حول شعور العداء لليهود في الدول العربية: مناقشة لوجهات النظر السائدة
كلمات مفتاحية: 
البلاد العربية
اليهود
اللاسامية
الصهيونية
نبذة مختصرة: 

تناقش هذه الدراسة الرأي، الذي يجري تعميمه في بعض الأوساط الأكاديمية والإعلامية الغربية، من أن اضطهاد اليهود و "معاداة السامية" بمفهومها الأوروبي، أمر عرفته المجتمعات الإسلامية والعربية.فتستعرض لهذا الغرض العداء للسامية كمفهوم أوروبي والرواية الصهيونية لتاريخ الطوائف اليهودية في الدول العربية. كما تتناول أوضاع اليهود في ظل الحكم الإسلامي، الإرث الإستعماري وأثره في اليهود وعلاقة اليهود العرب بالحركة الصهيونية. وتستخلص هذه الدراسة أن شعور العداء لليهود في العالم العربي ظاهرة جديدة نسبياً وهو ناجم عن نزاع سياسي عادي ولا يعود إلى دعاوى دينية قديمة أو إلى تفشّي "معاداة السامية" في المجتمعات الإسلامية على النحو الذي جرى في أوروبا ولا يستند إلى قاعدة من التميّز العرقي. كما تطرح الدراسة تساؤلاً عن مستقبل العيش المشترك بين العرب واليهود معتبرة بأنّه يرتبط بمستقبل السلام في المنطقة مقلّلة من احتمال تفشي التطرّف والكره للعرب لدى اليهود الشرقيين.

النص الكامل: 

نناقش في هذه الدراسة الرأي، الذي يجري تعميمه على نحو حثيث في بعض الأوساط الأكاديمية والإعلامية الغربية، من أن اضطهاد اليهود و"معاداة السامية" بمفهومها الأوروبي، أمر عرفته المجتمعات الإسلامية والعربية. ويأتي هذا الرأي في إطار الجهود التي تبذلها الدوائر الصهيونية وتلك المتعاطفة معها اليوم لكتابة تاريخ الطوائف اليهودية في المجتمعات الإسلامية والعربية، في ضوء الصراع الذي نشب على أرض فلسطين. ويخدم هذا التوجه أغراضاً عدة للحركة الصهيونية، لعل أهمها: إدامة القطيعة مع الشرق، وغلق أبواب المشروع الصهيوني أو "الغيتو الجديد" على ما حوله، واستبعاد فكرة التعايش المشترك لليهود في المجتمعات العربية والإسلامية، وتوظيف الحرب وإدامة حالة العداء لتكريس ذلك كله.

العداء للسامية كمفهوم أوروبي

شاع استعمال تعبير "العداء للسامية" (Anti-Semitism) للتدليل على كره اليهود. وهو تعبير حديث الاستعمال نسبياً أُطلق، بداية، في ألمانيا مع نهاية القرن الماضي وشاع استعماله في مرحلة لاحقة للدلالة على "كره اليهود والشعور المتصل تجاههم بالعداء"، استناداً إلى فكرة التمميز بين البشر على أساس من اختلاف العرق.

على أن هذا التعبير، بمعناه السالف،تعبير مضلل جرى استعماله في غير المعنى الموضوع له أصلاً. فالسامية، كما فهمها دارسو تلك المرحلة من الأوروبيين عنوا في استعمالها الإشارة إلى مجموعة لغوية من الناس لا عرقية. وتضم، في الأساس، اللغات العبرية والعربية والآرامية. ويميل بعض المفكرين الأوروبيين المعاصرين – لهذا السبب- إلى البحث عن تعبيرات أكثر دقة للتدليل على المعنى المقصود. فيحبذ مكسيم رودنسون – على سبيل المثال – استعمال تعبير "جوديوفوبيا" (Judeophobia) للتدليل على شعور العداء تجاه اليهود وحدهم. وهو يميز في هذا الصدد بين نوعين من "الجوديوفوبيا": جاء تعبيرها الأول بدوافع دينية، ويمكن فهمه في إطار الصراع التاريخي بين الديانتين اليهودية والمسيحية؛ أما تعبيرها المعاصر، المستند إلى أساس من التمييز العرقي، فحديث النشأة نسبياً.(1)

ومع القناعة بوجاهة هذا الرأي، فنحن أميَل إلى المحافظة على استخدام تعبير "العداء للسامية"، لا لشيوع استعماله فحسب بل أيضاً لأغراض تتعلق بموضوع هذه الدراسة المنصبّة على البحث في أوضاع اليهود في المجتمعات العربية والإسلامية، ولدواعي المقارنة مع أوضاع هؤلاء في أوروبا، ولتأكيد النشأة الأوروبية للاصطلاح.

يرى المستشرق البريطاني برنارد لويس(2) أن السمات الخاصة للعداء للسامية تكمن في تلك العلاقة الخاصة التي ربطت اليهودية بالمسيحية، وفي الدور الذي اضطلع اليهود به استناداً إلى المعتقدات المسيحية، فيما يتعلق بسفر التكويت وأصل نشأة العقيدة المسيحية. غير أن هذا التفسير يظل قاصراً عن تفسير العداء لليهود كظاهرة جديدة في عمقها وانتشارها على النحو الذي حدث في أوروبا في القرن التاسع عشر. ويعود ذلك إلى عوامل نجمت عن تطورات اجتماعية وسياسية كبيرة شهدتها أوروبا في تلك الأثناء، منها: ظهور القوميات الأوروبية المستندة إلى أسطورة التمييز العرقي. وكذلك جملة الإرهاصات والأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي سادت أوروبا، والتي وصفها أبراهام ليون، أحد الفلاسفة اليهود، على النحو التالي:

إن الوضع الشديد المأساوية، بالنسبة إلى اليهود في هذه الحقبة، يكمن في تلك الخصائص الاجتماعية والاقتصادية الموغلة في الغرابة، والتي تميز أوضاعهم في أوروبا. فهم الفئة الأولى المرشحة للانقراض على يد الإقطاع المتداعي، كما أنه أول المنبوذين بسبب وطأة الأزمات الاجتماعية الملازمة لانحلال الرأسمالية. وهكذا، وجدت التجمعات اليهودية نفسها بين سندان الإقطاع المتداعي ومطرقة الرأسمالية الآخذة في التحلل.(3)

والعداء للسامية – بمعنى عداء أغلبية سكانية لأقلية بينها على أساس عرقي – ليس ظاهرة فريدة في التاريخ، وإنْ حمل معنى خاصاً بالنسبة إلى اليهود. ويمتلئ التاريخ البشري بسجل حافل وطويل من المواجهات القومية، العرقية والدينية. يبقى السؤال فيما إذا كان من الحكمة فهم العداء للسامية بمعزل عن الإطار التاريخي العام الذي أفرز ظواهر مماثلة عديدة، منها: الاضطهاد والعبودية اللذان تعرض السود لهما، أو المذابح ضد الأرمن، أو المصير الذي آل سكان أميركا أو أوستراليا أو نيوزيلندا الأصليون إليه على يد المستوطنين الأوروبيين. وحديثاً الكره والتمييز العنصري اللذان يتعرض لهما المهاجرون العرب أو الأتراك أو الأفارقة أو سكان جزر الهند الغربية في دول أوروبا حالياً.. هل العداء للسامية ظاهرة ميتافيزيقية فريدة، كما يوحي برنارد لويس في كتاباته، أم أنه إحدى الظواهر الاجتماعية التي عرفها التاريخ البشري وما زال يعرفها؟

إن ظهور العداء للسامية في أوروبا مهّد لظهور أيديولوجية أصولية أو متزمتة أخرى تستند إلى الأرضية الأسطورية ذاتها متمثلة في الصهيونية السياسية. فمع ظهور القوميات الأوروبية، وشيوع النظرة إلى اليهود كأقلية قومية دونية، بدا من الطبيعي أن تبرز أيديولوجية ذات ملامح قومية عرقية في أوساط اليهود.

ولعل الحقيقة المريرة هنا هي ما عبّر المفكر اليهودي البريطاني لوسيان وولف من أن العداء للسامية "كان الحليف الطبيعي والمتناغم مع الصهيونية والمبرر الأقوى لوجودها."(4)  وكان ثيودور هيرتسل، أبو الصهيونية السياسية، مدركاً هذه التوأمة في العلاقة تمام الإدراك. وحقيقة الأمر أن هيرتسل بنى آراءه على الأساطير العرقية ذاتها التي شكّلت المكونات النظرية للعداء للسامية. وما زالت هذه الأساطير تحكم العقيدة الصهيونية، وتشكل أحد أهم ملامحها إلى اليوم.

وحالياً، يجري التوسع في مفهوم العداء للسامية وإعادة صوغه بمثابرة تبعث على الدهشة والاستغراب، ليشتمل على كل ما هو معارض أو انتقادي لسياسة إسرائيل ومصالحها. ولا يضطلع بهذه المهمة مسؤولو الدعاية والرسميون الإسرائيليون فقط، بل انضم إليهم أيضاً أكاديميون ومستشرقون يعتبرون في الغرب خبراء بالمجتمعات الإسلامية وقضايا الشرق الأوسط، أمثال برنارد لويس الذي يحمل لواء الرأي القائل "إن معاداة السامية وحدها بين علل الدنيا لا يمكن أن تنتهي بوفاة طبيعية، بل أنها تبقى مرضاً مستفحلاً في العالم غير اليهودي."

إن هذا المفهوم لمعاداة السامية، الذي يجري تحويره وتوسيعه باستمرار، يقصد منه تحقيق أمرين على الأقل:

الأول: إذكاء "عقدة الذنب" لدى الغرب كلما ضعف أجيجها بهدف إسكات أصوات الانتقاد للمؤسسة الحاكمة في إسرائيل، وتبرير سياسة العسف والتوسع؛ وهو سلاح فعّال يجري استعماله بنجاح، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، بما يلائم رغائب الدولة العبرية.

الثاني: مدّ الاعتقاد الصهيوني التقليدي بحقن الحياة عند كل فتور في الادعاء أن الخلاص الوحيد الممكن من معاداة السامية هو في الهجرة إلى إسرائيل "الملجأ الوحيد في العالم الذي يستطيع هؤلاء المهاجرون أن يعيشوا فيه حياة يهودي كاملة."

وفي إطار هذا التوجه، تجري اليوم محاولات مستميتة لإشاعة أن عدوى "العداء للسامية"، بالمفهوم الأوروبي، انتقلت إلى المجتمعات العربية والإسلامية؛ وهذا رأي يتبناه لويس اليوم، وإنْ كان برَّأ هذه المجتمعات من شرور هذه التهمة في القرن التاسع عشر. وفي إطار التوجه ذاته، يجري اليوم إعطاء العداء للسامية مضامين جديدة في الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية بما ينسجم مع تحقيق الهدف النهائي، وهو الخلاص بالهجرة إلى إسرائيل.

 الرواية الصهيونية

لتاريخ الطوائف اليهودية في الدول العربية

 يلاحظ المتابع لتاريخ اليهود العرب، في المصادر الصهيونية وفي الكثير من المصادر الغربية المتعاطفة معها، فجاجة كبيرة في تزوير التاريخ والوقائع تصل إلى حد الصدمة. وتجري، في العقود الأخيرة، محاولات محمومة لإعادة كتابة تاريخ هذه الطوائف في ظل أجواء النزاع الذي نشب على أرض فلسطين بسبب قيام الحركة الصهيونية بتنفيذ مشروعها بإنشاء الوطن اليهودي بالقوة.

وانسجاماً مع ذلك، يُعْرَض تاريخ الطوائف اليهودية في المجتمعات العربية والإسلامية على أنه سلسلة متصلة من الاضطهاد والعسف المستند إلى موقف متأصل بالعداء في الدين الإسلامي.

ويجري، على صعيد آخر، النظر إلى الإرث الثقافي لهذه الطوائف بدونية شديدة ناجمة عن أمرين: الأول عام متعلق بطبيعة المشروع الصهيوني ذاته كإفراز أوروبي استعماري، جاهل وهجين النظرة إلى الشرق عامة؛ والثاني خاص يتعلق بتوجهات المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة وسعيها لقطع ما هو مشترك في إرث هذه الطوائف مع المجتمعات العربية والإسلامية المحيطة، أو إنكار مثل هذه الصلة أصلاً، والتشديد على الطابع والقيم الأوروبية في المجتمع العبري الذي رأى هيرتسل فيه – كغيره من المستوطنين الأوروبيين في القارة الإفريقية – "رسولاً للحضارة الأوروبية وقيمها في وسط الشرق الهمجي والمتخلف."

وكمثال لهذا النوع من المؤلفات يصف الكاتب، في أحد كتب التاريخ المقررة في إسرائيل على طلبة المدارس الثانوية العليا، حياة اليهود في المجتمعات الإسلامية على النحو التالي:

عاش اليهود في أحياء سكنية فقيرة شبيهة بالغيتو، تفتقد المقومات الأولية للصحة، وعانوا الكثير من الأوبئة والأمراض. وقد عُرفت هذه الغيتوهات في المغرب وإيران باسم الملّة، وفي تونس باسم الحارة. وكان اليهود يعتمدون في عيشهم على مهن بدائية، وتجارة المفرّق الصغيرة.... كما كان يحظر على اليهودي المغربي تعليم أطفاله... أما مصير اليهود في سوريا والعراق، فكان شبيهاً بمصير إخوتهم يهود المغرب.... لم تكن هناك شروط ملائمة لتطوّر يهودي خاص في الدول الإسلامية. أما الاضطهاد والقهر السياسيان، فقد حرماهم أية فرصة اقتصادية، إذ عاشوا في قهر مدقع وتعاسة كاملة.. إن هذا هو السبب في أن يهود الدول الإسلامية لم يؤدوا دوراً نشيطاً في التاريخ اليهودي، ولم يسمح لهم بأن يساهموا بأي قسط في الحركة الاجتماعية اليهودية أو في حركة المقاومة اليهودية.(5)

إن الشعور بالمهانة وبالتقصير، هذا الذي فرضته المؤسسة الإسرائيلية ذات النشأة الأوروبية الأشكنازية على يهود الشرق، دفع بعضهم – بتأثير "عقدة النقص" المتولدة – إلى محاولة مجاراة منطقها ومقاييسها. وهذا هو التفسير الوحيد لكتابات بعض هؤلاء ممن يبذلون جهوداً خارقة في تزوير الوقائع والتاريخ بالاتجاه الآخر، وذلك لمحاولة إثبات أن يهود الشرق "كانوا صهاينة قبل أوشفيتز"، وأن العداء للسامية نشأ أصلاً في المجتمعات الإسلامية، وإنْ حاول الأوروبيون اليوم سرقته وادعاءه لأنفسهم..."، وهو اتجاه نلمسه – مثلاً – في كتابات ألبرت ميمي الأولى، وهو كاتب يهودي تونسي الأصل.(6) وكذا في كتابات اليهودي العراقي الأصل شلومو هلّيل، وزير الشرطة الإسرائيلي السابق، الذي يتمادى على حقائق التاريخ بذاتية لافتة للنظر، ويعرض تاريخ يهود العراق على أنه سلسلة من البطولات الشخصية الخرقاء.(7)

 اليهود في ظل الحكم الإسلامي

 يقرّ الدين الإسلامي بعض الفوارق في الأحكام الخاص بالمسلمين وتلك المتعلقة بغيرهم. فقد ميزت هذه الأحكام بين ثلاث فئات: أهل الكفر، وأهل الإيمان، وأهل الذمة. وحددت الشريعة الإسلامية وضع أهل الذمة أو "أهل الكتاب" من اليهود والمسيحيين، وبيّنت حقوقهم وواجباتهم. والأصل هو وجوب الجزية على هؤلاء في مقابل حمايتهم في دار الإسلام، وترك الحرية لهم في العبادة وإدارة شؤونهم الداخلية.

ويحذر الكاتب المصري قاسم عبده قاسم(8) بحق، في دراسته القيّمة عن يهود مصر، من الانسياق وراء نصوص التشريعات والقوانين في محاولة فهم أوضاع اليهود في ظل الإسلام. ويلاحظ أن حركة التاريخ تصنعها التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، التي تجري على أرض الواقع الذي يعيشع الناس في حياتهم اليومية. لقد حددت الشريعة الإسلامية الإطار القانوني العام لأوضاع أهل الذمة. لكن السؤال الذي يطرحه قاسم هو: إلى أي مدى كان يجري التقيد بهذه النصوص حقاً؟

لقد لاحظ الماوردي أن فقهاء المسلمين جعلوا عقد الذمة من حق الإمام، وجعلوه قسمين: مستحق ومستحب. أما شروط المستحق فاتفقت مع روح الشريعة الإسلامية وهدفت، في الأساس، إلى حماية الإسلام والمسلمين ونشر الدعوة. وأما شروط المستحب فلا نص فيها، بل الواضح أنها من وضع الفقهاء في مرحلة متأخرة، مغالاة منهم في فرض القيود على غير المسلمين. وجرى وضع هذه الشروط في المرحلة الأولى من انتشار الحكم الإسلامي خارج شبه الجزيرة العربية، وهي في معظمها مستعارة من البيزنطيين. وهي ذات دلالات رمزية واجتماعية، ونادراً ما كان يجري تطبيقها أو التقيد بها. وعندما كان يجري إحياء العمل بها على يد أحد الحكام المتزمتين، سرعان ما كانت تتوقف خلال أمد قصير. وتظل الحقيقة في أن أهل الذمة تمتعوا، في ظل الحكم الإسلامي، بقسط وافر نسبياً من الحقوق التي جرت صيانتها واحترامها معظم الوقت.

ويخلص قاسم، بعد متابعته لأوضاع اليهود في مصر الإسلامية، إلى نتائج تعكس في الواقع أوضاع الطوائف اليهودية في المجتمعات الإسلامية على وجه العموم، من ذلك:

أولاً: إن اليهود، كغيرهم من الأقليات الدينية في المجتمعات الإسلامية، لم يشكلوا وحدات ثقافية أو حرفية أو جغرافية منفصلة عن مجتمعاتها.... وفي مصر ظل اليهود المصريون، كغيرهم من الطوائف اليهودية المحلية في المجتمعات الإسلامية الأخرى، يشكلون لبنة مهمة في البنية الاجتماعية والثقافية المصرية، وظلت الثقافات الفرعية للأقليات من صميم النسيج الثقافي العام للمجتمع المصري.

ثانياً: إن تاريخ العلاقة بين الأقليات اليهودية والمجتمعات الإسلامية شهد لحظات هبوط وصعود. غير أن أوضاع هذه الأقليات، قياساً بأوضاع اليهود في المجتمعات غير الإسلامية، اتسمت بصورة عامة بالتسامح في مجتمعات قائمة، في الأساس، على فكرة المساواة والعدالة الاجتماعية.

لقد شهد اليهود، وأهل الذمة عامة، عهداً ذهبياً في إبان الحكم الفاطمي في مصر. وحظي بعض رجالاتهم من المقرّبين للحكم بثراء ونفوذ كبيرين استفزا مشاعر المعاصرين. فكتب أحد شعرائهم في ابي سعد التستري، وهو أحد ثلاثة من اليهود ممن تولوا الوزارة وأعلنوا إسلامهم في خلافة المنتصر بالله الفاطمي (427 هـ - 487 هـ):

يهود هذا الزمان قد بلغوا                  غاية آمالهم وقد ملكوا

العز فيهم والمال عندهمو                  ومنهمو المستشار والملك

يا أهل مصر إني نصحت لكم              تهوّدوا قد تهوّد الفلك(9)

وظهرت مشاعر عدم التسامح تجاه أهل الذمة خلال مرحلة قصيرة متأخرة من العصور الوسطى، مع نهاية حكم المماليك في مصر وسوريا وحكم الموحدين في المغرب العربي. ويعزو قاسم هذه المشاعر، في ظل حكم المماليك، إلى تأثير عاملين:

  1. رغبة حاكم متسلط في جذب تأييد العامة على حساب غير المسلمين من السكان في الغالب.
  2. التأثير الذي تركته الحروب الصليبية. إذ وقف بعض المسيحيين في المشرق العربي إلى جانب الصليبيين، الأمر الذي اثار الضغائن ضدهم. وعلى الرغم من أن اليهود لم يأخذوا موقف التأييد للصليبيين، فقد طالهم بعض الأذى في أجواء الفوضى واحتدام الصراع في تلك المرحلة.

ويمكن رد مشاعر عدم التسامح لدى الموحدين تجاه أهل الذمة إلى طبيعة حركتهم الداعية إلى نظام قاس من الزهد والتقشف والعودة إلى الأصول، واتسامها بطابع عسكري في مرحلة تاريخية صعبة شهدت ثورات كبيرة وفوضى عامة. وفي الحالتين – لدى المماليك والموحدين – فإن مشاعر عدم التسامح هذه جاءت مع بداية مرحلة من الانهيار الاجتماعي والاقتصادي لا يمكن إغفالها.

إن نفوذ اليهود، وانتعاش حالهم في المجتمعات الإسلامية، سارا على نحو مطرد مع قوة الحكم وضعفه؛ فازداد مستوى التعليم والاجتهاد الفقهي لدى اليهود ومدى انخراطهم في الحياة العامة في الفترات الذهبية من الحكم الإسلامي: خلال الحكم العباسي، والفاطمي، والأندلسي، وبدرجة أقل في ظل الحكم العثماني. وغدت بغداد، ودمشق، والقاهرة، وغرناطة، وطليطة، واستانبول، وسالونيك، بمثابة مراكز التنوير والعلم ليهود العالم قاطبة. وشهدت القرون الخمسة الأولى من الحكم الإسلامي ازدهاراً في الفقه والفلسفة والعلوم لدى اليهود، وخصوصاً خلال الفترة المعروفة بالغاؤونية (Ga‘onic period). والغاؤون (Ga‘on) هو المرشد الروحي الذي اعتبر المرجع الديني المطلق في بتّ المسائل الدينية ليهود العالم.

ويمكن ملاحظة أن التراجع الذي أصاب يهود الشرق عامة، في القرنين الأخيرين، كان في الواقع انعكاساً لحالة الضعف والتراجع التي أصابت المجتمعات الإسلامية ذاتها. وليس هناك ما يؤكد صحة ما ذهب برنارد لويس إليه هنا من أن التراجع الذي أصاب يهود الشرق  كان أشد وأسرع مما أصاب المسلمين ذاتهم، أو أقليات أخرى من غير اليهود في المجتمعات الإسلامية.

إن هناك اتفاقاً عاماً بين المؤرخين على أنه خلال المواجهة بين الإسلام والمسيحية التي استمرت قروناً طويلة، وما زالت آثارها تتفاعل إلى اليوم، نظرت أوروبا المسيحية إلى اليهود على الدوام على أنهم حلفاء للمسلمين في هذه المواجهة. ويرى برنارد بلامينكرانز، ومفكرون آخرون، أن العداء للسامية بمفهومه الحديث يجد أصوله، في الواقع، في العداء للسامية الممتد منذ القرون الوسطى والذي اتخذ طابع العداء للمسلمين أصلاً في إبان الحروب الصليبية.(10) ويقتبس الأكاديميان الأميركيان ألن وهيلين كتلر بعض الكتابات الكنسية التي جرى تداولها في إسبانيا في القرن الثاني عشر. وهي توضح نظرة رجال الدين المسيحي، في تلك الأثناء، التي مالت إلى اعتبار اليهود حلفاء للمسلمين. وفي القرن السادس عشر، عندما أُجبرت أعداد كبيرة من اليهود على التحول إلى المسيحية في تلك البلاد وعرفوا باسم "مارانوس" وكذا من المسلمين وعرفوا باسم "ماريسكوس"، برزت موجة طاغية من العداء العنصري ضد هؤلاء "المسيحيين الجدد" وأحفادهم. ولاقت نظريات "العرق الصافي" أو ما عرف بالإسبانية Limpieza de Sanger، حينها، مقداراً كبيراً من التلهف والحماسة.(11)

الإرث الاستعماري وأثره في اليهود

أثّرت زيادة المصالح الاستعمارية في نهاية القرن التاسع عشر في وضع الأقليات في المقاطعات الخاضعة للحكم العثماني. ونجم عن "نظام الامتيازات" الممنوح لرعايا الدول الأوروبية، ونظام الحماية الذي أسبغته هذه الدول على بعض الأقليات في المشرق العربي، تعميق الإحساس بالظلم وعدم المساواة في مجتمعات إثنية وقومية ودينية مختلطة الطابع، وفي الوقت نفسه سائرة على طريق التدهور. فادعت فرنسا لنفسها الحق في حماية الكاثوليك والموارنة. كما ادعت روسيا القيصرية الحق في حماية الروم الأورثوذكس. وعمدت بريطانيا – مع غياب وجود طائفة إنجيلية ذات شأن – إلى التطلع نحو بسط حمايتها على أقليات أخرى بحثاً عن موطئ قدم لها، فأبدت اهتماماً خاصاً بالدروز، كما أنها كانت أول من قدّر أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع الطوائف اليهودية في المشرق العربي به. وكان من نتيجة  ذلك كله، إثارة النعرات الطائفية واتسامها بالعنف أحياناً كما حدث في جبل لبنان في الفترة بين سنة 1840 وسنة 1860.

أما التأثير الذي تركته زيادة النفوذ الاستعماري في المنطقة العربية على وضع الطوائف اليهودية فيها، فاتخذ صوراً عديدة، منها:

أولاً: أصبح على هذه الطوائف أن تواجه منافسة متصاعدة، وخصوصاً في المجال التجاري، من أقليات أخرى كاليونانيين والأرمن، وفي مرحلة متأخرة من المسيحيين العرب. وعلينا أن نتذكر أن المنطقة كانت تلج عصراً جديداً أصبحت الكلمة الأعلى فيه لأوروبا المسيحية لا لتركيا المسلمة. وإذا كان مثل هذا التأثير يمكن تحسّسه بالنسبة إلى الطوائف اليهودية في المشرق العربي، وخصوصاً تلك التي وقعت تحت النفوذ الفرنسي، فإن الوضع كان مختلفاً في المغرب العربي حيث يشكل اليهود الطائفة الدينية الوحيدة من غير المسلمين. أما في الدول التي وقعت تحت النفوذ البريطاني، كما في العراق، فكان اليهود أول المستفيدين من زيادة المصالح الأوروبية، وذلك بسبب ارتفاع مستوى التعليم بينهم، وكذا هيمنتهم على القطاع التجاري – وخصوصاً في مجال تجارة الجملة.

ثانياً: على صعيد آخر، جلبت زيادة المصالح الأوروبية معها ألوفاً من اليهود الأوروبيين ممن استقروا في المنطقة العربية وكانوا، في الواقع، جزءاً لا ينفصل عن الوجود الاستعماري ذاته. إن الفوارق الثقافية والاجتماعية بين هؤلاء الأوروبيين من اليهود والطوائف اليهودية الأصلية في المجتمعات الإسلامية تعكس، في حقيقة الأمر، الفوارق ذاتها بين المجتمعات الأوروبية والمجتمعات الإسلامية.

ثالثاً: كان من شأن العاملين السابقين إثارة الشعور بالشك والامتعاض إزاء اليهود. إذ رأى بعض فصائل حركة التحرر العربي أن الوضع الممتاز نسبياً لبعض الأقليات هو جزء من الإرث الاستعماري الواجب التخلص منه. وأصبح تحقيق العدالة والمساواة، في منظور هذه الفصائل، مطلباً أساسياً في نضالها من أجل تحقيق الحرية والاستقلال.

رابعاً: إن مظاهر التعاطف مع الوجود الاستعماري – سواء أكان مباشراً أم غير مباشر – التي عبر عنها بعض الأقليات أصبحت تثير حساسية، وخصوصاً لدى الأغلبية الإسلامية، على الرغم من أن مثل هذا التعاطف عبّرت عنه فئات نافذة مستفيدة بين صفوف الأغلبية ذاتها... ويمكن في هذا الإطار – على سبيل المثال – فهم أحداث العنف التي جرت في بغداد في حزيران/يونيو 1941، واستهدفت اليهود أساساً. فقد جرت تلك الأحداث في أجواء من الهزيمة القومية والشعور بالمرارة التي أحاطت بسقوط حكومة رشيد عالي الكيلاني وعودة الوصي على العهد إلى الحكم تحت حراب البريطانيين. ويعلق الكاتب والصحافي البريطاني ديفيد هيرست على تلك الأحداث، قائلاً:

في المناسبات النادرة في التاريخ العربي، عندما انقلب المسلمون أو المسيحيون على اليهود بينهم، لم يكن ذلك وليد معاداة السامية في المفهوم الأوروبي التقليدي، بل كان وليد التطرف الناجم عن إحساس مبرر بالنقمة. فاليهود، كغيرهم من الأقليات، يميلون إلى الوقوف – جرياً وراء مصالحهم طبعاً – إلى جانب سلطة ترى فيها أغلبية السكان أنها سلطة قمعية ومفروضة عليهم. وكان يعني هذا – في مراحل متأخرة – أنه من العراق حتى المغرب، وجدت الطوائف اليهودية نفسها محلاً لمعاملة تفضيلية من قبل السادة البريطانيين والفرنسيين في العالم العربي.(12)

على أن الانعكاسات التي خلّفتها الاستعمارية في إطار التأثير العام في وضع الأقليات الدينية في المجتمعات الإسلامية، ظلت محصورة في حدود معينة. وإذا كان من الصعب الآن قياس مدى هذه الانعكاسات في حالة اليهود العرب، بمعزل عن الآثار الناجمة عن قيام المشروع الصهيوني في فلسطين، فإن الدلائل كلها تشير إلى أن وضعهم لن يكون مختلفاً عن وضع المسيحيين العرب، إنْ لم يكن أفضل.

على أن التركة الاستعمارية جلبت معها إلى المنطقة العربية مشروعاً خاصاً، هو المشروع الصهيوني الذي اتضحت آثاره المدمرة في اليهود العرب في مرحلة لاحقة، علماً بأنهم لا يستحقون اللوم على هذا المشروع بالقدر الذي تحملوه بسبب اتجاهات التعاطف التي أبداها بعضهم  مع الوجود الاستعماري ذاته.

ومن المفيد الإشارة هنا إلى أنه حتى نهاية الأربعينات، عندما بدأ اليهود العرب يشعرون بوطأة الأحداث في فلسطين، اعتبرت الفصائل الرئيسية في حركة التحرر العربي اليهود رفاق درب في نضالها لتحقيق الحرية والاستقلال. وفي مرحلة مبكرة، عندما كان الوطنيون العرب لا يزالون تحت تأثير التصور الأوروبي للفكرة القومية والقائمة على العرق، اعتبروا اليهود العرب جزءاً لا ينفصل من العرق العربي. وفي بيان نشرته "لجنة الثورة العربية" في باريس سنة 1915 – أي قبل عامين من صدور وعد بلفور – خاطبت اللجنة "العرب من الديانتين المسيحية واليهودية" تحضّهم على الانخراط في النضال. "لا تنصتوا إلى أولئك الذين يقولون إنهم يحبذون الأتراك من دون توحد معهم في الدين، على العرب مع اختلاف دينهم... إنهم جهلة لا يفهمون المصلحة الحيوية لأبناء العرق الواحد."(13)

وفي العراق، كان القادة الوطنيون والعلماء يحضّون المسلمين على توحيد نشاطاتهم السياسية والاجتماعية مع مواطنيهم من المسيحيين واليهود في إبان الانتفاضة الشعبية ضد البريطانيين سنة 1920.(14) واتخذ قادة تاريخيون ومفكرون عرب في دول أخرى الموقف نفسه. وبدا ذلك في مراحل مبكرة في مواقف الأمير عبد القادر الجزائري ومواقف جمال الدين الأفغاني، على سبيل المثال. وكذلك في مراحل لاحقة كموقف سعد زغلول في مصر، والحبيب بورقيبة في تونس. وشاركت عناصر من اليهود – كانت نشيطة على قلتها – في صفوف الحركة الوطنية في المشرق والمغرب العربيين على  حد سواء. وتحمل مشاركة اليهود في مثال المغرب العربي دلالة خاصة هنا، لأنها جاءت بعد قيام إسرائيل.

 اليهود العرب والحركة الصهيونية(15)

يسود اليوم الرأي الذي تروج الدوائر الصهيونية له، والذي قبله – مع الأسف – بعض الكتّاب والمؤرخين العرب في أن يهود الشرق كانوا صهاينة بالمعنى السياسي للكلمة. على أن أية محاولة جدية للنظر في الأدلة التاريخية المتوفرة تشير إلى عكس ذلك تماماً. يدعم ذلك ذاكرة عربية حيّة يحبذ أصحاب هذا الاتجاه – كل لأسبابه الخاصة – القفز عنها. إن التاريخ والذاكرة معاً يوضحان على نحو لا يحتمل التأويل أن الطوائف اليهودية الأصلية أو المحلية في المجتمعات الإسلامية، أو في الشرق عامة، لم تكن جزءاً من المشروع الصهيوني، ولم تؤد دوراً نشيطاً في الحركة الصهيونية. ولم يكن ذلك بسبب النشأة الأوروبية للحركة الصهيونية فحسب، بل أيضاً لأن يهود الشرق حددوا يهوديتهم في إطار ديني. وظلت رؤيتهم للقدس تماماً كرؤية المسيحيين لها، أو المسلمين لمكة المكرمة.

أما الحركة الصهيونية، فقد وفدت إلى المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الأولى كجزء لا ينفصل من الوجود الاستعماري الأوروبي، وبتشجيعه وتحت رعايته. وسمح للمبعوثين الصهاينة بدخول البلاد العربية وممارسة نشاطهم بحرية كاملة تقريباً، بغرض جمع الأموال أساساً. ولم يكن النشاط الصهيوني محظوراً في هذه البلاد حتى تاريخ قيام الدولة العبرية سنة 1948.

اتسمت مواقف يهود الشرق عامة تجاه النشاط الصهيوني بعدم المبالاة والشك، وغالباً بالعداء. وقدّرت النخبة المثقفة في الطوائف، الأكثر عراقة وتقدماً، في تركيا والعراق ومصر على وجه الخصوص، الأخطار التي ستجرها الصهيونية السياسية على طوائفهم سلفاً. وشُغل بعض هؤلاء المثقفين بالتحذير منها قبل أعوام من نجاحها في جذب اهتمام غيرهم من مفكري هذه الدول.

وعلى الرغم من أن حرية الحركة والتنقل كانت متاحة بين المقاطعات الخاضعة للحكم العثماني، فإن أعداداً قليلة من يهود الشرق فضّلت العيش في فلسطين في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ولم يتجاوز عدد من عاش من هؤلاء في فلسطين سنة 1948 أربعين ألفاً كانوا هناك، في الغالب، لأسباب روحية ودينية. وهو عدد لا يتجاوز 10% من مجموع اليهود في فلسطين في تلك الأثناء.

وكان لقيام الدولة العبرية في فلسطينة سنة 1948، ولجولات العداء التي جاءت نتيجة  ذلك، تأثير أساسي في اليهود العرب. فقد أصبح مصيرهم مقيداً – باطراد – بنزاع سعت الحركة الصهيونية له وسلّمت الحكومات العربية به. وكان الرأي الذي عبّرت الزعامة الإسرائيلية عنه، غداة تأسيس الدولة العبرية، هو تصفية ما سمّته الشتات، وضرورة هجر يهود العالم إلى إسرائيل. ونصّبت هذه القيادة نفسها ناطقة باسم اليهود أينما كانوا، وهو دور نازعها فيه بعض الطوائف اليهودية القوية، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية.

إن تأثير تلك التطورات السريعة في يهود الدول العربية كان الأقسى والأشد؛ فحاجة الدولة العبرية الفتية إلى اليد العاملة دعتها إلى الالتفات صوب يهود الشرق والعمل على جذبهم إليها. وكان على هؤلاء قطع حضورهم المتصل الممتد لآلاف السنين في مجتمعاتهم الإسلامية، والانتقال إلى مجتمع جديد هم غرباء عنه وينظر العرب إليه نظرة عداء لأنه سلب الأرض وطرد أهلها من العرب.

وفي ظل هذه الأوضاع، عاودت الحركة الصهيونية نشاطها في الدول العربية، وبتركيز وهدف واضح هذه المرة: ضرورة الهجرة إلى إسرائيل. وكان للموقع الذي احتلته إسرائيل في الساحة الدولية، وتقدير القوتين العظميين للدور الذي يمكن أن تؤديه في المنطقة العربية، أثرهما في إضفاء المزيد من الزخم والحيوية على التحرك الصهيوني في أكثر من ساحة. وقامت الولايات المتحدة الأميركية، على وجه الخصوص، بدور بارز – من خلال نفوذها الصاعد بعد الحرب العالمية الثانية – في تمكين الحركة الصهيونية من تحقيق أهدافها. لم تترك الحملة الصهيونية لدفع اليهود العرب إلى الهجرة مجالاً للراحة والتقاط الأنفاس، سواء لليهود العرب أنفسهم أو للحكومات العربية. وكانت "نيويورك تايمز" – بحسب تعبير ساسون خضوري، الحاخام الأكبر ورئيس الطائفة اليهودية في العراق – تمتلئ بصورة يومية عن مذابح وهمية ترتكتب ضد اليهود من دون اهتمام بسؤالهم أصلاً عن صحة مثل هذه التقارير. وقد خدمت هذه الحملة أغراضها الأساسية، وذلك بتعميق الإحساس بالشك والقلق المتزايد لدى الطوائف اليهودية في الدولة العربية. وانتشر مبعوثو الحركة الصهيونية بصورة سرية في دول عربية عديدة، يوزعون بيانات التحريض ويبثون الرعب بين اليهود بالقيام بأعمال عنف ضدهم وإظهار تلك الأعمال أنها ارتكبت من قبل المسلمين.

ويثور السؤال هنا في شأن متى وكيف بدأ النزاع في فلسطين بالتأثير في صوغ اتجاهات العرب ومواقفهم من اليهود العرب؟ إن هناك أدلة كافية تشير إلى أن مثل هذا التأثير لم يكن ملموساً لغاية الفترة التي تلك انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأنه إزاء التقدم الذي حققه المشروع الصهيوني في فلسطين في تلك الفترة، وبروز فرصة نجاحه كإمكان واقعي أكثر مما مضى، بدأت تظهر في ردات الفعل العربية علامات الربط بين ما يجري في فلسطين وبين وضع اليهود العرب.

صحيح أن الأحداث الكبرى التي شهدتها فلسطين في العشرينات أو الثلاثينات شهدت تعاطفاً شعبياً واسعاً في الدول العربية، وخصوصاً تلك القريبة من النزاع، إلا أن هذه الدول كانت منخرطة في النضال لانتزاع حريتها واستقلالها وحل مشكلاتها الاجتماعية والسياسية الخاصة بها. وبدا النزاع في فلسطين، حتى ذلك التاريخ، بعيداً عن المساس بمستقبل اليهود العرب، سواء من جهة نظر المجتمعات العربية نفسها أو نظرة الطوائف اليهودية في هذه المجتمعات إلى ذاتها.

وحتى عندما ظهر هذان التأثير والربط في النصف الثاني من الأربعينات، كان يصعب الحديث عن موقف واحد في صفوف الوطنيين العرب. ويظل من قبيل السذاجة الافتراض أن حركة التحرر العربي قد بلورت، في تلك الأثناء، مواقف ثابتة ومتسمة بالعداء إزاء اليهود. ففي مصر، مثلاً، اعتبرت "جماعة مصر الفتاة" و "الإخوان المسلمون" القتال في فلسطين حرباً مقدسة، واعتبرت النزاع في فلسطين نزاعاً دينياً ضد اليهود، بينما عارض "الوفد" – وهو الحزب الرئيسي في الحركة الوطنية المصرية – تلك النظرة. وفي العراق رأي "حزب الاستقلال"، وهو حزب قومي يميني النزعة يمثل مصالح طبقة صاعدة، أن النزاع في فلسطين يبرر مطالبته بفرض القيود للحد من نفوذ اليهود الاقتصادي. ولم تكن هذه النظرة، في الواقع، تعكس شعوراً عميقاً بالعداء إزاء اليهود. ودليل ذلك أنه عندما سيطرت الحركة الوطنية على الشارع في إبان الوثبة الشعبية في شباط/ فبراير 1948 – أي قبل شهرين فقط من قيام إسرائيل – لم تجد صحيفة الحزب "اليقظة" غضاضة في الإشادة بدور عناصر من اليهود في المشاركة في حركة الاحتجاج. إن وجهة نظر الاستقلاليين لم تجد صدى مع ذلك لدى أطراف فاعلة أخرى في الحركة الوطنية، كالشيوعيين والديمقراطيين ممن نادوا بضرورة الاحتفاظ بوجهة النظر التقليدية السائدة في الشرق في التفريق بين الصهيونية واليهودية.

على صعيد آخر، تمكنت الحكومات العربية من احتواء الاتجاهات المعادية لليهود لدى الأطراف القومية المتطرفة. إلا أن هزيمة الجيوش العربية في فلسطين سنة 1949، كان لها مضاعفات يصعب تجاهلها على اليهود العرب. وبدت هذه الحكومات الآن أكثر استعداداً للانصياع للمطاليب المعادية لليهود كوسيلة ناجعة لصرف النظر عن الفشل الذي منيت به في فلسطين، وكذلك للتخفيف من حدة المطاليب الشعبية بضرورة الإصلاح الاجتماع والديمقراطي في هذه الدول. وكان للتحالف الموقت – في العراق على سبيل المثال – بين السلطة الحاكمة المتعاونة مع البريطانيين والعناصر القومية المتطرفة المتمثلة في حزب الاستقلال بعد الهزيمة في فلسطين، أثره في ضرب أطراف الحركة الوطنية الأخرى المطالبة بالحريات والإصلاح الديمقراطي والمتمسكة بالفصل بين الصهيونية واليهودية. ومع الزمن بدت الحكومات العربية تنزلق بالتدريج إلى المواقع التي استهدفتها الحركة الصهيونية ذاتها في عقد المقارنة بين معاملة الفلسطينيين العرب في إسرائيل وبين أوضاع مواطني الدول العربية من اليهود. وبدا أن الفصل التاريخي الذي عرفته المنطقة العربية بين الصهيونية واليهودية آخذ بالضعف والاختفاء أمام سلسلة متوالية من الضربات.

ومن المثير هنا ملاحظة مسألة في غاية الأهمية، وهي أن مواقف العرب تجاه مواطنيهم من اليهود، والنسق الذي اتخذه خروج هؤلاء وهجرتهم من البلاد العربية بعد قيام إسرائيل، ارتبطت إلى حد بعيد بإمكانات الحرب والسلام في فلسطين. ففي العراق، على سبيل المثال، قدر معظم اليهود أن إجراءات التضييق التي فرضتها الحكومة العراقية، هي إجراءات استثنائية فرضتها أوضاع الحرب في فلسطين وسرعان ما تزول حال التوصل إلى تسوية سياسية. وفي ضوء مثل هذا التقدير، لا عند اليهود فقط بل لدى الحكومة العراقية ذاتها، يمكن فهم تمسك اليهود بالبقاء. ويمكن أيضاً فهم النجاح الذي حققته القيادة الصهيونية لاحقاً، عندما دبّ اليأس من إمكان التوصل إلى حل قريب. واتضح أن الحملة الصهيونية العالمية والدور الذي بدأت تمارسه إسرائيل على الساحة الدولية، كانا العاملين الأكثر حسماً في تقرير مصير يهود العراق، لا مشاعر العداء التي ظهرت على السطح بعد توقف القتال في فلسطين سنة 1949.

وخرج يهود العراق (140 ألفاً تقريباً) على نحو جماعي منظم خلال أقل من عام، بين صيف سنة 1950 وصيف سنة 1951، في إثر صدور قانون بإسقاط الجنسية عمن يرغب منهم في المغادرة. وجاء هذا القانون ثمرة ضغوط صهيونية وغربية كبيرة – وخصوصاً من بريطانيا والولايات المتحدة – على العراق، وهو يمثل في الواقع إقرار من الحكومة العراقية بالعجز والاستسلام الكامل للمنطق الصهيوني. وحتى في حمأة هذه الضغوط والشعور الطاغي بعدم الأمان الذي تملّك يهود العراق خلال تلك الفترة العصيبة، فقد تطلب الأمر من الزعامة الصهيونية الإيعاز إلى عملائها بالقيام بإلقاء بعض القنابل على الكنس ومحال تجمع اليهود لدفعهم إلى الهجرة والكف عن التردد.

إن  المتتبع لوتيرة الهجرة اليهودية من البلاد العربية يلاحظ مدى ارتباطها الوثيق بجولات الحرب وارتفاع حدة المواجهة في النزاع العربي – الإسرائيلي. وبقيت هذه بمثابة السمة الأساسية التي طبعت الهجرات الكبرى والجماعية في الفترة التي أعقبت قيام إسرائيل حتى اليوم. فجاءت الهجرة الكبرى ليهود اليمن والعراق، وبدرجة أقل المغرب، مع انتهاء الجولة الأولى من الحرب العربية – الإسرائيلية 1948 – 1949. وجاء الخروج الأكبر ليهود مصر عقب العدوان الثلاثي عليها سنة 1956. كما جاء الخروج الأكبر ليهود ليبيا وتونس بعد حرب 1967.

وتعكس وتيرة الهجرة على النحو السالف، بعد كل دورة عنف جديدة، جملة حقائق مؤداها: إن قيام إسرائيل وحرب 1948 – 1949 لم يكونا كافيين، بحد ذاتهما، لوقوع هجرة يهودية واسعة على النحو الذي تم من البلاد العربية. وأن العامل الحاسم في هذه الهجرة كان استمرار حالة الحرب والعداء التي تتحمل الزعامة الإسرائيلية مسؤوليتها بالدرجة الأولى. ولهذا السبب، عمدت إسرائيل إلى تعطيل عمل "لجنة التوفيق الدولية" التي جرى تأليفها بعد توقف القتال في فلسطين سنة 1949 للبحث، ضمن أمور أخرى، في حل قضية اللاجئين الفلسطينيين استناداً إلى القرارات الدولية المتخذة في هذا الشأن. وتشير الأدلة التاريخية – بما فيها وثائق الأرشيف الصهيوني التي جرى الإفراج عن بعضها مؤخراً، واستند بعض المؤرخين الإسرائيليين إليها – إلى أن إسرائيل سعت، في الحقيقة، للحرب على الرغم من  موافقتها اللفظية على قرار التقسيم. وأن الدول العربية أبدت استعدادها في إطار اجتماعات "لجنة التوفيق الدولية" للتوصل إلى حل يستند إلى قرار التقسيم على الرغم من عدم موافقتها الرسمية على القرار عند اتخاذه. والحال، فإن إدامة المواجهة وغلق الباب أمام فرص السلام كانا، ولا يزالان حتى اليوم، من المبادئ الأساسية في توجهات القيادة الإسرائيلية المتعاقبة.(16)

ويؤكد بقاء طوائف يهودية كبيرة العدد في البلاد العربية، بعد قيام إسرائيل، صحة الافتراض السابق في العلاقة بين تصفية وجود هذه الطوائف والحروب العربية – الإسرائيلية اللاحقة. كما أن بقاء طوائف يهودية كبيرة العدد في دول إسلامية غير عربية، مثل تركيا وإيران، يؤكد سقم الادعاء الذي يجري ترويجه الآن فيما يتعلق بالطبيعة المعادية لليهود في المجتمعات الإسلامية.

 خلاصة ورؤى

إن شعور العداء لليهود في العالم العربي يعتبر ظاهرة جديدة نسبياً، وهو ناجم عن نزاع سياسي عادي ولا يمكن فهمه إلا في إطار الصراع الذي جرى على أرض فلسطين بين الحركة الصهيونية وقوى التحرر العربي. وأية محاولة لرد هذا الشعور إلى دعاوى دينية قديمة في ضوء العلاقة بين الإسلام والمسيحية، أو إلى تفشي "معاداة السامية" في المجتمعات الإسلامية على النحو الذي جرى في أوروبا، هي محاولة عقيمة مجافية للواقع وطبيعة الأشياء. إن هذا الشعور بالعداء لا يستند إلى نص لاهوتي بتحميل الذنب لليهود وإدانتهم، كما لا يستند إلى قاعدة من التميّز العرقي، أو محكوم بنظرة دونية لعرق معين، إنما يعكس إحساساً بالصدمة والمرارة لما حدث في فلسطين.

ولم تكن الهجرة الواسعة لليهود العرب ممكنة من دون توفر عوامل كان من أهمها:

  1. النشاط المحموم الذي قامت إسرائيل والدوائر الصهيونية العالمية به لحمل هؤلاء على الهجرة، في الوقت الذي تطلعت الدولة العبرية الفتية إلى مصادر جديدة للقوى البشرية.
  2. إدامة الحرب وحالة العداء التي تتحمل مسؤوليتها، أساساً، الزعامة الإسرائيلية التي سعت من ورائها لخدمة أغراض عديدة، كان على رأسها تصفية وجود الطوائف اليهودية في المجتمعات الإسلامية وضمان انتقالها إلى إسرائيل. وكذلك إعطاء فرصة لإغلاق أسوار الغيتو الجديد الذي أقامته في المنطقة العربية – لأطول أمد ممكن – في محاولة لصهر المجموعات الإثنية والقومية والثقافية المختلفة من المهاجرين في المجتمع الجديد.
  3. الدعم الذي لاقته إسرائيل على الساحة الدولية من قبل حكومات الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، الأمر الذي مكّنها من ممارسة الضغط على الحكومات العربية لفتح أبواب الهجرة وتسهيلها، بالإضافة إلى ضمان توفير الدعم المالي اللازم لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المهاجرين خلال فترة قصيرة نسبياً.
  4. العجز وسوء الفهم وأحياناً التواطؤ التي تميزت المواقف الرسمية العربية بها، والمتمثلة في سلسلة من السياسات التي عادت بالضرر الشديد على القضية الفلسطينية، والنابعة في الأساس من عدم شعبية هذه الحكومات، وخضوعها للتأثير الاستعماري وجهلها – شبه المطلق – بطبيعة الحركة الصهيونية وأساليبها.

إن النجاح الذي حققته الحركة الصهيونية في فلسطين لا يقاس بمساحة الأرض والمعايير الجغرافية فقط، بل أيضاً – وهذا هو الأهم – بالتسليم بمنطقها؛ وهو ما حدث بالنسبة إلى تحديد الموقف من اليهود العرب الذي اتسم، ولا يزال يتسم بالتخبط مما ساعد في تحقيق الأهداف التي عملت الحركة الصهيونية لها. واليوم، أصبح في وسع العرب الإقرار بحقيقة مؤسفة جديدة، أنه إذا ما كان صحيحاً الافتراض أن "المسألة اليهودية" ظهرت في أوروبا في نهاية القرن الماضي كنتيجة لظهور العداء للسامية هناك، فقد أصبح لدى الشرق اليوم "مسألته اليهودية الخاصة" النابعة، في الأساس، من قيام إسرائيل وحالة العداء التي أعقبت ذلك.

إن خروج اليهود من البلاد العربية هو، ولا شك، إنجاز كبير للحركة الصهيونية. إنه مؤشر النهاية لفصل، وبداية فصل آخر في تاريخ علاقة هذه الطوائف بمجتمعاتها العربية.. إنه مؤشر النهاية لقرون طويلة من العيش المشترك في ظل النسيج الاجتماعي والثقافي والحضاري العام لهذه المجتمعات.. والسؤال الذي يبرز هنا هو: ماذا عن المستقبل؟ ماذا عن إمكانات العيش المشترك مستقبلاً؟

إن القرارات التي اتخذها معظم الدول العربية، بتشجيع من منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينات، بالسماح لهؤلاء اليهود بالعودة إلى بلادهم الأصلية، لا تتعدى في تقديرنا وضع المسألة في إطارها النظري الصحيح. ولم يكن من المنتظر أن تجلب معها هجرة عكسية إلى البلاد العربية.

أما إمكانات العيش المشترك مستقبلاً، فأمر يرتبط – إلى حد بعيد – بمستقبل السلام في المنطقة. وفي هذا الإطار، تبرز إشكالات ومسائل عديدة، منها: أن اليهود العرب أو معظمهم، غادروا إلى إسرائيل كأقليات دينية، أقل ما يقال فيهم أنه لم تكن تتملكهم الحماسة للمشروع الصهيوني. أما اليوم فهم – أو بمعنى أدق أجيالهم الجديدة – يطلّون علينا بلباس قومي. إنهم يشكلون أكثر من نصف السكان هناك، ويزداد دورهم في الحياة العامة والسياسة باطراد.

ما حقيقة موقف هؤلاء بالنسبة إلى السلام؟ هل التقدير الذي تشيعه مصادر المؤسسة الحاكمة في إسرائيل بشأن غلبة التطرف بين الطوائف الشرقية دقيق؟ وهل مثل هذا الموقف يستند إلى أرض صلبة، مبعثها الإحساس بالمرارة والكره إزاء العرب؟ أم أن هذا الموقف لا يتعدى كونه قراءة سطحية ولا يعكس شعوراً بالعمق ضد السلام، وهو ناجم عن عوامل أخرى نابعة من التمييز والإحساس بالاضطهاد داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته.

والملاحظ أن حركات التعصب الديني والقومي المنادية باستيطان المناطق العربية المحتلة بعد سنة 1967، يقودها مهووسون من أصول غير شرقية، وهي في طابعها العام امتداد للحركات الفاشية السائدة على النمط الغربي والأوروبي. كما أن من الملاحظ أن نسبة متعاظمة بين المثقفين الشرقيين يربطون اليوم بين السلام وحل المشكل الاقتصادي والاجتماعي لطوائفهم داخل المجتمع الإسرائيلي.(17) ومن الأمور المثيرة للاهتمام أيضاً ملاحظة ذلك التجاوب – الذي بدا غير مفهوم لمصادر المؤسسة الحاكمة – الذي أظهره اليهود المصريون مع اتفاق السلام المصري – الإسرائيلي، واهتمام بعضهم بإعادة كشف هويته المصرية من جديد، على الرغم من التحفظات الكثيرة التي أثارها الاتفاق.

إن ارتباط اليهود العرب بالمنطقة يتجاوز اعتبارات السياسة إلى عوالم وآفاق أرحب وأعمق، تتعلق بالإرث الثقافي والحضاري المشترك. غير أن بثّ الروح في هذا المشترك يتوقف على السلام. إن هذا أمر تفهمه الزعامة الإسرائيلية جيداً، وهو ما يساعد في فهم سر مواظبة تلك الزعامة على التمسك بموقف الرافض والمتعنت تجاه السلام، ورفضها في الوقت ذاته الإقرار بملامح المجتمع الإسرائيلي الشرقية. ولهذا السبب، أيضاً تحثّ إسرائيل الخطى اليوم لجذب أعداد كبيرة من اليهود السوفيات بعد أن نجحت – كما في حالة اليهود العرب – في إغلاق معابر الهجرة إلى دول أخرى بالنسبة إليهم.

لقد بذلت الحركة الصهيونية، وما زالت تبذل جهداً مضنياً لإبراز طابع الدولة العبرية الأوروبي، وهي مسألة لم تكن محل شك بقدر ما هي عليه الآن، لا بسبب الأغلبية السكانية الطاغية للشرقيين (من يهود وغيرهم) في المجتمع الإسرائيلي، والتي تتجاوز نسبة 70% من إجمالي السكان، فحسب، بل أيضاً بسبب انهيار تلك التجارب السقيمة القائمة على تشييد مجتمعات، أو بالأصح جزر استيطانية بيض خالصة ذات طابع استعماري في إفريقيا وغيرها من مناطق العالم. وهو تطور لا تستطيع  إسرائيل الزعم أنه لا يخصُّها. وفي وسع العرب التسريع –  في هذا الاتجاه – في فتح أبواب التواصل بين الشرق الباحث عن هوية ما في المجتمع الإسرائيلي وبين عواصمهم التي ساعدت سياساتها إسرائيل في الماضي على إقامة أسوار الغيتو الجديد في المنطقة العربية. 

 

المصادر:

(1) M. Rodinson, Cult, Ghetto and State: The Persistence of the Jewish Question, Translated   from French by John Rothschild (London: Al-Saqi Books, 1987), p. 172.

(2) B. Lewis, Semites and Anti-Semites: An Inquiry into Conflict and Prejudice (London: Weidenfeeld and Nicolson, 1986).

(3) A. Leon, The Jewish Question: A Marxist Interpretation (New York: Rathfinder Press Inc., 1970), p. 226.

(4) اقتبس في:

  1. Garaudy, The Case of Israel, A Study of Political Zionism (London: Shorouk International, 1983), p. 92.

(5) اقتبس في:

Woolfson, Prophets in Babylon, Jews in the Arab World (London: Faber and Faber, 1980),  pp. 51-52.

(6) A. Memmi, Jews and Arabs, Translated from French by Eleanor Levieux (Chicago: J. Philip O’hara, 1975).

  1. (7) S. Hillel, Operation Babylon, Jewish Clandestine Activity in the Middle East, 1946-51 (London: Collins, 1988).                                                                       

(8) د. قاسم عبده قاسم، "اليهود في مصر من الفتح العربي حتى الغزو العثماني" (القاهرة – باريس: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، 1987).

(9) اقتباس في المصدر نفسه.

(10) A. and H. Cutler, Jews as an Ally of the Moslems (Notre Dame, IND: University of Notre Dame Press, 1986).

(11) Ibid.

(12) D. Hirst, The Gun and the Olive Branch (London: Faber and Faber, 1977), p. 171.

(13) H. Batatu, The Old Social Classes and the Revolutionary Movements in Iraq: A Study of Iraq’s Old Landed and Commercial Classes and its Communists, Ba’thists, and Free Officers (Princeton, N. J.: Princeton University Press, 1978), p. 258.

(14) K. Abd al-Muhsin, The Political Career of Muhammad Ja’atar Abu’l-Timman, 1908-1937, A Study in Iraqi History, PhD thesis of Oriental and African Studies, London University. Unpublished.

(15) حيث لا إشارة خاصة إلى مصدر المعلومات في هذا الجزء، أنظر كتاب المؤلف:

  1. Shiblak, The Lure of Zion, The Case of the Iraqi Jews (London: Al-Saqi, 1986).

(16) لمزيد من التفاصيل أنظر:

  1. Flapan, The Birth of Israel, Myths and Realities (London: Croom Helm, 1987).

(17) كراسة "مبادرات اليهود الشرقيين الجديدة، ولادة قوة سلام حقيقية في إسرائيل"، باريس، تموز/يوليو 1986، نشريات آفاق يهودية – عربية.

السيرة الشخصية: 

عباس شبلاق: باحث متخصص بالقضية الفلسطينية، يعمل في جامعة الدول العربية.