حركة "حماس" بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل: من مثلث القوى إلى المطرقة والسندان
كلمات مفتاحية: 
حركة حماس
السلطة الوطنية الفلسطينية
إسرائيل
موسى أبو مرزوق
الهدنة
المعارضة السياسية
نبذة مختصرة: 

يتحدث الكاتب في هذه المقالة عن التحولات التي طرأت على بعض المواقف السياسية لحركة حماس، ويشير إلى تصريح موسى أبو مرزوق الذي تناول فيه قرارات الشرعية الدولية وموضوع الهدنة مع إسرائيل، في الوقت الذي كان الموقف الرسمي للحركة يدين جميع قرارات هذه الشرعية حيال فلسطين.

النص الكامل: 

هل تبعثر مثلث القوى (غير متساوي الأضلاع)، الذي ضبط طبيعة الصراع والعلاقة بين إسرائيل ومنظمة التحرير وحركة "حماس" مع دخول أول شرطي فلسطيني إلى مناطق الحكم الذاتي؟ وهل تشتت توزيع هذه القوى التي اتخذت مواقع زوايا المثلث في فترة الأعوام الثلاثة الماضية على الأقل ضمن عملية سباق حذرة جرت على حبال مشدودة؟ الجواب أقرب إلى الإيجاب؛ إذ لم يعد المثلث قائماً، غير أن القوى لم تتشتت، بل عادت فانتظمت في آلية جديدة أكثر تعقيداً وشبيهة بالعلاقة بين المطرقة والسندان وما بينهما. فكل من الأطراف الثلاثة يصف الطرفين الآخرين بالتعاون ضده وبأنه واقع بين ضربات المطرقة وصلابة السندان.

ستحاول هذه القراءة إلقاء الضوء بصورة أكبر على موقع "حماس" السياسي، سواء في مرحلة مثلث القوى، أو مرحلة المطرقة والسندان. وقبل تناول التغيير الذي وقع بين المرحلتين والحال النهائية للوضع، يتوجب فهم طبيعة المثلث الذي انتقض، وكيف اشتغلت آليات الصراع فيه، كما تجدر الإشارة ابتداء إلى عدم تساوي، أو توازي، أو تشابه، أطرافه الثلاثة، سواء في القوة أو في السيطرة أو الهدف وطبيعة العلاقة أو الموقف من الآخر، حتى لا يظن بأن ثمة نظرة واحدة تجاهها جميعاً. 

إسرائيل

إن إسرائيل، القوة المركزية في المثلث، قد اختارت البقاء في مسار مدريد – واشنطن – أوسلو – ثم القاهرة، بهدف اغتنام فرصة الاختلال التاريخي في ميزان القوى الإقليمي والعالمي، وفرض رؤيتها في الحل الأمني، عبر الاتفاقات المتعددة مع الطرف الفلسطيني والأطراف العربية الأُخرى. هاجس الأمن الإسرائيلي هذا في مستواه الفلسطيني – أي الضفة والقطاع – لا يصل إلى خطورة التوجس من شن حرب تهدد وجود الكيان الصهيوني نفسه (كما في مستواه الإقليمي، سوريا مثلاً)، لكنه هاجس يقرأ حالة دائمة من الاستنزاف المستمر للقوى العسكرية والأمنية الإسرائيلية في ضوء استمرار أشكال المقاومة الفلسطينية المختلفة (انتفاضة، عمليات عسكرية، ... إلخ)، ويقرأ حالة من الاستنفار طويل المدى تُوثر في أكثر من مجال حيوي داخل بنية الكيان، وتنشر في المجتمع الإسرائيلي نفسه حالة هلع ورعب دائمة، لا سيما في أوساط المستوطنين.

كان "الحل الأمني" يسير في اتجاهين، الأول باتجاه منظمة التحرير الفلسطينية، الشريك في المفاوضات، وحيث جولات المفاوضات الطويلة والمعقدة التي لم تترك شاردة ولا واردة "أمنية" إلا وناقشتها،[1]  والثاني باتجاه حركة "حماس"، الخصم العسكري المحلي، حيث تتوالى الضربات لأجهزتها العسكرية وكتائبها المسلحة، وتتوالى في المقابل الضربات الارتدادية من "حماس" في عملية ضرب متبادل، سجلت خلالها الحركة أكثر من نقطة لمصلحتها،[2]  هزّت من خلالها ليس فقط صورة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بل أيضاً ثقة السياسي وقناعته بجدوى استمرار التفاوض مع منظمة التحرير وترك "حماس"، وهي التي تملك القوة العسكرية المؤلمة على الأرض.[3]   وقد تعدى الأمر ذلك إلى محاولات إسرائيلية متعددة للاتصال بـ"حماس" وجس نبضها بشأن المشاركة في "العملية السلمية" وإعطائها دوراً ما لقاء توقفها عن عملياتها العسكرية، بل إن يتسحاق رابين، رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفسه صرح بأنه مستعد للتحدث مع أي كان، حتى مع "حماس" إذا كان ذلك يخدم السلام.[4]  غير أن الغاية الإسرائيلية من محاولات الاتصال بقادة "حماس" ولا سيما داخل السجون، كانت لتحقيق أكثر من هدف. ففضلاً عن عملية جس النبض التي لم تثمر نتائج مشجعة،[5]  هناك هدف الضغط غير المباشر على منظمة التحرير لتقديم تنازلات أكثر على طاولة المفاوضات، والتلويح بوجود بديل يمكن لإسرائيل أن تتفاوض معه بصورة جدية، وهو تكتيك إن لم يكن قد أدى مفعوله كاملاً فلا شك في أنه ترك إرباكاً بيّناً داخل المنظمة، في وقت ساهم الوضع المتردي لشعبية "العملية السلمية" في تجميع عوامل أُخرى لذلك الإرباك. 

منظمة التحرير الفلسطينية

القوة الثانية في مثلث الصراع هي منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت بدورها في موقع التأثر والتأثير المتبادل مع القوتين الأُخريين، وحرصت على النجاح في السير على الحبال المشدودة كونها الطرف الأكثر تعرضاً للنقد والأكثر حساسية تجاه فقدان الموقع. ومع أن وجودها فيه أصبح حاجة إقليمية، بل دولية أيضاً، ولا مجال للمخاطرة فيه، حيث أن البديل الإسلامي – "حماس" – لا يشجع على الرغبة في التودد إليه بتشدده المتراوح، مع أن الظروف الموضوعية – المحلية – تحسنت لمصلحة هذا البديل ولإمكان اعتباره الطرف الذي قد يساهم عملياً في إحلال الأمن في حال موافقته على التخلي عن نهج الكفاح المسلح. وذهبت منظمة التحرير، في إدارتها لعملية العلاقة مع إسرائيل ضمن الإطار المثلثي، إلى آخر الشوط في قبول الحل الأمني الإسرائيلي. ويكفي الاطلاع على الالتزامات والتعهدات العلنية (على الرغم مما يشاع عن وجود ملاحق سرية أمنية)، للخلوص إلى نتيجة واحدة هي أن منظمة التحرير قبلت بصورة أو بأُخرى، وبعيداً عن أية رتوش تخفيفية أو تجميلية، بموقع المساند القسري – حتى لا يضطر المرء لاستخدام وصف أقسى – لقوات الأمن الإسرائيلية، والمساند لا يملك قرار الاعتراض أو قرار التعديل، إنما يملك قرارات كثيرة لكنها جميعاً ليس لها علاقة بالسيادة الحقيقية.

إن ما ذهبت منظمة التحرير إليه من تنازلات متلاحقة لم يكن سببه فقط الاختلال في ميزان القوى الإقليمي والدولي، بل هناك عناصر اختلال بنيوية داخل المنظمة نفسها سرّعت الذهاب إلى آخر الشوط، حيث كان انحسار رقعة التمثيل، واتساع التشرذم والتفتت،  معبراً عنهما بالاستقالات والاعتزال والاعتكاف وسائر آليات "الاحتجاج"، يتزايدان كلما طالت أعوام المسيرة السلمية (العجاف) منذ مدريد حتى الآن، وكلما ازدادت بشاعة سيطرة نظرية "أنت في اللعبة السياسية إذن أنت موجود" على نهج الأداء التفاوضي الذي لم يرسم أية حدود حمر، لأن النظرية ببساطة شديدة كانت تقول بحتمية "الوجود"، على الرغم من جميع الظروف والمحرمات الأُخرى.

تعاملت المنظمة مع وجود "حماس" في مثلث القوى على نحو قاد إلى تقويم سلبي – من ناحية موضوعية – لذلك الوجود على مستوى القضية الوطنية، على عكس ما كان الواجب يقتضي من تعامل يستثمر ذلك الوجود ليقود إلى تقويم إيجابي على المستوى الوطني العام نفسه. وبتفصيل أكثر يمكن القول إن تخوفاً كبيراً ومبالغاً فيه سيطر على عقلية بعض قيادات منظمة التحرير، وهو أن نهاية المنظمة تقترب بالمقدار الذي تتصاعد فيه قوة "حماس". وبالتالي فإن طريق البقاء الأقصر هو في تسريع الوصول إلى نهاية العملية السلمية التي كلما طالت أعطت لحماس وقتاً إضافياً للصعود وظروفاً أسرع لنهاية المنظمة. وتسريع الوصول إلى نهاية المفاوضات ليس له إلا تقديم مزيد من التنازلات ومزيد من الرضوخ للطلبات الإسرائيلية المتلاحقة، التي وعت وجود هذا الهاجس الكبير فاستفادت منه. ما يمكن إضافته هنا هو ملاحظة الفشل في استثمار وجود "حماس" في مثلث القوى من أجل خدمة القضية الوطنية حتى بالمعايير التي ترفضها الحركة نفسها وترفض أن تُستخدم هي من أجلها. كان يمكن توكيد أن رفض "حماس" للعملية السلمية ليس رفضاً "فصائلياً" بل هو تعبير عن حالة شعبية عريضة غير مقتنعة بالذي يجري، وما لم يقدم لتلك الحالة الشعبية ما تقتنع به فإن أي حل سيظل ناقصاً ولا علاقة له بما يجري على الأرض، بمعنى أنه سيفشل في تحقيق أية أهداف متوخاة. وكان من الممكن أن تستخدم م. ت. ف. تصلّب "حماس" لتحقيق موقع ثابت لا ينتهج التنازل سياسة في التعامل مع المعطيات، ولم تكن المنظمة لتخسر شيئاً جراء ذلك، بل على العكس، كانت ستسترد بسياسة أكثر تصلباً على طاولة المفاوضات كثيراً من التأييد الذي فقدته بسبب سياسة التنازلات. وكانت ستشجع قيادات "حماس" على التعامل معها والالتقاء على قواعد أكثر وطنية وأقرب إلى الأهداف المشتركة.

إن ما يمكن ملاحظاته أيضاً في هذا الصدد أن المفاوض الإسرائيلي – الذي لم يقدم شيئاً جوهرياً يذكر – ظلت عينه على المعارضة التي وراءه، وصلّب موقفه متذرعاً بإرضائها، واشترط موافقة الكنيست على كل ما يوقعه، سواء في أوسلو أو واشنطن أو القاهرة، مضفياً بذلك هالة من احترام الذات على تناوله للقضايا المصيرية، بينما الطرف الفلسطيني – كما الأطراف العربية – أهمل (حتى لا نقول احتقر) أية مؤسسات تشريعية أو معارضة معترف بها أو غير معترف بها، واعتبر أن ليس لها علاقة بالقضايا المصيرية، وهو الأمر الذي يدركه أيضاً المفاوض الإسرائيلي ويستثمره حق الاستثمار. 

"حماس"

القوة الثالثة في المثلث المذكور هي "حماس"، التي خضعت بدورها أيضاً لقوانين هندسة الصراع، فرسمت شعاعي العلاقة مع مركزي المثلث الآخرين بحسب المعطيات المفروضة. فالصدام العسكري هو ضابط العلاقة مع إسرائيل، والصدام السياسي هو ضابط العلاقة مع منظمة التحرير. غير أن في الأمر تفصيلاً من نوع آخر؛ فمن ناحية الصدام المسلح مع إسرائيل، ثمة تصاعد بيّن في العمليات العسكرية التي نفذتها "كتائب القسام" المسلحة، والتي كان أشدّها إيلاماً لإسرائيل، علميتا الثأر لمذبحة الخليل اللتان طاولتا باصين إسرائيليين في العفولة والخضيرة (في 6 و13/4/1994) قالت "حماس" إنهما كانا يقلان بعض المستوطنين والجنود، إضافة إلى مدنيين من مستوطنات مجاورة، وأنكرت إسرائيل وجود والجنود. هذا التصاعد حمل معه عدة أمور على الساحة الفلسطينية: فشعبياً حصدت "حماس" تأييداً إضافياً، لا سيما أن العمليتين جاءتا مرتبطتين بمذبحة الخليل ورداً عليها، وهو ما ولد مشاعر كرامة طغت على الشارع الشعبي الفلسطيني وحتى العربي. أما رسمياً، وعلى صعيد منظمة التحرير، فقد صبّت في المسار نفسه وفي التوجه القديم الذي لم يحسن استثمار وجود المعارضة؛ فمن ناحية أوضحت هاتان العمليتان العسكريتان أن وجود "حماس" المسلح أصبح يشكل قوة حقيقية فعلية على الأرض لم تنجح آليات القمع الأمني والعسكري الإسرائيلية في استئصالها، وأن مثل هذا الوجود سيكون عقدة العقد مع تسلم سلطة الحكم الذاتي، وأنه لا بد من بداية ولو تمهيدية لمواجهة وحل تلك العقدة بإعلان، مثلاً، ضرورات ضبط السلاح في قطاع غزة وضبط استخدامه،[6]  إلخ... أما على صعيد "حماس"، فقد أدركت الحركة أن مثل هذه العمليات سيؤلم إسرائيل لكنه في الوقت نفسه سيخيف منظمة التحرير ويغلّف الأفق باحتمالات متشائمة بشأن طبيعة العلاقة في ظل الحكم الذاتي. لهذا سارعت الحركة إلى توقيع اتفاق ميداني مع حركة "فتح"، وبالذات مع "صقور فتح"، الجناح العسكري المسلح للتنظيم في القطاع، ويقضي ذلك الاتفاق بتحريم استخدام السلاح قطعياً لحل المنازعات، والاحتكام إلى لجان الوجهاء والشخصيات الوطنية في القطاع.[7]   وتنبع أهمية الاتفاق من توقيته وتزامنه مع عمليات "حماس" العسكرية ضد إسرائيل، ومن أن موقعيه هم قادة "كتائب القسام" و"صقور فتح"، وهما الجناحان المسلحان والأكثر تشدداً في الطرفين.

غير أن كل ذلك لم يمكّن "حماس من منع فتح جبهة جديدة عليها من إسرائيل، تمثلت هذه المرة بالضغط عليها خارج فلسطين؛ إذ ما دامت حملات الاعتقال التي أصبحت اعتيادية، وتم تنفيذها عقب سلسلة العمليات الأخيرة، وطاولت شخصيات ورموزاً لا علاقة لها بالعمل المسلح، من ضمنهم عشرات من الذين كانوا قد أُبعدوا إلى جنوب لبنان في كانون الأول/ ديسمبر 1992، ما دامت تلك الحملات لم تجد نفعاً، فلا بد من محاولة جديدة تلائم جرعة الألم الجديدة التي جاءت عمليتا العفولة والخضيرة بها. هذه المحاولة تمثلت في الضغط على الأردن واتهامه بأنه المأوى لحركة "حماس"، وأن التخطيط للعمليات العسكرية يتم على أراضيه. فقد وصف رابين الأردن بأنها جنّة "حماس"،[8]  وهو الأمر الذي نفاه الأردن، مشدداً على أن وجود الحركة في الأردن لا يتعدى بعض الرموز الإعلامية والسياسية. وأراد التحذير الإسرائيلي، الذي رافقته حملة إعلامية واسعة النطاق اتهمت "حماس" بالإرهاب وقتل المدنيين، أيضاً امتصاص نقمة اليمين الصهيوني المتطرف، وتقديم أدلة عملية على محاولات حكومة رابين مجابهة الوضع المتفاقم. وعالمياً، اتسع نطاق الدول التي أصبحت تدين "حماس" وعملياتها العسكرية، وعلى الصعيد ذاته طالبت إسرائيل بريطانيا بمنع ما سمته أنشطة "حماس" في بريطانيا، وهو طلب لم يقابل بجدية من السلطات البريطانية على الرغم من ضغوط اللوبي اليهودي، وذلك لعدم وجود قوانين تخول تلك السلطات مساءلة أية تنظيمات ما عدا تلك المتعاونة مع الجيش الأحمر الإيرلندي،[9]  فضلاً عن عدم وجود أي تنظيم لـ"حماس" في بريطانيا أو في أي مكان خارج فلسطين، واكتفاؤها بوجود تجمعات الأنصار والمؤازرين، سواء من الفلسطينيين أو غيرهم من الإسلاميين في مختلف دول العالم بصورة عامة.

لمواجهة هذه الحملة الشرسة واستحقاقاتها، سواء في الأراضي المحتلة – اعتقالات واسعة – أو في دول الطوق – تضييق إعلامي وسياسي – أو في العالم – تشويه وتصنيف بالإرهاب – عمدت "حماس" إلى عرض برنامج سياسي مكون من نقاط محددة، فُهم بأنه مبادرة سياسية منها تحمل لغة جديدة وربما مضامين جديدة، وهو ما أثار ردات فعل واسعة النطاق ومتعددة، اضطرت "حماس" إزاءها إلى إصدار عدة بيانات توضيحية. غير أن تلك التوضيحات لم توضح ما أرادت توضيحه، وما استقر في أذهان المراقبين هو النقاط الثلاث التي أوردها بيان المكتب السياسي بتاريخ 21/4/1994 والتصريحات التي وردت على لسان الدكتور موسى أبو مرزوق، رئيس المكتب السياسي، لصحيفة "السبيل" الأردنية الصادرة بتاريخ 19/4/1994.

لكن هل هناك ما هو جديد في مسار "حماس" السياسي؟ إن محاولة الإجابة عن مثل هذا التساؤل تستلزم مطالعة للنصوص الحرفية، سواء لما ورد في بيان المكتب السياسي أو في تصريحات أبو مرزوق، وتالياً نقاط بيان المكتب السياسي التي اقترحتها الحركة برنامجاً مرحلياً يمكنها القبول به:

            1- انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس من دون قيد أو شرط.

            2- تفكيك وإزالة المستوطنات وترحيل المستوطنين من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.

            3- إجراء انتخابات تشريعية حرة وعامة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج لاختيار قيادته وممثليه الحقيقيين. وهذه القيادة المنتخبة والشرعية وحدها فقط المخوّلة التعبير عن إرادة شعبنا وطموحاته، وهي وحدها التي تقرر بشأن جميع الخطوات اللاحقة في صراعنا مع المحتلين.

            هذه النقاط تستحق الاهتمام الذي أثارته، سواء من زاوية الذين اعتبروها متضمنة تعديلاً على موقف "حماس" المعروف والمنادي بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، أو من زاوية الذين اعتبروها عادية وليس فيها ما هو جديد بقدر ما هي تأكيد على مواقف قديمة للحركة لكن بثوب جديد. وحتى تكتمل الصورة، لا بد من مناقشة هذه النقاط في ضوء تصريحات الدكتور أبو مرزوق، والتي جاء فيها ما يلي، بحسب نص الصحيفة:

            "نحن كحركة مقاومة نرى أنه إذا أرادت حكومة العدو أن تخرج من هذا المأزق الذي تعيشه فليس الطريق فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، نحن نقول إنه يمكن أن يكون هناك معاهدة سلام أو هدنة لنترك مجالاً للخروج من الأوضاع الإقليمية المعقدة والانفكاك من هذه الأزمة.

            "فقرارات الشرعية الدولية اعتبرت الضفة والقطاع والقدس أراضي محتلة يملكها ويعيش عليها الشعب الفلسطيني فإذا أرادوا أن تتوقف المقاومة في هذه اللحظة فالمطلوب:

            "1- انسحاب القوات الصهيونية من الضفة والقطاع والقدس.

            "2- تفكيك المستوطنات.

            "3- التعويض عن الخسائر والضحايا الناجمة عن الاحتلال.

            "4- إجراء انتخابات حرة ليقرر الشعب الفلسطيني قيادته المنتخبة، هذه القيادة المنتخبة هي التي ستعبر عن طموحات الشعب الفلسطيني ومستقبل الصراع، فإذا ما انتخبت الحركة فلها موقف واضح من الصراع، أما إذا كانت أقلية فإنها ستعبر عن وجهة نظرها بكامل حريتها، وسنحترم رأي الأغلبية المنتخبة. ما نطرحه هو طريقة للخروج من المأزق الحالي. أما تفاوض منظمة التحرير مع العدو الصهيوني فهو على أسس لا نراها سليمة، أما الجهة التي لها الحق في طرح رؤى تتعلق بمستقبل الصراع فلا بد أن تكون قيادة منتخبة وممثلة للشعب الفلسطيني. ونحن لا نعارض بأن يشرف على الضفة والقطاع والقدس قوات إشراف دولية أو شرطة فلسطينية أو الإدارات العربية التي كانت خاضعة لها أو جزء منها قبل عدوان 67."

وقبل مناقشة ما هو جديد في هذا الكلام، يجدر التنويه إلى أن حركة "حماس" نفت أن تكون كلمتا "معاهدة سلام" قد وردتا على لسان متحدثها، لا سيما أن المقابلة أجريت بالهاتف. إلا إنه على الرغم من ذلك النفي تظل التصريحات، مقرونة بنقاط البرنامج الثلاث، مثار جدل، وفيها ما هو جديد. ولعل أهم ما هو جديد فيها هو اجتماع هذه النقاط معاً على شكل برنامج أو مبادرة أو غير ذلك؛ إذ لأول مرة في تاريخ "حماس" السياسي، تقدم الحركة رؤية "غير تاريخية" على شكل برنامج محدد؛ فمع أن نقاط هذا البرنامج، كلاً على حدة، قد لا تعتبر جديدة في فكر الحركة السياسي، فإن انتظامها معاً لتشكل طرحاً أو حلاً شبه متكامل هو الجديد في الأمر. فقضية المطالبة بالانسحاب من الضفة والقطاع والقدس سبق أن تحدث عنها الزعيم الروحي للحركة الشيخ أحمد ياسين، سنة 1988، وتحدث عنها أيضاً ممثل الحركة في عمان السيد محمد نزال، وهي أهم نقطة واردة في البيان، وقابلة للجدل، وخصوصاً ممن وجه الانتقادات إلى هذا الطرح باعتبار أن أطروحة "الحل المرحلي" هي التي قادت منظمة التحرير الفلسطينية إلى الوضع الذي آلت إليه، وذلك من دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في القاهرة سنة 1974، وأقرت برنامج النقاط العشر وإقامة السلطة الوطنية، فوق أي جزء يتحرر من فلسطين.

نقطة الجدل المثيرة والجديدة أيضاً هي ما ورد في تصريح الدكتور أبو مرزوق من حديث عن "قرارات الشرعية الدولية التي اعتبرت الضفة والقطاع والقدس أراضي محتلة..."، وهو حديث يعتبر الأول من نوعه من قبل رسميي "حماس"، إذ دأب موقف الحركة الرسمي على إدانة جميع مقررات الشرعية الدولية إزاء فلسطين، بدءاً بقرار التقسيم الصادر سنة 1947 فصاعداً. ومع أن البيانات التوضيحية التي أصدرتها "حماس" عقب تصريحات أبو مرزوق لم تتضمن أي حديث عن الشرعية الدولية، بل أعادت التشديد على "مواصلة الجهاد والعمليات العسكرية ضد العدو المحتل... حتى تحرير كامل أرضنا الفلسطينية من البحر إلى النهر"،[10]  فإن أي حديث لمسؤول بدرجة رئيس مكتب سياسي لا يتم محوه أو تجاوزه بسهولة. فوسائل الإعلام والسياسة تناقلت التصريح الأول، ولم تهتم بالنفي أو التوضيح اللاحقين.

والنقطة الثالثة والمثيرة هي تكرار الحديث عن "هدنة" ونفي الحديث عن "معاهدة سلام"، على اعتبار أن الهدنة هي ممارسة سياسية قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم ويجوز اعتمادها بحسب الظروف والأحوال، ولا سيما في أوقات الضعف، وبمواقيت وآجال محددة، لا كما هي الحال في معاهدة السلام التي تفترض بنودها واتفاقاتها دوام تطبيقها والالتزام بها وأن ليس لها أجل محدد.

إن مفهوم الهدنة هنا ليس جديداً كل الجدة؛ فقد سبق أن ذكره الشيخ أحمد ياسين في رسالته التي نشرتها مجلة "الوسط" اللندنية في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1993. والجدل الذي قد تثيره هذه القضية هو أن ليس على أرض الواقع فارق كبير بين الهدنة ومعاهدة السلام. وإذا كان المدافعون عن فكرة الهدنة يؤكدون أنها محدودة بزمن محدد، ويمكن إبرامها لحين زوال حال الضعف التي تعتري الأمة، فإن المدافعين عن فكرة "معاهدة السلام" يملكون أيضاً الحجة ذاتها حين يقولون إن أي معاهدة سلام هي انعكاس لموازين القوى الظرفية، وأي تغيير في هذه الموازين (أي زوال حال الضعف) سينعكس على المعاهدة إما تعديلاً وإما إلغاء. إن الفارق بين الفكرتين لا يتعدى أن يكون لفظياً على الرغم من الظلال الدينية والتاريخية التي تحملها كلمة "هدنة"، ولا تتمتع "معاهدة السلام" بها!!

إن شواهد التاريخ تُشير بوضوح إلى أن المعاهدات والاتفاقات تصمد بصمود ميزان القوى الذي ولدت في أجوائه وتنتهي حال تغيُّر ذلك الميزان، وذلك لسبب بسيط هو أن القوى التي كانت مغلوبة على أمرها ووافقت على المعاهدات والاتفاقات تغيرت حالها وقويت شوكتها. إن جوهر المشكلة لا يكمن في أي المصطلحات يمكن استخدامه؛ المشكلة هي في فكرة قبول هدنة أو معاهدة سلام مفروضة فرضاً، في ظل موازين قوى كالتي نعيشها حالياً، وما تريد أن تشرّعه من جور وبشاعة، وما تريد أن تكبل أيدي الجميع به لضمان الخضوع لأطول فترات ممكنة، وما تريد أن تضمنه من اقتتال داخلي مزروعة بذوره في جميع صفحات هذه المعاهدات والاتفاقات، بحيث ينتقل الصراع من صراع ضد الآخر إلى صراع ضد الذات.

يجدر هنا أيضاً الإشارة إلى نقطة ذات علاقة وذات خطورة في الوقت نفسه، متعلقة بمنهج الدفاع عن بعض ما يطرحه رموز "حماس" كفكرة الحل المرحلي أو الهدنة؛ إذ يتم عادة الاستناد إلى أن هذه الأفكار سبق أن طرحها الشيخ أحمد ياسين، سواء قبل دخوله السجن أو بعده، أي أنها تكتسب شرعية من نوع خاص يصعب مناقشتها.

وخطورة هذا الإسناد المتواصل بغض النظر عن الموقف من الأفكار المطروحة، تكمن في اقترابه من نهج التقديس وأخذ كلام الشيخ أحمد ياسين على محمل المسلمات، وهو الأمر الذي يركز الشيخ نفسه على محاربته، سواء في رسائله الخارجة من سجنه أو في نصائحه للزائرين. إن ما يقوله الشيخ أحمد ياسين وغيره يجب ألاّ يعدو كونه اجتهادات وآراء سياسية، ولا يمكن إسلامياً أو فلسطينياً أو حركياً أن تعتبر مقولاته مما لا يرقى إليها الشك. وليس في ذلك أدنى تقليل من مكانة الشيخ أحمد الروحية والجهادية العظيمة أو رمزيته النضالية في صموده داخل السجن. من هنا فإن فكرة مثل فكرة الهدنة لا تتمتع بالصلابة التي يعتقد البعض أنها متوفرة فيها لمجرد أن الشيخ أحمد تحدث عنها ذات مرة.

بالعودة إلى سياق مثلث القوى يمكن قراءة برنامج "حماس" الثلاثي، أو مبادرتها السياسية، بجديدها القديم، أو بقديمها الجديد، كمحاولة نجحت إلى حد ما في تشتيت الضغط والحصار اللذين وجدت "حماس" نفسها فيهما فجأة، سواء في الداخل أو الخارج، واستطاعت من خلال إعادة صوغ مقولات قديمة في ثوب جديد خلق مناخات وفرت "الأوكسجين" اللازم للتزود به للخروج من الأزمة، وهي مناخات انساق إليها وزير الخارجية الأميركية كريستوفر نفسه حين صرح بأنه يرحب بدور لـ"حماس" في العملية السلمية "إن كان عندها رغبة صادقة في الدخول في عملية السلام."[11]  إلا إن مثل هذه المناورات قد ينجح في خلق مناخات امتصاصية كالتي ذكرت، لكن يبقى أن الثمن المدفوع غالباً ما يكون غالياً ومرتفعاً لأنه يرتبط بصدقية الحركة قبل أي شيء آخر. 

من مثلث القوى إلى المطرقة والسندان

كثيراً ما شكا قادة منظمة التحرير وموفدوها إلى المفاوضات من أنهم يتعرضون لضغط مزدوج؛ إذ تضغط إسرائيل عليهم لتقديم التنازلات، وتتهمهم بعدم الصدق، وتعبّر عن عدم ثقتها في مقدرتهم على فرض الاتفاقات، ويتعرضون في الوقت ذاته، لضغط من "حماس" والقوى المعارضة، التي تتهمهم بالتفريط والتنازل بل حتى الخيانة في بعض الأحيان. و"حماس"، في المقابل، تتهم المنظمة بالتواطؤ غير المباشر مع إسرائيل في عمليات القمع والاعتقال المستمرة التي تتعرض الحركة لها بدءاً بعملية الإبعاد، مروراً بحملات الاعتقال العشوائية، وانتهاء بالتفريط في قضية أسرى ومعتقلي الحركة، وعدم الإصرار على الإفراج عنهم من دون قيد أو شرط أسوة بسائر المعتقلين.[12]  وتقول "حماس" إنها في الوقت الذي تمارس الجهاد والكفاح المسلح تعاني دائماً حملة قمع من إسرائيل وحملة تشويه من المنظمة في آن واحد. وعند إسرائيل أيضاً ادعاءاتها؛ فهي تزعم أن توزيعاً للأدوار في الساحة الفلسطينية بين المنظمة و"حماس" هو الذي يفسر انخراط الأولى في العملية السلمية، ومواصلة الأُخرى نهج الصراع المسلح.

كان يمكن لهذه المرافعات أن تستمر إلى ما لا نهاية في فترة ما قبل دخول الشرطة الفلسطينية (أيار/مايو 1994) إلى مناطق الحكم الذاتي، وكان في إمكان كل طرف ("حماس" أو المنظمة) البرهنة عن مظلوميته بالأدلة، والمشاهدات، وغير ذلك، ليثبت أنه الطرف الواقع بين المطرقة والسندان باعتبار أن المطرقة دائماً هي إسرائيل والسندان هو أحد الطرفين. إلاّ إن الوضع الآن اختلف، ولم يعد هناك مجال كبير للمرافعات، والمجال الوحيد المفتوح هو الوقائع على الأرض. وإذا كانت "حماس" قد أعلنت أنها لن تمارس عملها المسلح داخل مناطق الحكم الذاتي المدارة من قِبل السلطة الفلسطينية، تحاشياً لأي اصطدام، وإذا كانت صور الشرطة الفلسطينية التي تناقلتها وكالات الأنباء وهي تشارك في احتفالات "حماس" وترفع صور الشيخ أحمد ياسين تثير بعضاً من طمأنينة، فإن معادلات القوى لا تأبه كثيراً للأمنيات أو النيات الحسنة. فتصريحات المسؤولين الإسرائيليين المحرّضة للشرطة الفلسطينية على قمع "الإرهاب الفلسطيني" في القطاع وغيره، ثم مضامين الاتفاقات الأمنية التي تنص على ضرورة اجتياز فترة الامتحان من قِبل السلطة الفلسطينية قبل الانتقال إلى مفاوضات المرحلة النهائية، وهو الامتحان ذو الأسئلة الصعبة والواضحة المتعلقة بالتخلص من العبء الأمني وتوكيل الفلسطينيين بعضهم بعضاً، وإيقاعهم في عملية تحطيم متبادل لا خلاص منها إلا بعودة الاحتلال استجابة لمطالبات الأهالي هذه المرة!!. كل ذلك يزرع بذور تخوف مبرر قد لا يترك للطمأنينة مكاناً. إن وعي مخاطر الاقتتال الداخلي والرغبة الصادقة لدى الطرفين في تجنبه ليسا عنصرين كافيين لمنع الاقتتال على الأرض؛ إذ هناك عوامل رئيسية تدفع إلى تلك النتيجة المأساوية، وهناك صورة موضوعية هي الآتية:

في جانب من الصورة، تعلن "حماس" مواصلتها العمليات العسكرية خارج مناطق الحكم الذاتي، لكنها موجودة مادياً وعسكرياً في هذه المناطق، تضرب خارج المناطق وتعود إلى أماكنها المعتادة. في الجانب الآخر من الصورة سلطة فلسطينية تريد أن تثبت لإسرائيل أن الوضع قد تغير، وأن الأمن قد تحسّن عما كان عليه سابقاً، أملاً بالانتقال إلى المرحلة اللاحقة، وهي سلطة تريد أن تفرض هيبتها، وليس أقل من أن تطلب جمع السلاح من الجميع، وهو أمر مرفوض قطعياً من قبل "حماس". وهناك إسرائيل التي تراقب الوضع عن كثب، وتكثف ضغوطها على السلطة الفلسطينية لتقمع بقوة كل خرق أمني، وتطلب من هذه السلطة النجاح فيما فشلت فيه قوى الأمن الإسرائيلية كافة طوال أعوام الانتفاضة السبعة.

في جانب المرافعات والتبرير للمواقف، تقول السلطة الفلسطينية إن "حماس" بعملها العسكري ستقطع الطريق على "الإنجاز الوطني القادم!!" وتقوم بتخريبه، وهي تتحمل مسؤولية ضياع ذلك "الإنجاز" وعدم الانتقال إلى المرحلة النهائية لشمول مناطق الضفة الغربية، والحديث عن القدس، واللاجئين وغير ذلك. وعليه، فإن "حماس" تتحمل المسؤولية التاريخية في عدم تحقيق أي تقدم على  صعيد تلك القضايا! في المقابل، تقول "حماس" إن الاحتلال ما زال قائماً، وأن من حق الشعب الواقع تحت الاحتلال مزاولة المقاومة بالطرائق كافة، وأن الحكم الذاتي ومضامين الاتفاقات لا يمكن أن تأتي بأي إنجاز وطني، بل بكيان تابع لإسرائيل ومهيمن عليه من قبلها، وأن المواثيق التي وقعتها المنظمة لا تلزم "حماس"ـ ولا سيما فيما يتعلق بالمقاومة، إذ كان على المنظمة ألاّ تتعهد بأي شكل من الأشكال، الوقوف في وجه المقاومة، وكان عليها أن تستند إلى شرعية مقاومة الاحتلال، وتستخدم وجود مقاومة "حماس" ذريعة لعدم إعطاء أي تعهد من أي نوع، بهدف الضغط المباشر لتحقيق الانسحاب الشامل والحقيقي، لا إعادة انتشار للجيش [الإسرائيلي] مع الإبقاء على المستوطنات. وإن أي تعهد أخذته المنظمة على نفسها بقمع المقاومة هو السبب وراء أي اقتتال داخلي، ومن جرائه تتحمل المنظمة المسؤولية التاريخية لأية تطورات على أي صعيد.

في أية حال، فإذا كانت هذه الصورة / السيناريو على قدر من التشاؤم، فإن رفع الستارة عن مسرح الأحداث في قطاع غزة وأريحا بُعيد دخول الشرطة الفلسطينية أشار إلى بدايات تشكل تلك الصورة، من خلال عملية عسكرية لـ"حماس" عشية انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع قُتل في إثرها جنديان إسرائيليان، وتلتهما حملة تعقب لاكتشاف "الفاعلين" نفذتها الشرطة الفلسطينية هذه المرة، واعتقلت خلالها عناصر من "حماس" و"الجهاد الإسلامي".

وإذا كانت بدايات الاحتكاك ستكون أمنية بالضرورة، ومرتبطة بعمل "حماس" المسلح، فإن هناك نقاط تماس أُخرى غير أمنية مرشحة لأن تكون حساسة وخطرة، وهي كما يشير أحد الباحثين الفلسطينيين، نقاط العملاء والعلاقات الخارجية وحرية التعبير والمساجد.[13]  وقصد بالعلاقات الخارجية ما تقيمه "حماس" من علاقات مع منظمات وهيئات، وربما دول، لا تتفق سياستها مع سياسة السلطة الفلسطينية.

إن ما يجب البحث فيه هو أن نظرية المطرقة والسندان وما بينهما نظرية متماسكة إسرائيلياً فقط؛ إذ ستظل إسرائيل هي المطرقة، وستستبدل السندان بحسب الظرف، وستضع على السندان من تريد في الوقت الذي تريد، ما دامت الأطراف قبلت بهذه النظرية. إن نتيجة هذه النظرية هي النتيجة نفسها للحرب العراقية – الإيرانية، حينما اعتمدها الغرب وطبقتها أميركا، فدعمت هذا البلد حيناً وذاك البلد حيناً آخر، حتى تم استنزاف الاثنين معاً، بينما ظلت هي وحدها المطرقة. إن النهاية الحتمية لمثل هذه النظرية هي أن من يتبادلان دور السندان ينتهيان، بينما تظل المطرقة تتمتع بالانتصار.

 

المصادر:

[1]  أنظر، على سبيل المثال، تحقيق روبرت فيسك في The Independent البريطانية، 10/4/1994، أو ترجمته الحرفية في: "فلسطين المسلمة"، عدد أيار/ مايو 1994.

[2]  بيان "حماس" – "كتائب القسام" عقب عملية الخضيرة في 13/4/1994.

[3]  وهي شكوك تحدث عنها أكثر من سياسي إسرائيلي، منهم داني روتشيلد، منسق شؤون الاحتلال (وهو بمثابة الحاكم العام للضفة والقطاع)، وذلك في مقابلته مع "يديعوت أحرونوت"، في أوائل أيار/ مايو 1994.

[4]  تصريحات يتسحاق رابين، رئيس الحكومة الإسرائيلية، في القاهرة، "الأهرام"، 19/4/1994.

[5]  بيان "حماس بشأن المحاولات الإسرائيلية لفتح حوار مع قادة الحركة في السجون، والمحاولات الإسرائيلية لفتح قناة مع "حماس" في قطاع غزة، وهو الأمر الذي تحدث الكاتب عنه مع الشيخ أحمد بحر، وهو أحد القادة المقربين من الحركة في القطاع، في مقابلة بتاريخ 11/4/1994، عقب تصريحات له نشرتها "يديعوت أحرونوت" في 1/4/1994، وتالياً أهم ما ورد في المقابلة:

  • تناقلت الصحف خبر لقائكم مع الميجر دورون ألموغ، قائد قوات الجيش الإسرائيلي في القطاع، فهل هذا صحيح؟
  • نعم، صحيح وكان ذلك يوم الأربعاء 6/4/1994.
  • هل تجري هذه اللقاءات باستمرار؟
  • لا، وكل ما في الأمر أنني استدعيت لمكتب الحاكم العسكري في قطاع غزة كما يستدعى أي مواطن تحت الاحتلال.
  • تحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن وجود قناة سرية بين الجيش الإسرائيلي و"حماس" في القطاع، فهل تستطيع تأكيد ذلك؟
  • هذا كلام غير صحيح على الإطلاق.

[6]  ومن ذلك تصريحات فيصل الحسيني لـِ"قدس برس" في مدينة القدس بتاريخ 23/5/1994 بضرورة جمع السلاح في قطاع غزة وتسليمه للشرطة الفلسطينية.

[7]  البيان المشترك الصادر عن "صقور فتح" و"كتائب القسام" في قطاع غزة بتاريخ 22/4/1994.

[8]  في المؤتمر الصحافي الذي عُقد في وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بتاريخ 14/4/1994.

[9]  صحيفة Jewish Chronicle اليهودية البريطانية، بتاريخ 22/4/1994.

[10]  بيان "حماس" التوضيحي بتاريخ 21/4/1994.

[11]  وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر في مؤتمر صحافي في واشنطن بتاريخ 20/4/1994.

[12]  أنظر بيان "حماس" بشأن تجاهل المنظمة حملات الاعتقال ضد الحركة بتاريخ 23/4/1994.

[13]  عبد الله السعافين، باحث في مركز دراسات السلام – جامعة برادفورد، بريطانيا – ("الحياة" 25/5/1994).

السيرة الشخصية: 

خالد الحروب: نائب رئيس تحرير مجلة "فلسطين المسلمة" (لندن).