دور البلديات في فلسطين ـ الدولة
كلمات مفتاحية: 
الدولة الفلسطينية
الحكم المحلي
رؤساء البلديات
نبذة مختصرة: 

أُعدت الدراسة في إطار بحث أجراه "مشروع الدراسات الفلسطينية" في رام الله. وهي تعالج أحد جوانب الحكم المحلي في فلسطين الدولة، وهو مستقبل البلديات. وهي تركز على توصيف وتحليل الواقع الحالي للبلديات من الزوايا السياسية والقانونية والمالية، وتقترح خطوطاً عريضة لتطوير المبنى البلدي للحكم المحلي في فلسطين الدولة. وهي تشتمل على جداول وخرائط.

النص الكامل: 

              تُعتبر مؤسسات الحكم المحلي عصباً رئيسياً في البنية العامة للدول الحديثة. فبالإضافة إلى كونها ركيزة أساسية لممارسة العملية السياسية على الصعيد المحلي للمجتمع، تقع عليها مسؤوليات وأعباء إدارية وخدمية رئيسية تطال مختلف مجالات الحياة المجتمعية. لذا، فإن فعالية هذه المؤسسات ونجاعتها في أداء دورها السياسي والقيام بمهماتها المختلفة تُعتبران من المؤشرات ذات الدلالة المهمة لا على نوعية وحيوية النظام السياسي داخل الدولة فحسب، بل على قوى المجتمع التفعيلية، وقدراته التنظيمية، وإمكاناته التنموية أيضاً.

وبما أن الشعب الفلسطيني يمر حالياً بمرحلة تجسيد إعلان الاستقلال، ووضع بنى الدولة الفلسطينية موضع التنفيذ الفعلي، فإن إيلاء الحكم المحلي كمفهوم، ومؤسساته كآليات، الكثير من الاهتمام، يصبح من الأولويات الحيوية. ويجدر، في هذا المجال، البدء منذ الآن بإجراء الاستعدادات الضرورية لتحديد معالم موضع التنفيذ الفعلي والفعّال حين الاستقلال. ويتطلب إجراء هذه الاستعدادات الاتفاق، أولاً، على الأسس الاتكازية لنظام الحكم المستقبلي في الدولة الفلسطينية، ثم تحديد المنطلقات الأساسية لحكم محلي منسجم مع هذه المرتكزات. ويأتي لاحقاً لذلك، وبناء عليه، البحث في التفاصيل المؤسسة الكفيلة بترجمة المجردات إلى الوقائع الملائمة.

تختص هذه الدراسة بمعالجة أحد جوانب الحكم المحلي في فلسطين الدولة، وهو مستقبل البلديات. وللقيام بذلك، تنطلق الدراسة من مرتكزات أساسية تعتبرها من المسلّمات، ولذا فإنها لا تخوض تفصيلاتها، ولا تنشغل بمحاولة إثبات جدواها. وعوضاً من ذلك يتم، بعد الأخذ في الاعتبار الإرث التاريخي العالق بالبلديات من زوايا عديدة، التركيز على توصيف وتحليل الواقع الحالي لها، ليكون منفذاً لوضع المبادىء العامة الضرورية لإحداث نقلة نوعية في بنية هيكليتها وطبيعة دورها ونشاطاتها، بالإضافة إلى تحديد نوعية علاقاتها بمؤسسات الحكم الأخرى. وضمن السياق يتم اقتراح خطوط عريضة لتطوير المبنى البلدي للحكم المحلي في فلسطين الدولة منذ مطلع الاستقلال، ليكون بشكله المقترح نافذاً مع بداية العقد الأول من القرن المقبل.

الوضع القائم

              يوجد حالياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة تسع وعشرون بلدية قائمة، إضافة إلى بلدية القدس العربية التي قررت السلطة الاحتلالية إلغاءها بعد أن اتخذت قراراً بضم المدينة المقدسة إلى إسرائيل عقب حرب 1967. ويوجد من هذه البلديات خمس وعشرون في الضفة الفلسطينية، وأربع في قطاع غزة. وتجدر الإشارة إلى أن فترة الاحتلال الإسرائيلي، التي امتدت حتى الآن إلى أربعة وعشرين عاماً ونيّف، لم تشهد سوى استحداث بلدية واحدة في الضفة (يطا)، وبلديتين في القطاع (دير البلح ورفح)، إضافة إلى ما كان موجوداً فيهما من بلديات. ويلاحظ أن آخر استحداث لبلدية في الأراضي المحتلة تم سنة 1974، وهو ما يعني أن فترة الثمانية عشر عاماً الأخيرة شهدت توقفاً تاماً في مجال تطوير الحكم المحلي على هذا الصعيد الأساسي (راجع الجدول رقم 1 والخريطة رقم 1). ويلاحظ أيضاً أن المدن التي فيها بلديات تتفاوت تفاوتاً كبيراً من حيث المساحة التنظيمية، وعدد السكان (غزة ونابلس في مقابل بيتونيا ودير دبوان على سبيل المثال)، والمرافق والخدمات المتوفرة للسكان، وأن البلديات ذاتها تتفاوت أيضاً، وبصورة واضحة، في مستوى نشاطاتها وعدد موظفيها والعمال (راجع الجداول 1 – 3). ولاستطلاع وضع البلديات القائم، وإبراز ما يشوبه من معوقات وسلبيات يُفترض تخطيها في المستقبل، يجدر التعرض – ولو باقتضاب – لجوانب محددة ومهمة في مجال تنظيم هذه المؤسسات وعملها.

 

الأساس السياسي القانوني

              لأن السلطة المركزية على فلسطين وأجزائها المختلفة كانت حتى الآن غريبة عنها، وغير نابعة منها، بل مورست عليها من مراكز خارجية، فقد أدّى ذلك إلى القيام بدور رئيسي كان، إلى حد كبير، سلبياً في عملية تطور مبنى ومهمات وأهداف مؤسسات الحكم المحلي فيها. ففلسطين خضعت فترة طويلة للسلطة العثمانية، ثم للانتداب البريطاني، وقُسِّمت قسراً بعد سنة 1948 لتتحكم في الضفة الغربية السلطة الأردنية، وفي قطاع غزة الإدارة المصرية، في حين أُقيمت إسرائيل على الجزء الأكبر منها. وبعد الاحتلال الإسرائيلي للبقية المتبقية من فلسطين في سنة 1967، خضعت الضفة الغربية وقطاع غزة لتحكم السلطة الاحتلالية الإسرائيلية. ولأن الهدف الأساسي للسلطات المركزية الخارجية المتعاقبة كان، إلى حد كبير، متشابهاً – وإنْ كان بدرجات نسبية متفاوتة – وتمحور حتى الآن حول طمس الهوية الفلسطينية وإلحاقها، ومنع الكيانية الفلسطينية من تحقيق استقلالها، فقد عملت هذه السلطات على تطوير مفهوم ومؤسسات الحكم المحلي في فلسطين بما يتلاءم مع أهدافها السياسية ويحقق أغراضها المصلحية.

              تمثّل الهدف الرئيسي للسلطات المركزية المتعاقبة على فلسطين، فيما يختص بمؤسسات الحكم المحلي، في الحؤول دون استقلالها وتطورها كمؤسسات رسمية منفصلة، في أهدافها ونشاطاتها ونطاق تمثيلها للسكان، عن سياق السلطة المركزية. وعلى العكس من ذلك، كانت نظرة هذه السلطات وغرضها المستمر أن تكون مؤسسات الحكم المحلي في فلسطين امتداداً عضوياً تابعاً لها، وذراعاً فعالة لبسط سيطرة السلطة المركزية على السكان. ولذا، قامت السلطات المركزية المتعاقبة، ومن خلال سنّ القوانين المتوالية، بالحدّ من القدرة التمثيلية للمؤسسات المحلية سياسياً، وبحصر نشاطاتها في القيام بمهمات تنفيذية في مجال المحدودية الخدمية للسكان، وبما يخلو من أي إمكان حقيقي للاضطلاع بدور تطويري مهم على الصعيد المحلي. وباختصار، لم تتطور مؤسسات الحكم المحلي في فلسطين، وعلى رأسها البلديات، نتيجة تفاعلات مجتمعية فرضت ذاتها على السلطة المركزية، وأوجدت الحاجة إلى إقامة مؤسسات محلية تمثيلية تُعبّر عن مصالح السكان وحاجاتهم، بل كانت وليدة الحاجات التحديثية للسلطة المركزية كوسيلة من وسائل مواجهة الضغوط الخارجية والداخلية الممارسة عليها. وكان الهدف الأساسي من إقامة هذه المؤسسات إحكام توصيل خط السلطة من المركز إلى الأطراف، لبسط السيطرة المركزية وإيجاد وسيلة فعالة لجمع الضرائب من السكان.[1]

وعلى الرغم من وجود عدد من المجالس البلدية التي كانت السلطة العثمانية أنشأتها في فلسطين قبل سنة 1877، فإن "قانون البلديات" الصادر عن البرلمان العثماني في تلك السنة يُعتبر الأساس القانوني والمرتكز التنظيمي لتركيبة المجالس البلدية وعمل البلديات في العهد العثماني، والتي بلغ عددها مع نهاية الحكم العثماني على فلسطين اثنتين وعشرين بلدية. ويتضح من مراجعة بنود ذلك القانون مدى محدودية تمثيل المجالس البلدية للسكان من جهة، وشدة تذييل البلديات للسلطة المركزية عن طريق صلاحيات الرقابة والإشراف الواسعة التي منحها للمتصرف أو للقائمقام على مجمل نشاطاتها، التي قضى أصلاً حصرها في مهمات خدمية محددة، من جهة أخرى.[2]

وبعد أن وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، بقي "قانون البلديات" العثماني نافذاً، مع تعديل جرى بمرسوم صادر سنة 1926 يتعلق بشروط الترشيح والانتخاب، حتى سنة 1934. ففي تلك السنة، أصدرت الحكومة الانتدابية "قانون البلديات" ليصبح المرجع الوحيد المعتمد لتنظيم عمل البلديات في البلد، التي لم يُزَد عددها طوال فترة الانتداب سوى باستحداث بلديتين في تل أبيب وبتاح تكفا. ويتضح أيضاً من مراجعة أحكام هذا القانون أنه قام، كسابقه، بتكبيل صلاحيات البلديات ونشاطاتها. وفي المقابل، منح السلطة المركزية، ممثلة بالمندوب السامي وحاكم اللواء، صلاحيات تحكّم واسعة طالت مختلف الجوانب التنظيمية والتنفيذية لعمل البلديات والمجالس البلدية، وذلك بعد أن اقتُطع منها للسلطة المركزية احتكار الإشراف المباشر على العديد من القطاعات العامة الأساسية، بحيث لم يتبق للبلديات سوى تنفيذ عدد محدود ومقنن من الخدمات الأساسية للسكان.[3]

وعقب انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، بقيت بلديتا مدينتي غزة وخان يونس في القطاع تعملان طوال فترة الإدارة المصرية، حتى سنة 1967، وفقاً لقانون البلديات الانتدابي لسنة 1934.[4]   وبالإضافة إلى استمرار محدودية سلطات وصلاحيات البلديتين المذكورتين، وتبعيتهما الكاملة لتوجهات الحاكمية الإدارية المصرية، يُلاحَظ أن الإدارة المصرية لم تقم طوال فترة وجودها في قطاع غزة بأية محاولة تُذكر لتطوير الحكم المحلي، مفهوماً ومؤسسات.

أما في الضفة الغربية، فقد ازداد عدد البلديات خلال الحقبة الأردنية من ثماني بلديات سنة 1948 إلى خمس وعشرين بلدية سنة 1967. وبعد فترة وجيزة من العمل بأول قانون بلديات أردني شامل صدر في سنة 1954، وتضمن بعض الجوانب الليبرالية تجاه طبيعة الحكم المحلي ومفهومه، تم في سنة 1955 إصدار قانون جديد يفرض على مؤسسات الحكم المحلي سيطرة مركزية شاملة وصارمة.[5]  وأصبحت البلديات بموجب هذا القانون مؤسسات مذيّلة لرغبات وتوجهات الحكومة ممثلة بوزير الداخلية، والمحافظ، والقائمقام. وانحصرت الصلاحيات البلدية في القيام ببعض المهمات الخدمية للسكان، وأُفرغت المجالس البلدية من معنى وفحوى تمثيلها السياسي للناخبين، وكانوا وفقاً لتعريف القانون القلة الميسورة من السكان.[6]

وفي سنة 1967، قامت إسرائيل باحتلال البقية المتبقية من فلسطين، فوقعت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سيطرتها. ومع أن البنية القانونية للحكم المحلي في الأراضي المحتلة بقيت حتى الآن، من الناحية الرسمية، على ما كانت عليه قبل الاحتلال الإسرائيلي، فإن السلطة المحتلة قامت من الناحية العملية بإدخال التعديلات التي تلائم حاجاتها وتوافق مصالحها، عن طريق إصدار الأوامر العسكرية. وشملت هذه التعديلات تخويل مختلف صلاحيات السلطة المركزية المتضمنة في القانونين الأردني والبريطاني المتعلقين بالبلديات لضابط الداخلية في جهاز الحكم العسكري، وإحكام الرقابة المشددة على عمل البلديات، وتقليص دورها التطويري والتنظيمي. فقد شكّلت البلديات الفلسطينية، في المنظور الإسرائيلي، مجرد حلقات محلية وسيطة فعالة لتنظيم علاقة "السكان" بالسلطة المركزية، وهي الحكم العسكري الاحتلالي، ولكن بصورة مفرغة من معظم الصلاحيات، وتابع بصورة تحرمها استقلالية الدور والقرار. ويمكن التأكيد باختصار أن احتلال إسرائيل للضفة والقطاع أوصل التسلط التقليدي الذي مارسته السلطات المركزية المتعاقبة في حكم فلسطين على مؤسسات الحكم المحلي، إلى ذروة مداه.[7]    وبخلاف الأمر العسكري الصادر سنة 1975، والقاضي بتعديل قانون البلديات الأردني بمنح المرأة حق الترشيح والانتخاب للمجالس البلدية، لا يُسجَّل للسلطة المحتلة تحقيق أية تطويرات في مجال الحكم المحلي في الأراضي المحتلة.[8]

وتجدر الإشارة إلى أن تقليص السلطة المحتلة لدور البلديات التطويري والتنظيمي، وتكبيل استقلاليتها وفعاليتها، حتى في المجالات الخدمية، ترافق خلال النصف الثاني لعقد السبعينات مع تنامي الدور السياسي لرؤساء البلديات المنتخبين في الانتخابات التي أُجريت في الضفة الغربية سنة 1976. فغياب السلطة الوطنية الفلسطينية المركزية في الأراضي المحتلة من جانب، ونجاح القوائم الوطنية المؤيدة لمنظمة التحرير الفلسطينية في تلك الانتخابات البلدية من جانب آخر، منحا المجالس البلدية المنتخبة صفة التمثيل العام للفلسطينيين تحت الاحتلال، وأبرزا دوراً سياسياً مركزياً لرؤسائها.[9]  وعلى الرغم من أن القضايا السياسية العامة التي استحوذت على جل وقت واهتمام العديد من رؤساء البلديات، خلال تلك الفترة، طغت على الدور المؤسسي العام للبلديات وأدت، في المقابل، إلى تأثيرات سلبية في مجال تصريف شؤونها ونشاطاتها والقيام بأعمالها، فإن مقتضيات وضع الاحتلال قضت بهذا الاتجاه. وقد استمر هذا الدور السياسي الفعال حتى مطلع الثمانينات، حين أدى استحداث جهاز "الإدارة المدنية" للسلطة المحتلة إلى طرد رؤساء بلديات وعزل العديد من المجالس البلدية نتيجة الاحتجاج، لتحل مكانها لجان معينة أدار بعضها موظفون إسرائيليون لعدة أعوام. وبعد سنة 1986، بدأت سلطة الاحتلال بتعيين رؤساء بلدية عرب ولجان محلية لإدارة شؤون بعض البلديات. لكن يجدر الانتباه إلى أن البلديات كانت، بحلول ذلك الوقت، قد أُفقدت جل مكانتها ودورها وصلاحيتها، إضافة إلى تواصلها الإيجابي مع المواطنين، وتحولت إلى هياكل تقدم بعض الخدمات الأساسية للسكان، وتنفذ ما تطلبه سلطة الاحتلال منها. وجاء اندلاع الانتفاضة، وما نجم عنها في الأراضي المحتلة من تطورات حتى الآن، ليزيد في تهميش دور البلديات، التي أصبحت الآن بحكم المشلول من المؤسسات.[10]

المعوقات الإدارية

              تعاني البلديات في الأراضي الفلسطينية المحتلة جراء معوقات إدارية متعددة، تحول دونها والقيام بمهمات وخدمات محلية فعالة. وتجدر الإشارة إلى أن من هذه المعوقات ما هو ناجم عن الأوضاع الخارجية المحيطة، ومنها ما هو ذاتي نابع من نظرة البلديات إلى نفسها، ومن طبيعة تركيبتها ونوعية العلاقة الإدارية الداخلية التي تحكم عملها وتتحكم في نشاطاتها. فعلى الرغم من أن واقع الاحتلال الإسرائيلي مسؤول، بصورة مباشرة ورئيسية، عما آلت أوضاع البلديات الفلسطينية إليه من ترد وسوء حال، مثلها في ذلك مثل أوضاع مختلف المؤسسات والقطاعات في الأراضي المحتلة، فإن ذلك لا يعني إمكان إعفاء الإرث السياسي – القانوني لعملية تراكم تسلط سلطات الحكم المركزية المتعاقبة في حكم فلسطين على أجهزة ومؤسسات الحكم المحلي فيها من المسؤولية. فهذا التسلط المشرَّع قانوناً (قانونا البلديات البريطاني لسنة 1934 والأردني لسنة 1955)، والمستند إلى ممارسة عملية طويلة الأمد، أدّى بالبلديات إلى أن تنظر إلى نفسها كجزء تابع للجهاز الحكومي، يقبع في أسفل حلقة من حلقات تسلسله الهرمي، وينفذ ما يوكل إليه من مهمات وفقاً للوائح المفروضة، ويفتقد الأسس والحوافز للقيام بالمبادرة الذاتية المستقلة. ولهذا السبب، وإضافة إلى كون البوتقة المجتمعية الفلسطينية تقليدية النظرة والتعامل مع السلطة، فإن البلديات في فلسطين نمت كمؤسسات "حكومية" محلية، تقليدية في التعامل مع مفهوم السلطة، كما في تركيبتها الإدارية، وأدت تراكمات النمو في هذا الاتجاه إلى ترسخ النمطية الرتيبة والمحدودية في رؤية ومجال عمل وأداء البلديات.

              تعاني البلديات الفلسطينية، ذاتياً، ومنذ نشأتها، جراء طغيان الإدارة المركزية الشديدة على إدارة أجهزتها، وفي عملية اتخاذ القرار فيها. فالجهاز الإداري داخل البلدية، وبغضّ النظر عن حجمها سواء أكان كبيراً أم صغيراً، منظم وفقاً لهيكل تنظيمي مبسَّط تتقسم بموجبه الوظائف المختلفة على أساس الاختصاص وطبيعة المهمات العامة المنوطة بالموظفين. وتُجمع الوظائف المتشابهة في التخصص، وبغياب وصف وظيفي محدد لكل منها، في مجموعات تُشكّل أقساماً مثل: المحاسبة، والمياه، والكهرباء. ويرئس كل قسم من هذه الأقسام أحد الموظفين، وغالباً نتيجة الأقدمية في الوظيفة، ويكون مسؤولاً عن متابعة العمل اليومي، وتصريف الشؤون التنفيذية، ورفع التقارير الدورية إلى سكرتير أو مدير البلدية، وهو المسؤول المركزي عن متابعة تنفيذ أعمال البلدية ومراعاتة شؤونها الإدارية. ويكون هذا السكرتير أو المدير، طبعاً، مسؤولاً بصورة مباشرة أمام رئيس البلدية.

              لكنْ تجدر الإشارة إلى أن التركيبة القانونية التي تحكم البلديات وعملها، إضافة إلى التقليد المتوارث من الممارسة العملية المديدة، لا تمنح الجهاز الإداري، ممثلاً بالسكرتير أو المدير ورؤساء الأقسام، ممارسة الكثير من الصلاحيات، وخصوصاً في مجال اتخاذ القرار، حتى لو كان في صلب موضوع الاختصاص، ويتطلب توفر نوع من الخبرة المحددة. فمجال اتخاذ القرار، من الناحية القانونية المجردة، هو من اختصاص المجلس البلدي، ومن الناحية الفعلية ينحصر في رئيس البلدية. فالبنود القانونية العديدة، إضافة إلى العادات والتقاليد الممارَسة والمنبثقة من مكانته الاعتبارية ضمن تركيبة الزعامة التقليدية، والتي يتم في الغالب الاعتماد عليها في اختيار القوائم المرشحة لانتخابات البلدية، منحت جميعها رئيس البلدية صلاحيات واسعة، وشبه مطلقة، في مجال اتخاذ القرار. وتجدر الإشارة إلى أن تفرغ رئيس البلدية التام لمتابعة القضايا البلدية، في حين اعتبرت عضوية المجلس البلدي أشبه بالمكانة الاعتبارية التي لم يمنحها القانون سمة التفرغ، قد ساهم أيضاً في تعزيز موقع الرئيس فيما يتعلق بعملية اتخاذ القرار. وقد حوّلت هذه الصلاحيات الواسعة التي يتمتع رئيس البلدية بها، والتي أرادتها السلطة المركزية مُلحقة به لتسهيل عملية الضبط والإلحاق، الجهاز الإداري في البلدية إلى جهاز تنفيذي محض يقوم بالواجبات والإجراءات المستندة إلى التعليمات والتوجيهات الصادرة عن رئيس البلدية. وعلى الرغم من أن هذه التعليمات والتوجيهات قد تتطلب تحصيل موافقة المجلس البلدي، فإن الآلية القانونية لتشكيل المجالس البلدية، وعدم تفرغ أعضائها، وتحكم رئيس البلدية في جدولة عقد اجتماعاتها وتحديد جداول أعمالها، تتيح مجتمعة للرئيس الإمكان السهل للحصول على الموافقات المطلوبة من المجلس البلدي. وفي غياب الرقابة والمحاسبة من المواطنين في أغلب الأحيان، ووجود تفاهم مصلحي بين أعضاء المجلس البلدي، وغياب الآلية الفعالة لاشتراك الجهاز الاداري داخل البلدية في عملية اتخاذ القرار، يصبح تفرد رئيس البلدية بهذه العملية أمراً نافذاً ومستحكماً كل الاستحكام.[11]

ومما يغذي المركزية الإدارية في البلديات تفشي عملية المحسوبية في التوظيف. فبما أن عضوية المجلس البلدي تفتح السبيل أمام ضمان وسيلة للحفاظ على المصالح الشخصية والعائلية، وبما أن رئيس البلدية يشرع منذ بداية تسلم منصبه في تطويع الجهاز الإداري لتنفيذ رغباته، فإن التوظيف في البلدية يصبح الوسيلة المثلى لاختراق الجهاز المؤسسي بزرع المؤيدين والتابعين فيما تسمح به الأوضاع والإمكانات من شواغر أو استحداثات وظيفية. كما أن التوظيف يُشكّل إحدى الوسائل الأساسية لإرضاء الناس وتحقيق التوازنات ضمن المجتمع التقليدي. فاللجوء إلى استخدام أسلوب "الوساطة"، والرد بـ"تلبية الوساطة"، هما من الوسائل المتعارف على استخدامها في المجتمع التقليدي لتجميع الدعم وتشكيل التحالفات. ومن خلال استخدام هذا الأسلوب في التوظيف داخل البلديات، استطاع رؤساء البلديات تقليدياً إرضاء أعضاء المجالس بمراعاة "وساطاتهم" التوظيفية، واسترضاء مراكز القوى المختلفة، سواء أكانت عشائرية أم سياسية، وفي الوقت ذاته إيجاد الآلة المساندة للرئيس داخل البلدية.[12]

وطبعاً، لا يعتبر هذا الأسلوب في التوظيف الأنجع لتوفير الأحسن من الكفاءات، والأفضل لتعزيز إمكانات ترشيد عملية اتخاذ القرار. فعلى الرغم من أن "المحسوبية" قد تؤدي، في نهاية المطاف، إلى توظيف كفاءات فإنها، بطبيعة الاستناد إلى "الوساطات"، تُفقد الكفاءةَ إمكان المواجهة ومخالفة الرأي والقرار، حتى لو كان بحق وعلى صواب. وبهذا يبقى رئيس البلدية قابعاً على رأس هرم إداري يُنفّذ له الرغبات، ولا يستطيع مجابهته في مسألة اتخاذ القرار.

وقد أدّى توارث "المحسوبية" في التوظيف داخل الجهاز الإداري للبلديات بصورة عامة، إلى جانب تقادم القوانين المتعلقة بشؤون موظفيها وعدم مواءمتها لمتطلبات العصر وظيفياً ومعيشياً، إلى تدني خبرات وقدرات هذا الجهاز من جانب، وإلى ضعف أساليب الإدارة الحديثة في تنظيم عمل البلديات وإدارة شؤونها من جانب آخر. فالتأهيل المستمر للموظف في أثناء فترة خدمته مفهوم غائب عند البلديات. فالموظف يأتي بالمؤهلات عند استلامه الوظيفة، وإنْ تكن ذات طبيعة أكاديمية فغالباً ما تقتصر على المجالات التقليدية التي تخلو من تخصصات الإدارة العامة والتخطيط وتنظيم المدن والصحة العامة. أما الخبرة خلال العمل فتتم بالمراس، لا عن طريق الابتعاث أو حضور الدورات التدريبية أو الندوات والمؤتمرات العلمية. ولهذا يتم العمل وفقاً لرتابة تقليدية، وبغياب إمكانات التطوير المعرفي أو المنهجي ومن دون استيعاب الوسائل الإسنادية الحديثة. فالملفات الورقية ما زالت حتى الآن تستأثر بوقت وجهد الكثيرين من الموظفين، حتى بعد أن تم إدخال الحاسوب في عدد محدود من أقسام بعض البلديات.

وإذا أُضيف إلى كل ما سبق تدني مستوى رواتب موظفي وعمال البلديات، وعدم مواكبتها لارتفاع مستوى المعيشة ونسب الغلاء على الإطلاق، واضطرار الكثيرين من الموظفين إلى العمل في وظيفتين في آن واحد، نستطيع الاستخلاص أن نجاعة العمل ليست على ما يرام. وبينما تتسرب المعلومات عن تزايد عدم التزام الدوام، تتناقل الشائعات أخبار تلقي الرشاوى في بعض البلديات، وحدوث نقص عند كل جرد للمستودعات.[13]

وطبعاً، فإن السلطة المحتلة غير معنية على الإطلاق بتحسين البلديات وأدائها. فهي تريدها مفرغة من جميع الإمكانات، ومجرد أجهزة وسيطة تعالج الثانوي من الخدمات وتمتص النقمات المتزايدة من المواطنين. وفعلاً، وصل الحال بالبلديات، وخصوصاً في غياب المجالس المنتخبة والانتخابات من جهة، والميزانيات والصلاحيات التي تمكّن من تطوير مجالات العمل من جهة ثانية، وكوادر الموظفين المؤهلة للقيام بالمهمات التنظيمية والتطويرية إلى جانب الخدمات الأساسية من جهة ثالثة، إلى مستوى الانحدار المؤسسي الذي ينذر بالانهيار التام.

الشؤون المالية

              بما أن الاستقلال المالي (الاقتصادي) أساس للاستقلال السياسي، فقد قامت السلطات المركزية المتعاقبة في حكم فلسطين بإحكام قبضتها على الشؤون المالية للبلديات، حرصاً على ضمان الولاء والتبعية. ولتحقيق تقييد حرية تصرف البلديات، وتوثيق ربطها وارتباطها بمسؤول السلطة المركزية، أوغلت القوانين المتتابعة، كالبريطاني لسنة 1934 (الساري في قطاع غزة) والأردني لسنة 1955 (المعمول به في الضفة)، في تفصيل البنود المالية وتحديدها بنيوياً وإجرائياً، بما يضمن تثبيت اعتمادية البلديات على السلطة المركزية كمصدر تمويل أساسي من جهة، وفرض رقابة مالية صارمة من قبل هذه السلطة على البلديات من جهة أخرى.

              وفقاً للقانون الأردني لسنة 1955، والمستند أصلاً إلى القانون البريطاني لسنة 1934، تتشكل مداخيل البلديات من نوعين من الإيرادات: عادية، وغير عادية. وتتحدد الإيرادات العادية بأربعة أنواع: أولها، مخصصات تتم جبايتها عن طريق أجهزة السلطة المركزية، ثم تُحوَّل بعد اقتطاع نسب الجباية إلى خزائن البلديات وفقاً لمعادلة تقررها السلطة المركزية، وتعتمد أساساً على حجم المدينة وأهميتها. وتشتمل هذه المخصصات على ضريبة الأملاك، ورخص المهن، وضريبة المحروقات؛ ثانيها، رسوم تتم جبايتها من قبل البلديات مباشرة، وتضم رسوم الفواكه والخضروات والذبح، ورخص الحرف والمهن، ورسوم رخص البناء؛ ثالثها، إيرادات متنوعة، مثل إيجار أملاك البلديات، وناتج بيع بعض الموجودات، وفوائد مصرفية على ودائع البلديات، ورسوم النقل على الطرقات؛ رابع الإيرادات العادية يتكون من مداخيل مشاريع المياه والكهرباء والمجاري، وحديثاً أُضيفت رسوم لجمع النفاية والإطفاء. أما الايرادات غير العادية فتتكون، في الأساس، من الهبات والقروض الحكومية وغير الحكومية.

وفيما يتعلق بمصاريف البلديات، فهي تنقسم أيضاً إلى شقين: فهناك المصاريف العادية، وتتكون من مصاريف جارية كالرواتب واللوازم والخدمات، وتكاليف الإنفاق على صيانة المشاريع الخدمية كالماء والكهرباء، وخدمة فوائد تسديد القروض في حالة البلديات المقترضة؛ أما الشق الثاني، فهو المصاريف غير العادية، وهي المتعلقة بالمجالات التطويرية، الخدمية منها والإنتاجية.

وينجم عن نوعية إيرادات البلديات ومصاريفها نوعان من الميزانيات البلدية: الميزانية العادية، وهي الأساسية، وتضم الإيرادات والمصاريف العادية، ولذلك تشتمل على معظم المعاملات المالية للبلديات؛ والميزانية التطويرية، وتتكون من الإيرادات والمصاريف غير الاعتيادية، وهي في العادة محدودة وغير ثابتة تبعاً لإمكانات تحصيل القروض والهبات.[14]

يتضح من خلال مراجعة المتوفر من الميزانيات السنوية للبلديات الفلسطينية، عبر حقب زمنية سابقة، أن وضعها المالي لم يكن باستمرار كافياً أو مستقراً. وشكّل ذلك الوضع السلبي على الدوام، والناجم كما أسلفنا عن رغبة السلطة المركزية في التحكم في مؤسسات الحكم المحلي، أحد المولّدات الأساسية لسلسلة المشكلات والتقصيرات التي يعاني بسببها أداء البلديات. وطبعاً، فإن لسلبية وضع البلديات المالي العديد من المسببات.

فمن ناحية، عانت البلديات دوماً جراء محدودية الموارد المالية وتذبذبها. فارتباط جزء كبير من هذه الموارد بالسلطة المركزية، إنْ كان بصورة مباشرة عن طريق منح القروض والهبات، أو بصورة غير مباشرة عن طريق الجباية المركزية وتحديد النسب المخصصة لكل بلدية من البلديات، قلّص إلى درجة كبيرة تحكم البلديات في مواردها، ووضعها تحت رحمة السلطة المركزية.[15]  وبما أن السلطات المركزية المتعاقبة في حكم فلسطين كانت من خارجها ومفروضة عليها فإنها لم تقم، حرصاً على مصالحها، بتثبيت الموارد المخصصة للبلديات، أو بتوخي الثبات في عملية توزيعها. بل على العكس، فقد استخدمت قدرتها على التلاعب بنسب المخصصات وطرق توزيعها وسيلة للضغط على البلديات، فكانت تمنح وتمنع وفقاً لاعتبارات سياسية أكثر منها إدارية. ونلاحظ من مراجعة الوضع المالي للبلديات الفلسطينية، خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي، تراجعاً واضحاً في نسبة مساهمة مخصصات السلطة المركزية (سلطة الاحتلال) في الميزانيات المتتالية. ففي حين وصلت نسبة هذه المساهمة في المداخيل العادية لبلديات الضفة الفلسطينية إلى 61,4% من ميزانية العام المالي 1968 – 1969، انخفضت إلى نسبة 32,9% من ميزانية العام المالي 1985 – 1986 (راجع الجدول رقم 4). وبينما شكلت هذه النسبة 97% من مداخيل الميزانية غير العادية (التطويرية) لهذه البلديات في العام المالي 1968 – 1969، انحسرت لتصبح 48,1% من هذه الميزانية في العام المالي 1985 – 1986 (راجع الجدول رقم 5).

كما تجدر الإشارة إلى أن مصادر التمويل الخارجية للبلديات تذبذبت، هي الأخرى، وفقاً لاعتبارات سياسية. ولذا، لا يمكن اعتبار أنها تشكل مصدراً موثوقاً به ومستمراً لمداخيل البلديات. فبينما لم تحصل بلديات الضفة المحتلة على أية هبات أو قروض من الخارج، منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي حتى منتصف السبعينات، بدأت تتلقى المساعدات الخارجية – ومعظمها من مصادر عربية – بعد تسلم المجالس البلدية الوطنية إدارتها عقب انتخابات سنة 1976. وبعد تأليف اللجنة الأردنية – الفلسطينية المشتركة، وصلت هذه المساعدات إلى أعلى نسبة لها في العام المالي 1981 – 1982، إذ بلغت نحو 97% من مجموع مداخيل الميزانية غير الاعتيادية. وفي المجمل، خصّت اللجنة المشتركة البلديات الفلسطينية، بين سنة 1979 وسنة 1985، بنحو 28 مليون دينار من المساعدات.[16]   لكن، ولأسباب سياسية عديدة ليس هنا المجال لشرحها، عادت هذه المساعدات فانحسرت منذ منتصف الثمانينات. وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، اعتمدت البلديات الفلسطينية في تمويل تطوير مشاريعها الخدمية على المساعدات الأجنبية المتفرقة، والتي تتلقاها من المصادر الحكومية ومؤسسات التنمية الطوعية.[17]

ومن ناحية ثانية، عانت البلديات باستمرار أيضاً جراء القيود القانونية المكبِّلة لقدراتها على تعزيز استقلاليتها المالية. فالقوانين المرعية تحد، إلى درجة شبه كاملة، من قدرة البلديات على التصرف باستقلالية في مسألة فرض الضرائب على السكان. فعدا أنواع الضرائب والرسوم المذكورة نصّاً في هذه القوانين، التي تحدد أيضاً كيفية جبايتها، لا يُسمح للمجلس البلدي بإقرار جباية أية ضريبة خاصة يفرضها وفقاً للحاجة على سكان المدينة. فمثل هذا الإجراء يبقى منوطاً بموافقة السلطة المركزية، ويتحدد في الأساس وفقاً لاعتباراتها وشروطها. ووفقاً للقانون الأردني، على سبيل المثال، تعامل البلديات كدوائر حكومية، وتخضع تبعاً لذلك لإجراءات تفتيش واستجواب صارمة في القضايا المالية من قبل مسؤولي وزارة الداخلية. وإضافة إلى ذلك، يفرض القانون تقييدات شديدة على المجلس البلدي، مع أنه يُنتخب ويُمثّل السكان، في مجال العطاءات. ولا يُسمح لرئيس البلدية بالتصرف المالي المستقل، إلا في حدود المائة دينار؛ وهي مبلغ بكل المقاييس الحالية محدود جداً ولا يفي بأي غرض حيوي. وعندما تصل المرحلة إلى البحث في تمويل المشاريع التطويرية، يجد المجلس البلدي نفسه مقيداً بسلسلة قانونية مستفيضة من الإجراءات البيروقراطية التي تفرضها السلطة المركزية.[18]   ومع أن النصف الثاني من عقد السبعينات شهد تسهيلاً على المجالس البلدية، في مجال جمع المنح والهبات من الخارج، فإن دافع السلطة المحتلة لم يكن تعزيز الاستقلالية المالية للبلديات، بل تقليص المساهمات المفروضة قانونياً على "الإدارة المدنية" في ميزانيات البلديات، قدر الإمكان. فمنطلق سلطة الاحتلال كان استغلال البلديات لتمرير وتحقيق المصالح الاحتلالية، لكن من دون تحمل "عبء" النفقات، أو فسح المجال أمام البلديات لتحقيق الاستقلالية المالية، وعن طريقها الإدارية. ولذلك، أمعنت السلطة المحتلة في تحوير وتوظيف جميع "المنافذ" القانونية لإحكام سيطرتها على مجمل العملية المالية، لا للبلديات فحسب بل أيضاً لمجمل جهاز السلطة المحلية في الأراضي المحتلة.

ومن ناحية ثالثة، أدى ضعف قدرة البلديات على جباية وتحصيل أموالها من السكان إلى إضافة سبب آخر مهم إلى سوء وضعها المالي. فالبلديات لم تقم تقليدياً، وخصوصاً قبل الاحتلال الإسرائيلي، باستغلال الصلاحيات التي تخولها لها القوانين المرعية في مجال تفعيل قدراتها على الجباية، مثل: إنشاء محاكم بلدية، وفرض الغرامات على السكان عند عدم دفعهم المستحقات من الرسوم والضرائب البلدية. كما أنها لم تجد، في ذلك الوقت، الحاجة مُلحّة إلى إيجاد جهاز جباية فعّال داخلها. فقد اعتمدت البلديات على أجهزة السلطة المركزية المختلفة لتحصيل أموالها من السكان الذين يتخلفون عن تسديد التزاماتهم المالية لها. وعلى الرغم من أن الوعي الضريبي العام للمجتمع كان متدنياً، ومع أن شعور المواطنة القائم على توازن الحقوق والواجبات لم يكن مُبلوراً بقيمة مجتمعية فعّالة، فإن البلديات في تلك الفترة لم تواجه، من خلال اعتمادها على أجهزة السلطة المركزية، مشكلة كبيرة في تحصيل مستحقاتها من السكان. لكنْ عندما وقع الاحتلال الإسرائيلي، وأصبحت السلطة المركزية في يد الأعداء، بدأت البلديات مباشرة تواجه مشكلة في مجال الجباية. فقد قلّصت الدواعي الوطنية إمكانات لجوئها إلى أجهزة السلطة المركزية، كالشرطة على سبيل المثال، من أجل جمع الأموال؛ إذ اعتُبر هذا الأمر دعوة إلى تدخل السلطة المحتلة في الشؤون الفلسطينية الداخلية. وعندما استولت هذه السلطة على البلديات في مطلع الثمانينات، وقامت بعزل العديد من المجالس البلدية وتعيين بدائلها الملائمة لإدارة البلديات، أصبحت العلاقة التي تربط الطرفين مباشرة جداً، وواضحة للعيان. ونتيجة ذلك، تلطّخت سمعة البلديات وساءت علاقتها بالمواطنين، وأصبح عدم التزام السكان دفع مستحقاتهم من الرسوم والضرائب البلدية يُصنّف تحت باب التزام المصلحة الوطنية. وجاء اندلاع الانتفاضة ليتوج هذا التوجه الذي دخل تحت عنوان مقاطعة الاحتلال. وكانت النتيجة أن فقدت البلديات، بصورة شبه كاملة، قدرتها على الجباية والتحصيل، وأصبح عجزها المالي في تصاعد مستمر. فمع أنها لا تُقدّم للمواطنين سوى الخدمات الأساسية فإنها أصبحت، في المقابل، في وضع لا يمكّنها من تحصيل رسوم هذه الخدمات من نسبة عالية منهم.[19]

وفي المحصلة، فإن وضع البلديات المالي كان، من النواحي القانونية والبنيوية والاجتماعية، مقيداً منذ الأساس. وأدت أوضاع الاحتلال الإسرائيلي إلى تفاقم هذه التقييدات إلى الدرجة التي تنذر بإفلاس البلديات.

الأداء العام

لكون السلطة المركزية نظرت على الدوام إلى البلديات الفلسطينية كمؤسسات تابعة، يتم عن طريقها تغليف اختراق المجتمع بحلَّة محلية، ولكون الزعامة المدينية الفلسطينية نظرت عامة إلى البلديات كمنفذ لتدعيم النفوذ السياسي على الصعيدين المحلي والمركزي، وكمدخل لتحقيق المصالح ضمن تركيبة المجتمع التقليدية، فإن هذه البلديات نشأت وترعرعت مكبَّلة في مفهومها عن طبيعة دورها ووظيفتها. فالبلديات الفلسطينية حتى الآن لم يُرَد لها، ولم تنظر هي إلى نفسها أنها مؤسسات إدارة محلية تتمثل داخلها، من خلال انتخابات المجلس البلدي، مواقف ومطالب المواطنين، فتكون مسؤولة أمامهم عن التعبير عنها وتنفيذ الممكن والمفيد منها، وتخضع في أدائها لمساءلتهم ولمراقبة السلطة المركزية ضماناً للنجاعة والكفاءة. ومع أن للبلديات، كمؤسسات حكم محلي، بُعداً سياسياً تمثيلياً واضحاً ومشروعاً، فإن الأطراف المعنية كافة – سلطة مركزية وزعامة مدنية ومواطنين سواء بسواء – خلطت على الدوام، ولاعتبارات مختلفة، هذا البُعد السياسي بالبعد الإداري الوظيفي للبلديات، الأمر الذي أدّى إلى اختلاط الأولويات، وبالتالي إلى ضعف مواصفات الأداء الوظيفية.

أدت النظرة السياسية التقليدية الضيقة إلى طبيعة دور البلديات، والقيود القانونية المفروضة عليها، وعدم استقلاليتها المالية، إضافة إلى ما تعانيه بنيوياً جراء معوقات إدارية، إلى انكفاء دور البلديات الوظيفي على مجال تقديم الخدمات الأساسية الحيوية للسكان، كتوفير المياه والكهرباء وتعبيد الطرق وجمع النفايات. ونتيجة لهذا الانكفاء، ولمختلف القيود والمكبلات، انحكم التحديد الداخلي لسياسات البلديات المستقبلية، في المجالات الوظيفية، بالانغلاق المستمر في إطار التخطيط لتطوير مجال هذه الخدمات.[20]  ونظراً إلى عقبة الاحتلال الإسرائيلي التي أضافت إلى المعوقات الذاتية بعداً موضوعياً خانقاً، فإن تحديد سياسات البلديات لم يتوسع حتى الآن ليشمل آفاق الاهتمام بالمدن والسكان من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. بل على العكس من ذلك، فقد انحسر الأداء في مجال الخدمات، وتقلصت أنواع الخدمات المقدمة من البلديات. فالصلاحيات التنظيمية للمجلس البلدي، كلجنة تنظيم محلية، قُيّدت وتقلصت، ومجال تطوير الخدمات توقف تقريباً، والقيام بمهمات التخطيط غُيّب، ولم يبق أمام البلديات هذه الأيام سوى تركيز أدائها على المحدود من الخدمات، ومحاولة القيام بصيانتها قدر الإمكان. لكن خنق هذه المؤسسات من السلطة المحتلة والمواطنين، كل لأسبابه الخاصة، أوصل أداء البلديات المقلَّص أصلاً إلى مستوى الحد الأدنى، وتخطاه في بعض المجالات ليصل إلى التوقف التام.[21]

أما العلاقة بين البلدية والجمهور، فمنع أنها اختلفت من مدينة إلى أخرى، ومن مجلس بلدي إلى آخر، فإنها تمّت حتى الآن وفقاً لقواعد المجتمع التقليدي وأعرافه. فالمجلس البلدي كان يُمثّل، في العادة، تركيبة عائلية – أُضيف إليه خلال انتخابات فترة الاحتلال الإسرائيلي أبعاد سياسية – وكان الوصول إليه يتم عبر التحالفات العائلية. والعائلة التي تتمثل داخل المجلس كانت تحظى بحظوة ومحاباة في التوظيف وتلقي الخدمات. فإذا رغب رئيس البلدية أو أحد أعضاء المجلس البلدي، كانت الخريطة التنظيمية تخالَف بحيث يُفتح الشارع بالدوران والتعرج حول أرض لئلا يقطعها، وكانت شوارع فرعية تُعبّد قبل الشوارع الرئيسية. أما المياه والكرهباء فلا تنقطع عن مناطق سكن أعضاء المجلس البلدي والمقربين من أصدقائهم. فالمحسوبية نمط شائع في تحديد العلاقات والمعاملات في المجتمعات والمؤسسات التقليدية، والبلديات الفلسطينية كانت حتى الآن مؤسسات تقليدية تعمل في إطار مجتمع تقليدي، ولذلك جاء أداؤها تقليدياً.

وعلى الرغم من أن جمهور المواطنين تصرّف وفقاً للنمط المجتمعي السائد، فقَبِل بالمحسوبية ورعاها، فإن التذمرات مع ذلك كانت دائماً عالية. وبما أن علاقة الجمهور بالمجلس لم تكن تتحدد وفقاً لأسس مرعية للرقابة والمحاسبة، بل بالاستناد إلى العلاقات الشخصية والعائلية، فإن قضاء المصالح اعتمد على "تدبير الوساطة"؛ فإنْ وُجدت وتمت المصلحة قُضي الأمر، وإنْ لم تتيسر المصلحة ساد التذمر وبدأ القدح بالمجلس البلدي بالانتشار.

وفي الواقع، تعاني البلديات الفلسطينية في شتى المجالات، منطلقاً ودوراً وأداء. وتقلِّص هذه المعاناة بصورة متفاوتة، لكن كبيرة، إمكاناتها المؤسسية وفعاليتها الأدائية. وبما أن المفروض في مقومات النظام التمثيلي الفعال، والقائم على مبدأي الديمقراطية واللامركزية، أن تكون مؤسسات الحكم المحلي على غير هذه الحال، فإنه يجب أن يُعاد النظر جذرياً في مفهوم ومبنى الحكم المحلي في فلسطين الدولة، وأن يطال مجال التغيير البلديات الفلسطينية بعد الاستقلال في مختلف المجالات.

الوضع المستقبلي

المرتكزات الأساسية

              لاستشراف مستقبل الحكم المحلي في فلسطين الدولة، والبدء بتفصيل الدور المنوط بمؤسسات الإدارة المحلية فيها، وخصوصاً البلديات، يجدر أن يصار إلى تحديد المعالم الأساسية لطبيعة النظام السياسي في الدولة الفلسطينية وفقاً لما تضمنته وثيقة الاستقلال من منطلقات عامة. ويبرز في هذا التحديد أربعة مرتكزات أساسية:

1-  أنّ النظام السياسي الفلسطيني يقوم على أساس تطبيق مبدأ ديمقراطية الحكم. فالتجربة الفلسطينية، في الشتات وتحت نير الاحتلال، ولّدت بطبيعتها مجتمعاً فلسطينياً يقوم على التعددية في جوانب مختلفة. لذا فإن الشعب الفلسطيني يسعى، بعد تحقيق الاستقلال، لإقامة نظام سياسي يصون التعددية الفلسطينية، ويحفظ حقوق الأقليات ومصالحها، ويكفل الحريات وحقوق الإنسان، ويضمن للمواطن إمكان المشاركة الفعالة والمؤثرة في العملية السياسية، ضمن مختلف الصعد وعلى المستويات كافة. وعلى هذا الأساس، يُفترض بنظام الحكم الفلسطيني أن يكون دستورياً وقانونياً وانتخابياً، يقوم على أساس فصل السلطات بنيوياً وإجرائياً، بما يضمن وجود توازنات بين هذه السلطات، وضمن مستويات كل سلطة منها. ويهدف فصل السلطات، طبعاً، إلى منع تكريس وتكديس السلطة بصورة تسمح بنمو النزعات والتصرفات الفردية والتسلطية والسلطوية في مبنى الحكم وطريقته. ومن ناحية أخرى، يكفل هذا الفصل السبيل لإيجاد الضوابط الكفيلة بضمان قانونية ومحدودية تدخل النظام السياسي في جوانب الحياة المدنية للمجتمع.

2-  ينبع من اختيار مبدأ ديمقراطية الحكم مرتكزاً للنظام السياسي الفلسطيني، تطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية في الحكم، وبالتحديد في مجال توزيع السلطات والصلاحيات المختلفة. فالنظام الديمقراطي يكتمل عندما يتم استكمال الفصل الأفقي للسلطات بعضها عن بعض بفصل مسؤوليات وصلاحيات كل سلطة عمودياً، وبشكل يضمن توزيع هذه المسؤوليات والصلاحيات على أكثر من مستوى من مستويات الحكم. والتوزيع العمودي للسلطة يُشكّل إحدى الطرق الأساسية لتفتيتها بشكل يُفترض أن يجعلها أكثر التصاقاً وتجاوباً مع حاجات ورغبات مختلف مستويات التجمعات السكانية. وبتطبيق اللامركزية في نظام الحكم، يصبح لكل مستوى من مستويات إدارته اختصاصات ومسؤوليات خاصة، فتتعزز استقلاليته في إطار تكاملي يجمع مختلف المستويات لتشكّل مع بعضها البعض ترابطاً عنقودياً متكاملاً من السلطة المتدرجة على أساس ضمان عدم استطاعة المستوى الأعلى في السلطة تذييل المستوى الأدنى له. فمن خلال تطبيق مبدأ اللامركزية، يصبح لكل مستوى من مستويات السلطة قدراته المستقلة في التشريع والتنفيذ على النظاق وفي المجالات المخوّل بها وفقاً للأحكام القانونية المتعلقة باقتسام السلطة.

3- يتأتى من تطبيق اللامركزية أساساً لتقسيم الحكم، ضرورة التخصصية الوظائفية لمستويات السلطة المختلفة. وتفترض هذه التخصصية ملاءمة طبيعة العمل السياسي مع كل مستوى من مستويات السلطة، وتجنب الخلط بين السياسة والإدارة في تصريف شؤون كل واحد من هذه المستويات. فمستوى الحكم المحلي، على سبيل المثال، هو مستوى من العمل السياسي والإداري القائم بحد ذاته، ويجب العمل ضمنه على هذا الأساس ووفقاً للشروط والمتطلبات الخاصة به. وتجدر الإشارة إلى أن للعمل السياسي على المستوى المحلي منطلقات ووسائل وأهدافاً محددة، ليست بالضرورة على تماثل أو ارتباط بمستويات السلطة الأخرى. ولهذا السبب، يجب أن يتم الخلط بين العمل السياسي على المستوى المحلي والمستويات الأخرى؛ ففي ذلك دعوة إلى تذييل الأول وإلحاقه بمستويات السلطة الأشمل منه. إن مستوى الحكم المحلي في نظام مبني على لامركزية السلطة مستوى قائم بذاته، وعلى العاملين في هذا المستوى الوعي أنه لا يُشكل أدنى حلقة في حلقات السلطة المركزية،بل يشكل حلقة دائمة قائمة بحدّ ذاتها، لها أسس واختصاصات واهتمامات محددة. وبهذا الوعي، والعمل بموجبه، يستطيع من يعمل في المجال السياسي على هذا المستوى المساهمة إيجابياً في مجمل العملية السياسية الجارية في البلد.

4-  إن مستوى الحكم المحلي في فلسطين الدولة، مثله مثل باقي مستويات الحكم الأخرى، سيتحمل خلال العقد الأول من عمرها أعباء ومسؤوليات تتخطى المعتاد من تصريف العمل الرتيب في مجالي التنظيم والخدمات. فبالإضافة إلى هذين المجالين، يقع على عاتق أجهزة ومؤسسات الحكم المحلي الفلسطيني، وخصوصاً البلديات، الاضطلاع بمسؤوليات تنموية تفوق المتوقع من مثيلاتها في الدول الأخرى. فالدولة الفلسطينية ستواجه، بعد التحرر من نير الاحتلال، حاجات أساسية في شتى المجالات وعلى مختلف الصعد. فإضافة إلى ضرورة تعمير وإعمار البلد بعد حصار الاحتلال، وإحداث تغيير مبرمج ومنظّم للمسارات التي فرضتها السلطة الاحتلالية لمدة طويلة على مجمل نشاطات الحياة الفلسطينية، يقع على عاتق مختلف أجهزة الدولة وجميع مستويات الحكم فيها اتخاذ الإجراءات السريعة والكفيلة باستيعاب كفّي وفعّال لمواطنيها في الشتات. وضمن هذه المهمات الجسام يُفترض أن تتحمل أجهزة الحكم المحلي نصيباً وافراً من المسؤوليات. فالبنى التحتية الموجودة حالياً في الأراضي المحتلة بحاجة إلى الكثير من التحديث، والمرافق الخدمية إلى الكثير من التطوير.  أما النشاطات الاقتصادية فهي تحتاج إلى التحرير من قيود التكبيل واحتجاز التطور التي فُرضت عليها في إبان فترة الاحتلال، ثم تتطلب إحداث نهضة حقيقية. وبما أن لمستوى الحكم المحلي، وخصوصاً البلديات، علاقة مباشرة بجميع هذه الجوانب، فإن مجالات التنمية تصبح على رأس قائمة أولويات هذا المستوى من الاهتمامات.

الوضع المستقبلي

              من الواضح أن الفترة التي ستعقب إزالة الاحتلال الإسرائيلي وتَحقُّق الاستقلال الفلسطيني، ستفرض على عاتق الدولة الفلسطينية الوليدة الكثير من المتطلبات والحاجات. ومن البديهي أن يحظى تقسيم السلطة، أفقياً وعمودياً، بالكثير من الاهتمام، وأن يكون في تلك الفترة على رأس قائمة الأولويات، إذ سيُشكّل المدخل التطبيقي لتنظيم عملية الحكم في البلد، وبالتالي سيحدد تفصيلات الإطار التنظيمي العام لمختلف المجالات والنشاطات الحيوية في الدولة الوليدة. وطبعاً، يُفتَرض أن يترجم الإطار التنظيمي العام ويُفصِّل المنطلقات والمبادىء الأساسية المتضمنة في وثيقة الاستقلال، وعلى رأسها الامتثال لمبادىء ديمقراطية الحكم بكل ما تشتمله من مقتضيات وضمانات. ويقف على رأس هذه المقتضيات، التي تحمل في صلبها الضمان بعدم إمكان تجمُّع واحتكار عملية اتخاذ القرار السياسي في البلد من جهة، وفتح المجال لوجود آليات فعّالة للمحاسبة والرقابة من جهة أخرى، ضرورة إيجاد مجموعة متكاملة من الضوابط والتوازنات الداخلية التي تحكم فعلياً المجرى العملي لفعل النظام السياسي المفترض تطبيقه بموجب وثيقة الاستقلال. ويتحقق هذا الهدف الأساسي عن طريق تقسيم السلطة، وتوزيع الصلاحيات أفقياً داخل كل مستوى من مستويات الحكم من جهة، وتطبيق مبدأ اللامركزية في تقسيم السلطة عمودياً بين المستويات بما يُحقّق التواصل فيما بينها، لكن على أساس الاستقلال في عملية اتخاذ القرار المتعلق بمجال الاختصاص ونطاقه، من جهة أخرى.

              وبما أن تحديد الوضع المستقبلي لمستوى الحكم المحلي في فلسطين الدولة، بما في ذلك صلاحيات البلديات ونشاطاتها، ليس بالموضوع المستقل تماماً بل يعتمد في الأساس على تحديد طبيعة تقسيم مستويات الحكم، وتنظيم العلاقة فيما بينها، فإننا نجد من الضروري أن يتضمن الاستشراف، ولو بإيجاز الخطوط العريضة، التطرق إلى هذا المجال. وبعد أن يجري تحديد المدخل وتوضيح أسس الإطار التنظيمي العام لتقسيم السلطة عمودياً بين المستويات، يتمّ التركيز على إبراز النقاط والقضايا الأساسية الواجب مراعاتها خلال عملية إعادة تنظيم مستوى الحكم المحلي في البلد. ويجدر من البداية التوضيح أن المقترحات الاستشرافية الواردة أدناه تنطلق من هدف أساسي يتلخّص بوضع أسس تحقيق الاستقلالية وتطوير فعالية مؤسسات الحكم المحلي عما هي عليه الآن. وبذلك يصبح موضوع التنمية المحلية، بمختلف أبعادها، على رأس قائمة أولويات برامج العمل المستقبلية لهذه المؤسسات، عوضاً من استمرار الانغلاق في تقديم الخدمات الأساسية.

ولتفادي إمكان التسلط السياسي أو الإداري من أعلى إلى أسفل، داخل البنية الهرمية للنظام السياسي، ولتحاشي الازدواجية التي تسبّب الاحتكاك واختلاط الصلاحيات، ولتعزيز تطبيق مبدأ ديمقراطية الحكم، يُقترح أن يتم تقسيم السلطة عمودياً – إضافة طبعاً إلى تقسيمها أفقياً – في الدولة الفلسطينية بين ثلاثة مستويات: الأول، هو مستوى الحكم المركزي بسلطاته المختلفة، ويكون مركزه طبعاً مدينة القدس، عاصمة الدولة الفلسطينية. ويُخَصّ الحكم المركزي بالسلطة والصلاحيات اللازمة لتصريف جميع الشؤون التي يتم تحديدها بموجب الدستور بأنها ذات طبيعة عامة وشمولية في علاقتها وانعكاساتها على جميع المواطنين، وتتضمن الصعيدين الداخلي والخارجي معاً.[22]

أما المستوى الثاني، فهو الحكم الإقليمي. ويُقتَرح، في هذا الشأن، أن يتم تقسيم الدولة الفلسطينية إلى أربعة أقاليم هي: إقليم الشمال، وإقليم الوسط، وإقليم الجنوب، وإقليم الساحل. وتكون المراكز الإدارية لهذه الأقاليم هي: نابلس، ورام الله – البيرة، والخليل، وغزة، على التوالي. ويُخَصّ الحكم الإقليمي بالصلاحيات اللازمة لتصريف شؤون الإقليم الخارجة عن نطاق الصلاحية العامة المخولة لمستوى الحكم المركزي. وإضافة إلى تقديم الخدمات الحيوية للمناطق التابعة له، والخارجة عن نطاق سلطة الحكم المحلي، يبرز بين اختصاصات هذا المستوى من الحكم، بروزاً خاصاً، الاضطلاع بمهمة تنمية الإقليم كوحدة متكاملة، تخطيطاً في مجال الإعداد، ومشاركةً ومتابعةً على مستوى اتخاذ القرار، ومراقبةً ومحاسبةً عند التنفيذ. وضمن هذه المهمة يتولى مستوى الحكم الإقليمي عملية التنسيق الداخلية في الإقليم، مع الهيئات والمؤسسات الرسمية والشعبية، وعلى رأسها مؤسسات الحكم المحلي، وذلك لتحديد الأولويات وإقرار خطة العمل، ومتابعة مختلف الجوانب المتعلقة بها من الناحية التنفيذية. كما يقوم هذا المستوى من الحكم بتشكيل حلقة الوصل بين مستوى الحكم المحلي والحكم المركزي، لا كقناة اتصال فحسب بل أيضاً كمستوى وسيط يمنح السلطة المحلية إمكان المساهمة والمشاركة في عملية صنع القرار على صعيد الإقليم، ويتبنى عرض ومتابعة ما يتعلق من قضاياها بالسلطة المركزية لدى أجهزة هذه السلطة، ولكن بعد أن يكون قد تمّ البحث فيها وإقرارها على المستوى الإقليمي. وبهذه الطريقة يتم تحاشي الاحتكاك المباشر بين السلطات المحلية وأجهزة السلطة المركزية، فيتقلص إمكان تسلط مستوى الحكم المركزي على المحلي، وذلك من خلال وجود عازل مساند. ومن ناحية أخرى، يتم بهذه الطريقة وضع ضوابط لتقليص إمكان محاباة السلطة المركزية لسلطات محلية على غيرها ضمن كل إقليم من الأقاليم؛ إذ إن القضايا ذات الطبيعة المشتركة والمتعلقة بالسلطات المحلية داخل كل إقليم، تُناقش ويُتخذ فيها القرارات على المستوى الإقليمي، ثم تجري متابعتها مع أجهزة السلطة المركزية إنْ اقتضت الضرورة ذلك بشكل أولويات منسقة. أما العلاقة بين الأقاليم الأربعة، بما تتضمنه من علاقات بين سلطاتها المحلية، فتقع مسؤولية تنسيقها على عاتق السلطة الإقليمية في كل إقليم، بالتعاون مع سلطة الحكم المركزية،، التي يكون من ضمن واجباتها المراقبة والمحاسبة وضمان عدالة توزيع المصادر توزيعاً يكفل تحقيق التنمية المتوازنة بين الأقاليم. وبهذا الشكل يتم ضمان توزيع الصلاحيات، لكن بما لا يعوق إمكان تحقيق التنمية التكاملية الشاملة في البلد.

وفيما يتعلق بتركيبة جهاز هذا المستوى من الحكم، يُقترح أن يتكوّن رأس هرمه من هيئة إقليمية تتألف من اثني عشر عضواً، إضافة إلى الرئيس. أما تركيبة هذه الهيئة، فيمكن أن تتشكل وفقاً لاختيار واحدة من أربع طرق، علماً بأن كل طريقة تحمل في طياتها مفهوماً معيناً لطبيعة العلاقة التي تربط مستوى الحكم الإقليمي بمستويي الحكم الآخرين، وبالتالي تحدَّد نوعية الصلاحيات والمسؤوليات المنوطة بهذا المستوى من الحكم. فإنْ كان الهدف تحقيق الاستقلالية التامة لمستوى الحكم الإقليمي، فإن الانتخابات المباشرة داخل كل إقليم تكون هي الطريقة الأمثل لتشكيل الهيئة الإقليمية. لكن إذا كان الهدف إيجاد علاقة بنيوية تواصلية بين مستويي الحكم الإقليمي والمحلي داخل كل إقليم، فإن التمثيل غير المباشر يصبح طريقة اختيار ملائمة للهيئة الإقليمية. وفي هذه الحالة، يتم مسبقاً تحديد المؤسسات المحلية، الرسمية منها والشعبية، التي تتمثل داخل الهيئة الإقليمية من ناحية، وآلية اختيار ممثلي هذه المؤسسات في الهيئة، من ناحية أخرى. أما إذا كان الغرض من مستوى الحكم الإقليمي إيجاد إطار يجمع بين مستويي الحكم المركزي والمحلي، وتنظيم العلاقة بينهما، فإن طريقة تشكيل الهيئة الإقليمية يتم عندئذ بتعيين قسم من أعضائها من قِبل السلطة المركزية، وفقاً لمجموعة الشروط المحددة سلفاً، في حين يتم انتخاب القسم الآخر إما مباشرة وإما بتطبيق صيغة مقررة أصلاً من التمثيل غير المباشر. وفي أقل الحالات دعماً لاستقلالية مستوى الحكم الإقليمي، واعتباره إطاراً إدارياً تابعاً للسلطة المركزية، كما هو الوضع حالياً، وهو وضع غير محبَّذ على الإطلاق في تصورنا لطبيعة الحكم في الدولة الفلسطينية، فإنه يتم تعيين الهيئة الإقليمية بالكامل من قبل السلطة المركزية. وبغض النظر عن طريقة الاختيار يُقتَرَح أن تحدَّد دورة الهيئة الإقليمية بأربعة أعوام، مثلها مثل دورات باقي الهيئات المنتخبة في مستويي الحكم الآخرين.

أما ثالث مستويات الحكم في فلسطين، فهو المستوى المحلي. ويُقترَح أن يقسَّم هذا المستوى إلى مستويين داخليين: البلديات، والمجالس القروية. بالنسبة إلى المجالس القروية، فإنها تُعتبر وفقاً لهذا التصور المستقبلي مؤسسات الحكم المحلي للتجمعات السكانية التي يقل عدد سكانها عن عشرة آلاف نسمة.[23]   وتكون هذه المؤسسات المحلية، بصورة عامة، محدودة في نشاطاتها وخدماتها، تبعاً لقلة وارداتها المالية التي يفرضها صغر حجم قاعدتها السكانية. أما البلديات، فتُشكّل المستوى المتقدم من مؤسسات الحكم المحلي، وتنقسم وفقاً لمجموعة من الاعتبارات الأساسية، وأهمها الموارد والقدرات ومجالات النشاطات والخدمات، إلى ثلاثة أصناف:

الأول هو صنف البلديات الأساسية، وهي بلديات يُتوقع أن يتشكل معظمها في المدن الفلسطينية صغيرة الحجم، أو بالأحرى البلديات، والتي سيتراوح عدد سكانها بين عشرة آلاف وخمسة وعشرين ألف نسمة تقريباً. ولأن الموارد الذاتية لمثل هذه البلديات الأساسية تبقى محدودة بمحدودية حجم السكان، ونوعية النشاط الاقتصادي الذي يُعتقد أن يبقى في المستقبل المنظور معتمداً على المجال الزراعي في الأساس، فإن قدراتها ونشاطاتها ستكون على الأغلب محصورة في تقديم الخدمات الأساسية، والقيام ببعض المشاريع التنموية الحيوية. وفي الواقع، يجب عدم تشجيع بلديات هذا الصنف على تأبط ما يتجاوز إمكاناتها وقدراتها من المجالات. ففي ذلك، من جهة، إيجاد لازدواجية تهدر الطاقات. فالبلديات ستقوم عندئذ، بسبب الطموحات والتنافسات، وبغضّ النظر عن توفر الإمكانات، بتكرار نفسها في الكثير من المجالات. أما من جهة أخرى، فسيؤدي التوسع في مجال النشاطات والخدمات إلى تشرذم المصادر المحدودة وتوزعها هنا وهناك، وتكون النتيجة تقلص إمكان التركيز على توفير المستوى اللائق والفعّال من الأساسيات الحيوية التي تقبع على رأس سلم أولويات الحاجات السكانية. وللتغلب على ما يمكن أن ينجم عن الازدواجية في نشاطات وخدمات البلديات الأساسية من إشكاليات، يُفترض أن تُوجَّه البلديات المتقاربة جغرافياً منها إلى إقامة مجلس خدمات مشتركة لتُحسِّن من خلالها مستوى أدائها القائم، وتُوسِّع مجال النشاطات والخدمات التي توفرها للسكان. وطبعاً، يقع على عاتق الهيئة الإقليمية واجب الدفع في هذا الاتجاه، وخصوصاً عندما تتم الدراسة المقارنة للمشاريع المقدمة من مختلف الجهات والهيئات داخل الإقليم، وتجرى المفاضلة بينها للإدراج ضمن خطة التنمية الإقليمية. كما يفترض أن تتمكن البلديات الأساسية من الاعتماد على إمكان الاستفادة، في بعض المجالات، مما يمكن أن توفره لها بلديات مجاورة أكبر منها في الإيرادات والإمكانات. فاستئجار البلديات الأساسية لأنواع لا تتوفر لها ذاتياً من الخدمات والنشاطات، قد يكون أكثر نجاعة وفعالية من الاستثمار.

أما الصنف الثاني من البلديات فهو البلديات الرئيسية، وهي التي سيتشكل معظمها في المدن التي سيتراوح عدد سكانها بين خمسة وعشرين ألفاً وخمسة وسبعين ألف نسمة تقريباً. وهذه البلديات متوسطة في حجمها الوظيفي، وتُعتبر على الرغم من ذلك رئيسية في التصنيف المقترح للاعتقاد أنها ستشكل، من مختلف النواحي، عماد البنية البلدية الفلسطينية. وبما أن الحجم السكاني لمدن هذه البلديات يمكّنها من تجنيد موارد وإمكانات أكبر من تلك التي يمكن للبلديات الأساسية توفيرها، فإن في إمكان البلديات الرئيسية التوسع والتنوع في مجال تقديم الخدمات والنشاطات لتشمل لا سكانها فحسب بل البلديات الأساسية المجاورة أيضاً. وبذلك يُناط بهذه البلديات الرئيسية مهمة إسناد البلديات الأساسية فيما تقصِّر عن تلبيته إمكاناتها من خدمات ونشاطات، وخصوصاً فيما يتعلق بالمجالات الاقتصادية والثقافية والترفيهية. لكن يجب الإشارة إلى أن البلديات الرئيسية تبقى مؤسسات متوسطة الحجم في إمكاناتها وطاقاتها ومجالاتها، ويُفترض لذلك أن تراعي محدودياتها، إذ يُتوَقع أن يبقى بعض المجالات خارج نطاق قدراتها وطاقاتها.

وبالنسبة إلى الصنف الثالث من البلديات، فإنه يتشكّل من البلديات المركزية، وهي الموجودة في المدن الفلسطينية المركزية التي سيزيد عدد سكانها على خمسة وسبعين ألف نسمة. وتعتبر هذه البلديات مؤسسات كبيرة الحجم بكل المقاييس، ويتوقع أن تكون شمولية في مجالي العمل والاهتمام، وأن تتكامل ضمنها الاختصاصات، فتقدم أكثر الخدمات والنشاطات المحلية تعدداً وتنوعاً. كما تهتم هذه البلديات بالجوانب التنموية، لا داخل حدودها التنظيمية فقط بل يتوقع منها أيضاً أن تقوم بدور فعال ومهم في التنمية على الصعيد الإقليمي. ولذلك يكون لمثل هذه البلديات علاقات عمل وثيقة بهيئات الأقاليم، ويعتمد على أجهزتها في المساهمة في تقديم الخبرات والمشورات، وخصوصاً في مجالي التنظيم والتخطيط الإقليميين. كما يُتوقع أن تؤدي هذه البلديات، وهي محدودة العدد في كل الأقاليم الأربعة، دوراً مهماً على مسرح الحكم المحلي داخل كل إقليم، إذ سيقع عليها تقديم مختلف أنواع العون المادي والمعنوي لمؤسسات الحكم الأخرى.

يتضح من التصور المستقبلي المقترح، سعيُه لتحقيق هدفين أساسيين: أولهما، تحقيق قدر كبير من الاستقلالية لمؤسسات الحكم المحلي وتزويدها بدور فعال في مجال اتخاذ القرار على الصعيد الإقليمي؛ وثانيهما، ربط مؤسسات الحكم المحلي بعضها إلى بعض بإطار عنقودي تتسلسل فيه الخدمات والنشاطات وفقاً للموارد والإمكانات من جهة، وتتعاون فيه المؤسسات على الاشتراك بعلاقات تبادلية داخلية تقلِّص هدر الإمكانات وتستغلّ بنجاعة المتوفر من الطاقات، لتُقدّم بمجموعها أفضل ما يمكن من الخدمات والنشاطات لمجمل السكان.

وبعد الأخذ في الاعتبار تسلسل السلطة المُقترح أعلاه، يُفترض أن يصار إلى إعادة النظر في بنية وهيكلية البلديات – وهي مجال تركيز هذا البحث – لتتواءم ثم تتفاعل مع المنطلقات الأساسية للتصور المستقبلي لوضعها ومهماتها في الدولة الفلسطينية. وفي هذا المجال، يجب عدم الانطلاق أبداً من وضع البلديات الحالي، على أساس أن في الإمكان من أجل توفير الجهد والوقت إدخال التعديلات والإصلاحات في بنيتها وهيكليتها القائمة حالياً. فهذا المدخل إنْ اتُّبع سيؤدي إلى الاصطدام سريعاً بمجموعة لا حصر لها من المعوقات التي تعدّت مجال القوانين واللوائح لتصبح نمطاً متأصلاً لعقلية تفكر وتتصرف كأن الوضع الحالي هو الطبيعي، وقد يكون المثالي، لوضع المؤسسات. وستكون هذه العقلية المتقوقعة ضمن مقيّدات الوضع الحالي حائلاً أمام إمكان إدخال الإصلاحات بصورة متدرجة واستيعابية فعّالة، لا في مجال الحكم المحلي فحسب بل أيضاً في مجالات عديدة أخرى تتخطى حدود تركيز هذا البحث.[24]

إن إعادة قولبة بنية وهيكلية البلديات تفترض إلغاء التفكير في إمكان إصلاح وضعها القائم حالياً. فهذا الوضع بُني منذ الأساس بهدف خدمة مصالح ومطامع السلطة المركزية، وكانت دائماً غريبة عن فلسطين حتى الآن. وجاءت التجربة الكاملة للبلديات تحت الاحتلال الإسرائيلي مريرة، وحطمت كل الجسور الفعلية الممكنة لإصلاح الحال بالتدريج في هذه المؤسسات. لذا، فإن مواءمة مؤسسة البلديات مع منطلقات النظام السياسي الفلسطيني، المتضمنة في وثيقة الاستقلال، تتطلب إحداث تغيير جذري، لا في البنية والهيكلية الحالية للبلديات فحسب بل أيضاً في العقلية السائدة فيها وحولها بالمقدار نفسه. فعملية وضع البلديات على المسار المطلوب تتطلب تغييراً شمولياً متكاملاً يقلب وضعها الحالي بالتمام. ولهذا، يُفترض البدء بالتخطيط والاستعداد للقيام بذلك منذ الآن.

ففي الناحية القانونية يُفترض الشروع، منذ الآن، في إعداد قانون جديد للبلديات، لأن القوانين المعمول بها حالياً قديمة وغير صاحة للتطبيق الذي يتواءم مع التصور المطروح أعلاه. ويجب أن يُستثمر الكثير من الجهد والوقت في إعداد القانون، والاستفادة عند القيام بذلك من إجراء الدراسات المقارنة قدر الإمكان.[25]    فالقانون يشكّل الأساس التي تتحدد بموجبه طبيعة عمل البلديات ومجال صلاحياتها، ويفصّل وفقاً لأحكامه هيكليتها ومبناها الداخلي، وتنظّم من خلاله علاقتها بمستويات الحكم الأخرى في البلد.

ويُفترض كذلك أن يُراعى، عند إعداد القانون، عدد من الخطوط الأساسية العريضة. فأولاً، يُفترض إعداد القانون وفقاً للمرتكزات الأساسية لنظام الحكم كما حددتها وثيقة الاستقلال، وتمشياً مع تقسيم السلطة بين مستويات الحكم كما تضمن الاقتراح أعلاه. وكي تكون مؤسسة البلديات فعّالة على مستوى الحكم المحلي، ومؤثرة في محيطها الإقليمي، يجب أن يضمن القانون لها أوسع مجال من الاستقلال. وطبعاً، فإن مبدأ الاستقلال لا يتناقض أو ينفي ضرورة تضمُّن القانون آليات للتنسيق الفعّال بين مستويات السلطة، وذلك درءاً للازدواجية في تقسيم الوظائف، وسعياً لتحقيق اقصى نجاعة في أداء المهمات، مع توفير السبل للرقابة والمحاسبة، كي يتم ضمان التزام الحدود القانونية في الحقوق والواجبات. وباختصار، يُفترض بالقانون أن يكفل تحقيق التوازن بين مستويات السلطة العمودية من جهة، وبين تقسيماتها الأفقة داخل نطاق المؤسسة البلدية من جهة أخرى، وبذلك يمنع التداخلات، ويقلّص إمكانات السيطرة والتحكم لأية جهة من الجهات.

وثانياً، يُفترض بقانون البلديات الفلسطيني ضمان تحقيق مبدأ الديمقراطية في اختيار أعضاء المجالس  البلدية. ويُقترح، في هذا السياق، أن يتضمن القانون نظاماً انتخابياً يقوم على أساس إجراء انتخابات حرة للمجالس البلدية كل أربعة أعوام، وأن يُمنح فيها حق الانتخاب لكل من تجاوز سن الثامنة عشرة من الرجال والنساء القاطنين داخل الحدود التنظيمية للبلديات. كما يقترح أن يضمّ المجلس البلدي من سبعة إلى ثلاثة عشر عضواً، بمن فيهم الرئيس، وذلك تبعاً لتصنيف كل بلدية من البلديات.[26]   ويُفضَّل أن يتم انتخاب رئيس البلدية مباشرة من قبل السكان، وإلا فبالاختيار من قبل أعضاء المجلس البلدي أنفسهم. ويجب أن يضمن القانون عدم وجود ثغرات تسمح للسلطة المركزية بتعيين رئيس البلدية، أو أعضاء إضافيين للمجلس البلدي، بأي حال من الأحوال.[27]   لذا، يُفضَّل أن يشتمل القانون على تفضيلات تتعلق بالإجراءات المفترض اتباعها لمل الشواغر وإجراء الانتخابات التكميلية أو الكاملة في حالة شغور مقاعد في المجلس البلدي قبل انتهاء دورته القانونية. ومن المحبذ أيضاً أن ينصّ القانون على عدم إمكان إشغال عضوية المجلس البلدي لأكثر من دورتين متتاليتين، وذلك لضمان إتاحة المجال القانوني للتغيير في وجه إمكان الاحتكار. وكي يتم رفد المجلس البلدي بأعضاء على دراية بمقومات العصر، وقدرة على متابعة متطلبات التطور والتنمية المطلوبة من مؤسساتهم، وكفاءة في القيام بالمهمات الموكولة إليهم، يُفترض أن يحدِّد القانون ضمن شروط الترشيح لعضوية المجالس البلدية ضرورة استيفاء المرشح لمستوى من التحصيل الأكاديمي الملائم، ويُفضَّل ألا يقلّ عن مستوى الشهادة الجامعية المتوسطة.[28]

وثالثاً، يجب أن يراعي قانون البلديات الفلسطيني تحديد صلاحيات رئيس المجلس البلدي وأعضائه، بشكل يُؤمّن إيجاد ضوابط وتوازنات في عملية اتخاذ القرار في البلديات، وذلك بأن يتضمن من القيود ما يحول دون تفرّد الرئيس عملياً بعملية اتخاذ القرار، ويضمن في الوقت نفسه وجود آلية كفيلة بتفعيل مشاركة الأعضاء في هذه العملية. ويُقترح، في هذا المجال، أن ينصّ القانون على ضرورة تأليف عدد من اللجان الثابتة في البلدية، تكون كل واحدة منها مسؤولة عن متابعة جانب وظيفي محدد، فتُجري فيه باستمرار الدراسات والمداولات والمتابعات، وترفد المجلس البلدي بتوصياتها ليسترشد بها في عملية اتخاذ القرار. ويرئس هذه اللجنة عضو من أعضاء المجلس البلدي وفقاً للتخصص أو الاهتمام، وتضم في عضويتها بحكم المنصب عدداً من موظفي ومسؤولي البلدية ذوي الاختصاص والعلاقة بمجالها المحدد، بالإضافة إلى إمكان إشراك عدد آخر من ذوي الخبرة والاختصاص من خارج البلدية. ومن خلال تأليف هذه اللجان، يتم ضمان إيجاد آلية لتوسيع قاعدة المشاركة والمساهمة في عملية اتخاذ القرار من ناحية، ووضع هذه العملية في إطار يُدعّم بشكل بنيوي اتخاذ القرار على أساس الخبرة والكفاءات العلمية والقواعد المعلوماتية الملائمة، من ناحية أخرى.[29]

ورابعاً، يُقترح أن يعير القانون الجديد مسألة فصل الإدارة التنفيذية في البلديات عن السلطة التشريعية فيها، الكثير من الاهتمام. ففي وضع البلديات الحالي، نجد البنية المؤسسية تتشكل فعلياً من تسلسل هرمي متواصل، تتشابك فيه الصلاحيات، وتختلط السلطات بين المجلس البلدي وأقسام البلدية ورؤسائها. وهذا هو، في الواقع، أحد الأسباب التي أدت إلى بروز دور واسع لرئيس البلدية في المجالين التشريعي والتنفيذي سواء بسواء. وأدى تجمّع هاتين السلطتين في شخص رئيس البلدية إلى بروزه كمركز ثقل ومحور نشاط مجموع مؤسسة البلدية، وإلى تغييب الدور الوظيفي الفعال لبقية أعضاء المجلس البلدي من جهة ورؤساء مختلف الأقسام داخل البلدية من جهة أخرى. ولتصحيح هذا الوضع، يُفترض الموازنة بين مبدأي الديمقراطية التمثيلية والإدارة الفعالة. ولتحقيق الأول، يُنتخب المجلس البلدي ليقوم بالتشريع على المستوى المحلي ومراقبة التنفيذ والمحاسبة على التقصير والإهمال نيابة عن السكان. وبهذه الطريقة يضمن المواطن أن جسماً منتخباً، يمثل أغلبية السكان، يتولى عنه اتخاذ القرار بكيفية إدارة وتصريف الشؤون العامة بما يخدم المجموع العام. أما تنفيذ قرارات المجلس البلدي، فهو مهمة  إجرائية يُفترض أن يتولاها جهاز البلدية بأقسامه المختلفة. وكي تتم إدارة هذا الجهاز والتنسيق بين مختلف أقسامه بما يضمن النجاعة في تقديم مختلف المهمات التي تقع على عاتق البلدية، وتنفيذ قرارات المجلس البلدي، يُقترح أن ينصً قانون البلديات الفلسطيني على تعيين مدير للبلدية. ويعيَّن هذا المدير بقرار من المجلس البلدي ليتولى الإدارة التنفيذية لجهاز البلدية، ويكون طبعاً خاضعاً لمساءلة المجلس ومراقبته ومحاسبته الدورية.[30]   أما في شؤون تصريف العمل اليومي، فيكون مدير البلدية على اتصال وثيق برئيسها، الذي يقع على عاتقه مسؤولية المتابعة والإشراف على سير العمل بصورة مستمرة. وبهذا الشكل تتوزع المهمات وفقاً للاختصاصات، فيتاح للمجلس البلدي، بما في ذلك الرئيس، التركيز على تكثيف الاتصال بالمواطنين ومتابعة القضايا العامة ذات الاهتمام، وخصوصاً في مجال التطوير والتنمية.

أما في الناحية الإدارية، فإضافة إلى اقتراح إغلاق رأس الهرم الإداري بمدير البلدية، يُفترض أن تتبع البلديات، وفقاً لنوعية تصنيفها، خريطة إدارية محددة، تكون موحّدة في بنيتها الهيكلية الأساسية في بلديات كل صنف من الأصناف الثلاثة المذكورة أعلاه، مع فسح المجال طبعاً للإضافات عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. فبلديات كل صنف من الأصناف تشترك، من ناحية مبدئية، في نوع المهمات الأساسية الموكولة إليها والمتوقعة منها، وهو ما يعطيها سمة التقارب في منطلقاتها ووظائفها، فتُصنَّف أصلاً ضمن فئة مشتركة. وطبعاً، يُفترض أن يقود التشابه الوظيفي لبلديات كل صنف إلى تشابه هيكلي فيما بينها. ويُتوقع أن تزداد تفصيلات الخريطة الإدارية للبلدية بزيادة المهمات والوظائف التي تقوم بها. وبما أن هذه المهمات والوظائف تسير في خط تصاعدي يبدأ بالبلديات الأساسية، مروراً بالرئيسية لتكتمل بالبلديات المركزية، فإنه يُتوقع أن تزداد الخرائط الإدارية تفصيلاً في الاتجاه نفسه. فعلى سبيل المثال، يُفترض أن تشتمل البلديات المركزية على جميع الأقسام الحيوية والضرورية للقيام بمهمات بلدية ذات حجم كبير، ولذلك يُتوقع أن تتضمن خريطتها  الإدارية أكثر التقسيمات والعلاقات الإدارية تفصيلاً. أما لكون البلديات الأساسية محدودة الوظائف والمهمات، فإن خريطتها الإدارية تبقى أبسط وأقل تفصيلاً. وطبعاً، يساهم وجود الخرائط الإدارية مساهمة إيجابية كبيرة في تحديد وتنميط العملية الإدارية داخل البلديات. فالأقسام والصلاحيات والمهمات، وأسلوب القيام بالعمليات الإدارية، وشبكة حركة المعلومات، وعملية اتخاذ القرار، تصبح من خلال وجود الخريطة الإدارية محدّدة وواضحة. وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه الخرائط لا تكتمل سوى بتحديد مواصفات دقيقة لكل الوظائف اللازمة لتنفيذ المهمات المطلوبة، فإنه يتبين أن وجودها يؤدي إلى زيادة الكفاءة والنجاعة في القيام بتنفيذ المهمات وتحقيق الأهداف.

ويُفضَّل أيضاً عند القيام بعملية إعادة تنظيم مؤسسة البلديات أن يتم، في المجال الإداري، الأخذ في الاعتبار ضرورة تحديث طاقم الموظفين الموجودين حالياً في البلديات. فكما ذكرنا سابقاً، تعاني البلديات حالياً نقصاً كبيراً في الطواقم المؤهلة، وهو أحد الأسباب المهمة لهبوط مستوى ما تقدمه حالياً من خدمات. وإذا ما أُريد إخراج البلديات بعد الاستقلال من حلقة المؤسسة التقليدية، ذات العلاقات التوظيفية والوظيفية التقليدية، والعلاقات والوظائف التقليدية، وتحويلها إلى مؤسسات حديثة فعالة ضمن إطار تجمعاتها السكانية، توجب أن يتم إعادة النظر في طاقم موظفي البلديات الحاليين. وفي هذا السياق، يُفترض إعادة تأهيل من يمكن استمرارهم في تأدية وظائفهم الحالية، وذلك عن طريق الاعتماد على الجامعات المحلية لعقد دورات وندوات وورش تدريب متخصصة بالمجالات اللازمة. وبهذه الوسائل، إضافة إلى إمكان إرسال بعض الموظفين إلى الخارج لحضور دورات قصيرة أو طويلة الأمد، يمكن رفع مستوى كفاءة الموظف المستمر في عمله، وذلك من خلال إطلاعه على التطورات في مجالات العلم والخبرة والتقنية. كما يُفترض توفير اللازم من الموظفين المؤهلين أفضل تأهيل أكاديمي وعملي، لتعبئة الشواغر والمناصب الجديدة في البلديات. وباختصار، يُفترض أن يكون تحديث طاقم موظفي البلديات، والعناية بالتأهيل المستمر خلال الخدمة الوظيفية، من الأولويات التي يجب أن تحظى بكثير من الاهتمام.

ومع تحديث الطاقم يُفترض أيضاً تحديث التقنية المستخدمة في البلديات، لتصبح على أفضل المستويات. وتتطلب هذه المهمة تحسين التجهيزات في مختلف الأقسام، واستيعاب نظم المعلومات الحديثة، وتوفير المتخصصين ببرمجتها واستخداماتها، لتسهيل مختلف المعاملات والنشاطات البلدية. لكن يجب ألا يغيب عن البال إطلاقاً أن التدريب المهني والتأهيل الوظيفي وتحديث التقنيات لا تكفي وحدها، على الرغم من أنها جميعاً ضرورية، لإحداث النقلة النوعية المتوخاة في مؤسسة البلديات. وكي تكتمل هذه العوامل وتعطي نتائج إيجابية، يجب أن تبدأ منذ الآن محاولات تغيير المحيط الذي تعمل البلديات ضمنه، وذلك عن طريق اختراق العقلية بصورة عامة لإعادة قولبتها بما يتلاءم مع مقتضيات العصر ومتطلباته. فتحديث أطر المؤسسات، وتغيير قوانينها وأنظمتها المكتوبة، وتدريب طواقمها مهنياً ووظائفياً، لن تحقق الكثير من دون أن يكون نمط العقلية السائد فيها، والذي يحكم بطبيعة الحال مجرى وفحوى عملها، متنوراً ومعاصراً ومهنياً.

وفي المجمل، يُفترض أن يتم الاهتمام إدارياً بتغيير القوالب القديمة في البلديات، وتحويلها إلى مؤسسات فعلية، مؤهلة ومجهزة بما يمكّنها من القيام بنطاق واسع ومتعدد الأدوار والمهمات. فالبلدية العصرية لا تقف حدود وظائفها عند توفير  الحدّ الأدنى من الخدمات للسكان، بل تتعدى ذلك إلى التأثير في مجال الحياة ونوعيتها. ويتم ذلك بالتركيز على القضايا التنموية والنواحي التطويرية التي تتطلب منها الانهماك في الكثير من المجالات التي تتعدى دورها التقليدي الآن.

ومن ناحية الشؤون المالية للبلديات، يُفترض أيضاً إجراء تحولات جذرية في الوضع القائم حالياً، وذلك بالانطلاق أساساً من مبدأ منح البلديات الاستقلالية المالية، واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية من ناحية فعلية لتحقيق ذلك. فاستقلال المؤسسات يعتمد أصلاً على استقلالها المالي، وبالتحديد على مدى قدرتها على التصرف المالي بحرية وقرار ذاتي. فإنْ امتلكت البلديات الحرية في اتخاذ القرارات المالية، استطاعت – أن تصبح بحق مؤسسات تمثيلية للسكان، وتمكّنت – ثانياً – من تعزيز قدراتها على إدارة شؤونها باستقلالية تفتح أمامها المجال للتركيز على أن تصبح فعّالة في التعامل مع رغبات السكان المحلية. وطبعاً، فإن الاستقلالية المالية لا تعني أبداً غياب إجراءات دقيقة للمراقبة والمحاسبة. بل على العكس، فإن الاستقلالية المالية، تعزّز، في أغلب الأحيان، عمليتي المراقبة والمحاسبة عن طريق نمو دوافع ضبط ذاتية يكون تأثيرها أبلغ من مجرد التقيّد بتعليمات وإجراءات مفروضة من الخارج، ويمكن تجاوزها والتحايل عليها بسهولة إذا أراد مسؤولو البلديات التلاعب بعدد من الأوراق والملفات. لذا يتوجب، في الأساس، أن يتضمن قانون البلديات الفلسطيني وجود إجراءات رقابة ومحاسبة داخلية وخارجية على الشؤون المالية للبلديات، وبصورة تضمن وجود مستويات ومتوازيات ضمن هذه الإجراءات، بما يكفل الدقة والنجاعة في ضبط الحسابات. ويمكن أن تشكل الهيئة الإقليمية الطرف الخارجي المسؤول عن متابعة إجراءات الرقابة والمحاسبة على البلديات في هذا المجال.

كما يجب الإشارة إلى أن الاستقلالية المالية للبلديات لن تُحقق أهدافها إلا عندما تُمنح البلديات إمكان تحصيل موارد مالية ثابتة كمداخيل. فبالإضافة إلى حصولها على نسب واضحة ومحددة من أنواع معينة من الضرائب التي تجبيها السلطة المركزية من السكان، ولذلك لضرورة مساعدتها في تلبية حاجاتها المالية التي ستبقى محدودة لفترة ممتدة من الوقت، يُفترض أن يمنح القانون البلديات إمكان فرض أنواع محددة من الضرائب المتخصصة على السكان. وطبعاً، يُتوقع أن تتلاءم نوعية وكمية هذه الضرائب مع مدى ومجال النشاطات والخدمات التي تقدمها البلديات. وبالتالي يُفترض أن تتفاوت أنواعها ونسبها وفقاً للتصنيف المقترح لأنواع البلديات. كما يجدر التفكير، في هذا المجال، في توجيه نشاطات البلديات، وخصوصاً المركزية منها والرئيسية، في اتجاه يتخطى التركيز على النواحي الخدمية فقط، ويتعداها إلى دخول مجال الاستثمار في المشاريع الإنتاجية. فبهذا التوجه، تتخطى مساهمة البلديات مجرد الاشتراك في التخطيط الاقتصادي المحلي، إلى الانخراط الفعلي في تنشيط الحياة الاقتصادية المحلية، وتوجيهها وفقاً لخطة تنموية مدروسة ومبرمجة. وإضافة إلى ما تمثله هذه المشاريع من مردود فعلي على التنمية المحلية، فإنها توفر في الوقت ذاته مصدر دعم ثابتاً للبلديات، فتتعزز استقلاليتها المالية، وتزداد قدراتها التطويرية، وتنمو فعاليتها المجتمعية. ويُحبَّذ أيضاً، في مجال تطوير الموارد البلدية، التفكير في إنشاء مصرف تنموي متخصص، وبدعم من السلطة المركزية، توكل إليه مهمة استقطاب الموارد المالية واستثمارها وتوظيف عائداتها في تمويل مشاريع السلطات المحلية. لكن يجب الانتباه إلى وجوب أن تشمل الأنظمة المرعية ما يكفي من الضوابط لمنع إمكان تزايد اعتماد البلديات على القروض التمويلية، فتتراكم الديون عليها بعد فترة وجيزة، وتشكل فوائد خدمة المديونية بعد ذلك عبئاً متزايداً يحول بينها وبين القيام بمهماتها وتنفيذ مشاريعها بفعالية.

ولتحقيق النجاعة في المردودية المالية يُفترض بالقانون أن يمنح البلديات، إضافة إلى القدرة على فرض الضرائب، السلطة الكافية والآلية الكفيلة بالقيام بعملية جباية منظمة وفعّالة. فالمهم ليس تمكين المجالس البلدية من القدرة على فرض الضرائب والرسوم، بل منحها ما يمكّنها فعلاً من تحصيل مستحقاتها من هذه الضرائب والرسوم من السكان. ويجدر في هذا السياق، وضمن إطار المحافظة على استقلالية مستوى الحكم المحلي في البلد، أن يتم استحداث محاكم بلدية فعّالة وقادرة على فرض الأحكام والغرامات على المتخلفين عن دفع المستحقات، وأن يكون لدى البلديات جهاز جباية مؤهل ومنظم ومدعوم بإسناد من شرطة البلديات. وتعتبر هذه الشرطة جهاز أمن محلياً رديفاً للشرطة المركزية، يأخذ على عاتقه في الأساس متابعة قضايا البلدية، ومنها المساعدة في عملية جباية المستحقات، والقيام بمهمات الحراسة المتنوعة داخل حدود البلدية. ويمكن، طبعاً، التوصل في أي وقت إلى اتفاق بين البلدية والسلطة المحلية، يتم بموجبه إيكال بعض مهمات الشرطة المركزية إلى شرطة البلديات.

ويجب، في نهاية المطاف، التأكيد أن استقلالية مؤسسات الحكم المحلي، وخصوصاً البلديات، تفرض عليها ضرورة تغيير مفهومها الذاتي الحالي عن طبيعتها المؤسسية ودورها في القيام بالأعباء والمهمات. ويقع في صلب التغيير المطلوب ضرورة القبول بترادف مفهومي الاستقلالية والتمثيلية. فحتى تُثَبَت الاستقلالية وتتعزز يُفتَرَض بالبلدية أن تتصرف على أساس أنها مؤسسة تُمثّل السكان وتسعى لخدمة مصالحهم. وتقع في هذا المجال على المجلس البلدي، وهو الهيئة التمثيلية المنتخبة على المستوى المحلي من قبل السكان، مسؤولية إيجاد السبل الكفيلة بتواصل علاقة المجلس البلدي كهيئة، والبلدية كمؤسسة، مع قطاعات الجمهور المتنوعة. فالتواصل هو السبيل الرئيسي للتأثير المتبادل بين البلدية وسكان المدينة، إذ يتم من خلاله إيصال المعلومات في كلا الاتجاهين، فيتعرف كل طرف على المطالب والصعوبات، عدا إتاحة الفرص لتبادل الآراء والأفكار لتوظّف في مجال إدخال التحسينات والتطويرات. فمهما تكن البلدية مؤسسة فعّالة، فإن جزءاً كبيراً من هذه الفعالية مهدد بالضياع إنْ لم تكن على علاقة وثيقة واتصال مباشر بالسكان. ويجب التذكير دائماً بأن البلديات، في الإطار المقترح أعلاه، يُفترض بها أن تكون مؤسسات منبثقة من السكان، تمثلهم وتحكم باسمهم، ولا تمثل السلطة المركزية أو تحكم باسمها عليهم.

 

مقترح هيكلية تطورية

للبلديات الفلسطينية

              بناء على أسس الاقتراح المقدم أعلاه، والذي يشمل تقسيم المؤسسة البلدية في الدولة الفلسطينية إلى ثلاثة مستويات، يجب العمل على تطوير الهيكلية العنقودية للبلديات الفلسطينية على مرحلتين متتاليتين (راجع الجدول رقم 6): الأولى تمتد حتى نهاية هذا القرن، وتُشكل المرحلة الانتقالية في العملية التطورية (ويظهر مقترحها الهيكلي في الخريطة رقم 2)؛ والثاني تبدأ مع مطلع القرن المقبل، وتشهد استتباب التطبيق الكامل والدائم لأسس الهيكلية التطورية المقترحة (راجع الخريطة رقم 3).

يتم خلال المرحلة الأولى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: الأول، تصنيف البلديات الفلسطينية القائمة حالياً، وفقاً للمستويات الثلاثة المقترحة. فالبلديات القائمة تتفاوت في حجومها ومهماتها ونشاطاتها، ويجب تصنيفها وفقاً للدور المتوقع أن تؤديه بعد الاستقلال. ويُراعى في عملية التصنيف اعتبارات عديدة أهمها: موقع المدينة، وعدد سكانها، ودورها الإداري والتنموي المستقبلي، وتوقعات قدراتها الاستيعابية، ومستوى الخدمات والنشاطات الحالية للبلدية، والمتوقع منها تقديمه من خدمات ونشاطات مستقبلية للسكان والجوار؛ والثاني، زيادة عدد البلديات في كل إقليم، وذلك عن طريق استحداث بلديات جديدة في مواقع حيوية، من حيث التخطيط الاستراتيجي للتطوير والتنمية في الدولة الوليدة. وإضافة إلى الموقع، يُراعى في عملية الاستحداث حجم البلدة، وعدد سكانها، وتراكم الخبرة الإدارية، عن طريق وجود مجلس قروي فيها. ولأن التركيز في الدولة الفلسطينية، خلال المتبقي من عقد التسعينات، سينصب على مجالات استيعاب الفلسطينيين من الشتات (يقترح استيعاب ثلاثة أرباع مليون فلسطيني خلال هذه المرحلة)، وتنمية مختلف موارد وقطاعات البلد، وتطوير بُناه ومرافقه المتعددة، يجب الإشارة إلى أن الموقع يأخذ، في مجال استحداث البلديات، أولوية على سواه من العوامل المأخوذة في الاعتبار. وبالتالي، فإن المقترح يشمل لغرضي الاستيعاب والتطوير استحداث بلديات أساسية في بلدات لا يصل تعداد سكانها إلى عشرة آلاف نسمة، لكن يُفترض رفع مستواها الإداري والخدمي كي تصبح أهلاً، مع نهاية القرن، لتكون مراكز في مناطقها المختلفة تُقدّم نشاطات وخدمات أساسية لا لجميع سكانها القاطنين والعائدين فحسب، بل أيضاً لمنطقة الجوار المحيطة بها، بما تشمله من تجمعات سكانية قروية؛ والثالث، استحداث بلديات في تجمعات سكانية محدودة جداً بأعداد سكانها، لكن يُفترض لأهمية موقعها أن تُصبح مدناً تطويرية تستوعب أعداداً كبيرة من العائدين، وتُنشّط مختلف مجالات الحياة في المناطق غير المكتظة سكانياً من حولها. ويُلاحَظ أن هذه البلديات تأتي في تجمعات سكانية تُشرف أو تقع في قلب منطقة الأغوار (بردلة، طمّون، دامية، العوجا) التي تحتاج إلى اهتمام خاص بتنميتها وتطويرها بعد الاستقلال، إذ تكمُن فيها قدرة استيعابية واقتصادية كبيرة يُفترض استغلالها بحكمة ونجاعة. كما يأتي مثل هذه البلديات حول مدينة القدس، عاصمة الدولة (بدو، بيت إكسا، بير نبالا، الطور، العيزرية)، وذلك تعزيزاً لها ولمكانتها الاستراتيجية. (يشار بنجمة - * - إلى مناطق الاستيعاب والتطوير في الجدول رقم 6).

ويُلاحَظ من النظر إلى الخريطة رقم 2 أن المرحلة التطويرية الأولى تهدف إلى إيجاد بلدية مركزية في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة (في المراكز الإدارية للأقاليم)، إضافة إلى العاصمة المركزية. كما تهدف إلى إيجاد عدد من البلديات الرئيسية الموزعة جغرافياً في كل إقليم، يحيط بكل منها بلديات أساسية تعتمد عليها في تحصيل بعض الخدمات والنشاطات الرئيسية غير المتوفرة لديها. وتكون النتيجة بداية تشكل الهيكلية العنقودية للمؤسسة البلدية في الدولة الفلسطينية.

أما في المرحلة التالية، التي تبدأ في مطلع القرن المقبل، فيتم في بدايتها الانتقال خطوة تصاعدية إلى الأمام. فمن ناحية، يُعاد تصنيف البلديات الموجودة بحيث تزداد أعداد البلديات المركزية والرئيسية في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة. وطبعاً، يدل ذلك على توسُّع في البنى والخدمات والنشاطات التي تقوم المؤسسة البلدية بها في البلد. وتجدر الملاحظة أن الانتقال في التصنيف لا يتم بصورة تلقائية، بل تبعاً للمعطيات الأساسية المتعلقة بالحاجات التطويرية والتنموية. فالبلدية الأساسية أو الرئيسية تبقى كذلك ما دامت الحاجة إلى تطويرها وزيادة نشاطاتها وخدماتها غير مبلورة. فالهدف ليس وضع كل البلديات في مجرى تطوري سيؤدي بها، بالضرورة، إلى أن تصبح مع مضي الوقت بلديات مركزية. لذا، فإن عملية تخطيط التطوير والتنمية، في مجال الحكم المحلي، يجب أن تحظى بكثير من الاهتمام في المستقبل. ومن ناحية أخرى، يتم المضي قُدماً خلال هذه المرحلة في عملية استكمال الهيكلية العنقودية للمؤسسة البلدية في البلد عن طريق استحداث بلديات أساسية جديدة في المناطق المنوى استكمال عملية تطويرها، وخصوصاً في إقليمي الشمال والوسط (راجع الخريطة رقم 3، والجدول رقم 6).

ويجب التأكيد أن مقترح الهيكلية التطورية للبلديات الفلسطينية يبقى أولياً، وبحاجة إلى المزيد من إجراء الدراسات التفصيلية. ولا بد من الإشارة إلى أن هذا المُقترح استثنى في هذه المرحلة بالذات، عن وعي وقصد، إدخال بُنى المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة في عملية التصنيف المقترحة، وذلك حتى يتضح مصير وموعد إخلائها من المستوطنين. وعندما يتم ذلك تتحول هذه المستعمرات إلى مواقع استيعاب للعائدين من الفلسطينيين، ويتم عند ذلك إدخالها في عملية التصنيف.

  الخريطة رقم 1

البلديات الفلسطينية سنة 199 

الخريطة رقم 1

 

1- جنين

16- رام الله

2- يعبد

17- أريحا

3- قباطية

18- بيتونيا

4- عرابة

19- القدس

5- طوباس

20- بيت جالا

6- عنبتا

21- بيت لحم

7- طولكرم

22- بيت ساحور

8- نابلس

23- حلحول

9- قلقيلية

24- الخليل

10- سلفيت

25- دورا

11- بني زيد

26- يطّا

12- سلواد

27- غزة

13- بير زيت

28- دير البلح

14- دير دبوان

29- خان يونس

15- البيرة

30- رفح

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخريطة رقم 2

الهيكلية الفلسطينية المقترحة للتطوير

حتى سنة 200 

الخريطة رقم 2

 

1- اليامون

36- دير دبوان

71- بني سهيلا

2- جنين

37- البيرة/رام الله

72- خان يونس

3- يعبد

38- بيتونيا

73- عبسان الكبيرة

4- قباطية

39- أريحا

74- خزاعة

5- عرابة

40- الرام

75- رفح

6- قفين

41- بير نبالا

 

7- بردلة

42- بيت أعنان

 

8- الزبابدة

43- بدّو

 

9- كفر راعي

44- بيت اكسا

 

10- عتيل

45- القدس

 

11- دير الغصون

46- الطور

 

12- طوباس

47- العيزرية

 

13- جبع

48- بيت جالا

 

14- سيلة الظهر

49- بيت لحم

 

15- عنبتا

50- بيت ساحور

 

16- طولكرم

51- صوريف

 

17- طمون

52- بيت فجار

 

18- برقة

53- بيت أمّر

 

19- عصيرة الشمالية

54- سعير

 

20-بيت ليد

55- حلحول

 

21- بيت فوريك

56- ترقوميا

 

22- عزون

57- إذنا

 

23- قلقيلية

58- الخليل

 

24- دامية

59- بني نعيم

 

25- حوارة

60- دورا

 

26- عقربا

61- يطّا

 

27- سلفيت

62- السموع

 

28- بني زيد

63- الظاهرية

 

29- المزرعة الشرقية

64- بيت لاهيا

 

30- سلواد

65- بيت حانون

 

31- بير زيت

66- جباليا

 

32- العوجا

67- غزة

 

33- الطيبة

68- البريج

 

34- نعلين

69- دير البلح

 

35- رمون

70- القرارة

 


الخريطة رقم 3

الهيكلية البلدية الفلسطينية المقترحة

للتطوير بعد سنة 2000

  

الخريطة رقم 3

 

1- سيلة الحارثية

35- قلقيلية

69- سعير

2- اليامون

36- جمّاعين

70- حلحول

3- جنين

37- دير استيا

71- ترقوميا

4- برقين

38- قبلان

72- إذنا

5- يعبد

39- بديا

73- بني نعيم

6- قباطية

40- سلفيت

74- الخليل

7- عرابة

41- بني زيد

75- دورا

8- قفين

42- المزرعة الشرقية

76- يطّا

9- بردلة

43- سلواد

77- السموع

10- الزبابدة

44- دير أبو مشعل

78- الظاهرية

11- تياسير

45- العوجا

79- بيت لاهيا

12- ميثلون

46- الطيبة

80- بيت حانون

13- كفر راعي

47- بير زيت

81- جباليا

14- علاّر

48- رمّون

82- غزة

15- عتّيل

49- نعلين

83- البريج

16- دير الغصون

50- دير ديوان

84- دير البلح

17- جبع

51- البيرة/ رام الله

85- القرارة

18- سيلة الظهر

52- بيتونيا

86- بني سهيلا

19- بلعا

53- أريحا

87- خان يونس

20- طمون

54- الرام

88- عبسان الكبيرة

21- برقة

55- بير نبالا

89-خزاعة

22- عنبتا

56- بيت اعنان

90- رفح

23- طولكرم

57- بدّو

 

24- عصيرة الشمالية

58- بيت اكسا

 

25- بيت ليد

59- القدس

 

26- نابلس

60- الطور

 

27- كفر زيباد

61- العيزرية

 

28- الزبيدات

62- العبيدية

 

29- بيت فوريك

63- بيت لحم/بيت جالا/

         بيت ساحور

 

30- جيوس

64- الخضر

 

31- دامية

65- زعترة

 

32- عقربا

66- صوريف

 

33- حوارة

67- بيت فجار

 

34- عزون

68- بيت أمّر

 


الجدول رقم 1

البلديات الفلسطينية سنة 1992

 

الإقليم

البلدية

سنة التأسيس

عدد السكان(1) (1990)

مساحة منطقة

البلدية(2) (دونم)

الشمال

نابلس

1869

118700

26500

جنين

1885

26600

7500

طولكرم

1886

48400

10255

قلقيلية

1951

22300

2492

عنبتا

1958

8100

1705

يعبد

1955

10400

1910

عرابة

1962

9900

4000*

قباطية

1967

12900

2441

سلفيت

1955

7200

3200

طوباس

1955

11900

2324

الوسط

القدس

1868

136300

2600*

رام الله

1908

29400

11090

البيرة

1951

29100

7800

بيتونيا

1965

4600

2810

دير دبوان

1958

6200

2400

سلواد

1964

6300

1190

أريحا

1952

21100

22000

بير زيت

1963

6100

1530

بني زيد

1965

7400

2500*

بيت لحم

1872

42200

8000

بيت جالا

1912

15400

5000

الجنوب

الخليل

1890

82400

22000

دورا

1967

9400

5000

يطا

1971

14600

6000

حلحول

1964

12300

6000

الساحل

غزة

1893

302100

21400

خان يونس

1918

103900

17000

دير البلح

1973

33500

10000

رفح

1974

101300

11200

(1)  عدد السكان

- نابلس تشمل مخيمات بلاطة وعسكر العين.

- جنين تشمل مخيم جنين.

- طولكرم تشمل شويكة ودنابة وإرتاح ومخيم طولكرم.

- القدس من دون المخيمات.

- البيرة تشمل مخيم الأمعري.

- أريحا تشمل مخيمي عين السلطان وعقبة جبر.

- بني زيد تشمل بيت ريما ودير غسانة.

- بيت لحم تشمل مخيمي عايدة وبيت جبرين.

- غزة تشمل مخيم الشاطىء.

- خان يونس تشمل خان يونس.

- دير البلح تشمل مخيم دير البلح.

- رفح تشمل مخيم رفح.

(2) *  مساحات تقديرية بحسب المعلومات المتوفرة.

    ** المساحة ضمن الجزء الشرقي من حدود بلدية القدس لسنة 1971.

 

الجدول رقم 2

المرافق والخدمات التي توفرها البلديات الفلسطينية

 الجدول رقم 3

تفصيل إعداد موظفي ومجموع عمال البلديات الفلسطينية

 

الإقليم

البلدية

عدد السكان

مجموع الموظفين(1)

توزيع الموظفين في الأقسام والدوائر المختلفة

مجموع العمال(4)

الإدارة

المحاسبة

الهندسة

الصحة العامة(2)

سوق الخضروات والفواكه(3)

المياه

الكهرباء

الميكانيك

المكتبة العامة

الاطفائية

الشمال

نابلس

118700

461

27

28

46

28

5

105

134

53

14

21

406

جنين

26600

64

8

6

8

6

*

7

8

10

3

8

96

طولكرم

48400

80

9

4

7

7

*

14

15

10

4

10

69

قلقيلية

22300

45

2

7

2

4

*

5

5

14

 

6

 

عنبتا

8100

14

1

1

3

2

 

5

 

2

 

 

8

يعبد

10400

16

3

 

2

3

 

3

4

1

 

 

2

عرابة

9900

9

3

 

 

1

 

2

3

 

 

 

 

قباطية

12900

18

1

4

2

2

 

4

5

 

 

 

 

سلفيت

7200

15

5

1

 

1

 

2

4

 

 

2

5

طوباس

11900

28

2

1

3

6

 

5

3

8

 

 

 

الوسط

القدس

136300

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رام الله

29400

64

9

11

18

5

*

 

 

3

4

14

70

البيرة

29100

63

5

13

13

6

*

 

 

13

2

10

 

بيتونيا

4600

13

3

2

1

2

 

2

 

2

 

 

 

دير دبوان

6200

13

1

3

2

4

 

 

1

2

 

 

 

سلواد

6300

6

2

1

 

3

 

 

 

 

 

 

 

أريحا

21100

66

10

3

9

12

*

21

 

4

3

4

 

بير زيت

6100

13

4

1

2

4

 

2

 

 

 

 

6

بني زيد

7400

8

1

2

2

2

 

1

 

 

 

 

 

بيت لحم

42200

52

11

5

5

10

*

 

 

9

 

12

25

بيت جالا

15400

10

4

2

2

1

1

 

 

 

 

 

14

بيت ساحور

11600

19

4

4

5

4

*

 

 

2

 

 

2

الجنوب

الخليل

82400

314

35

59

49

62

*

21

38

30

8

12

208

دورا

9400

34

10

2

4

4

*

3

6

5

 

 

17

يطا

14600

28

3

2

5

6

 

5

7

 

 

 

 

حلحول

12300

15

3

2

5

1

*

4

 

 

 

 

4

الساحل

غزة

302100

422

42

71

58

123

*

50

37

41

 

 

402

خان يونس

103900

111

3

33

6

9

*

26

18

10

 

6

69

دير البلح

33500

35

8

1

4

13

*

4

5

 

 

 

25

رفح

101300

74

5

26

7

8

*

3

4

20

1

 

69

  • يشمل الموظفين المثبتين والمصنفين وغير المصنفين، بحسب بيانات الداخلية لسنة 1990.
  • تشمل أقسام المجاري والنفايات والمسلخ.
  • * يوجد سوق خضروات وفواكه، موظفوها مشمولون ضمن أقسام أخرى أو تقوم البلدية بتلزيمها.
  • يشمل معدل العمال الدائمين وعمال المياومة بحسب أفضل التقديرات للفترة 1985 –

 

*   تم إعداد هذه الدراسة في سياق بحث يجريه "مشروع الدراسات الفلسطينية" (رام الله)، فيما يتعلق بموضوع البلديات الفلسطينية.

[1]   كانت هذه خلاصة البحث الذي قمت به بشأن الموضوع، راجع: علي الجرباوي، "البلديات الفلسطينية: من النشأة حتى العام 1967"، "شؤون فلسطينية"، العدد 221 – 222 (آب/أيلول 1991)، ص 49 – 72.

[2]   راجع النص المُعرّب لقانون البلديات العثماني في: عارف أفندي رمضان (مُعرِّب)، "مجموعة القوانين" (بيروت: المطبعة العلمية، 1925)، ص 321 – 342.

[3]   راجع النص المعرَّب لقانون البلديات البريطاني في: "قانون البلديات الرقم 1 لسنة 1934" (غزة: إدارة العدل، 1972).

[4]    تم خلال فترة الإدارة المصرية لقطاع غزة إدخال العديد من التعديلات على القانون البريطاني للبلديات، ولكنْ يُلاحظ أنها لم تهدف إلى إحداث تغييرات جوهرية في مضمونه. وكانت التعديلات تُنشر بعد صدورها عن الحاكم الإداري العام في: "الوقائع الفلسطينية: الجريدة الرسمية لقطاع غزة".

[5]    بالنسبة إلى قانون البلديات الأردني لعام 1954، راجع: "الجريدة الرسمية الأردنية"، العدد 1183 (6/6/1954)؛ وبالنسبة إلى قانون عام 1955، راجع: المصدر نفسه، العدد 1225 (1/5/1955).

[6]    تتشابه القوانين العثمانية والبريطانية والأردنية المتعلقة بالبلديات، لجهة شروط استيفاء حق الانتخاب والترشيح. راجع ما تمخض عنه التطور التاريخي في هذا المجال فيما بلورته المادة الثانية عشرة من شروط تأهيل لحق الانتخاب، والمادة الثامنة عشرة من شروط تأهيل لحق الترشيح.

[7]  Geoffrey Aronson, “Israel’s Policy of Military Occupation,” Journal of Palestine     Studies, Vol. VII, No. 4 (Summer 1978), p. 80.                                                  

كذلك، تجدر مراجعة "مجموعة الإعلانات والمناشير الصادرة عن قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي"؛ فهي تُظهر بوضوح مدى تدخّل وتحكم سلطة الاحتلال الإسرائيلية في مجرى الحياة الفلسطينية في الأراضي المحتلة.

[8]   يجب الانتباه إلى أن هدف السلطة المحتلة من هذا التعديل، الذي يبدو في مظهره تطوراً،  كان تدعيم القوى التقليدية داخل الأراضي المحتلة. فقد انطلقت سلطة الاحتلال من تقدير بأن النساء أكثر تقليدية ومحافظة من الرجال، وأن تسيُّس الرجال أكثر من تسيُّس النساء. لذلك كان تصوّر سلطة الاحتلال أن أغلبية أصوات النساء ستذهب إلى المرشحين التقليديين، لا إلى الموالين لمنظمة التحرير الفلسطينية.

[9]  راجع في هذا الشأن، وفيما يتعلق بهذه الحقبة:

Moshe Ma’oz, Palestinian Leadership on the West Bank (London: Frank Cass, 1984).    

[10]  تعتبر دراسة جيفري أرونسون من أفضل التحليلات التأريخية لسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية. ويجب مراجعتها فيما يختص بتطورات السياسة الاحتلالية تجاه البلديات: جيفري أرونسون، "سياسة الأمر الواقع في الضفة الغربية: إسرائيل والفلسطينيون من حرب 1967 إلى الانتفاضة" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية؛ البحرين: جامعة البحرين، 1990).

[11]  قمت، خلال سنة 1991، بالإشراف على عملية جمع معلومات ميدانية تتعلق بجوانب مختلفة من نشاط مؤسسة البلديات. وتجدر الإشارة إلى أن تفرّد رئيس البلدية باتخاذ القرارات كان أحد الموضوعات الأساسية التي نالت أكبر قدر من اتفاق آراء مَنْ تمت مقابلتهم من موظفي ومسؤولي عدد كبير من بلديات الضفة والقطاع.

[12]  وجدنا من البحث الميداني أن 37 موظفاً من موظفي البلديات ينتمون إلى عائلة واحدة، وهي عائلة رئيس سابق لهذه البلدية.

[13]  تتراوح الرواتب في البلديات وفقاً للطاقم المطبق حالياً من 400 شيكل لأدنى مربوط الدرجة الثانية عشرة (من دون خدمة) إلى 1250 شيكلاً لأعلى مربوط الدرجة الأولى (خدمة 23 عاماً). (الدينار الأردني يعادل حالياً 3,45 شيكلات).

[14]  راجع في موضوع الشؤون المالية، الفصل الرابع من قانون البلديات الأردني لعام 1955، والمواد 101 – 118 من قانون البلديات البريطاني لعام 1934.

[15]  للاطلاع على تحليل للتجربة الأردنية في هذا الشأن، راجع: عبد الرؤوف الروابدة، "الموارد المالية للبلديات في الأردن"، "المؤتمر العام للمجالس البلدية" (عمّان: وزارة الشؤون البلدية والقروية، 1986)، 24 – 35.

[16] راجع: تقرير المنجزات 1979 – 1986، "اللجنة الأردنية – الفلسطينية المشتركة لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل" (عمان: الأمانة العام للجنة المشتركة، 1987)، الجدول رقم 3، ص 62.

[17]  منذ سنة 1979 بدأت مؤسسى أنيرا الأميركية بتقديم مساعداتها المالية للبلديات الفلسطينية. وفي الفترة 1979 – 1983، قدمت مساعدة تبلغ 80 ألف دولار، ارتفعت في الفترة 1983 – 1989 لتبلغ 3,5 ملايين دولار (بمعدل 600 ألف دولار للسنة الواحدة)، ووصلت في الفترة 1989 – 1991 إلى 1,117 مليون دولار (بمعدل 850 ألف دولار للسنة الواحدة). أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، فقد بلغت مساعداته المُقدمة للبلديات الفلسطينية مبلغ 9,933 مليون دولار خلال الفترة 1986 – 1990 (بمعدل نحو 2,5 مليون دولار للسنة الواحدة).

[18]  راجع: البند الرابع من المادة الثانية والأربعين من قانون البلديات الأردني لعام 1955.

[19]  يُلاحظ، في الآونة الأخيرة، لجوء البلديات إلى وضع إعلانات في الصحف المحلية في الأراضي المحتلة، تُناشد فيها المواطنين تسديد المستحقات عليهم. وتُبرّر البلديات مطالبتها، بتراكم الديون عليها، وبعجزها عن إيفاء التزاماتها المالية المختلفة.

[20]  تُركز البلديات، عند تفكيرها بمجال التطوير، على توسيع المرافق الخدمية وتحديثها فقط. ويلاحَظ أن من الأولويات التطويرية دائماً شراء ناقلات وحاويات نفاية جديدة، وتوسيع السوق المركزية، وتحديث المسلخ.... إلخ.

[21]  يُلاحظ مَنْ يتجوّل في مدن الأراضي المحتلة تهلهل البنية التحتية الأساسية وتداعيها. فشبكة الشوارع داخل الدن قديمة، ويتم ترقيعها بين فترة وأخرى. لذا، فإن الحفر فيها تقارب المتبقي منها. أما شبكات الكهرباء والمياه والمجاري، إنْ وجدت، فتكون في وضع يعاني السوء. كما يلاحظ المتجول، بسرعة وبلا عناء يذكر، مدى انتشار النفايات على أطراف الشوارع، والتغاضي عن جمعها في أوقات محددة ومتقاربة.

[22]  لا يتم البحث في تفصيلات الحكم المركزي لأن البحث لا يتعلق بهذا الموضوع، لكن يُفترض أن أسسه العامة مفهومة وواضحة بصورة عامة.

[23]  يُفترض أن يُلغى منصب المختار كآخر حلقات السلطة المركزية.

[24]  راجع في هذا الشأن: علي الجرباوي، "وقفة نقدية مع تجربة 'التنمية' الفلسطينية" (رام الله: مشروع الدراسات الفلسطينية، 1991).

[25]  راجع في هذا الشأن:

   Emile Nakhleh, “A Model of Local Government: Structures and their Application to    Land Use,” Journal of Palestine Studies, Vol.X, No. 4 (Summer 1981), pp. 27-44.    

[26]  يمكن أن يتشكل المجلس البلدي للبلديات الأساسية من 7 – 9 أعضاء، وللبلديات الرئيسية من 7 – 11 عضواً، وللبلديات المركزية من 9 – 13 عضواً.

[27]  يجب تلافي البنود الواردة في القانونين الأردني والبريطاني، المتعلقة بهذا الشأن. كما يجب الانتباه إلى ضرورة أن يتضمن قانون البلديات الفلسطيني آلية محكمة وواضحة للعزل الفردي من المجلس البلدي، أو الجماعي للمجلس البلدي، وتبينان الشروط المطلوبة لذلك والحالات التي ينطبق إمكان العزل عليها.

[28]  بما أن التعليم شاع في بلدنا وأصبحت الجامعات والكليات منتشرة، فإنه لا يُعتقد أن مُتطلب التحصيل العلمي ينطوي على إجحاف وغبن لشرائح مجتمعية محددة. فالشهادة الجامعية المتوسطة أصبحت واسعة الانتشار في جميع المهن، وبين مختلف شرائح المجتمع.

[29]  يُقترح، مثلاً، تأليف لجان للشؤون المالية، والتخطيط، والشؤون القانونية، والعلاقات العامة.

[30]  يُمكن أن يتم التفكير في آلية للتعيين تتضمن تصديق الهيئة الإقليمية على تعيين المجلس البلدي، وذلك حرصاً على تجنب إمكان محاباة المجلس البلدي في عملية اختيار مدير البلدية. ويجدر الانتباه إلى أنه ليس من الضروري على الإطلاق استبدال مدير البلدية مع كل مجلس بلدي. بل على العكس من ذلك، يُفترض أن تُشجع استمرارية مدير البلدية في منصبه؛ ففي ذلك استمرار لتراكم الخبرة، وتواصل في العملية الإدارية. لكن يُستحسن ألا يكون مدير البلدية مثبتاً في الوظيفة، حتى يبقى دائماً حريصاً على القيام بمهماته خير قيام، ومعتمداً في احتفاظه بوظيفته على الرقابة والمحاسبة الدورية للمجلس البلدي. ويُقْتَرَح أن ينصّ قانون البلديات الفلسطيني على آلية مُفصّلة لإقالة مدير البلدية من منصبه، حتى لا يتم الإجحاف به وتعرضه لضغوط مختلفة قد يمارسها رئيس وأعضاء المجلس البلدي عليه.

السيرة الشخصية: 

علي الجرباوي: أستاذ مشارك في العلوم السياسية في جامعة بير زيت.