ثقوب أمنية في الاتفاق
كلمات مفتاحية: 
عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية
اتفاق غزة - أريحا أولاً
أمن إسرائيل
أهداف المفاوضات
نبذة مختصرة: 

 يذهب الكاتب، وهو محلل عسكري في "هآرتس"، إلى أنه يتضح من التمعن في اتفاق غزة ـ أريحا وفي شرح وزارة الخارجية أن طاقم المفاوضات، الذي قام بعمل صعب، كان يفتقر إلى مستشارين في شؤون الأمن. وكانت النتيجة عدداً من "الثقوب" الخطرة في الاتفاق والمرشحة لخلق إشكالات. وهو يشرح هذه الثقوب.

النص الكامل: 

قال نائب رئيس الأركان، اللواء أمنون شاحاك، في جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، إنه لم يطلب من الجيش إعداد خطة مشتركة تتعلق بالانسحاب السريع من قطاع غزة ومنطقة أريحا. أما رئيس الأركان، الجنرال إيهود براك، فتحدث عن الصعوبات المتوقعة التي سيواجهها الجيش وجهاز الأمن العام ("الشاباك") في الحفاظ على الأمن بعد الانسحاب. هذه الأقوال هي مجرد رأس الجبل الجليدي، مقارنة بالأفكار السائدة في جهاز الأمن. فرئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض إلياكيم روبنشتاين يمكنه القول إن الأسلوب الذي تم تجاوزه به يشكل إهانة له، ورؤساء الجهاز الأمني يتذمرون أساساً لأن أحداً لم يكلف نفسه عناء استشارة أي منهم، حتى في اللحظة الأخيرة قبل قبول الاتفاق. وهذا هو الوضع على امتداد هذه الجبهة، بدءاً بالسكرتير العسكري لرئيس الحكومة، وانتهاء برئيس الأركان وباقي قادة الأجهزة الأمنية.

ظاهرياً، يمكن القول، إنه عندما يتعلق الأمر باتفاقات تقوم على مصالحة تاريخية، فإن ما يجب أن يوجه [المفاوضين] هو الرؤية المستقبلية (الحلم) لا التفصيلات الصغيرة. وهذا صحيح في حالات كثيرة، وعند البحث في الجانب الأوسع للاتفاق. لكن إذا كان المراد هو نجاح الاتفاق، فإن من الأهمية بمكان، الحرص على عدم وجود ألغام في الاتفاق؛ فهي قد تكون عاملاً في إخفاقه. فالخطر الكبير الذي يهدد الاتفاق المرحلي ليس مصدره عدواً خارجياً، بل خطر تدهور الأوضاع الأمنية، والأعمال الإرهابية. والاختبار سيكون، قبل أي شيء آخر، في الموضوعات المتعلقة بالأمن الداخلي، ولذا لا يمكن تجاهل تفصيلات مختلفة.

ويتضح من التمعن في الاتفاق وفي شروح وزارة الخارجية أن طاقم المفاوضات، الذي قام بعمل صعب، كان يفتقر إلى مستشارين في شؤون الأمن. وكانت النتيجة عدداً من "الثقوب" الخطرة في الاتفاق والمرشحة لخلق إشكالات. ولا يمكن لإعلان مبادئ أن يغطي كل شيء، لكن المقدمة أيضاً كانت تفتقر إلى نقاط مهمة؛ فعلى سبيل المثال، ليس هناك أي ذكر لواجب منظمة التحرير الفلسطينية في وقف الكفاح المسلح ضد إسرائيل. فلا يعقل أن توقع إسرائيل اتفاقاً مع الفلسطينيين، يتضمن انسحاباً سريعاً من قطاعين مهمين من دون أن يتضمن ذلك الاتفاق في المقابل التزاماً فلسطينياً بوقف الكفاح المسلح. ومعنى ذلك أيضاً وقف الانتفاضة، والهجمات التي تشنها المنظمات المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، على إسرائيل من الأراضي اللبنانية. يضاف إلى ذلك أن ليس في الاتفاق كلمة بشأن واجب الكفاح المشترك ضد الإرهاب.

وليس هناك كلمة ولا إشارة، إلى ما يمكن أن يحدث إذا جرى خرق بالغ الدلالة للاتفاق من جانب الفلسطينيين، أو إذا انهار الاتفاق لأن منظمة التحرير الفلسطينية لم تتمكن من فرض إرادتها على الأرض. وفي حال تكرار الخروقات الكبيرة، فإن وجود لجنة تحكيم ومراقبين أجانب لا يكفي. ما الذي يمكن أن يحدث في حالة كهذه؟ فهل ستسير المرحلة الانتقالية قدماً نحو المرحلة المقبلة والدائمة كأن شيئاً لم يكن؟ الفلسطينيون يريدون وجود قوات تابعة للأمم المتحدة أو قوات دولية تحسباً لإمكان فشلهم. وتبرير هذا المطلب هو أن هذا الوجود هو الطريق المثلى لمكافحة حركة "حماس". لكن ذلك يشكل أيضاً مدخلاً للعودة إلى النظام القديم، نظام لجان الهدنة والتدخل الأجنبي.

وإذا كان هناك حرص على التفصيلات، بالنسبة إلى الموضوعات الاقتصادية والقانونية، فالأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الشؤون الأمنية. فهذا التوزيع في الشأن الأمني، إلى داخلي وخارجي، في المرحلة الانتقالية، حيث يضطلع الفلسطينيون بالمسؤولية عن الأمن الداخلي، جارف جداً، ويحمل في ثناياه ألغاماً. ومثل هذا التوزيع يطرح الكثير من علامات الاستفهام والأسئلة. وكان هذا الموضوع محور جدل حاد في مباحثات كامب ديفيد بشأن الحكم الذاتي. وفي الاتفاق الحالي، وافقت إسرائيل من دون تحفظ على الموقف المصري السابق، في موضوعات الأمن الداخلي. وفي حينه، لم يقبل الأميركيون أيضاً بالموقف المصري على نحو جارف.

ليس هناك أي تطرق إلى القضايا المرتبطة بغرض القانون، ولا سيما في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب. فلنفترض أن جهاز الأمن العام تلقى غداً معلومات تفيد أن خلية تابعة لحركة "حماس" في أريحا، تعد العدة لعملية تخريب خطرة في القدس. فمن يعتقل الخلية قبل أن تحقق مكيدتها؟ بموجب الاتفاق فإن الشرطة الفلسطينية هي المسؤولة عن الأمن الداخلي، ولذا فهي، لا شرطة إسرائيل أو جهاز الأمن العام، يجب أن تعالج هذه المسألة. وبكلمات أُخرى، إن الوضع الجديد يبقى في أيدي الشرطة الفلسطينية في المستقبل القريب مسؤولية اعتقال المشتبه في أنهم ارتكبوا أعمالاً إرهابية، والتحقيق معهم ومحاكمتهم. كذلك ليس في الاتفاق كلمة بشأن مصير السجناء الكثيرين في سجون غزة. ومن المؤكد أن الفلسطينيين سيعارضون الآن نقلهم إلى إسرائيل، وقريباً جداً سيطالبون بإطلاقهم.

وفي مجال الأمن الجاري، ليس هناك ذكر لحق "المطاردة" الساخنة"، فور حدوث عمل تخريبي داخل الأراضي الإسرائيلية، وفرار المنفذين إلى قطاع غزة أو إلى أريحا. وإنه لغامض جداً القول، إن في إمكان الإسرائيليين السفر على الطرقات كالمعتاد وإن الشرطة الفلسطينية لا يمكنها اعتقالهم، على الرغم من أنها المسؤولة عن الأمن الداخلي. وما الذي سيحدث إذا تعرضت سيارة إسرائيلية لاعتداء، ورد سائقها بإطلاق النار؟ فهل ستتولى الشرطة الفلسطينية معالجة موضوع المهاجمين، بينما يتولى الجيش الإسرائيلي معالجة موضوع الإسرائيلي المدافع عن نفسه؟ فالقول إن الجيش الإسرائيلي سيكون مسؤولاً عن الأمن الخارجي، وأمن المستوطنات، والأمن العام للإسرائيليين في المناطق، لا يكفي إطلاقاً.

وفي موضوع الشرطة الفلسطينية جرى نسيان تحديد حجم هذه القوة وأنواع السلاح الذي ستتسلح به. فهل سيبلغ عدد أفراد هذه الشرطة عشرات الآلاف على سبيل المثال، أم ألفاً فقط! وهل ستكون مجهزة بطائرات هليكوبتر خفيفة أيضاً، وربما بمدرعات كي تتمكن من فرض النظام العام؟ ومن سيتولى تجهيزها بالسلاح؟ وهل مسموح على سبيل المثال، لقوة الشرطة الفلسطينية، الاستيلاء على تحصينات ومواقع الجيش الإسرائيلي التي ستخلى؟ لقد سمعت من رجال أمن فلسطينيين أن السبيل إلى التغلب على "حماس"، بحسب رأيهم، هو دمج جزء من رجالها في إطار الشرطة الفلسطينية. وقال هؤلاء إن هذا هو السبيل لمراقبتهم. وما هو رأي رجال الأمن الإسرائيليين الذين لم يسألوا عن رأيهم في هذا الموضوع؟

سيستغرب الكثيرون لدى سماعهم أن الاتفاق لا يتضمن بنداً بشأن الإشراف والرقابة على جسر أللنبي قرب أريحا، أو على ميناء غزة، أو على نقطة العبور بين القطاع ومصر. الفلسطينيون سيقولون إن على إسرائيل أن تراقب فقط عدم إدخال أسلحة ثقيلة عبر تلك النقاط. وبحكم كونهم المسؤولين عن الأمن الداخلي فالرقابة والإشراف على نقاط العبور تلك يجب أن يبقيا في أيديهم، من خلال التشاور [مع الإسرائيليين] طبعاً، بالنسبة إلى الخارجين من القطاع وأريحا والداخلين إليهما.

هذه نماذج بارزة لـ"الثقوب" الأمنية القائمة في الاتفاق، لكن لا يجب بأية حال من الأخوال، الاستخلاص من ذلك وجوب إلغاء الاتفاق. يجب استخلاص أن هناك حاجة إلى تعديله وإصلاحه، بسرعة في سياق المفاوضات اللاحقة. فهذا اتفاق مهم ينبغي ألا يُبقى فيه على ما يعيقه أو يعرقله. والتعديلات مهمة. وإذا لم نفعل ذلك فستتعاظم المخاطر التي تهدد تحقيق اتفاق يفتح فرصة عظيمة أمام شعوب المنطقة.

 

المصدر: "هآرتس"، 3/9/1993.

 

السيرة الشخصية: 

زئيف شيف: المحلل العسكري في "هآرتس".