حراك ذوي الإعاقة يكشف غياب قيم التضامن والإسناد الجماهيري
التاريخ: 
11/02/2021
المؤلف: 

 انتظر ذوو الإعاقة 64 يوماً من اعتصامهم المفتوح في المجلس التشريعي لنيل مطالبهم وحقوقهم التي أقرتها التشريعات الفلسطينية، والمتمثلة في إقرار نظام تأمين صحي شامل ومجاني خاص بهم.

وتوج الحراك الذي بدأ في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وانتهى في الخامس من كانون الثاني/يناير 2021، بنيل ذوي الإعاقة مطلبهم بعد إعلان الحكومة خلال جلستها في 4 كانون الثاني/يناير التصديق على نظام التأمين الصحي الحكومي للأشخاص ذوي الإعاقة، بعد إتمام عملية التشاور والتنسيق معهم.

وجاء حراك ذوي الإعاقة واعتصامهم المفتوح في المجلس التشريعي انطلاقاً من حقهم القانوني والأخلاقي في الحصول على تأمين صحي وفق ما أقرته التشريعات الفلسطينية. وقد تخلل الحراك اعتصامات أسبوعية أمام مجلس الوزراء، واعتداء من الأجهزة الأمنية أحياناً. واللافت أن الحراك جاء بعد سنوات من اختفاء ظاهرة الحراك الاجتماعي في مدن الضفة الغربية. وكان لافتاً أن ذوي الإعاقة خاضوا حراكهم ورفعوا مطالبهم لوحدهم، على أقل تقدير في المراحل الأولى، قبل أن يحظى هذا الحراك بدعم قانوني بسيط في ظل غياب أي دعم أو إسناد جماهيري أو نقابي. لكن منظمي الحراك، منذ البداية، عوّلوا على أنفسهم اعتماداً على تجاربهم السابقة في العمل النقابي والإسناد وعلى دروس الماضي، وقد اقتصر حراكهم في بدايته على فريق مكون من خمسة أعضاء فقط.

ومن المشاركين في هذا الحراك، الناطقة باسمه، شذى أبو سرور، التي تفرغت للاعتصام بعد أخذ إجازة من عملها، وقد أعربت عن عدم رضا منظمي الحراك على مستوى الدعم الجماهيري وحجم التفاعل والإسناد في الشارع، قائلة إن "وضع الشارع الفلسطيني أصابنا بالحزن، فالمواطنون لا يتحركون لدعم مطالب فئة من فئات المجتمع."

وأضافت "ما وصل إليه الشارع الفلسطيني ليس سبباً، إنما نتيجة لكثير من الأسباب، وهو ما دفع المواطنين إلى الابتعاد عن القضايا المجتمعية وقيم التكافل والتضامن، وبالتالي أصبح كل مواطن يتقوقع على نفسه، ويعلي المصلحة الشخصية على المصالح العامة."

 وقالت أبو سرور "نحن نتجه نحو المزيد من التقوقع بصورة أسوأ من الغرب، ففي الغرب، وعلى الرغم من وجود مؤسسات وقوانين وأطر تشريعية تحمي حقوق الناس، فحين تنطلق التظاهرات والحراكات المطلبية نرى الجميع في الشارع، بينما نحن نتقوقع على أنفسنا ولا نتضامن مع بعضنا على الرغم من غياب المؤسسات والأطر التي تحمي الحقوق."

وتابعت "الناس تجردوا من الكثير من القيم، وهذا حدث بسبب دور السلطة والنظام السياسي الذي أفرغ الجمهور منها، كما أن المواطنين يفتقرون إلى الوعي تجاه القضايا المجتمعية، ولذلك إذا لم نمسك طرف الخيط الذي سيعيدنا إلى قيمنا سنضيع."

 جاء حراك ذوي الإعاقة بعد سنوات من الصمت وغياب أي حركات مطلبية أو نقابية، كان آخرها ربما حراك الضمان الاجتماعي وقبلها بسنوات حراك المعلمين، ولعل ذلك يعود إلى حالة الضعف والترهل والتفكك التي أصابت الاتحادات والنقابات وإفراغها من مضمونها.

ووجهت إلى الحراك اتهامات عديدة في بداياته، إذ اتهم بتنفيذ أجندة جهات ما أو السعي وراء أهداف سياسية، وهو أمر كان متوقعاً بحسب أبو سرور، التي قالت: "بدأنا بالحراك ونحن نحمل الاتهامات في جيوبنا أي أننا كنا على يقين أننا سنسمع تلك الاتهامات، لكن كنا قد اتخذنا قرارنا ووضعنا مساراً سنسير فيه دون تراجع، ودون أن ندخل في صراعات مع أحد سواء الاتحاد العام للمعاقين أو أي طرف آخر، لأننا وضعنا أمام أنفسنا خطوطاً عريضة، ليس مسموحاً لنا تجاوزها، لكي يبقى هدفنا الحصول على التأمين وعدم حرف البوصلة إلى أي اتجاهات."

وانتقدت أبو سرور ضعف الدعم الحقوقي والقانوني، مشيرة إلى أنه لم يكن بالشكل والمستوى المطلوب الذي كان يمكن أن يكون أفضل من خلال توفير أدوات وطرق دعم أفضل بكثير مما جرى.

64 يوماً احتاج إليها ذوو الإعاقة لنيل مطلبهم، وهم كانوا على استعداد للاستمرار أكثر من ذلك، تقول أبو سرور: "كنا نتوقع أن يستمر أكثر من ذلك، لأنه لم يكن لدينا شيء نخسره ومطالبنا ليست شخصية، وبالتالي لم يكن لدينا خيار التراجع أو الاستسلام."

طرح حراك ذوي الإعاقة تساؤلات بشأن غياب آليات الدعم والإسناد الجماهيري والنقابي واختفائه من الشارع الفلسطيني، ولعل ذلك الاختفاء برز في حراك ذوي الإعاقة بسبب ظروفهم الخاصة والصعبة وحاجاتهم المحقة التي تضمنتها التشريعات، على عكس الحراك الرافض للضمان الذي تجندت له مؤسسات وشركات دفعت بموظفيها للمشاركة فيه.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحييد غياب دور اتحاد المعاقين عن أسباب ضعف الحراك والدعم، فقوة أي حراك مهما تكن تبدأ بالدرجة الأولى من حجم وقوة النقابة أو الاتحاد الخاص به، وهذا ما يتجلى في حراك المحامين ضد التعديلات القانونية التي أجراها الرئيس محمود عباس مؤخراً على قانون السلطة القضائية، إذ ظهر الحراك بصورة قوية وصلبة نظراً إلى وقوف نقابة المحامين على رأس ذلك الحراك.

ويعتبر أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح، ماهر أبو زنط، أن قضية المعاقين بصورة عامة هي قضية إنسانية، وهي تحظى بدعم كبير في أي مكان في العالم، لكن غياب قوة المؤسسات والنقابات الخاصة بدعم المعاقين وتفعيل القانون وعدم إيمان بعض الأشخاص بحق المعاقين في العمل وغيرها من الحقوق، من الأسباب التي تضعف قضيتهم بصورة عامة.

وأضاف "من المعروف أن قوة ونجاح أي حراك يعتمد على قوة نقابته وقدرتها على عرض مطالبهم على الجمهور، فكلما كان الاتحاد أو النقابة قوية وحاضرة ينجح ذلك الحراك"، متابعاً "نلاحظ وجود قصور في موضوع المعاقين على الرغم من وجود قانون واضح وصريح لكنه غير مطبق."

ولفت أبو زنط إلى تأثير أي خلافات داخل الاتحادات والنقابات في قوة الحراك، لافتاً إلى أن أحد أسباب ضعف حراك ذوي الإعاقة وجود خلافات مع الاتحاد، يضاف إليه غياب الدعم المجتمعي، على الرغم من أنه لا يكاد يخلو بيت من وجود حالة إعاقة.

ولا تزال ثقافة العيب والخجل من ذوي الإعاقة سائدة في أوساط كثير من المواطنين الذين لديهم بعض الحالات، ويرى أبو زنط أنه "لا يوجد حالة من الثقة والجرأة لهذه المواجهة، بصورة عامة في مجتمعنا قد نجد عائلة لديها طفل معاق تخجل منه وقد تخفيه ولا ترغب في ظهوره، وهذه الحقيقة لا تزال موجودة في مجتمعنا، لذلك فقضية الإعاقة لا تظهر في الشارع، وقد تجد الأب يمنع ابنه أو ابنته من الخروج باستثناء فئة قليلة جداً."

 لم يكن ذوو الإعاقة يحتاجون إلى 64 يوماً من الاعتصام داخل المجلس التشريعي والتظاهر في الشوارع والتعرض للقمع والاعتداء، لو لم يكن هناك إهمال من السلطة الفلسطينية في تلبية مطالبهم التي يتخوفون حتى الآن من تهرب الحكومة من تنفيذها، بالإضافة إلى تهرب وغياب واضحيَن للأحزاب السياسية، وضعف الدعم الجماهيري والاتحادات والنقابات والمؤسسات، فلو توفر كل ذلك الدعم لحصل ذوو الإعاقة على مطالبهم دون الحاجة إلى الاعتصام ولو ليوم واحد .  

عن المؤلف: 

أحمد ملحم: كاتب صحافي من رام الله.