أزمة الخليج في الصحافة الإسرائيلية
ملف خاص: 
كلمات مفتاحية: 
حرب الخليج 1990-1991
الصحافة
العراق
السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
العلاقات الإسرائيلية – الأميركية
نبذة مختصرة: 

ترجمة لمقالات مختارة من الصحف الإسرائيلية كتبها كل من: يتسحاق رابين وأفرايم سنيه وشموئيل سيغف وموشيه شاحل وعاموس غلبواع وأريئيل شارون وزئيف شيف ودوف تماري وحاييم هيرتسوغ وجدعون سامت وشولاميت ألوني ويوسي ساريد ويئير عفرون ويحزقئيل درور.

النص الكامل: 

تخصص "مجلة الدراسات الفلسطينية" ملف هذا العدد لمقالات مترجمة عن العبرية بشأن أزمة الخليج، ظهرت في الصحافة الإسرائيلية في الشهرين الأولين للأزمة. وتعالج هذه المقالات الموضوعات التالية: المغزى الاستراتيجي العام للتدخل الأميركي في الأزمة؛ التحالفات الجديدة المحلية والدولية الناجمة عن الأزمة وانعكاساتها على وضع إسرائيل الأمني والسياسي في المستقبل وعلى حل النزاع العربي – الإسرائيلي؛ دروس ينبغي لإسرائيل استخلاصها من الأزمة؟ موقف اليسار الإسرائيلي من الحوار مع الفلسطينيين؛ الجبهة الداخلية؛ نظرة استراتيجية شمولية إلى الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وتوقعات بخصوص المستقبل.

والقصد من تقديم هذه المقالات هو إتاحة الفرصة للقارئ العربي للاطلاع، مباشرة ومن دون تدخل، على الآراء والتصورات الإسرائيلية فيما يتعلق بأزمة الخليج وتطوراتها وانعكاساتها الراهنة والمحتملة في المستقبل على الأوضاع الاستراتيجية والسياسية في المنطقة، بما في ذلك وضع إسرائيل.

المغزى الاستراتيجي العام للتدخل الأميركي الخط الأحمر للولايات المتحدة

 يتسحاق رابين "يديعوت أحرونوت"، 24/8/1990

من المألوف، في عالم المسرح، القول إن ظهور مسدس في الفصل الأول من المسرحية سيجر إلى إطلاق نار في الفصل الثالث. وفي المسرحية المرعبة التي تمثل الآن على مسرح الشرق الأوسط، ظهر المسدس في الفصل الأول، وأُسدل الستار على الفصل الثاني، والآن – في انتظار إطلاق النار...

 قبل مجرد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أو شهر، احتفل في برلين بسقوط الأسوار. أجواء نزع السلاح والسلام غمرت أوروبا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، ومست أطراف دول كثيرة أخرى.

وفجأة، انعكست العجلة: أجواء حرب في الشرق الأوسط. تبددت أجواء السلام. وهذه رسالة لكل من اعتقد حتى الآن أن الشرق الأوسط جزء لا يتجزأ من تجربة العالم كله. خطأ. الشرق الأوسط يتّسم دائماً بعدم الاستقرار. هذا هو المنحى الرئيسي في حياة هذه المنطقة الملتهبة، ومن المحظور أن نخطئ ونتنسّم أجواء ليست من طبيعتها. إن الشرق الأوسط لا يشبه بذلك أي مكان آخر في العالم.

ما الذي هو في قيد الاختبار في أيام الأزمة هذه؟

إن هذه الأزمة أخطر أزمة في الفترة (القصيرة...) لما بعد انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب. والنتيجة، إن الاتحاد السوفياتي، الذي يتصارع مع مشكلاته الخاصة، غير ظاهر تقريباً على مسرح النزاع، كما كان شأنه حتى الآن في جميع الخصومات الدولية في العقود الأخيرة...

صورة الوضع حتى الأمس هي أن الولايات المتحدة تقود 22 دولة في الطريق إلى حرب ضد العراق. وبين هذه الدول دول عربية، والمجموعة الأوروبية، والاتحاد السوفياتي.

الاختبار الأول والأهم للولايات المتحدة كان وسيظل استمرار قدرتها على إملاء قواعد السلوك، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، في النزاعات في أي مكان، وبصورة خاصة في الشرق الأوسط. وسيكون للنجاح الأميركي أو، لا سمح الله، للفشل تأثير تقريباً في كل نزاع بين الشعوب ينشب من الآن فصاعداً في أية زاوية من زوايا العالم.

وفي هذه المرحلة، كما ذكرنا، فإن العالم الذي اتسم بوجود قوتين عظميين لم يعد قائماً. فأميركا هي وحدها على المسرح، وستتحدَّد "قواعد اللعبة" (تعريف صعب لأوضاع كهذه) في الساحة الدولية بناء على نتائج الأزمة العراقية. ومن نافل القول تقريباً أن نقول، وهكذا يبدو الأمر لي، أن "قواعد اللعبة" هذه يمكن أن تسري أيضاً على حل النزاع الإسرائيلي – العربي.

لقد عدت قبل أيام معدودة من زيارة قصيرة للولايات المتحدة. ووجدت في هذه المرة أن الشارع الأميركي شريك، ربما أكثر مما في أي وقت مضى، في المشكلة برمتها. الأشخاص مهتمون أكثر، متجاوزون إطار عقليتهم الخاصة الضيقة، قلقون. وهو أمر لا يثير الاستغراب. إذ أن لديهم سبباً جيداً للقلق: في هذه المرة، المسألة تصيب جيب كل شخص هناك. الوقود، الذي يرتفع سعره، يمس حياة كل مواطن أميركي ورفاهيته. وفقط من يعرف الولايات المتحدة ويعرف أية مسافة مستعد كل مواطن أن يقطعها إلى محطة الوقود ليوفر سًنْتيناً في غالون البنزين، يستطيع أن يقدر الضرر للأميركيين واقتصادهم الذي يعاني، من دون ذلك، أمراضاً مختلفة...

إن الأميركي في نيويورك، في بوسطن ولوس أنجلس، يعرف جيداً أن نجاح العراق، لا سمح الله، سيتيح لحاكم العراق أن يسيطر على 40% من إنتاج النفط في العالم ويتحكم فيها. إن "مفتاح" أنابيب النفط سيصبح في قبضته لأن معنى انتصاره خضوع السعودية لإملاءات العراق. ومعنى ذلك أن حاكماً عربياً مثل صدام حسين سيستطيع أن يقرر، إلى حد كبير، مصير اقتصاد العالم كله. وستضطر دول عظمى، كالولايات المتحدة واليابان، إلى العزف على أنغام مزماره.

وهذا بالضبط ما لا يمكن للمواطن الأميركي، وبالتأكيد الإدارة الأميركية، أن يسمح به. ومن هنا يبدو بديهياً تقريباً التأييد الواسع الذي حظيت به الخطوات العسكرية التي اتخذها الرئيس وإدارته. وأجرؤ على القول إن المواطن الأميركي مستعد لحرب كبرى ولضحايا (لن تكون كما يبدو قليلة) من أجل هذا الأمر.

على السؤال: هل يمكن لقوة إقليمية مثل العراق أن تستغل ضعف جاراتها وتسيطر عليها، في خطوة من شأنها أن تؤثر بشدة في اقتصاد العالم، من دون أن تهب قوة عظمى أو قوات عظمى تبرهن له على أن هذا ليس وارداً في الحسبان؟ عن هذا السؤال يجيب اليوم الأميركي – في البيت الأبيض وفي المتاجر والمزارع – بكلمة واحدة أو بثلاث كلمات: ليس وارداً في الحسبان.

إن النجاح الأميركي في هذه الأزمة سيحدد أيضاً، إلى حد ما، ملامح عالمنا في العقد الأخير من القرن العشرين: ما هو مدى حرية دولة تتمتع بقوة عسكرية – في الواقع الدولي – في استخدام قوتها من دون أن تخشى تصدي العالم الحر لها؟ في الأزمة الحالية، حتى الآن، تحاول الولايات المتحدة وتحاول 22 دولة أخرى أن ترسم خط حدود، وأن تحدد المسموح به والممنوع. إنها تقول: "إلى هنا". ويستطيع كل من يريد، أن يعرف من خطوة كهذه إمكانات الولايات المتحدة والدول الأخرى في التأثير، في السنين المقبلة، في حل النزاع الإسرائيلي – العربي...

إن العراق، بعد الانتصار العسكري على إيران، تفرغ للقيام بدور مركزي في حياة العالم العربي. وينادي حاكمه، صدام حسين، بحل قائم على القوة، حل عسكري للمشكلات، داخل العالم العربي وبين العالم العربي وإسرائيل. وفي المقابل، في القطب الآخر من العالم العربي، تقف مصر حسني مبارك، وتؤمن مصر بأسلوب سياسي لحل المشكلات في العالم العربي، وبينه وبين إسرائيل.

ومن أجل أن يقود العراق العالم العربي وفق أسلوبه، كان هناك أمامه إمكانان:

الأول، أن يتوجه بعد الحرب مع إيران نحو صراع سياسي، وبعد ذلك عسكري، ضد دولة إسرائيل.

الثاني، أن يعزز وينمي قوته العسكرية والاقتصادية قبل أن يزج قواته في حرب ضد الجيش الإسرائيلي.

وقد اختار صدام حسين الإمكان الثاني. ولهذه الغاية سطا على مصرف ضخم، وهذا المصرف اسمه الكويت.

شيء من العزاء لنا: بهذه الخطوة يعترف صدام حسين، المتحمس والمتحرر من الضوابط، بقوة دولة إسرائيل وبقوتها العسكرية. حتى هو، المتحمس، يعرف أنه بحاجة إلى وقت وأموال لتقوية جيشه، وزيادة قوته التقليدية وغير التقليدية، قبل أن ينطلق في اتجاه القدس. إن الطريق إلى القدس تمر عبر خزائن وحوانيت مجوهرات الكويت.

لقد افترض صدام حسين، كما يبدو، أن العالمين الغربي والعربي سيبتلعان الخطوة ضد الكويت، وأنه بذلك يضاعف أضعافاً مضاعفة موارده المالية. وقد أخطأ في ذلك – وكما يبدو – خطأ فادحاً.

ولولا تدخل الولايات المتحدة، لكنا نواجه اليوم العراق كقوة قائدة في العالم العربي، تدوس الجميع في طريقها. لا يوجد اليوم في العالم العربي أية جهة قادرة على الوقوف عسكرياً في وجه عشرات الفرق المدرعة وسلاح المشاة التابع لصدام حسين. ولو نجح صدام حسين لكان أخضع لسلطته شبه الجزيرة العربية – وكنوزها. ولكانت مصر، التي وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل والتي تدعو إلى حلول سياسية معنا، طوت أعلامها.

إن جهة واحدة كانت هي القادرة على وضع الأساس الدولي وبناء القوة العسكرية لمحاولة إعادة العجلة إلى الوراء، وإعادة الوضع إلى سابق عهده والبرهنة، على المستوى الدولي وفي الشرق الأوسط، أن العدوان قد تمت معاقبته (أو ستتم...).

وهذه الجهة هي الولايات المتحدة.

في هذه المرحلة، النزاع هو نزاع عربي – عربي ودولي، ويمس إسرائيل مساً أقل، مع أن من شأن نجاح عراقي أن يخلق في المدى البعيد تهديداً خطراً لدولة إسرائيل.

وفي هذا النزاع عقّد صدام حسين الوضع عندما احتجز آلاف الرهائن الغربيين. لكن هذه الخطوة بالذات، في اعتقادي، أدت إلى مزيد من الوحدة والتصميم في الولايات المتحدة. إذ أنها أبرزت، في نظر المواطن الأميركي البسيط، صورة صدام حسين كشخص لا يتقيد بأية ضوابط ومن الضروري التخلص منه – وبسرعة.

إنني أعتقد أن احتجاز رهائن، ولو كان عددهم كبيراً، لن يؤثر – مع كل الأسف والألم المقترنين بذلك – في الاعتبارات والقرارات في البيت الأبيض والبنتاغون. وتقديري اليوم، أن الولايات المتحدة مصممة على تحقيق الأهداف التي حددها الرئيس الأميركي لجيشه وشعبه. وإنْ أمكن ذلك، سيتم الأمر من دون سفك دماء: بالحصار، وبالمقاطعة، وبأية طريقة سياسية تحقق الهدف الأساسي الذي وضع رئيس الولايات المتحدة: إخراج الجيش العراقي من الكويت.

وإذا لم ينجح هذا الأسلوب، فلا يمكن استبعاد إمكان عملية عسكرية واسعة النطاق للولايات المتحدة مع دول أخرى، ضد العراق، وعندئذ God Bless America (فليبارك الرب أميركا) كما تقول كلمات نشيد معروف فيها. ولا رحم الله العراق.

إنني أعتقد أن الولايات المتحدة ستحقق أهدافها، بأسلوب سياسي أو عسكري. وسيعود الوضع إلى سابق عهده، إلى حد ما. وعندئذ سيتضح لدول الشرق الأوسط أن هناك "شريفاً" أميركياً في هذه المنطقة المضطربة من العالم وأنه سيمنع كل عدوان لا لزوم له.

وعندئذ –

عندئذ، بعد أن تحقق الولايات المتحدة أهدافها، في الكويت والبحرين والرياض والقاهرة، ستتفرغ – وبحزم أشد – لحل النزاعات الأخرى في الشرق الأوسط. إنها لن ترغب في إبقاء أعواد ثقاب مشتعلة على برميل من البارود، يمكن أن يشعل 40% من نفط العالم. إن الولايات المتحدة سترغب، بعد العراق، في أن تبرهن على أنه لا يمكن المحافظة على الوضع الراهن وعلى بقاء النزاع الدامي في الشرق الأوسط من دون حل.

عندئذ، إنْ لخير أو لشر، بحسب الميل السياسي، عندئذ سيجيء أيضاً دورنا.

 التحالفات الجديدة وانعكاساتها أهداف متواضعة أو نظام جديد  

افرايم سنيه، "هآرتس"، 23/9/1990

 تكفي زيارة خاطفة لواشنطن لتكوين انطباع عن الإحساس الأميركي العام. قليلون جداً من يعتقدون أن الحصار والإجراءات الاقتصادية ضد العراق ستكون حقاً فاعلة، وأقل منهم من يرغب في شن حرب ضده. وهناك موظفون كبار ممن يشاركون في رسم السياسات يقولون، في أحاديث ليست للنشر، إنهم لن يعتبروا حل أزمة الخليج، من دون تدمير آلة الحرب العراقية، فشلا.

ومن أجل حل هذه التناقض، تحدد الإدارة الأميركية الآن ثلاثة أهداف تسعى لإنهاء الأزمة بإنجازها: انسحاب العراق من الكويت؛ إعادة السيادة لهذه الدولة؛ تحرير الرهائن.

وهذه أهداف متواضعة إذا ما قوبلت بالقوة العسكرية الجبارة التي حشدت وأُحضرت من أمكنة بعيدة لتحقيقها، ومتواضعة أكثر قياساً بالقوة السياسية التي بلورتها الولايات المتحدة ببناء ائتلاف دولي لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وسيكون من الصعب إعادة تشكيله متى انحلّ. ومع ذلك، يستمر الكلام في الولايات المتحدة عن "نظام إقليمي جديد"، سيكون الشرق الأوسط بموجبه – بعد انتهاء أزمة الخليج – منطقة أكثر استقراراً وتوازناً، وخالية من القدرة على تهديد سلام العالم.

إن أحد التطورات المهمة التي برزت في أثناء الأزمة هو التغيير الجوهري في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. والولايات المتحدة معنية اليوم بمشاركة الاتحاد السوفياتي في بلورة حل في الشرق الأوسط، بل حتى أنها تعدُّ له مهمات محددة في تلك المجالات التي تبقّى له نفوذ فيها. والنزاع العربي -  الإسرائيلي هو أحد هذه المجالات. إن غورباتشوف مشغول، كما يبدو، بمشكلات داخلية صعبة، ولا وقت طويلاً لديه للانشغال بمشكلات العالم. لكن لديه ثلاثة أسباب لمساعدة الولايات المتحدة في حل الأزمة:

-  إبراز دور الاتحاد السوفياتي بصفته قوة عظمى كمبرر لبقاء الإطار العام للدولة السوفياتية، التي ترغب الجمهوريات الانفصالية في تفكيكه.

- تحقيق الاستقرار في جزء من العالم يمكن أن تتسرب أية تطورات متطرفة فيه إلى الجمهوريات الإسلامية في آسيا السوفياتية.

- تقوية الروابط الاقتصادية بالولايات المتحدة، وبدول غربية أخرى.

وكي يضفي "النظام الجديد" استقراراً على المنطقة يجب أن يتضمن عدة عناصر هي:

  • ترتيب بين الدول يضمن تدفق النفط من منطقة الخليج، وتحديد سعر معقول له. ومن ناحية الاقتصاد الأميركي والعالمي، هذا هو المبرر الأساسي للجهد ضد العراق.
  • إقامة بنية لوجستية لوجود عسكري أميركي في الشرق الأوسط، والمقصود وجود محدود في أوقات الهدوء قابل للازدياد في أوقات الأزمات. ووجود كهذا في سيناء، مثلاً، يمكن أن يجنّب الأميركيين الغضب الإسلامي من جراء وجودهم على الأراضي السعودية بالقرب من الأماكن المقدسة، ويمكن أن يتيح لهم تقديم مساعدة إضافية غير مباشرة للاقتصاد المصري.
  • تعزيز استقرار أنظمة الحكم الحالية في مصر والسعودية والأردن؛ ومن ناحية إسرائيل هناك أهمية خاصة للاستقرار في الأردن ومنع دخول جيش أجنبي أراضيه.
  • البدء بمحادثات إسرائيلية – فلسطينية من أجل التوصل إلى حلول مرحلية وحل دائم في المناطق. لن يكون ممكناً إطلاقاً ترك الموضوع الفلسطيني على قارعة الطريق، والسير لإقامة نظام إقليمي يتجاهله.
  • حظر إنتاج وتطوير أسلحة إبادة جماعية في دول المنطقة.

إن انسحاب الجيش العراقي من الكويت كان يمكن أن يكون عملاً تثقيفياً جيداً لإنهاء الأزمة في الخليج، لو أن صدام أقدم على احتلال الكويت في فورة تفجر مفردة لنزعة مبريالية مستترة أو نتيجة تقدير مغلوط فيه للوضع. لكن غزو الكويت وضمها لم يكونا إلا مؤشراً على سلوك العراق في المستقبل بصفته قوة عظمى إقليمية صاعدة، تمتلك إمكانات حرب غير تقليدية، بزعامة حاكم لا تعقله أية ضوابط.

إن مشهد عودة الرهائن إلى أحضان عائلاتهم في الغرب سيحرك المشاعر في قلب كل يهودي. لكن هذا المشهد، وبالتأكيد مشهد عودة آل الصباح إلى قصورهم، لن يشكلا عزاء لمن سيبقى في مواجهة الخطر العراقي. وإذا انتهت الأزمة هكذا، فسيكون في الإمكان – على الأكثر – ضمان استقرار موقت بعد ذلك بواسطة خلق وزن مضاد للقوة العراقية.

ويمكن تحقيق ذلك بتعزيز كثيف للقوة العسكرية لحلفاء الولايات المتحدة: إسرائيل ومصر والسعودية. لكن هذا ليس "نظاماً إقليمياً جديداً"، وإنما هو النظام القديم مع أسلحة أكثر كثيراً. ولن يكون في الإمكان بناء نظام إقليمي سلمي في الشرق الأوسط ما دام العنصر الأساسي في عدم الاستقرار قائماً، وما دامت قوته وطموحاته باقية على حالها.

 خارج الدائرة

شموئيل سيغف [من نيويورك]، "دافار"، 20/8/1990

 بعد أسبوعين من الغزو العراقي للكويت، وعلى الرغم من خطر المواجهة العسكرية في الخليج الفارسي، في الإمكان الإشارة منذ الآن إلى بداية مسار على مستوى المنطقة من الممكن أن يؤثر في مكانة إسرائيل الاستراتيجية وفي طابع علاقاتها بالولايات المتحدة في المستقبل. ويبرز جداً للعيان منذ الآن التحسن في مكانة مصر الاستراتيجية، وتتزايد الاتصالات السرية بين الولايات المتحدة وإيران. وقد دفن سلوك صدام حسين منذ بداية الأزمة "الخيار العراقي" في الخليج الفارسي نهائياً، وأبرز من جديد مكانة إيران ككابح ممكن لطموحات العراق التوسعية.

وقد أضعفت التطورات المثيرة في الخليج مكانة إسرائيل بصفتها حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، وأبرزت حدود قوتها، وفي الأساس قدرتها على الاندماج في خطوة على مستوى المنطقة، ما دام السلام مفقوداً بينها وبين الدول العربية، كلها أو قسماً منها. إن الاقتراحات الإسرائيلية المتكررة بدمجها في بلورة الخطوات المنتظرة رُفضت بتهذيب، لكن بحزم، من جانب إدارة بوش، على الرغم من محاولاتها إبراز التعاون الاستراتيجي الرتيب في المجال الاستخباري. ولم يعد أحد في واشنطن يتأثر بذلك. وفي المقابل، يبرز الجميع هنا ولاء مصر ونجاح مبارك في دمج سوريا ومراكش في القوة البرية العربية للدفاع عن السعودية وعن إمارات الخليج الأخرى.

إن مصادر رفيعة المستوى في واشنطن، تساعد في التخطيط للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط وفي بلورتها، تشبّه العملية الجارية الآن بالعملية التي بلورها الرئيس السادات سنة 1974. فبعد توقيع اتفاقات فصل القوات بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا، وبعد تجدد الملاحة في قناة السويس، بادر السادات إلى إقامة حلف غير رسمي مع إيران وسوريا والأردن ومراكش. وقد عزل هذا الحلف العراق، وكبح المطامع التوسعية في الخليج. ولم يطلب السادات من إسرائيل أن تقطع علاقاتها الوثيقة بالشاه، بل استغل تزويد إيران إسرائيل بالنفط كرافعة للضغط على إسرائيل لانسحاب كامل من سيناء ومن بقية المناطق.

وقد زار يتسحاق رابين ويغآل ألون وشمعون بيرس طهران، الواحد تلو الآخر، وأقنعوا الشاه بعدم إيقاف تزويد إسرائيل بالنفط. وأشرك السادات الشاه أيضاً في خطواته السياسية كما اكتشف ذلك مناحم بيغن في زيارته الوحيدة لطهران في شباط/فبراير 1978. وفي موازاة ذلك، سعى السادات باستمرار لتعزيز مكانته في واشنطن كحليف موال للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

والآن يبلور مبارك خطوة مشابهة بتشجيع كامل من الولايات المتحدة. وتحتل الآن سوريا الموقع الذي احتله الأردن في خطوة السادات. ويقول خبراء أميركيون بشؤون الشرق الأوسط أن ما لم ينجح فيه السادات في حينه، يمكن أن ينجح مبارك فيه: لقد أزاح إسرائيل إلى موقع حليف من الدرجة الثانية، في حين أصبحت مصر الحليف الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة. وأكثر من ذلك، ان تعاون مصر الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ينطوي على فرصة لتصالح أميركي مع إيران، بوساطة من دمشق. صحيح أنه يوجد في الولايات المتحدة رواسب كثيرة ضد إيران والتطبيع ليس وشيكاً، لكن بوش، الذي كان رئيساً للـ "سي. آي. اي"، يدرك أهمية إيران الاستراتيجية ويعرف عداءها التاريخي للعراق. ويتحدث خبراء أميركيون منذ الآن عن إمكان تجديد التمرد الكردي، بمساندة من إيران وسوريا وبتمويل من السعودية وإمارات الخليج.

وللأسف الشديد، لا تمر هذه العمليات عبر إسرائيل. وخلافاً للماضي، لا يميل أحد إلى دمج القدس في بلورتها وإلى الاستعانة بخبرة إسرائيل مع الأكراد لإنهاك قوة العراق. إن انعدام الثقة الجذري بين الرئيس بوش ووزير الخارجية بيكر، وبين رئيس الوزراء يتسحاق شمير، ورفض مبارك التعاون مع شمير ما دامت إسرائيل لا تقول "نعم" لبيكر، بالإضافة إلى الطابع الديني للنظامين في السعودية وإيران – كل هذا يترك إسرائيل خارج الدوائر التي تتبلور الآن في المنطقة، بتشجيع كامل من واشنطن.

وفي اللقاء بين أعضاء الوفد الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة وبين القنصلية الإسرائيلية في نيويورك، حاول الوزير روني ميلو طمأنة الحاضرين إلى أنه لم يحدث أي تآكل في مكانة إسرائيل الاستراتيجية وفي متانة صلاتها بالولايات المتحدة. وعندما قيل لميلو ان الزعماء اليهود في الولايات المتحدة يسمعون أقوالاً معاكسة، وان الناطقين بلسان الإدارة الأميركية يبذلون جهدهم للتشديد على ولاء مبارك وقدرته على "الوفاء بالالتزامات"، عاد الوزير ميلو فكرر الادعاءات المألوفة: أن إسرائيل "هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وأن التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة مستمر كالمعتاد "بل أنه يتعزز"، وأن من المبكر استخلاص استنتاجات بعيدة المدى من الأزمة الخطرة التي لم تصل إلى نهايتها بعد.

وربما كان ميلو مصيباً بشأن الاستنتاجات [البعيدة المدى]، لكن الاستنتاج الذي لا مفر منه تقريباً بشأن العمليات التي تجري الآن في المنطقة، هو: بعد تصفية أزمة الخليج الفارسي، إذا لم تتحلّ إسرائيل بالمرونة اللازمة لتجديد عملية السلام، فقد تجد نفسها في مواجهة مع الإدارة الأميركية، مواجهة أشد كثيراً مما كانت عليه قبل الغزو العراقي للكويت. وقد أظهر بوش، بمعالجته الحثيثة للأزمة العراقية، حزماً فيما يتعلق بالقرار وتشبثاً بالهدف. ويقول مسؤولون أميركيون ان بوش سيظهر الحزم نفسه إزاء إسرائيل.

وعلاوة على حاجة بوش إلى مكافأة مبارك والسعودية على ولائهما، هناك تمسك الولايات المتحدة بنقاط بيكر الخمس، بصفتها السبيل الوحيد لإذابة الجليد فيما يخص الموضوع الفلسطيني. وفي الحقيقة لقد أغضب ياسر عرفات الولايات المتحدة جداً بتأييده المستمر لصدام حسين. لكن الأميركيين يقولون أن م. ت. ف. ليست عرفات فقط وأنه يوجد هناك في المنطقة انقسام جدي بين مؤيدي مبارك والملك فهد، وبين مؤيدي العراق. وستتحدد مكانة عرفات في م. ت. ف. وفقاً لطابع انتهاء الأزمة الكويتية.

لقد منحت الأزمة في الخليج إسرائيل فسحة مهمة من الوقت لبلورة مواقفها. وإذا بددت إسرائيل هذا الوقت ولم تبلور مشروعاً قابلاً لإذابة الجليد، فقد تجد نفسها خارج الدوائر التي تتبلور الآن في المنطقة، خلف عناوين الصحف وبعيداً عن الأضواء.

 العلاقات الإسرائيلية الأميركية: خارج الترتيبات؟

شموئيل سيغف، "دافار"، 17/9/1990

غداة رأس السنة [العبرية] سيعود دافيد ليفي إلى الولايات المتحدة كي يعرض مواقف إسرائيل في الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وبهذه المناسبة، سيتعين على الحكومة الإسرائيلية إجراء نقاش جذري لتقويم العلاقات بين القدس وواشنطن، وللبحث في موقع إسرائيل في النظام العالمي الجديد الآخذ في التبلور.

لقد انتهت زيارة ليفي للعاصمة الأميركية، كما هو معروف، بمجاملات كثيرة وفحوى قليلة. وفي الحقيقة، بُذل جهد لفتح قناة اتصال جديدة بين واشنطن والقدس بواسطة ليفي. لكن أيضاً وزير الخارجية، وفي الأساس مضيفوه الأميركيون يعرفون حدود هذه القناة: ليفي ليس رئيس حكومة ولذلك لم يكن قادراً على تقديم تعهدات يستطيع رئيس حكومة فقط تقديمها. وعملياً، منذ عرض شمير أمام بوش خطته للانتخابات في المناطق، في نيسان/ أبريل 1989، لم يجر نقاش جذري ومعمق على مستوى عال بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن أمور تمس العلاقات بين الدولتين..

لقد تسبب الانقطاع في العلاقات بين بوش وشمير بأن احتلت مصر موقع إسرائيل بصفتها الشريك الأساسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وأبرزت الأزمة الأخيرة في الخليج ذلك بصورة مؤلمة: بين زعماء الشرق الأوسط كلهم، فقط يتسحاق شمير وياسر عرفات وصدام حسين لم يحظوا حتى بمكالمة هاتفية واحدة من رئيس الولايات المتحدة. لقد أرسل بوش حقاً رسالتين إلى شمير، لكن هاتين الرسالتين كان القصد منهما خلق مظهر صداقة شخصية بين الزعيمين. وفي مقابل ذلك، يتحدث بوش في أوقات متقاربة مع ملك السعودية والرئيسين المصري والتركي، وحتى الملك حسين والرئيس السوري، حافظ الأسد، يحظيان منه بمكالمات هاتفية واهتمام شخصي.

إن انقطاعاً كهذا بين إسرائيل والبيت الأبيض لم يحدث خلال 42 عاماً منذ قيام إسرائيل. لقد حفلت العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، كما هو معروف، بأزمات وخلافات في الرأي، لكن حتى في أوقات الأزمات ظل الحوار بين الدولتين قائماً. ويجهد الزعماء اليهود في الولايات المتحدة لرأب الصدع بين بوش وشمير، غير أن نصيبهم من النجاح كان ضئيلاً حتى الآن.

وإزاء الأخطار التي ينطوي هذا الوضع عليها بالنسبة إلى إسرائيل، فإن هناك حاجة ملحة، أولاً وقبل كل شيء، إلى إجراء نقاش عميق مع الولايات المتحدة بشأن موقع إسرائيل في الترتيبات الجديدة في منطقتنا. ومن خلال نتائج قمة هلسنكي، ومن خلال خطاب الرئيس بوش أمام مجلس الشيوخ والنواب الأميركيين، يمكن رؤية الخطوط العريضة للسياسة الأميركية في المنطقة.

  • تحاول الولايات المتحدة عزل العراق بواسطة حزام أمني يشتمل على مصر، والسعودية، وإمارات الخليج، والأردن، وسوريا، وتركيا (وربما حتى إيران) – من دون أن تشرك إسرائيل في هذا المجهود.
  • أيضاً بعد حل الأزمة الكويتية، سيبقى حزام الأمن هذا، وسيُؤمَّن وجود عسكري أميركي دائم في منطقة الخليج، مع أن القوة الأميركية ستكون محدودة وربما لا تتمركز تمركزاً دائماً في أراضي السعودية أو الإمارات، بل تبحر على متن حاملات الطائرات داخل الخليج الفارسي وخارجه.
  • من أجل ضمان الاستقرار في المنطقة، وكي تكافىء الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي على المساعدة التي قدمها لها في الأزمة الكويتية، ستعمل الولايات المتحدة لتجديد المساعي لحل النزاع الإسرائيلي – العربي، على أساس اتفاق أميركي – إسرائيلي – مصري، لكن في إطار مؤتمر دولي، بمشاركة الاتحاد السوفياتي.

وفي سبيل ذلك، بذلت الولايات المتحدة جهوداً ملموسة لإعادة الملك حسين إلى الصف العربي المؤيد للغرب. وفي الحقيقة، إذا كان الملك في الأيام الأولى للأزمة قد لجأ إلى ألاعيب ملتوية، فإنه عاد الآن إلى سياسة أكثر توازناً. وستفعل الولايات المتحدة والسعودية كل ما في وسعهما، بالاستعانة بإغراءات عسكرية واقتصادية مختلفة، لقطع صلة الملك حسين بالعراق تماماً. ومن ناحيتهما، فإن الأردن هو الساحة الخلفية للسعودية، ولذلك لا بد من دمجه في الحزام الأمني الجاري إنشاؤه حول العراق.

ومن المفهوم أن "حزاماً" من هذا النوع يتطلب إرسال أسلحة وأعتدة بكميات كبيرة إلى دول المنطقة. إن الأسلحة الوفيرة التي قدمت حتى الآن لمصر والسعودية لم تغير بعد ميزان القوى الإسرائيلي – العربي. لكن هناك خطر أن ينقلب الكمّ إلى نوع، ومن هنا الحاجة الماسة إلى موازنة سريعة، يجب أن تكون قيمتها بالنسبة إلى إسرائيل حقيقية أكثر من أية تهدئة سيكولوجية.

لقد شعر وزير الخارجية دافيد ليفي، خلال زيارته للولايات المتحدة، بقوة رياح التغيير التي تهب في وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض. ومع أن الأمر لم يُقَل له صراحة، فقد فهم أنه من دون تقدم حقيقي في عملية السلام، من المشكوك فيه أن يكون في الإمكان دمج إسرائيل في أية ترتيبات إقليمية على الإطلاق.

وبسبب وقوف ياسر عرفات إلى جانب صدام حسين، فإنه لا يوجد ميل في الولايات المتحدة وفي مصر وفي السعودية، إلى تأييد تجديد الحوار الأميركي – الفلسطيني، ما دام عرفات رئيساً لـ م. ت. ف. . وتسمع منذ الآن أحاديث في واشنطن، أن هاني الحسن، من زعماء التيار المحافظ في م. ت. ف. والمقرب من السعوديين منذ أعوام كثيرة، سيرث في المستقبل عرفات في منصبه، كشرط مسبق لتجديد المساعي لحل المشكلة الفلسطينية في إطار الأردن.

إن هذه المشكلات، كما أسلفنا، هي في قيد الدرس الآن في واشنطن، ولم تتبلور بعد خطة عامة منظمة. وقد اقترح ليفي، في محادثاته مع بيكر، أن تعلن الدول العربية انتهاء حالة الحرب مع إسرائيل، كشرط مسبق لإجراء مفاوضات من أجل السلام. وقد استمع الأميركيون له بتهذيب، وتعهدوا بإبلاغ الدول العربية ذلك، لكن – كما قال أحد المسؤولين الكبار – "لا يوجد أمل بأن يقبل العرب هذا الشرط المسبق."

إن الإحساس في واشنطن هو أنه من دون التزام إسرائيلي مبدئي بالانسحاب من المناطق ومن هضبة الجولان، لن يكون من الممكن إثارة اهتمام الدول العربية بمفاوضات من أجل السلام مع إسرائيل. لكن أيضاً قيل لليفي أن هناك فسحة من الوقت: مصر والسعودية وسوريا مشغولة الآن بالأزمة الكويتية، والمعسكر الفلسطيني مفتت ومنقسم على نفسه. ويجب أن تستغل إسرائيل هذه الفسحة لبلورة أفكار بشأن حل للمشكلة الفلسطينية. وإذا لم تقترح إسرائيل أفكاراً مقبولة كأساس للمفاوضات مع الفلسطينيين عندما يحين أوان ذلك، فستكون الطريق ممهدة أمام المؤتمر الدولي – كما قال ذلك الرئيس بوش علناً.

 حل جديد في الشرق الأوسط

موشيه شاحل[1] ، "دافار"، 16/8/1990

 .......

إن احتلال العراق للكويت أوجد، عملياً، وضعاً جغراسياً جديداً في الشرق الأوسط. فقد أنهى الاحتلال ائتلافاً معتدلاً، استند إلى محور الأردن – مصر – العراق، مع عزل سوريا. وتجدد بدلاً منه الاستقطاب العربي، الذي ألفناه في الخمسينات والستينات: في ناحية تقف مصر، وفي الناحية الأخرى يقف العراق. والأردن في الوسط، يمتنع من اتخاذ موقف جازم. والفارق هو أنه في هذه المرة يحكم مصر حاكم معتدل، يحاول أن يطرح تصوراً مبنياً على حلول سلمية.

وفي مقابل النزاعات السابقة التي نشبت بين العرب وتنحت إسرائيل فيها جانباً، ينبغي لإسرائيل اليوم أن تتخذ موقفاً نشيطاً. إن احتلال الكويت لا يمسنا حقاً مباشرة، لكن انتصار العراق سيضعنا في مواجهة تحديين، عسكري وسياسي.

على المستوى العسكري، ينبغي لإسرائيل أن تقول لصدام حسين: "حذار من التحرش بنا. إذا كانت لك مشكلة مع جيرانك العرب، فهذه مشكلتك، لكن لا تحاول المساس بنا، وإلا أنزلت كارثة بشعبك." وعلى المستوى السياسي، يعني انتصار صدام حسين فشل مصر، ومعه طرف الخيط الأخير لإمكان حل سياسي في المنطقة. ولذلك يجب أن تكون إسرائيل معنية بانتصار مصر في صراعها مع العراق بشأن السيادة في العالم العربي. ومغزى هذه السياسة، أولاً وقبل كل شيء، إنجازات عملية فيما يتعلق بالعملية السياسية، تبرهن للعرب أن الموقف المعتدل هو الصحيح، لا الموقف العدواني الذي يمثله العراق.

وبهذا المعنى يجب النظر إلى التأييد الفلسطيني للعراق باعتباره خطاً استراتيجياً آخر لهم. ولا يبرر هذا الخط الادعاء أن هذا تعبير عن خيبة أملهم من العملية السياسية التي بترت قبل أن تبدأ. وبالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية، ينبغي  لها ألا تخطئ وتعتقد أن النزاع الجديد يؤجل ضرورة حل النزاع العربي – الإسرائيلي، وضرورة حوار إسرائيلي – فلسطيني. بالعكس، إن خطوات في اتجاه حل سياسي في هذا المجال، إلى جانب القوة العسكرية والردع الاستراتيجي، هي الكفيلة بعزل صدام حسين والمتطرفين الآخرين في العالم العربي، وبزيادة فرص التفاهم في المنطقة. وأيضاً عندما تنتهي الأزمة الحالية، لا يمكن الافتراض أن الولايات المتحدة ستترك النزاع العربي – الإسرائيلي بلا حل. فهي ستخشى أن يشكل أساساً لأزمة أخرى في الشرق الأوسط، في المستقبل القريب.

في الوضع الجديد الذي نشأ، ربما يمكن ضم سوريا إلى العملية وحتى إيران. وإذا  كانت مصر والسعودية معنيتين بحل – وأيضاً جزء من الفلسطينيين الذين تعلموا من التجربة الماضية أن لا أساس لوعود الزعماء العدوانيين في نهاية الأمر، في الواقع، فإن هناك مجالاتً لتفكير جديد في حل على مستوى المنطقة يجب أن تشارك إسرائيل فيه.

على هذه الخلفية، يدور الصراع بين مصر والعراق بشأن تزعم العالم العربي. وهذه الصراعات ليست جديدة، لكن ما يميز الصراع هذه المرة أنه، في جانب، تقف دولة عربية كمصر داخلة في اتفاقية سلام مع إسرائيل، وفي الجانب الآخر يقف خصمها، العراق، الذي يحاول أن يبيع العالم العربي استراتيجية بديلة. وهذه الاستراتيجية هي محاولة لإحياء الجبهة الشرقية ضد إسرائيل، في البداية من ناحية سياسية، وبعد ذلك أيضاً من ناحية عسكرية. ومعنى ذلك: فرض حماية عسكرية على الأردن، ورغبة في تعميق التعاون العسكري في العالم العربي ضد إسرائيل؛ ومعناه: خلق عنوان جديد لـ م. ت. ف. في بغداد؛ ومعناه: دفع النزاع إلى التطرف ومنع حل سياسي؛ ومعناه: حرب أخرى يجيز فيها صدام لنفسه إيقاع آلاف الضحايا.

وفي يدنا أوراق قوية لمنع كل ذلك، والسؤال هو ما غذا كنا سنعرف كيف نستخدمها.

 الأزمة: الحسن والسيئ من ناحية إسرائيل

عاموس غلبواع، "معاريف"، 14/9/1990

مع أن أزمة الخليج ما زالت بعيدة عن الانتهاء، فإننا نسمع أصواتاً تقرر بثقة أن إسرائيل هي "الخاسر" الأكبر منها. وفي المقابل، هناك أصوات تتنبأ بأن إسرائيل هي "الرابح" الأكبر. لكن، كما هو الأمر دائماً، لا يوجد أسود وأبيض فقط. فما هو أسود اليوم قد يبيَّض غداً، وبالعكس. وعلى وجه العموم، ما هو أسود في نظر شخص ما قد لا يكون كذلك في نظر آخر. وسأحاول أن أرسم إمكانين: الأول، ما هو ليس حسناً بالنسبة إلى إسرائيل، كما تبدو الأمور لي الآن؛ والثاني، ما هو حسن بالنسبة إليها. وكل شيء نسبي، طبعاً، وقد يتغير غداً، مثل الرياح المتحركة في صحارى السعودية.

ما ليس حسناً:

  • استدامة الأزمة والفرضية الأساسية الأميركية العلنية، بأن محاصرة العراق (اقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً ونفسياً) سترغم صدام حسين على الانكفاء، أو قد تدفع الشعب العراقي ومراكز القوة فيه (الجيش) إلى إسقاطه. وأنا لا أعتقد أن العالم سيجوّع العراق، ولا أعتقد أن الشعب العراقي سيثور. والعراق يمتلك قدرة على الصمود في أوضاع حصار لفترة طويلة. ونقطة ضعفه هي قطع الغيار لأنظمة الأسلحة. لكن هذا الأمر لن يبرز إذا لم يبدأ إطلاق النار، وسيفعل صدام حسين كل ما في وسعه كي لا يحدث ذلك. وبمقدار ما يطول الوقت ستقوى الرياح السيئة، من ناحية إسرائيل، التي بدأت منذ الآن بالهبوب.
  • إدخال الاتحاد السوفياتي كشريط فاعل للولايات المتحدة في حل النزاع الإسرائيلي – العربي. وقد تقرر الأمر بوضوح في البيان المشترك الذي صدر عن قمة هلسنكي بين بوش وغورباتشوف. وفي الحقيقة، تعارض الولايات المتحدة الآن بشدة الربط بين حل أزمة الخليج وحل النزاع الإسرائيلي – العربي، وتقول بوضوح ان الإشارة هي للمستقبل، بعد انتهاء أزمة الخليج، والاتحاد السوفياتي اليوم هو غيره بالأمس، لكن من يعرف كيف ستتطور الأمور في المستقبل القريب فيما يتعلق بموضوع المؤتمر الدولي.
  • أصبحت سوريا شريكة للاتحاد السوفياتي في معالجة أزمة الخليج، وفي الضغط العسكري على العراق. وهذا حسن لسوريا، وحسن أيضاً للولايات المتحدة. والسؤال المركزي هو: هل سيجرّ هذا التغيير الاستراتيجي في إثره أيضاً تغييراً في موقف سوريا الأساسي من إسرائيل، وتصبح دمشق مستعدة لدفع الثمن الذي دفعته مصر لقاء سيناء – سلام كامل مع إسرائيل. إذا كان الأمر كذلك، فعندئذ ربما تنفتح أمامنا آفاق سياسية. وإذا لم يكن كذلك، فسيكون وضع إسرائيل غير مريح عندئذ.
  • لقد بدأت الأسلحة الأميركية – الغربية، كماً ونوعاً، تغمر العالم العربي، ومن يعرف ماذا هناك بعد. وربما كان يُقصد بجزء من هذا السلاح استخدامه من قبل القوات الأميركية، لكن من الممكن أيضاً أن يوجه في وضع ما في المستقبل ضد إسرائيل.
  • ضعف الأنظمة العربية الملكية، وعلى رأسها النظام الأردني. إن سقوطها قد يستغرق وقتاً، لكن قد يحدث فجأة.
  • "الثمن الفلسطيني" الذي قد تطلبه مصر والسعودية من الولايات المتحدة في المستقبل.

ما هو حسن:

  • الوجود العسكري المكثف للولايات المتحدة في الخليج وفي السعودية، وخصوصاً إذا تحول إلى وجود دائم. إنه وجود كابح، ورادع، ومساعد في الاستقرار، ومن الممكن أن يبعد عن إسرائيل أخطار الحرب، أو يقلل منها، ويحيد العراق.
  • لم تكف إسرائيل عن أن تكون ثروة استراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بل بالعكس، في مقابل عالم عربي غير مستقر، في مقابل أوضاع متطرفة قد تنشأ في الشرق الأوسط المتقلب، في مقابل انهيار محتمل للنظام الهاشمي في الأردن – هناك لإسرائيل مكانة مركزية في كل تفكير استراتيجي أميركي. وأيضاً الآن، بينما نحن نتفادى البروز في أزمة الخليج، يعي الأميركيون الحقيقة الأساسية وهي أن دولتين فقط قادرتان، عند الضرورة، على إنزال ضربة عسكرية ساحقة بالعراق: الولايات المتحدة وإسرائيل، لا السعودية ولا مصر ولا سوريا، على أهميتها جميعاً.
  • ازداد الفهم في الولايات المتحدة لما ادعته إسرائيل طوال الوقت: إن التهديد الأساسي لوجود إسرائيل كامن في القوة العسكرية العربية، وأن هذه القوة هي في يد أنظمة حاكم وحيد، هو في الغالب ديكتاتور من هذا النوع أو ذاك. ويخيّل إليّ أن الأميركيين، الواقفين الآن في مواجهة آلاف الدبابات العراقية ويتحدثون عن الخسائر المتوقعة لهم في هذه المواجهة، باتوا يدركون كم أخطأوا في الماضي عندما قالوا إن "إسرائيل قادرة على خوض حرب ضد أي ائتلاف ممكن للقوة العربية." إن إسرائيل قادرة فعلاً على ذلك، لكن بأي ثمن؟
  • هذا الأمر يمنح إسرائيل فرصة جيدة لمطالبة الولايات المتحدة وللحصول منها على مساعدة تمكنها من استغلال المعرفة التكنولوجية المتوفرة لها بحدودها القصوى، وتحويلها إلى ملكية دائمة متفوقة وخاصة بإسرائيل.
  • ازداد الوعي الأميركي بأن إسرائيل ستحتاج، في أية حلول سلمية مستقبلية، إلى هوامش أمنية واسعة وتفوق عسكري واضح.
  • فقدت الزعامة الحالية لـ م. ت. ف. كثيراً من شرعيتها في جزء من الدول العربية، وفي الولايات المتحدة، وفي الدول الغربية. ومن الواضح أنها ستناضل للبقاء في قيد الحياة. ومما لا شك فيه أنها أيضاً ستعيد تمثيل "المسرحيات" التي مثلتها في السابق، لكن انفتحت الآن ثغرة للخلاص منها، بكل ما ينطوي عليه ذلك من مغزى.

 دروس أولى من الأزمة

 احتلال الكويت: تحذير أخير

أريئيل شارون، "يديعوت أحرونوت"، 10/8/1990

 لقد قمتُ، كوزير في حكومة إسرائيل وكعضو في اللجنة الوزارية لشؤون الأمن، بدور حاسم في اتخاذ رئيس الحكومة آنذاك، مناحيم بيغن، القرار بقصف المفاعل النووي العراقي وتدميره.

كان ذلك أهم قرار أمني في تاريخ دولة إسرائيل.

وقد سارعت الإدارة في واشنطن وحزب العمل إلى انتقاد وشجب تدمير المفاعل النووي بواسطة العملية اللامعة التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي. هذا في وقت كان يجب أن يكون واضحاً فيه ما هو واضح الآن للجميع: إن إسرائيل بغارتها الجوية هذه لم تنقذ نفسها فقط، وإنما أنقذت أيضاً الشرق الأوسط بأسره، وعملياً العالم كله، من كارثة رهيبة، اتخذت شكل استخدام سلاح نووي أو شكل ابتزاز خيالي من ناحية حاكم العراق، صدام حسين.

إن تقديراً واقعياً للخطر الحقيقي المتصاعد من بغداد جعل مناحم بيغن وقتئذ وجعلني اصرّ على القرار. ولربما، لو قبلت آنذاك سياستنا، ما كانت الولايات المتحدة اضطرت إلى الانطلاق لمعركة عالمية ضد العراق الآن. لكن هذا ليس وقت المحاسبة. سنساعد طبعاً الولايات المتحدة بكل قدرتنا، لأن من الواضح للجميع أن التهديد، الذي كان يبدو حتى الآن أنه خطر على إسرائيل فقط، هو خطر على الولايات المتحدة نفسها.

الآن، وفي ضوء سيطرة العراق عسكرياً على الكويت، التي أذهلت العالم كله وعلى رأسه الولايات المتحدة، من الأفضل أن نتفحص على الفور عدداً من المبادئ الأساسية الحيوية لبقائنا وسط الديكتاتوريات العربية في الشرق الأوسط. وذلك، طبعاً، مع المحافظة على تأهب ويقظة كاملين، لأن هجوماً مفاجئاً علينا هو إمكان حقيقي.

إن المسافة بين حدود العراق والكويت العاصمة، هي تقريباً 100 كلم بخط جوي.

والمسافة بخط جوي من الأردن إلى تل أبيب هي 70 كلم، وإلى حيفا 60 كلم، وإلى القدس 30 كلم فقط.

وأيضاً بعد إطالة هذه المسافات وملاءمتها طبوغرافياً، تبقى حقيقة واحدة: لقد احتاجت المئات من دبابات صدام حسين إلى 7 ساعات فقط للوصول إلى الكويت واحتلالها.

إن خبراء مزعومين ويفتقرون إلى المسؤولية هم وحدهم الذين في إمكانهم القول لنا انه في "حقبة الصواريخ" لم تعد هناك قيمة للعمق الإقليمي. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا معظم قوة الجيش الإسرائيلي قوات برية؟...

إن الجواب هو، طبعاً، أن الخطر الأساسي والحاسم ليس خطر الصواريخ والطائرات، وإنما خطر الفرق المتقدمة  في البر والتي تقوم بالاحتلال؛ خطر أكثر من عشرة آلاف دبابة تملكها الدول العربية المتاخمة لإسرائيل.

ومن الأفضل في ضوء النار التي أشعلها سفاح بغداد أن نوضح جيداً لأنفسنا: الجيش الإسرائيلي خاضع لقوانين الطبيعة ولقوانين الحرب كأي جيش آخر في العالم وفي التاريخ. إنه لا يستطيع أن يدافع عن إسرائيل في غياب عمق إقليمي أساسي ومن دون أن يتمركز ويكون جاهزاً بصورة دائمة، قبل كل شيء على مرتفعات جبال يهودا والسامرة، وبعد ذلك أيضاً في غور الأردن. وإلا، قبل أن يتاح للجيش الإسرائيلي استكمال تجنيد الاحتياطيين ونشرهم – الذين هم عماد قوته البرية – فإن من الممكن جداً أن نجد دبابات ومصفحات جيوش عربية غازية في ضواحي تل أبيب وحيفا، وبالتأكيد في قلب القدس ونتانيا.

إن مغزى التخلي عن يهودا والسامرة وغزة هو تقويض المبرر والمنطق اللذين تقوم دولة إسرائيل عليهما. لكن أيضاً من أجل كل من يبحث فقط عن أسباب موضوعية، أمنية، نقول: إن معنى التنازل عن يهودا والسامرة وغزة، أو هضبة الجولان، هو التنازل عن قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا. معناه – الاستعداد عملياً للتسليم باحتلال دولة إسرائيل، الذي لن يمكن تفاديه، إن عاجلاً أو آجلاً، والتسليم بالتصفية الجسدية، المطلقة والنهائية للييشوف اليهودي في أرض – إسرائيل.

لقد عاد صدام حسين فبرهن على ما يدركه ويعرفه العالم كله -  باستثناء اليسار الإسرائيلي، وعلى رأسه حزب العمل: إن السلام في حد ذاته لا قيمة له، وأنه توطئة لحرب ستمحق الطرف الذي يسعى للسلام بأي ثمن. إن الأمن هو الأساس، هو الكل. وللسلام قيمة فقط وبشرط أن يخدم الأمن.

ولذلك، فإن السلام مرغوب فيه وممكن بالنسبة إلينا فقط عندما يتحقق هذان الشرطان:

  • أولاً، النظام في دولة الطرف الآخر يتغير من نظام توتاليتاري إلى نظام ديمقراطي حقيقي، ديمقراطي – غربي.
  • ثانياً، الطرف الثاني يجرَّد من قدرته الهجومية التهديدية، عن طريق نزع سلاح ملائم.

والشرطان معاً حيويان. لقد كان هناك دائماً وضع سلام بين الولايات المتحدة وروسيا. لكن من عزا إلى ذلك أية أهمية؟ إن ذوبان الجليد الحقيقي لم يحدث إلا لأن روسيا تمر بتحول داخلي في اتجاه ديمقراطية حقيقية وبعيدة المدى، وتتجرد من قوتها العسكرية المهددة.

وأيضاً نذكر أن العراق والكويت هما دولتان عربيتان شقيقتان، ساد بينهما سلام كامل. ويتضح أن السلام ليس ضمانة حقيقية حتى بين دول عربية صديقة. ومن يريد أن يتجاهل ذلك، عليه فقط أن يتطلع إلى السعودية وبقية دول الخليج المذعورة – وهي محقة في ذلك.

إن احتلال الكويت يبرهن، بصورة قاطعة جداً، على حقيقة حيوية أخرى: في الشرق الأوسط إسرائيل ليست عاملاً لعدم الاستقرار؛ بل بالعكس، إنها العامل المستقر والمحافظ على الاستقرار الوحيد، أو الأكثر أهمية.

وبفضل إسرائيل فقط أمكن تفادي سيطرة حاكم مصر، جمال عبد الناصر، على شبه الجزيرة العربية ومصادر نفطها. ووجود إسرائيل وقوتها هما فقط اللذان حالا دون تحول الشرق الأوسط إلى منطقة نفوذ روسية – وهو أمر كان سيؤدي إلى تعزيز قوة الاتحاد السوفياتي على نحو هائل عندما كان لا يزال "امبراطورية الشر" (بحسب قول ريغان) وإلى الحؤول دون الانقلاب الذي قام غورباتشوف به.

ليس النزاع الإسرائيلي – العربي، وبالتأكيد ليست "المشكلة الفلسطينية"، هما اللذان يعرضان الشرق الأوسط والعالم للخطر، وإنما فقط طابع العالم العربي، دوله وحكامه. إن عجز العرب عن تطوير نظم ديمقراطية يولد بصورة منهجية حكاماً قانونهم الأسمى هو سفك الدماء وشهوة الحكم. وكثيرون منهم أيضاً يتميزون بتشوهات نفسية، بهذا القدر أو ذاك.

إن صدام حسين، ومعه بقية الحكام العرب المعادين، يستغلون "التهديد الصهيوني"، وطبعاً "المشكلة الفلسطينية"، كحجة أو أداة لتعزيز سلطتهم ومكانتهم في العالم، ولقمع واضطهاد مواطنيهم وجيرانهم.

إن النزاع العربي – اليهودي في أرض – إسرائيل يتخذ الآن حجمه الحقيقي، كمشكلة هامشية، أو ثانوية في أهميتها. وأيضاً من الواضح تماماً أنه لا يوجد أي ارتباط، مهما يكن، بين العلاقات اليهودية – العربية في أرض – إسرائيل وبين وجود تهديد لدولة إسرائيل من جانب العالم العربي المعادي. وفي الحقيقة: هل كانت نقصت ذرة من عدوانية صدام حسين وأضرابه على اختلاف أنواعهم، ومن خطرهم على جيرانهم، لو كانت إسرائيل غير موجودة؟

وهل أي تقدم، مهما يكن، بل حتى لو كان كبيراً، في مفاوضات بين إسرائيل وعرب أرض – إسرائيل سيقلل مقدار ذرة من التهديد الذي يوجهه كل حاكم عراقي بدوره إلى إسرائيل منذ تأسيسها؟

الجواب واضح تماماً، وهو طبعاً سلبي.

ولذلك ينبغي لإسرائيل أن تشدد بلا كلل، سواء من زاوية وجودها وأمنها أو من زاوية العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، على أن المكان الصحيح لحل "المشكلة الفلسطينية" (التي هي بالذات ليست سوى "مشكلة" قيام إسرائيل كدولة يهودية) هو في أدنى سلم الأولويات. وقبل ذلك، يجب ضمان الشرطين اللذين من دونهما يصبح مجرد إثارة إمكان تنازل إسرائيلي، مهما يكن، بمثابة جريمة أو حماقة: ديمقراطية حقيقية في العالم العربي، مقترنة بإلغاء الجزء الأكبر من القوة العسكرية لكل دولة من الدول العربية الرئيسية.

إن صدمة تصفية الكويت تبرهن من جديد على أن التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل والعالم الديمقراطي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ليس فقط لم ينته أجله، وإنما هو أيضاً حيوي الآن للطرفين أكثر مما كان في الماضي. ذلك بأن الاتحاد السوفياتي كان دولة عاقلة، ملتزمة قواعد سلوك معينة حتى في فترة بريجنيف وأسلافه. بينما صدام حسين والعراق في المقابل، وكذلك بقية الحكام العرب الذين يشبهونه في سياسته، يعرفون بحق كـ"مجانين" ولا يعترفون بأية مبادىء عامة، ولا يمكن إيقافهم وكبحهم إلا بالقوة.

ونأمل بأن تفهم الولايات المتحدة أيضاً أن صدام حسين يريد القوة والسلاح النووي من أجل تهديد إسرائيل فقط، وإنما قبل ذلك لابتزاز جيرانه وإخضاعهم، وبعد ذلك – من يدري – ربما كل العالم المتطور، المعتمد على النفط.

وتحت جنازير الدبابات سُحقت – ونأمل الآن بصورة نهائية – أيضاً فكرة "الضمانات الدولية". ففي هذه المرة وقفت الدولتان العظميان، ومعهما أوروبا كلها واليابان، في مواجهة صدام حسين – ولم يحل ذلك دون احتلال الكويت.

وإلى أن تتمكن الولايات المتحدة من حشد قوة حقيقية في نقطة ما في الشرق الأوسط، ستمضي أسابيع – ومن أجل احتلال الكويت احتاج العراق، باستخدام أقل من عُشر قوته، إلى سبع ساعات فقط. ولا أحد يستطيع أن يقدر الثمن الذي ستضطر الولايات المتحدة إلى دفعه من أجل إعادة الوضع إلى سابق عهده، هذا إذا لم نتحدث عن تصفية النظام الديكتاتوري في العراق.

لذلك، فإن الضمانات الحقيقية الوحيدة التي تستطيع الولايات المتحدة أن تزود إسرائيل بها – من أجل مصالحها العالمية الحيوية هي نفسها – هي تعزيز قوة إسرائيل: مساعدة عسكرية فورية، مساعدة وتشجيع الهجرة والاستيعاب، مساعدة في تعاون تكنولوجي، مساعدة تتمثل في دعم سياسي. وأهم من ذلك كله، التركيز على الأمور الحيوية فعلاً لسلام العالم وأمن المنطقة – دمقرطة العالم العربي، وإيقاف سباق التسلح فيه وإعادة عجلته إلى الوراء.

 وقت المتطرفين

زئيف شيف، "هآرتس"، 10/8/1990       

 هذا هو وقت المتطرفين من كلا المعسكرين. الإحباط والمخاوف والرغبة في الانتقام تدفعهم إلى إطلاق تصريحات الهدف منها مضايقة أعدائهم. وهذا هو الوقت الذي يفقد فيه جزء من المعتدلين، في كلا المعسكرين، ثقته بنفسه، ويعتريه الوهن. هكذا الأمر في المعسكر الإسرائيلي، وهكذا هو في المعسكر العربي الفلسطيني. في المعسكر الإسرائيلي يقول المتطرفون أن ما فعله صدام حسين يبرهن على أن النزاع الإسرائيلي – العربي ليس مهماً على الإطلاق، وأن عملية السلام مجرد بلبلة للدماغ. بكلمات أخرى: يجب الاستمرار في النزاع مع الفلسطينيين والدول العربية إلى الأبد.

 . . . . . . .

إن متطرفينا يستهلون ما يقولونه. والمثال لذلك، مقال الوزير أريئيل شارون ("يديعوت أحرونوت"، 8/10/1990). إلى جانب عدد من المقولات العسكرية الصحيحة، يقدم لنا شارون شبه صيغة لحل المشكلة. وهو يتجاهل أن قضية صدام حسين تقلب رأساً على عقب عدة مقولات أساسية ينادي بها. مثلاً، الصيغة الخطرة والتبسيطية، والتي كان شارون داعيتها الرئيسي: ان الأردن هو فلسطين. فلنتخيّل وضعاً تحققت فيه هذه الصيغة. بدلاً من الملك حسين كان سيجلس في سدة الحكم – كما يتوقع الشوفينيون – ياسر عرفات، وفي حكومته وزراء مثل جورج حبش ونايف حواتمه. وكان الأردن سيكون قد أصبح فلسطين من دون اتفاقية سلام مع إسرائيل.

على ماذا كنا سنحصل في وضع كهذا؟ في مواجهتنا فلسطين كبرى، تمتد من حدود العراق إلى حدودنا، وليس هناك أي حاجز بين إسرائيل والعراق. وفي مثل هذا الوضع لا يغير من الأمر شيئاً أين يعبر خط الحدود بيننا وبين فلسطين الكبرى. كتلة مؤيدة للعراق تلامس وتقرب العراق من إسرائيل. والقوات العراقية كانت منذ زمن معسكرة على حدودنا. هذه هي الثمرة البائسة التي كانت سنجنيها من صيغة الأردن هو فلسطين. ومن الجدير أن نذكر الاقتراح المضاد للأردن – هو – فلسطين، وهو اتفاقية سلام مرتكزة على كونفدرالية يشارك فيها الأردن وإسرائيل وكيان فلسطيني.

ومقولة رئيسية أخرى في كلام شارون هي اقتراحه على واشنطن أن تستخدم قوتها العسكرية بالسرعة الممكنة لإخراج العراقيين من الكويت. صحيح أن جرجرة الأمور من قبل الأميركيين يمكن أن تعقد وضعهم، لكن شارون لا يلاحظ أمراً مهماً. إذاً، وعندما يتم إخراج العراقيين من الكويت، فإنه ستتعمق في العالم النظرة بأنه لا يجوز الاستيلاء على مناطق عن طريق الحرب. وعلى الرغم من أن الشبه بين احتلال الكويت وحرب الأيام الستة شبه ضعيف، فإن من الواضح أن إخراج العراقيين من الكويت سيحث واشنطن والمجتمع الدولي على العودة إلى معالجة المسألة الفلسطينية في المناطق. وبالتأكيد، سيأخذ الأميركيون على عاتقهم ذلك إذا أُخرج صدام حسين من الكويت وخف التهديد الآتي من الشرق. وبالتأكيد، سيعودون إلى مسألة الانسحاب والترتيبات الأمنية، فيما شراكتهم الاستراتيجية مع مصر مبارك هي حجر الزاوية في الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط، وفيما حافظ الأسد أيضاً داخل كشريك إيجابي في الزمرة. ومن سخرية القدر أن نجاحاً أميركياً هو بالذات ما سيحرك هذه العملية. وأن فشلاً أميركياً هو ما سيخفف الضغط عنا، لكن في هذه الحالة سنفقد أيضاً شيئاً من قوة الردع في مقابل أعداء كصدام حسين.

لا خلاف  مع شارون في تقديره أن للمناطق أهمية عسكرية. لكن السؤال هو ما الثمن الذي ينطوي عليه التمسك بكل المناطق وما عليها. هل من الضروري، مثلاً، التمسك بقطاع غزة والسيطرة على سكانه البالغ عددهم مليون نسمة من أجل مواجهة تهديد صدام حسين الآتي من الشرق؟ ويتضح من كلام شارون أنه في أية حال، حتى لو أُسقط صدام حسين، فلن يكون هناك سلام مع الفلسطينيين.

ويتضح من كلامه أن السلام يجب تأجيله إلى أن تتحول جميع الدول العربية إلى ديمقراطيات حقيقية. ومعنى ذلك أن النزاع بين الشعبين سيستمر إلى الأبد، إنما من المشكوك فيه جداً أن تبقى إسرائيل عندئذ ديمقراطية. إن هذه صيغة كفيلة بتحويل إسرائيل إلى دولة متوحشة، تكون الغلبة فيها لمتطرفين أكثر من شارون. والنتيجة الحتمية ستكون محاولة لطرد الفلسطينيين. وما اقترحه شارون كبداية (طرد 150 من زعماء الفلسطينيين في إثر قتل الصبيين في القدس)، سيقدم عليه الأكثر تطرفاً منه على نطاق أوسع كثيراً. وعندئذ سيصبح النزاع بالتأكيد لا بيننا وبين العرب جميعاً فحسب، وإنما أيضاً ستنتفض صديقتنا الولايات المتحدة وكل المجتمع الدولي علينا.

دروس أولى من أزمة الخليج

دوف تماري[2]، "هآرتس"، 5/10/1990

 دخلت أزمة الخليج تقريباً نطاق الأمور الرتيبة. في إسرائيل خفت قليلاً أجواء التوتر التي رافقتها في الأسبوعين الأولين. ومن الممكن أن يحدث تأزم في الخليج الفارسي، لكن من الجائز – في هذه المرحلة المبكرة – استخلاص وتفحص عدة أمور تمس إسرائيل مباشرة، على الرغم من أنه ليس لها – هذه المرة – دور في الأزمة.

من طبيعة سياسة الأمن القومي أن ليس لها أصداء راجعة، ومن غير الممكن اختبارها عملياً في ضوء النظرية. ولا نعرف ما إذا كانت السياسة المتبعة صحيحة أم لا إلا في أوقات الأزمة أو الحرب. ومن حسن حظنا أن الأزمة الحالية تتيح لنا أن نختبر، ولو جزئياً فقط، السياسة الأمنية الإسرائيلية.

في مقابلة متلفزة قبل نحو ثلاثة أسابيع قال رئيس الأركان، دان شومرون، بناء على تقدير للوضع العسكري، أن لا داعي إلى وضع طوارئ في إسرائيل نتيجة أزمة الخليج. ولم يحدث هذا التقدير للوضع والاستنتاجات المستخلصة منه تأثيراً كبيراً في مزاج الجمهور. وكان الشعور الذي ساد هو أن الأمن الفردي والجماعي يتعرضان لخطر جسيم، وانعكس هذا حقاً في ردات الفعل. ومن هنا، فإن وضع الطوارئ ليس بالضرورة نتيجة الوضع العسكري الموضوعي؛ بل هو، إلى حد كبير، نتيجة الشعور الذاتي لدى الجمهور. إن الجيش يستطيع ومستعد لمواجهة أية أزمة عسكرية، لكن مواجهة مشاعر الجمهور هي من مهمات الحكومة. وكان على الحكومة أن تضع الجمهور أمام موقف واضح ومبلور، وتحدد الأخطار الحقيقية والأخطار الوهمية التي تتعرض المؤخرة المدنية لها، وكيفية مواجهتها. لكن، بدلاً من ذلك، اتخذت الحكومة موقفاً يتسم بالمجادلة والتردد، وساهم بعض الوزراء في نشر الارتباك والبلبلة.

إن الحكومة تمتلك أدوات لمواجهة أوضاع الطوارىء: هناك هيئة الأركان العامة، واللجنة الوزارية لشؤون الأمن، ومجلس وزاري مصغر. وهذا كاف لبلورة قرارات، وللعمل وفقاً لها، ولإبلاغ الجمهور بطريقة مسؤولة وعبر جهات مخولة، ما سيُفعل وما لن يُفعل. لكن الحكومة لم تفعل ذلك في الوقت الملائم، وانكشف التردد أمام الجميع في وقت طوارئ. ومن هنا يستطيع الجمهور أن يستنتج كيف ستتصرف الحكومة في وضع طوارئ حقيقي.

لقد تعرضت المؤخرة المدنية الإسرائيلية لأخطار جسيمة منذ حرب الاستقلال [1948]. ووقع الحادث الأخطر في أثناء حرب الاستقلال، عندما قصفت طائرات مصرية تل أبيب وتسببت بمقتل 42 شخصاً. ودفع الخوف من هجوم لسلاح الجو المصري على المدنيين دافيد بن – غوريون، بصفته رئيس الحكومة ووزير الدفاع، إلى اشتراط موافقته على "عملية قادش" [حرب سيناء سنة 1956] بوضع سربين من الطائرات المقاتلة الفرنسية في إسرائيل من أجل الدفاع عن المؤخرة. وأيضاً نفذت عملية ضخمة لبناء ملاجئ، حولت إسرائيل إلى واحدة من أكثر دول العالم من حيث عدد الملاجئ فيها. وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي أُنفقت في هذا المجال، فإنه لم تنشأ حتى الآن حاجة عملية إليها، ربما باستثناء تلك الموجودة في المستعمرات الحدودية. وهكذا، يفرض السؤال التالي نفسه: هل كان هناك مبرر للنفقات الطائلة التي أُنفقت على الملاجئ، وإلى أي حد كان التقدير حكيماً بالنسبة إلى المستقبل؟

لقد حددت نظرية الأمن القومي الإسرائيلية دوماً أنه يجب حسم الحرب لا بالدفاع عن الحدود وحماية المؤخرة، وإنما بواسطة إلحاق هزيمة عسكرية بالعدو وفرض وقف إطلاق النار عن طريق سلسلة من الهجمات على عمق أراضيه. إن إسرائيل لم تمتلك، ولا يبدو أنها ستمتلك، الموارد لدفاع يستغرق زمناً طويلاً ويؤدي إلى إنهاء ناجح للحرب، كما فعل العراق في حربه ضد إيران. لذلك استثمرت السلطات الإسرائيلية كل الموارد في بناء جيش هجومي، قادر على إنهاء الحرب بشروط عسكرية مريحة لإسرائيل. وبينما اعبتر الشعب في الماضي الأمن الشامل، المتحقق بواسطة القدرة على الحسم في الحرب، تعبيراً عن أمنه الشخصي وتجسيداً لهذا الأمن، أصبح اليوم يميل إلى طلب دفاع شخصي مع ضمانات حكومية ضد كل خطر.

لقد أثبت الواقع أن الموارد التي استثمرت في الدفاع عن المؤخرة لم تكن هي السبب في أن قدرة العدو على الإضرار بالمؤخرة لم تتحقق. وينتج من ذلك أن هذا الاستثمار لم يكن مبرراً، وكان في الإمكان استخدام الأموال لأغراض أخرى: تعزيز قدرة الردع وقدرة الحسم لدى الجيش الإسرائيلي، اللتين ربما لم تعودا الآن كافيتين.

ماذا يجب فعله إذا كانت المؤخرة عرضة لأخطار حرب كيماوية وبيولوجية، وربما أيضاً نووية؟ لقد واجهت الولايات المتحدة سؤالاً مشابهاً في بداية الخمسينات، عندما بدا التهديد السوفياتي النووري جدياً، ولم تكن قد تراكمت بعد خبرة فيما يتعلق بميزان الرعب. ونتيجة للدراسات، توصل الأميركيون إلى أن 90% من ميزانيات الحكومة، إذا استثمرت في حماية السكان من أخطار هجوم نووي، ستكفي، ربما، لحماية نسبتها 10 %. ولذلك أُهمل هذا الإمكان وطُورت قدرة على الردع فقط.

والنتيجة التي تفرض نفسها هي أن كل الاستثمارات لا يكفي لتوفير حماية تلائم خطورة التهديد. إننا موجودون في فترة انتقالية تتطلب، ظاهرياً، تخصيص أموال كبيرة وقوة بشرية لحماية السكان، ومن المشكوك فيه أن يوفرا فعلاً مثل هذه الحماية في المستقبل. إن الموارد ستخصص، من دون شك، على حساب القدرة على الهجوم والحسم لدى الجيش، وهي قدرة تمنح أيضاً إمكان الردع والوقاية. وهذه إشكالية لن تحسم فقط بناء على اعتبارات موضوعية لدى الجيش والحكومة، وإنما تتأثر وستتأثر أيضاً بضغوط الجمهور، الذي سيطالب أكثر فأكثر بحماية شخصية. وسينضم إلى الضغوط وزراء ومسؤولون يشغلون مناصب رسمية، سيجدون من الصعب عليهم عدم الانضمام، انطلاقاً من اعتبارات سياسية واجتماعية.

لقد أثيرت مؤخراً من جديد اقتراحات بنقل المسؤولية والموارد للدفاع عن المؤخرة من الجيش، الموكل إليه أمر الجبهات، إلى الشرطة ووزارة الداخلية وهيئات رسمية أخرى. وهذا هو تغيير تنظيمي ممكن ومشروع، لا ينطوي على تخصيص موارد إضافية للأمن. لكن، مما لا شك فيه أن تغييراً كهذا يشكل دافعاً قوياً إلى تحويل ميزانيات من الدفاع الجماعي إلى مصلحة القدرة على حماية الجمهور، لا يمكن تبريره من ناحية الاعتبارات الموضوعية.

إن الخيار في دولة إسرائيل، التي مطَّت الموارد المالية إلى أقصى حدود القدرة، ليس بين الضروري وغير الضروري، بل بين الحيوي والأكثر حيوية، ومن أجل الأكثر حيوية يجب التنازل عن الحيوي. ومن الملائم ألا تتعاظم حماية المؤخرة في أي مجال أو شأن على حساب بناء القوة العسكرية الهجومية.

لقد مرت العقيدة الأمنية الإسرائيلية بتغييرات خلال اثنين وأربعين عاماً هي عمر الدولة، لكن أسسها بقيت على حالها. في سنة 1974، عقب حرب يوم الغفران، ظهرت في الجيش اقتراحات بتغييرات جذرية في المذهب الأمني. وفي الثمانينات، وجد هناك من دعا إلى التغيير في الكليات العسكرية، وفي المعاهد الاستراتيجية، وفي الصناعات العسكرية الكبرى، وفي أوساط الجمهور. لكن الجيش مال إلى عدم قبول  أي من المذاهب المقترحة، وتعرض لانتقادات بسبب الجهل والنزعة المحافظة التي اتسم بها.

وتتيح الأزمة الحالية تفحص عدد من الاستراتيجيات البديلة التي اقترحت. ادعت واحدة منها أن مهاجمة أراضي العدو، للتوصل إلى وقف النار بسرعة، هي انتصار يسحق المعدات والبشر. ومن الأفضل الاستعداد للدفاع، وترك العدو يستنزف قواته ضد دفاع منظم جيداً عند خطوط وقف إطلاق النار الحالية.

إن أنصار هذه الاستراتيجية لم يفلحوا ولا مرة واحدة في إيضاح متى وكيف وفي أية أوضاع سيتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، الذي هو ضرورة حيوية، لإسرائيل. ويمكن تخيل ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الجيش، منذ أكثر من عشرة أعوام، كان بنى قواته وجهز نفسه بالأسلحة [فقط] استعداداً لدفاع يتيح له حسم الحرب على الحدود، بدلاً من نقل الهجوم إلى أرض العدو. في الأسبوع الأول للأزمة العراقية – الكويتية أعلن وزير الدفاع، بحق، أن دخول قوات عراقية الأردن هو بمثابة خط أحمد بالنسبة إلى إسرائيل. ولو كان الجيش الإسرائيلي جسَّد الخط الأحمد بانتظار دفاعي للقوات العراقية أو الأردنية عند خط نهر الأردن، لكان الخط الأحمر تحول إلى إعلان فارغ من أي مضمون.

ومذهب استراتيجي آخر مقترح، هو تطوير سلاح نووي وإعلان وجوده. إن هذا الأمر كان سيجر إلى تطوير سلاح نووي من قبل دول عربية ونشوء توازن رعب، تكون نتيجته تثبيت النزاع الإسرائيلي – العربي. وتخيلوا ماذا كان سيحدث في الأزمة الحالية لو أن العراق، مثلاً، كان يمتلك سلاحاً نووياً. إن الولايات المتحدة تمتلك أسلحة نووية من جميع الأنواع، وإسرائيل، التي يفترض أن كون في حيازتها سلاح نووي بحسب الاقتراح، ستنجرّ إلى الأزمة. وقد قال إشكول في شأن ذلك: "الأفضل من دونه".

إن المذاهب البديلة كلها تشكو ضعفاً مشتركاً واحداً: إنها تطمح إلى حل مشكلات خطرة جداً ومعقدة بواسطة رد وحيد الجانب، وفي الغالب، قليل التكلفة. وفي هذا سحر نظري وفقر عملي. ويتضح أن المشكلات التي نواجهها ليست بسيطة. إن جيشاً يمتلك قدرة هجومية لمدى قريب ولمدى بعيد، يستطيع أن يحل جزءاً منها بتوفيره مقداراً معقولاً من الدفاع، والوقاية، والردع. وهذه هي مفاهيم مبتذلة تقريباً، لكن قوتها ما زالت فاعلة كما في الماضي. وللأسف الشديد، فإن تكلفتها العملية عالية جداً، وهذا هو لب المشكلة: الموارد والميزانية.

إن الهدف من بناء القوة العسكرية هو تقديم رد على التهديدات الفورية والبعيدة الأمد من جانب الدول المجاورة. إن القدرات العسكرية لدول بعيدة، مثل ليبيا والسعودية، وحتى العراق، لم ينظر إليها بصفتها خطرا ذا أولوية قصوى. وفي الماضي، كان تأثير قوات مرسلة [من جانب هذه الدول] في نتائج الحرب ضئيلاً.

بعد حرب الأيام الستة شرع الجيش الإسرائيلي في تطوير ذراع طويلة في الجو وفي البر وفي البحر، لغرض ضرب أهداف بعيدة. والكل يتذكر الغارات في العمق المصري سنة 1968، وإنقاذ المخطوفين في عنتيبي، وتدمير المفاعل النووي في العراق. لقد بنيت قدرة الجيش البعيدة المدى من أجل العمليات الانتقامية ومحاربة الإرهاب، لا المشاركة في حسم الحرب بين إسرائيل والدول العربية.

لقد بنى العراق جيشاً ضخماً بمقاييس شرق – أوسطية كي يحارب إيران ويتوسع في الخليج الفارسي. وقد ارتأى ضرورة تطوير قدرة عسكرية غير تقليدية لردع الخصوم القريبين والبعيدين؛ ولذلك شرع في تطوير سلاح نووي وكيماوي قبل وقت طويل من الحرب التي شنّها على إيران. وهكذا نشأ إمكان أن تقدر دولة عربية بعيدة جداً عن إسرائيل على المبادرة إلى خطوات سياسية وعسكرية ضدها. وهذا المسار يرغم إسرائيل على العودة إلى سباق تسلح، بدا أنه ضعف في العقد الأخير، وأساسه بناء قدرة عسكرية لمسافات بعيدة وبحجوم كبيرة. والمغزى: طلب ميزانيات كبيرة للقوات، ونُظم تسليح، ونُظم استخبارية من الولايات المتحدة ومن إسرائيل.

وسيكون ذرا للرماد في العيون أن نعتقد أن إرسالية عاجلة من الطائرات والمروحيات والصواريخ ضد الصواريخ من الولايات المتحدة، وشطباً جزئياً للديون، سيلبيان الحاجات. إن كل طائرة أميركية حديثة يتم الحصول عليها بالدين بالدولارات أو كهبة، سترافقها بنية تحتية بالشيكلات تشتمل على جنود نظاميين ونظم تدريب ووقود وخلاف ذلك، مما يشكل مركباً بالعملة الإسرائيلية في ميزانية الأمن. وقد اعتادت الحكومة منذ أعوام أن تقلص ميزانية الأمن. وهذا التقليص لم يتم كجزء من تخطيط للمدى البعيد، وإنما كحل لمشكلة راهنة في أثناء التخطيط للميزانية السنوية في آخر لحظة، وعندما كان يتضح أنها غير كافية لتلبية الحاجات الأخرى.

إن المسألة ليست جديدة، وزيادة بضع عشرات من ملايين الشيكلات بسبب الأزمة في الخليج الفارسي، والتي هي إلغاء للتقليص المتوقع في ميزانية الأمن، ليست رداً. وتبرز الحقيقة التي عودنا أنفسنا على تجاهلها: إن فرص المحافظة على، وتطوير قوة عسكرية عصرية على مدى الأعوام، في دولة اقتصادها مهزوز بصورة دائمة، ليست كبيرة. ومن الصعب أيضاً توقع أن تزيد الحكومة زيادة ملموسة في ميزانيات الأمن من خلال رؤية تمتد إلى أعوام كثيرة. إن الحصول على مزيد من الأسلحة من الولايات المتحدة مرة واحدة لن يحل هو أيضاً المشكلة، وخصوصاً أن الولايات المتحدة ستجد أن من الصعب عليها أكثر فأكثر الاستمرار في ميزانيات عالية للمساعدات الخارجية. إن الادعاء الذي يتردد عندنا بأن إسرائيل كانت ثروة استراتيجية للولايات المتحدة ولا تزال، هو ادعاء غير صحيح. إن مصر، والسعودية، وإمارات الخليج، وتركيا، وربما أيضاً سوريا، هي المعتبرة الآن ثروة استراتيجية في نظر الولايات المتحدة، إذ ان الأمر يتعلق بالأحداث والأوضاع والمصالح.

إن الولايات المتحدة معنية بالاستقرار في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنه من غير المريح بالنسبة إلينا الاعتراف بذلك، فإن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني كان النزاع المركزي في المنطقة ولا يزال، مع أنه لا توجد صلة مباشرة بينه وبين سياسات التوسع العراقية. وهناك مصلحة حقيقية للولايات المتحدة في عملية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. والسؤال الحاسم هو ما إذا كان للحكومة الإسرائيلية مصلحة ورغبة في ذلك. إن الادعاء أن إسرائيل، إذا دخلت عملية السلام، ستأخذ على عاتقها مخاطر، هو ادعاء صحيح. والرد الأميركي على المخاطر التي أخذتها إسرائيل على عاتقها بتوقيعها اتفاق كامب ديفيد، كان زيادة مالية ضخمة لتعزيز قدرة الجيش الإسرائيلي. وفي مسار متعدد الأعوام، يبدو أن هناك ارتباطاً بين المسألة الإسرائيلية – الفلسطينية وأزمة الخليج. والارتباط يمر، إنْ كان لخير أو لشر، عبر الولايات المتحدة لا عبر بغداد.

وعلى السياسة، أو بالأحرى على الاستراتيجية الإسرائيلية أن تختار بين الوضع الراهن، فيما قدرتها على مواجهة أخطار عسكرية آخذة في التناقص، وبين محاولة جريئة لدخول عملية سلام جدية ومجزية.

من ناحية الولايات المتحدة، هناك استعداد أكثر من السابق. ومن الأفضل الإسراع، لأنه إذا نجحت الولايات المتحدة في صراعها ضد العراق، فإنها قد تدفع إلى الدول العربية التي تشكل "ثروة استراتيجية" بعملة إسرائيلية. وهذا يشمل سوريا، التي استغلت الفرصة الذهبية وانتقلت إلى المعسكر الغربي، ولن تتردد في الانضمام إلى هجوم سلام عربي – أميركي.

الجبهة الداخلية

 صدّام لن يجرؤ على المبادرة إلى إطلاق صواريخ ضد إسرائيل

حاييم هيرتسوغ[3] "يديعوت أحرونوت"، 31/8/1990

........

كما شعرنا في الأسابيع الأخيرة، هناك قلق في أوساط الجمهور عندنا بشأن كيفية تأثير الأزمة فينا؟ من المهم أن نعود فنوضح أن ما يجري هو نزاع أساسي وعميق في العالم العربي، لا يوجد لإسرائيل صلة مباشرة به. إن نزاعنا ليس هو النزاع المركزي في المنطقة. وحتى لو اختفى في يوم ما فإن جميع النزاعات، وسفك الدماء، والانقلابات، وعدم الاستقرار في المنطقة، ستستمر. لذلك كان حسناً جداً ان أوضحنا، بكرة وعشياً وبحكمة كبيرة، هذه النقطة.

لقد نشأ جو من التهديد العراقي لإسرائيل. صحيح أننا في صدد حاكم مستبد شرس كلّي القدرة وبيده – بيده فقط – سلطة القرار، لكن الصورة المرتسمة حتى الآن صورة شخص أخطأ ويحاول تقليص الضرر، لا صورة شخص يحاول توسيع ساحة المعركة. وأخشى أن تكون ثارت في أوساط الناس عندنا مخاوف أكثر من اللازم. إن المنطق يفترض أن ليس من مصلحة صدام حسين أن يبدأ عمليات عدائية ضدنا، وليس من مصلحته أن يوسع نطاق ساحة المعركة. وها قد رأينا أنه على الرغم من الانعكاسات الخطرة جداً على مكانته داخل العراق، فإنه تنازل عن كل الإنجازات التي حققها في الحرب ضد إيران. وبذلك برهن على أن نيته هي تضييق الجبهة الخارجية قدر الإمكان، لا توسيعها.

قلت في مناسبة سابقة ان صدام حسين ليس فقط انه لن يبادر إلى استخدام الصواريخ، بل انه أيضاً – بحسب تقديري – لن يستخدم حتى مدفعاً رشاشاً بمبادرة منه. وفي رأيي، فإن قرار القيام بعمليات عسكرية في أزمة الخليج هو خيار محصور بيد الرئيس جورج بوش.

عندما يكون صدام حسين واقفاً في مواجهة جيش دولي جبار في السعودية، وعندما يكون هدفه الرئيسي المحافظة على إنجازاته في الكويت والسيطرة على، أو على الأقل إلحاق الضرر بثروة النفط في السعودية، فليس من المنطق أن يريد استخدام قوة صواريخه بالذات ضد إسرائيل، وبذلك يفتح جبهة جديدة. إن عدد الصواريخ الموجودة في حيازته محدود. ومنذ لحظة إطلاق صواريخ، ستصبح قواعد الإطلاق أهدافاً، لا لسلاح الجو الإسرائيلي فحسب وإنما أيضاً لكل النظام الواقف في مواجهته. وعلاوة على ذلك، فإن على حد علمي لم تجرب صواريخ كهذه لمسافات بعيدة، ونتحدث – في هذه المرحلة – عن مداها الأقصى. وليس واضحاً تماماً ما إذا كانت مزودة برؤوس كيماوية. وفي أية حال، استخدم العراقيون حتى الآن السلاح الكيماوي بواسطة القنابل، أو بواسطة المدفعية. ويجب أن نتذكر أنه يوجد هناك انحراف طبيعي في مسار صواريخ كهذه، وأن هذا الانحراف يزداد كلما بعدت المسافة؛ لذلك، فإن قصفاً كهذا قد يصيب طبعاً أهدافاً غير مقصودة به.

ومحاولة القصف بواسطة الطائرات سيجبر الطيارين [العراقيين] على مواجهة سلاحنا الجوي فيما هم يواجهون قوة جوية ضخمة في السعودية، وفي تركيا، وفي الخليج، وفي دييغو غارسيا. ويجب أن يكون صدام حسين في ذروة الجنون كي يورط جهة إضافية، أي سلام الجو الإسرائيلي.

لقد استُخدمت ضدنا صواريخ ليست كثيرة في حرب يوم الغفران، في الجليل وسيناء، وتسببت كما أذكر بأضرار ضئيلة. وطبعاً، يمكن أن تسبب الصواريخ دماراً وخسائر في الأرواح إذا كانت دقيقة التوجيه، لكنها لا تهدد الوجود وتأثيرها قليل في ساحة المعركة، وخصوصاً إذا كان المقصود كمية الصواريخ الموجودة لدى العراقيين، والمسافة التي تفصلنا عنها.

باختصار نحن متفرجون من بعيد – وسيبقى الأمر كذلك – على دراما دولية، راهن فيها طاغية على الصندوق كله. ويجلس قبالته لاعب، يبدي حتى الآن رباطة جأش وأعصاباً قوية، كما هو مطلوب في أوضاع كهذه. ومن الصعب التنبؤ الآن بما إذا كان الحسم سيأتي نتيجة الحصار الاقتصادي والعزلة عن العالم، أم سيأتي نتيجة عمل عسكري سيحدث على بعد أكثر من 1000 كلم من حدودنا.

في مثل هذا الوضع من المجازفة جداً التنبؤ، لكن من المهم أن نقوّم تقويماً سليماً المشهد، وأن نفهم – فيما يتعلق بالجانب الإسرائيلي – أن وضعنا جيد، ولا يوجد أي مبرر لإرهاق الأعصاب والمخاوف المبالغ فيها، كما برزا في الأسابيع الأخيرة. لا يوجد أي مبرر لذلك، والعكس هو الصحيح.

 الصاروخ الذي أطلق فعلاً

جدعون سامت، "هآرتس"، 15/8/1990

 ظاهرياً، يبدو من الغريب أنه لم تثر في البلد موجة من الذعر بسبب العراق، من النوع الذي نعرف جيداً كيف نثيره. إن مؤشر قياس الزلازل القومي لم يقفز بصورة جنونية. شواطىء البحر حافلة بمن بقي في الصيف في البلد. والاحتفالات كثيرة. والأمهات لا يطلبن أقنعة غاز لأبنائهن. والمأكولات بقيت على الرفوف [في الحوانيت]. ولا أحد معني بتنظيف الملجأ في بيته. وعلى الرغم من أن نوع الصواريخ التي يمتلكها صدام حسين هو السؤال – اللغز الأوسع انتشاراً في مسابقات الأدمغة الإسرائيلية، فإن هناك تمالكاً ملموساً للأعصاب.

وفي الإمكان تقديم تفسيرات كثيرة لذلك. لكن لن يكون مدعاة إلى العجب أن نرى بعد فترة نتائج ذلك القلق العميق المفترس، الذي يختزنه كثيرون من الإسرائيليين في قلوبهم، في هذه الأيام. إن المشاعر القوية التي يثيرها السلوك العراقي لن تتبدد هنا هباء منثوراً.

إن التهديد الجديد يختلف عن كل ما سبقه. فهذه أول مرة تقف إسرائيل فيها أمام خطر عربي، مع العلم أنها ليست وحدها، وإنما جزء من منظومة دولية قوية. في الحالة الوحيدة السابقة – حملة سيناء السرية بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا – لم نعرف مسبقاً أخطاء الحرب، وانحل الائتلاف الذي شاركنا فيه بسرعة نتيجة الضغط الأميركي. ونحن في هذه المرة أخيراً في جانب العدالة الدولية، مع "الطيبين"، والدولة الأقوى بينهم تهدد بالرد إذا هوجمنا.

إن هذا تهديد بعيد وهو ضبابي، على الرغم من قذائف الغاز: صواريخ على بعد 600 كلم ليست حشوداً عسكرية في سيناء (الأيام الستة)، أو شباناً يقتلون كل يوم على حافة القناة [قناة السويس] (حرب الاستنزاف). ومن الصعب الآن أن نسترجع في مخيلتنا الجماعية ذعر موشيه دايان أمام "خراب الهيكل الثالث" (يوم الغفران). وهناك وجه آخر لما يسمى جنون صدام حسين: على الرغم من حادث الكويت، فإن هناك شيئاً ما في نظر كثيرين مناقضاً للعقل السويّ، غير معقول، أنّ هذا الجنون سيصل إلينا.

وأيضاً عتبة الذعر ارتفعت عندنا. على مدى السنين، عرفنا بكثافة متزايدة كل أهوال الاعتداءات والسكاكين المغروسة في الظهر، والدم، والثكل. ومع كل سنة جديدة أصبح الشارع يتطلب كارثة أكبر ومحسوسة أكثر كي تزلزل أركانه. والانتفاضة، التي هي حكاية طويلة مرصوفة بالضحايا والخوف، اعتدنا أن نتعايش معها. بل أصبحنا أكثر هدوءاً تجاهها. من يفكر الآن فيما يجري في المناطق؟ ضائقة بعيدة عتمت على ضائقة قريبة وقزّمتها.

وفي إطار الإعلام الداخلي الموجه إلى جمهور يشعر بالضيق، ينتشر في هذه الأثناء تقدير مطمئن، اعتبر قبل فترة، وبالتأكيد قبل أن يتجسد التهديد العراقي، سراً خفياً.

وهذا التقدير المطمئن هو: أن زيادة مدى صواريخ صدام حسين قللت من قدرتها على الحمل ودقتها في إصابة الهدف. إن قذائف يبلغ وزنها نحو 200 كلغ، ودقتها في إصابة الهدف هي على الأكثر دائرة بقطر 3 كلم، تشكل تهديداً مخيفاً لكنه محدود. وبالإضافة إلى ذلك، يمتلك العراق فقط بضع عشرات من قواذف الصواريخ. وبعد إطلاق دفعة الصواريخ الأولى المفتقرة إلى الدفة، وفي الوقت اللازم لتلقيم القواذف بصواريخ أخرى، من المتوقع أن يكون سلاح الجو الإسرائيلي قد دمرها وبرهن مرة أخرى على قدرته التدميرية. ولذلك، بدلاً من أن تصطدم أقوال وزير الدفاع المطمئة بالشكوك الإسرائيلية المعهودة، أمكن أن تقع على آذان صاغية.

لكن هناك قنوات تصريف خفية، وحتى خطرة، للمخاوف المكبوتة. إن كراهية العرب تتزايد لدينا من دون شك، في هذه الأيام، لن يُغفر لـ م. ت. ف. أيضاً في أوساط معتدلة هنا وقوفها إلى جانب الطاغية العراقي. وفي كل مساء يشاهد مئات الآلاف مظاهر تأييد عرب المناطق وقادتهم له على شاشات التلفاز. وهذا كغاز الخردل لليسار الإسرائيلي. إن عبد الوهاب الدراوشة، السياسي المتسرع، وشخصيات أخرى، قد عززت في الوعي المحلي، بصورة مؤذية جداً، صورة عرب إسرائيل كخطر محتمل.

إن فيزياء المخاوف لا تحتمل الفراغ. وبينما هي مخفية أمام التهديد العراقي، فإنها تتوجه بشدة نحو "العرب". والضحية الفورية لها في التفكير الإسرائيلي الشائع هي أن يكون في الإمكان التوصل إلى حل مع بيئة عربية قاسية ومتقلبة، يحكمها مجنون وملك ضعيف ومتردد، وقادة آخرون عاجزون عن كبح العدوان حتى لو كان موجهاً ضد شعب عربي.

ومن الصعب الاعتقاد أن جملة المشاعر المعقدة هذه لن تؤدي إلى زيادة قوة المعسكر الصقري في البلد. إن يتسحاق شمير، الذي أصبح صديقاً تولى آخرون القيام بعمله نيابة عنه، والليكود، هما منذ الآن الرابحان بصورة غير مباشرة من النتائج المرافقة للعربدة في الخليج الفارسي. وهذا الصاروخ العراقي قد تم إطلاقه فعلاً.

 موقف اليسار

[ورقة التين للديمقراطية الإسرائيلية]

شولاميت ألوني[4]، "هآرتس"، 24/8/1990

 لماذا يجب أن يخيب أملي من موقف الفلسطينيين؟ هل فعلت شيئاً من أجلهم. هل اليسار الإسرائيلي فعل شيئاً من أجلهم؟ إن اليسار الإسرائيلي جزء من حكومة إسرائيل، من المؤسسة، من كل نظام السلطة. نحن نعتقد أحياناً أننا مختلفون. أننا فعلنا شيئاً من أجل الفلسطينيين. حاولنا أن نسمع صوتنا الخلقي. كنا في المعارضة، وقدمنا استجوابات واقتراحات لجدول الأعمال، وصرخنا وتحرينا الحقائق وأنشأنا "بتسيلم" [مؤسسة لفضح جرائم الاحتلال] وشعرنا بأننا عملنا الكثير. عملياً، لم نفعل شيئاً فالحكومة استمرت في السيطرة على المناطق، وفي انتهاك حقوق الإنسان، وفي النسف والقتل – ونحن شركاء في ذلك لأننا لم نعلن العصيان. نحن أشخاص مطيعون للقانون. نحن نخدم في الجيش. نحن لا نخرق القانون الذي يحظر لقاءات مع م. ت. ف. باختصار: نحن مخلصون لقواعد اللعبة الديمقراطية، ولذلك نحن شركاء. أنت وأنا ويوسي [ساريد]، وكلهم. كنا ورقة التين للديمقراطية الإسرائيلية. وفي هذه الأثناء، نسفت الحكومة مبادرة السلام. لا نستطيع أن نقوم إننا كنا خارجاً. نحن جزء من هذا. والفلسطينيون ليسوا مدينين لنا بشيء. لم نفعل شيئاً من أجلهم، وهم ليسوا مدينين لنا.

 [فليبحثوا عني]

يوسي ساريد[5] "يديعوت أحرونوت"

(ملحق السبت)، 17/8/1990، ص 14

 إن خيبة الأمل هي في أن القيادة الفلسطينية، سواء في الداخل أو في الخارج، ربما لا تعرف كثيراً تمييز مصلحتها الحقيقية. لقد ألحق صدام حسين أضراراً خطرة بالقضية الفلسطينية: فهو، أولاً، أسقط الموضوع الفلسطيني من جدول الأعمال الدولي، ولن يعاد طرح الموضوع إلاّ بشقّ النفس؛ وهو، ثانياً، أعلن للعالم كله ألاّ عيب في الاستيلاء على أراض بالقوة، والفلسطينيون هم آخر من يجب أن يعترف له بذلك؛ وهو، ثالثاً، عزّز زعم شمير وأمثاله أن المشكلة الفلسطينية ليست لبّ الصراع في الشرق الأوسط، وأن هذه المنطقة هي بطبعها منطقة مشكلات وكوارث؛ وهو، رابعاً، أثبت أن الشرق الأوسط كوكب منفصل، لا ينتمي بتاتاً إلى العالم الحديث، الذي تجري فيه محاولات لحل النزاعات عن طريق المفاوضات.

لكن الأضرار الأخطر هي الأضرار التي لحقت بالرأي العام. إذ يجري في العالم الحر كله تصوير صدام حسين على أنه العدو رقم واحد، وتصوير ياسر عرفات معه على أنه الغلام الذي يتتلمذ على يده. كما أن القيادة الفلسطينية المحلية دُفعت هي الأخرى إلى وضع مستحيل. فهي، من جهة، تدّعي أنه يجب عدم أخذه على محمد الجد. إن شخصاً نطح مرة دولة إسلامية، هي إيران، ومرة ثانية دولة إسلامية، هي الكويت، يجب اعتباره ثوراً ذا سوابق. ومن الصعب الافتراض أن مثل هذا الثور لن ينطح إسرائيل. لكن الشهادة الأوثق جاءت من عرب إسرائيل، من خلال مطالبتهم الحقة بالحصول على أقنعة واقية من الغاز. والسؤال هو كيف يدافع أشخاص، مثل الدراوشة وميعاري، عن شخص يهدد [بتدمير] نصف دولة إسرائيل. إنهم، على ما يبدو، يفترضون إنهم يعيشون في نصفها الثاني.

إن هذا في نظري سلوك مرير، سبب لي خيبة أمل وأزمة ثقة عميقة للغاية. لا شك لدي في أن الدراوشة وميعاري سيدفعان غالياً ثمن الخطأ الذي ارتكباه. إنهما يتذرعان، في دعمهما [العراق]، بحجة أيديولوجية متمثلة في الفساد الكويتي، وأنا أتفق مع هذا الزعم. والمشكلة هي أن صدام حسين نفسه وظّف أموال الأمة العربية في الحرب مع إيران. ولو اضطر الدراوشة أو فيصل الحسيني إلى أن يختارا شخصياً الإقامة في الكويت المتعفنة أو في العراق الثوري، فإنني على ثقة بأنهما لن يترددا في الاختيار.

كثيراً ما دار الكلام على الحركة الوطنية الفلسطينية التي ارتكبت الأخطاء الممكنة كافة. وأنا أتوصل هذه المرة إلى استنتاج أنها ترتكب أيضاً الأخطاء غير الممكنة كافة. وهذا يكشف أنهم لا يزالون في عهد الفانتازيا: ها هو منقذ جديد، أمير أحلام على الحصان. ويتأكد أن الفانتازيا الشرق الأوسطية لا تزال تذهب بعقول الناس.

لقد دقّ الفلسطينيون بموقفهم مسار السلام على عمق تسعة أذرع في الأرض. وهم قوضوا كل الحجج التقليدية التي كانوا يلجأون إليها. والسؤال البالغ الأهمية في نظري هو: هل من الشرعي دعم قاتل أودى بحياة الآلاف من الأكراد بواسطة الغاز؟ ربما ليس من المستهجن كثيراً دعم سياسات شارون وشمير ورابين؟ ذلك بأن جرائم الحكومة الإسرائيلية هي برد وسلام قياساً بجرائم صدام حسين. ولدى دعم رجل كهذا، لا يمكن استغراب أن الاستنكار التقليدي للفظائع في المناطق [المحتلة] سيضعف بالضرورة. إما الاستنكار ضَعُفَ، وإما الأُذُن صُمَّت.

إنني في حالة نفسية، لا أحس معها الآن بالحاجة إلى لقاءات. إنني أشعر بأن خيوطاً كثيرة قُطعت، وسيمر وقت طويل إلى أن أشعر بوجود حاجة إلى لقاءات من هذا النوع. إنني أعتقد أن الأمر يتعلق بانعدام تفاهم، وهو انعدام عميق جداً إلى درجة إنني لا أتخيلنا على منصة واحدة في الزمان القريب. وفي هذه الأثناء، أقول إنه يمكن لعرفات والدراوشة وحسين [لعل المقصود الحسيني – المترجم] أن يبحثوا عني.

 اليسار والخليج: تقويم مرحلي

"عال همشمار"، 23/9/1990

 يمكن، بناء على الوضع الناشىء عن أزمة الخليج عشية رأس السنة [العبرية]، إجراء نوع من التقويم المرحلي للدروس التي يمكن أن يستخلصها معسكر السلام، وكذلك وضع الجدل المحموم الذي ساد صفوفنا في أيام الأزمة الأولى موضع الاختبار. إن الدروس الأساسية، التي حظيت أيضاً بدعم واسع في جلسة مركز مبام الأخيرة، هي ثلاثة:

أولاً: علينا أن نكون حذرين جداً ويقظين جداً فيما عنى الضمانات الأمنية والترتيبات الأمنية، المتعلقة بكل الترتيبات المرحلية والترتيبات الدائمة التي سنجري مفاوضات في شأنها. فتجريد المناطق [المحتلة] من السلاح، والتحديد المسبق لحجم القوات التي يسمح بانتشارها خارج المناطق المنزوعة السلاح، ليسا أمراً ثانوياً، وذلك في ضوء وجود دول عربية قادرة على بناء جيش في حجم الجيش العراقي، وعلى التزود بالأعتدة والأسلحة بحجم التزوّد السعودي.

ثانياً: علينا أن ندعم أي شكل من أشكال الحل يمكّن كلاً من الطرفين من أن يضع موضع الاختبار صدق نيّات الطرف الآخر في احترام التزاماته طوال عملية السلام. ولا نقصد هنا الترتيبات المرحلية بالمعنى الذي يعطيه الليكود لمفهومها – أي: تسوية لا يتم الاتفاق على ما يليها منذ البداية، ويعلن طرفاها في أثنائها أن نياتهما، فيما عنى ماهية التسوية الدائمة، هي نيّات مختلفة ومتناقضة – بل نقصد تسوية مرحلية تشكل إحدى الحلقات في سلسلة تسويات معروفة ومتفق عليها، تفضي إلى تسوية دائمة تضمن السلام والأمن؛ لكن يمكن تحقيق كل حلقة فيها على انفراد، بغية تخفيف مخاوف كل من الجانبين تجاه تغيير الجانب الآخر موقفه، أو مخاوفه تجاه التضليل.

ثالثاً: ... إنني مستعد لقبول الزعم القائل إن م. ت. ف. لم تتراجع حقاً، بصورة رسمية، عن إعلان جنيف سنة 1988 – ومع ذلك يكفيني أن دعم صدام حسين أوجد انطباعاً لدى أكثرية مواطني إسرائيل بأن مثل هذا التراجع حدث فعلاً، كي أطالب بتواصل الإعلام رسمياً بشأن  الموقف الذي يؤهل أصحابه لأن يكونوا شريكاً في مفاوضات السلام...

 نظرة استراتيجية شمولية

 عودة الاتحاد السوفياتي

يئير عفرون[6]، "هآرتس"، 7/9/1990

  انتهت حقبة الحرب الباردة منذ فترة، ومع انتهائها وقف العالم أمام مسألة النظام الجديد الذي سيحل محل النظام القائم على وجود قطبين. وقد بدأت هذه المسألة تشغل الباحثين والمراقبين، مع الأحداث الدرامية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، لكن فقط بصورة نظرية. وها قد جاءت أزمة الخليج التي، شأنها شأن الانقلاب في العلاقات الدولية بين الكتلتين العظميين وفي أوروبا، تفرض تفكيراً في التغيير على صعيد العلاقات الدولية في المستقبل.

لقد كان هناك من ادعى، مثل فوكو ياما وآخرون، أن نهاية الحرب الباردة وانتصار الأيديولوجية الليبرالية – الديمقراطية (على الأقل جزئياً)، سيؤديان إلى انتهاء النزاعات الدولية، ويقللان من شأن القوة العسكرية في العلاقات الدولية. وفي المقابل، كان في الإمكان التوقع أنه في مناطق مختلفة – وفي الأساس في دول العالم الثالث – ستستمر النزاعات بين الدول، وحتى استخدام القوة العسكرية، في كونها مظهراً رئيسياً من مظاهر الحياة الدولية. وكانت سلامة هذا الافتراض جلية أكثر في كل ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط الحافلة بالنزاعات. وفعلاً، برهن غزو العراق للكويت على ذلك بصورة بارزة.

وفي الإمكان الافتراض أن انتهاء الحرب الباردة، وزوال النظام القائم على وجود قطبين، كانا بالذات من العوامل التي شجعت صدام حسين على الإقدام على مغامرته العنيفة ضد الكويت. فقد افترض، شأنه شأن عدد من المراقبين – وبينهم أيضاً إسرائيليون – أن ضعف الاتحاد السوفياتي وانخفاض مستوى تدخله في الشرق الأوسط، سيؤديان أيضاً إلى انخفاض متلائم مع ذلك من الجانب الأميركي، وأن الأمر سيزيد في حرية القوى الإقليمية الكبرى في الإقدام على عمل عسكري.

إن ردة الفعل الأميركية السريعة والكثيفة برهنت على أن الولايات المتحدة قدرت أن خطوة صدام حسين تخلق تهديدات واسعة النطاق  للمصالح الأميركية، وللمصالح العالمية أيضاً. وسيكون من الخطأ التقدير أن الخطوة الأميركية نبعت في البداية فقط من اعتبارات الدفاع عن مصادر النفط. فمنذ المرحلة الأولى، كما يبدو، ثار تخوف أميركي من ازدياد الفوضى في العالم. وإذا كان هذا الإدراك ضبابياً في بداية الخطوات الأميركية، فإنه تحول بمرور الوقت أكثر فأكثر إلى اعتبار مركزي. وفي الحقيقة، فإن اللقاء المرتقب بين بوش وغورباتشوف سينشغل، كما يبدو، ببلورة سياسة مشتركة [الإرساء] نظام إقليمي، سيتحول إلى جزء من نظام عالمي في المستقبل. ويجب أن يكون الهدف من النظام الإقليمي الجديد زيادة الاستقرار وتقليل أخطار الانزلاق إلى حروب وأعمال عنف بين الدول. وإسرائيل، بصفتها إحدى القوى الإقليمية الكبرى، يجب أن تبدأ منذ الآن بإجراء تقويم للخطوط العامة للتطورات الإقليمية، وبمحاولة المساهمة بنصيبها في هذا النظام المحتمل.

إن نظام العلاقات في كل منطقة في العالم مختلف عن غيره. ولذلك سيكون النظام الممكن أن ينشأ في الشرق الأوسط مختلفاً، مثلاً، عن النظام الذي سينشأ في آسيا الشرقية، بتأثير من الدول العظمى. وبالتالي، يمكن الافتراض أن أنماط السلوك الخاصة بالشرق الأوسط سيجري مزجها بأنماط السلوك الجديدة التي ستحاول الولايات المتحدة إرساءها في المنطقة. ومن هنا، فإن من المفيد ذكر عدد من الجوانب الرئيسية للعلاقات بين الدول في الشرق الأوسط، وتفحص مساهمتها في إشاعة الفوضى في المنطقة، أو إضفاء مسحة من الاعتدال على العلاقات فيها.

بنظرة عامة، من الممكن وصف أنماط السلوك بين الدول في الشرق الأوسط بأنها "لعبة" استراتيجية – سياسية في نظام تنافسي متعدد الأقطاب، على الرغم من الدوافع الأيديولوجية المختلفة التي كانت وما زالت تشكل جزءاً من نسيج الحياة السياسية في المنطقة. وهكذا، على الرغم من الحركة القومية العربية والحركة الإسلامية، وعلى الرغم من التناقضات التي كانت قائمة بين المذاهب الاجتماعية المختلفة في العالم العربي، فقد حرصت الدولة المختلفة على المحافظة بشدة على مصالحها القطرية. وقد سعت لاستغلال الدوافع الأيديولوجية، أولاً وقبل كل شيء، من أجل تنمية قوتها النسبية في مقابل الدول الأخرى. وقد أدّت التوجهات الأيديولوجية والميول المشاعرية للجماهير العربية دوراً معيناً في الماضي، لكن قوتها أخذت في التناقص بمرور الوقت. إن الصدع القائم حالياً بين مصر والعراق، مثلاً، يشكل استمراراً للتنافس بين الهاشميين وبين مصر والعربية السعودية في الأربعينات والخمسينات، والذي تغيرت صورته في النصف الثاني من الستينات، لكنه بقي وما زال تنافساً للهيمنة على الشرق الأوسط. ويجب أن نذكر أن جميع المحاولات للهيمنة على المنطقة انتهت بفشل ذريع. هذا ما حدث بالنسبة إلى محاولات الهاشميين، وهذا ما حدث أيضاً بالنسبة إلى محاولات عبد الناصر في السنوات الأخيرة من الخمسينات وفي الستينات.

وتتسم "اللعبة الاستراتيجية" في الشرق الأوسط بميل واسع الانتشار إلى اعتبار القوة العسكرية أداة شرعية لتحقيق أهداف سياسية، وليس لخدمة أغراض أمنية صرفة فحسب. وقد تجلى ذلك، في الأساس، في إطلاق تهديدات عسكرية، لكن حدثت أيضاً حروب وتداخلات عسكرية واسعة. وقد أدى الميل إلى استخدام القوة العسكرية بالضرورة إلى سلسلة سباقات تسلح مستمرة، عملياً، منذ أواسط الخمسينات. ومما لا شك فيه أنها ساهمت في خلق مخاوف أمنية لدى جميع الدول، وأدت أحياناً حتى إلى نشوب حروب.

والأخطر من ذلك كله، هو انتشار السلاح النووي في المنطقة، وهو أمر سنتطرق إليه لاحقاً.

وقد أدت عوامل إلى كبح النزوع إلى العنف والتقليل من الفوضى في المنطقة: أولاً، لعبة الائتلافات العربية (التي شاركت حتى إسرائيل فيها أحياناً، إما بصورة واضحة وإما بشكل خفي وغير مباشر) كانت تؤدي على الفور، مع نشوء تهديد بأن تخرق دولة إقليمية عربية كبرى نظام التوازنات، إلى نشوء ائتلاف مضاد. ثانياً، كان هناك تفاهم على أنه من أجل التضامن العربي لا يجوز إلغاء وجود دولة عربية كلياً. ثالثاً، الدول العظمى ضبطت عدداً من الجوانب الأكثر تطرفاً للفوضى في المنطقة. وقد فعلت ذلك خوفاً من أن يلحق تفجر واسع في المنطقة أضراراً بمصالحها، والأخطر من ذلك – خوفاً من إمكان أن يؤدي ذلك إلى مواجهة فيما بينها. ومن ناحية أخرى، لم تكن الدول العظمى، بسبب التنافس فيما بينها، قادرة على التوصل إلى تعاون واسع النطاق بشأن تصفية بؤر النزاعات والحؤول بذلك دون تفجرها. بل حتى أنها ساهمت في سباق التسلح، مع تفاهم من حين إلى آخر في شأن الأخطار التي ينطوي عليها.

لقد كان سلوك العراق في أزمة الخليج بمثابة خرق فاضح لأنماط السلوك المتبعة عربياً، إذ إنه ضم إليه كلياً دولة عربية وألغى وجودها المستقل. وبسبب قوته العسكرية الكبيرة، وبُعده عن مركز القوة العسكري المصري، لم يكن هناك إمكان لإلغاء هذه الخطوة، أو الحؤول دونها عن طريق ائتلاف عربي مضاد. وهكذا اجتمعت، إذاً عوامل القوة العسكرية والاعتبارات اللوجستية في خرق قواعد اللعبة. ولم يكن في وسع أحد غير الولايات المتحدة أن يلغي هذه الخطوة العراقية.

هناك عدة مجالات من الممكن العمل فيها لتثبيت نظام شرق – أوسطي، وكلها موجود في الإطار الاستراتيجي – السياسي: ضمانات عسكرية من الولايات المتحدة لدول معينة في المنطقة؛ ضمانات تشترك فيها الولايات المتحدة مع قوى عظمى أخرى، ربما برعاية الأمم المتحدة، لدول أخرى؛ محاولة لإنشاء نظام أمن جماعي فاعل لقسم من دول المنطقة، من الأفضل أن تشارك فيه دول عظمى من خارجها؛ فرض رقابة على الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. وفيما يخص إسرائيل، فإن الاندماج كلياً أو جزئياً في هذه الخطوات رهن، إلى حد كبير، بترتيبات سياسية لنظام علاقاتها بالأردن – الفلسطينيين من ناحية، وسوريا من ناحية أخرى.

إن هذه الأفكار كانت موجودة كلها أيضاً في الماضي بأشكال مختلفة، لكنها اقترحت وطورت في سياق تنافس بين الدول العظمى، ولذلك لم يكن من الممكن تحقيق أي جزء منها فعلياًَ. وعلاوة على ذلك، في الإمكان الافتراض أن تجربة الكويت علّمت عدداً من الدول العربية أن تدخلاً دائماً ومتفقاً عليه من جانب قوى عظمى هو فقط ما يمكن أن يحيِّد خطوات فوضوية في المستقبل من جانب قوة إقليمية كبرى مجاورة، وخصوصاً العراق. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الاستعداد لإيجاد نظام أمن جماعي على مستوى المنطقة.

وكما يبدو، فإن الدول الكبرى الإقليمية المستعدة لإيجاد استقرار في الشرق الأوسط تشمل الآن مصر، وإسرائيل، والعربية السعودية، وإمارات الخليج، والأردن (على الرغم من تأييده المتردد والقسري للعراق). وقد برهنت الأزمة لهذه الدول وللولايات المتحدة، وكما يبدو أيضاً للاتحاد السوفياتي، على أن من الضروري تحييد جزء من عوامل الخطر في المنطقة، وعلى حتمية تدخل خارجي من أجل المساعدة في ذلك.

وفي حال غياب خطوات من هذا النوع، من الممكن أن تتدهور المنطقة خلال أعوام إلى وضع غير محتمل. وفي الأساس، من الممكن أن تعاني إسرائيل من جراء ذلك. إن حرباً إسرائيلية – عربية في المستقبل، كما تشير إلى ذلك تجربة الأزمة الحالية، يمكن أن تندلع لا كنتيجة نزاع مباشر فحسب، بل أيضاً كنتيجة نزاعات بين العرب بشأن الهيمنة. وهذا ما يمكن تحييده إلى حد ما بواسطة الترتيبات السياسية المقترحة. وبالإضافة إليها، يجب أن تكون إسرائيل معنية جداً بترتيبات أمنية إقليمية من شأنها أن تحيِّد لعبة القوى الحرّة التي تمارسها الدول الكبرى الإقليمية. وفي الحقيقة، لقد ساعدت هذه اللعبة بصورة عامة إسرائيل في الماضي، لكنها تنطوي أيضاً على أخطار كثيرة.

وهذه الأخطار ستزداد إذا انتشر السلاح النووي في المنطقة. وخلافاً لنموذج العلاقات بين القوى العظمى، فإن انتشار الأسلحة النووية لن يساعد كثيراً في استقرار المنطقة. والإمكان الأرجح هو أن تتدهور الحروب، إذا اندلعت، إلى مواجهة نووية.

وهناك في إسرائيل شكوك تجاه مسألتين رئيسيتين: قوة الضمانات الأمنية الخارجية، وتقليص الأسلحة ومراقبتها. بالنسبة إلى الأمر الأول، تبرهن ردة الفعل الأميركية في الأزمة الحالية على مصداقية كبيرة جداً للخطوات الرادعة الأميركية. وسواء كان صدام حسين ينوي مهاجمة العربية السعودية أو لم يكن، فإن ردة الفعل الأميركية الفورية حيَّدت هذا الخطر تماماً. ومن الممكن أن الغزو العراقي للكويت لم يكن ليحدث لو كانت الولايات المتحدة ضمنت بصورة رسمية أمن الكويت وأرسلت إلى بغداد تهديدات ردعية واضحة قبل الخطوة العراقية. ولو كانت هناك قوة أميركية في الكويت أو في الخليج الفارسي، لكانت هذه التهديدات ذات مصداقية أكبر. وفي حالة إسرائيل، من المفهوم أن اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة ليس من الضروري أن تحل محل القوة العسكرية الإسرائيلية، وإنما هي إضافة لها. ويجب أن تكون لإسرائيل مصلحة في أمرين: في اتفاقية أمنية ثنائية منفصلة مع الولايات المتحدة؛ وفي الاندماج، بمرور الوقت، في نظام الترتيبات الأمنية الإقليمية.

وبالنسبة إلى الرقابة على الأسلحة وتقييد سباقات التسلح، يمكن الافتراض أن الدولة الكبرى الإقليمية ستحاول – وهي محقة في ذلك من ناحيتها – أن تحافظ على المزايا النسبية المتوفرة لها، وأن تمنع أي تدخل خارجي في نُظم الأسلحة التي تمنحها تفوقاً. ومع ذلك، يبدو أن مسار سباقات التسلح في السنوات الأخيرة برهن على أن أي طرف لن يخرج في نهاية الأمر رابحاً من سباق تسلح لا يضبطه ضابط. وهذا الافتراض العام يجب أيضاً أن يوجه خطى إسرائيل. ومن الواضح أن أي نظام للرقابة على الأسلحة والتسليح في المنطقة، لا بد من أن يتضمن مشاركة دولية واسعة جداً.

هناك فرص معينة لإيجاد نظام إقليمي جديد، سيكون مرتكزاً على موافقة عدد من الدول الكبرى الإقليمية، وأيضاً على مشاركة أميركية بارزة، من خلال تأييد عدد من القوى العظمى، وفي مقدمها الاتحاد السوفياتي. وسيتشكل هذا النظام من عدد من الخطوات والترتيبات. والأمر يفرض نقاشاً عاماً في إسرائيل بشأن الموضوع.

 أبعد من صدّام

يحزقئيل درور، "جيروزالم بوست"، 24/8/1990

 إن انتصاراً على صدام حسين سيعني قليلاً في المدى البعيد، إذا لم يطور الغرب استراتيجية شاملة للشرق الأوسط. وإذا لم يفعل ذلك، فمن الممكن أن تحدث حتى متاعب أكبر.

وهذا سيحدث على الرغم من التصميم الذي أبدته الولايات المتحدة في مواجهة العدوان العراقي...

إن الشرق الأوسط يتشكل من مجتمعات تقليدية تمر بعملية تحديث سريعة، عملية مقترنة بالضرورة بِجَيَشان وعنف.

لقد أظهر الإسلام قوة تاريخية بصفته ديناً وثقافة نابضين بالحياة، على الرغم من أنه اتسم بانقسامات مذهبية.

إن دخوله في مواجهة مع الثقافة الغربية، وجهوده للتكيف إزاء التكنولوجيا الحديثة والتقديم الاقتصادي، يحتمان راديكالية وصراعاً حاداً بشأن دور الدين.

وتنضاف القومية، غالباً على خلفية قبلية، إلى صدمة المواجهة مع الغرب والصهيونية لتفاقم من خطورة البحث عن دور في العالم لائقاً بالصورة المجيدة التي يحملها المرء عن تاريخه.

وهناك عوامل أخرى كثيرة تولد التوترات، مثل: تدخل القوى الأجنبية، والضغوط الديموغرافية، وتأثيرات المكاسب السهلة التي تزعزع الاستقرار، والهوة بين الغني والفقير، وخصومات السلالات الحاكمة.

وثمة عامل عظيم الأهمية هو البناء السريع للقدرات العسكرية، بفضل التحديث واستيراد الأسلحة والمعرفة التقنية، اللذين لا توجد قيود عليهما.

إن البنى العقلية الغربية لا يجوز تطبيقها على الشرق الأوسط، الذي يعيش في زمن تاريخي مختلف.

وانه لوهم خطر أن نتوقع أن يصبح الشرق الأوسط قريباً صورة للغرب مختلفة قليلاً، وأن نقرأ الأحداث هناك بأبجدية غربية.

وما يمكن أن نتوقعه هو فوضى كامنة في تحولات اجتماعية من مرحلة إلى أخرى، مقترنة بكثير من العنف.

إن التغيير الجذري لا مفر منه، مع انهيار النظم التقليدية وحلول مزيج من النظم القومية والأصولية محلها، ومع تحول عدد قليل من الدول إلى "دول مجنونة" متعصبة.

وستبذل جهود لإحياء ماض مجيد مع نبرة قوية معادية للغرب سوف تلاقي أذناً صاغية لدى الجماهير، وتشكل دافعاً رئيسياً للجهد الجماعي.

وسيكون هناك استعداد كبير لتقبل الألم. ومن المؤكد أن حكاماً أقوياء، بكل غرابة أطوارهم العصيّة على التنبؤات، سيقذفون التاريخ بمفاجآت كثيرة، بعضها حسن لكن أغلبها سيّىء.

وكي أكون واضحاً، عراق صدام حسين ليس أساساً "دولة مجنونة".

لقد عرَّفت مثل هذه الدولة في كتاب نشر سنة 1971 بأنها دولة تتبنى أهدافاً متعصبة أبعد مدى من سبب وجود الدولة، مثل هداية العالم، وأنها تحاول تحقيق هذه الأهداف مهما يكن الثمن.

ومع أن صدام حسين عدواني جداً، إلا أن أهدافه محدودة أكثر؛ وأشك في أنه في الوقت الحالي يريد أن يجر دولته معه إلى الهاوية.

لكن بفعل الضغط، يمكن أن يصبح "حاكماً مجنوناً". إن موقع العراق الحالي، الذي هو بين دولة عدوانية لكن لا تزال عقلانية، وبين "دولة مجنونة"، هو علامة على ما يمكن توقعه في الشرق الأوسط في العقود المقبلة.

وهذا التشخيص لا ينطوي على حكم خلقي سلبي في شأن الشرق الأوسط. فالمجتمعات الغربية مرت بها فترات أسوأ في تاريخها الحديث.

إن محاولة الأمة العربية أن تصبح لاعباً عالمياً رئيسياً وفريداً مبررة خلقياً، ويمكن أن تكون مفيدة للإنسانية كمجموع.

غير أن المراحل الانتقالية إلى مستقبل وردي محتمل كهذا، والتي يمكن أن تستغرق أجيالاً عديدة، مشحونة باحتمالات متفجرة. وهذا يمكن أن يدمر الشرق الأوسط، ويسبب أذى كبيراً للعالم ككل.

وبناء عليه، فإن استراتيجية شاملة يضعها الغرب يمكن أيضاً أن تخدم الشرق الأوسط نفسه، وهي حقيقة يجب أن تشرح بوضوح، مع أنها ستثير استياء في الشرق الأوسط لا يمكن تفاديه...

وما يلي هو ستة مبادىء رئيسية مقترحة لمثل هذه الاستراتيجية:

  • أولاً: بضع قواعد أساسية للشرق الأوسط تحمي المصالح الحيوية للعالم ككل. يجب أن توضع ويجري تطبيقها بدقة. وتشتمل على ضمان النفط بأسعار معقولة، وحماية المواطنين الأجانب، واحترام الحد الأدنى من مبادىء القانون الدولي – بما في ذلك عدم غزو دول أخرى.
  • ثانياً، يجب تحديد الحد الأقصى لقدرة الشرق الأوسط على إلحاق الأذى. وهذا يتضمن تقليل اعتماد الغرب على نفط الشرق الأوسط وسقفاً للقدرات العسكرية في الشرق الأوسط.
  • ثالثاً، يجب تشجيع سياسات تقدمية من شأنها نزع الفتيل من الاحتمالات الاجتماعية المتفجرة. فاحترام حقوق الإنسان، واستثمارات كبيرة في التعليم، والتطوير الاقتصادي، والتحرك نحو الديمقراطية، أمور يجب مساندتها بإمكانات كبيرة...
  • رابعاً، من المحتم بذل جهود حثيثة للحؤول دون صدام محتمل بين الغرب والكتلة الإسلامية – العربية. وهذا يتضمن إقامة تحالفات وجسور مع دول الشرق الأوسط الراغبة في ذلك، ورفع مستوى النشاطات الثقافية المتبادلة، ودمج وثيق لدول مثل تركيا في المجموعة الأوروبية، وإظهار الاحترام إزاء الإسلام، وإظهار تفهم لطموحات الشرق الأوسط إلى أن تكون له هويته الخاصة التي لا تنسجم بالضرورة مع الأفكار الغربية.
  • خامساً، قدر الإمكان، حل مشكلات معينة تسبب غلياناً في الشرق الأوسط، وتشجع على قلب الأوضاع بصورة جذرية. وهذا يتضمن النزاع العربي – الإسرائيلي، بما في ذلك العنصر الفلسطيني، ولكن الذهاب إلى ما هو أبعد منه. إن الكثير يعتمد على تبني إسرائيل موقفاً ملائماً. لكن، مع ذلك، من الضروري جداً أن يبذل الغرب جهوداً مكثفة لتقليص النزاع وتبريد احتمالاته المتفجرة. وهذه الجهود يجب أن تجمع بين ضمانات محكمة لأمن إسرائيل وبين تشجيع الأقطار العربية على التحرك في اتجاه السلام مع إسرائيل، وتشجيع إسرائيل على حل وسط بشأن المسألة الإقليمية.
  • سادساً، يجب المحافظة على الصدقية الغربية لاكتساب الاحترام وردع العداء. وبالتالي، متى تم تبني سياسة رئيسية وإعلانها، يجب تطبيقها بصرامة حتى لو كان الثمن باهظاً.

إن مبادىء الاستراتيجية الشاملة هذه تقدم دليلاً للعمل في الأزمة الحالية.

إن العراق يجب أن يرغم على الجلاء عن الكويت؛ يجب قلب نظام صدام حسين؛ طاقة العراق العسكرية يجب تحديدها؛ أي أذى يلحق بالأجانب يجب أن يعاقب بشدة، مع اعتبار الأفراد مسؤولين شخصياً؛ صورة صدام حسين كبطل يجب فضح زيفها عن طريق كشف الحقائق عن نظامه وأسلوبه الشخصي.

وحتى لو تم تحقيق جميع هذه الأهداف بتكلفة معقولة، فإن قصة العراق ستكون لها عواقب خطرة. إن التحولات الجذرية في الشرق الأوسط ستتسارع، والتوق إلى بطل جديد يدافع عن شرق أوسط عربي ضد الغرب سيزداد ضراما.

لو كانت هناك استراتيجية غربية شاملة لكانت حالت دون نشوء الأزمة الحالية وتفاقمها، ومنعت صدام حسين من الحصول على قدرة على الحرب الكيماوية، وتخلصت منه بعد فترة وجيزة من غزو الكويت بضربة مفاجئة محدودة، معدة سلفاً قبل وقت طويل كإجراء احتياطي.

ولربما كان وجود مثل هذه القدرة رَدَعَهُ عن تجاوز حدوده.

من أجل منع ظهور صدّام آخر كطائر الفينيق من الرماد – مسلح على نحو أفضل، أذكى وأكثر خطراً – فإن استراتيجية غربية شاملة هي أمر لا مفر منه.

 

[1] عضو كنيست عن المعراخ.

[2] عميد احتياط. آخر منصب شغله في الجيش كان قائد كلية القيادة والأركان.

[3] رئيس دولة إسرائيل. وقد أذيعة كلمته من "صوت إسرائيل" بتاريخ 31/8/1990.

[4] عضو كنيست عن راتس، في حديث مع توم سيغف.

[5] عضو كنيست عن راتس، في حديث مع أفيفا شافي.

[6] أستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، وباحث في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية.