرقية. ونحو 24,000 م3 من مياه المجارير تدخل الوادي يومياً وتنحدر إلى البحر الميت في ناحل أفينات. ويمتد أحد أنابيب زوائد المجارير من الأجزاء الشرقية لبيت لحم وبيت ساحور. ومن المتوقع أن يصب هذا الحوض الخامس المقترح في وادي كيدرون أيضاً.[61]

إن الالتفات إلى هذه المشكلة حاجة ملحّة. وهذا التقرير السنوي لوزارة البيئة الإسرائيلية يخلص إلى القول:

إن موضوع مشكلات تصريف مياه مجارير القدس لموضوع شديد الإلحاح، وذلك بسبب الأضرار البيئية التي قد تحل بالطبقات المائية الجوفية إذا ما استمرت هذه الحال، وبسبب العواقب الجانبية المترتبة على أنشطة المعالجة. ومن المأمول بأن تولى هذه القضية الأفضلية الأولى في مجال التخطيط والتنفيذ خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة المقبلة...[62]

والجدير بالملاحظة هنا هو أن تلويث مصادر المياه وتخريب البيئة، فضلاً عن الأضرار البيئية البعيدة الأجل، إنما تنشأ عن التزام أيديولوجي بزيادة عدد السكان الإسرائيليين واليهود زيادة سريعة. ومن أدعى دواعي قلق الفلسطينيين أن إمكان أن تُهمِل الحكومة والبلدية العمل على تأمين البنية التحتية الضرورية لتصريف المجارير قد يحبط مسبقاً تطوير أية شبكة فلسطينية الإدارة لاستخراج المياه وتوزيعها في المستقبل.

فيما يتعلق بإعادة تقسيم المدينة، يجب ألا تشكل مسألة تصريف المجارير مشكلة كبيرة. فعوضاً عن أي عامل طوبوغرافي أو بيئي محدد، حددت هيئات حكومية إسرائيلية الافتقار إلى الموارد سبباً رئيسياً لعدم صلاحية نظام تصريف المجارير. والتوظيف المالي الكافي في معامل المعالجة والتنقية وفي مد الأنابيب يمكن جعله متاحاً لمدينة أُعيد تقسيمها بالطريقة نفسها التي يمكن جعله متاحاً في الأوضاع الراهنة. لكن الواضح هو إلى أي مدى سيكون صعباً على البلدية الإسرائيلية أن تستمر في استخدام الطرق الشرقي من المدينة نوعاً من المرحاض العملاق من دون شكل من أشكال التنظيم من جانب الفلسطينيين. وأياً يكن وضع القدس القانوني، فإن الفلسطينيين سيطالبون بشيء مما يضمن أن مستويات التلوث الحالية قد خُفضت إلى حدود مقبولة.

الكهرباء

إن أهم ما يتعلق بتوزيع الكهرباء في القدس هو أن جزءاً منها قد بقي، على الرغم من احتلال إسرائيل القدس الشرقية ومناطق مجاورة لها وضمها إلى السيادة الإسرائيلية، في أيدٍ فلسطينية. والمدهش أكثر هو أنه حتى سنة 1987 كان نحو ثلث زبائن الشركة الفلسطينية من اليهود الإسرائيليين. وقد كان ذلك، وهنا المفارقة، نتيجة مباشرة لسياسة الحكومة الإسرائيلية الاستيطانية في المناطق التي ضمتها من القدس. وقد أشار باحثان إسرائيليان، هما البروفسور مايك رومان (M. Romann) وأليكس فاينغرود (A. Weingrod) إلى أن:

هذا يمثل إحدى الحالات النادرة التي ظل فيها الخط القديم الفاصل شرق القدس عن غربها قائماً، بدلاً من الحدود الإثنية القائمة الآن والفاصلة بين اليهود والعرب. والأهم من ذلك أن ذلك كان المثال الوحيد الذي كان فيه الزبائن اليهود ومناطقهم يعتمدون على إحدى الخدمات الأساسية القائمة في القطاع العربي.[63]

ولا يمكن الاحتجاج بأن مساعي أصحاب الشركة الخاصة هي التي أحبطت المحاولات الإسرائيلية للسيطرة على هذه المصلحة الحيوية. فكما رأينا، لم يجر إعفاء متعهدي المياه التجاريين. أما أسباب هذه المحاباة فغير بيِّنة تماماً، لكنها ربما اشتملت على أمرين أولهما الخوف من ردة الفعل الدولية المعاكسة التي قد يستجرها الاستيلاء على شركة معترف بحقوقها وامتيازاتها في القانون الدولي، وثانيهما قدر من السياسة الواقعية في الاعتراف بدعم الحكومة الأردنية للشركة.

ومع ذلك كله، يبقى واقع أن قواعد عسكرية إسرائيلية مهمة ومثلها مناطق سكنية يهودية إسرائيلية قد ظلت لمدة عشرين عاماً تستمد طاقتها الكهربائية من مؤسسة تجارية غير يهودية وغير إسرائيلية. وهذا أمر يشير إلى حدود سلطة الدولة الإسرائيلية وإلى إمكان التعاون الفلسطيني – الإسرائيلي على مستوى وظيفي.

وفي المراحل الأخيرة من العهد التركي بدأت بلدية القدس مناقشات بشأن إمكانات منح امتيازات لشركات أجنبية من أجل الإنارة وتسيير الحافلات الكهربائية.[64] ففي سنة 1914 حصل مافروماتيس (Mavromattis)، وهو مقاول يوناني، على امتياز لتوليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها، وإنشاء سكك للحافلات الكهربائية.[65]   وكان الامتياز سيغطي رقعة شعاعها 20 كلم من نقطة مركزية هي رأس قبة كنيسة القبر المقدس، لكنه ظل حبراً على ورق من جراء اندلاع الحرب العالمية الأولى.

ويقال إن الجنرال أللنبي افتتح حكم الانتداب البريطاني في القدس بكميات من الشموع. ومن المؤكد أن عدم وجود المحروقات، ورفض أللنبي الاعتراف بامتياز مافروماتيس أخّرا تزويد السكان بالطاقة الكهربائية. وقد جرّ مافروماتيس، بدعم من الحكومة اليونانية، سلطات الانتداب البريطانية إلى محكمة العدل الجولية في لاهاي في قضية ذائعة الصيت، وكسب القضية.[66]  وبيع الامتياز لاحقاً من شركة بريطانية هي بلفور بيتي (Balfour Beatty)، التي أنشأت محطة لتوليد الطاقة على طريق بيت لحم، بالقرب من محطة السكك الحديد. وقد شهدت الثلاثينات تمديد خطوط الكهرباء إلى الضواحي الجديدة بالتدريج، ثم مدَّد المندوب السامي البريطاني مدة الامتياز إلى سنة 1988، مع النص على تواريخ للمراجعة تفصل بين كل منها خمسة أعوام.[67] 

أدى تقسيم المدينة سنة 1948 إلى وقوع محطة توليد الطاقة وخطوط النقل الكبرى في القسم الغربي الذي تحتله إسرائيل من القدس، ولذلك ظلت القدس الشرقية تعاني انقطاع التيار الكهربائي مدة أكثر من عام. وقد نصّ بعض بنود اتفاقات الهدنة المعقودة سنة 1949 على تزويد القدس الشرقية من محطة توليد الطاقة على طريق بيت لحم، لكن الإخفاق في تطبيق بنود أُخرى من الاتفاقات أدى إلى عدم تطبيق هذا البند.[68]  ونتيجة لـِ"ترسيخ" التقسيم بات وضع الامتياز الذي تملكه شركة بلفور بيتي مشوشاً. فقد ظلت الشركة البريطانية تزود القدس الغربية بالطاقة، ثم راحت بالتدريج تبني محطة لتوليد الطاقة في الجهة الشرقية من خط الهدنة.

وفي سنة 1954 اشترت شركة الكهرباء الإسرائيلية الامتياز، وفي جملته المحطة والتجهيزات المتعلقة بالأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.[69]  فقد كانت السياسة الإسرائيلية ترمي إلى إبعاد محطات توليد الطاقة الكهربائية عن المواقع الحدودية لأسباب أمنية. كما أن توظيف الأموال في شراء محركات توربينية بخارية كان يستلزم كميات كبيرة من المياه. لذلك كانت المواقع الساحلية، ولم تزل تُستعمل لتزويد القدس بالطاقة، مع نشر خطوط الكهرباء ومحطات النقل على طول ممر القدس. وقد ظلّت مولدات طريق بيت لحم عاملة بمثابة محطة مساندة في الأحوال الطارئة. وعقب ضم القدس والمناطق المجاورة لها سنة 1967، وضِع محرك توربيني غازي في رحبة عطاروت الصناعية، لتوليد الطاقة للحاجات الصناعية في الدرجة الأولى.[70]  وتوجد في الوقت الحاضر ست محطات تحويل داخل حدود بلدية القدس تزوِّد الشطر الغربي من المدينة والمستوطنات الإسرائيلية الجديدة، ومحطة أُخرى في هارطوف في ممر القدس. وقد أُعدت خطط لإنشاء محطة ثانوية للطاقة في إفين سافير، الذي يعد قسماً مهماً من مشروع خط الأنابيب الرابع. كما يخطط لمدِّ خطوط جديدة للطاقة من مولدات السهل الساحلي، بحيث تنقل 400 كيلو واط، وتزود المدينة والمستوطنات الواقعة في جوارها وفي غور الأردن.

والاستثناء الوحيدمن احتكار الدولة الإسرائيلية للطاقة الكهربائية هي شركة كهرباء القدس (ش. ك. ق.) التي يملكها الفلسطينيون.[71]   فقد ورثت هذه الشركة النصف الأردني من الامتياز الأصلي الذي أعيدت إليه الحياة بعدما ركبت شركة بلفور بيتي مولداً في وادي الجوز.[72]  وفي سنة 1957 اشترى امتياز الشركة اتحاد مؤلف من ست بلديات فلسطينية و2000 مساهم خاص.[73]  ونظراً إلى التطورات اللاحقة، فمن المهم أن نذكر هنا أن بلدية القدس الأردنية كانت ممثلة بعضوين في مجلس أمناء ش. ك. ق.، وقد وسعت رقعة الامتياز إلى نقطة متوسطة بين القدس ونابلس، أُخرى متوسطة بين القدس والخليل بحيث ضمت بيت لحم والبلدات المجاورة، وامتدت حتى نهر الأردن شرقاً وحتى خط الهدنة غرباً.[74]  وبين سنتي 1957 و1967، ارتفع عدد زبائن الشركة من 7623 إلى 22,097.[75]  وهذا ما جعل ش. ك. ق. أكبر منتجي الكهرباء في الضفة الغربية.

عقب احتلال القدس الشرقية وضمها مع المنطقة المحيطة بها إلى إسرائيل، بدا بقاء شركتين لتزويد مدينة متوسطة الحجم بالكهرباء أمراً بيِّن العبثية الاقتصادية في نظر الجميع. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، كانت الرقعة التي يشملها الامتياز تطرح صعوبات قانونية جدية من جراء كون مكاتب ش. ك. ق. الرئيسية ومولداتها تقع ضمن المدينة، بنما كان معظم الزبائن خارجها. والاستيلاء على الأجزاء الواقعة ضمن حدود البلدية، مثلما كانت الحكومة تعتقد أنه من حقها أن تفعل، سيعرضها لأن تُتهم بأنها تسعى عمداً لتدمير مؤسسة تجارية، في حين أن الإبقاء على شركة كهرباء فلسطينية مستقلة كان ذا دلالة سياسية كبرى – وسيلة تُختبر بها السيادة الإسرائيلية على المدينة وتُرفض. وكأكبر موظِّفة في الضفة الغربية، فقد اعتُبرت مساهمة حيوية في بقاء الشخصية الفلسكينية والعربية للمدينة.

لقد حاولت الحكومة الإسرائيلية أول الأمر الاستيلاء على حق ش. ك. ق. في تزويد قواعد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية بالكهرباء. وحاولت أيضاً تعيين مسؤولَيْن إسرائيليين ممثَلين للبلدية في مجلس أمناء الشركة. يضاف إلى ذلك أن القيّم الإسرائيلي على أموال الغائبين زعم أن الأسهم العائدة إلى المساهمين الذين ما عادوا يقيمون في القدس ينبغي أن تودع لدى القيِّم.[76]  إلا إن ش. ك. ق. قاومت، من جهتها، بشدة فأخفقت هذه المساعي الأولى. ومن الجائز أن من أسباب إخفاق هذه التعديات الإسرائيلية أن حكومة حزب العمل كانت لا تزال تأمل بالتوصل إلى تفاهم مع الحكومة الأردنية بشأن مستقبل الضفة الغبية، ولم تكن ترغب في استعداء مؤيدي عمان الذين كانوا يشكلون عدداً لا يستهان به من مجلس أمناء ش. ك. ق.

لكن هذا المجلس وافق أخيراً على قبول ممثلين لبلدية القدس الإسرائيلية، في مقابل الحفاظ على سلامة الامتياز. وبعد مزيد من المفاوضات، وافق مجلس الأمناء على تسوية سعر كهرباس ش. ك. ق. بسعر كهرباء الشركة الإسرائيلية، وعلى طبع الإيصالات بالعبرية، فضلاً عن العربية والإنكليزية.[77]  وبهذه الاتفاقات احتفظت ش. ك. ق. بموقع الموزع الوحيد للكهرباء في القدس الشرقية والمناطق المضمومة إليها. وبحلول سنة 1986، كانت توزع الكهرباء على 30,000 زبون يهودي إسرائيلي. وإن هذا ليبدو إنجازاً فائقاً للمعتاد وعظيم القيمة الرمزية على المستوى السياسي، ولا سيما متى نظر إليه في ضوء الحرص الذي أبدته الحكومة الإسرائيلية على بسط السيطرة المادية والسيادة التامة على المناطق التي ضمتها من القدس.

إن فترة الاحتلال الإسرائيلي لا تزال بالنسبة إلى ش. ك. ق. فترة صراع مستديم للحفاظ على استقلال الشركة الإداري والعملي، والحفاظ على سلامة الامتياز. فالمشكلة الأساسية التي كان على ش. ك. ق. أن تواجهها كانت ناشئة عن إصرارها على الاحتفاظ بالامتياز الذي تملكه كاملاً: وهذا ما اجبرها على النهوض بالأعباء العظيمة التي أملأها عليها تأمين الطاقة الكهربائية للمستوطنات الإسرائيلية والمناطق الصناعية التي أُنشئت في غاية العجلة لأسباب أيديولوجية. وقد كان على الشركة أن تلبّي أيضاً المطالب المتنامية الناشئة عن تزايد السكان الفلسطينيين داخل حدود القدس البلدية وخارجها. ففي سنة 1966 كان عدد زبائن ش. ك. ق. 22,000، وفي سنة 1981 بلغ 70,000، وكانت الذروة في سنة 1986؛ إذ بلغ عددهم 100,000.[78]

ولتلبية هذا التزايد في الطلب، اشترت الشركة مولّدات جديدة وركّبتها. وقد رغبت سنة 1970 في شراء أربعة مولدات أُخرى، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تأذن لها في تلقي قرض من الحكومة الأردنية.[79]  ولذلك اضطرت إلى شراء الكهرباء من شركة الكهرباء الإسرائيلية، فأنشئت الوصلات التي تصل الشبكتين في جيلو وشعفاط. وفي سنة 1986 كانت ش. ك. ق. تشتري 90% من طاقتها من شركة الكهرباء الإسرائيلية.[80]

وقد أدت هذه التبعية إلى مشكلة إضافية أُخرى؛ فشركة الكهرباء الإسرائيلية تبيع الكهرباء من زبائن بسعر مدعوم، الأمر الذي اضطُر ش. ك. ق.، عقب اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية، إلى تسوية أسعارها بأسعار شركة الكهرباء الإسرائيلية، وهذا ما أدى إلى تخفيض نسبة أرباحها. ذلك بأن ش. ك. ق. لا تستطيع شراء الكهرباء من الشركة الإسرائيلية إلا بأسعار متضخمة، بحيث ترفض أي ربح ممكن.[81]  كما أن الفائض المتاح لـ ش.ك.ق.، والممكن توظيفه في شراء خطوط وتجهيزات جديدة، بات زهيد النسبة. وعلى الرغم من ذلك، فمن أجل الحفاظ على امتيازها، اضطرت الشركة إلى مواكبة برنامج الاستيطان الإسرائيلي بمدِّ الخطوط وتركيب التجهيزات في جميع المناطق التي أضحت مستوطنات. فكانت نتيجة ذلك سنة 1980 خسارة 11,1 مليون شيكل وتراكم المستحقات سنة 1986 لمصلحة شركة الكهرباء الإسرائيلية وشركة النفط الإسرائيلية (PAZ)، حتى وصلت إلى 12 مليون دولار.[82] كما أن الضغط الناجم عن مواكبة النمو السكاني الإسرائيلي في القدس الشرقية والمناطق المحيطة قد أدى إلى انعدام توظيف جهود الشركة في المناطق الفلسطينية. ففي سنة 1981 كانت 50 قرية فلسطينية فقط، من مجموع 130 قرية واقعة ضمن نطاق الامتياز، تزود بكهرباء ش. ك. ق.[83]  وكانت التصليحات الضرورية، والتسريبات من نظام النقل، وتقادُم أجهزة توليد الطاقة، قد ظلَّت كلها مهملة.[84] 

وقد عملت القروض من منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الأردنية على إبقاء ش.ك. ق. في قيد الحياة حتى فترة متأخرة من الثمانينات. إلا إن إهمال المناطق الفلسطينية، وعشوائية الخدمة، وتنامي الشعور بأنه من العبث الاستمرار في تزويد المستوطنات الإسرائيلية بالكهرباء على حساب القرى الفلسطينية، في الوقت الذي تُعتبر المستوطنات غير شرعية ومغتصبة للسيادة والحقوق الفلسطينية، كل ذلك كان عوامل أدى تضافرها إلى إحداث انقسامات عميقة داخل مجلس الأمناء، وإثارة الاستياء في صفوف القوى العاملة والمجتمع الفلسطيني. والحق، كما لاحظ الصحافي أرييه ولمان (Aryeh Wolman)، الكاتب في Jerusalem Post، في شأن ش.ك.ق.:

إن أسعارها ورسوم تمديداتها تحددها الحكومة الإسرائيلية. وهي مجبرة على شراء التجهيزات الإسرائيلية وتسديد الضرائب الإسرائيلية والتقيد بقوانين الشركة الإسرائيلية وقوانين العمل الإسرائيلية، واتباع أصول المحاسبة الإسرائيلية وتلبية المعايير الفنية الإسرائيلية وتزويد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. والشركة فوق ذلك كله تتكبد خسائر كبرى وتجد نفسها عالة على كرم الدول العربية لتستمر في الوجود.[85]

وكان السؤال المطروح: إلى أي مدى كانت ش.ك.ق. شركة فلسطينية مستقلة؟ لقد تضافرت عوامل، منها الجدال بين أعضاء مجلس الأمناء بشأن القيمة الاستراتيجية الطويلة الأجل للاحتفاظ بالامتياز الأصلي، ومنها تنامي الشعور بأن الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين باتوا يستفيدون استفادة غير عادلة من حدود ش.ك.ق.، تضافرت هذه العوامل إذاً على إضعاف قدرة مجلس الأمناء على إبداء المزيد من المقاومة في وجه التعديات الإسرائيلية.

إن أية محاولة قانونية للاستيلاء على امتياز ش.ك.ق. لم تبدر إلا عندما تسلّم الليكود زمام السلطة سنة 1977. فقد أعلنت وزارة الطاقة في حكومة الليكود والإدارة العسكرية في الضفة الغربية عزمهما على إلغاء الامتياز، مستفيدتين من تراكم الديون على الشركة واستياء الزبائن اليهود في المستوطنات الجديدة من عدم انتظام التزويد بالطاقة الكهربائية. وقد جرى ذلك استناداً إلى بنود الامتياز التي تلحظ إعادة النظر فيه كل خمسة أعوام، وإلى ادعاء الحكومة الإسرائيلية لنفسها صفة المفوض السامي. وقد استأنفت ش.ك.ق. أمام المحكمة العليا الإسرائيلية وكسبت حكماً يقرّ بحقها في الامتياز بالنسبة إلى الضفة الغربية من دون القدس الشرقية والمناطق المضمومة.[86]  إلا إن المحكمة ارتأت، مع ذلك، أنه لما كان قسم الضفة الغربية من الامتياز غير قابل للتشغيل من دون قسم القدس الشرقية، فالواجب على الحكومة الإسرائيلية أن تعيد النظر في قرارها، ومنحت ش.ك.ق. حق الاستئناف إن لم تفعل الحكومة الإسرائيلية ذلك.[87]  وقد استمر النزاع القانوني وسط جبال من الديون التي خوّلت شرك الكهرباء الإسرائيلية، في نهاية المطاف، الحق القانوني في تحصيل أموالها.[88]  أخيراً، وبعد سلسلة من توقف المفاوضات، تلقّت وزارة الطاقة دعم الكنيست للقيام من جانب واحد بإلغاء امتياز ش.ك.ق. فيما يتعلق بالمناطق المأهولة باليهود. وقد سمح للشركة بالعمل وتزويد المناطق الفلسطينية الواقعة داخل رقعة الامتياز حتى آذار/مارس 1994.[89]

إن هذه المعركة الطويلة المتمادية على امتياز ش.ك.ق. لتدل على الأهمية التي يوليها الفلسطينيون لهذا الامتياز. ومع أن ش.ك.ق. لا تزال تقدم نحو ثلث الطاقة الكهربائية المستهلكة محلياً في القدس والمناطق المحيطة بها، فهي لم تعد تحتكر التزويد بالطاقة في الجهة الشرقية من خط الهدنة.[90]  خلافاً للحال التي وصفها رومان وفاينغرود في مستهل هذا القسم، بات التزويد بالطاقة الكهربائية في القدس مقسماً اليوم وفق خطوط إثنية. فقد أنشئت حدود جديدة داخل المدينة، تشكل في حدِّ ذاتها هزيمة سياسية للفلسطينيين الذين يحاولون توكيد مطالبهم في القدس الشرقية. يضاف إلى ذلك أن تفتيت الامتياز يتيح للحكومة الإسرائيلية الأساس الذي تستطيع الاستناد إليه لتزويد المستوطنات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية، والذي يمكّنها من انتزاع المزيد من مناطق عمل ش.ك.ق.

بيد أن تزويد القدس بالكهرباء يمثل أوضح إمكان لعكس الإجراءات الإسرائيلية من بين المصالح الثلاث التي تناولتها هذه الدراسة. فالعقبات اللوجستية يمكن التغلّب عليها بيسر وسهولة؛ إذ لا يحتاج الفلسطينيون إلى إقامة شبكة جديدة من العدم لأن لديهم في ش.ك.ق. شبكة لتوزيع الكهرباء قائمة أصلاً، عاملة، واسعة النطاق. كما أن الأسس السليمة للتوسع قد أُرسيت. ومن شأن توظيف مقدار من الأموال في مولدات جديدة، فضلاً عن التوصل إلى اتفاقات أعدل لشراء الطاقة من شركة الكهرباء الإسرائيلية، أن يتيح لشركة كهرباء القدس القدرة الكافية لتعمل على نطاق القدس الغربية ومناطق الامتياز في الضفة الغربية من دون أن تتجشَّم أعباء اقتصادية مرهقة. ومن غير المستبعد أن يتم الارتباط مع الشبكات الأردنية أو المصرية في حال الإخفاق في التوصل إلى اتفاق مع شركة الكهرباء الإسرائيلية. والمستوطنات الإسرائيلية – اليهودية يمكن أن تُفصل عن شبكة شركة الكهرباء الإسرائيلية من دون صعوبة تذكر. ففي حال الطاقة الكهربائية، إذاً، يمكن يقيناً أن تعكس إجراءات الضم الإسرائيلية.

خاتمة

لنعُدْ، إذاً، إلى سؤالنا المطروح في العنوان: هل التقسيم غير قابل للعكس؟ أو بصورة أدق، هل إعادة التقسيم معقولة وظيفياً؟ إن هذا الفحص الموجز والأوّلي يفيد بأن ليس هناك عقبات وظيفية وفنية تحول دون ذلك. لا يمكن إنكار أنه ستكون هنالك صعوبات أمام تأمين إمدادات كافية من المياه للقدس الشرقية، ولا سيما في المدى القريب. وعلاوة على ذلك، فإن الخدمات الثلاث كلها ستحتاج إلى برنامج واسع النطاق للتوظيف المالي في البناء والتدريب. وفي الوسع تذليل الصعوبات في الفترة الموقتة من خلال اتفاقات بين أية إدارة فلسطينية في القدس والطرف المعني الإسرائيلي، وهيئات أردنية إلى حد ما. (فعلاً، من أجل خفض التكاليف وتفادي الازدواجية، سيكون هناك شيء من حس التقدير في عقد اتفاقات طويلة الأجل بشأن دخول محطات الكهرباء والمياه المعدنية). إن تحديد وضع القدس القانوني المستقبلي لن يكون منقاداً باعتبارات عملية، لكنه يقتضي تسوية سياسية أولاً.

 

المصدر: Journal of Palestine Studies, Vol. XXII, No. 3, Spring 1993, pp. 78-95.

 

المصادر:

[1]  أنظر صيغة ذلك في: “Basic Law: Jerusalem”، القانون الذي أقره الكنيست الإسرائيلي سنة 1980:

Policy Background (324/1.11. 02) (Jerusalem: Israel Ministry of  Foreign Affairs, Information Division, August 18, 1980).

[2]   John Wilkinson, “Ancient Jerusalem: Its Water Supply and Population” in Palestine  Exploration Quarterly, Vol. 106 (1974), pp. 33-36. See also Yehoshua Ben-Arieh,     

 Jerusalem in the 19th Century: The Old City (New York: St: St.. 59-67.

وأنا مدين لريتشارد سكستون (R. Sexton) من جامعة "إيست أنغليا" (East Anglia) لما أرشدني إليه من مراجع تخص هذا القسم عن المياه، ولسماحه لي باستعمال ملاحظاته البحثية.

[3]   أنظر مثلاً:

Uriel Heyd, Ottoman Documents of Palestine, 1552-1615 (Oxford: Oxford University Press, 1960), pp. 139-153.                                                                  

[4]   Ruth Kark, “The Jerusalem Municipality at the End of Ottoman Rule,” Asian Affairs, No. 14 (1980), pp. 134-136.                                                                                             

[5]   Ben-Arieh, op.cit., p. 88.

[6]   D.H.K. Amiran, “The Development of Jerusalem, 1860-1970,” in D.H.K. Amiran et al. (eds.), The Urban Geography of Jerusalem (Jerusalem: Hebrew University of  Jerusalem, Dept. of Geography, 1973), p. 34. 

[7]   لقد نوقشت مقترحات تتعلق بضخ مياه من ينابيع عين الفشخة، بمحاذاة الشاطىء الشمالي الغربي من البحث الميت. وتم تخفيف المشكلة إلى حد ما عندما بدأت عمليات الضخ من ينابيع عين فارة وعين فوّار، في وادي القلت، التي تجري شرقاً نحو أريحا.

[8]   Amiran, op.cit., p. 34.

[9]   Meron Benvenisti, Jerusalem: The Tom City (Minneapolis: Istratypeset Ltd. and the   University of Minneapolis, 1976), p. 44; T. Khalil, “Jerusalem from 1947 to 1967:      

A Political Survey,” (Unpublished M.A. dissertation, American University of Beirut,  June 1969), p. 86.                                                                                                              

[10]   Jerusalem Post, May 4, 1979.

[11]   Benvenisti, op.cit., p. 135; See also Jerusalem Post, February 23, 1973.

[12]   Benvenisti, op.cit, p. 136.

[13]   Jerusalem Post, July 23, 1973.

[14]   Ibid., May 4, 1979.

[15]   Rolfe and Rafferty, “Jerusalem and District Water Supply,” Appendix 2, Stage “A”, Information Supplied by R. Sexton, see note no. 2.                                                                              

[16]   كانت سعة خزان بيت فيغان 90,000 م3 : 

Jerusalem Post, September 26, 1986.

[17]   Ministry of Environment, Jerusalem District, Annual Report, 1991/1992, para. 2.218.

[18]  Ibid.

[19]   Municipality of Jerusalem, Department of Information and Public Relations, Jerusalem, n. d. (Probably 1989).                                                                                                      

[20]   Martin Gilbert, Jerusalem: Illustrated History Atlas (Jerusalem: Steitmatzky, 1977), Map No. 62.                                                                                                                             

 [21]   أنظر الكلمة التي ألقاها أبا إيبن، سفير إسرائيل إلى الأمم المتحدة سنة 1967 مذكورة في:

Benvenisti, op.cit., p. 122.      

[22]   R. Khatib, “The Judaization of Jerusalem and its Demographic Transformation,” in  Jerusalem: The Key to World Peace (London: Islamic Council of Europe, 1980),121.

[23]   من المدهش أن ضم القدس الشرقية الموسعة وازدياد العدد الإجمالي لسكان المدينة بنسبة 30% تقريباً لم يؤديا إلى زيادة موازية في استهلاك المياه. والسكان العرب الفلسطينيون معتادون على استهلاك كميات من المياه أقل مما يستهلكه السكان الإسرائيليون. أنظر: Amiran, op.cit., p. 51, n. 44 وقد ازداد الاستهلاك لدى العرب بنسبة 50%:

Benvenisti, op.cit., p. 134.    

[24]   Benvenisti, op.cit., p. 136.

[25]   Jerusalem Post, July 23, 1973.

[26]   Ibid., July 23, 25, 27, 1973.

[27]   كانت بئر إشتول تنتج 2500 م3 / الساعة، وكانت بئر موديعين تنتج 1500 م3/ الساعة: بلدية القدس، دائرة المعلومات والعلاقات العامة، كراس "المياه" (بالعبرية)، القدس، لا. تا. (من الممكن أن يكون 1989).

[28]   كانت للمضخات قوة ضخ 5000 م3/ الساعة: المصدر نفسه.

[29]   Jerusalem Post, July 25, 1973: Ibid., September 18, 1986.

[30]   بلدية القدس، دائرة التزويد بالمياه، قسم المعلومات والعلاقات العامة، "المياه في القدس"، وريقة (بالعبرية)، لا. تا. (الأرجح أنه 1989).

[31]   بلدية القدس، كراس "المياه" مصدر سبق ذكره.

[32]   Jerusalem Post, February 23, 25, 1973.

[33]   Ibid., February 28, 1973.

[34]   بلدية القدس، كراس "المياه"، مصدر سبق ذكره. أنظر أيضاً:

Jerusalem Post, July 12, 1974.   

[35]   أُعد الجدول استناداً إلى كراس "المياه" الصادر عن بلدية القدس وإلى:

Choshen and Greenbaum (eds.), Statistical Yearbook of Jerusalem 1990 (Jerusalem:         

The Jerusalem Institute for Israel Studies, 1992), p. 186.                                       

[36]   Ministry of Environment, Annual Report, op.cit., para. 2. 218.

[37]   Ibid.

[38]   Choshen and Greenbaum, op.cit., p. 186.

[39]   Jerusalem Post, July 12, 1974; See also Coordinating Committee of International Non-     Governmental Organizations (CCINGO), Press Statement, “Update: Water Crisis in the Occupied Territories,” February 21, 1992.                                                                

[40]   Choshen and Greenbaum, op.cit., p. 186.

[41]   CCINGO, Press Statement, op.cit.

[42]   أنظر وصفاً للإجراءات المتخذة ضد بطاني [في غزة] في:

Said K. Aburish, Cry Palestine: Inside the West Bank (London: Bloomsbury, 1991), p. 60 ff.    

[43]   Ben-Arieh, op.cit., p. 90.

[44]   Kark, op.cit., p. 131; Ben-Arieh, op.cit., p. 91.

[45]   Kark, op.cit., p. 131.

[46]   Ibid.

[47]   Amiran, op.cit., p. 28.

[48]  وضِعت أنظمة بناء بشروط مشددة تتعلق ببناء المجارير وجُور التصريف والصهاريج للحيلولة دون التسرب والتراكم والتلوث.

  1. Kendall, Jerusalem City Plan (London: Her Majesty’s Stationary Office, 1948), pp. 80-88.

[49]  Khalil, op.cit., p. 87.

[50]   Benvenisti, op.cit., p. 137.

[51]  Jerusalem Post, July 12, 1974.

[52]   Ministry of Environment, Annual Report, op.cit., para.2.222.

[53]   Ibid., para. 2.4 والخريطة التي أعدها Balasha Jalon Consulting Engineers لمصبات المجارير في القدس. وانظر تقديرات تاهل المذكورة في تقرير ديوان المحاسبة للدولة لسنة 1991 في:

Jerusalem Post, May 1, 1992.

[54]  Jerusalem Post, May 1, 1992؛ وانظر أيضاً: Ministry of Environment, Annual Report, op.cit., para.3.322  الذي يقول إن المعمل يعالج حالياً 20,000م3 يومياً، أي بزيادة 7000 م3 عن قدرته.

[55]   Ministry of Environment, Annual Report, op.cit., para.2.3.

[56]   Ibid., para. 3.322.

[57]  Jerusalem Post, May 3, 1985.

[58]   State Comptorller’s Report, 1991, cited in Jerusalem Post, May 1, 1992.

[59]  Jerusalem Post, May 3, 1985; Ibid., December 6, 1985.

[60]  Ibid., December 6, 1985. وإذ أثارت رائحة المجارير كثيراً من شكاوى المستوطنين فإنه لم يُفعل شيء إلا تمديد الأنبوب، لإبعاد مصبه عن المستوطنة.

[61]   Municipality of Jerusalem, Master Plan Map, Balasha Jalon, Map; and Ministry of      Environment, Annual Report, op.cit., para. 2.2.                                              

[62]   Ministry of Environment, Annual Report, op.cit., para. 2.22.

[63]   Michael Romannn and Alex Weingrod, Living Together Separately: Arabs and Jews in     Contemporary Jerusalem (Princeton: Princeton University Press, 1991), p. 46.                            

[64]   Kark, op.cit., p. 137.

[65]   Jerusalem Post, February 23, 1979.

[66]    Ibid.

[67]  وقد ورد خطأ ظاهر في الصفحة 190 من كتاب بنفنستي: Benvenisti, Torn City، ومفاده 1998 بدلاً من 1988.

[68]   أنظر: Khalil, op.cit, pp. 90-92 في شأن الآراء المختلفة بالنسبة إلى تطبيق البند 8 من اتفاق الهدنة على بيع الطاقة الكهربائية من مشتركين خارج حدود الهدنة.

[69]   Benvenisti, op.cit., p. 190.

[70]   Ministry of Environment, Annual Report, op.cit., para. 2.220.

[71]   وهي تعرف أيضاً باسم شركة كهرباء منطقة القدس، وشركة القدس العربية للكهرباء، وشركة كهرباء القدس الشرقية.

[72]   Benvenisti, op.cit., p. 91.

[73]   Jerusalem Post, February 2, 1979.

[74]   Ibid., February 17, 1981; Ibid., March 28, 1986.

[75]   Khalil, op.cit., p. 86.

[76]   Benvenisti, op.cit., p. 192.

[77]   Jerusalem Post, March 13, 1981. وقد استمرت الشركة في استعمال أسماء الأماكن العربية بدلاً من الأسماء الإسرائيلية، نحو جبل المكبِّر بدلاً من تالبيوت الشرقية. أنظر: Romann and Weingrod, op.cit., p. 49.

[78]   Jerusalem Post, February 17, 1981; Ibid., March 28, 1986.

[79]  Ibid., February 23, 1979.

[80]   Ibid., March 28, 1986.

[81]   أنظر المناقشات المتعلقة بالأسعار في: Ibid.

[82]    Jerusalem Post, March 13, 1981; Ibid., March 28, 1986.

[83]   Benvenisti, op.cit., p. 194; T. Prittie, Whose Jerusalem (London: Fredrick Muller Ltd., 1981), p. 199.                                                                                                                  

ويردُّ مسؤولو ش. ك. ق. الرسميون مدافعين عن هذا النقص بالإشارة إلى أن ثمة قرى فلسطينية عدة في إسرائيل لاتزال محرومة من كهرباء الشركة الإسرائيلية بعجد عقود عدة على إنشاء دولة إسرائيل.

[84]   Jerusalem Post, March 28, 1986.

[85]   Ibid., March 13, 1981.

[86]   Ibid.

[87]  Ibid., February 17, 1981.

[88]   Ibid., March 28, 1986.

[89]  مأخوذ من مسودة مقترح تمويل قدمته ش.ك.ق.(لا.تا.)

[90]  Choshen and Greenbaum, op.cit., p. 189.

السيرة الشخصية: 

مايكل دمبر: زميل شرف وباحث متخصص بالعلوم السياسية في جامعة إكستر في بريطانيا. وهذا المقال جزء من دراسة أوسع يعدها حالياً عن القدس في الأيام الحاضرة، بدعم مالي من "أصدقاء مؤسسة الدراسات الفلسطينية" المموّلة من قِبل "مؤسسة فورد""، وقام بتقديمها في مناقشة للهيئة الاستشارية لمؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان:  “Arab-Israeli Settlement: Interim and Final Status Issues” في مؤتمر "دراسات الشرق الأوسط الأميركية"، (MESA) سنة 1992، بورتلاند (أوريغون)، (28 – 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1992.