تقرير: قراءة في وسائل الإعلام لأحداث فلسطين
التاريخ: 
17/05/2021
المؤلف: 

باتت الأحداث الجارية على أرض فلسطين، وما يرافقها من اعتداءات إسرائيلية ومقاومة فلسطينية، الموضوع الرئيسي لوسائل الإعلام المختلفة.

ما هي أسباب هذه الموجة من الصدامات ؟

تكتب "فرانس انفو" وهي شبكة إذاعية تديرها إذاعة الخدمة العامة الفرنسية في 12 أيار/مايو الجاري أنه منذ العاشر من أيار/مايو الجاري تدور مواجهة عسكرية واسعة بين الدولة الإسرائيلية وحركة "حماس" في قطاع غزة، وذلك بعد أسبوع من صدامات عنيفة بين فلسطينيين وإسرائيليين في القدس. وتورد أسباب هذه الموجة من العنف على النحو التالي[1]:

حي الشيخ جراح: في هذا الحي تسبب تهديد طرد سكان لصالح المستوطنين الإسرائيليين في غضب الفلسطينيين والمدافعين عنهم عبر العالم. ففي غضون أسبوع، تحول الشيخ جراح إلى رمز لتصاعد التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فبالنسبة للفلسطينيين يتعلق الأمر بالدفاع عن وجودهم في القدس الشرقية التي تحتلها إسرائيل منذ سنة 1967، وتدور معركة قضائية حول نحو عشرين منزلاً بين سكانها الفلسطينيين والمستوطنين اليهود الذين يزعمون ملكيتها. وعبّر الفلسطينيون عن تضامنهم مع العائلات المهددة بالطرد من خلال تنظيم إفطارات في ليالي رمضان وتظاهرات سلمية. واندلعت في الثالث من أيار/مايو على هامش هذه التظاهرات صدامات تسببت في سقوط نحو عشرة جرحى. ومنذ ذلك الحين، تدور اشتباكات يومية مع الشرطة الإسرائيلية التي تستخدم القنابل الصوتية والرصاص المطاطي. ولم يفلح إرجاء قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بشأن ملكية هذه المنازل في تخفيف حدة التوتر. وفي الوقت نفسه، وقعت صدامات أخرى في باحات المسجد الأقصى أسفرت عن سقوط مئات الجرحى.

وضع القدس الشرقية: ""كما في الشيخ جراح، فإن تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يدور حول مسألة تملك الأرض" كما يشرح لـ "فرانس أنفو" جان-بول شانيولو، رئيس معهد الأبحاث والدراسات حول البحر المتوسط والشرق الأوسط في فرنسا، الذي يضيف أنه بعد قيام إسرائيل بضم القدس الشرقية في سنة 1967 فإن "الحكومات المتعاقبة من اليمين وأقصى اليمين تحاول تقليص عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية. وعلى الرغم من انتقادات المجتمع الدولي، فإسرائيل لم تتوقف عن توسيع المستوطنات اليهودية في المنطقة منتهكة القانون الدولي". أما فنسان لومير المختص بالقدس، فيلاحظ أنه يعيش في القدس الشرقية اليوم أكثر من 350000 فلسطيني و 227000 مستوطن يهودي، بينما "قفزت خطط السلام المتعاقبة غالباً عن مسألة وضع القدس التي أُخرجت بصورة إرادية من طاولة التفاوض في اتفاقات أوسلو لأنه ينظر إلى موضوعها بأنه معقد" .

مزايدة بنيامين نتنياهو: إن تصاعد التوترات في القدس يحدث في سياق أزمة سياسية في إسرائيل. فبعد أربع جولات انتخابية خلال أقل من عامين أخفقت إسرائيل في تشكيل حكومة مستقرة. وبعد أسابيع من المشاورات فشل نتنياهو في مطلع أيار/مايو الجاري في تشيكل حكومة، وهو ما جعله يخرج ضعيفاً من المنافسة على منصب رئيس الوزراء خصوصاً وأن محاكمته بتهم الفساد تستمر منذ شهور. وجرت، في إطار معارضة مشتتة، مباحثات لتشكيل ائتلاف بديل. وكما يقول المراسل التفزيوني الفنرنسي دومينيك دردا فإن نتنياهو "لا يأمر بشن الغارات الصاروخية المميتة على قطاع غزة من دون حسابات سياسية، إذ هو يكسب كثيراً من المواجهات ضد حماس"؛ فهو "بتأكيده سلطته وظهوره بمظهر المدافع عن إسرائيل في مواجهة الصواريخ التي تنهمر عليها يأمل بأن يفوز بنقاط وسط الرأي العام الإسرائيلي المتجه أكثر فأكثر نحو اليمين في حال تم الاتفاق على إجراء انتخابات جديدة". وكلما تواصلت المواجهة كلما ازدادت فرص بقائه في السلطة.

الفلسطينيون وغياب الآفاق: وبخصوص الفلسطينيين، يرى جان-بول شانيولو أنهم "يشعرون اليوم بإحباط كبير" في ظل غياب حلول سياسية لقضيتهم، وبعد صدور قرار إلغاء الانتخابات، كما أن المناطق الفلسطينية تعاني من أزمة اقتصادية سببتها جائحة كوفيد 19 "فعدد كبير من الشبان الفلسطينيين فقدوا أعمالهم ويشعرون أنهم مظلومون عندما يرون أن الحياة عادت إلى طبيعتها في إسرائيل"  

فلسطين: الوحدة..الوحدة

كتبت ستيفاني خوري في صحيفة "لوريان لو جور" في 12 أيار/مايو الجاري أن موجات الاحتجاج التي تشهدها المدن الفلسطينية من الضفة الغربية إلى غزة مروراً باللد والناصرة تنفخ روحاً جديدة في نفوس شبيبة فلسطينية تواقة إلى العدالة. وكما ترى نبيلة كيلاني، المدرسة من غزة، "لا يمكن أن نقول عن هؤلاء الشبان إنهم استعادوا الوحدة الوطنية، لأنهم كي يستعيدوها كان عليهم أن يفقدوها وهو ما لم يحصل"، معتبرة " أن وحدة الشعب الفلسطيني هي حقيقة قائمة دوماً؛ وموجات الاحتجاج التي عمت المناطق المحتلة والمدن العربية [في إسرائيل] في الأيام الأخيرة ليست سوى مناسبة للصدح بهذه الوحدة أمام العالم" كما تقدر هذه الشابة التي لجأت إلى منزلها كي تحتمي من القنابل الإسرائيلية التي يمطرها الجيش الإسرائيلي على القطاع منذ يوم الاثنين في العاشر من الشهر الجاري. وبعد أن تشير إلى أنه " في غزة، وحتى يوم الاثنين في العاشر من أيار، تم التحرك بصورة عفوية في كل حي من أحياء مدن القطاع لأنه تم الاعتداء على قلب عاصمة فلسطين" تؤكد: "نحن شعب واحد، على الرغم من أن الإسرائيليين يحاولون تمزيقنا""، وتضيف: "فالرابط فيما بينننا هو الهوية، وهو أيضاً المعاناة المشتركة والأمل الذي نتقاسمه". وبغية الاحتجاج على هذه المعاناة، اندلعت التظاهرات في شوارع رام الله والبيرة وبيت لحم ونابلس، وفي المدن الساحلية في حيفا ويافا، وفي أم الفحم والرملة واللد والناصرة؛ وكما قال جلال أبو خاطر من القدس "فإن حدة التظاهرات أثبت أن الإسرائيليين لم ينجحوا في تجزئة المجتمع الفلسطيني،"، وأن مواطني إسرائيل العرب يعتبرون أنفسهم فلسطينيين وهي ظاهرة جديدة كما يقدّر.

"وهذا الشعور بالوحدة يمنحنا طاقة وشجاعة كبيرتين" كما تقول المحامية والناشطة الفلسطينية ليما نزيه، التي تعترف بأن هذا ليس سوى بداية طريق. ومن ناحية أخرى، تظهر التظاهرات التي جرت في الكويت أو في الأردن أن هذا التضامن يتجاوز المدن الفلسطينية: إذ إن "هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها مثل هذا التضامن" كما تكتب في تغريدة على تويتر لين الشابة الفلسطينية المقيمة في لبنان، بينما تقدّر الصحافية لينا السعافين "أننا نشهد إخفاق الاستراتيجية الكولونيالية القائمة على أساس فرّق تسد، من خلال تجزئة الهوية الفلسطينية"[2].

إحراج دول "التطبيع" العربية

في "فرانس 24" كتب الصحافي مارك ضو عن الإحراج الذي باتت تواجهه الدول العربية التي سارعت مؤخراً إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل: "إنهم محرجون بالضرورة من صور الاشتباكات القادمة من الحرم حيث يقع المسجد الأقصى، وهو ثالث أقدس موقع في الإسلام"، مضيفاً "أن الإمارات والبحرين أدانتا غارة قوات الأمن الإسرائيلية على المسجد الأقصى في 7 مايو / أيار وقمع المصلين الذين يسعون إلى الفرار، كما دعت أبو ظبي السلطات الإسرائيلية إلى "تحمل المسؤولية عن تهدئة العنف"، بينما أشار المغرب إلى أنه يتابع العنف بـ "قلق عميق" وأن الملك محمد السادس اعتبر "هذه الانتهاكات غير مقبولة وتؤجج التوترات". أما المملكة العربية السعودية، التي "لم تطبع العلاقات بعد لكنها أعطت الضوء الأخضر لحلفائها الخليجيين للاقتراب أكثر من الدولة العبرية"، فقد رفضت "استراتيجية إسرائيل لطرد عشرات الفلسطينيين من منازلهم من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية الذي كان مصدر اندلاع العنف". وخلص إلى أن ردود فعل هذه الدول كانت "معتدلة" مقارنة بردود فعل إيران أو تركيا".

ويتابع الصحافي نفسه أنه بالنسبة لكريم صادر الخبير السياسي والمستشار المتخصص في دول الخليج ، فإن الدول التي بدأت تقاربًا مع إسرائيل "تتعرض لانتقادات بسبب الشحنة العاطفية الشديدة التي سببتها الأحداث التي وقعت في ساحة المسجد. لكنهم محرجون بنفس القدر لأن هذا التصعيد في العنف أعاد قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى جدول الأعمال الإقليمي". فالقضية الإسرائيلية الفلسطينية، التي "احتلت مقعدًا خلفيًا للأولويات الدبلوماسية لدول الخليج لعدة سنوات، أصبحت مرة أخرى عنصرًا محرجًا لمن يشاركون في هذه العملية"، كما يشرح لفرانس 24. ويضيف بأن "التظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في المغرب ودول أخرى، والاستياء الذي يمكن قياسه في المجتمعات الخليجية، "ليس في الشوارع بسبب انغلاق الفضاء السياسي بل على الشبكات الاجتماعية"، تأتي للتذكير بأن "قضية مصير الفلسطينيين وحقوقهم لم تحسم بعد وأن آرائهم ما زالت حساسة لها"[3].

 

[1] https://www.francetvinfo.fr/monde/palestine/gaza/israel-palestine-les-raisons-de-la-flambee-de-violence-a-jerusalem-et-dans-les-territoires-occupes_4619943.html

[2] https://www.lorientlejour.com/article/1261440/de-jerusalem-a-gaza-lunite-comme-cri-de-ralliement.html

[3] https://www.france24.com/fr/moyen-orient/20210511-les-pays-arabes-alli%C3%A9s-d-isra%C3%ABl-otages-du-conflit-isra%C3%A9lo-palestinien