الانتخابات في المؤسسات الفلسطينية
كلمات مفتاحية: 
حركة المقاومة الإسلامية
حماس
فتح
منظمة التحرير الفلسطينية
الضفة الغربية
قطاع غزة
الانتخابات
التمثيل السياسي
المشاركة السياسية
نبذة مختصرة: 

تتناول هذه المقالة الانتخابات في المؤسسات الفلسطينية وأهميتها بالنسبة بالنسبة للحركة النضالية، فغالباً ما تشكل الانتخابات قاعدة تنافس بين حركة فتح وحركة حماس، لذلك فإن الانتخابات في المؤسسات تبدو وكأنها انتخابات سياسية أو بمثابة استفتاء على أحقية تمثيل الشعب الفلسطيني. وقد أدى هذا التنافس السياسي داخل المؤسسات المدنية إلى غياب العمل النقابي والمهني وطغيان البعد السياسي.

النص الكامل: 

تكتسب الانتخابات التي تجري من فترة إلى أخرى في مؤسسات الأرض المحتلة أهمية استثنائية، من حيث أن الاتجاهات المختلفة تعوِّل عليها للدلالة على مدى قوتها في الشارع الفلسطيني. كما أن مختلف الجهات الفلسطينية، ولا سيما منظمة التحرير الفلسطينية، تتعامل مع هذه الانتخابات بحساسية مبالغ فيها، لكأن بات على منظمة التحرير، التي ناضلت طويلاً في الساحة الدولية من أجل إثبات شرعيتها ممثلاً وحيداً للفلسطينيين، أن تناضل بين صفوف الشعب الفلسطيني نفسه من أجل إثبات شرعيتها تلك.

لقد كانت عملية النصال الوطني الفلسطيني طوال فترة اغتصاب فلسطين مسألة في غاية التعقيد، وقد زاد القضية تعقيداً محاولة الكثيرين – من عرب وأجانب – اغتصاب حق الفلسطينيين في اتخاذ قرارهم، بعد أن اغتصب وطنهم. ومن هنا تبدو الحساسية التي تبديها منظمة التحرير تجاه أية قوة سياسية فلسطينية تحاول الصعود مفهومة، وإنْ كان ذلك يخلق إشكالاً لا مفر منه.

فعلى الصعيد الداخلي الفلسطيني، يفترض أن منظمة التحرير ليست فقط الإطار الذي يضم التنظيمات الفلسطينية المختلفة، بل هي أيضاً الإطار الذي يمثل حق الفلسطينيين في أن يكونوا شعباً مالكاً لمصيره كبقية الشعوب. وعلى هذا الأساس، يجب أن تأخذ المنظمة صفة اعتبارية كي تستطيع تجسيد الطموح الفلسطيني، وينبغي أن تحتوي حتى أولئك الذين يرفضونها، لأنها "دولة" ذات صفة اعتبارية لا حدود تنظيمية واضحة. أما إذا اعتبرت المنظمة نفسها تنظيماً، وتصرفت على هذا الأساس، وأصرت على أن تكون ممثلاً شرعياً ووحيداً، فإنها ستضع نفسها في موقف متناقض مع الديمقراطية، وستفتح بنفسها الأبواب لإمكان تجاوزها. وما دامت المنظمة سمحت لنفسها بالتصرف كتنظيم في بعض الأحيان، فقد أصبح في الإمكان أن تعتبر الاتجاهات السياسية المختلفة انتخابات المؤسسات مؤشراً تعول عليه للدلالة على قوتها في الشارع الفلسطيني، وأصبح البعض يعتبر تلك الانتخابات مجالاً لا يتيح له تثبيت رؤيته لاستقلالية القرار الفلسطيني فحسب، بل ربما أيضاً حقه في تجاوز ذلك.

إذاً، إن الانتخابات في مؤسسات الأرض المحتلة تجري على قاعدة التنافس بين الاتجاه الوطني، ممثلاً بحركة فتح، والاتجاه الديني، ممثلاً بحركة حماس، أما التنظيمات اليسارية الباقية فتقع في مأزق التأرجح بين خوفها من الارتباط بتنظيم ديني يتناقض مع مواقفها الأيديولوجية التاريخية وعلمانيتها المعلنة وبين مواقفها السياسية الحالية المختلفة مع فتح.

وما دامت الانتخابات تتخذ وضعاً وهمياً تبدو فيه كأنها تعكس في نتائجها الأحقية في تمثيل الفلسطينيين، فإن أية انتخابات في أية مؤسسة ستستمر في اكتساب بُعد تبدو معه كأنها انتخابات سياسية تجري في دولة مستقلة ذات أوضاع طبيعية؛ وهذا أمر غير معقول. لقد أصبح نجاح كتلة ما، أو شخص ما، في أي ناد موجود في أية قرية صغيرة، كأنه استفتاء على سياسة منظمة التحرير، وأصبحت تلك السياسة تخضع لامتحان عند إجراء انتخابات في أي وقت وفي أي مكان في الأرض المحتلة، وهذا طبعاً لا يجري في أعتى الديمقراطيات في العالم، حيث تخضع سياسة الدولة لامتحان كل أربعة أو ستة أعوام فحسب، وعلى المستوى الوطني العام.

ومن ناحية أخرى، فإن هذا الوضع أفرز وضعاً غريباً؛ إذ غاب البعد النقابي والمهني والتخصصي عن مؤسسات الأرض المحتلة لحساب البعد السياسي؛ وهذا، كما هو معروف، يحمل في ثناياه بعض الشرعية، نظراً إلى الوضع الخاص للفلسطينيين، إلا إنه بالتأكيد يأتي على حساب الكفاءة المهنية ويغيِّب البعد الاجتماعي في المؤسسة المعنية.

وما دامت الانتخابات قد تسيست بصورة شبه كاملة، فلا بد من أن تتأثر بالوضع السياسي المحلي والعربي، وحتى العالمي. فهي تجري في ظل استمرار عملية الأسلمة الجارية في المنطقة منذ أعوام، بعد أن أصبح الكثير من الناس "مقتنعاً" بأن الاتجاهات القومية والاشتراكية قد باءت بالفشل، وبأن المجال الوحيد الباقي هو "العودة" إلى الإسلام. كما أن هذه الانتخابات تجري في ظل التراجع العربي الشنيع أمام الغرب، وأمام الولايات المتحدة بالذات، بعد فرض نظام القطب الواحد في إثر انهيار الاتحاد السوفياتي. لقد بدا سُمي النظام العالمي الجديد أنه يثبت نفسه فقط بمقدار ما يضغط على العرب بصورة مهينة، وهذا هو الوضع الذي انبثق في ظله مؤتمر مدريد وما تبعه من مفاوضات للسلام. وفي ظل هذا الوضع بدت الحركة الإسلامية كأنها الصوت الوحيد الذي خرج على سيمفونية ذلك النظام المهين؛ فقد أخذت، بالنسبة إلى الكثيرين، تحمل طابعاً احتجاجياً بعد أن كانت تُعتبر لأعوام طويلة ماضية أداة لتثبيت الوضع القائم. وإن لمن الطبيعي جداً أن ترتد الجماهير إلى ماضيها عندما تجد أن حاضرها في انحطاط، وأن لا أمل بالإتيان بمستقبل أفضل.

عند الحديث عن الانتخابات في المؤسسات الفلسطينية في الأرض المحتلة، ينبغي أن نجيب عن بضع التساؤلات: هل حقاً أن نتائج تلك الانتخابات تعكس قوة التنظيمات المختلفة في الشارع الفلسطيني؟ هل تجري الانتخابات فيها بنزاهة تامة؟ وبعد ظهور النتائج، هل يجري تفسيرها بصورة واقعية من دون إقحام طموح وسياسة هذا التنظيم أو ذاك، وتحميل الانتخابات أكثر مما تحتمل؟

إن الانتخابات تجري تحت الاحتلال، ومهما تبلغ "ليبرالية" الاحتلال، فإن وجود الاحتلال في حد ذاته كاف لأن يكون سبباً في الشك في مدى ديمقراطية تلك العملية، بل في مدى مشروعيتها أحياناً. كما أن تبنّي مختلف التنظيمات للمؤسسات المختلفة يعوق إمكان أن تكون نتائج الانتخابات فيها انعكاساً للواقع الموضوعي. فمن المعروف أنه نتيجة للتنافس الطويل حيال بعض المؤسسات، أو نتيجة لطبيعة تأسيس تلك المؤسسات، فقد حُسمت الأمور في كثير منها في مصلحة هذا التنظيم او ذاك، واصبح من غير اليسير على شخص من التنظيم المنافس دخول تلك المؤسسة، إذ إن كلاًّ من التوظيف والترقية وتسلُّم المناصب خاضع للتنظيم أكثر مما هو خاضع لمعايير المؤسسة نفسها. ومن هنا، ينبغي أن نميز انتخابات مؤسسة ما من انتخابات مؤسسة أخرى، فلا يمكن أن تكون نتائج الانتخابات في جامعة غزة الإسلامية، مثلاً، انعكاساً موضوعياً لمواقف أهل القطاع، وكذلك لن تكون نتائج الانتخابات في جامعة النجاح انعكاساً موضوعياً لمواقف سكان شمال الضفة الغربية، بينما الانتخابات في المؤسسات المفتوحة، كتلك الخاصة بالأطباء والمحامين والمهندسين، هي بالتأكيد أكثر تمثيلاً للسكان من المؤسسات المحسوبة على تنظيم معين.

كما أن تحميل نتائج الانتخابات أكثر مما تحتمل يعني تجاهل مزاج الجماهير في تلك المرحلة، وتجاهلاً لدور الظرف الآني الذي كثيراً ما لعب بأمزجة الجماهير فأعطى نتائج معاكسة كلياً للنتائج المتوقعة؛ وهذا طبعاً لا يحدث عند الفلسطينيين فقط، بل أيضاً عند معظم الشعوب الأخرى، التي تمارَس الانتخابات فيها. كما أن ذلك يعني إمكان فهم جماهير الشعب الفلسطيني بطريقة تبدو هذه الجماهير فيها كأنها مجموعات بعيدة عن بعضها البعض لا سياسياً فحسب، بل ثقافياً أيضاً. فإذا فهمنا نجاح الكتلة الإسلامية في غرفة تجارة رام الله بأنه نجاح للشعار الإسلامي القائل إن "الإسلام هو الحل"، وإذا فهمنا نجاح الكتلة الوطنية في غرفة تجارة نابلس بأنه سقوط لذلك الشعار ونجاح لتنظيم علماني، فإن ذلك بالتأكيد يعني تجاهلاً لواقع الفلسطينيين تحت الاحتلال؛ ذلك الواقع الذي وحَّد معظمهم في ضرورة التخلص من الاحتلال، وجَمَعهم في هامش ثقافي متقارب.

من خلال متابعتنا لنتائج الانتخابات يتبين لنا أن الكتلة الوطنية في قطاع غزة حازت على أغلبية بسيطة في كل من نقابتي المهندسين والأطباء والجمعية الطبية، وعلى أغلبية أكبر في نقابة المحامين (65%)، في حين فازت الكتلة الإسلامية بأغلبية الأصوات في الغرفة التجارية، وهذا يعتبر في مصلحة الكتل الوطنية في قطاع غزة.

أما الضفة الغربية، فقد حصل الإسلاميون في مدينة الخليل على الأغلبية في كل من الغرفة التجارية، ومجلس طلبة معهد البوليتكنيك، والجامعة. وانحصر فوز الكتلة الوطنية في انتخابات جمعية الهلال الأحمر.

وفي مدينة رام الله، حصل الإسلاميون على فوز كبير في الغرفة التجارية. ويبدو أن هذا كان بمثابة ضوء أحمر بالنسبة إلى الجانب الآخر، الذي كان يستبعد فوز الإسلاميين في مدينة رام الله في أي مجال، على أساس أن هناك نسبة لا بأس فيها من المسيحيين، يُضاف إلى ذلك أن المدينة محسوبة تاريخياً على الوطنية والعلمانية واليسار. وحصل الإسلاميون في رام الله أيضاً على جميع مقاعد مجلس الطلبة في معهد المعلمين، وعلى المقاعد في اللجنة الفرعية لرابطة خريجي معاهد وكالة الغوث، في حين حصل الوطنيون على مقاعد مجلس الطلبة في معهد قلنديا المهني للاجئين، كما حصلوا مؤخراً على مقاعد مجلس طلبة بيرزيت.

وفي طولكرم، حصل الوطنيون على الأغلبية في نقابة أطباء الأسنان، وفي الغرفة  التجارية. وحصل الوطنيون على جميع مقاعد مجلس طلبة بيت لحم، على الرغم من أن الإسلاميين حصلوا على نحو ثلث الأصوات، وهذا يعتبر تقدماً في مكان كبيت لحم.

وفي مدينة نابلس، حصل الوطنيون على أغلبية مقاعد الغرفة التجارية، لكن بفارق ضئيل، قياساً بالإسلاميين (48% للوطنيين و45% للإسلاميين)، وكذلك حصل الوطنيون على جميع مقاعد نقابة العاملين في جامعة النجاح، بينما حصل الإسلاميون على 80% من أصوات رابطة خريجي معاهد وكالة الغوث في المدينة.

أما في مدينة القدس، فقد حصل الإسلاميون على 43% من الأصوات في انتخابات شركة الكهرباء، في حين حصل الوطنيون على 47% منها. كما حصل الجانب الوطني على جميع المقاعد في مستشفى المطَّلَع، في حين حصل الإسلاميون على أغلبية المقاعد في نقابة موظفي مستشفى المقاصد، وعلى جميع المقاعد في مجلس طلبة كلية الأمة في القدس.

يتبين من النتائج السابقة أمور عدة يبدو التطرق إليها من الأهمية بمكان؛ فالجانب الوطني أحرز بعض التقدم في قطاع غزة على حساب الجانب الديني، في حين حقق الإسلاميون بعض التقدم في الضفة الغربية على حساب الجانب الوطني. ويعكس هذا بعض الاستياء من التنظيم المهيمن في كلا المكانين، كما يعكس توجهاً نحو التنظيم الذي يعتبر معارضاً.

ويتبين أيضاً أن الإسلاميين سيطروا على مختلف فروع رابطة خريجي معاهد وكالة الغوث، وعلى معظم معاهد الوكالة أيضاً، وهو ما يدل على مدى التأييد الواسع الذي يتمتع الإسلاميون به في أوساط اللاجئين. لكن يلاحَظ غياب الإسلاميين عن الحركة العمالية، وعدم اهتمامهم بها اهتماماً كافياً. إن هاتين المسألتين، اهتمام الإخوان المسلمين بتوسيع قاعدتهم في صفوف اللاجئين، وعدم اهتمامهم الأبدي بالحركة النقابية العمالية، تعتبران مسألتين ملازمتين تاريخياً لحركة الإخوان المسلمين.

والملاحظة الأخيرة هي أنه على الرغم من عدم قدرة الإسلاميين على الفوز في انتخابات معظم الغرف التجارية، فإنهم باتوا يحرزون تقدماً كبيراً في هذا القطاع، إضافة إلى أن الشخصيات التي تفوز عادة في مثل هذا النوع من الانتخابات يغلب عليها الطابع الديني، وتكون شعاراتها "مُؤَسلمة" إلى حد بعيد، بغض النظر عن الكتلة التي تخوض الانتخابات تحت يافطتها. إنها مسألة تاريخية أيضاً، حيث يبدو أن الفكر الديني ما زال الأقرب إلى تحقيق مصالح فئات التجار من الفكر الدنيوي.

إن نتائج الانتخابات تعطي الإسلاميين وزناً انتخابياً تتراوح نسبته بين 35% و40% من الأصوات، بينما تعطيهم أقل من ذلك كثيراً إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد المؤسسات التي استطاعوا السيطرة عليها. فإذا اعتمد الفلسطينيون مسألة التمثيل النسبي في مؤسساتهم التشريعية، فإن للإسلاميين وزناً كالذي يطالبون به؛ أما إذا اعتمدوا مبدأ الأغلبية، فإنهم لن يصلوا إلى ذلك الوزن، هذا مع ملاحظة لا بد من تكرارها، وهي عدم إيماننا بأن نتائج تلك الانتخابات تمثل انعكاساً صحيحاً لرأي الشارع الفلسطيني في القضايا السياسية.

السيرة الشخصية: 

إياد برغوثي: محاضر في قسم علم الاجتماع في جامعة النجاح – نابلس.